من كتب الإنجيل؟

يفند هذا الكتاب ادعاءات الكنيسة حول الأناجيل الأربعة ونسبتهم لتلاميذ السيد المسيح عليه السلام، ويناقش هذا الكتاب العديد من النقاط ومنها: - جولة سريعة في تاريخ العهد الجديد. - هل كتبة الأناجيل الأربعة هم تلاميذ السيد المسيح عليه السلام؟ - أسماء تلاميذ المسيح وردت في الأناجيل الأربعة ولكن ليس بينهم لا اسم لوقا ولا اسم مرقس، فمن يكونوا؟ - كاتب إنجيل يوحنا لم يعرف سالومة أم يوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، فكيف يمكن أن يكون كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا بن زبدي؟! - اعترافات إنجيل لوقا. - لا يوجد ما يسمى بالإنجيل الأصلي للأناجيل الأربعة. - هل كُتبت الأناجيل الأربعة بوحي من الروح القدس؟  وحاجة الكنيسة لادعاء ذلك! - اعتراف الأناجيل الأربعة بوجود الإنجيل وفق رواية عيسى المسيح عليه السلام (إنجيل المسلمين). - ظهور عشرات الأناجيل المجهولة المصدر في القرن الثاني واستخدامها في صراع المعتقدات بين أباء الكنيسة المبكرة. - إريناؤس هو من أطلق على تلك الأناجيل الأربعة أسماءها (وفق رواية متى، مرقس، لوقا، يوحنا). - بوليكاربوس وبابياس هي شخصيات وهمية من نسج خيال إريناؤس. - لا يمكن الاستدلال بالبرديات العشرة التي تعود للقرن الثاني. - تحديد تاريخ كتابة البرديات عن طريق الباليوجرافيا هو كذب وخداع. - اعتراف الكنيسة بوجود إضافات مزورة في العهد الجديد. - تأثر أباء الكنيسة المبكرة بالفلسفة اليونانية وإدخالهم إياها في العقيدة النصرانية. - إنجيل يوحنا اقتبس من الفلاسفة اليونانيين ومن فيلون الفيلسوف اليهودي السكندري. - سر فقدان وضياع التوراة (العهد القديم). - من كتب العهد القديم؟ - الكنيسة لا تعرف من كتب الرسالة للعبرانيين ولكن أضافتها للكتاب المقدس لأنها أعجبتها! - اختفاء وفقدان عدد كبير من أسفار الكتاب المقدس.

من كتب الإنجيل؟

WHO WROTE THE BIBLE?

 

 

كتبه

أحمد الأمير

الباحث في مقارنة الأديان

 

 

WWW.ISLAMLAND.COM

 

الفهرس

المقدمة

إريناؤس، بوليكاربوس، بابياس

قانونية العهد الجديد

البرديات العشرة من القرن الثاني

لا يوجد ما يسمى بالإنجيل الأصلي للأناجيل الأربعة

رسائل مجهولة المصدر داخل العهد الجديد

جولة سريعة في تاريخ العهد الجديد

إنجيل يوحنا والفلسفة اليونانية

هل كتبة الأناجيل الأربعة هم تلاميذ السيد المسيح عليه السلام؟

من هو كاتب الإنجيل وفق رواية متى؟

من هو كاتب الإنجيل وفق رواية يوحنا؟

هل كُتبت الأناجيل الأربعة بوحي من الروح القدس؟

اعترافات إنجيل لوقا

اعتراف الكنيسة بوجود إضافات مزورة في العهد الجديد

الإنجيل وفق رواية عيسى المسيح عليه السلام

من كتب العهد القديم؟

فقدان وضياع التوراة (العهد القديم)

اختفاء وفقدان عدد كبير من أسفار الكتاب المقدس

 

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله الذي أرسل محمداً بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وفضّل صحابته ومنحهم فضلاً كبيراً، فصلي اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه صلاة وسلاماً متتابعاً كثيراً.

أما بعد:

البحث عن طريق الإله الخالق:

عندما كنت في أوائل العشرينيات من عمري بدأت رحلة استكشافي للعالم، فزرت العديد من الدول حول العالم وتعرفت على العديد من الثقافات والعادات المختلفة، وأثار انتباهي مدى الاختلاف في الأديان حول العالم، فرأيت الرهبان البوذيين وانقطاعهم عن الحياة الدنيا وانشغالهم بالعبادة لإلههم بوذا، ورأيت الرهبان النصارى وانعزالهم في الأديرة وانشغالهم بالتعبد لإلههم عيسى المسيح، ورأيت من يعبد الشجر والحجر والبقر والفئران والنار والأموال وغير ذلك من الجمادات، ورأيت من لا يؤمن بوجود إله أو يؤمن بوجود إله ولكن يقول لا أعرف عنه شيء.

وكنت أحب أن أسمع من كل شخص وجهة نظره حول ما يعبد، فوجدت البوذيين يؤمنون إيماناً قطعياً أن البوذية هي الطريق المستقيم وأن غيرها هو طريق الضلال، ووجدت النصارى يؤمنون أن عبادة المسيح واتباع الإنجيل هو طريق الخلاص، ووجدت الملحدين لا يؤمنون لا بوجود جنة ولا نار. ووجدت أن الإحصائيات العالمية تشير لوجود ما يقارب من ٢ مليار بوذي حول العالم، و٢ مليار نصراني حول العالم، و٢ مليار مسلم حول العالم، وملايين الملحدين حول العالم، وبما أنه من المستحيل أن تكون تلك الأديان التي يؤمنون بها جميعها هي أديان صحيحة، فهذا يعني أن ديناً واحداً فقط من بين تلك الأديان السابق ذكرها هو الدين الحق وأن غيره من الأديان هي أديان باطلة، فالإله الخالق لهذا الكون هو إله واحد، ودينه الذي أرسله للناس هو دين واحد، فالدين يعني الطريق إلى الإله، والطريق إلى الإله الواحد هو طريق واحد، وهو أن يعبدوه هو وحده بلا أي شريك وألا يضيفوا أي خزعبلات وبدع في دينه الواحد.

فمن هو هذا الإله الخالق وما هو دينه الصحيح؟

قبل أن تسلك طريق بالسيارة يجب عليك أولاً التأكد من أنك تسير في الاتجاه الصحيح لأن عكس هذا يعني الضياع والخسارة وبذل مجهود بدون أي معنى. وفي حياتنا الدنيوية هذه، يجب علينا أن نتأكد أولاً من أننا على الطريق الصحيح المؤدي لدار النعيم في الآخرة. فهل تأكد الرهبان البوذيون قبل انقطاعهم للتعبد لبوذا أنهم على الطريق الصحيح، أم أنهم قد أضاعوا حياتهم في اتباع دين ليس هو الدين الحق للإله للخالق؟ وهل تأكد الرهبان النصارى قبل الانقطاع للرهبنة والتعبد للمسيح أنه هو طريق الخلاص وأن كتابهم المقدس هو كلام الخالق؟ وهل تأكد الملحدون من أنه لا يوجد إله للكون وأن الكون جاء من العدم أو أن الكون قد خلق نفسه، وأنه لا يوجد بعد الموت لا حساب ولا جنة ولا نار وأن الفضيلة تساوي الرذيلة في عدم الحساب عليها وأن المجرم الذي لم يحاسب في دنياه على جرائمه لن يحاسب أيضا بعد موته؟

من أجل الإجابة عن كل تلك الأسئلة، فقد حاولت مساعدة الحائرين الجادين في البحث عن طريق الحق، وركزت انتباهي أولا على النصرانية نظراً لكثرة أتباعها. وبما أن النصرانية وعقيدتها وتعاليمها هي مبنية على الكتاب المقدس، فكان ولابد من أن نتأكد أولاً من مصدر هذا الكتاب ومدى صدقه. فهل هذا الكتاب هو فعلاً كلام الخالق ووحيه الإلهي، أم أنه كلام بشر عاديين تم تقديسه من النصارى؟

أهمية الكتاب المقدس:

تنبع أهمية الكتاب المقدس من اتباع ما يقرب من ٢ مليار مسيحي حول العالم له، وعلى هذا الكتاب بنت الكنيسة حجر أساسها وعقيدتها ورسمت به طريق نحو الخلاص، ومنه يُحكى لنا عن حياة السيد المسيح عليه السلام والأحداث التي جرت معه، ومنه تُقتبس بعض العبارات في كثير من المؤتمرات العالمية أو الجلسات البرلمانية، ومنه تُقتبس المواعظ والقصص لافتتاح الطابور الصباحي للأطفال في مدارس البلدان المسيحية، ومنه قد يَقتبس بعض قادة الدول عبارات لإعلان حرب أو لعقد اتفاقية سلام، وبه قد يَستدل البعض على جواز أو عدم جواز زواج المثليين (الشواذ)، وغير ذلك من الأمور.

من كتب الكتاب المقدس:

تؤمن النصارى أن العهد القديم قد كتبت أول خمسة أسفار منه من نبي الله موسى عليه السلام، وأن باقي أسفار العهد القديم قد كتبت من الأنبياء الذين أتوا بعد موسى عليه السلام، وأن العهد القديم منذ زمن موسى عليه السلام لم يتغير ولم يتحرف ولم يضيع في أية فترة من الزمان.

كما تؤمن النصارى أن الأناجيل الأربعة الموجودة في العهد الجديد قد كتبت من تلاميذ السيد المسيح، الذين كانوا شهود عيان على الأحداث، وأن الكنيسة عندها من الأدلة القطعية التي تثبت نسبة تلك الأناجيل لتلاميذ المسيح. كما تؤمن النصارى أن تلك الأناجيل الأربعة قد كتبت بإلهام ووحي من الروح القدس وأنها كلام إلهي مقدس وليس بكلام بشر. كما تؤمن النصارى أن تلك الأناجيل قد كتبت في أرض الأحداث (فلسطين) وأن النسخ الأصلية من تلك الأناجيل موجودة ومحتفظ بها في مكتبات الكنائس. كما تؤمن النصارى أن السيد المسيح لم يوجد معه إنجيل أثناء حياته على الأرض.

ولهذا فسوف نناقش بإذن الله تعالى تلك النقاط التي يؤمن بها النصارى حول الكتاب المقدس في الفصول القادمة.

 

المؤلف.،

 

 

 

الفصل الأول

إريناؤس، بوليكاربوس، بابياس

ثلاثة أسماء هي مفتاح السر للتعرف على من كتب الأناجيل الأربعة، فتلك الأسماء هي الأساس الذي يقوم عليه التقليد الكنسي في نسبة الأناجيل الأربعة لتلاميذ المسيح.

التقليد الكنسي: المقصود به هو ما وصل إلى الكنيسة الحالية من كتابات الآباء الأولين.

 

إريناؤس[1]:

لا توجد لدى الكنيسة معلومات كثيرة عنه وعن شخصيته وعن حياته. ولكن الذي يُعرف عنه أنه كان أسقف ليون بفرنسا، ولد عام ١٤٠م وتوفي عام ٢٠٣م (إلا أن عام ولادته وأيضا عام وفاته هو محل خلاف والأرجح أنه غير معروف)، وبالنسبة لمحل ولادته فالمرجح أنه ولد بأسيا الصغرى من أبوين يونانيين (إلا أن أيضا محل ولادته بأسيا الصغرى هو محل خلاف).

إريناؤس هو أول من تصدى للفرق المسيحية الأخرى وسماها بالهرطقات، مثل الغنوصية[2] والمونتانية[3]. وقد درس الشعر اليوناني واللغة والفلسفة اليونانية.

يلقب ب "أبو التقليد الكنسي" وأيضا ب "أبو اللاهوت المسيحي"، فهو أول من وضع أساس اللاهوت المسيحي والعقيدة المسيحية، وهو المصدر الرئيسي والوحيد الذي تعتمد عليه الكنيسة في إثبات أن كتبة الأناجيل هم تلاميذ المسيح، فهو أول من أشار إلى أن كتبة الأناجيل هم تلاميذ المسيح وذلك في كتابه "ضد الهرطقات" الذي كتبه عام ١٨٠م.

وقد ذكر يوسابيوس القيصري[4] (الذي عاش بين القرن الثالث والرابع، وكان يلقب بأبو التاريخ الكنسي بسبب عمله في تسجيل تاريخ الكنيسة المبكرة) في كتابه "تاريخ الكنيسة"[5] أن إريناؤس قد ذكر الآتي في كتابه "ضد الهرطقات": "لقد نشر متى إنجيله بين العبرانيين بلغتهم، إذ كان بطرس وبولس يكرزان ويؤسسان الكنيسة في روما. وبعد ارتحالهما نقل إلينا مرقس تلميذ بطرس ولسان حاله- كتابة تلك الأمور التي كرز بها بطرس. ودَوّنَ لوقا الذي كان ملازما لبولس- في كتابة الإنجيل الذي أعلنه بولس. بعد ذلك نشر يوحنا تلميذ الرب، والذي كان أيضا يضطجع على صدره- إنجيله إذ كان مقيماً في أفسس بآسيا.".

بالنسبة لكتابات إريناؤس فقد فُقدت جميعها، لكن عثر على الترجمة اللاتينية لخمسة كتب له باسم "ضد الهرطقات"، كما عُثر على ترجمة أرمينية لكتابه "برهان الكرازة الرسولية". وفي هذين العملين وحدهما تجد الكنيسة عناصر النظام اللاهوتي المسيحي. أي أن الكنيسة قد بنت عقيدتها على ترجمات لاتينية وأرمينية لكتب إريناؤس ولم تطلع أبداً على الأصل، ولا تعرف من ترجمها وإن كان أميناً في ترجمتها، فضلا عن أن الكنيسة نفسها لا توجد عندها معلومات كثيرة عن إريناؤس نفسه!!

وقد ادعى إريناؤس في كتابه "ضد الهرطقات" أنه عندما كان صغيراً كان يحضر عظات لقديس اسمه بوليكاربوس الشهيد، وادعى أن بوليكاربوس هذا كان تلميذاً ليوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، وادعى أن بوليكاربوس قد ذكر أن إنجيل يوحنا هو من تأليف معلمه يوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، وادعى أيضا أن بوليكاربوس كان له صديق اسم بابياس، وأن بابياس قد ذكر أن إنجيل متى هو من تأليف متى وأن إنجيل مرقس هو من تأليف مرقس تلميذ بطرس.

العهد الجديد وفقا لإريناؤس يحتوي أيضا على إنجيل "راعي هرمس"[6]، والذي تعده الكنيسة أنه أبوكريفا! وعلى هذا فكيف اعتمدت الكنيسة على أقوال إريناؤس في اعتماد الأناجيل الأربعة ثم تكذبه في اعتماد إنجيل راعي هرمس؟!

 

بوليكاربوس[7]:

لا تعرف عنه الكنيسة أية معلومات إلا ما قد ذكره عنه إريناؤس في كتابه "ضد الهرطقات" من أنه كان تلميذاً ليوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، وأنه هو من ذكر أن إنجيل يوحنا هو من كتابة يوحنا بن زبدي. وعلى هذا فبوليكاربوس هو الصلة الوحيدة بين الرسل تلاميذ المسيح الذين عاشوا في القرن الأول وبين أباء الكنيسة في القرن الثاني.

أيضا ذكر ترتليانوس[8] أن بوليكاربوس كان تلميذاً ليوحنا بن زبدي، ولكن شهادته تلك كانت عبارة عن اقتباس مما ذكره إريناؤس فقط، لأن ترتليانوس قد ولد قبل وفاة بوليكاربوس بعام واحد، أي أنه لم يره في حياته، وعلى هذا فشهادته غير معتبرة!

 

بابياس[9]:

لا تعرف عنه الكنيسة أية معلومات إلا ما قد ذكره عنه إريناؤس في كتابه "ضد الهرطقات" من أنه كان صديقاً لبوليكاربوس، وأنه سمع ليوحنا بن زبدي، وأنه كان أسقفا لهيرابوليس، وأنه قد ذكر أن إنجيل متى هو من تأليف متى وأن إنجيل مرقس هو من تأليف مرقس تلميذ بطرس.

وقد ذكر يوسابيوس القيصري في كتابه "تاريخ الكنيسة" أن بابياس قد أشار إلى أن كاتب إنجيل متى هو شخص اسمه متى في قوله: "وهكذا كتب متى الأقوال الإلهية باللغة العبرانية، وفسرها كل واحد على قدر استطاعته."

وذكر أيضا يوسابيوس القيصري أن بابياس قد أشار إلى أن كاتب إنجيل مرقس هو شخص اسمه مرقس من تلاميذ بطرس في قوله: "إن مرقس إذ كان هو اللسان الناطق لبطرس كتب بدقة، ولو من غير ترتيب، كل ما تذكره عما قاله المسيح أو فعله، لأنه لا سمع للرب ولا اتبعه، ولكنه فيما بعد كما قلت- اتبع بطرس الذي جعل تعاليمه مطابقة لاحتياجات سامعيه، دون أن يقصد بأن يجعل أحاديث الرب مرتبطة ببعضها.".

كما تعرف الكنيسة عن بابياس أنه قد كتب خمسة كتب تحت عنوان "تفسير أقوال الرب"، ولكن تلك الكتب لا أثر لها إلا بعض المقتطفات المدونة داخل كتابات إريناؤس!!

وللأسف فالمصدر الوحيد الذي استقت منه الكنيسة معلوماتها عن بابياس، كان ما ادعاه إريناؤس فقط. بل وأياً من أباء الكنيسة كان قد كتب عن بابياس إنما كان يقتبس مما ذكره إريناؤس عنه فقط!

فقد ورد في كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري الآتي:

"أشار إريناؤس لتلك الكتب الخمسة التي كتبها بابياس على أنها العمل الوحيد الذي كتبه بابياس، فقال إريناؤس: "هذه الأشياء التي قد شهد عليها بواسطة بابياس في كتابه الرابع من ضمن الكتب الخمسة التي كانت قد كتبت منه، وبابياس هذا الذي هو كان رجلا عجوزا قد سمع من يوحنا وكان أيضا صديقاً لبوليكاربوس". ولكن في الواقع فإن بابياس نفسه لم يعلن أبدا في مقدمة خطابه أنه كان قد سمع أو حتى رأى أيا من الرسل تلاميذ المسيح، إنما يشير في الكلمات التي استخدمها أنه تلقى تعاليم الإيمان من هؤلاء الذين كانوا من أصدقاء الرسل!"[10]

فكما نرى أن يوسابيوس ذكر أقوال إريناؤس عن بابياس ولكن بتحفظ. وما ذكره إريناؤس: "وبابياس هذا الذي هو كان رجلا عجوزاً ... وكان أيضا صديقاً لبوليكاربوس"، يوحي لنا وكأنه كان يحكي قصة خيالية يحاول فيها التعريف بشخص هو أصلاً غير معروف، وهذا يجعلنا نشكك في وجود شخص باسم بابياس من الأصل، فلا دليل على وجوده أو على كتاباته أو على أنه سمع ليوحنا بن زبدي، إلا ادعاء إريناؤس ذلك فقط!! فهل لم يكن لبابياس أي رفقاء أو تلاميذ قط؟ ألم تسمع أي كنيسة عنه إلا من كتابات إريناؤس فقط؟ وكيف يمكن لشخص بتلك الأهمية والمكانة ألا يكون مشهوراً ولا حتى كتاباته مشهورة بين الكنائس؟ بل والمقتطفات التي دوّنها إريناؤس في كتاباته ونسبها إلى بابياس تشير إلى أنه من المفترض أن إريناؤس كان في يده كتب بابياس حتى يقتبس منها، ولكن طالما أن تلك الكتب لم تُحفظ أبداً ولم يُشر إلى وجودها إلا إريناؤس، فهذا يعني أنه لم تكن موجودة من الأصل وأن تلك المقتطفات إنما هي من فكر إريناؤس نفسه!!

يقول أيضا يوسابيوس القيصري: "يتضح لنا من كتابات بابياس (يقصد المقتطفات التي وردت في كتابات إريناؤس ونسبها لبابياس) أن بابياس كان رجل قليل الذكاء ومحدود الإدراك". وكان حكمه هذا على بابياس بأنه قليل الذكاء لسببين: السبب الأول: هو أن بابياس كان يؤمن "بالمُلك الألفي"[11] المادي (أي التفسير الحرفي لسفر الرؤيا عن المُلك الألفي)، معتقداً بأن السيد المسيح سوف يعود للأرض ليحكمها لمدة ١٠٠٠ سنة، وأن الصالحين من المؤمنين به سوف يقوموا من بين الأموات ليحكموا معه في تلك الألف سنة (وهو ما يسموه بالقيامة الأولى لهم، في حين أن غيرهم لن يقوموا من الأموات إلا في القيامة الأخيرة الكبرى)، وأن الأشرار سوف يبادوا وينتشر السلام في تلك الألفية. ولهذا فقد ألقى يوسابيوس على بابياس باللوم بأنه السبب وراء أن أغلب أباء الكنيسة من بعده مثل إريناؤس (وأيضا يوستينوس[12]، ترتليانوس، ميثوديوس[13]، وغيرهم) قد اعتنقوا نفس الآراء ونفس المعتقد عن المُلك الألفي المادي. السبب الثاني: من الواضح أن بابياس كان عنده عجز في القدرة على التمييز ولهذا كان يمرر روايات خرافية وتعاليم غريبة، قائلاً بأنها وصلته من التقليد الشفوي.[14]

ونود الإشارة هنا عن أن معتقد المُلك الألفي هو معتقد مستمد من الكتب الأبوكريفا اليهودية التي كتبت بقرن أو قرنين قبل ميلاد المسيح، وقد عمّ هذا المعتقد أغلب الكنائس المسيحية، ولكن قلة قليلة من أباء الكنيسة قد قاوموا ذلك المعتقد ومنهم: أوريجانوس[15]، ديونسيوس[16]، يوسابيوس القيصري، باسيليوس الكبير[17]، غريغوريوس[18]، وقد قاوم أيضا القديس أوغسطينوس[19] تلك الهرطقة بمعناها الحرفي والمادي، واعتبر أن كل من يعتقد بعقيدة بابياس هو منحرف عن الإيمان! وفيما بعد أصبحت عقيدة الكنيسة سواء الأرثوذكسية أو الكاثوليكية عن المُلك الألفي هو أنه يجب أن يفهم بمعناه الرمزي وليس الحرفي، وأن ذلك المُلك قد بدأ بالفعل من زمن المسيح وأن الكنيسة في الحاضر هي ملكوت المسيح على الأرض. أما بالنسبة للكنيسة البروتستانتية فمازالت حتى يومنا هذا تؤمن بالمُلك الألفي بمعناه الحرفي!

ونرجع مرة أخرى لشخصية بابياس، وحول إن كان شخصية حقيقية أو هو من نسج خيال إريناؤس، ونقول: طالما أن إريناؤس قد ادعى أن بابياس قد سمع عن "المُلك الألفي" (بمعناه الحرفي والمادي) من يوحنا بن زبدي، وطالما أن الكنيسة المبكرة وحتى الان تقول أن هذه بدعة وهرطقة، وأنه لا يوجد مُلك ألفي بمعناه الحرفي والمادي، وطالما أنه من المستحيل أن يكون يوحنا بن زبدي قد ذكر مثل تلك الهرطقة أو البدعة، إذن فهذا معناه أن ما ذكره إريناؤس عن بابياس هو خرافة لا وجود لها، وأن بابياس هو شخصية وهمية من نسج خيال إريناؤس ولا وجود لها في الواقع.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الان هو:

لماذا قد يكذب إريناؤس ويختلق شخصيات وهمية والتي هي بوليكاربوس وبابياس، ويدعي أنهم سمعوا ليوحنا بن زبدي، ومن ثم ينسب لهم أنهم قد ذكروا أن إنجيل يوحنا هو من كتابة يوحنا بن زبدي؟

الجواب هو: كان إريناؤس أكثر من يقاوم ما يسميها هو بالهرطقات والبدع التي ظهرت في القرن الثاني الميلادي. وقد كان إريناؤس يعتمد بشكل أساسي على إنجيل يوحنا في ردوده على تلك الهرطقات. وعلى هذا فمن المحتمل جدا أنه قد نسب زوراً هذا الإنجيل الذي يقتبس منه ليوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، ثم اختلق شخصية بوليكاربوس وذكر أن بوليكاربوس كان معلمه، ثم ادعى أن بوليكاربوس كان تلميذا ليوحنا بن زبدي، وذلك حتى يصبح قوله أمام الناس هو القول الصواب وليثبت العقيدة التي يراها هو أنها هي العقيدة الصحيحة، ويدحض حجج القساوسة الآخرين المخالفين لفكره ومنهجه.

وقد يقول قائل:

"لا يمكن أن يكون إريناؤس قد كذب مثل تلك الكذبة التي لا تغتفر بأن ينسب إنجيل مجهول الهوية ليوحنا بن زبدي تلميذ المسيح وأن يختلق شخصيات وهمية مثل شخصية بوليكاربوس وبابياس!".

فنرد علىه ونقول: أنه وكما ورد في الموسوعة البريطانية: "لم يكن المسيحيون يعتقدون أن هذا الفعل (أن ينسبوا إنجيل مجهول الهوية لأحد التلاميذ) ينطوي على خداع أو احتيال" (وسوف نتوسع في شرح هذا الأمر في الفصول القادمة بإذن الله)، فالذي كان يقوم بهذا الفعل لم يكن يشعر أنه يكذب على المسيح أو على الإيمان، بل كان يشعر أنه يكذب من أجل المسيح ومن أجل الإيمان وتثبيت العقيدة التي يراها أنها هي العقيدة الصحيحة. وفي حين كان إريناؤس معه في يده إنجيل وينسبه ليوحنا بن زبدي، كان أيضا هناك الكثير من كبار القساوسة في ذلك الوقت معهم أناجيل أخرى وينسبونها لتلاميذ المسيح! وقد كان إريناؤس ينتقد تلك الأناجيل الأخرى ويذكر أنها أبوكريفا أو أن نسبتها لتلاميذ المسيح هو كذب وتزوير! وعلى هذا، فإن من يقول أنه لا يمكن أن يكون إريناؤس قد كذب بخصوص نسبة إنجيل يوحنا ليوحنا بن زبدي، فإنه ومن دون أن يشعر قد ناصر إريناؤس وعادى معارضيه الذين هم أيضا كانوا قساوسة كبار! أي أنه قد اتهمهم بالكذب في نسبتهم للأناجيل التي كانت في أيديهم لتلاميذ المسيح، وذلك بدون أن يسمع لا حججهم ولا حجج إريناؤس، وبدون أن يكون على معرفة حقيقية بأي منهم!

 

خلاصة هذا الفصل:

١) لا توجد لدى الكنيسة معلومات كثيرة عن إريناؤس. ٢) لا توجد لدى الكنيسة أية نسخة من كتب إريناؤس. ٣) بنت الكنيسة عقيدتها وإثباتها لشخصيات كتبة الأناجيل الأربعة من خلال ترجمة لاتينية وأرمينية لكتب إريناؤس. ٤) لا تعرف الكنيسة من ترجم تلك الكتب وإن كان محل ثقة. ٥) كلا من بوليكاربوس وبابياس شخصيات مجهولة لم يعرفها أياً من أباء الكنيسة المبكرة إلا فقط إريناؤس الذي هو نفسه غير متوفر عنه معلومات كثيرة لدى الكنيسة. ٦) يوسابيوس القيصري ذكر عن بابياس أنه كان رجل قليل الذكاء ومحدود الإدراك وأنه كان يؤمن ببدعة الملك الألفي المادي وأنه كان عنده عجز في القدرة على التمييز ولهذا كان يمرر روايات خرافية وتعاليم غريبة مدعياً بأنها وصلته من التقليد الشفوي. ٧) القديس أوغسطينوس اعتبر أن كل من يعتقد بعقيدة بابياس هو منحرف عن الإيمان.

الفصل الثاني

قانونية العهد الجديد

حاجة الكنيسة لادعاء قانونية العهد الجديد:

يتشدد كثير من القساوسة في نسبة الأناجيل الأربعة لتلاميذ المسيح، لأنه لا يعقل أن يقولوا أنهم يؤمنون بكتاب مقدس لا يعرفون مصدره ولا من كتبه ولا مكان كتابته! ولهذا السبب فإنهم يحاولون خلق دلائل مهما كانت ضعيفة ثم دمجها ببعضها البعض وصياغتها في صيغة حكاية قد يوهم بها الناس.

 

أدلة الكنيسة حول قانونية العهد الجديد:

عند السؤال عن قانونية العهد الجديد، نجد أن هناك انقسام حاد بين قساوسة الكنائس، فمنهم من يعترف أن كتبة العهد الجديد هم مجهولون، وأن عبارة الإنجيل وفق رواية متى، مرقس، لوقا، يوحنا هي عبارة قد تمت إضافتها في القرن الثاني بدون أدلة قوية على صحتها، ومنهم من يتشدد جدا في نسبة الأناجيل الأربعة لتلاميذ المسيح، ويضع أدلة واهية وغير صحيحة ولكن قد يرتبها وينسقها بشكل خادع حتى يصدقها القارئ العادي. ومن تلك الأدلة التي يستند عليها الآتي:

١- الأدلة الداخلية:

فيدعي أنه من خلال نصوص الإنجيل نفسه يمكن التعرف على شخصية واسم كاتب الإنجيل. فمثلا إنجيل يوحنا يمكن التعرف على أن كاتبه هو يوحنا بن زبدي تلميذ المسيح من خلال العبارة التي وردت فيه وتشير إلى أن كاتبه هو "التلميذ الذي أحبه المسيح"، فضلا عن معرفة كاتب إنجيل يوحنا بعادات اليهود وتاريخهم وجغرافية فلسطين.

٢- الأدلة الخارجية:

١) شهادات أباء الكنيسة المبكرة: فقد شهد عدد من أباء الكنيسة المبكرة لاسم كاتب الإنجيل.

٢) اقتباسات الآباء: حيث اقتبس عدد من أباء الكنيسة المبكرة من نصوص الإنجيل.

٣) المخطوطات البردية: توجد لدى الكنيسة حاليا آلاف النسخ والعديد من الترجمات القديمة.

 

الرد على تلك الأدلة الواهية:

١- بالنسبة للأدلة الداخلية:

لا توجد أي إشارة داخل أي إنجيل على اسم كاتبه، ولا أي تلميح عن شخصيته. ويمكن للقارئ الكريم أن يقرأ أي إنجيل يختاره ويحاول أن يكتشف بنفسه إن كان هناك وجود لتلك الأدلة الداخلية على اسم الكاتب أم لا. بل العكس هو الصحيح، فالأدلة الداخلية كما سنعرضها في الفصول القادمة بإذن الله تشير بوضوح أن الكاتب هو شخص مجهول ولم يكن من تلاميذ المسيح.

أما بالنسبة لادعاء أن كاتب إنجيل يوحنا قد عرّف عن نفسه بذكره أنه "التلميذ الذي أحبه المسيح"، فنقول أن هذا ادعاء غير صحيح لأن كاتب الإنجيل كان يتحدث عن التلميذ الذي أحبه المسيح بصيغة الغائب، أي أن الكاتب كان يتحدث عن شخص آخر وليس عن نفسه، فضلا عن أين هو اسم يوحنا في تلك العبارة "التلميذ الذي أحبه المسيح"؟!

وبالنسبة لادعاء أن الكاتب كان على معرفة بعادات وتاريخ اليهود وجغرافية فلسطين، فنقول وأين اسم يوحنا هنا؟ ألم يوجد أي شخص آخر يعرف تلك المعلومات إلا يوحنا بن زبدي؟! فتلك الأدلة الواهية تشبه القشة التي يحاول أن يتشبث بها من يشعر بالغرق!

٢- بالنسبة للأدلة الخارجية:

١) شهادات أباء الكنيسة المبكرة:

يقوم بعض القساوسة بسرد قائمة بها عدة أسماء لأباء الكنيسة المبكرة ويدّعوا أن هؤلاء الأباء قد شهدوا لاسم كاتب كل إنجيل. ولكن في الحقيقة فإن تلك القائمة بها خداع كبير، لأن شهادات أباء الكنيسة يجب أن تخضع أولاً للتدقيق وأن تتوافر فيها الشروط الآتية:

أ) يجب أن تكون صادرة من إثنين من أباء الكنيسة على الأقل:

فالمحاكم في عصرنا هذا لا تقبل شهادة شخص واحد، وإنما تشترط وجود شاهدين على الأقل.

ب) أن يكون كلا من الشاهدين هم شهود عيان:

أي يجب أن يكونا هذان الشاهدان من تلاميذ أحد الرسل تلاميذ المسيح، وعلى هذا يجب أن يكونا قد عاشا في نفس القرن الذي عاش فيه تلاميذ المسيح، ولكن بالتحقق من قائمة شهادات أولئك الأباء نجد أن كل منهم قد عاش في قرن مختلف عن القرن الذي عاش فيه الآخر وأنه لم يرى أيا منهم الآخر، فمنهم من عاش في أواخر القرن الثاني ومنهم من عاش بالقرن الثالث ومنهم من عاش بالقرن الرابع، فضلاً عن أن كل منهم كان يعيش في بلد مختلف عن البلد الذي عاش فيه الآخر.

وقد ذكر يوسابيوس القيصري في كتابه تاريخ الكنيسة في الفصل الثاني عشر[20]: "في ذلك الوقت، الرسول يوحنا، التلميذ الذي أحبه المسيح، كان يعيش في أسيا ويحكم كنائس تلك المنطقة، بعد أن عاد لتلك المنطقة من منفاه من الجزيرة بعد موت دوميتيان. وبالنسبة إلى مسألة أنه كان مازال يعيش في ذلك الوقت فهي تستند إلى شهادة إثنين من الشهود، المفترض عنهم أنهم ثقة وأنهم حافظوا على أرثوذكسية الكنيسة (الطريق المستقيم للكنيسة)، وهؤلاء الشهود هم إريناؤس وإكليمنضس السكندري[21]."

ولكن للأسف فما ذكره يوسابيوس القيصري يعتبر استشهاد خاطئ لأن إريناؤس قد ولد عام ١٤٠م، أي بعد وفاة يوحنا بن زبدي بخمسين عاماً على الأقل، أي أنه ليس بشاهد عيان. وبالنسبة لإكليمنضس السكندري فقد ولد عام ١٥٠م، أي بعد وفاة يوحنا بن زبدي بستين عاماً على الأقل، أي أنه ليس بشاهد عيان، ولم توجد له أية صلة بأي شخص كان شاهد عيان على يوحنا بن زبدي!  وفي الفصول القادمة سوف نتوسع في الكلام عن إكليمنضس السكندري وكيف أنه ليس بشخص ثقة، فقد تم مسح اسمه من سجل الشهداء بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية عام ١٥٨٦م بأمر من البابا إكليمنضس الثامن، بسبب وجود بعض التعاليم الفاسدة في كتاباته!

ج) يجب أن تكون كل شهادة هي شهادة مستقلة:

وليست مجرد تكرار لشهادة سابقة، فهؤلاء القساوسة الذين يسردون لنا قائمة بشهادات أباء الكنيسة المبكرة، لا يذكرون لنا عند سرد تلك القائمة أن هؤلاء الأباء إنما كانوا في الواقع ينقلون عن بعضهم البعض! فالشهادة هي شهادة شخص واحد لم يرى أيا من التلاميذ أصلا، ثم الشهادات الأخرى هي مجرد تكرار لشهادته.

والمثال على ذلك، أن الكنيسة تقول أن القديس بابياس كان قد كتب خمسة كتب، والدليل على وجود تلك الكتب ونسبتها لبابياس هي شهادة كل من إريناؤس وترتليانوس! ولكن لا تخبرنا الكنيسة مباشرة أن إريناؤس قد عاش في القرن الثاني في حين أن ترتليانوس قد عاش في القرن الرابع! أي أن ترتليانوس يقتبس مما ذكره إريناؤس! أي أن الشهادة واحدة والأخرى هي تكرار للأولى! وعلى هذا فلا عبرة هنا بعدد أسماء الأباء طالما أن شهادتهم هي مجرد تكرار!

د) يجب أن يكون كلا من الشاهدين قد استلما إنجيل هذا التلميذ بأيديهم:

فكيف تُقبل شهادة من أحد بدون وجود شيء مشهود عليه؟ أي أنه يجب أن يكون هذا الإنجيل حاضراً وفي يد أباء الكنيسة ثم يشهدون على أن هذا الإنجيل هو من كتابة أحد تلاميذ المسيح! وعلى هذا، فمن هو الذي استلم هذا الإنجيل الأصلي بيده من تلاميذ المسيح؟ ولمن قدمه؟ وأين شهد عليه وأمام من؟ وأين هو هذا الإنجيل الأصلي وأين اختفى؟

ر) الصدق والأمانة:

يجب أن يكونوا من المعروف عنهم الاستقامة والصدق والأمانة بين مجتمعاتهم وبين أباء الكنيسة المبكرة.

٢) اقتباسات الآباء:

عبارة اقتباسات الأباء توحي وكأنه كان معهم الإنجيل الأصلي في أيديهم ثم اقتبسوا منه! ولكن في الواقع فإن اقتباسات الأباء ترجع لأمرين:

الأول: لم يكن اقتباسهم هو اقتباس من الإنجيل نفسه، وإنما من قصص كانت منتشرة شفاهيةً بين الناس عن الأحداث التي جرت مع المسيح وأقواله، وتلك القصص بعد ذلك تمت كتابتها في مئات الأناجيل. والدليل على ذلك أن ما اقتبسه أحد الأباء من تلك القصص لم يكتب بجواره أنه اقتباس من الإنجيل الفلاني.

الثاني: اقتباس أحد الأباء من إنجيل معين ليس معناه تأكيداً على اسم كاتب هذا الإنجيل، فهناك من الأباء من صدق ادعاء إريناؤس أنه كان له معلم اسمه بوليكاربوس وأن بوليكاربوس كان تلميذاً ليوحنا بن زبدي، وأن بوليكاربوس قد شهد أن إنجيل يوحنا هو من كتابة يوحنا بن زبدي، ومن ثم صدقوا واعتمدوا إنجيل يوحنا اعتماداً على ما ذكره إريناؤس وليس اعتماداً على أنهم قد تحققوا بأنفسهم من اسم كاتب هذا الإنجيل!

٣) المخطوطات البردية:

تقول الكنيسة أنه يوجد لديها آلاف النسخ المكتوبة على ورق البردي والعديد من المخطوطات المكتوبة على جلود الحيوانات والعديد من الترجمات القديمة، ولكن في الواقع فإن هذا لا يمكن أن يعتبر دليلاً على قانونية الأناجيل الأربعة للأسباب الآتية:

١) لا عبرة هنا بعدد النسخ والترجمات لأن تلك الآلاف من النسخ هي عبارة عن تكرار دون الرجوع للأساس الأول! مثل الخبر الزائف الذي قد تتناقله جميع الصحف العالمية، فلا عبرة بعدد الصحف لأنها تنقل عن بعضها البعض دون التحقق من صحة الخبر الأصلي.

٢) الادعاء بوجود آلاف النسخ والترجمات ليس معناه أنه توجد آلاف النسخ من كامل العهد الجديد وإنما في الواقع هي أجزاء متفرقة. فهناك آلاف البرديات التي هي عبارة عن قصاصات صغيرة، وهناك برديات تحتوي على رسالة واحدة أو رسالتين من رسائل بولس، وهناك برديات بها بضعة أعداد من سفر الرؤيا أو بضعة أعداد من إصحاح معين من إنجيل معين، وهذا ما سنتناوله في الفصل القادم بإذن الله.

٣) تلك النسخ التي تحتفظ بها الكنيسة وعددها بالآلاف في الواقع لم تكتب في قرن واحد، وإنما كتبت ابتداءً من القرن الثاني وحتى القرن الخامس عشر! فإذا كانت الكنيسة تريد الاستشهاد بنسخ ترجع للقرن السابع أو القرن الرابع عشر، فلماذا لا تستشهد أيضاً بمليارات النسخ المطبوعة حالياً من الأناجيل الأربعة حول العالم وبكل لغات العالم؟ كيف يمكن للكنيسة أن تستدل على صحة الأناجيل الأربعة بمخطوطات كتبت في قرون متأخرة؟! وعلى هذا فلا تهمنا أي مخطوطة أو ترجمة تمت في أي عصر غير القرن الثاني الذي هو أقرب لتاريخ كتابة الأناجيل الأصلية.

٤) بالرجوع للنسخ التي كتبت في القرن الثاني وتخص الأناجيل الأربعة فقط دون الرسائل وسفر الرؤيا، فنجد أن "معهد الدراسات النصية للعهد الجديد"[22] قد سجل عشرة مخطوطات فقط بأنها من المحتمل أنها تعود الى القرن الثاني، وعلى هذا فعدد النسخ التي من المفترض أن تستشهد به الكنيسة هو عشرة نسخ فقط وليس آلاف النسخ كما ادعت! ولكن أيضاً وبعد دراسة كل بردية على حدة نجد أن كثير من تلك البرديات في الواقع لا تعود للقرن الثاني وإنما للقرن الرابع أو الثالث، وهذا ما سنتناوله في الفصل القادم بإذن الله.

٥) تلك البرديات العشرة التي تعود للقرن الثاني أغلبها في الواقع هو قصاصات صغيرة جدا لا يمكن الاستدلال بها على صحة الأناجيل الأربعة. وفي الفصل القادم سنضع بإذن الله صور لتلك القصاصات الصغيرة من كل بردية.

٦) تعترف الكنيسة أن جميع النسخ والمخطوطات والترجمات التي لديها لم تنسخ من الأناجيل الأصلية وإنما من نسخ نسخت من نسخ نسخت من نسخ ... إلخ!

٧) بالنسبة للأناجيل الأصلية: فتعترف الكنيسة أنها قد فُقدت جميعها في وقت مبكر جداً، وأنه لم تنج منها أي نسخة ولا أي نسخة من النسخ التي قد نسخت مباشرة منها نظراً لأنها جميعاً كانت مكتوبة على ورق البردي والذي هو ورق قد يتلف سريعاً.

ولكن في الواقع فإن ادعاء الكنيسة أن الأناجيل الأصلية والنسخ التي نسخت مباشرة منها قد فُقدت بسبب أنها كتبت على ورق البردي، هو ادعاء غير صحيح، فجميع البرديات الفرعونية والتي قد كتبت قبل عدة آلاف من السنين مازالت بين أيدينا ولم تتلف، أما بالنسبة للنسخ الأصلية من الأناجيل الأربعة فبما أنه لم يذكر لنا أياً من أباء الكنيسة المبكرة الذين عاشوا في النصف الأول من القرن الثاني أنه رآها بعينه أو كانت في حوزته في أي وقت من الأوقات فهذا يعني أنها كانت بالفعل مفقودة في أقل من نصف قرن أو أنها كتبت أصلا في منتصف القرن الثاني وليس في القرن الأول!!

أيضا لو افترضنا أن النسخ الأصلية من الأناجيل الأربعة قد فُقدت بسبب أنها كتبت على ورق البردي، فكيف لم ينج أي إنجيل منها ولم تنج ولا حتى صفحة واحدة من أي إنجيل منها؟! كيف تبخرت جميع الصفحات وجميع الأناجيل؟ فورق البردي إن تلف ليس معنى هذا أنه قد تبخر مثل الغاز، وإنما أطراف الصفحة وهوامشها قد تكون تآكلت قليلاً!! فضلاً عن أنه كيف لم تحافظ الكنيسة على الأناجيل الأصلية رغم أهميتها الكبيرة، واستطاعت أن تحافظ على نسخ تعود للقرن الثاني أو الثالث أو الرابع رغم أنها أيضاً مكتوبة على ورق البردي؟!

والواقع أنه لم يوجد أصلاً ما يدعى ب"الأناجيل الأصلية" ولهذا لم تهتم الكنيسة بالحفاظ على أي نسخة منها، وهذا ما سنتناوله بإذن الله في الفصول القادمة.

٨) تعترف الكنيسة أن جميع البرديات اليونانية فقدت الكثير من أهميتها لأنها مكتوبة بخط كتبة غير مؤهلين، فقد ورد في موقع الأنبا تكلاهيمانوت القبطي الأرثوذكسي الآتي:

"جميع ما وصلنا من أقدم المخطوطات اليونانية للعهد الجديد، مسجل على ورق البردي، ويرجع تاريخها إلى الفترة من منتصف القرن الثاني الميلادي حتى القرن الرابع، ولكن بردية واحد برقم (P74) ترجع إلى القرن السابع. ورغم أن البرديات عبارة عن أجزاء غير كاملة إلا أنها في مجموعها تشكل قدراً كبيراً من العهد الجديد، ورغم أنها ترجع إلى زمن مبكر إلا أنها فقدت الكثير من أهميتها لأنها مكتوبة بخط كتبة غير مؤهلين، ويبدو فيها عدم الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة."[23]

٩) عندما تم تكليف إيراسموس[24] عام ١٥٠٢م بإصدار أول طبعة من الكتاب المقدس باللغة اليونانية[25]، لم يعتمد إيراسموس على النسخ اليونانية المبكرة التي قد تعود للقرن الثاني أو الثالث أو الرابع والمكتوبة ب"النص السكندري"[26] وذلك بسبب خوفه من عدم انتظامها، ولهذا اعتمد إيراسموس على النسخ اليونانية المتأخرة المكتوبة ب"النص البيزنطي"[27]! وتعد الطبعة الثالثة لإيراسموس هي الطبعة التي اعتمدت عليها طبعة الملك جيمس.

وبسبب أن إيراسموس لم يستطع الوصول لأي نسخة يونانية كاملة، فقد استخدم عشرات النسخ اليونانية حتى يستطيع القيام بعملية دمج لها بحيث تكمل بعضها البعض ومن ثم يقوم بتجميع للعهد الجديد باللغة اليونانية!

 

رد عالم اللاهوت بارت إيرمان[28] على قانونية الأناجيل:

في إحدى مناظرات د. بارت إيرمان حول موثوقية الإنجيل، قال:

"عندما كنت مؤمنا بالإنجيل، وأحضر في مؤسسة مودرن بايبل (الإنجيل العصري)، قبل أن أبدأ دراستي الجدية عن العهد الجديد، وقبل أن أبدأ قراءته باليونانية، وقبل أن أقرأ كتابات المفسرين الجادين عنه، كنت مقتنعا تماما أن الإنجيل لا يحتوي فقط على شهادة شهود العيان، ولكنه كتب أيضا بواسطة إثنين من شهود العيان، متى ويوحنا، واثنين من الأصحاب المقربين للذين كانوا شهود عيان، مرقس ولوقا. إن وجهة النظر البحثية تجعلك تغير رأيك في الأشياء. ولكنني لا أريدكم أن تعتقدوا أن هذا سببا يجعلكم لا تستخدموا عقولكم، فحتى لو كنت من أكثر المؤمنين صلابة على الكوكب بالإنجيل، فلابد أن تعلم أن الرب قد أعطاك عقلاً. استخدم عقلك، أنا وكريج (المناظر الآخر في تلك المناظرة) نتوافق على هذا. الرب أعطاك عقلاً لتفكر به وتستخدم المنطق، لهذا جعلك الرب إنسانا بدلا من أن يجعلك من الرخويات. لا تخشى من استخدام ذكاءك لتجد الحقيقة. الحقيقة قد لا تكون ما قد قيل لك ولكنها لو كانت الحقيقة فلابد أن تصدقها، ولا تهرب منها! عندما درست أكثر وأكثر مستخدما ذكائي كمؤمن بالإنجيل وأصلي به أيضا، أصبحت مقتنعا أن الإنجيل لم يكتب بواسطة شهود عيان، ولا بواسطة أناس يعرفون شهود عيان!

النقطة الأولى: وهي الأكثر وضوحا هي "أن الأناجيل نفسها لا تدعي أنها كتبت بواسطة شهود عيان"! إنها كلها مجهولة! العناوين التي تجدونها في أناجيلكم مثل إنجيل متى إلخ، تمت إضافتها لاحقا بواسطة محرر ولم توضع بواسطة الكاتب الأصلي.

النقطة الثانية: "لا يدعي أيا من الأناجيل أنه كتب بواسطة الشخص الذي ينسب له هذا الإنجيل".

إنها لا تدعي أنها كتبت بواسطة شهود عيان، ولا تدعي أنها كتبت بواسطة أي شخص اسمه متى، مرقس، لوقا، يوحنا. تلك الأسماء هي تقليد (تراث) كنسي لاحق تمت إضافته للأناجيل. هذا التقليد لم يظهر إلا بعد حوالي مائة عام من تاريخ كتابة تلك الأناجيل. بعض الناس يعتقد أنه كان يوجد أحد أباء الكنيسة القدامى يسمى بابياس، وأنه رأى كلا من مرقس ومتى، ولكن في الحقيقة توجد أسباب قوية جدا جعلتنا نجد أن بابياس لم يذكر أسماء أيا من مرقس أو متى الذين نتحدث عنهم. أول مرة يذكر فيها أي شخص أسماء مرقس، متى، لوقا، يوحنا، كان إريناؤس عام ١٨٠ ميلادية، أي بعد أكثر من ١٠٠ عام من كتابة تلك الكتب.

حسب فهمي فإن الأناجيل التي وصلت إلينا مجهولة، ولا نعرف أسماءها ولم تكتب بواسطة شهود عيان. ولكن النقطة الهامة التي أود أن أذكرها، هي أنه حتى لو كانت الأناجيل كتبت بواسطة شهود عيان، أو حتى إن كانت تحتوي على شهادة شهود عيان، فإن هذا لا يضمن أنها كانت دقيقة! تفكر في نظامنا القضائي اليوم، هل شهود العيان دائما يتحلون بالدقة فيما يذكرون؟ لو كان هذا صحيحا فلماذا نطلب في شهادة المحاكم أكثر من شاهد عيان بدلا من شاهد عيان واحد؟ لو أن شهود العيان يتحلون بالدقة بنسبة ١٠٠٪ فيما يذكرونه، فلماذا نحتاج لشهود إضافيين؟ إذا أردنا أن نعرف ما حدث فإننا ببساطة سنسأل أحدهم. شهود العيان دائما لا يعطون المعلومة الكاملة الصحيحة، وحتى لو فعلوا فهذا لا يهم لأن العهد الجديد لم يدعي أنه كتب بواسطة شهود عيان، وهو في الحقيقة لم يكتب بواسطة شهود عيان.

كتبة الأناجيل عاشوا في فترة ٤٠-٥٠-٦٠ سنة بعد المسيح، لقد كتبوا الإنجيل باليونانية ولغة المسيح هي الآرامية، كتبة الأناجيل كانوا يعيشون في بلاد مختلفة وفي عقود متأخرة. فمن أين جاءوا بمعلوماتهم تلك؟ إنهم لم يكونوا أتباعاً للمسيح ولم يدّعوا أنهم كانوا من تلاميذ المسيح. الأناجيل قد كتبت بواسطة أناس متأخرين بعقود وبلغة مختلفة. فمن أين جاءوا بمعلوماتهم تلك؟ (الإجابة) لقد سمعوا قصصا عن المسيح كانت تتناقل سنة بعد سنة بعد سنة، وعقد بعد عقد بعد عقد حتى الوقت الذي كان فيه الكتبة فسمعوا القصص بينما هم يعيشون في بلاد مختلفة ويتكلمون بلغات مختلفة! ماذا حدث لتلك القصص عندما تم تناقلها شفوياً؟ لقد تغيرت! كتبة الأناجيل عندهم تناقضات فيما بينهم لأن القصص التي تم تناقلها مرة بعد مرة عبر الزمن قد تغيرت، وأحيانا كتبة الأناجيل أنفسهم قد غيروا القصص! هذا هو سبب وجود التناقض فيما بينهم. وهذا هو ما لا يستطيع أن يقوله لكم علماء اللاهوت. يتكلمون عموما عما كان المسيح عليه، ويستطيعون سرد أشياء قد فعلها المسيح، ولكنهم لا يستطيعون أن يخبرونكم بتفاصيل متوافقة. لماذا لا يستطيع علماء اللاهوت أن يتوافقوا فيما بينهم؟ لأنه توجد العديد من التناقضات، والإنجيل كتاب غير جدير بالثقة."[29]

الفصل الثالث

البرديات العشرة من القرن الثاني

كما ذكرنا بالفصل السابق، فإن استشهاد الكنيسة بوجود لديها آلاف النسخ لا يعد دليلاً على قانونية الأناجيل الأربعة، لأن ما يهمنا هنا هو تلك النسخ التي من المرجح أنها تعود للقرن الثاني فقط وتخص الأناجيل الأربعة فقط دون الرسائل أو سفر الرؤيا! وقد سجل "معهد الدراسات النصية للعهد الجديد"[30] عشرة مخطوطات فقط بأنها من المحتمل أنها تعود إلى القرن الثاني. ولكن بعد دراسة كل بردية على حدة نجد أن تحديد تاريخ كتابتها هو غير صحيح لأنه اعتمد على الباليوجرافيا[31]. أيضا فإن تلك البرديات العشرة هي برديات مكتشفة مؤخرا في القرن العشرين بعد ضياعها لقرون كثيرة، أي أنها ليست برديات قد حافظت الكنيسة عليها على مر العصور وتعرف من كتبها ومدى موثوقيته وأمانته! فإن كانت تلك البرديات لم يحافظ عليها ولم يهتم بها الأولون فكيف يستشهد بها المعاصرون؟! وتلك البرديات العشرة هي كالآتي:

أ- البردية (P52):

تاريخ كتابتها مختلف فيه بين علماء اللاهوت، فأغلب علماء اللاهوت يدّعون ويجزمون بأنها ترجع لعام ١٢٥م مدّعين بأنها أقدم بردية تم العثور عليها من كتابات المسيحيين الأوائل. وغرضهم من ذلك الادعاء هو محاولة إيهام الناس بأن تلك القصاصة قد تكون نسخت مباشرة من إنجيل يوحنا الأصلي وأن نسخ من إنجيل يوحنا كانت منتشرة بين البلدان في ذلك الوقت، فتلك القصاصة تم اكتشافها في مصر عام ١٩٢٠م.

أيضاً ادعائهم هذا هو محاولة لتأكيد أن إنجيل يوحنا قد كتب في القرن الأول طالما أن هناك نسخ قد انتشرت منه في الربع الأول من القرن الثاني، لأن تاريخ كتابة إنجيل يوحنا أساساً مختلف عليه بين علماء اللاهوت فمنهم من يقول القرن الأول ومنهم من يقول القرن الثاني. فإن كان إنجيل يوحنا قد كتب في القرن الثاني فهذا معناه أنه لم يكتب أصلاً من يوحنا بن زبدي تلميذ المسيح!

ولكن علماء لاهوت أخرون يدّعون أن تلك البردية ترجع لعام ١٥٠م، وعلماء أخرون يدّعون أنها ترجع لعام ١٧٠م. أما أكثر الدراسات الحديثة حالياً فتشير أن تلك القصاصة قد يرجع تاريخ كتابتها للقرن الثاني أو القرن الثالث الميلادي. وقد جرت دراسة من جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة[32] والتي تحتفظ لديها بتلك القصاصة، ورجحت أنها تعود لأواخر القرن الثاني الميلادي.

ولكن كل هذا هو مجرد خداع وتخمينات بدون أي أساس علمي قوي، لأن تحديدهم لتاريخ كتابة تلك البردية كان وفقاً للباليوجرافيا (ومعناها دراسة الكتابات القديمة)، أي عن طريق دراسة أسلوب الكتابة ومقارنته ببعض الكتابات المسيحية المبكرة. ولكن تلك القصاصة لا يمكن تحديد تاريخ كتابتها بالباليوجرافيا للأسباب الآتية:

  • بالنظر جيداً في الصورة المرفقة بالأسفل، سنجد أن عدد الكلمات الواردة في تلك القصاصة قليل جداً ولا يمكن منها أن يتم تحديد أسلوب كتابتها وتحديد في أي عام كتبت بهذا التحديد الدقيق!
  • الباليوجرافيا ليست علماً وإنما مجرد دراسة قد تشير إلى أي قرن كتبت فيه بردية ما، وقد لا تكون النتيجة أيضاً صحيحة وقد يحدث خطأ في قرن أو قرنين أو حتى ثلاثة قرون، ولكن أولئك الذين ادّعوا أنها ترجع لعام ١٢٥م أو حتى ١٧٠م كيف تمكنوا من هذا التحديد الشديد؟!
  • الباليوجرافيا تعتمد على مقارنة أسلوب الكتابة لبردية ما مع أسلوب الكتابة لبرديات أخرى من نفس القرن، فكيف تم مقارنة أسلوب كتابة تلك البردية مع أسلوب كتابة برديات أخرى من الربع الأول للقرن الثاني، إن كان أصلاً لا توجد برديات قد عاشت من الربع الأول للقرن الثاني؟!!
  • الباليوجرافيا تعتمد على مقارنة أسلوب الكتابة والذي يؤثر فيه عاملان: ١) العامل الزماني: فأسلوب الكتابة باللغة الإنجليزية المستخدم في زمن شاكسبير بالتأكيد يختلف عن أسلوب الكتابة في وقتنا الحالي. ولكن هذا التحديد هو غير دقيق، ففي وقتنا الحالي نجد عند ترجمة الكتب الدينية للغة الإنجليزية على سبيل المثال اختلاف حاد بين المترجمين في أسلوب الكتابة واختيار الكلمات، فمنهم من يكتب بلغة معاصرة وكلمات مستخدمة حالياً في الكتب الحديثة، ومنهم من يريد إضفاء طابع قدسي على ذلك الكتاب الديني فيقوم باختيار كلمات كانت تستخدم قديماً وبأسلوب قديم قد يشبه أسلوب شاكسبير في الكتابة، وعلى هذا فقد يترجم كتاب ما حالياً ولكن بأسلوب كتابة يشبه أسلوب الكتابة المستخدم قبل ٤٠٠ عام! أيضا فإن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية الحالية عند أداء صلواتها فإن القساوسة يصلون بلغة يونانية قديمة وليس باللغة اليونانية الحديثة المستخدمة في عصرنا الحالي، وجميع الأوراق الرسمية الصادرة من الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية تكتب باللغة اليونانية القديمة وليس باللغة الحديثة، أيضا فإن جميع الأوراق الرسمية الصادرة من بابا الفاتيكان تكتب باللغة اللاتينية وليس باللغة الإيطالية!  ٢) العامل المكاني: فكما نعلم أن جميع البرديات القديمة التي وصلت إلينا حالياً كانت مكتوبة باللغة اليونانية، ولكن اللغة اليونانية في ذلك العصر كانت منتشرة بين العديد من البلدان، ولهذا فمن كان يتحدث باليونانية في بلاد اليونان أسلوبه يختلف عمّن يتحدثها في مصر أو سوريا أو فلسطين، وإذا قلنا أننا نريد استخدام الباليوجرافيا لتحديد أسلوب كتابة بردية معينة، فهل سنقارن هذا الأسلوب الكتابي بالأسلوب المستخدم في مصر أم اليونان أم فلسطين أم ماذا؟

بالنسبة لمقاس تلك القصاصة فهو ٩ سم * ٦ سم فقط، وهي مكتوب عليها من على الوجهين الأمامي والخلفي، ويحتوي الوجه الأمامي منها على سبعة سطور غير كاملة من إنجيل يوحنا، وتحتوي تلك السطور كما نرى في الصورة بالأسفل على كلمات قليلة متقطعة من الإصحاح ١٨ من العدد ٣١ إلى العدد ٣٣، أما الوجه الخلفي فيحتوي على كلمات قليلة متقطعة من العدد ٣٧ والعدد ٣٨ من نفس الإصحاح.

../Downloads/P52_verso.jpg../Downloads/P52_recto.jpg../Downloads/500px-Rylands_papyrus.jpg

 

ب- البردية (P64):

تاريخ كتابتها هو محل خلاف، فالبعض يُرجعها للقرن الرابع، وآخرون يُرجعونها للقرن الثالث، وآخرون يُرجعونها للقرن الثاني، وكل تلك التخمينات كانت وفقاً للباليوجرافيا. تم اكتشاف تلك القصاصة في مصر، وتحتوي على كلمات قليلة متقطعة من إنجيل متى الإصحاح ٢٦ العدد ٢٣ والعدد ٣١.

../Downloads/P064-Mat-26.7-8-26.10-26.14-15-II.jpg

 

ج- البردية (P67):

تلك البردية هي مكملة للبردية السابق ذكرها (P64)، أي أنهما من نفس الكتاب، وتحتوي على كلمات قليلة متقطعة من إنجيل متى من الإصحاح ٣.

../Downloads/Papyri%20p67.png

 

د- البردية (P 90):

يُرجع بعض علماء اللاهوت تاريخها لأواخر القرن الثاني وذلك وفقاً للباليوجرافيا، وهي قد تم اكتشافها في مصر، وتحتوي على كلمات مقطعة من إنجيل يوحنا الإصحاح ١٨ من العدد ٣٦ وحتى الإصحاح ١٩ العدد ٧.

../Downloads/Papyrus_90_(John_19.1-7).jpg

 

ر- البردية (P 104):

يُرجع بعض علماء اللاهوت تاريخها لأواخر القرن الثاني وذلك وفقاً للباليوجرافيا، وهي قد تم اكتشافها في مصر، ويحتوي الوجه الأمامي منها على بعض الكلمات المقطعة من إنجيل متى الإصحاح ٢١ من العدد ٣٤ إلى العدد ٣٧، أما الوجه الخلفي فيحتوي على أثار كتابة غير واضحة للعدد ٤٣ والعدد ٤٥ من نفس الإصحاح، أما العدد ٤٤ فلم يرد في تلك البردية مما يعني أنه عدد مزور تم إدخاله في نسخ أخرى متأخرة!

../Downloads/POxy_v0064_n4404_a_01_hires.jpg../Downloads/POxy.v0064.n4404.b.01.hires.jpg

 

س- البردية (P77):

يرجح البعض أن تاريخ كتابتها يرجع إلى أواخر القرن الثاني أو أوائل القرن الثالث وفقاً للباليوجرافيا. وتحتوي تلك البردية على كلمات قليلة متقطعة من إنجيل متى من الإصحاح ٢٣ من العدد ٣٠ وحتى العدد ٣٩.

../Downloads/P077-Mat-23_30-34-POxy4405-II-III.jpg

 

ص- البردية (P103):

يرجح البعض أن تلك البردية هي مكملة للبردية السابقة (P77)، أي أنهما من نفس الكتاب. وتحتوي تلك البردية على كلمات قليلة متقطعة من إنجيل متى من الإصحاح ١٣ العدد ٥٥ والعدد ٥٦، ومن الإصحاح ١٤ من العدد ٣ وحتى العدد ٥.

../Downloads/P103-Mat-13_55-56-POxy4403-II-III.jpg

 

ع- البردية (P66):

هذه البردية هي إحدى برديات مجموعة بودمر[33]، والتي قد تم اكتشافهم في مصر عام ١٩٥٢م، وقد تم تسميتهم باسم مشتريهم مارتن بودمر[34]. ويرجع تاريخ تلك البردية وفقاً لمارتن بودمر إلى أوائل القرن الثالث وذلك وفقاً للباليوجرافيا، ولكن عالم اللاهوت برنت نونجبري[35] وبعد دراسة موسعة حول تلك البردية فقد أكد أنها ترجع لأواسط القرن الرابع بعد الأخذ في الاعتبار شكل تلك البردية وبناءها الأدبي وطريقة كتابتها ومنشأها، أما الباحث في التاريخ البيزنطي هربرت هنجر[36] فقد ادعى أن تلك البردية لعلها ترجع للقرن الثاني! وهكذا تجاهل "معهد الدراسات النصية للعهد الجديد" التاريخ الذي حدده مارتن بودمر الذي هو القرن الثالث، والتاريخ الذي حدده الدكتور برنت نونجبري بعد دراسات موسعة والذي هو أواسط القرن الرابع، وتشبثت بالتاريخ الذي حدده هربرت هنجر الذي هو ليس بمتخصص في الباليوجرافيا وإنما هو باحث في التاريخ البيزنطي والذي هو القرن الثاني!

وتحتوي تلك البردية على أجزاء من إنجيل يوحنا وهي: من الإصحاح ١ العدد ١ وحتى الإصحاح ٦ العدد ١١، ومن الإصحاح ٦ العدد ٣٥ وحتي الإصحاح ١٤ العدد ٢٦، ومن الإصحاح ١٤ تحتوي أيضاً على العدد ٢٩ والعدد ٣٠، ومن الإصحاح ١٥ العدد ٢ وحتى العدد ٢٦، ومن الإصحاح ١٦ تحتوي أيضاً على العدد ٢ والعدد ٣ والعدد ٤ والعدد ٦ والعدد ٧، ومن الإصحاح ١٦ العدد ١٠ وحتى الإصحاح ٢٠ العدد ٢٠، ومن الإصحاح ٢٠ تحتوي أيضاً على العدد ٢٢ والعدد ٢٣، ومن الإصحاح ٢٠ العدد ٢٥ وحتى الإصحاح ٢١ العدد ٩، ومن الإصحاح ٢١ تحتوي أيضاً على العدد ١٢والعدد ١٧.

../Downloads/500px-Papyrus66.jpg../Downloads/440px-Papyrus_66_(GA).jpg

 

ف- البردية (P 75):

هذه البردية هي إحدى برديات مجموعة بودمر، ويرجع تاريخ تلك البردية وفقاً لمارتن بودمر إلى أواخر القرن الثاني أو أوائل القرن الثالث، ولكن عالم اللاهوت برنت نونجبري أكد أن أسلوب الكتابة في تلك البردية يشبه أسلوب الكتابة المستخدم في القرن الرابع، فهو يشبه إلى حد كبير أسلوب المخطوطة الفاتيكانية[37] والتي تعود للقرن الرابع.

وتحتوي هذه البردية على تلك الإصحاحات من إنجيل لوقا: من الإصحاح ٣ العدد ١٨ وحتى الإصحاح ٤ العدد ٢، ومن الإصحاح ٤ العدد ٣٤ وحتى الإصحاح ٥ العدد ١٠، ومن الإصحاح ٥ العدد ٣٧ وحتى الإصحاح ١٨ العدد ١٨، ومن الإصحاح ٢٢ العدد ٤ وحتى الإصحاح ٢٤ العدد ٥٣.

أيضاً تحتوي هذه البردية على تلك الإصحاحات من إنجيل يوحنا: من الإصحاح ١ العدد ١ وحتى الإصحاح ١١ العدد ٤٥، والإصحاح ١١ من العدد ٤٨ وحتى العدد ٥٧، والإصحاح ١٢ من العدد ٣ وحتى الإصحاح ١٣ العدد ١٩، ومن الإصحاح ١٤ العدد ٨ وحتى الإصحاح ١٥ العدد ١٠.

../Downloads/P75-Bodmer14-Lk24-51-Jn1-1-16.gif

 

ك- البردية (P98):

وهي قصاصة صغيرة من سفر الرؤيا من الإصحاح ١ العدد ١٣ وحتى الإصحاح ٢ العدد ١، ويرجح البعض وفقاً للباليوجرافيا أنها ترجع للقرن الثاني. وبما أنها لا تخص الأناجيل الأربعة التي هي موضوع كتابنا هذا، فلن نتوسع في الكلام عنها.

../Downloads/Papyrus_98_(Rev_1,13-2.1).JPG

 

ل-البردية (P46):

وتحتوي تلك البردية على بضعة رسائل لبولس، ويرجح البعض وفقاً للباليوجرافيا أنها ترجع لأواخر القرن الثاني أو أوائل القرن الثالث. وبما أنها لا تخص الأناجيل الأربعة التي هي موضوع كتابنا هذا، فلن نتوسع في الكلام عنها.

 

م- المخطوطة (0189):

وتحتوي تلك المخطوطة على سفر أعمال الرسل الإصحاح ٥ من العدد ٣ وحتى العدد ٢١، ويرجح البعض وفقاً للباليوجرافيا أنها ترجع لأواخر القرن الثاني أو أوائل القرن الثالث. وبما أنها لا تخص الأناجيل الأربعة التي هي موضوع كتابنا هذا، فلن نتوسع في الكلام عنها.

 

الخلاصة:

١- تلك البرديات العشرة التي حددها "معهد الدراسات النصية للعهد الجديد" أغلبها قصاصات لا يمكن أن تدل على شيء.

٢- كل ما ذكر عن تاريخ كتابة تلك القصاصات هو مجرد تخمينات مبنية على الباليوجرافيا.

٣- لم تحافظ الكنيسة المبكرة على أي من تلك البرديات وضاعت لقرون طويلة حتى تم اكتشافها في مصر في القرن العشرين.

٤- بالنظر جيداً في صور تلك البرديات نتسائل: كيف يمكن أن تستشهد الكنيسة المعاصرة بتلك القصاصات التي لم يحافظ عليها أباء الكنيسة المبكرة؟!

٥- تلك القصاصات بلا مصدر معروف، وغير معروف من كتبها وتحت إشراف أي كنيسة قد كتبها. ففي وقتنا الحالي في الطبعات الحديثة للكتاب المقدس نجد إمضاء أحد البطارقة وختم كنيسته على تلك الطبعة، بل وتقديم من هذا البطريق أو من الكنيسة حول تلك الطبعة أو حول العهد الجديد بوجه عام. أما بالنسبة لتلك البرديات العشرة فلا نجد أية عبارة تقول مثلا تم النسخ أو الترجمة من قبل القسيس الفلاني وتحت إشراف القساوسة الفلانيين وتم اعتماده من لجنة المراجعة والتدقيق، وتم النسخ أو الترجمة اعتماداً على النسخة الأصلية الفلانية والمحتفظ بها في الكنيسة الفلانية تحت إشراف البطريق الفلاني!!

الفصل الرابع

لا يوجد ما يسمى بالإنجيل الأصلي للأناجيل الأربعة

لم تكترث الكنيسة أو أحد أباء الكنيسة المبكرة بالحفاظ على الأناجيل الأصلية لأنه لم يوجد أصلاً ما يدعى ب"الإنجيل الأصلي"!! فعبارة "الإنجيل الأصلي" تعني أن أحد تلاميذ المسيح قد كتب إنجيلاً أصلياً ومن ثم استلمه منه أحد تلاميذه من أباء الكنيسة المبكرة أو استلمته منه إحدى الكنائس وتم الحفاظ عليه في مكتبة تلك الكنيسة! ولكن هذا لم يحدث أبداً مع أي إنجيل.

والواقع هو أن محتوى القصص والأحداث التي حدثت مع المسيح عليه السلام قد تمت كتابته من أشخاص مجهولين في مئات الكتب، وفي أواخر القرن الثاني تم اختيار من تلك الكتب أربعة كتب وتم نسبها لتلاميذ المسيح لإضفاء عليها صفة القدسية ولكسب قبول الناس لها!

 

أسئلة عقلانية حول الأناجيل الأصلية:

كما هو معروف فجميع الأناجيل كانت عبارة عن أناجيل مكتوبة على ورق وليست أقوال شفهية تتناقلها الناس على ألسنتهم، وعلى هذا فأين تلك النسخ الأصلية من تلك الأناجيل؟ فإذا كان يوحنا بن زبدي هو كاتب إنجيل يوحنا، فأين كتبه ولمن سلمه؟ هل أعطاه لكنيسة معينة؟ وكيف ظهر بعد ذلك هذا الإنجيل الأصلي؟ هل أعلنت تلك الكنيسة أن لديها النسخة الأصلية من إنجيل يوحنا وأنها تسلمته من يوحنا بن زبدي يداً بيد؟ هل هناك أي شهود على ذلك؟ وأين هي تلك النسخة الأصلية لإنجيل يوحنا؟ كيف لم تحافظ تلك الكنيسة على أهم كتاب موجود لديها؟ فلو كان حقا يوحنا بن زبدي هو كاتب إنجيل يوحنا فكيف يعقل أن نجد في تعريف الكنيسة لهذا الإنجيل عبارة "يرجح أن كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا بن زبدي"؟! هل الأمر مشكوك فيه أم أنه واضح وضوحاً قطعياً؟!

 

 

 

الفصل الخامس

رسائل مجهولة المصدر داخل العهد الجديد

الرسالة إلى العبرانيين رسالة مجهولة المصدر والكاتب:

نعم الكنيسة قد جمعت كتابها المقدس من كتب مجهولة المصدر والكاتب! والدليل على ذلك الرسالة إلى العبرانيين، تلك الرسالة الموجودة حاليا داخل الكتاب المقدس، ولا تعرف الكنيسة من هو كاتبها! وقد تم اقتراح أسماء عديدة لاختيار اسم كاتب لتلك الرسالة المجهولة، فتم اقتراح اسم كل من: إكليمنضس الروماني[38]، برنابا، بولس، لوقا، أبولوس[39]، بريسيلا[40]، وغيرهم. ففي الكنائس الغربية وحتى القرن الرابع ساد الاعتقاد أن كاتبها هو إكليمنضس الروماني، ثم تغير الرأي وأصبح بولس الرسول، ولكن ترتليانوس كان ينسبها لبرنابا، أما أوريجانوس فقد اعتقد بأن الكاتب قد يكون لوقا الإنجيلي. ونحن نسأل من أين ظهرت هذه الرسالة ولماذا لا تعرف الكنيسة اسم كاتبها؟ أين وجدت الكنيسة تلك الرسالة، هل تقدمت إحدى الكنائس بتقديمها للكنيسة ولكنها لم تذكر لها من هو كاتبها؟ ولماذا وضعت الكنيسة تلك الرسالة داخل كتابها المقدس ونسبتها لكلام الله وأنها من وحي الروح القدس؟

وعلى الرغم من أن تلك الرسالة غير معروف اسم كاتبها، إلا أن ترجمة الملك جيمس الأصلية للكتاب المقدس قد عنونت تلك الرسالة باسم "رسالة بولس إلى العبرانيين". ولكن نسْبتها لبولس كان مجرد تخمين بلا أدلة عليه، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن تلك النسبة لبولس هي غير صحيحة.[41] فأسلوب الكتابة لتلك الرسالة وأسلوب بولس في الكتابة بوجه عام مختلفان جداً، التركيز اللاهوتي مختلف بينهما، التجربة الروحية مختلفة، المفردات اليونانية المستخدمة مختلفة، وفي وقتنا الحاضر أصبحت الكنيسة وأيضا علماء اللاهوت ينكرون أن كاتب تلك الرسالة هو بولس!![42]

 

 

 

الفصل السادس

جولة سريعة في تاريخ العهد الجديد

الانقطاع الواضح بين الأناجيل الأربعة وبين القرن الثاني الميلادي:

في هذا الشرح لتاريخ العهد الجديد، سوف نقتصر فقط على النقاط التي هي محل إجماع عند الكنيسة، وذلك حتى تكون نقاط قطعية الدلالة، فتتضح الأمور بشكل قطعي بإذن الله للقارئ الكريم:

١- جاء في المقدمة التي كتبتها الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية الرسمية داخل طبعتها للكتاب المقدس باللغة اليونانية:

"بعد المسيح في القرن الأول الميلادي، كان الكتاب المقدس للمسيحيين والمعتمد لدى جميع الكنائس هو العهد القديم فقط (لم يكن وقتها يسمى بالعهد القديم لأنه لم يظهر بعد مصطلح العهد الجديد، ولهذا كان يطلق على العهد القديم وقتئذ "الكتاب المقدس" أو "الشريعة والأنبياء")، وكانت أي عبارة مثل "يقول الكتاب المقدس" أو "تقول الشريعة" أو "كما قيل في الأنبياء"، إنما كان يقصد بها العهد القديم.[43]

٢- تقول الكاتبة كارين أرمسترونج:

"كان اليهود منقسمون في جماعات متصارعة، إلا أنه مثل الجماعات الأخرى، اعتبر المسيحيون الأوائل أنفسهم إسرائيل الحقة، ولم تكن لديهم أي نية للانفصال عن اليهودية ... واستمر المسيحيون الأوائل في العيش كيهود متمسكين بعقيدتهم ... واستمروا في تقديس التوراة والحفاظ على السبت والتمسك بقوانين الطعام (يعني عدم أكل لحم الخنزير وغير ذلك من الأطعمة المحرمة على اليهود)."[44]

٣- وتقول أيضا كارين أرمسترونج:

"بعد المسيح بثلاث سنوات، اعتنق بولس المسيحية بفضل وحي أقنعه أن المسيح قد نصبه رسولا ليدعوا الأمم الغير يهودية للإيمان بالمسيح، ولم يكن بولس على معرفة شخصية بالمسيح أبدا، بل كان في البداية معادياً له، ولكن بعد تحوله للمسيحية سافر لبلدان عدة في سوريا وأسيا الصغرى واليونان، وصمم على إيصال البشارة إلى أطراف الأرض قبل العودة الثانية للمسيح، ولهذا كتب رسائل إلى من تحولوا للمسيحية على يديه، مجيباً على أسئلتهم وناصحا إياهم وشارحا للعقيدة لهم، ولم يكن بولس يظن للحظة أنه كان يكتب "كتابا مقدسا"، لأنه كان مؤمنا أن المسيح سيعود أثناء حياته هو، ولم يدر بخلده أن الأجيال المستقبلية سوف تقرأ مليا رسائله."[45]

٤- تقول الترجمة اليسوعية للكتاب المقدس في المقدمة عن العهد الجديد:

"كانت أقوال المسيح وما يبشر به الرسل تتناقلها ألسنة الحفاظ لمدة طويلة، ولم يشعر المسيحيون الأولون إلا بعد وفاة آخر الرسل بضرورة تدوين ما علمه الرسل. وما كان بد من أن تثار ذات يوم مسألة المكانة العائدة لهذه المؤلفات الجديدة، وإن حظي التقليد الشفهي في أول الأمر بمكانة أفضل كثيرا مما كان للوثائق المكتوبة. ويبدو أن المسيحيين، حتى ما يقرب من السنة ١٥٠م، تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر -إلا قليلا جدا- إلى الشروع في إنشاء مجموعة جديدة من الأسفار المقدسة، وأغلب الظن أنهم جمعوا في بدء أمرهم رسائل بولس واستعملوها في حياتهم الكنسية. ولم تكن غايتهم قط أن يؤلفوا ملحقا بالكتاب المقدس، بل كانوا يَدَعون الأحداث توجههم: فقد كانت رسائل بولس مكتوبة في حين أن التقليد الإنجيلي كان لا يزال في معظمه متناقلا على ألسنة الحفاظ، فضلا عن أن بولس نفسه كان قد أوصى بتلاوة رسائله وتداولها بين الكنائس المتجاورة... ومع ما كان لتلك الرسائل من الشأن، فليس هناك قبل أول القرن الثاني أي شهادة تثبت أن تلك الرسائل كانت تعد أسفارا مقدسة لها من الشأن ما للكتاب المقدس. ولا يظهر شأن الأناجيل طوال هذه المدة ظهورا واضحا كما يظهر شأن رسائل بولس. أجل لم تخل مؤلفات الكتبة المسيحيين الأقدمين من شواهد مأخوذة من الأناجيل أو تلمح إليها، ولكنه يكاد أن يكون من العسير كل مرة الجزم هل الشواهد مأخوذة من نصوص مكتوبة كانت بين أيدي هؤلاء الكتبة أم هل اكتفوا باستذكار أجزاء من التقليد الشفهي. ومهما يكن من أمر، فليس هناك قبل السنة ١٤٠ أي شهادة تثبت أن الناس عرفوا مجموعة من النصوص الإنجيلية المكتوبة. ولا يذكر أن لأي من تلك النصوص صفة إلزامية، فلم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن الثاني شهادات ازدادت وضوحا على مر الزمن بأن هناك مجموعة من الأناجيل وأن لها صفة إلزامية، وقد جرى الاعتراف بتلك الصفة على نحو تدريجي. وابتدأ نحو السنة ١٥٠ عهد حاسم لتكوين قانون العهد الجديد. وكان الشهيد يوستينوس[46] (الذي عاش بين عامي ١٠٠-١٦٥م) هو أول من ذكر "أن المسيحيين يقرأون أناجيل (دون أن يحدد ما هي تلك الأناجيل ودون أن يحدد إن كان منها الأناجيل الأربعة) في اجتماعات الأحد وأنهم يعدونها مؤلفات الرسل -أو أقله أشخاص يتصلون بالرسل صلة وثيقة- وأنهم وهم يستعملونها يولونها منزلة كمنزلة الكتاب المقدس". وإذا أوليت هذه المؤلفات تلك المنزلة الرفيعة، فيبدو أن الأمر لا يعود أولاً إلى أصلها الرسولي (أي لأنها كتبت من أي من الرسل)، بل لأنها تروي خبر "الرب" وفقا للتقليد المتناقل. ولكن سرعان ما شُدَّد على نسبة هذه المؤلفات إلى الرسل، وعلى الخصوص لما مست الحاجة إلى حمايتها من تكاثر المؤلفات الشبيهة بها في ظاهرها، في حين أن محتواها يعود في معظمه إلى تقليد سخيف، بل إلى ما ينسجه الخيال في حال الهذيان... يمكن القول أن الأناجيل الأربعة حظيت نحو السنة ١٤٠ بمقام الأدب القانوني، وإن لم تستعمل تلك اللفظة حتى ذلك الحين. أما رسائل بولس فقد أدخلت برمتها في القانون يوم أخذ يغلب في الكنيسة الرأي القائل بأنه لابد من الحصول على قانون للعهد الجديد. "[47]

٥- ظهور عشرات الأناجيل:

قام الكثير من الناس بكتابة ما سمعوه من قصص عن السيد المسيح في مخطوطات كتبت على ورق البردي، ومن الأدلة على ذلك هو ما ورد في إنجيل لوقا الإصحاح ١ العدد ١: "1 إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، 2 كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة، 3 رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس".

- وقد ذكر أ. حلمي القمص يعقوب في إجابته على سؤال "ما هيَ الدوافع التي دفعت الكنيسة لجمع الأسفار القانونية؟": "ظهور عدد ضخم من كتب أبو كريفا التي نُسبت للرسل كذبًا، فظهرت عشرات الأناجيل التي حوت قصصاً غير حقيقية ولا سيما لتغطية فتـرة الطفولة والصبوة للسيد المسيح، وحياة السيدة العذراء.. إلخ مما لم تُدونه الأناجيل القانونية، فكان لابد من فرز هذا من ذاك، فأقرت الكنيسة قانونية الأسفار المقدَّسة القانونية واستبعدت كل كتب أبوكريفا".[48]

- وقد ذكرت الموسوعة البريطانية الآتي: "في الواقع، فحتى عام ١٥٠ ميلادية، كان يمكن للمسيحيين إنتاج كتابات مجهولة الهوية أو وضع عليها اسم مستعار، أي كانوا يستخدمون اسم شخصية إنجيلية أو رسولية معروفة (اسم أحد من الرسل تلاميذ المسيح الاثنا عشر). ولم يكن المسيحيون يعتقدون أن هذا الفعل ينطوي على خداع أو احتيال. وبصرف النظر عن الرسائل التي كان اسم كاتبها مشهود له داخلها أنه هو كاتبها، مثل رسائل بولس التي كان طابعها التاريخي واللاهوتي والأسلوبي مميز ويشير إلى أن كاتبها هو بولس، كانت بقية الكتابات الأخرى (الأناجيل والرسائل الأخرى) تركز على محتوى الرسالة التي بها أو على نقل الوحي، في حين تهمل ذكر اسم كاتبها، لأنه كان يعتبر مجرد أداة أو شاهد للروح القدس أو للرب. وعندما كانت الرسالة تنقل كتابة، فإن الأداة (أي كاتب الإنجيل أو الرسالة) يعتبر بلا صلة بالرسالة، لأنه كان يعتقد أن الكاتب الحقيقي هو الروح القدس. وفي منتصف القرن الثاني الميلادي، وبعد أن تأخر المجيء الثاني للمسيح كقاضي منتصر في آخر الزمان، ومع زيادة الوعي بين الناس بالتاريخ، زاد التمييز بين عصر الرسل الاثنا عشر وبين الوقت الحالي (وقتها)، وزاد أيضا تدريجيا إيقاف الكتابات التي كانت تستعمل "أسماء أصلية مستعارة" كاسم لكاتبها، والتي كان المؤلف الحقيقي يستعمل تلك الأسماء الأصلية المستعارة من أجل أن يلصق الكتاب بالسيد المسيح أو بأحد الرسل، وهكذا يحصل الكتاب على اعتراف من الكنيسة".[49]

٦- انتشار الهرطقات والبدع:

ذكر أ. حلمي القمص يعقوب في إجابته على سؤال "ما هيَ الدوافع التي دفعت الكنيسة لجمع الأسفار القانونية؟": "كانت هناك ضرورة لتحديد الأسفار المقدَّسة القانونية بسبب بعض البدع والهرطقات التي بدأت تنتشر".[50]

ومن أمثلة تلك الهرطقات: ١) هرطقة ماركيون (مرقيون السينوبي) وانتشار إنجيله الذي كان يسمى "إنجيل ماركيون" أو "إنجيل الرب"[51] في العديد من الكنائس في عدة دول. ٢) بدعة طائفة الأبيونيين[52]، وقد كانت تلك الجماعة تتبع "إنجيل الأبيونيين" ويدعي البعض أنهم كانوا يتبعوا "إنجيل العبرانيين". ٣) بدعة كيرينثوس[53] وانتشار إنجيله الذي كان يسمى "إنجيل كيرينثوس"[54]. وغيرهم.

٧- التصارع بين المعتقدات والهرطقات والأناجيل:

وهكذا يتضح لنا أنه بسبب انتشار البدع والهرطقات خصوصا في القرن الأول والثاني، نشب صراع شرس بين المعتقدات. وهكذا ظهرت عشرات الأناجيل التي تُنسَب بالكذب لأيا من التلاميذ الاثنا عشر حتى تحصل على القدسية والقبول بين الناس وتصبح ذات حجة دامغة لكل طرف على الطرف الأخر. ومن أهم تلك النزاعات كان على مسألة إلوهية المسيح، وقد كان لإنجيل يوحنا بالتحديد دوراً هاماً في ذلك النزاع.

الفصل السابع

إنجيل يوحنا والفلسفة اليونانية

١- ظهور إنجيل يوحنا المفاجئ:

كما ذكرنا سابقا أن أول من أشار إلى وجود إنجيل من كتابة أحد تلاميذ المسيح هو إريناؤس وذلك عام ١٨٠ ميلادية. ويدعي البعض أنه وبسبب ظهور الهرطقات والبدع في عصر يوحنا بن زبدي، فقد طلب قساوسة آسيا الصغرى من يوحنا بن زبدي أن يكتب إنجيلا يرد به على تلك الهرطقات والبدع، ولكن ادعائهم هذا باطل ولا يوجد عليه أي دليل، بالإضافة إلى أنه كيف لم تسمع أي كنيسة في آسيا الصغرى أو في أي من الكنائس الأخرى عن وجود هذا الإنجيل إن كانوا هم حقا من طلبوا من يوحنا بن زبدي أن يكتب هذا الإنجيل؟! ولماذا لم يستشهد به أي من أباء الكنيسة في القرن الأول أو في بدايات القرن الثاني، في حين نجد أن أول إشارة عن وجوده كانت في عام ١٨٠ ميلاديا؟!

٢- استخدام إنجيل يوحنا في الرد على منكري إلوهية المسيح وعلى الهرطقات والبدع:

جميع المعلومات التي وصلت للكنيسة حول الهرطقات والبدع التي ظهرت في أواخر القرن الأول والقرن الثاني الميلادي تعتمد على ما كتبه إريناؤس في كتابه "ضد الهرطقات"، ورغم أن النسخة الأصلية من هذا الكتاب لم تصل أصلاً للكنيسة وأن الكنيسة قد اعتمدت على ترجمة لاتينية لهذا الكتاب، ورغم أن إريناؤس نفسه لا تتوافر أصلاً معلومات كثيرة عنه لدى الكنيسة، إلا أن الكنيسة صدقت كل ما ذُكرَ في تلك الترجمة اللاتينية لكتاب إريناؤس!

وقد شن إريناؤس حرباً ضد عدداً من أباء الكنيسة المبكرة وعدداً من الجماعات المسيحية الأولى وضد أيضاً العديد من الأناجيل التي كانت منتشرة وبكثرة وكانت تنسب لأياً من تلاميذ المسيح! وعلى هذا فقام إريناؤس بإطلاق اسم "الإبيونيين" والتي تعني الفقراء على إحدى الجماعات المسيحية، وانتقدهم وانتقد عقيدتهم وسماها ب"بدعة الإبيونيين" وانتقد الإنجيل الذي كانوا يستخدمونه وسماه ب"إنجيل الإبيونيين"! أيضاً انتقد إريناؤس ماركيون وعقيدته وسماها ب"بدعة ماركيون" وانتقد الإنجيل الذي كان يستخدمه ماركيون والذي كان منتشراً في العديد من البلدان والكنائس وسماه ب"إنجيل ماركيون"! وانتقد كيرينثوس وانتقد إنجيله وسماه ب"إنجيل كيرينثوس"، وانتقد كاربوكراتيس[55] الذي كان يتبع هو أيضا "إنجيل كيرينثوس". وانتقد أيضا ساتورنينوس[56] وانتقد باسيليدس[57] ومعتقداتهم.

وهكذا فقد انتقد إريناؤس العديد من أباء الكنيسة المبكرة وكتب عنهم وعن معتقداتهم، وعلى هذا فنحن لا نعرف ما كانوا حقاً يؤمنوا به إلا مما كتب إريناؤس عنهم، أما كتاباتهم هم فلم تصل أياً منها إلينا. وعلى هذا فلن نعرف أبداً إن كانوا حقا هراطقة أم كانوا هم على الحق، لأننا لن نستطيع أبداً للوصول لكتاباتهم وأقوالهم الحقيقية. أما الكنيسة حالياً فهي تكرر كلام إريناؤس عنهم دون أي شك فيما ذكره، فقد قرأت حول كيرينثوس على سبيل المثال، ووجدت عبارة تقول أن أباء الكنيسة المبكرة انتقدوه وانتقدوا هرطقته، ولكن بعد الاستمرار في القراءة وجدت أن المقصود بأباء الكنيسة المبكرة هو إريناؤس فقط!!

وقد كان إريناؤس يعتمد بشكل أساسي على إنجيل يوحنا في ردوده على كل ما يسميها بالهرطقات. وعلى هذا فمن المحتمل جدا كما ذكرنا سابقا أنه قد نسب هذا الإنجيل الذي يقتبس منه ليوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، وذكر أن معلمه بوليكاربوس كان تلميذا ليوحنا بن زبدي، وذلك حتى يصبح قوله هو القول الصواب أمام الناس وليثبت العقيدة التي يراها هو أنها هي العقيدة الصحيحة.

٣- الفرق بين إنجيل يوحنا وبين باقي الأناجيل الثلاثة:

تسمي الكنيسة الأناجيل الثلاثة متى ومرقس ولوقا ب"الأناجيل الجسدية" بينما تسمي إنجيل يوحنا ب"الإنجيل الروحي".

كما تطلق الكنيسة على الأناجيل الثلاثة اسم "الأناجيل الإزائية"[58] لأنه يمكن وضعها بإزاء (بجوار) بعضها البعض، فهي متشابهة بحيث تخبر نفس القصص عن المسيح وتسَلسُل ترتيب الأحداث بوجه عام. ويشار لأسباب وجود تشابه بين تلك الأناجيل بالمشكلة "السينوبتية"[59] فالتشابه في اختيار الكلمات وترتيب الأحداث يدل على علاقة بينهم. بينما إنجيل يوحنا فتطلق عليه اسم "الإنجيل المستقل".

٤- سبب كتابة إنجيل يوحنا:

يوضح كاتب هذا الإنجيل الغرض من كتابته في الإصحاح ٢٠ العدد ٣١: "وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه".

وهكذا فإن الكنيسة ترى أن هذا الإنجيل قد كتب لإثبات ألوهية المسيح وأنه هو المسيح المنتظر لدى اليهود.

وفي حين أن الأناجيل الأخرى لم تصرح بألوهية المسيح، نجد أن إنجيل يوحنا قد بدأ أول عبارة فيه بادعاء إلوهية المسيح، ففي الإصحاح ١ العدد ١ يقول "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله".

٥- مكان كتابة إنجيل يوحنا وأسلوب كتابته:

اختلف اختلافاً شديد في تحديد مكان كتابته، فقد قيل أنه قد يكون كتب بإفسس، أو بأنطاكيا، أو بالإسكندرية بمصر، حيث أن أقدم مخطوطة نسخت منه وتم العثور عليها تم اكتشافها بالإسكندرية، فضلا عن أن هذا الإنجيل يحمل طابعًا هيلينيًا (يونانياً) يناسب فكر الإسكندرية المتأثرة بفيلون الفيلسوف اليهودي السكندري (٢٠ ق.م ٤٥ م)[60].

٦- اقتباس كاتب إنجيل يوحنا من الفلسفة اليونانية:

ابتدأ إنجيل يوحنا بعبارة: "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله".

ولكن في الواقع فإن أول من ابتدع مصطلح "الكلمة" (لوغوس باليونانية λόγος) هو الفيلسوف اليوناني هيراكليتوس[61] والذي عاش من ٥٣٥ إلى ٤٧٥ قبل الميلاد، وقد اعتبر "الكلمة" بأنها هي "القانون الكلي للكون" وقال أيضا "أن العالم كان في حالة سائلة وغير متماسك؛ ولكن اللوغوس الإلهي غير الشخصي وغير المتبدل أمسك به كلّياً بإحكام وقاد عملية التغيير".

وقد استخدم العديد من الفلاسفة اليونانيين مصطلح "الكلمة" بطرق مختلفة، ومن هؤلاء الفلاسفة: أرسطو، والسفسطائيين[62]، وأفلاطون الذي عرّف "الكلمة" قائلا "اللوغوس غير الشخصي وغير المتبدل حَفِظ الكواكب في مسارها وحدّد الفصول".

وأيضا استخدم هذا المصطلح الفلاسفة الرواقيون[63] وعرّفوا عنه بأنه "المبدأ الإلهي المتحرك الذي يتخلل الكون" وعرّفوا عنه أيضا بأنه "هو المبدأ الفعال في العالم، أو "عقل العالم" أو مديره، وهو الذي يشيع في العالم الحياة، وأنه الذي ينظم ويرشد العنصر السلبي في العالم الذي هو المادة".

وداخل اليهودية الهيلينية[64] (أي اليهودية المتأثرة بالفلسفة والثقافة اليونانية) تبنى فيلون الفيلسوف اليهودي السكندري هذا المصطلح في الفلسفة اليهودية، وعرّف عنه بأنه: "أول القوى الصادرة عن الله، وأنه محل الصور، والنموذج الأول لكل الأشياء. وهو القوة الباطنة التي تحي الأشياء وتربط بينها. وهو يتدخل في تكوين العالم، لكنه ليس خالقاً. وهو الوسيط بين الله والناس، وهو الذي يرشد بني الإنسان ويمكنهم من الارتفاع إلى رؤية الله. ولكن دوره هو دائماً دور الوسيط".

ويُعرّفه بأنه "إله" ويميزه من الله بأداة التعريف التي تضاف إلى الله "الإله"، ولا يضيف أداة التعريف إلى اللوغوس.

أما كاتب إنجيل يوحنا فقد عرّف مصطلح "الكلمة" بأنها هي الإله نفسه، ثم عرّف المسيح بأنه "الكلمة المتجسدة"!!

٧- تأثر أباء الكنيسة المناصرون لإنجيل يوحنا بالفلسفة اليونانية والكتب الأبوكريفا اليهودية:

١) تأثر أباء الكنيسة المبكرة بالفيلسوف فيلون اليهودي السكندري:

كما ذكرنا بالأعلى فإن إنجيل يوحنا يحمل طابعاً هيلينياً (يونانياً) ومتأثراً بكتابات الفيلسوف فيلون السكندري، وقد كان فيلون يستخدم الرموز الفلسفية ليوائم بين الكتب اليهودية المقدسة، وخصوصا التوراة، وبين الفلسفة اليونانية. وقد كان التفسير الاستعاري أو الرمزي لفيلون هام جدا لأباء الكنيسة المسيحية المبكرة الذين تلقوا أعماله وفكره بحماس شديد وادعوا بأن فيلون قد يكون مسيحي يخفي إيمانه المسيحي. ورأى بعض العلماء أن مفهوم فيلون عن "الكلمة" بأنها مبدأ الخلق عند الله، قد أثرت في المسيحية المبكرة بشكل كبير، وبأن كاتب إنجيل يوحنا قد اقتبس هذا المفهوم من فيلون، ولكن في حين أن فيلون قد عبر عنه بمفهوم فلسفي يهودي، فإن كاتب إنجيل يوحنا قد عبر عنه بمفهوم فلسفي مسيحي.[65]

وقد ذكر مات ستيفون في كتابه "اليهودية: التاريخ، والمعتقد، والممارسة": "إن استخدام فيلون للفلسفة اليونانية، وخصوصا لفلسفة أفلاطون، في الموائمة بين أفكار التوراة وبين مفهومه عن "الكلمة" بأنها وسيط بين الله والعالم، قد تسبب في تأسيس الأفلاطونية الحديثة[66] والغنوصية[67] والنظرة الفلسفية لأباء الكنيسة المبكرة."[68]

٢) يوستينوس وتأثره بالفلسفة اليونانية:

كما ذكرنا سابقا فإن الترجمة اليسوعية قد ذكرت في مقدمتها عن العهد الجديد أن الشهيد يوستينوس (والذي عاش في القرن الثاني الميلادي، من عام ١٠٠م إلى ١٦٥م) هو أول من ذكر "أن المسيحيين يقرأون أناجيل (دون أن يحدد ما هي تلك الأناجيل ودون أن يحدد إن كان منها الأناجيل الأربعة) في اجتماعات الأحد وأنهم يعدونها مؤلفات الرسل". وهذا الاستشهاد تعتمد عليه الكنيسة في إثبات وجود أناجيل في أواسط القرن الثاني الميلادي. ولكن إن راجعنا سيرة يوستينوس نجد أنه كان متأثرا بالفلسفة اليونانية بشكل كبير وكان من أبرز من فسر مفهوم "الكلمة" (اللوغوس) في القرن الثاني الميلادي. كما أشار يوستينوس إلى مسألة وجود "الدين الحق" الذي سبق المسيحية، قائلا بأن "بذور المسيحية" (مظاهر أعمال "الكلمة" عبر التاريخ) قد سبقت بالفعل تجسد المسيح، وأشار إلى أن العديد من الفلاسفة اليونانيين المعروفين في التاريخ (ومن ضمنهم سقراط وأفلاطون) الذين قد تعلم أعمالهم الفلسفية بشكل جيد، يعتبرون مسيحيون غير مدركين (أنهم مسيحيون).

٣) بابياس وتأثره بالكتب الأبوكريفا اليهودية:

كما ذكرنا في الفصل الأول من هذا الكتاب، أن يوسابيوس القيصري قد كتب عن بابياس أنه كان رجل قليل الذكاء ومحدود الإدراك بسبب أن بابياس كان متأثراً بالكتب الأبوكريفا اليهودية ولهذا كان يؤمن "بالمُلك الألفي" المادي، وكان يمرر روايات خرافية وتعاليم غريبة.

٤) اكليمنضس السكندري وتأثره بالفلسفة اليونانية:

كان من أهم المناصرين لإنجيل يوحنا، وقد كان رئيساً للمدرسة الكاتدرائية بالإسكندرية، ومن خلال أهم كتبه الثلاث يتضح مدى تأثره الشديد بالفلسفة والأدب اليوناني وخصوصا فلسفة أفلاطون والفلسفة الرواقية أكثر من أي مفكر مسيحي آخر في ذلك الوقت. كان معلمه هو القديس والفيلسوف اليوناني بنتينوس[69] الذي كان فيلسوفا رواقيا مشهورا، وقد كان بنتينوس وثنيا ثم اعتنق المسيحية، وحاول جاهداً التوفيق بين الفلسفة اليونانية التي يبرع فيها وبين دينه الجديد المسيحية، وقد أثر بشكل كبير في علم اللاهوت المسيحي من خلال عمله كرئيس المدرسة الكاتدرائية بالإسكندرية، وبعد وفاته خلفه في هذا المنصب إكليمنضس السكندري.

وقد تم اعتبار إكليمنضس السكندري قديساً في كل من الكنيسة القبطية والكنيسة الإثيوبية والكنيسة الأنجليكانية، كما كانت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تعتبره في السابق قديساً لها وتحتفل بعيده في الرابع من شهر ديسمبر، ولكن فجأة تم مسح اسمه من سجل الشهداء بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية عام ١٥٨٦ بأمر من البابا إكليمنضس الثامن، وقد كتب البابا بندكت الرابع عشر رسالة إلى يوحنا الخامس ملك البرتغال، يبرر فيها سر هذا الحذف بحماس، مستندًا إلى وجود بعض التعاليم الفاسدة في كتاباته.

ومن تلاميذ إكليمنضس السكندري، هو أوريجانوس[70] الذي كان من أشد الشخصيات تأثيراً في اللاهوت المسيحي المبكر، وقد وصف بأنه أنبغ عبقرية أنتجتها الكنيسة المبكرة. وكان قد عمل كرئيس للمدرسة الكاتدرائية بالإسكندرية خلفا لإكليمنضس السكندري، إلا أن الكنيسة القبطية فيما بعد قد حرمت أوريجانوس من رتبته الكهنوتية وكذلك فعلت الكنائس الخلقيدونية بسبب ما وجدته في كتاباته من أخطاء عقدية، فضلا عن أنه كان قد خصي نفسه عندما كان شاباً حتى يستطيع وعظ النساء بحرية (كما ذكر يوسابيوس القيصري عنه) والمخصي لا يجوز له أن ينال رتبة كهنوتية.

٥) العديد من أباء الكنيسة المبكرة وتأثرهم بالفلسفة اليونانية:

العديد من أباء الكنيسة المبكرة من المناصرين لإنجيل يوحنا، عند مراجعة سيرهم نجد مدى تأثرهم بالفلسفة اليونانية (ولكن لا مجال لذكرهم جميعا هنا حتى لا يطول الكتاب).

٦) ترتليانوس وعداءه للفلسفة اليونانية:

انتقد ترتليانوس (والذي كان يلقب ب"أبو المسيحية اللاتينية" وأيضا ب"مؤسس علم اللاهوت الغربي") أباء الكنيسة من الفلاسفة أو المتأثرين بالفلسفة اليونانية وانتقد ما أدخلوه من بدع وخرافات في دين المسيحية، قائلاً: "وأي علاقة بين أثينا وأورشليم، بين الأكاديمية والكنيسة، بين الهراطقة والمؤمنين؟ ... إننا بريئون من الذين ابتدعوا مسيحية رواقية، أو أفلاطونية[71]، أو أبيقورية[72]، أو جدلية[73] بعد المسيح والإنجيل، لسنا بحاجة إلى شيء، وهل هناك مجال للتشبيه بين المسيحي والفيلسوف، بين تلميذ السماء، وتلميذ بلاد اليونان، بين من يهدف إلى الحياة، ومن يهدف إلى الشهرة، بين من يبني، ومن يهدم، بين من يحافظ على الحقيقة ويبشر بها، وبين من يفسدها؟".

والعجيب، أن ترتليانوس نفسه قد وقع في الهرطقات واستخدم الفلسفة اليونانية والكتب الأبوكريفا اليهودية، فهو كان مؤمناً بالمُلك الألفي بمعناه الحرفي والمادي، وأيضا هو أحد مؤسسي ومبتدعي عقيدة التثليث (الثالوث المقدس) وأدخلها في الديانة المسيحية، رغم أن لفظ (الثالوث) لم يذكر أبداً على لسان السيد المسيح ولا على لسان أياً من تلاميذه، ولا حتى في أي إنجيل من الأناجيل الأربعة التي تحاول الكنيسة أن تنسبها للتلاميذ. وفي النهاية فقد وقع ترتليانوس في هرطقة شديدة وهي اتباعه لمذهب المونتانية[74] الذي أسسه مونتانوس (أو مونتانُس)[75] الذي ادعى كذباً النبوة، ودافع ترتليانوس بشدة عن المونتانية واستقطب أتباع كثر لها.

٨- نسب عبارات للمسيح تبدأ بكلمة "أنا" في إنجيل يوحنا:

إنجيل يوحنا هو الإنجيل الوحيد الذي تفرد بنسب عبارات عديدة للسيد المسيح تبدأ بكلمة "أنا"، في حين أن جميع الأناجيل الأخرى غير مذكور بها أيا من تلك العبارات. وقد استخدمت تلك العبارات من القساوسة المناصرين لفكرة إلوهية المسيح في مناظراتهم مع القساوسة والكنائس المعارضة لإلوهية المسيح. ومن تلك العبارات:

(أنا هو خبز الحياة من يقبل إلي فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا) (الإصحاح ٦ العدد ٣٥). (أنا أعرفه لأني منه وهو أرسلني) (الإصحاح ٧ العدد ٢٩). (أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة) (الإصحاح ٨ العدد ١٢). (فقالوا له أين هو أبوك؟ أجاب يسوع: لستم تعرفونني أنا ولا أبي، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضا) (الإصحاح ٨ العدد ١٩). (فقال لهم: أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم) (الإصحاح ٨ العدد ٢٣). (قال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم، قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن) (الإصحاح ٨ العدد ٥٨). (أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف) (الإصحاح ١٠ العدد ١١). (أنا والأب واحد) (الإصحاح ١٠ العدد ٣٠). (ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الأب في وأنا فيه) (الإصحاح ١٠ العدد ٣٨). (قال لها يسوع: أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا) (الإصحاح ١١ العدد ٢٥). (والذي يراني يرى الذي أرسلني) (الإصحاح ١٢ العدد ٤٥). (أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الأب إلا بي) (الإصحاح ١٤ العدد ٦). (7 لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا ومن الان تعرفونه وقد رأيتموه. 8 قال له فيلبس يا سيد أرنا الأب وكفانا. 9 قال له يسوع أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي رآني فقد رأى الأب فكيف تقول أنت أرنا الأب؟ 10 ألست تؤمن أني أنا في الأب والأب في الكلام الذي أكلمكم به! لست أتكلم به من نفسي لكن الأب الحال في هو يعمل الاعمال. 11 صدقوني أني في الأب والأب في وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها. 12 الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضا ويعمل أعظم منها لأني ماض إلى أبي. 13 ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الأب بالابن) (الإصحاح ١٤ العدد ٧-١٣).

وقد قال القس الأمريكي جون شيلبي سبونج[76]: "أنه وبعد خمس سنوات من دراسته المستمرة عن إنجيل يوحنا فقد خلص إلى ... أن الكثير من العبارات المنسوبة للمسيح في هذا الإنجيل لم يقلها المسيح أبداً، ومن ضمنها جميع العبارات التي تبدأ بكلمة "أنا" و"أنا أكون" (والتي لم يتم ذكرها في أي من الأناجيل الثلاثة الأخرى)!! [77]

٩- اعتماد الكنيسة على إنجيل يوحنا في مقاومة الهرطقات والبدع:

إن مصطلح "الكنيسة" الذي يستخدمه الكثيرون ممن يتحدثون عن حرب الكنيسة مع الهرطقات والبدع، هو مصطلح خادع. لأنه يخيل لنا أنه كانت هناك كنيسة واحدة ومتحدة وكانت ترد على من يخرج عليها وعلى الصراط المستقيم. بل الحقيقة أن الكنائس في ذلك الوقت كانت في صراع دائم فيما بينها ومنقسمة ومتفرقة وبلا عقيدة ثابتة واضحة.

ومن الأمثلة على ذلك هو أن أغلب الكنائس وأغلب أباء الكنيسة المبكرة كانوا يؤمنون بالمُلك الألفي بمعناه الحرفي والمادي، ومنهم: بابياس، بوليكاربوس، إريناؤس، يوستينوس، ميليتو أسقف ساردس[78]، ترتليانوس، هيبوليتوس الروماني[79]، أمبروسيوس أسقف ميلان[80]، نيبوس المصري[81]، وغيرهم، وكان معارضوهم قلة قليلة جداً، واستمر هذا الأمر لمدة أربعة قرون، ولم يُشجب في أي مجمع من المجامع المسكونية، ولكن قانون الإيمان النيقاوي الذي صيغ في مجمع نيقية عام ٣٢٥م بدعوة من الإمبراطور قسطنطين الكبير عزز عقيدة التثليث وأضاف عبارة تقول "الذى ليس لملكه انقضاء"، وهذا يشير ضمنيا أن المسيح لن يأتي ليحكم الأرض ألف سنة كما كان معتقداً.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إذا كان مصطلح "الكنيسة" يعني وجود كنيسة واحدة ومتحدة، وأن من يخرج عليها يكون هرطيق وفاسق، فلماذا إذن تغيرت عقيدة تلك الكنيسة المتحدة من الإيمان بالمُلك الألفي بمعناه الحرفي وأصبح بمعناه الرمزي فيما بعد؟!

الإجابة على هذا السؤال: هو أن تغير عقيدة الكنيسة بوجه عام كان مرجعه إلى القوة والسلطة وليس الإجماع والحجة، فمجمع نيقية عقد بأمر من الإمبراطور قسطنطين وتحت إشرافه، وعلى هذا فالكنائس التي استطاعت الاستناد إلى قوة الإمبراطور كانت هي الكنائس المنتصرة في النهاية! ولهذا نجد أنه رغم أن عقيدة المُلك الألفي المادي كانت تعبر عن رأي أغلبية الآباء والكنائس إلا أن رأي الأقلية من الآباء هي التي انتصرت في النهاية. وهكذا فإن من كان يطلق عليه لقب "هرطيق" في السابق بسبب إيمانه بالمعنى الرمزي للمُلك الألفي، الذي هو إيمان مخالف لإيمان أغلب الكنائس، أصبح يطلق عليه "قديس"، وأصبح من يخالفه ويؤمن بالمعنى الحرفي للمُلك الألفي يطلق عليه "هرطيق"!

وبالنسبة لمصطلح "هرطقة" أو "بدعة" أيضا هو مصطلح خادع، لأن المنتصر الذي كان يستند على قوة الإمبراطور أو الملك كان يطلق على من يعارضه لقب هرطيق أو مبتدع ويصفه بأنه منحرف عن العقيدة الصحيحة للكنيسة!

وبالنسبة لنا في عصرنا الحالي فلا نستطيع معرفة من كان معه الحق ومن كان فعلاً هرطيق في القرون الأولى للكنيسة، لأن المنتصر كان دائما ما يحرق كتب المعارضين ويقوم بنفيهم أو حتى بسجنهم، ويضطهد أتباعهم. وهكذا فنحن لا نعرف ما هي حجج المعارضين إلا مما كتبه المنتصر عنهم فقط! وعلى هذا فمن يضمن لنا أنه كان يذكر فعلا أقوالهم الحقيقية أم أنه ألصق لهم أقوال زائفة حتى يشوه صورتهم وحججهم؟!

ونحن إن حكمنا على أحد أباء الكنيسة الأولى بأنه كان هرطيق بدون سماع حججه، واستناداً فقط على أقوال الطرف المنتصر، فنكون وقتها مثل القاضي الذي حضر أمامه شخص ليتهم شخص أخر بأنه سبه وشتمه، فحكم القاضي وفق أقوال الشاكي دون سماع أقوال المشكو بحقه!

وخير مثال على هذا هو ما يسمى ب "بدعة أريوس"[82]، فإذا سألنا أياً من القساوسة في عصرنا الحالي عن أريوس فسنجد أن الرد واحداً، وهو أن أريوس كان أكبر هرطيق في تاريخ الإنسانية. ولكن إذا سألنا ما هي الأدلة على هرطقته، فسيكون الرد هو الاحتجاج بما كتبه عنه أعداءه وما نسبوه له من أقوال وعقيدة.

والذي لا يعرفه اليوم الكثير من عامة المسيحيين هو أن الأريوسية لم تكن مجرد طائفة من طوائف المسيحية، بل كانت هي العقيدة السائدة في أغلب الكنائس!! فأغلب الدول الأوروبية كانت تتبع مذهب أريوس، والكثير من ملوك وأباطرة وبطاركة أوروبا كانوا أريوسيون! وقد قال القسيس جيروم مقولته الشهيرة التي توضح كيف كانت الأريوسية هي المذهب السائد: "إستيقظ العالم متأوها ليجد نفسه أريوسيا"!!

 

 

الفصل الثامن

هل كتبة الأناجيل الأربعة هم تلاميذ السيد المسيح عليه السلام؟

أسماء الأناجيل الأربعة:

١- الإنجيل وفق رواية متى، ٢- الإنجيل وفق رواية مرقس، ٣- الإنجيل وفق رواية لوقا، ٤- الإنجيل وفق رواية يوحنا.

فهل كل من متى، مرقس، لوقا، يوحنا المنسوب إليهم تلك الأناجيل الأربعة هم من تلاميذ السيد المسيح؟

 

أسماء تلاميذ السيد المسيح عليه السلام وفق الأناجيل الأربعة:

إنجيل متى الإصحاح 10 العدد 2:

"وأما أسماء الاثني عشر رسولا فهي هذه: الأول سمعان الذي يقال له بطرس، وأندراوس أخوه. يعقوب بن زبدي ويوحنا بن زبدي. فيلبس وبرثولماوس. توما، ومتى العشار. يعقوب بن حلفى، ولباوس الملقب تداوس. سمعان القانوي، ويهوذا الاسخريوطي".

إنجيل مرقس الإصحاح 3 العدد 16:

"وجعل لسمعان اسم بطرس. ويعقوب بن زبدي ويوحنا (بن زبدي) أخا يعقوب، وجعل لهما اسم بوانرجس أي ابني الرعد، وأندراوس، وفيلبس، وبرثولماوس، ومتى، وتوما، ويعقوب بن حلفى، وتداوس، وسمعان القانوي، ويهوذا الإسخريوطي".

إنجيل لوقا الإصحاح 6 العدد 14:

"سمعان الذي سماه أيضا بطرس وأندراوس أخاه. يعقوب، ويوحنا. فيلبس، وبرثولماوس، متى، وتوما. يعقوب بن حلفى وسمعان الذي يدعى الغيور، يهوذا أخا يعقوب، ويهوذا الإسخريوطي".

إنجيل يوحنا الإصحاح 1 العدد 45:

"فيلبس وجد نثنائيل وقال له: " وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس ".".

إنجيل يوحنا الإصحاح 21 العدد 2:

"كان سمعان بطرس وتوما الذي يقال له التوام ونثنائيل الذي من قانا الجليل وابنا زبدي واثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم".

 

كلا من لوقا ومرقس ليسا من التلاميذ الاثنا عشر:

- كما نرى فإنه لا وجود لاسم لوقا ولا اسم مرقس في أسماء تلاميذ السيد المسيح المذكورة بالأعلى!

فمن إذن يكونا كلا من لوقا ومرقس، ولماذا كتبا إنجيليهما طالما أنهما لم يكونا من تلاميذ السيد المسيح؟ ولماذا قبلت الكنيسة بإنجيليهما رغم وجود أناجيل أخرى تنسبها الكنيسة ليوحنا ومتى (إن كانا حقا من تلاميذ السيد المسيح)؟

وإن كانت الكنيسة تدعي أن الروح القدس قد أوحى لتلاميذ السيد المسيح أن يكتبوا الإنجيل، فلماذا إذن قد أوحى أيضا لكلا من لوقا ومرقس رغم أنهما ليسا من تلاميذ السيد المسيح؟

ومن المتفق عليه بين علماء اللاهوت أن إنجيل مرقس هو أول إنجيل قد كتب (تمت كتابته تقريبا عام ٧٠ ميلاديا)[83]، وأنه هو المصدر الرئيسي لكلا من إنجيل متى وإنجيل لوقا اللذان قد اقتبسا منه (وقد تمت كتابتهما تقريبا عام ٩٠ ميلاديا)! فكيف يعقل أن يكون الروح القدس قد أوحى أولا لمرقس الذي هو ليس من تلاميذ السيد المسيح، مفضلا إياه على التلاميذ الذين عاشوا مع المسيح عليه السلام وعاينوا الأحداث التي وقعت معه بأعينهم؟

../../../../../Downloads/The%20Dating%20of%20the%20G

 

كلا من متى العشار ويوحنا بن زبدي تلميذان المسيح لم يكتبا أية أناجيل:

أما بالنسبة للإنجيل وفق رواية متى والإنجيل وفق رواية يوحنا فسوف نستعرض في الفصول القادمة بإذن الله تعالى بالأدلة أنه لم تتم كتابتهما لا من متى العشار ولا من يوحنا بن زبدي تلميذي المسيح.

 

تلميذان جدد للسيد المسيح عليه السلام في الأناجيل:

١- يهوذا أخو يعقوب أم لباوس الملقب تداوس؟

- ذكر إنجيل لوقا ضمن أسماء التلاميذ اسم "يهوذا أخا يعقوب" -يقصد يعقوب بن حلفي-، وفي نفس الوقت حذف اسم "لباوس الملقب تداوس"، في حين أن إنجيل متى وإنجيل مرقس ذكرا اسم "لباوس الملقب تداوس" ولم يذكرا اسم "يهوذا أخا يعقوب"!

وقد بحثت في ردود الكثير من القساوسة على هذا التناقض، فوجدتهم يدّعون الآتي:

١) أن اسم "لباوس" أو "تداوس" هو اسم ثاني ل"يهوذا" أخو يعقوب. وهذا لأن العادة جرت عند اليهود أنه قد يكون للشخص الواحد اسمان.

٢) أنه وفق لإنجيل متى فقد ذكر اسم "لباوس الملقب تداوس" في أسماء تلاميذ المسيح، وفي نفس الإنجيل ذكر اسمه الآخر "يهوذا" عندما تكلم عن إخوة المسيح في الإصحاح ١٣ العدد ٥٥: "أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم، وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟" وعلى هذا فإن يهوذا أخو المسيح هو نفسه لباوس تلميذ المسيح.

الرد على هذا الادعاء:

١) بالنسبة أن لباوس كان له اسم ثاني على ما جرت عليه عادة اليهود. فنقول نعم كان له اسمان، وهما "لباوس" و"تداوس" وهذا مذكور بكل وضوح في الإنجيل، ولا داعي أن نخلق له اسم ثالث الذي هو "يهوذا" حتى نغطي على هذا التناقض الواضح بين الأناجيل في أسماء التلاميذ!!

٢) بالنسبة للادعاء أن إنجيل متى ذكر اسم "لباوس الملقب تداوس" في أسماء تلاميذ المسيح، وفي نفس الإنجيل ذكر اسمه الآخر "يهوذا" عندما تكلم عن إخوة المسيح، وعلى هذا فإن يهوذا أخو المسيح هو نفسه لباوس تلميذ المسيح. فنقول إن هذا تزوير واضح ومحاولة إيهام للقارئ أن تلميذ المسيح "لباوس" وأخو المسيح "يهوذا" كانوا نفس الشخص! فإخوة المسيح لم يكونوا من التلاميذ الاثنا عشر كما ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح ٦ العدد ٦٧ الذي تحدث عن تلاميذ المسيح الاثنا عشر المؤمنون به: "فقال يسوع للاثني عشر ألعلكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا" وفي نفس الإصحاح ولكن العدد ٧٠: "أجابهم يسوع أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان"، ثم في نفس الإنجيل في الإصحاح ٧ العدد ٣ تحدث عن إخوة المسيح واصفا إياهم أنهم لم يكونوا مؤمنين به: "٣ فقال له إخوته انتقل من هنا واذهب إلى اليهودية لكي يرى تلاميذك أيضا أعمالك التي تعمل، ٤ لأنه ليس أحد يعمل شيئا في الخفاء و هو يريد أن يكون علانية إن كنت تعمل هذه الأشياء فاظهر نفسك للعالم، ٥  لأن إخوته أيضا لم يكونوا يؤمنون به"!!

والعجيب أنني قد وجدت منتشرا جدا في المواقع النصرانية على الإنترنت اسم "يهوذا تداوس"!! أي أنهم قد اختلقوا اسم جديد يخلط بين كلا من "لباوس الملقب بتداوس" تلميذ المسيح وبين "يهوذا أخو المسيح"، وذلك حتى يوهموا القارئ أن كلا منهما هو نفس الشخص، وهكذا يغطوا على تلك المشكلة، مشكلة التناقض بين الأناجيل في أسماء تلاميذ المسيح!!

٣) ذكر إنجيل لوقا في أسماء تلاميذ المسيح أن "يهوذا" هو أخ ليعقوب بن حلفي، في حين أن إنجيلا متى ومرقس لم يدّعا أن "تداوس" أو "لباوس" هو أخ ليعقوب بن حلفي، وقد كانا الإنجيلان يهتمان جدا عند ذكر أسماء تلاميذ المسيح أن يذكرا من يكون أخ لمن، فذكرا أن أندراوس هو أخ لسمعان الملقب ببطرس، وأن يوحنا بن زبدي هو أخ ليعقوب بن زبدي، ولم يذكرا أن ليعقوب بن حلفي أخ، ولم يذكرا أن تداوس أو لباوس له أي علاقة بيعقوب بن حلفي!

٤) إنجيل يوحنا الإصحاح ١٤ العدد ٢٢ يقول: "قال له يهوذا ليس الاسخريوطي يا سيد ماذا حدث حتى إنك مزمع أن تظهر ذاتك لنا وليس للعالم"، فهنا كاتب إنجيل يوحنا أراد ذكر اسم "يهوذا" التلميذ، ولكن بسبب خشيته أن يحدث لبس عند القارئ فيظن أنه يتحدث عن يهوذا الإسخريوطي، فلجأ الكاتب للتعريف بيهوذا أنه ليس الإسخريوطي، وإن كان حقا أن يهوذا أخو يعقوب كان له اسمان آخران وهما لباوس وتداوس، لكان كاتب إنجيل يوحنا استخدم أيا منهما للتعريف به، مثل أن يقول "قال له تداوس" أو "قال له لباوس" أو "قال له لباوس الملقب تداوس" أو "قال له يهوذا الملقب تداوس" أو "قال له يهوذا لباوس" ولكن كما نرى فإنه قال "يهوذا ليس الإسخريوطي"!!

٢- نثنائيل:

- انفرد إنجيل يوحنا بذكر اسم جديد لم يذكر في أي إنجيل آخر، وهو اسم "نثنائيل".

وهذا ما جعل القس الأمريكي جون شيلبي سبونج[84] يقول أنه وبعد خمس سنوات من دراساته المستمرة عن إنجيل يوحنا فقد خلص إلى أن هذا الإنجيل لا يمكن بأي حال أن يكون من تأليف يوحنا بن زبدي ولا من تأليف أيا من تلاميذ المسيح، وأن الكثير من الشخصيات الواردة في هذا الإنجيل هي مخلوقات أدبية لا وجود لها في العالم الواقعي، ومن ضمنهم اسم "نثنائيل" الذي ذكره كاتب إنجيل يوحنا كتلميذ للسيد المسيح، حيث أنه لم يوجد أي تلميذ من تلاميذ السيد المسيح بهذا الاسم قط. وأن الكثير من العبارات المنسوبة للمسيح في هذا الإنجيل لم يقلها المسيح أبدا، ومن ضمنها جميع العبارات التي تبدأ بكلمة "أنا" و"أنا أكون" وحديث الوداع. وأن الكثير من المعجزات المنسوبة للمسيح في هذا الإنجيل لم تحدث أبدا وإنما هي من وحي خيال الكاتب، ومن ضمنها معجزة إحياء لعازر بعد موته والمذكورة بالإصحاح ١١ العدد ١ (والتي لم يتم ذكرها ولا التلميح عنها في أي من الأناجيل الثلاثة الأخرى، وتفرد بذكرها إنجيل يوحنا رغم أنه هو آخر الأناجيل المكتوبة)، ومعجزة تحويل الماء لخمر والمذكورة بالإصحاح ٢ العدد ٢ (والتي لم يتم ذكرها ولا التلميح عنها في أي من الأناجيل الثلاثة الأخرى)!! [85]

الخلاصة:

وعلى هذا يتضح أن كتبة تلك الأناجيل الأربعة لم يعرفوا بعضهم البعض، ولم يروا أبدا بعضهم البعض، ولم يكونوا من تلاميذ السيد المسيح، وأنهم قد تخبطوا حتى في ذكر أسماء تلاميذ السيد المسيح عليه السلام! فلو كان كلا من يوحنا ومتى المنسوب لهما الإنجيلان من تلاميذ السيد المسيح حقاً، فكيف ذكر إنجيل يوحنا اسم نثنائيل، في حين أن إنجيل متى لم يذكر هذا الاسم ولم يعرفه؟!

 

 

الفصل التاسع

من هو كاتب الإنجيل وفق رواية متى؟

بالنسبة للإنجيل وفق رواية متى فهو لم يكتب من متى العشار تلميذ السيد المسيح، وذلك للأسباب الآتية:

١- تاريخ كتابة الإنجيل وفق رواية متى:

يؤرخ علماء اللاهوت النصارى أن إنجيل متى كتب عام ٩٠ ميلاديا[86]، وأن المسيح عليه السلام مات بعمر ٣٣ عاما وكان موته عام ٣٠ ميلاديا، أي أن إنجيل متى تمت كتابته بعد السيد المسيح عليه السلام ب ٦٠ عاما، فإذا كان متى العشار هو من كتب إنجيل متى فكم كان عمره وقت كتابته؟!  فلو افترضنا أن متى العشار كان في عمر يقارب عمر السيد المسيح بالزيادة أو النقص البسيط وقتما تقابلا، فبهذا الشكل يكون عمره وقت كتابة الإنجيل هو ٩٠ عاما، وهو شيء مستحيل من الناحية المنطقية أن يكتب كهلا ذو التسعون عاما إنجيلا!! وإن كان هو من كتبه وهو في عمر التسعين عاما، فلماذا تأخر ستين عاما لكي يكتب إنجيله؟ ألم يكن من الأفضل أن يكتبه بعد الأحداث التي وقعت للمسيح مباشرة حتى لا يغلب عليه النسيان أو الخطأ؟ وإن كان الروح القدس هو من أوحى له أن يكتب، فلماذا لم يوحي له قبلا وتأخر كل هذا الوقت، مفضلا عليه مرقس في الأسبقية؟!

٢- تحدث الكاتب بصيغة الغائب عن متى العشار وعن تلاميذ السيد المسيح:

تحدث كاتب الإنجيل وفق رواية متى عن متى العشار تلميذ المسيح بصيغة الغائب، مما يعني أن متى العشار ليس هو كاتب الإنجيل وفق رواية متى! أيضا فقد تحدث كاتب هذا الإنجيل عن تلاميذ السيد المسيح بصيغة الغائب، وفي بعض الحالات وكأنه لا يعرفهم، مما يعني أنه ليس واحداً منهم!

إنجيل متى الإصحاح 9 العدد 9:

"وفيما يسوع مجتاز من هناك، رأى إنسانا جالسا عند مكان الجباية، اسمه متى. فقال له: اتبعني. فقام وتبعه"

ملحوظة هامة: عندما نظرنا في الإنجيل اليوناني عن هذا النص وجدنا أنه ذكره كالتالي: "فقام ذاك الرجل وتبعه"! وكلمة "ذاك الرجل" هنا هي دليل قطعي على أن كاتب إنجيل متى لم يكن متى العشار!

إنجيل متى الإصحاح 26 العدد 50:

"50 فقال له يسوع: يا صاحب، لماذا جئت؟ حينئذ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه 51 وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه"

وكما نرى هنا فإنه تحدث عن تلاميذ السيد المسيح بصيغة الغائب قائلا "وإذا واحد من الذين مع يسوع"! علماً أن متى العشار في تلك الليلة وقت القبض على السيد المسيح كان موجوداً مع باقي التلاميذ!

بالإضافة إلى أنه لماذا لم يذكر كاتب هذا الإنجيل اسم التلميذ الذي استل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة؟ لماذا قال "واحد من الذين" ولم يقل اسمه مباشرة؟ ألم يكن يعرفه؟

إنجيل متى الإصحاح 26 العدد 56:

"56 وأما هذا كله فقد كان لكي تكمل كتب الأنبياء. حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا، 57 والذين أمسكوا يسوع مضوا به إلى قيافا رئيس الكهنة، حيث اجتمع الكتبة والشيوخ 58 وأما بطرس فتبعه من بعيد إلى دار رئيس الكهنة، فدخل إلى داخل وجلس بين الخدام لينظر النهاية".

ملحوظة: ذكر كاتب الإنجيل هنا أن جميع التلاميذ قد تركوا السيد المسيح وهربوا، حتى بطرس قد تبعه من بعيد، فإن كان كما يدعي البعض أن كاتب إنجيل متى هو متى العشار تلميذ السيد المسيح، فكيف يمكن أن نثق بإنجيل كُتبَ من رجل قد ترك السيد المسيح وتخلى عنه وهرب؟ كيف يكون هذا الرجل ممتلئ بالروح القدس كما يدّعون ثم يترك كل ما يؤمن به ويهرب لينجو بحياته؟ ألا يدّعي النصارى أن السيد المسيح هو الله -معاذ الله-؟ فكيف يثقون بما كتبه شخص ترك إلههم -كما يدّعون- وهرب؟

وإن قال قائل: "أن التلاميذ كانوا مضطرون للهرب لكي ينجو بحياتهم ويستمرون فيما بعد في التبشير بدين السيد المسيح"! فنرد عليه أنه لم يثبت أن أيا من تلاميذ المسيح الاثنا عشر قد قام بالتبشير بدين المسيح، بل من قام بالتبشير ونشر دين النصرانية هو بولس الذي لم يقابل المسيح في حياته قط!!

إنجيل متى الإصحاح 10 العدد 1:

"1ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها، ويشفوا كل مرض وكل ضعف 2وأما أسماء الاثني عشر رسولا فهي هذه: الأول سمعان الذي يقال له: بطرس، وأندراوس أخوه. يعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه 3فيلبس، وبرثولماوس. توما، ومتى العشار. يعقوب بن حلفى، ولباوس الملقب تداوس 4سمعان القانوي، ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه 5هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا".

وهكذا نجد أن كاتب هذا الإنجيل لم يتحدث عن تلاميذ السيد المسيح بصيغة المتكلم، مثل أن يقول "دعانا" أو "أعطانا"، وإنما تحدث بصيغة الغائب فقال "دعاهم" و"أعطاهم"! وحتى أنه عندما ذكر اسم متى تلميذ المسيح ذكره بصيغة الغائب، فذكره باسم "متى العشار" للتعريف به، ولم يقل و"أنا متى"! وإذا استمريت عزيزي القارئ في قراءة ذلك الإنجيل فستجد أنه استعمل ضمير الغائب دائما عند التحدث عن تلاميذ السيد المسيح عليه السلام!

٣- عدم ورود اسم كاتب هذا الإنجيل داخله:

لم يرد في أي مكان داخل هذا الإنجيل أية إشارة تدل على اسم كاتبه. ففي الواقع كان هذا الإنجيل عبارة عن كتاب مجهول الهوية، مثله مثل عشرات الكتب الأخرى التي كانت منتشرة في أواسط القرن الثاني الميلادي، وقد سميت جميعها بالأناجيل، ومن ثم تم الاختيار من بينها أناجيل لتكون قانونية، وأناجيل أخرى سميت بالأبوكريفا. وكان تحديد أي إنجيل بأنه قانوني أو أبوكريفا، تخضع للأهواء وليس للأدلة، فالإنجيل الذي كان يعتبر قانونياً لبعض أباء الكنيسة المبكرة، كان يعتبر أبوكريفا لأباء آخرين! فالأمر كان كله تصارع بين أراء الأباء ولم تكن هناك أدلة قطعية واضحة! أما عبارة الإنجيل وفق رواية متى فهي عبارة تمت إضافتها في القرن الثاني الميلادي بواسطة إريناؤس، ولا يوجد أي دليل على نسبة هذا الإنجيل لمتى العشار إلا ادعاء إريناؤس ذلك!!

٤- عدم ذكر حوادث مهمة فعلها السيد المسيح أمام تلاميذه:

من أكثر الأدلة القطعية على أن كلا من الإنجيل وفق رواية متى والإنجيل وفق رواية يوحنا، لم تتم كتابتهم من متى العشار ويوحنا بن زبدي تلميذي السيد المسيح، هو أن كلا من هذين الإنجيلين لم يذكرا قصة صعود السيد المسيح للسماء بعد أن ظهر للتلاميذ بعد الصلب، والتي قد ذكرت في كلا من الإنجيل وفق رواية لوقا (الإصحاح ٢٤ العدد ٥١) والإنجيل وفق رواية مرقس (الإصحاح ١٦ العدد ١٩)!! فكيف أن حادثة كتلك في غاية الأهمية ألا يذكرها إنجيل متى وإنجيل يوحنا إن كانا حقا من تلاميذ المسيح؟

إنجيل لوقا الإصحاح ٢٤ العدد ٥١:

"51 وفيما هو يباركهم انفرد عنهم واصعد الى السماء، 52 فسجدوا له ورجعوا الى اورشليم بفرح عظيم."

إنجيل مرقس الإصحاح ١٦ العدد ١٩:

"19 ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله."

٥- عدم ذكر معجزة إحياء لعازر ومعجزة تحويل الماء لخمر:

إن معجزة إحياء لعازر بعد موته والمذكورة بإنجيل يوحنا (الإصحاح ١١ العدد ١)، هي معجزة في غاية الأهمية عند الكنيسة لأنها هي السند الذي تستند عليه لإثبات إلوهية السيد المسيح، بل وفي أفلام هوليوود عن السيد المسيح والتي تذاع في جميع الدول النصرانية أيام الاحتفال بأعياد القيامة، لم يغفل المخرجون السينمائيون أبدا تمثيل تلك القصة وكيف قام لعازر من موته وخرج من قبره، فكيف يمكن أن يغفل ذكرها أو حتى التلميح عنها إنجيل متى إن كان كاتبه هو حقا متى العشار تلميذ المسيح؟!

ونفس الأمر بالنسبة لمعجزة تحويل الماء لخمر والمذكورة بإنجيل يوحنا (الإصحاح ٢ العدد ٢)، كيف لمعجزة في غاية الأهمية مثل تلك أن يغفل ذكرها أو حتى التلميح عنها إنجيل متى إن كان كاتبه هو حقا متى العشار تلميذ المسيح؟!

فإما أن كاتب إنجيل متى ليس هو متى العشار تلميذ السيد المسيح، أو أن تلك المعجزتين المذكورتين في إنجيل يوحنا واللاتي لم يتم ذكرها ولا التلميح عنها بأي شكل في أي من الأناجيل الثلاث الأخرى، هي معجزات لم تحدث أصلا، أو كلا الأمرين معا!!

٦- ذكر نسب زائف للسيد المسيح عليه السلام:

ابتدأ كاتب هذا الإنجيل إنجيله بذكر نسب زائف للسيد المسيح عليه السلام، فإن كان النصارى يؤمنون بأن السيد المسيح عليه السلام لم يكن له أب بشري، فكيف ألصق له كاتب هذا الإنجيل هذا النسب، ومن أين علم بنسب السيد المسيح بذلك التفصيل الشديد في الأسماء من أول نبي الله إبراهيم وصولا للسيد المسيح عليه السلام؟

أيضا فإن الدليل على أن هذا النسب هو نسب زائف، هو التناقض الشديد بينه وبين النسب الذي ذكره كاتب إنجيل لوقا للسيد المسيح عليه السلام، ففي حين ذكر إنجيل متى أن داود الملك قد ولد سليمان ومن سليمان امتد النسب حتى المسيح عليه السلام، نجد أن إنجيل لوقا قد ذكر أن داود قد ولد ناثان ومن ناثان امتد النسب حتى المسيح عليه السلام ولكن بأسماء مختلفة كليا عن تلك التي ذكرت في إنجيل متى! فمن منهم الصادق ومن منهم يكذب؟

أيضا من الأدلة القطعية على أن هذا النسب زائف هو تعمد كاتب هذا الإنجيل (إنجيل متى) إدخال أسماء زانيات في هذا النسب، فمثلا ذكر: أن يهوذا ولد فارص وزارح من ثامار، وأن سلمون ولد بوعز من راحاب، وأن داود الملك ولد سليمان من التي لاوريا.

فإن كان البشر بوجه عام ينسبون لأسماء أباءهم وليس لأمهاتهم، وبالفعل فإن كاتب هذا الإنجيل ذكر نسب للمسيح عليه السلام يمتد وفق خط الأباء الذكور، ولكن ما هو مقصده أن يذكر أسماء تلك النساء الزانيات "ثامار وراحاب وزوجة أوريا الحثي" ويزج بهم في نسب المسيح عليه السلام؟!

للاطلاع على قصة ثامار الزانية التي زنت مع حماها وحملت منه، يُرجع لسفر التكوين الإصحاح ٣٨ من العدد ٦ إلى ١٨، وللاطلاع على قصة راحاب الزانية، يُرجع لسفر يشوع الإصحاح ٢ العدد ١، وللاطلاع على قصة زوجة أوريا الحثي والتي اسمها بثشبع أو بثشوع والتي خانت زوجها مع الملك داود، في حين كان زوجها قائدا مخلصا في جيش داود في الحرب، وبعد أن زنت مع داود وحملت منه وفق ما ذكره الكتاب المقدس- تآمر داود على زوجها لكي يقتل في الحرب، وبعد أن قتل زوجها أخذها داود لقصره وتزوجها، يرجع لسفر صموئيل الثاني الإصحاح ١١ العدد ١.

وقد ذكر كاتب ذلك الإنجيل في نسب المسيح عليه السلام أيضا اسم راعوث، فقال " وبوعز ولد عوبيد من راعوث"، وقصة راعوث مع بوعز مذكورة في سفر راعوث الإصحاح ٣ العدد ٢، ولكن بغموض كبير في الكلمات! لا يعرف مع هذا الغموض ماذا حدث حقيقة بين بوعز وراعوث قبل زواجهما. ولهذا نجد أن الكثير من النقاد يذكرون أن راعوث قد زنت بالفعل مع بوعز قبل زواجهما، في حين نجد آخرين ينفون تلك التهمة عنها ويصفونها بالقديسة، وذلك لأن سياق الكلام لا يظهر منه ماذا حدث فعليا. ولكن بعد أن أورد كاتب إنجيل متى اسمها في نسب المسيح عليه السلام مع ثلاثة نساء زانيات، فالغالب أن كاتب إنجيل متى يعتقد أنها قد تكون زنت مع بوعز، ولهذا أورد اسمها للانتقاص من نسب المسيح عليه السلام.

ومن النقاد الذين اتهموا راعوث بالزنى مع بوعز قبل زواجهما، المؤلف الأمريكي جوناثان كيرش (الكاتب في صحيفة لوس أنجيليس تايمز)، في كتابه "حكايا محرمة في التوراة"، فقال:

"إن بعض الفقرات في التوراة أكثر فجورا مما نتوقع، لأن التعابير الاصطلاحية في النص ترجمت حرفيا بغية إخفاء معانيها الحقيقية. وأفضل مثال عن ذلك نجده في القصة المعروفة عن راعوث، الأرملة الشابة التي أرسلتها حماتها إلى بيت صاحب أراضي ثري اسمه بوعز، وقالت لها: "اغتسلي وتطيبي والبسي ثيابك" ثم قالت تلك الحماة الماكرة: "فإذا رقد فعايني الموضع الذي يرقد فيه وادخلي واكشفي جهة رجليه واضطجعي فإنه يخبرك بما ينبغي أن تصنعي" (راعوث الإصحاح ٣ العدد ٤)" والمشهد محير نوعا ما لأنه، ما هو السبب في أن تكشف عن قدميه؟- وحتى نكتشف ما الذي فشل المترجمون في إخبارنا إياه: فإن كلمة "قدمين" أو "ساقين" في العبرية التوراتية هي في بعض الأحيان تعبير مجازي عن العضو الذكري للرجل. ولكننا الان ندرك أن الذي طلبته نعمي من راعوث أن تفعله مع بوعز، هو أن تخرج العضو الذكري وهو نائم- وترى ما الذي سيفعله الرجل عندما يستيقظ: "فإنه سيخبرك بما ينبغي أن تصنعي". وما جرى فعلا بين بوعز وراعوث لازال غامضا بسبب استعارة أخرى لم تترجم. فلقد استيقظ بوعز ووجد عضوه الذكري مكشوفا وراعوث الشابة الجميلة بجانبه، فسألها: "من أنت؟" فأجابته: "أنا راعوث عبدتك، ابسط ذيل ثوبك على عبدتك" (راعوث الإصحاح ٣ العدد ٩). ولكن لمرة ثانية، أهمل المترجم القول لنا أن "نشر ثوب شخص معين" ما هو إلا مجاز توراتي عن الاتصال الجنسي: لأن الرجل إذا نشر "ثوبه" فوق امرأة- حسب الأديب التوراتي مارفين اتش بوب[87] "فلا يعني ذلك مجرد منع الشعور بالبرد".[88]

٧- عدم معرفة كاتب إنجيل لوقا بوجود إنجيل من تأليف متى التلميذ:

كما ذكرنا في النقطة السابقة أن كلا من إنجيل متى وإنجيل لوقا قد ذكرا نسبا للسيد المسيح، ولكن باختلاف وتناقض شديد في الأسماء. فإن كان متى التلميذ هو حقا من كتب الإنجيل وفق رواية متى، وذكر به نسب للسيد المسيح، ألم يكن من المفترض أن لوقا (الذي هو ليس بتلميذ للمسيح) أن يتبع ما ذكره متى التلميذ ويكتب نفس النسب للسيد المسيح؟!

وهذا يدل على أن لوقا لم يعلم بأن هناك أي إنجيل من تأليف متى العشار تلميذ المسيح عليه السلام!!

٨- ذكر خرافات في إنجيل متى:

إنجيل متى الإصحاح ٢٧ العدد ٥٠:

"50 فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح. 51 وإذا حجاب الهيكل قد انشق الى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت، 52 والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، 53 وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين. 54 وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدا وقالوا حقا كان هذا ابن الله".

هذه القصة المثيرة التي تقول بأن القبور قد تفتحت وقامت منها الأجساد المتعفنة للقديسين وخرجوا من القبور ودخلوا المدينة وظهروا للناس، هي أشبه بفيلم مملكة الخواتم وأفلام الخيال العلمي، ولا يوجد أي دليل على حدوث تلك القصة، بل ولم تذكر تلك القصة في أي من الأناجيل الأخرى، وقد تفرد إنجيل متى حصريا بذكرها!!

 

 

الفصل العاشر

من هو كاتب الإنجيل وفق رواية يوحنا؟

بالنسبة للإنجيل وفق رواية يوحنا فهو لم يكتب من يوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، وذلك للأسباب الآتية:

١- تاريخ كتابة الإنجيل وفق رواية يوحنا:

يؤرخ علماء اللاهوت النصارى أن إنجيل يوحنا كتب عام ١٠٠ ميلاديا[89]، أي بعد سبعين عاما من السيد المسيح، وهكذا فإن افترضنا أن يوحنا بن زبدي قد قابل المسيح أول مرة وهو في عمر يقارب عمره بالزيادة أو النقص البسيط، فيكون من المفترض أن يوحنا قد كتب إنجيله وهو بعمر ١٠٠ عام، وهو شيء مستحيل على كهل ذو المئة عام أن يكتب إنجيلا!!

٢- التحدث بصيغة الغائب عن يوحنا الزبدي:

فقد تحدث إنجيل يوحنا عن تلاميذ السيد المسيح بصيغة الغائب، يعني أن كاتب هذا إنجيل ليس من تلاميذ السيد المسيح!

إنجيل يوحنا الإصحاح 2 العدد 22:

"فلما قام من الأموات، تذكر تلاميذه أنه قال هذا، فأمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع".

٣- اعتراف كاتب إنجيل يوحنا بأنه ليس من تلاميذ السيد المسيح:

إنجيل يوحنا الاصحاح 21 العدد 20:

"20 فالتفت بطرس ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبه يتبعه، وهو أيضا الذي اتكأ على صدره وقت العشاء، وقال: يا سيد، من هو الذي يسلمك؟ 21 فلما رأى بطرس هذا، قال ليسوع: يا رب، وهذا ما له؟ 22 قال له يسوع: إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء، فماذا لك؟ اتبعني أنت. 23 فذاع هذا القول بين الإخوة: إن ذلك التلميذ لا يموت. ولكن لم يقل له يسوع إنه لا يموت، بل: إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء، فماذا لك. 24 هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونحن نعلم أن شهادته حق، 25 وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. آمين".

وفي عبارة "ونحن نعلم أن شهادته حق"، دليل واضح أن كاتب هذا الإنجيل ليس هو التلميذ الذي أحبه السيد المسيح، وإنما هو شخص آخر مجهول! وعلى هذا فكيف نصدق ما كتبه شخص مجهول لا نعرف من هو؟! فهو لم يكن بشاهد عيان على الأحداث!!

أيضا انظر فيما قاله السيد المسيح لبطرس: "22 قال له يسوع: إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء، فماذا لك؟ اتبعني أنت 23 فذاع هذا القول بين الإخوة: إن ذلك التلميذ لا يموت. ولكن لم يقل له يسوع إنه لا يموت، بل: إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء، فماذا لك؟". فهذه العبارة تعني أن هذا التلميذ الذي كان السيد المسيح يحبه قد مات فعلا، وكاتب هذا الإنجيل يبرر سبب موته، بسبب ما كان عندهم من اعتقاد انه لن يموت، وهذا يؤكد قطعا بأن ذلك التلميذ ليس هو من كتب هذا الإنجيل، لأنه لم يكن ليستطيع أن يبرر سبب موته بعد موته!!

٤- عدم ورود اسم كاتب هذا الإنجيل داخله:

لم يرد في أي مكان داخل هذا الإنجيل أية إشارة تدل على اسم كاتبه. وفي الواقع كان هذا الإنجيل عبارة عن كتاب مجهول الهوية، مثله مثل عشرات الكتب الأخرى التي كانت منتشرة في أواسط القرن الثاني الميلادي، وقد سميت جميعها بالأناجيل! أما عبارة الإنجيل وفق رواية يوحنا فهي عبارة تمت إضافتها في القرن الثاني الميلادي بواسطة إريناؤس، ولا يوجد أي دليل على نسبة هذا الإنجيل ليوحنا بن زبدي إلا ادعاء إريناؤس ذلك!!

٥- عدم ذكر قصة الصعود إلى السماء بعد الصلب والقيام من الأموات:

من أكثر الأدلة القطعية على أن كلا من الإنجيل وفق رواية متى والإنجيل وفق رواية يوحنا، لم تتم كتابتهم من متى العشار ويوحنا بن زبدي تلميذي السيد المسيح، هو أن كلا من هذين الإنجيلين لم يذكرا قصة صعود السيد المسيح للسماء بعد الصلب والقيام من الأموات!!

فهذه القصة قد ذكرت في كلا من الإنجيل وفق رواية لوقا والإنجيل وفق رواية مرقس، أن تلاميذ السيد المسيح جميعا قد وقفوا ليودعوا السيد المسيح عند صعوده للسماء، فإذا كانا كلا من متى ويوحنا من تلاميذ السيد المسيح حقا فكيف لم يذكرا في إنجيليهما قصة في غاية الأهمية كهذه؟!

٦- عدم ذكر معجزة إحياء الفتاة التي كانت قد ماتت:

إنجيل مرقس الإصحاح 5 العدد 35:

"35 وبينما هو يتكلم جاءوا من دار رئيس المجمع قائلين: ابنتك ماتت. لماذا تتعب المعلم بعد 36 فسمع يسوع لوقته الكلمة التي قيلت، فقال لرئيس المجمع: لا تخف آمن فقط. 37 ولم يدع أحدا يتبعه إلا بطرس ويعقوب، ويوحنا أخا يعقوب 38 فجاء إلى بيت رئيس المجمع ورأى ضجيجا. يبكون ويولولون كثيرا 39 فدخل وقال لهم: لماذا تضجون وتبكون؟ لم تمت الصبية لكنها نائمة 40 فضحكوا عليه. أما هو فأخرج الجميع، وأخذ أبا الصبية وأمها والذين معه ودخل حيث كانت الصبية مضطجعة 41 وأمسك بيد الصبية وقال لها: طليثا، قومي. الذي تفسيره: يا صبية، لك أقول: قومي. 42 وللوقت قامت الصبية ومشت، لأنها كانت ابنة اثنتي عشرة سنة. فبهتوا بهتا عظيما".

إنجيل لوقا الإصحاح 8 العدد 49:

"49 وبينما هو يتكلم، جاء واحد من دار رئيس المجمع قائلا له: قد ماتت ابنتك. لا تتعب المعلم. 50 فسمع يسوع، وأجابه قائلا: لا تخف آمن فقط، فهي تشفى. 51 فلما جاء إلى البيت لم يدع أحدا يدخل إلا بطرس ويعقوب ويوحنا، وأبا الصبية وأمها 52 وكان الجميع يبكون عليها ويلطمون. فقال: لا تبكوا. لم تمت لكنها نائمة 53 فضحكوا عليه، عارفين أنها ماتت 54 فأخرج الجميع خارجا، وأمسك بيدها ونادى قائلا: يا صبية، قومي. 55 فرجعت روحها وقامت في الحال. فأمر أن تعطى لتأكل".

إنجيل متى الإصحاح 9 العدد 23:

"23 ولما جاء يسوع إلى بيت الرئيس، ونظر المزمرين والجمع يضجون، 24 قال لهم: تنحوا، فإن الصبية لم تمت لكنها نائمة. فضحكوا عليه 25 فلما أخرج الجمع دخل وأمسك بيدها، فقامت الصبية".

فإن كان يوحنا هو الشاهد على تلك المعجزة الفريدة فلماذا إذن لم يذكرها في إنجيله إن كان هو من كتب إنجيل يوحنا، في حين أن كل من مرقس ولوقا ومتى قد ذكروها في أناجيلهم رغم أنهم لم يكونوا شاهدين على تلك المعجزة ولم يكون مرقس ولا لوقا من تلاميذ السيد المسيح أصلاً؟!

٧- عدم ذكر حادثة التجلي:

إنجيل متى الإصحاح 17 العدد 1:

"1 وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم إلى جبل عال منفردين 2 وتغيرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور 3 وإذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه، 4 فجعل بطرس يقول ليسوع: يا رب، جيد أن نكون ههنا فإن شئت نصنع هنا ثلاث مظال: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليا واحدة".

إنجيل لوقا الإصحاح 9 العدد 28:

"28 وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام، أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى جبل ليصلي 29 وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة، ولباسه مبيضا لامعا 30 وإذا رجلان يتكلمان معه، وهما موسى وإيليا 31 اللذان ظهرا بمجد، وتكلما عن خروجه الذي كان عتيدا أن يكمله في أورشليم 32 وأما بطرس واللذان معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم. فلما استيقظوا رأوا مجده، والرجلين الواقفين معه 33 وفيما هما يفارقانه قال بطرس ليسوع يا معلم، جيد أن نكون ههنا. فلنصنع ثلاث مظال: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليا واحدة".

عدم سرد هذه القصة في إنجيل يوحنا، وذكرها في إنجيل لوقا وإنجيل متى، هو دليل قطعي على أن كاتب إنجيل يوحنا هو ليس يوحنا بن زبدي، فيوحنا كان شاهد عيان على تلك الحادثة الهامة، فكيف له أن يغفلها في حين يذكرها من لم يروها؟

٨- عدم ذكر قصة تقابل السيد المسيح مع كلا من يوحنا بن زبدي ويعقوب أخاه:

هذه القصة مذكورة في جميع الأناجيل متى ومرقس ولوقا ولكنها لم تذكر على الإطلاق في إنجيل يوحنا! إن كان يوحنا بن زبدي تلميذ المسيح هو من كتب إنجيل يوحنا أفلا يذكر كيفية لقائه مع السيد المسيح؟!

٩- الاختلاف الحاد مع باقي الأناجيل في ذكر قصة تقابل السيد المسيح مع سمعان (بطرس) وأندراوس ويعقوب ويوحنا:

ففي إنجيل متى الإصحاح 4 العدد 18:

"18 وإذ كان يسوع ماشيا عند بحر الجليل أبصر أخوين سمعان الذي يقال له بطرس وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر فإنهما كانا صيادين، 19 فقال لهما هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس، 20 فللوقت تركا الشباك وتبعاه، 21 ثم اجتاز من هناك فرأى أخوين آخرين يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما، 22 فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه".

وإنجيل مرقس الإصحاح 1 العدد 16:

تم ذكر نفس القصة بنفس التفاصيل تماما بدون اختلاف!!

وإنجيل لوقا الإصحاح 5 العدد 2:

"2 فرأى سفينتين واقفتين عند البحيرة والصيادون قد خرجوا منهما وغسلوا الشباك، 3 فدخل احدى السفينتين التي كانت لسمعان وسأله أن يبعد قليلا عن البر ثم جلس وصار يعلم الجموع من السفينة، ... 8 فلما رأى سمعان بطرس ذلك خر عند ركبتي يسوع قائلا اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ، 9 إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه، 10 وكذلك أيضا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان، فقال يسوع لسمعان لا تخف، من الان تكون تصطاد الناس. 11 ولما جاءوا بالسفينتين الى البر تركوا كل شيء وتبعوه".

أما في إنجيل يوحنا الإصحاح 1 العدد 35:

"35 وفي الغد أيضا كان يوحنا (المعمدان) واقفا هو واثنان من تلاميذه، 36 فنظر الى يسوع ماشيا فقال هو ذا حمل الله. 37 فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع، ... 40 كان أندراوس أخو سمعان بطرس واحدا من الاثنين اللذين سمعا يوحنا وتبعاه، 41 هذا وجد أولا أخاه سمعان فقال له: قد وجدنا مسيا. الذي تفسيره المسيح. 42 فجاء به الى يسوع فنظر اليه يسوع وقال: أنت سمعان بن يونا أنت تدعى صفا. الذي تفسيره بطرس".

وهكذا فإن إنجيل يوحنا هو الإنجيل الوحيد الذي لم يذكر القصة الصحيحة التي أجمع عليها كل من الأناجيل الثلاثة، وهي أن سمعان (بطرس) وأخوه أندراوس وكلا من يوحنا ويعقوب ابنا زبدي كانوا صيادين قد قابلهم السيد المسيح على الشاطئ (وفق رواية إنجيل متى وإنجيل مرقس) أو داخل السفينة في البحر (وفق رواية إنجيل لوقا)!!

وكما نرى بأن إنجيل يوحنا هنا هو الإنجيل الوحيد الذي لم يذكر قصة لقاء السيد المسيح مع يوحنا ويعقوب ابنا زبدي!! إذن كيف يمكن أن نقبل أن كاتب إنجيل يوحنا هو يوحنا بن زبدي تلميذ السيد المسيح؟! ألم يكن من المفترض أن يذكر أهم لحظة في حياته وهي التعرف على المسيح وكيف كان اللقاء؟!

١٠- عدم ذكر أسماء تلاميذ السيد المسيح:

في كل من الأناجيل الثلاث الأخرى تم ذكر أسماء تلاميذ السيد المسيح بالتفصيل وفي فصل خاص، أما إنجيل يوحنا فهو الإنجيل الوحيد الذي لم يذكر أسماء التلاميذ الاثنا عشر، مكتفياً فقط بذكر أندراوس وبطرس وفيلبس! ومسألة ذكر أسماء التلاميذ هي مسألة في غاية الأهمية، ولا تبرير لعدم وجودها إلا إذا كان كاتب هذا الإنجيل لم يعرف أسماءهم جميعا جيدا!! فهو كما نرى أضاف اسم جديد لم يذكر في أي إنجيل آخر، وهو اسم "نثنائيل"!!

١١- عدم ذكر اسم يعقوب أخو يوحنا بن زبدي إطلاقا في إنجيل يوحنا:

يوحنا بن زبدي وأخوه يعقوب بن زبدي هما من تلاميذ السيد المسيح، فإن كان يوحنا بن زبدي هو من كتب إنجيل يوحنا، أيعقل أنه لم يذكر اسم أخاه أبدا في إنجيله؟! ولا حتى كيفية لقاء أخيه مع السيد المسيح عليه السلام واتباعه له؟!

١٢- كاتب إنجيل يوحنا لا يعرف سالومة أم يوحنا بن زبدي:

إن كان حقا كاتب إنجيل يوحنا هو يوحنا بن زبدي ألم يكن من المفترض أنه يعلم ماذا فعلت أمه سالومة في خدمة المسيح؟

فعندما ذهبت سالومة أم يوحنا بن زبدي لقبر المسيح ومعها حنوط لتطييب جسد المسيح مع مريم المجدلية ومريم أم يعقوب، نجد أن كاتب إنجيل يوحنا لم يذكر هذا على الإطلاق، في حين أن إنجيل مرقس قد ذكر هذا!!

مرقس الإصحاح ١٦ العدد ١:

"١ وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه. ٢ وباكرا جدا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس، ٣ وكن يقلن فيما بينهن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر، ٤ فتطلعن ورأين أن الحجر قد دحرج لأنه كان عظيما جدا، ٥ ولما دخلن القبر رأين شابا جالسا عن اليمين لابسا حلة بيضاء فاندهشن. ٦ فقال لهن لا تندهشن، أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب قد قام ليس هو ههنا هو ذا الموضع الذي وضعوه فيه، ٧ لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس أنه يسبقكم الى الجليل هناك ترونه كما قال لكم ".

يوحنا الإصحاح ٢٠ العدد ١:

"١ وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية الى القبر باكرا والظلام باق فنظرت الحجر مرفوعا عن القبر. ٢ فركضت وجاءت الى سمعان بطرس وإلى التلميذ الاخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه.٣ فخرج بطرس والتلميذ الأخر وأتيا إلى القبر ... ١١ أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجا تبكي وفيما هي تبكي انحنت الى القبر، ١٢ فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدا عند الرأس والأخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعا، ١٣ فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين قالت لهما أنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه، ١٤ ولما قالت هذا التفتت الى الوراء فنظرت يسوع واقفا ولم تعلم انه يسوع".

متى الإصحاح ٢٨ العدد ١:

"وبعد السبت عند فجر اول الاسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر، ٢ وإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. ٣ وكان منظره كالبرق ولباسه ابيض كالثلج، ٤ فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات".

لوقا الإصحاح ٢٣ العدد ٥٥، والإصحاح ٢٤ العدد ١:

"٥٥ وتبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده، ٥٦ فرجعن وأعددن حنوطا وأطيابا وفي السبت استرحن حسب الوصية. ١ ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين الى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس، ٢ فوجدن الحجر مدحرجا عن القبر... ٩ ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله، ١٠ وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل. ١١ فتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن. ١٢ فقام بطرس وركض الى القبر فانحنى ونظر الأكفان موضوعة وحدها فمضى متعجبا في نفسه مما كان"

ومن الأدلة القطعية أن جميع كتبة الأناجيل لم يكونوا من تلاميذ السيد المسيح، ولم يكونوا بشهود عيان، هو تخبطهم الشديد في ذكر كل قصة على حدة والتناقض الهائل بين رواياتهم! فها هو مرقس يقول أن ثلاثة نساء قد ذهبن لقبر المسيح ومن ضمنهم أم يوحنا بن زبدي، في حين أن كاتب إنجيل يوحنا لم يعلم أن أم يوحنا بن زبدي قد ذهبت للقبر، وهكذا ذكر أن امرأة واحدة فقط هي التي ذهبت، أما إنجيل لوقا فقد ذكر نساء كثر ذهبن للقبر ومن ضمنهم مريم المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب، وهكذا قد ذكر اسم الثلاث نساء ولكن باختلاف عن إنجيل مرقس، فذكر اسم يونا بدلا من اسم سالومة! ويونا هذه هي زوجة خوزي وكيل هيرودس والتي قد ذكر اسمها في إنجيل لوقا بالإصحاح ٨ العدد ٣. أما إنجيل متى فذكر أن امرأتين اثنتين فقط هم من ذهبن للقبر.

ووفق إنجيل مرقس فإنهم وجدوا الحجر قد دحرج وداخل القبر ملاكا في صورة شاب، ويخبرهم أن يسوع ليس موجود هنا داخل القبر وأنه يجب عليهم أن يخبروا التلاميذ أن يذهبوا للجليل للقائه، أما وفق إنجيل يوحنا فأيضا الحجر كان مرفوعا، ولكن كلا من بطرس وتلميذ آخر قد ذهبا أيضا للقبر، ومريم المجدلية رأت هناك بالداخل ملاكان ثم ظهر لها المسيح داخل القبر! أما وفق إنجيل لوقا فأيضا الحجر كان مرفوعا، ولكن فيما بعد ذهب بطرس فقط ولا ذكر عن وجود تلميذ آخر معه، أما وفق متى فالحجر لم يكن مرفوعا وقت ما ذهبت المرأتان، وإنما حدث زلزال عظيم لأن ملاكا قد نزل من السماء ودحرج الحجر أمام أعين الجميع وارتعد من منظره الحراس وصاروا كأموات!

١٣- عدم ذكر نسب السيد المسيح والميلاد العذراوي له وتجربته مع الشيطان:

وهذه قصص وأحداث هامة جدا وقد ذكرت في باقي الأناجيل الأخرى، فكيف يغفل ذكرها إنجيل يوحنا؟

١٤- كاتب هذا الإنجيل يعرف اللغة اليونانية بطلاقة:

أجمع علماء اللاهوت على أن هذا الإنجيل قد كتب بلغة يونانية فصيحة وعالية المستوى، فكيف يمكن أن يكون يوحنا بن زبدى الصياد البسيط هو الذي قد كتب هذا الانجيل بتلك اللغة اليونانية عالية المستوى وبأسلوب راقي يحسده عليه شعراء اليونان الكبار ومقتبساً من الفلسفة اليونانية؟!

وقد اعترف علماء اللاهوت المسيحي بأن التلاميذ لم يكونوا يعرفوا اللغة اليونانية، فبطرس قد احتاج الى مرقس كمترجم!! وهنا وصف ليوحنا بن زبدي وبطرس فى سفر أعمال الرسل الإصحاح 4 العدد 13: (13 فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا أنهما انسانان عديما العلم وعاميّان تعجبوا. فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع.) انسان عديم العلم وعامي، هذا هو وصف يوحنا بن زبدي في سفر أعمال الرسل، وهو وصف فيه الكفاية لبيان استحالة أن يكون هو كاتب الإنجيل المنسوب له! ذلك الإنجيل الذي يبدأ بعبارة مقتبسة من كلام فيلون الفيلسوف اليهودي السكندري!!

١٥- عدم ذكر معجزة مشي بطرس على الماء:

إنجيل متى الإصحاح ١٤ العدد ٢٦:

"26 فلما أبصره التلاميذ ماشيا على البحر اضطربوا قائلين أنه خيال ومن الخوف صرخوا، 27 فللوقت كلمهم يسوع قائلا تشجعوا أنا هو لا تخافوا، 28 فأجاب بطرس وقال: يا سيد إن كنت أنت هو فمرني أن آتي إليك على الماء. 29 فقال: تعال. فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتي الى يسوع".

١٦- ذكر خرافات في إنجيل يوحنا:

إنجيل يوحنا الإصحاح ٥ العدد ٣:

"3 في هذه كان مضطجعا جمهور كثير من مرضى وعمي وعرج وعسم يتوقعون تحريك الماء. 4 لأن ملاكاً كان ينزل أحيانا في البركة ويحرك الماء، فمن نزل أولا بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه".

ولكن لم يخبرنا إنجيل يوحنا، هل كان ذلك الملاك مازال مستمرا في أن ينزل للبركة في زمن كتابة هذا الإنجيل أم توقف عن النزول؟ فعبارة "كان ينزل أحياناً" توضح أنه لم يكن ينزل في زمن كتابة ذلك الإنجيل!! وهل مازال هذا الملاك ينزل للبركة في وقتنا الحالي أم أنه كانت فترة مؤقتة وانتهت؟!

 

 

 

الفصل الحادي عشر

هل كتبت الأناجيل الأربعة بوحي من الروح القدس؟

١- حاجة الكنيسة أن يكون العهد الجديد قد أوحى به من الروح القدس:

دائما ما نجد في تعريف الكنيسة للأناجيل الأربعة تلك العبارة تتكرر بكثرة "قد كتبه بوحي من الروح القدس"! ورغم أنه لا يوجد أي دليل على أن كاتب الإنجيل قد كتبه بوحي من الروح القدس، ولكن تكرار ذكر تلك العبارة من الكنيسة يجعل عامة المسيحيين تعتاد عليها وتنخدع بها ومن ثم تكررها دون التحقق من صدقيتها! والسبب من وراء إلصاق الكنيسة لتلك الأناجيل الأربعة للروح القدس هو محاولة إلصاق صفة القدسية لتلك الأناجيل فتصبح كتب إلهية كتبت بوحي إلهي وليس كتب تاريخية نتاج عمل بشري، وذلك حتى يصبح لتلك الأناجيل سلطان على الناس فيلتزموا بها وبتعاليمها ويجتنبوا ما يخالفها.

٢- لم يرد في أياً من الأناجيل الأربعة أنها كتبت بوحي من الروح القدس:

كيف يمكن للكنيسة أن تدّعي في كل مناسبة أن الأناجيل الأربعة قد كتبت بوحي من الروح القدس إن كانت الأناجيل نفسها لم تدّعي ذلك؟!

٣- لماذا وحي لأربعة أشخاص؟

ليس من المعقول أن يقوم الروح القدس بالوحي لأربعة أشخاص أربعة مرات لكتابة نفس الكتاب! بل والعجيب من هذا أنه كما ذكرنا سابقاً فإن أول إنجيل كتب هو إنجيل مرقس، فكيف أوحى الروح القدس لشخص اسمه مرقس لم يكن من التلاميذ ولم يوحي لتلاميذ المسيح الذين كانوا شهود عيان على الأحداث؟!

٤- التناقض بين الأناجيل الأربعة:

إن كان الروح القدس هو من أوحى لكتبة الأناجيل الأربعة، فكيف نجد كل تلك التناقضات التي بينهم؟ فكل قصة تم ذكرها في إنجيلين أو أكثر نجد أن بين تلك الأناجيل اختلاف حاد في تفاصيل تلك القصة! فهل يمكن أن يخطئ الروح القدس بأن يوحي بمعلومات خاطئة؟ أم أنه نسي ما قاله في المرة الأولى وعلى ذلك أوحى بتفاصيل أخرى في المرة الثانية؟! إن كان الروح القدس هو من أوحى بتلك الأناجيل حقاً، لكانت تلك الأناجيل متطابقة تماماً بدون أي اختلاف في عدد الإصحاحات أو الأعداد أو حتى في الكلمات وترتيبها!

إنجيل متى الإصحاح ٢٧ العدد ٥٤:

"وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدا وقالوا حقا كان هذا ابن الله".

إنجيل لوقا الإصحاح ٢٣ العدد ٤٧:

"فلما رأى قائد المئة ما كان، مجد الله قائلا بالحقيقة كان هذا الانسان بارا".

٣- إنجيل لوقا يعترف بأنه لم يكتب بوحي من الروح القدس:

ورد في بداية إنجيل لوقا اعتراف خطير يهدم تماما فكرة أن تكون الأناجيل قد أوحى بها من الروح القدس، ويؤكد بكل وضوح أن تلك الأناجيل هي ليست بأناجيل. وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في الفصل القادم بإذن الله تعالى.

 

 

الفصل الثاني عشر

اعترافات إنجيل لوقا

إنجيل لوقا الإصحاح ١ العدد ١:

"1 إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، 2 كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، 3 رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، 4 لتعرف صحة الكلام الذي علمت به".

والان لنحلل معاً اعترافات لوقا التي كتبها في تلك المقدمة لنرى ما قاله لوقا بنفسه وعن نفسه وليس ما تقوله الكنيسة عن لوقا:

١- كثير من الناس قاموا بتأليف قصة من الأمور المتيقنة:

وهذا معناه أن كثير من الناس قد قاموا بتأليف أناجيل من تلقاء أنفسهم وليس بإلهام ووحي من الروح القدس! وكلمة "كثيرون" تعني وجود أناجيل عديدة وليس أربعة أناجيل فقط! فضلاً عن أن لوقا لم ينتقد تلك الأناجيل الكثيرة التي ظهرت قبله وفي زمنه، فهو لم يقل "إلا أن ثلاثة أناجيل منهم هي فقط الصحيحة وإنجيلي هذا هو الرابع، والباقي ليست بأناجيل صحيحة"!

٢- اعتراف لوقا بعدم وجود أية أناجيل من كتابة تلاميذ المسيح:

بل والعجيب أن لوقا لم يشر لاسم أي كاتب لتلك الأناجيل الكثيرة التي كانت منتشرة، وهذا يعني أن تلك الأناجيل قد كتبت من أشخاص مجهولين وغير معروفين حتى للوقا نفسه، لأن لو كان هناك أي إنجيل قد كتب من أياً من التلاميذ، لما تجرأ لوقا على أن يكتب إنجيلاً، ولكان قد ذكر وجود إنجيل من تأليف أحد تلاميذ المسيح، أو لكان أرسل لصديقه ثاوفيلوس نسخة من ذلك الإنجيل الذي كتب من أحد التلاميذ بدلاً من أن يكتب له خطاباً منه!

٣- اعتراف لوقا بأنه يكتب من تلقاء نفسه وليس بوحي من الروح القدس:

عبارة "رأيت أنا أيضا" تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن لوقا كتب هذا الخطاب لصديقه ثاوفيلوس بدون أي وحي من الروح القدس.

٤- اعتراف لوقا بأنه يكتب مجرد خطاب وليس إنجيل:

فهو لم يقل "هذا هو الإنجيل بحسب رواية لوقا"، ولم يعط لخطابه أية صفة قدسية، بل يقول بوضوح أنه يكتب مجرد خطاب لصديقه ثاوفيلوس يخبره فيه عما وصل إليه من معلومات حول حياة السيد المسيح عليه السلام.

 

 

 

 

الفصل الثالث عشر

اعتراف الكنيسة بوجود إضافات مزورة في العهد الجديد

عند قراءتك عزيزي القارئ لأحد الأناجيل الأربعة فإنك ستجد في أماكن كثيرة وجود علامة نجمة (*)، أو وجود عبارة بين قوسين، أو وجود ملحوظة في الهامش عن تلك العبارة التي تقرأها، ولكن الكثير منا قد يمر على تلك العلامة أو الأقواس بدون أن يعيرها أي انتباه وبدون أن يفكر ما هو المقصود بتلك العلامة ولماذا هي موجودة في ذلك الإنجيل! علماً أن تلك العلامة قد لا تكون موجودة في بعض الطبعات وذلك حتى يخفي الناشر المشاكل المتعلقة بتلك العبارة!

إن تلك العلامة أو الأقواس تعني أن هناك مشكلة في الكلمة أو العبارة أو الفقرة التي تقرأها. فقد تكون تلك الكلمة هي عبارة عن ترجمة غير صحيحة تمت من العهد القديم العبري ولكن الكنيسة مصرة على الاحتفاظ بها وعدم تعديلها للترجمة الصحيحة، أو قد تكون تلك الكلمة أو العبارة أو الفقرة هي إضافة مزورة تمت إضافتها في القرون المتأخرة ولا يوجد لها أصل في النسخ القديمة من القرون الأولى!

١- "العذراء" ترجمة مزورة للكلمة العبرية "ألمآ":

إنجيل متى الإصحاح ١ العدد ٢٢: "22 وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: 23 هوذا العذراء* تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا"

سفر إشعياء الإصحاح ٧ العدد ١٤: "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء* تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل"

في الواقع فإن كلمة "العذراء" الموجودة في الترجمات المختلفة لسفر إشعياء هي ترجمة مزورة لكلمة "ألمآ" المذكورة في سفر إشعياء باللغة العبرية والتي تعني "البنت الشابة"! فمثلاً قد يقول شخص لعائلة ما: "ها قد كبرت ابنتكم الشابة وولدت ابنا"، وهذا معناه أنها تزوجت وحبلت! ولكن كاتب إنجيل متى من أجل أن يؤكد أن نبوءة النبي إشعياء والمذكورة في سفر إشعياء تنطبق تماماً على المسيح، فقام بترجمة كلمة "ألمآ" بكلمة "العذراء" حتى يحدث التطابق وحتى يلصق للمسيح اسم "عمانوئيل" والذي معناه الله معنا، علماً أن المسيح عليه السلام لم يسميه أحد أبداً بهذا الاسم!

 

٢-  نهايات إنجيل مرقس الإصحاح ١٦ من العدد ٩ وحتى العدد ٢٠ هي أعداد مزورة:

يبدأ الإصحاح ١٦ من إنجيل مرقس بالعدد ١ والذي يقول: "وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطا ليأتين ويدهنه"، وتعترف الكنيسة أن هذا الإصحاح ينتهي عند العدد ٨ والذي يقول: "فخرجن سريعاً وهربن من القبر لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن ولم يقلن لأحد شيئا لأنهن كن خائفات"! وعلى هذا فمريم المجدلية لم تقل شيئاً لأحد لأنها كانت خائفة!

ولكن الكنيسة في القرون المتأخرة لم يعجبها أن تنتهي القصة هنا بدون التأكيد على ظهور المسيح للتلاميذ، وهكذا أضافت ١٢ عدداً إضافيا لهذا الإصحاح ونسجت نهاية لهذا الإصحاح من وحي خيالها وليس من وحي الروح القدس!!  فادعت الكنيسة أن مريم المجدلية أخبرت التلاميذ عما حدث، وأن المسيح ظهر لهم، وأنه ارتفع للسماء وجلس عن يمين الرب، وأن المسيح أمرهم بأن يكرزوا بالإنجيل في العالم أجمع!!

إنجيل مرقس الإصحاح ١٦ العدد ٩:

"9 وبعدما قام باكرا في أول الأسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين.10 فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون. 11 فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته لم يصدقوا. 12 وبعد ذلك ظهر بهيئة اخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين الى البرية،13 وذهب هذان وأخبرا الباقين فلم يصدقوا ولا هذين. 14 أخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام.15 وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، 16 من آمن و اعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن، 17 وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة، 18 يحملون حيات وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون. 19 ثم إن الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله. 20 وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة. آمين"

السؤال الذي يطرح نفسه الان هو: لماذا مازالت تحتفظ الكنيسة بتلك الأعداد المزورة داخل إنجيل مرقس رغم علمها بأنها مزورة وليست بوحي إلهي؟!

 

٣- العدد الذي تستند عليه الكنيسة لإثبات عقيدة التثليث هو عدد مزور:

رسالة يوحنا الأولى الإصحاح ٥ العدد ٧:

"فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد"

في الواقع فإن هذا العدد لم يُذكر في أي من المخطوطات اليونانية القديمة، وإنما هو كان عبارة عن تعليق كتب في الهامش الجانبي للصفحة في ترجمة لاتينية تعود للقرن الخامس الميلادي، ولكن مع مرور الوقت استحسنت الكنيسة الكاثوليكية إضافة هذا العدد داخل الكتاب المقدس وإضفاء عليه صفة القدسية حتى تقنع الناس بعقيدة التثليث.

وفي عام ١٥٠٢م كلف الكاردينال فرانسيسكو خيمينيز دي سيسنيروس[90] فريقًا من المترجمين الإسبان بتجميع الكتاب المقدس بأربع لغات وهي اليونانية والعبرية والأرامية واللاتينية، بحيث تكون كل صفحة بها الأربع لغات في أربع أعمدة متوازية، وذلك لإنشاء ما يعرف ب "الكتاب المقدس متعدد اللغات"[91]. وكان إيراسموس[92] هو المسؤول عن الطبعة اليونانية، والتي تعد أول طبعة للكتاب المقدس باللغة اليونانية، ولقد صدرت الطبعة اليونانية الأولى والثانية لإيراسموس بدون أن تحتوي على هذه العبارة الواردة في رسالة يوحنا الأولى الإصحاح ٥ العدد ٧، ولكن قامت الكنيسة الكاثوليكية بالضغط على إيراسموس لكي يضيفها في الطبعة الثالثة، ولكنه رفض ذلك قائلاً أنه لم يجد تلك العبارة مذكورة في أي من المخطوطات اليونانية، ولكن بعد استمرار الضغط عليه من الكنيسة الكاثوليكية اضطر للموافقة، وهكذا صدرت الطبعة الثالثة محتوية على تلك العبارة!

وبما أن نسخة الملك جيمس قد اعتمدت على ترجمة إنجليزية كانت قد اعتمدت على الطبعة الثالثة لإيراسموس، لهذا نجد أن تلك العبارة موجودة أيضا في نسخة الملك جيمس. أما في الترجمة الألمانية التي قام بها مارتن لوثر، والتي اعتمدت على الطبعة الثانية لإيراسموس، نجد أن تلك العبارة غير موجودة!!

ومازالت تلك العبارة موجودة حالياً في أغلب إصدارات الكتاب المقدس حول العالم رغم علم الكنيسة أنها عبارة مزورة لا أساس لها في أي من المخطوطات القديمة!!

 

٤- قصة المرأة الزانية هي قصة مزورة:

في طبعات إنجيل يوحنا في وقتنا الحالي نجد في الإصحاح ٨ العدد ٣ قصة المرأة الزانية[93]، ولكن في الواقع فإن تلك القصة لم ترد في جميع البرديات اليونانية القديمة والتي تستشهد بها الكنيسة، فهي لم ترد في البردية (P66) ولا البردية (P75) ولا في المخطوطة السينائية[94] ولا في المخطوطة الفاتيكانية[95]، فضلاً عن أن أسلوب الكتابة في تلك القصة يختلف عن أسلوب الكتابة في باقي إنجيل يوحنا مما يوضح أنها دخيلة عليه! وبالأسفل صورة لبردية (P66) بدون تلك القصة.

../Downloads/440px-Papyrus66.jpg

إنجيل يوحنا الإصحاح ٨ العدد ٣:

"3 وقدم اليه الكتبة والفريسيون امرأة أمسكت في زنا ولما أقاموها في الوسط، 4 قالوا له يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل، 5 وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم، فماذا تقول أنت؟ 6 قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه وأما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض، 7 ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر،8 ثم انحنى أيضا إلى أسفل وكان يكتب على الأرض، 9 وأما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ إلى الآخرين وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط، 10 فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحدا سوى المرأة قال لها يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك أما دانك أحد؟ 11 فقالت لا أحد يا سيد. فقال لها يسوع ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضا"

الفصل الرابع عشر

الإنجيل وفق رواية عيسى المسيح عليه السلام

إنجيل المسلمين:

يؤمن المسلمون بأن الله عز وجل قد أرسل إنجيلاً مع نبيه عيسى المسيح عليه السلام لكي يرشد بني إسرائيل إلى طريق الله المستقيم بعد أن ضلوا وبعدوا عن تعاليم موسى عليه السلام والأنبياء الذين أرسلهم الله من بعد موسى عليه السلام.

يقول الله عز وجل في القرآن الكريم في سورة المائدة الآية ٤٦: { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) }

ويقول الله عز وجل في القرآن الكريم في سورة الفتح الآية ٢٩: { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) }

ويؤمن المسلمون بأنه يجب على كل مسلم الإيمان بهذا الإنجيل الذي نزل على نبي الله عيسى المسيح عليه السلام، وهنا هي نقطة الخلاف بين المسلمين والنصارى حول الإنجيل، فبينما النصارى يدعوا المسلمين للإيمان بالأناجيل الأربعة، يرد عليهم المسلمون بأنه كيف تريدوننا أن نؤمن بأناجيل هي وفق رواية أشخاص مجهولين بينما أنتم لا تؤمنون بالإنجيل وفق رواية عيسى عليه السلام الذي أوحاه الله عز وجل له؟!

 

أين إنجيل المسيح الان:

الإنجيل الذي أوحاه الله لنبيه عيسى عليه السلام، لا يوجد أي دليل قطعي على كيفية اختفاءه من الأرض! هل كان إنجيلاً مكتوباً على الأوراق وهكذا لعله قد ضاع من بين أيدي النصارى أو أن اليهود قد أحرقوه، أم أنه كان إنجيلاً شفوياً يُعلمه المسيح عليه السلام للناس شفاهة، وبعد أن أنقذ الله المسيح من بين أيدي اليهود ورفعه إليه بدون أن يصلب أو يموت، فيكون هكذا قد اختفى أيضا هذا الإنجيل نظراً لكونه إنجيلاً شفوياً؟

ولكن الخبر الجيد هو أن الكثير من تعاليم المسيح عليه السلام موجودة حالياً بين أيدينا ونستطيع قراءتها، فالله عز وجل قد ذكر في القرآن الكريم حقيقة عيسى عليه السلام وحقيقة رسالته وحقيقة ما قاله للناس وأمرهم به وحقيقة معجزاته وحقيقة أمه مريم العذراء عليها السلام.

قال الله تعالى في القرآن الكريم في سورة المائدة الآية ٧٥: { مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) }

وقال الله تعالى في القرآن الكريم في سورة المائدة الآية ١١٦: { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) }

 

اعتراف الأناجيل الأربعة بوجود إنجيل المسيح:

تم ذكر إنجيل السيد المسيح بكل وضوح في الأناجيل الأربعة، بل وإن الكثير من القساوسة يعترفون بأنه كان هناك إنجيل مع السيد المسيح ولكنهم لا يعرفون كيف فُقدَ أو أين ذهب! ولكن يحاول أيضا الكثير من القساوسة إنكار هذا الأمر قائلين: "لم يوجد إنجيل مع السيد المسيح وإنما كلمة إنجيل هي كلمة يونانية معناها الخبر السار"!!

ولكن ما ذكره الفريق الذي ينكر وجود إنجيل مع السيد المسيح هو كلام غير صحيح وفقاً لقواعد اللغة اليونانية! فكلمة "إنجيل" (إيفاجيليو باليونانية) هي تعني "الخبر السار" بالترجمة الحرفية، أما في الاستخدام فهي يقصد بها "الكتاب المقدس" ولا تستخدم أبداً بمعنى "الخبر السار"!

فعلى سبيل المثال إذا قال أب يوناني لابنه أحضر لي الإنجيل (إيفاجيليو)، فسيحضر له كتاب الإنجيل ولن يفهم أبدا أنه قال له أحضر لي خبر سار! أيضا إذا أراد شخص يوناني أن يقول أنه أحضر أخبار سارة، فلن يستخدم أبدا كلمة "إيفاجيليو" لأنه سيفهم منها أنه أحضر معه الإنجيل، ولكن سيستخدم كلمتين آخرين وهما "كالآ نيا" (باليونانية Καλά Νέα) ("كالآ" تعني جيدة أو سارة، و"نيا" تعني أخبار، وهي التي اشتق منها الكلمة الإنجليزية "نيوز" News).

والآن لنرى كيف ذكرت الأناجيل الأربعة وجود إنجيل مع السيد المسيح، ولنرى إن كانت كلمة إنجيل هنا في العبارات الآتية تعني الإنجيل الذي أوحي به للمسيح أم تعني أخبار سارة:

١- رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح ١ العدد ٦: "إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل أخر! ليس هو أخر، غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما (أي لعنة)، كما سبقنا فقلنا أقول الان أيضا إن كان أحد يبشركم في غير ما قبلتم فليكن أناثيما"

فهل عندما قال بولس هنا "أني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا إلى إنجيل آخر" كان يقصد أنهم ينتقلون من خبر سار عن المسيح لخبر سار آخر أم ينتقلون من إنجيل المسيح لإنجيل آخر؟! وعندما قال "يوجد قوم يريدون أن يحولوا إنجيل المسيح" هل كلمة إنجيل هنا تعني خبر سار؟

٢- إنجيل مرقس الإصحاح ١٣ العدد ١٠: "وينبغي أن يكرز أولاً بالإنجيل في جميع الأمم"

فكما نرى هنا أن المسيح عليه السلام قد أمر تلاميذه بأن يكرزوا بالإنجيل في أسباط بني إسرائيل الاثنا عشر.

والمقصود بالأمم هنا هم أسباط بني إسرائيل الاثنا عشر، وليس المقصود جميع أمم العالم، فبعض الترجمات قد تلاعبت بترجمة كلمة الأمم لكي تخدع القارئ بأن رسالة المسيح هي رسالة عالمية وأنه لم يرسل فقط لخراف بني إسرائيل الضآلة (كما ورد في إنجيل متى الإصحاح ١٥ العدد ٢٤)، وأنه أمر تلاميذه بنشر الإنجيل في العالم أجمع!

وبالتأكيد فإن المسيح لم يكن يأمرهم وقتها أن يكرزوا بالإنجيل وفق رواية متى أو مرقس أو لوقا أو يوحنا، وإنما كان يأمرهم بإيصال رسالة الإنجيل الأصلي الذي أوحاه الله إليه ويكرزوا به بين أسباط اليهود.

٣- رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح ١ العدد ١١: "وأعرّفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب انسان لأني لم أقبله (أستلمه) من عند انسان ولا علمته (ولم أتعلمه من أحد) بل بإعلان يسوع المسيح"

٤- رسالة بولس إلى أهل أفسس الإصحاح ١ العدد ١٣: "الذي فيه أيضا أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضا اذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس"

٥- رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس الإصحاح ١ العدد ١٠: "وإنما أظهرت الآن بظهور مخلّصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل، الذي جعلت أنا له كارزا ورسولا ومعلما للأمم"

وهنا هل أبطل المسيح الموت وأنار الحياة بالخبر السار أم بالإنجيل؟

٦- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ١ العدد ١٧: "وأولئك عن محبة عالمين أني موضوع لحماية الإنجيل"

٧- رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح ١٠ العدد ١٥: "كما هو مكتوب: "ما أجمل المبشرين بالسلام، المبشرين بالخيرات"، لكن ليس الجميع قد أطاعوا الإنجيل لان إشعياء يقول يا رب من صدق خبرنا، إذا الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله"

٨- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ٤ العدد ٣: "نعم أسألك أنت أيضا يا شريكي المخلص ساعد هاتين اللتين جاهدتا معي في الإنجيل مع اكليمنضس أيضا وباقي العاملين معي الذين أسماؤهم في سفر الحياة"

وهنا أين هو سفر الحياة المذكور بالأعلى؟ أين اختفى وأين كان موجود؟

٩- إنجيل مرقس الإصحاح ١٤ العدد ٩: "الحق اقول لكم: حيثما يكرز بهذا الانجيل في كل العالم، يخبر أيضا بما فعلته هذه، تذكارا لها"

١٠- إنجيل متى الإصحاح ٢٦ العدد ١٣: "الحق أقول لكم: حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم، يخبر أيضا بما فعلته هذه، تذكارا لها"

١١- إنجيل مرقس الإصحاح ١ العدد ١٥: "جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول "قد كمل الزمان وإقترب ملكوت الله، فتوبوا وءامنوا بالإنجيل"."

١٢- إنجيل مرقس الإصحاح ٨ العدد ٣٥: "ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها"

١٣- إنجيل مرقس الإصحاح ١٠ العدد ٢٩: "فأجاب يسوع وقال "الحق أقول لكم: ليس أحد ترك بيتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو إمرأة أو أولادا أو حقولا، لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مئة ضعف"

١٤- إنجيل لوقا الإصحاح ٥ العدد ١: "وإذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله"

١٥- إنجيل مرقس الإصحاح ٢ العدد ٢: "وللوقت اجتمع كثيرون حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب. فكان يخاطبهم بالكلمة". -أما في نسخة الأباء اليسوعيين فتقول: "فألقى إليهم كلمة الله"-.

١٦- إنجيل يوحنا الإصحاح ١٢ العدد ٤٩: "لأني لم أتكلم من نفسي، لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية: ماذا أقول وبماذا أتكلم، وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية. فما أتكلم أنا به، فكما قال لي الآب هكذا أتكلم"

١٧- إنجيل يوحنا الإصحاح ٣ العدد ٣١ والتي بها شهادة يوحنا المعمدان للمسيح: "الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والذي من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع، وما رآه وسمعه به يشهد، وشهادته ليس أحد يقبلها، ومن قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق، لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله"

١٨- إنجيل يوحنا الإصحاح ١٧ العدد ٦: "٦ وقد حفظوا كلامك، ٧ والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك، ٨ لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم، وهم قبلوا وعلموا يقينا أني خرجت من عندك، وآمنوا أنك أنت أرسلتني ... ١٤ أنا قد أعطيتهم كلامك"

١٩- إنجيل لوقا الإصحاح ٨ العدد ٢١: "فأجاب وقال لهم: "أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها"

٢٠- إنجيل يوحنا الإصحاح ٢ العدد ٢٢: "فلما قام من الأموات، تذكر تلاميذه أنه قال هذا، فأمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع"

٢١- إنجيل يوحنا الإصحاح ١٤ العدد ٢٤: "الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي. والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني"

٢٢- سفر أعمال الرسل الإصحاح ١٥ العدد ٦: "فبعدما حصلت مباحثة كثيرة قام بطرس وقال لهم أيها الرجال الإخوة أنتم تعلمون انه منذ ايام قديمة اختار الله بيننا انه بفمي يسمع الامم كلمة الإنجيل ويؤمنون"

٢٣- رسالة بولس إلى أهل كولوسي الإصحاح ١ العدد ٥: "من أجل الرجاء الموضوع لكم في السماوات الذي سمعتم به قبلا في كلمة حق الانجيل"

٢٤- رسالة بولس إلى أهل كولوسي الإصحاح ١ العدد ٢٣: "إن ثبتم على الإيمان متأسسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل الذي سمعتموه المكروز به في كل الخليقة التي تحت السماء الذي صرت أنا بولس خادما له"

٢٥- رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي الإصحاح ٢ العدد ٨: "هكذا اذ كنا حانّين اليكم كنا نرضى ان نعطيكم لا إنجيل الله فقط بل أنفسنا أيضا لأنكم صرتم محبوبين إلينا"

٢٦- رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي الإصحاح ٣ العدد ٢: "فأرسلنا تيموثاوس أخانا وخادم الله والعامل معنا في إنجيل المسيح حتى يثبتكم ويعظكم لأجل ايمانكم"

٢٧- رسالة بولس إلى أهل أفسس الإصحاح ٦ العدد ١٥: "وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام"

٢٨- رسالة بولس الثانية إلى تسالونيكي الإصحاح ١ العدد ٧: "عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته، في نار لهيب، معطيا نقمة للذين لا يعرفون الله، والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح، الذين سيعاقبون بهلاك أبدي"

وهنا هل هم لا يطيعون الخبر السار المسيح أم لا يطيعون إنجيل المسيح؟ هل يطاع الخبر السار أم يبشر به؟!

٢٩- رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس الإصحاح ١ العدد ١١: "حسب إنجيل مجد الله المبارك الذي اؤتمنت انا عليه"

٣٠- رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي الإصحاح ٢ العدد ٤: "بل كما استحسنّا من الله أن نؤتمن على الانجيل هكذا نتكلم، لا كأننا نرضي الناس، بل الله الذي يختبر قلوبنا"

٣١- رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس الإصحاح ١ العدد ٨: "فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بي انا أسيره بل اشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله"

٣٢- رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح ٩ العدد ١٢: "١٢ بل نتحمل كل شيء لئلا نجعل عائقا لإنجيل المسيح ... ١٤ هكذا أيضا أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون ... ١٨ فما هو أجري إذ وأنا أبشر أجعل إنجيل المسيح بلا نفقة حتى لم استعمل سلطاني في الإنجيل ... ٢٣ وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكا فيه"

٣٣- رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح ٢ العدد ٢: "وانما صعدت بموجب اعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم ولكن بالانفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلا"

هل عرض بولس عليهم الإنجيل الذي يكرز به بين الأمم بالانفراد أم عرض عليهم الخبر السار بالانفراد؟!

٣٤- رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح ٢ العدد ٥: "الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة ليبقى عندكم حق الإنجيل"

٣٥- رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح ٢ العدد ١٤: "لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل قلت لبطرس قدام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميا لا يهوديا فلماذا تلزم الأمم أن يتهوّدوا"

٣٦- رسالة بولس إلى أهل أفسس الإصحاح ٦ العدد ١٩: "ولأجلي لكي يعطى لي كلام عند افتتاح فمي لأعلم جهارا بسر الإنجيل"

٣٧- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ١ العدد ٧: "كما يحق لي أن أفتكر هذا من جهة جميعكم لأني حافظكم في قلبي في وثقي وفي المحاماة عن الإنجيل وتثبيته أنتم الذين جميعكم شركائي في النعمة"

٣٨- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ١ العدد ١٢: "ثم أريد أن تعلموا أيها الإخوة أن أموري قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل"

٣٩- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ١ العدد ٢٧: "فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح حتى إذا جئت ورأيتكم أو كنت غائبا أسمع أموركم أنكم تثبتون في روح واحد مجاهدين معا بنفس واحدة لإيمان الإنجيل"

٤٠- رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ٢ العدد ٢٢: "وأما اختباره فأنتم تعرفون أنه كولد مع أب خدم معي لأجل الإنجيل"

٤١- رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح ١ العدد ١: "بولس، عبد ليسوع المسيح، المدعو رسولا، المفرز لإنجيل الله"

٤٢- رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح ١ العدد ٩: "فإن الله الذي أعبده بروحي في إنجيل ابنه شاهد لي كيف بلا انقطاع أذكركم"

٤٣- رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح ١٥ العدد ٢٩: "وأنا أعلم أني إذا جئت إليكم سأجيء في ملء بركة إنجيل المسيح"

٤٤- رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس الإصحاح ٢ العدد ١٢: "ولكن لما جئت إلى ترواس لأجل إنجيل المسيح وانفتح لي باب في الرب"

٤٥- رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس الإصحاح ١٠ العدد ١٤: "لأننا لا نمدد أنفسنا كأننا لسنا نبلغ إليكم. إذ قد وصلنا إليكم أيضا في إنجيل المسيح"

والآن عزيزي القارئ بعد كل تلك الشهادات حول وجود إنجيل مع السيد المسيح، ماذا تعتقد أنت؟! هل كان مع المسيح إنجيلاً أم أنه كان يتحدث عن الإنجيل وفق رواية متى أو مرقس أو لوقا أو يوحنا الذي لم يكن مكتوباً بعد؟!

هل تريد عزيزي القارئ أن تؤمن أنت بإنجيل المسيح وتتبعه أم تريد أن تتبع أياً من الأناجيل الأخرى المجهولة المصدر؟! فإذا أردت اتباع إنجيل المسيح عليه السلام فعليك بالإيمان بالقرآن الكريم ومعرفة منه حقيقة المسيح وماذا كانت دعوته وماذا قال للناس وما كانت معجزاته. ولعلك تبدأ بقراءة سورة آل عمران، ثم سورة مريم، ثم سورة المائدة، ولعل الله يفتح عليك سبيل هدايته فتقرأ كامل القرآن الكريم كتاب الله عز وجل الذي نزل بعد التوراة والإنجيل.

الفصل الخامس عشر

من كتب العهد القديم؟

الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى عليه السلام:

تدعي الكنيسة أن الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم وهي (سفر التكوين، سفر الخروج، سفر اللاويين، سفر العدد، سفر التثنية)، قد كتبت من نبي الله موسى عليه السلام. ولكن هذا الادعاء هو ادعاء زائف كالعادة، فقد ورد ما يُكذّبه في تلك الأسفار الخمسة، ولعلنا نعطي أمثلة على ذلك:

سفر التثنية الإصحاح ٣٤ العدد ٥:

"فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب، ودفنه في الجواء في أرض موآب، مقابل بيت فغور. ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم، وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات، ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته، فبكى بنو اسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوما فكملت أيام بكاء مناحة موسى ... ولم يقم بعد نبي في اسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه"

كيف يمكن أن يكون موسى عليه السلام هو من كتب سفر التثنية في حين أن سفر التثنية يتحدث عن موت موسى ومكان دفنه وبصيغة يفهم منها أنه هناك فترة زمنية كبيرة بين موت موسى وبين وقت كتابة سفر التثنية! فعبارات "فمات هناك موسى"، "ودفنه في الجواء"، "ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم"، "وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات"، "ولم يقم بعد نبي في اسرائيل مثل موسى"، كلها توضح أن الكاتب يتحدث عن حدث تم منذ فترة زمنية بعيدة!

سفر التثنية الإصحاح ١ العدد ١:

"هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع إسرائيل في عبر الأردن ... كلم موسى بني إسرائيل حسب كل ما أوصاه الرب إليهم ... في عبر الأردن في أرض موآب ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة"

سفر العدد الإصحاح ١٢ العدد ١:

"١ وتكلمت مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها، لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية، ٢ فقالا: هل كلم الرب موسى وحده؟ ألم يكلمنا نحن أيضا؟ فسمع الرب، ٣ وأما الرجل موسى فكان حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض، ٤ فقال الرب حالا لموسى وهارون ومريم: اخرجوا أنتم الثلاثة إلى خيمة الاجتماع. فخرجوا هم الثلاثة، ٥ فنزل الرب في عمود سحاب ووقف في باب الخيمة، ودعا هارون ومريم فخرجا كلاهما، ٦ فقال: اسمعا كلامي. إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا أستعلن له. في الحلم أكلمه، ٧ وأما عبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي، ٨ فماً إلى فم وعياناً أتكلم معه، لا بالألغاز. وشبه الرب يعاين. فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى، ٩ فحمي غضب الرب عليهما ومضى، ١٠ فلما ارتفعت السحابة عن الخيمة إذا مريم برصاء كالثلج"

وكما نرى فإن الكاتب يتحدث عن موسى عليه السلام بصيغة الغائب، وعلى هذا فلا يمكن أن يكون الكاتب هو موسى! إذن كيف نسبت الكنيسة تلك الأسفار الخمسة لموسى عليه السلام بدون أي دليل، وكيف تقول عن أسفار مجهولة المصدر لا تعلم من كتبها أنها وحي إلهي وكتاب مقدس؟!

 

أسفار العهد القديم:

نفس الحال مع جميع أسفار العهد القديم بلا استثناء، جميعها هي أسفار مجهولة المصدر لا يُعلم من كتبها ولا من أين أتت ولا تاريخ أو مكان كتابتها! حاول أنت عزيزي القارئ اليوم أن تختار أي سفر من أسفار العهد القديم ثم ابحث عن اسم كاتبه! ستجده دائما مجهولاً!! فكيف يمكن للنصارى وبدون أي دليل أن تنسب تلك الأسفار لله عز وجل وتقول عنها أنها كلام الله الذي أوحاه لأنبياءه؟! فإن من أشد الذنوب هو أن ينسب شخص لله عز وجل كلام بدون أي دليل، فلو قام شخص ما ونسب إليك عزيزي القارئ كلام لم تقله أو نسب إليك كتاباً لم تكتبه فإنك ستغضب بشدة منه وتقول عنه أنه كاذب.

 

 

 

الفصل السادس عشر

فقدان وضياع التوراة (العهد القديم)

توراة المسلمين:

يؤمن المسلمون بأن الله عز وجل قد أنزل كتاباً اسمه التوراة على نبيه موسى عليه السلام لكي يرشد بني إسرائيل إلى طريق الله المستقيم وأحكام دينه القويم. ويؤمن المسلمون بأنه يجب على كل مسلم الإيمان بتلك التوراة التي نزلت على نبي الله موسى عليه السلام.

كما يؤمن المسلمون أن التوراة قد فُقدت واختفت بعد أن قام بني إسرائيل بتغييرها وتحريفها عبر الزمان وفقاً لمصالحهم وأهوائهم الشخصية. وهنا هي نقطة الخلاف بين المسلمين والنصارى حول التوراة، فبينما النصارى يدعوا المسلمين للإيمان بالكتاب المقدس وبالتوراة الموجودة بداخله، يرد عليهم المسلمون بأنه كيف تريدوننا أن نؤمن بتوراة محرفة ومجهولة المصدر بينما أنتم لا تؤمنون بتوراة موسى عليه السلام وتعاليمها وأحكامها؟!

يقول الله عز وجل في القرآن الكريم في سورة الإسراء الآية ٢: { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) }

ويقول الله عز وجل في سورة البقرة الآية ٥٣: { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) }

ويقول الله عز وجل في سورة المائدة الآية ٤٤: { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) }

ويقول الله عز وجل في سورة البقرة الآية ٧٥: { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) }

ويقول الله عز وجل في سورة النساء الآية ٤٦: { مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) }

ويقول الله عز وجل في سورة آل عمران الآية ٧٧: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) }

 

أهمية التوراة في النصرانية واليهودية:

تسمي النصارى التوراة أيضا ب"كتاب شريعة الرب" أو "كتاب الشريعة" أو "كتاب العهد". وتؤمن النصارى أن التوراة ومنذ زمن موسى عليه السلام لم تتغير أو تتحرف أو تضيع في أية فترة من الزمان! وتشكل التوراة أهمية بالغة لكل من النصارى واليهود نظراً لإيمانهم بأنها هي الكتاب المقدس الذي كتبه موسى عليه السلام.

سفر أخبار الأيام الثاني الإصحاح ١٧ العدد ٧:

"7 وفي السنة الثالثة لملكه أرسل إلى رؤسائه إلى بنحائل وعوبديا وزكريا ونثنئيل وميخايا أن يعلموا في مدن يهوذا 8 ومعهم اللاويون شمعيا ونثنيا وزبديا وعسائيل وشميراموث ويهوناثان وأدونيا وطوبيا وطوب أدونيا اللاويون ومعهم اليشمع ويهورام الكاهنان 9 فعلموا في يهوذا ومعهم سفر شريعة الرب وجالوا في جميع مدن يهوذا وعلموا الشعب"

سفر الخروج الإصحاح ٢٤ العدد ٧:

"وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب، فقالوا: كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له"

 

اعتراف العهد القديم بضياع واختفاء التوراة:

رغم تلك الأهمية البالغة للتوراة إلا أن الكتاب المقدس قد فضح حقيقة مؤلمة، ألا وهي فقدان وضياع التوراة!!

سفر أخبار الأيام الثاني الإصحاح ٣٤ العدد ١٤:

"14 وعند اخراجهم الفضة المدخلة الى بيت الرب وجد حلقيا الكاهن سفر شريعة الرب بيد موسى (أي الذي استلمه بني إسرائيل من نبي الله موسى)، 15 فأجاب حلقيا وقال لشافان الكاتب قد وجدت سفر الشريعة في بيت الرب وسلم حلقيا السفر الى شافان، 16 فجاء شافان بالسفر الى الملك ورد إلى الملك جوابا قائلا: كل ما أسلم ليد عبيدك هم يفعلونه، 17 وقد أفرغوا الفضة الموجودة في بيت الرب ودفعوها ليد الوكلاء ويد عاملي الشغل، 18 وأخبر شافان الكاتب الملك قائلا: قد أعطاني حلقيا الكاهن سفرا. وقرأ فيه شافان امام الملك. 19 فلما سمع الملك كلام الشريعة مزق ثيابه، 20 وأمر الملك حلقيا وأخيقام بن شافان وعبدون بن ميخا وشافان الكاتب وعسايا عبد الملك قائلا: 21 اذهبوا اسألوا الرب من أجلي ومن أجل من بقي من إسرائيل ويهوذا عن كلام السفر الذي وجد لأنه عظيم غضب الرب الذي انسكب علينا من أجل أن أبائنا لم يحفظوا كلام الرب ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب في هذا السفر."

فكما نرى هنا اعتراف صريح وواضح بأن التوراة أو كتاب شريعة الرب أو أسفار موسى الخمسة كان مفقودا ولفترة زمنية طويلة قد تكون لمئات السنين! فها هو الملك قد فرح جداً بالعثور على التوراة وشق ثيابه من الخوف من غضب الله من أجل أن أباءهم لم يحفظوا كلام الرب ولم يعملوا حسب ما هو مكتوب في التوراة!

سفر الملوك الثاني الإصحاح ٢٢ العدد ٨:

((8) فقال حلقيا الكاهن العظيم لشافان الكاتب قد وجدت سفر الشريعة في بيت الرب وسلم حلقيا السفر لشافان فقرأه (9) وجاء شافان الكاتب الى الملك ورد على الملك جوابا وقال قد أفرغ عبيدك الفضة الموجودة في البيت ودفعوها إلى يد عاملي الشغل وكلاء بيت الرب (10) وأخبر شافان الكاتب الملك قائلا قد أعطاني حلقيا الكاهن سفرا و قرأه شافان أمام الملك (11) فلما سمع الملك كلام سفر الشريعة مزق ثيابه (12) وأمر الملك حلقيا الكاهن وأخيقام بن شافان و عكبور بن ميخا و شافان الكاتب وعسايا عبد الملك قائلا (13) اذهبوا اسألوا الرب لأجلي و لأجل الشعب و لأجل كل يهوذا من جهة كلام هذا السفر الذي وجد لأنه عظيم هو غضب الرب الذي اشتعل علينا من أجل أن أباءنا لم يسمعوا لكلام هذا السفر ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب علينا (14) فذهب حلقيا الكاهن وأخيقام وعكبور وشافان وعسايا إلى خلدة النبية، امرأة شلوم بن تقوة بن حرحس حارس الثياب وهي ساكنة في أورشليم في القسم الثاني وكلموها (15) فقالت لهم هكذا قال الرب إله إسرائيل قولوا للرجل الذي أرسلكم إلي (16) هكذا قال الرب ها أنا ذا جالب شرا على هذا الموضع وعلى سكانه كل كلام السفر الذي قرأه ملك يهوذا (17) من أجل أنهم تركوني وأوقدوا لآلهة أخرى لكي يغيظوني بكل عمل أيديهم فيشتعل غضبي على هذا الموضع و لا ينطفئ (18) وأما ملك يهوذا الذي أرسلكم لتسألوا الرب فهكذا تقولون له هكذا قال الرب إله إسرائيل من جهة الكلام الذي سمعت (19) من أجل أنه قد رق قلبك وتواضعت أمام الرب حين سمعت ما تكلمت به على هذا الموضع وعلى سكانه أنهم يصيرون دهشا ولعنة، ومزقت ثيابك وبكيت أمامي. قد سمعت أنا أيضا، يقول الرب. (20) لذلك ها أنا ذا أضمك إلى أبائك فتضم إلى قبرك بسلام ولا ترى عيناك كل الشر الذي أنا جالبه على هذا الموضع. فردوا على الملك جوابا"

يقول القس أنطونيوس فكري في تفسيره لسفر الملوك:

"سفر الشريعة أي أسفار موسى الخمسة. وكانت نسخ الشريعة قليلة جداً. وفي زمان الملوك الأشرار أهملوها ولم يسأل أحد عنها. وغالباً مع عدم وجود سفر للشريعة قبل أن يكتشفوه كان الجميع يتبع تعليمات الكهنة".[96]

 

حلقيا الكاهن:

بالنسبة لحلقيا الكاهن، فهو من المستحيل أن يكون قد وجد التوراة التي نزلت على موسى بعد مئات السنين من ضياعها، وإنما الغالب أنه هو من قام بكتابة تلك التوراة ثم تخبئتها وادعاء اكتشافها حتى يعيد الناس لتعاليم دين أباءهم، بعد أن اتجه الناس لعبادة آلهة أخرى.

وبالنسبة لمحتوى تلك التوراة التي كتبها حلقيا، فهو القليل من الحق الذي توارثته الأجيال شفوياً، ممزوجاً بالكثير من الباطل والكذب والقصص الوهمية.

ولهذا السبب فإن الكثير من الأحداث التي حدثت في عهد نبي الله موسى ومكتوبة في داخل التوراة التي كتبها حلقيا، نجد أنها مذكورة في القرآن الكريم ولكن باختلاف كبير في التفاصيل! فالله عز وجل أنزل الحق في كتابه القرآن الكريم لكي يوضح مدى الضلال الموجود فيما يسمى بالعهد القديم، فنعرف نحن الحق من الباطل ونتبع الحق وطريق الرشاد.

 

اعتراف الملك باستهتار أباءهم بالتوراة:

العبارة التي قالها الملك " لأنه عظيم غضب الرب الذي انسكب علينا من أجل أن أبائنا لم يحفظوا كلام الرب"، توضح مدى استهتار أباءهم وتعمدهم عدم حفظ كلام الرب، أو إخفاء وتدمير الأسفار المقدسة التي لا تتماشي مع مصالحهم وأهواءهم!!

 

أين توراة موسى الان:

الكثير من تعاليم التوراة الأصلية موجودة حالياً بين أيدينا ونستطيع قراءتها، فالله عز وجل قد ذكر في القرآن الكريم حقيقة موسى عليه السلام وحقيقة رسالته وحقيقة ما قاله للناس وأمرهم به وحقيقة معجزاته. ولعلك عزيزي القارئ أن تبدأ بقراءة سورة البقرة، ولعل الله يفتح عليك سبيل هدايته فتقرأ كامل كتاب الله عز وجل القرآن الكريم.

 

 

 

الفصل السابع عشر

اختفاء وفقدان عدد كبير من أسفار الكتاب المقدس

هناك عدد كبير من أسفار الكتاب المقدس قد فقدت وضاعت، ويشهد على ذلك الكتاب المقدس بنفسه، إلا أن الكنيسة مازالت تضفي صفة القدسية على الكتاب المقدس مدعيةً أنه كلام الله الموحى به! فإذا كان الكتاب المقدس ناقصاً أليس بالأحرى أن يرسل لنا الله تلك الأسفار الناقصة مرة أخرى ليكون الكتاب المقدس الذي بين أيدينا كاملاً؟! أو أن يرسل كتاب أخر كامل وغير ناقص بلا أسفار مفقودة؟!

١- سفر الحياة: رسالة بولس إلى أهل فيلبي الإصحاح ٤ العدد ٣: "نعم أسألك أنت أيضا يا شريكي المخلص ساعد هاتين اللتين جاهدتا معي في الإنجيل مع إكليمنضس أيضا وباقي العاملين معي الذين أسماؤهم في سفر الحياة"

٢- كتاب حروب الرب: سفر العدد الإصحاح ٢١ العدد ١٤: "لذلك يقال في كتاب حروب الرب: واهب في سوفة وأودية أرنون"

٣- سفر ياشر: سفر يشوع الإصحاح ١٠ العدد ١٣: "فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه، أليس هذا مكتوبا في سفر ياشر؟"

سفر صموئيل الثاني الإصحاح ١ العدد ١٧: "ورثا داود بهذه المرثاة شاول ويوناثان ابنه وقال أن يتعلم بنو يهوذا نشيد القوس هو ذا ذلك مكتوب في سفر ياشر: الظبي يا إسرائيل مقتول على شوامخك كيف سقط الجبابرة"

٤- أخبار ناثان النبي نبوة أخيا الشيلوني رؤى يعدو الرائي: سفر أخبار الأيام الثاني الإصحاح ٩ العدد ٢٩: "وبقية أمور سليمان الأولى والأخيرة أما هي مكتوبة في أخبار ناثان النبي وفي نبوة أخيا الشيلوني وفي رؤى يعدو الرائي على يربعام بن نباط؟"

٥- أخبار صموئيل الرائي أخبار ناثان النبي أخبار جاد الرائي: سفر أخبار الأيام الأول الإصحاح ٢٩ العدد ٢٩: "وأمور داود الملك الأولى والأخيرة هي مكتوبة في أخبار صموئيل الرائي وأخبار ناثان النبي وأخبار جاد الرائي، مع كل ملكه وجبروته والأوقات التي عبرت عليه وعلى إسرائيل وعلى كل ممالك الأرض"

٦- أخبار شمعيا النبي سفر أنساب عدو الرائي: سفر أخبار الأيام الثاني الإصحاح ١٢ العدد ١٥: "وأمور رحبعام الأولى والأخيرة أما هي مكتوبة في أخبار شمعيا النبي وعدو الرائي عن الانتساب؟"

٧- سفر النبي عدو: سفر أخبار الأيام الثاني الإصحاح ١٣ العدد ٢٢: "وبقية أمور أبيا وطرقه وأقواله مكتوبة في مدرس النبي عدو"

٨- سفر أمور سليمان: سفر الملوك الأول الإصحاح ١١ العدد ٤١: "وبقية أمور سليمان وكل ما صنع وحكمته أما هي مكتوبة في سفر أمور سليمان؟"

٩- أخبار الرائين: سفر أخبار الأيام الثاني الإصحاح ٣٣ العدد ١٩: "وصلاته والاستجابة له، وكل خطاياه وخيانته، والأماكن التي بنى فيها مرتفعات وأقام سواري وتماثيل قبل تواضعه، ها هي مكتوبة في أخبار الرائين"

١٠- رسالة بولس لأهل لاودكية: رسالة بولس إلى أهل كولوسي الإصحاح ٤ العدد ١٥: "١٥ سلموا على الإخوة الذين في لاودكية، وعلى نمفاس وعلى الكنيسة التي في بيته. ١٦ومتى قرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقرأ أيضا في كنيسة اللاودكيين، والتي من لاودكية تقرأونها أنتم أيضا."

جدير بالذكر أن الكثير من القساوسة يعترفون بفقدان تلك الأسفار، ولكن يدّعوا بأنه قد تم حذفها من الكتاب المقدس لأنها أسفار أبوكريفا غير قانونية وغير صحيحة!! فإذا كان ادعاءهم هذا صحيح، فكيف إذن تم الاستشهاد بأسماء تلك الأسفار في الأسفار الأخرى القانونية وتم ذكرها على أنها أسفار صحيحة؟! فمثلا في رسالة بولس لأهل كولوسي قد أمرهم بأن يقرأوا أيضا الرسالة التي أرسلها هو لأهل لاودكية، وبأن يعطوا أهل لاودكية الرسالة التي أرسلها لأهل كولوسي فيقرأوها أيضا. فهل من المعقول أن نقول أنه قد أمرهم أن يقرأوا برسالة أبوكريفا غير صحيحة؟!

 

تم بحمد الله وفضله.،

 

 

 

 

[1] Irenaeus (يُكتب أيضًا بالعربية: إيرينيوس، إيريناوس، إرينيؤس).

[2] Gnosticism

[3] Montanism.

[4] Eusebius of Caesarea, 260-339.

[5]  تاريخ الكنيسة، الفصل الثامن، أقوال إريناؤس عن الأسفار الإلهية، يوسابيوس القيصري.

[6] The Shepherd of Hermas.

[7] Saint Polycarp Bishop of Smyrna, 70-166.

[8] Tertullian, 155-240.

[9] Papias.

[10] The Church History of Eusebius, chapter xxxix, the writings of Papias. Aeterna Press.

[11] Millennialism, The Millennial Kingdom.

[12] St. Justin Martyr, (Latin: Iustinus Martyr), 100-165.

[13] Methodius of Olympus.

[15] Origen of Alexandria (c. 184 – c. 253).

[16] Saint Dionysius of Alexandria.

[17] Basil of Caesarea (c. 330 - c. 379).

[18] Gregory of Nyssa, (c. 335 – c. 395).

[19] St. Augustine of Hippo (c. 354 – c. 430.

[20] Chapter xxiii, Narrative concerning John the Apostle.

[21] Clement of Alexandria (c. 150 – c. 215).

[22] Instituts für Neutestamentliche Textforschung (INTF). (The Institute for New Testament Textual Research (INTF))

[24] Desiderius Erasmus.

[25] Complutensian Polyglot Bible.

[26] Alexandrian text-type.

[27] Byzantine text-type.

[28] بارت إيرمان (Dr. Bart Ehrman): أستاذ جامعي في قسم الدراسات الدينية، جامعة شمال كارولينا (North Carolina)، تشابل هيل (Chapel Hill)، الولايات المتحدة الأمريكية.

[29] Bart Ehrman vs Craig Evans,

https://www.youtube.com/watch?v=rhM5lbVBgkk.

[30] Instituts für Neutestamentliche Textforschung (INTF). (The Institute for New Testament Textual Research (INTF))

[31] Palaeography.

[33] Bodmer Papyri.

[34] Martin Bodmer.

[35] Brent Nongbri.

[36] Herbert Hunger.

[37] Codex Vaticanus.

[38] Pope Clement I.

[39] Apollos.

[40] Priscilla.

[41] Powell, Mark A. Introducing the New Testament: a historical, literary, and theological survey. Baker Academic, 2009.

[42] Ellingworth, Paul (1993). The New International Greek Testament Commentary: The Epistle to the Hebrews. Grand Rapids, MI: Wm. B. Eardmans Publishing Co. p. 3.

[43] مقدمة العهد الجديد من الكنيسة اليونانية الرسمية داخل الإنجيل اليوناني، إصدار الجمعية اليونانية الإنجيلية، صفحة ١٤٧٩، بالرابط بالأسفل:

https://www.scribd.com/doc/143640673/Η-ΑΓΙΑ-ΓΡΑΦΗ-ΣΤΗ-ΔΗΜΟΤΙΚΗ-ΝΕΟΕΛΛΗΝΙΚΗ-Έκδοση-Ελληνικής-Βιβλικής-Εταιρίας

[44] The Bible: A Biography, by Karen Armstrong. تاريخ الكتاب المقدس، كارين أرمسترونج صفحة ٤٥.

[45] The Bible: A Biography, by Karen Armstrong. تاريخ الكتاب المقدس، كارين أرمسترونج صفحة ٤٥.

[46] St. Justin Martyr, (Latin: Iustinus Martyr), 100-165.

[47] الترجمة اليسوعية للكتاب المقدس، مدخل إلى العهد الجديد، صفحة ٧، دار المشرق بيروت – لبنان.

http://www.coptology.com/Bible/downloads/Jesuit_Arabic_Bible.pdf

[48] كتاب "النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد – الجزء الأول)" الباب الثالث: تدوين أسفار العهد الجديد وقانونيتها - أ. حلمي القمص يعقوب (المدرس بالكليات الإكليريكية ومعاهد الكتاب المقدس بجمهورية مصر العربية).

[50] كتاب "النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد – الجزء الأول)" الباب الثالث: تدوين أسفار العهد الجديد وقانونيتها - أ. حلمي القمص يعقوب (المدرس بالكليات الإكليريكية ومعاهد الكتاب المقدس بجمهورية مصر العربية).

[51] Gospel of Marcion, The Marcionite Bible, The Gospel of the Lord.

[52] Ebionites.

[53] Cerinthus.

[54] Gospel of Cerinthus.

[55] Carpocrates.

[56] Saturninus.

[57] Basilides.

[58] Synoptic Gospels.

[59] Synoptic problem.

[60] Philo of Alexandria, 20 BC - 45 After Jesus birth.

[61] Heraclitus (c. 535 – c. 475 BC)

[62] The sophists.

[63] Stoic philosophers. أطلق عليهم لقب الرواقيون لأنهم عقدوا اجتماعاتهم في الأروقة في مدينة أثينا.

[64] Hellenistic Judaism.

[65] “On the Embassy to Gaius”, by Philo of Alexandria, Taylor Anderson.

[66] Neoplatonism.

[67] Gnosticism.

[68] “Judaism: History, Belief, and Practice”, by Matt Stefon, Hellenistic Judaism page 39.

[69] Saint Pantaenus the Philosopher.

[70] Origen of Alexandria (c. 184 – c. 253).

[71] Platonism.

[72] Epicureanism.

[73] Dialectic.

[74] Montanism.

[75] Montanus.

[76] John Shelby Spong.

[78] Melito of Sardis (died c. 180).

[79] Hippolytus of Rome (c. 170 – c. 235).

[80] Ambrose (c. 340 – c. 397).

[82] Arianism.

[84] John Shelby Spong.

[87] Marvin H. Pope.

[88] “The Harlot by the Side of the Road: Forbidden Tales of the Bible”, Chapter 1,

Jonathan Kirsch.

[90] Francisco Jiménez de Cisneros.

[91] Complutensian Polyglot Bible.

[92] Desiderius Erasmus.

[93] Pericope Adulterae.

[94] Codex Sinaiticus.

[95] Codex Vaticanus.

[96]  تفسير العهد القديم من الكتاب المقدس، فصل تفسير سفر الملوك الثاني، للقس أنطونيوس فكري.