كيف تكون معلمًا ناجحًا؟

كيف تكون معلمًا ناجحًا؟: فإن مهنة التعليم تُمثِّل السواد الأعظم بين مهن المُجتمع، فالشبابُ أكثر أعداد الأمم، والمُعلِّمون يزدادون بازدياد الطلاب، ومن هذا المُنطلَق يجب أن نستثمِر هذه المِهنة لنُربِّي الطلابَ ونُعدّهم ليكونوا لبِنةً صالحةً في مُجتمعهم.
ومن هذا الباب تأتي هذه المقالة ليتحدَّث عن طرق نجاح المُعلِّم في تدريسه وفي كسب قلوب الطلاب واستمالتهم إليه. وهي في ثلاثين طريقة لتحقيق هذا النجاح المرجُوّ.

 كيف تكون معلمًا ناجحًا؟
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العليم الحكيم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على خير معلم وأفضل مربٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن مهنة التعليم اليوم تمثل السواد الأعظم بين مهن المجتمع، فالشباب أكثر أعداد الأمم والمعلمون يزدادون بازدياد الطلاب ومن هذا المنطلق يجب أن نستثمر هذه المهنة لنربي الطلاب ونُعدهم؛ ليكونوا لبنة صالحة في مجتمعهم، ولتحقيق ذلك لابد من فتح قنوات تقريب بين المعلمين والطلاب وجعل المعلم محبوبًا عند طلابه حتى ينجح في أداء رسالته ويُتقبل منه ما يلقيه عليهم وما يوجههم إليه، لأن الحب دافع للاقتداء وسبب قوي للطاعة والاتباع، وكلما ازداد الحب ازداد معه قبول التعليم والتوجيه, (فإن المحب لمن يحب مطيع) ومن هذا الباب سننطلق لنتحدث عن طرق نجاح المعلم في تدريسه وفي كسب قلوب الطلاب واستمالتهم إليه وهي كثيرة منها:
أولاً: إخلاص النية وتجريدها لله تعالى:
وهي أن يحرص المعلم على أن يجعل نيته في التعليم ابتغاء وجه الله تعالى قبل أن تكون وسيلة لكسب العيش حتى لا يضيع على نفسه أجر الآخرة، وأن يؤدي عمله على أكمل وجه دون تقصير أو إهمال؛ كي يكون ما يتقاضاه من أجر على عمله حلالاً مباركًا فيه.
ثانيًا: سؤال الله جل وعلا الإعانة:
وهي من أهم وسائل التوفيق للعمل النافع والتربية الجادة والقول الحق. فالدعاء سلاح عظيم قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186].
ثالثًا: الإحسان إلى الطلاب:
فإنه مما يعين على المحبة وامتلاك القلوب.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
        
        فطالما استعبد الإنسان إحسان


رابعًا: التواضع:
وهذا مما يقرب نفوس التلاميذ من المعلم قال تعالى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215]، وعن عياض  قال: قال رسول الله : «إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد»( ).
وعن أنس  قال: «إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي  فتنطلق به حيث شاءت»( ). فهذا سيد ولد آدم ، وهذه أَمة جارية تذهب برسول الله  ليقضي حاجتها وينقاد لها بكل تواضع، أفلا يكون لنا به أسوة حسنة في التواضع واللين.
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر
        
        على صفحات الماء وهو رفيع

ولا تك كالدخان يرفع نفسه
        
        إلى طبقات الجو وهو وضيع

خامسًا: الممازحة والملاطفة:
والتبسط مع التلاميذ – بحدود المناسب والمعقول – وهذا مما يدخل السرور عليهم ويبعد الكلفة والتعالي عليهم ويؤلف بين قلوبهم.
سادسًا: النصح والتوجيه والإرشاد:
وإظهار الشفقة والمحبة للطلاب ولنا في قصته  مع الغلام اليهودي عبرة وعظة فقد كان نصحه وتوجيه سببًا في إنقاذه من النار صلوات ربي وسلامه عليه.
سابعًا: احترام الطلاب وتقديرهم والاستماع إليهم وإعطاؤهم حقهم من الأسئلة والمناقشة:
وهذا مما يرفع معنوياتهم ويشعرهم بدورهم ومسؤوليتهم تجاه أمتهم، أما احتقارهم وتهميشهم فهذا مما يثبط عزائمهم وهممهم ويفقد قدرهم ويحبط معنوياتهم، والمعلم الناجح يعلم أنه إذا استمع لطلابه فإنهم سيستمعون إليه وأن الاحترام يولد الاحترام.
ثامنًا: البشاشة والابتسامة:
وهذا مما يكسب الطلاب الراحة النفسية ويعينهم على استحضار قلوبهم واستيعاب ما يتلقونه من معلمهم، يقول جرير بن عبد الله : «ما رآني رسول الله  إلا تبسم» متفق عليه، وفي الحديث الصحيح: «وتبسمك في وجه أخيك صدقة» فمن المعلوم أن النفس ترتاح وتأنس بالشخص المبتسم وتنفر من مقطب الجبين.
عاشرًا: عدم الغلظة في التعامل:
إذ ينبغي على المعلم أن يكون لينًا هينًا مع طلابه؛ لأن ذلك مما يعين الطلاب على فهم وتقبل ما يتلقونه من معلمهم بعكس الغلظة والفظاظة كونها تسبب نفرة الطلاب من معلمهم وكرههم إياه وعدم تقبل ما يقوله أو يأمر به، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159]، ويقول رسول الله : «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلى شانه»، ويقول عليه الصلاة والسلام: «بشروا ولا تنفروا»، والإنسان غليظ الطبع ينفر منه الناس، حتى الحيوان ينفر منه أيضًا فما بالك بهؤلاء الطلاب المحتاجين لكل عطف ومودة.
الحادي عشر: اللين والتحنن والرفق بالطلاب:
ذكر الشيخ السعدي – رحمه الله عند قول الله تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى: 10]، «أنه يدخل في ذلك السائل للعلم، ولهذا كان المعلم مأمور بحسن الخلق مع المتعلم ومعاشرته بالإكرام، والتحنن عليه فإن ذلك معونة له على مقصده وإكرامًا لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد».
الثاني عشر: بذل الجاه والشفاعة:
لمن يحتاجها من الطلاب وقد ورد في الحديث: «اشفعوا تؤجروا» وتكثر الحاجة لهذه الشفاعة داخل محيط المدرسة بين الطالب والإدارة وبين الطالب والمعلم وهذا مما يشعر الطالب بأن المعلم الذي شفع له يشاركه همومه، ويسعى لمصلحته وهذا يعين الطالب على حسن التلقي من معلم يحرص على مصلحته.
الثالث عشر: بذل المال:
فقد يوجد في المحيط الدراسي بعض الطلاب معوزًا أو يتيمًا محتاجًا لبعض المال فبذله لمثل هؤلاء عن طريق بعض المحسنين أو زملائه المعلمين وبشكل دوري يعين على تأليف قلوبهم وكسبهم، وينتج عن هذا الأمر الثقة بالمعلم وحبهم له بسبب حرصه عليهم وسعيه من أجلهم.
الرابع عشر: الحلم والعفو التغاضي عن الأخطاء:
قال تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134]، وقصته  مع الأعرابي الذي بال في المسجد فانتهره الصحابة وأرادوا ضربه، فأمرهم رسول الله  بتركه، وبين له خطأه بلطف ولين إذ أثر ذلك فيه فدعا للنبي  ولم يدعُ لأحد غيره، فتأمل أثر الليل والحلم والصفح، والمعلم من خلال تواجده مع طلابه وتعامله معهم قد تقع أمامه أخطاء غير متعمدة من بعض الطلاب فينبغي التغاضي عنها وكذا قد تقع أخطاء متعمدة ولكنها خفيفة فغضُ الطرف عنها أولى من بحثها.
ليس الغبي بسيد قومه
        إنما سيد قومه المتغابي

مع مراعاة حفظ حسنات الطالب وعدم نسيانها وتذكيره بها بين فترة وأخرى ليزداد تقدمًا وإبداعًا.
الخامس عشر: تحمل الطلاب والصبر على أذاهم:
واحتساب الأجر على ذلك، فإن هذا مما يورث المحبة بين المعلم وطلابه، فالتحمل والصبر هما الحل لكثير من المشاكل لكثرة خلطة المعلم بالطلاب.
السادس عشر: تقبل النقد والاعتراف بالخطأ:
وهذا يولد عند الطالب الثقة بالمعلم وبما يقدمه وكذلك على المعلم تقبل النصح والتوجيه ممن له خبرة في ذلك كالمرشد والمدير والواعظ والناصح.
السابع عشر: تبادل الآراء والتشاور مع الإدارة والمعلمين:
بما ينفع الطالب ويصلحه وكذلك سماع الشكوى مع الطلاب ومحاولة حلها والاجتهاد في ذلك.
الثامن عشر: المكافأة والإهداء للطالب المتفوق والطالب المراد تأليف قلبه:
ولنا في رسول الله  أسوة حسنة فقد أهدى لبعض المسلمين الجدد وكذلك لمن لم يسلم ولكن طمع في إسلامه، أهدى لهم قطعا من الغنم حتى أثر ذلك فيهم ودعوا قومهم للإسلام، وكذلك اهداؤه  بردة له وهو محتاج إليها، وورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «تهادوا تحابوا» والهدية تورث المحبة بين المهدي والمهدى إليه.
التاسع عشر: معفرة قدرات الطلاب وميولهم:
ومراعاة ما يناسب كل طالب وما يبدع فيه، فعلى سبيل المثال بعض الطلاب عنده القدرة على حفظ المتون فيشجع على ذلك والآخر عنده القدرة على العمل في البرامج الدعوية، وثالث في الابتكارات العلمية، ورابع في أنشطة المدرسة اللامنهجية، وخامس في كذا، وسادس في كذا، فهؤلاء يشجعون فيما يميلون إليه من أنشطة حتى يبدعوا فيها ويبرزوا ويرتقوا بأنفسهم إلى الأفضل، فلا يقحم الطالب في نشاط لا يريده ولا يحبذه فهذا مما يؤثر فيه سلبًا.
العشرون: القدوة الحسنة:
في القول والعمل فهذا له أثر طيب في محاكاة الطالب للمعلم وهي دعوة صامتة للخير، فلا يليق بالمعلم أن ينهى عن شيء ويفعله، أو يأمر بشيء ولا يفعله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 2، 3].
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة: 44].
لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله
        
        عار عليك إذا فعلت عظيم

الحادي والعشرون: التحضير الجيد للموضوع والتنوع في الطرح:
ودعم ذلك بالقصص الشائقة وربطه بالواقع فهذا مما يضفي على الدرس المتعة ويطرد عن الطلاب السآمة والملل.
الثاني والعشرون: عدم جعل الامتحانات مجالاً للتحدي والانتقام:
إذ ليس ذلك هدفًا أو غايةً؛ وإنما وضعت هذه الامتحانات للوقوف على مستوى الطلاب أثناء الدراسة.
«اللهم من ولي من أمور أمتي شيء فشق عليهم، اللهم فاشقق عليه ومن رفق بهم فأرفق به».
الرابع والعشرون: لا تنقل همومك الخاصة إلى مدرستك:
لا يخلو أي إنسان من هموم ومشاكل إما عائلية أو نفسية أو مالية أو غير ذلك من الهموم، والمعلم كغيره من الناس تمر عليه مثل هذه الهموم، فينبغي عدم نقل شيء من ذلك إلى داخل المدرسة حتى لا يؤثر في أداء عمله فيقصر فيه فيتضرر الطلاب نتيجة ذلك ولا ذنب لهم.
الخامس والعشرون: إفشاء السلام على الطلاب:
داخل الفصل وخارجه وهذا يورث المحبة بين الطلاب والمعلم لحديث: «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم».
السادس والعشرون: ناد الطالب بأحسن الأسماء والألقاب إليه:
فهذا من موجبات الألفة والمحبة بين الطالب والمعلم؛ فقد كان  يخاطب طفلاً ويقول له: «يا أبا عمير ما فعل النغير».
السابع والعشرون: رفع معنويات الطالب:
وذلك بتشجيع المتفوق ورفع معنويات المخفق فهذا مما يعينه على الجد والاجتهاد واللحاق بزملائه المتفوقين.
الثامن والعشرون: الخروج مع الطلاب في زيارات ميدانية ورحلات ترويحية:
فإن هذا مما يقوي الصلة بين المعلم وطلابه ويزيد في محبتهم له.
التاسع والعشرون: العدل والمساواة بين الطلاب:
في النصح والتوجيه والإرشاد وكذلك في إيصال المعلومة لهم، حتى لا يظن الطالب المخفق الكسول أن هناك تمييزًا في طريقه التعامل بينه وبين الطالب المتفوق، وهذا قد يكون سببًا في اجتهاده وتفوقه ولحاقه بزملائه المتفوقين.
الثلاثون: استقراء السيرة النبوية:
وتذكر مواقف الرسول  مع أصحابه والتعرف على طريقتهم في تربيتهم وتعليمهم والاقتداء به فإنه عليه الصلاة والسلام نعم المربي ونعم المعلم وهو قدوة لنا في الأمور كلها لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21].
وبعدُ -أخي المعلم- فإنك لن تعدم هذه الصفات كلها، فاستمر على ما أنت عليه منها، وجاهد نفسك في اكتساب الصفات الأخرى فإنما الصبر بالتصبر والحلم بالتحلم والعلم بالتعلم.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 
* * * *