جزء في مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء

جزء في مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء


جُزءٌ
في
مَسْح الوَجْه باليدينِ
بَعْد رفعهَما لِلدُّعاءِ

تأليف الشيخ
بَكر بن عَبد الله أبُو زيد


قام بصفه ونشره
أبو علي السلفي
www.du3at.com

 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا جزء لطيف في مسألة: مسح الوجه باليدين بعد دعاء القنوت في الصلاة أو بعد الدعاء خارجها, جمعت فيه ما وقفت عليه فيها، من الأحاديث والآثار، ذاكراً لها بأسانيدها عند من أخرجها مع ذكر من خرجها في المجاميع ونحوها وأتبعت ذلك بدراسة أسانيدها على ضوء الصناعة الحديثية، وفي ثنايا ذلك ذكر كلام بعض الحفاظ بالحكم عليها ببيان درجتها ومنزلتها، ثم ذكر خلاف العلماء في هذه المسألة وفي تضاعيف ذلك فوائد وتنبيهات .
وإن السبب الداعي إلى بحثها مفردة هو: شيوع العمل بها وقد علم أن شؤون العباد التعبدية توقيفية، والمسح لا يفعله إلا تعبداً تبعاً لرفع اليدين للدعاء فهل ذلك المسح مما تعبدنا به لدليل قام عليه أم لا .
هذا ما سيقف على الجواب عليه من نظر في هذا الجزء إن شاء الله وأسأل الله الكريم أن يجعله خالصا، ولعباده نافعا آمين .                                                             
    


*  *  *

 

 

 

الفصل الأول
في الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بالتتبع والاستقراء لأحاديث مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء تحصل لي سبعة أحاديث, ثلاثة منها قولية وأربعة فعلية وهي على ما يلي:
1- حديث ابن عباس رضي الله عنهما. رواه أبو داود, وابن ماجه, والحاكم, والبيهقي, والمروزي, وابن حبان, وابن راهويه, والبغوي, والطبراني, وعزاه الشوكاني لأحمد؟.
وأطرافه:
إذا دعوت الله . . .
إذا دعوتم الله . . .
إذا سألتم الله . . .
سلوا الله ببطون أكفكم . . .
لا تستروا الجدر . . .
2- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, رواه الطبراني في الكبير .
وطرفاه:
إن ربكم حي كريم . . .
إن الله حي كريم . . .
3- معضل: الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث رحمه الله تعالى. رواه الطبراني في كتاب الدعاء
وطرفه: إذا دعا أحدكم . . .
4- حديث عمر رضي الله عنه من رواية ابنه عبد الله عنه رضي الله عنه. رواه: الترمذي, والحاكم .
وطرفاه:
كان إذا رفع يديه . . .
كان إذا مد يديه . . .
5- حديث عمر رضي الله عنه في الاستسقاء, رواه عبد الغني الأزدي في: إيضاح الإشكال
بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت . . .
6- حديث يزيد بن سعيد الكندي رضي الله عنه من رواية ابنه: السائب عنه رضي الله عنه . رواه أحمد, وأبو داود .
طرفه:
كان إذا دعا فرفع يديه . . .
7- مرسل الزهري رحمه الله تعالى. رواه عبد الرزاق .
طرفه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه . . .
هذا ما تيسر الوقوف عليه مرفوعاً بطريق التتبع وكثرة الكشف. وإلى ذكرها مفصلة بذكر متونها
عند من أخرجها مع ذكر من خرجها, مقفياً لها بمناقشة أسانيدها, ومن ثم بيان درجتها حسب  قواعد الاصطلاح .   
الحديث الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما . أخرجه أبو داود في سننه 1 / 552 في أبواب الوتر وترجم له بقوله: باب الدعاء . وابن ماجه 2 / 1272 في كتاب الدعاء وترجمه بقوله: باب رفع اليدين في الدعاء . والبيهقي 2 / 212 في كتاب الصلاة وترجمه بقوله: باب رفع اليدين في القنوت, الحاكم في المستدرك 1 / 536 في كتاب الدعاء . وابن أبي حاتم في العلل 2 / 351 في كتاب  الدعاء . والمروزي كما في مختصر المقريزي لصلاة الوتر ص / 236 مترجماً له بقوله: باب مسح الرجل وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء . وابن حبان في المجروحين 1 / 365 في ترجمة صالح بن حسان وابن راهويه في مسنده كما في نصب الراية 3 / 52 . والبغوي في شرح السنة بإسنادين له 5 / 202، 204, وعزاه لأحمد الشوكاني في التحفة ص / 44, وصديق تبعاً له في: نزل الأبرار ص / 36 لكني لم أظفر به في مسند ابن عباس من المسند ولا في ترتيبه, ولا في طبعة  الشيخ أحمد شاكر فالله أعلم .
وخرجه جماعات منهم: التبريزي في المشكاة 1 / 2243, والسيوطي أيضا في الجامع الصغير 1 / 369، 4 / 109، 1 / 344 مع شرحه فيض القدير, والشوكاني في التحفة ص / 44,  وصديق في نزل الأبرار ص / 36، والمتقى في الكنز 2 / 80 رقم 3231 ورقم 3255 وفيه عزاه للطبراني ولم أره في الصغير له . والغمارى في الكنز الثمين ص / 309 رقم 1938 . والبيروتي في: حسن الأثر ص / 76 .
تنبيه: رمز السيوطي في الجامع الصغير 4 / 109 لحديث ابن عباس بلفظ: سلوا الله . . . الحديث . لأبي داود، والبيهقي، وليس كذلك عندهما، فهذا اللفظ للبيهقي فقط، والذي عند أبي داود بلفظ: لا تستروا الجدر . . الحديث، ولم أره في: الجامع الصغير بهذا اللفظ . لهذا ذكره النبهاني في: الفتح الكبير 3 / 325 من زيادات السيوطي على جامعه الصغير، ورمز له عند أبي داود فقط لكن بلفظ: سلوا الله . . . طرف مـن حديث أبي داود المذكـور والله أعلم .
وهذا سياقه عند أبي داود قال: حدثنا عبد الله ابن سلمة أخبرنا عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله ابن يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظى حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تستروا الجدر، من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم، قال أبو داود: روى هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب: كلها واهية وهذا الطريق أمثلها: وهو ضعيف أيضا . انتهى .
ومن حديث أبي داود أخرجه البيهقي بإسناده إليه به لكن بلفظ : ( سلوا الله عز وجل ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ) ثم ذكر كلام أبي داود المتقدم .  
وعند ابن ماجه والمروزي كلاهما قالا: حدثنا محمد بن الصباح حدثنا عائذ بن حبيب عن صالح بن حسان، عن محمد بن كعب القرظى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك، ولا تدع بظهورها فإذا فرغت فامسح بهما وجهك ) انتهى .
وقال ابن حبان: حدثنا محمد ابن إسحاق بن إبراهيم الثقفي ثنا محمد بن الصباح به، بلفظه وإسناده عند ابن ماجه والمروزي سواء .
وقال المروزي أيضا: حدثنا إسحاق، أخبرنا محمد بن يزيد الواسطي حدثنا عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب القرظى، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سألتم الله فاسئلوه ببطون أكفكم، ثم لا تردوها حتى تمسحوا بها وجوهكم، وفي رواية: فإن الله جاعل فيها بركة . انتهى .
ثم قال المروزي ( وعيسى بن ميمون هو الذي روى حديث ابن عباس ليس هم ممن يحتج بحديثه، وكذلك صالح بن حسان ) انتهى .
ولفظه عند إسحاق بن راهويه مثل لفظه عند أبي داود المتقدم وسنده كما في نصب الراية للزيلعى أن إسحاقاً قال: أخبرنا محمد بن يزيد الواسطي، ثنا عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب القرظى، عن ابن عباس مرفوعاً نحوه سواء . انتهى . أي نحوه عند أبي داود .
وقال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن أبي نصر المروزى، حدثنا أبو الموجه، حدثنا سعيد بن هبيرة، حدثنا وهيب بن خالد عن صالح بن حسان به بلفظ : ( إذا سألتم الله فاسئلوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، وامسحوا بها وجوهكم ) انتهى .
وقال البغوي: أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ثنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاه، حدثنا أبو بكر محمد بن نجيد، أنا أحمد بن نجدة، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا أبي وعبد الرحيم بن سليمان، عن صالح بن حسان، عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سألتم الله، فاسألوا ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، وإذا دعا أحدكم، ففرغ من دعائه، فليمسح بيديه على وجهه ) انتهى. ثم قال ( ضعيف، صالح بن حسان المدني الأنصاري: منكر الحديث، قاله البخاري ) انتهى .
وأخرجه بإسناد آخر فقال: وأخبرنا عبد الرحمن بن أبي بكر القفال حدثنا أبو منصور أحمد بن الفضل البَرْ ونجِرْدِى، ثنا بكر بن حمار بن محمد بن حمدان الصيرفي، ثنا عبد الصمد بن الفضل، ثنا خلف بن أيوب، ثنا عائذ بن حبيب، عن صالح بن حسان عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دعوتم الله ببطون أكفكم، لا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ) انتهى .
التعريف بمنزلة إسناده
أولاً: من سياق أسانيده المتقدمة يعلم الناظر أن هذا الحديث على كثرة مخارجه قد تفرد به عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما محمد بن كعب القرظي وحديثه مخرج في الكتب الستة وهو ثقة توفي سنة 120هـ كما في التقريب للحافظ ابن حجر، فلا يضر تفرده إذاً .
ثانياً: كما يتبين من سياق أسانيده أيضا أنه عن محمدٍ هذا رواه عنه اثنان هما:
1- صالح بن حسان كما في رواية ابن ماجة، والمروزي، والحاكم، وابن أبي حاتم .
وصالح هذا هو: صالح بن حسان النضرى أبو الحارث المدني نزيل البصرة قال الحافظ في التقريب ( متروك ) انتهى .
وفي التهذيب، ذكر إجماعهم على ضعفه . وفي تلخيص الحبير 1 / 250 ذكر قول ابن حبان فيه ( من أنه يروي الموضوعات عن الثقات ) انتهى . وهكذا في كتاب المجروحين لابن حبان 1 / 363 في ترجمة صالح بن حسان وذكر الحديث المذكور من روايته عن محمد بن كعب عن ابن عباس .
2- عيسى بن ميمون، كما في رواية المروزي وابن راهويه وهو: عيسى بن ميمون القرشي المدني الواسطي مولى القاسم بن محمد . قال الحافظ في: التقريب (ضعيف) . وفي: المغنى للذهبي, قال البخاري: منكر الحديث اهـ . وقال ابن حبان: يروي أحاديث كلها موضوعات . . . كما في الميزان للذهبي .
ومن بيان حال صالح وعيسى يتبين أنه لا تصلح متابعة أحدهما للآخر لما علم من حالهما عدالة والله أعلم .
ثالثاً: وأنه عن صالح بن حسان رواه أربعة عنه هم: عائذ بن حبيب ومنزلته الصدق, والثقة الثبت: وهيب بن خالد, وعبد الرحيم بن سليمان وعبد الحميد الحمانى كما في إسناده عند البغوي .
وأنه عن عيسى بن ميمون رواه محمد بن يزيد الواسطي وهو الكلاعي ثقة عابد مات سنة 190هـ كما في التقريب . ثم انتشرت روايته وكثرت مخارجه في طبقات إسناده لكن هذا الحديث على تعدد رواته وكثرة مخارجه فإن مداره على كل من صالح بن حسان وهو متروك, وعيسى بن ميمون وهو منكر الحديث فلا يقوي أحدهما الآخر .
وعليه فلا يصح كذلك في باب الشواهد لاختلال ركن الرواية الركين الذي لا ينجبر وهو: العدالة والله أعلم .
ذكر كلام بعض الحفاظ على هذا الحديث:
أولاً: قول أبي داود ( روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية .وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف ) انتهى . وطريقه عند أبي داود من حديث: عبد الملك بن محمد بن أيمن, عن عبد الله بن يعقوب عمن حدثه عن محمد بن كعب .
فهذا الإسناد عند أبي داود مسلسل بالمجاهيل على ما يلي:
1- فعبد الملك بن محمد بن أيمن: قال الحافظ في: التهذيب ( روى له أبو داود حديثاً منقطعاً وضعفه, قلت: وقال أبو الحسن بن القطان: حاله مجهولة ) انتهى .
وقال في التقريب ( مجهول من العاشرة ) انتهى . ورمز بكونه من رجال أبي داود فقط .
2- شيخه: عبد الله بن يعقوب بن إسحاق المدني . قال الحافظ في: التقريب ( مجهول الحال من التاسعة ) ورمز بكونه من رجال أبي داود والترمذي . وقال الذهبي في: الميزان ( لا أعرفه ) انتهى .   
3- عمن حدثه: لم أجد تفسير ذلك المبهم  والله أعلم .
ثانياً: قول البوصيرى في زوائد ابن ماجه المسمى: مصباح الزجاجة 1 / 141 ( هذا إسناد ضعيف لاتفاقهم على ضعف: صالح بن حسان, رواه الحاكم في المستدرك من حديث صالح بن حسان به, وله شاهد من حديث ابن عمر رواه الترمذي في: الجامع, والحاكم في: المستدرك ) انتهى . وهذا من البوصيرى متعقب إذ كيف يصح حديث ابن عمر لأن يكون شاهداً وفيه: الجارود وهو متروك  والله أعلم .  
ثالثاً: نقل البيهقي في السنن الكبرى كلام أبي داود المتقدم ولم يتعقبه بشيء .
رابعاً: في النسخة المطبوعة من المستدرك سكت عليه الحاكم والذهبي لكن قال المناوى في: فيض القدير 1 / 369 : ( ومن طريق الحاكم: سعيد بن هبيرة, اتهمه ابن حبان ولهذا رد الذهبي على الحاكم تصحيحه ) انتهى .
وينظر فإن المطبوعة كثيرة التحريف والسقط كما قد صار اختبارها في أكثر من موضع .
خامساً: قول ابن أبي حاتم ( هذا حديث منكر ) وتقدم .
سادساً: قول المروزي: ( وعيسى بن ميمون هذا الذي روى حديث ابن عباس: ليس هو ممن يحتج به, وكذلك صالح بن حسان ) انتهى .
سابعاً: قول البغوي في شرح السنة 5 / 203 : ضعيف, صالح بن حسان المدني الأنصاري منكر الحديث قاله البخاري ) انتهى .
ثامناً: اختلفت فيه كلمة السيوطي في الجامع الصغير فعلى لفظ: سلوا الله 4 / 109 رمز له بالصحة . وتعقبه المناوى بقوله ( وليس كما زعم فإن أبا داود نفسه إنما خرجه مقروناً ببيان حاله – وساق كلامه – ثم قال: وساقه عنه البيهقي: وأقره وارتضاه الذهبي, وأقره ابن حجر فأعجب للمصنف مع اطلاعه على ذلك كيف أشار إلى صحته ) انتهى .
وعلى لفظ ( إذا سألتم الله ) رمز لحسنه قال المناوى: في: فيض القدير 1 / 344 ( وليس كما قال, فقد قال ابن الجوزي لا يصح, فيه صالح بن حسان: متروك, وقال ابن حبان: يروي الموضوعات, لكن له شاهد ) انتهى .
تاسعاً: وفي الفروع 1 / 414 قال: ( واختار الآجري: عدم المسح لضعف حديث ابن عباس ) انتهى .
عاشراً: وفي نزل الأبرار لصديق خان ص / 36 أن النووي ضعف أسانيد حديث المسح ) انتهى .
أحد عشر: قال الألباني في السلسة الصحيحة 2 / 146 ( إنه ضعيف جـدا فهذه الزيـادة ( فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ) لم أجد لها حتى الآن شاهدا ) انتهى
وهل هذه الزيادة تصلح في باب المتابعات أو الشواهد ومدارها على: صالح بن حسان, وعيسى بن ميمون, وقد تقدم بيان حالهما والله أعلم .
الحديث الثاني:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما. قـال الهيثمي في: مجمع الزوائـد 10 / 169 من كتاب الأدعية: وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربكم حيي كريم يستحي أن يرفع العبد يديه, فيردها صفراً لا خير فيهما, فإذا رفع أحدكم يديه فليقل: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا أرحم الراحمين ثلاث مرات, ثم إذا رد يديه فليفرغ الخير على وجهه . رواه الطبراني . وفيه الجارود بن يزيد, وهو متروك . انتهى .
وعزاه للطبراني أيضا: المتقي في كنز العمال 2 / 87 / 3266, 3268 مكرراً ورمز له فيهما بقوله ( طب عن ابن عمر ) وقد علم من اصطلاحه أن هذا يشير إلى رواية الطبراني له في: المعجم الكبير . فقول الهيثمي: رواه الطبراني أي في: الكبير . وقد صرح بذلك السيوطي في: فض الوعاء . والجارود هذا ترجمه الذهبي في الميزان 1 / 385 وقال: السراج مات سنة 230هـ. وذكر من بلاياه ثم قال: وله عن عمر بن ذر عن مجاهد عن ابن عمر رفعه ( إن الله حيي كريم إذا رفع أحدكم يديه . . . الحديث ) انتهى .
وفي حاشية الصفحة المذكورة في تعليقة لمحقق الميزان: الأستاذ البجاوي يشير فيها إلى أن في نسخة من الميزان أن سنة وفاته سنة 253هـ.
وهذا ما يوافق ما ذكره الحافظ ابن حجر في اللسان 2 / 90 . ثم إن الحافظ في اللسان ساق الحديث المذكور مثل سياق الذهبي له سواء .
ومدار الحديث على الجارود قال فيه ابن أبي حاتم في: الجرح والتعديل 1 / 1 / 525: وقال سمعت أبي يقول: هو منكر الحديث, لا يكتب حديثه كذاب . انتهى .
وقال فيه البخاري في الكبير 1 / 2 / 237: منكر الحديث, كان أبو أسامة يرميه, يروي عن بهز بن حكيم, وعمر بن ذر . انتهى .
وعليه: فإن هذا الحديث ذكرته من باب الجمع والإحاطة للكشف عن حاله حتى لا يتكثر به من لم يقف على علته والله أعلم .
تنبيه: صدر هذا الحديث قد جاء من حديث سلمان رضي الله عنه رواه أبو داود برقم 1488 والترمذي برقم 3551 وابن ماجه برقم 3865 بأسانيدهم عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً ) انتهى لفظ أبي داود
الحديث الثالث:
حديث الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك فيما رواه الطبراني في كتاب الدعاء قال: حدثنا أبو مسلم الكجى, قال حدثنا القعنبى, حدثنا عيسى بن يونس, حدثنا إبراهيم بن يزيد, حدثنا الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا دعا أحدكم فرفع يديه فإن الله تعالى جاعل في يديه بركة ورحمة فلا يردهما حتى يمسح بهما وجهه ) انتهى . بواسطة كتاب: فض الوعاء للسيوطي, ثم قال السيوطي بعده: ( قال شيخ الإسلام –  أي الحافظ ابن حجر – في أماليه: الوليد في طبقة من سمع من الصحابة رضي الله عنهم, لكن لم أر له رواية عن صحابي, فيكون هذا الإسناد معضلاً, وإبراهيم الراوي عنه هو الخوزي, فيه مقال ) انتهى .
وعليه فهذا الحديث بهذا الإسناد فيه علتان:
الأولى: حال إبراهيم بن يزيد الخوزي قال فيه الحافظ الذهبي في الكاشف 1 / 97 ( مكي واهٍ ) انتهى . مات سنة 151هـ .
الثانية: أن الوليد قد أعضله والمعضل ما سقط من إسناده اثنان فأكثر .
ثم رأيت المتقي في كنز العمال 2 / 84 / 3254 ذكره بلفظ نحوه عن الوليد وعزاه لابن نصر . وقد نظرت في كتب محمد بن نصر المروزي وهي: قيام الليل وقيام رمضان, والوتر فلم أره فيها. وقد علم من مقدمة السيوطي في الجامع الكبير المسطرة في مقدمة: كنز العمال 1 / 21 أنه ينقل عن ابن نصر في كتاب: الإبانة. وهو عبد الله بن سعيد بن نصر السجزي, لكن كتابه هذا في التوحيد فالله أعلم .
الحديث الرابع:
وهو حديث عمر رضي الله عنه فقد أخرجه الترمذي في سننه 4 / 227 في: باب ما جاء في رفع الأيدي في الدعاء . وأخرجه الحاكم في: كتاب الدعاء من مستدركه 1 / 536 . وخرجه جماعات منهم: ابن قدامة في: النصيحة ص / 26, والزيلعي في: نصب الراية 3 / 52, والبغوي في: شرح السنة 5 / 204 ذاكراً له بصيغة التمريض, والتبريزي في: المشكاة 1 / 690 . والحافظ ابن حجر في: البلوغ 4 / 218 مع سبل السلام للصنعاني, والشوكاني في: التحفة ص / 24, والمتقى في: كنز العمال 2 / 614 رقم 4888, والفتنى في الموضوعات ص 56, وصديق في: نزل الأبرار ص 36 . والعراقي في المغنى على الإحياء 1 / 305 . والسيوطي في: فض الوعاء . والنابلسي في: ذخائر المواريث 3 / 59 . وابن الأثير في جامع الأصول 4 / 149 / 2110 . وجميعهم لم يعزوه لغير الترمذي سوى المتقى في: كنز العمال والعراقي في: المغنى فقد عزياه له وللحاكم .
تنبيه: خرج السيوطي هذا الحديث في: الجامع الصغير 5 / 138 مع شرحه فيض القدير. وعزاه للترمذي والحاكم من حديث ابن عمر .
وهذا وهم من السيوطي تبعه عليه المناوى في فيض القدير ولم يتنبه له: النبهاني في: الفتح الكبير 2 / 356, وتابعهم عليه الألباني في: السلسة الصحيحة 2 / 146 .
وصوابه: عن سالم عن أبيه عبد الله عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعا .
وهذا سياقه عند الترمذي بإسناده قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى وإبراهيم بن يعقوب وغير واحد قالوا: أخبرنا حماد بن عيسى الجهني عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي, عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه ) .
قال محمد بن المثنى في حديثه: لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه. هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث: حماد بن عيسى وقد تفرد به وهو قليل الحديث, وقد حدث عنه الناس وحنظلة بن أبي سفيان الجمحي: ثقة, وثقه يحيى بن سعيد القطان ) انتهى
هذا نصه في: السنن 4 / 227 من الطبعة الهندية بحاشية تحفة الأحوذي, ولم يتعقبه المباركفوري. وفي 5 / 464 من طبعة السنن المفردة عام 1385هـ. بمصر ما نصه: ( قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى وقد تفرد به . . . الخ كلامه المتقدم . وهذا ما نقله المناوى في: فيض القدير 5 / 138 فقال: وقال: أعني الترمذي. صحيح غريب ) انتهى .
وسيأتي بعد بقية الكلام في هذا إن شاء الله تعالى . وأما سياقه عند الحاكم فقال: أخبرني أبو الحسن محمد بن الحسن حدثنا عبد الله بن ناجية حدثنا نصر بن علي ومحمد بن موسى الحرشي قالا حدثنا حماد بن عيسى, حدثنا حنظلة بن أبي سفيان, قال: سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن عمر رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه ) انتهى .
وسكت عنه كما سكت عنه الذهبي في تلخيصه له .
تنبيه: قوله: قال سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن أبيه عن عبد الله بن عمر. لفظة ( عن ) الثانية, هكذا هي مثبتة في نسخة المستدرك المطبوعة, وصوابها: يحدث عن أبيه عبد الله بن عمر . . . ونسخة المستدرك كثيرة الأخطاء كما قد صار اختبارها في عدة مواضع .  
التعريف برجالهما:
1 / 2- شيخا الترمذي: محمد بن المثنى, هو العنزى ثقة ثبت خرج له الستة, وإبراهيم بن يعقوب هو: الجورقاني , نزيل دمشق, ثقة حافظ رمي بالنصب من الحادية عشرة مات سنة 259هـ. خرج له أبو داود والترمذي والنسائي كما في التقريب .
3- شيخ الحاكم: أبو الحسن محمد بن الحسن هو: النيسابوري السراج المقرئ, قال الحاكم: قل من رأيت أكثر اجتهاداً وعبادة منه  .
4- عبد الله بن محمد بن ناجية هو: البربري الأصل البغدادي أبو محمد أحد الأثبات المصنفين, سمع أبا بكر بن أبي شيبة وطبقته  انتهى  .
5- نصر بن علي هو: الجهضمي, حفيد نصر بن علي بن صهبان قال عنه في التقريب: ثبت طلب للقضاء فامتنع من العاشرة مات سنة 250هـ  أو بعدها  انتهى . ورمز بكونه من رجال الستة .   
6- محمد بن موسى الحرشى: قال الحافظ في التقريب: لين من العاشرة مات سنة 248هـ انتهى . ورمز بكونه من رجال الترمذي والنسائي . قال الآجري: سألت أبو داود عنه: فوهاه وضعفه . وقال أبو حاتم: شيخ . وقال النسائي: صالح . وذكره ابن حبان في الثقات انتهى . وقال فيه الذهبي في: الميزان: من شيوخ الأئمة صدوق, وقال أبو داود: ضعيف انتهى . وقال في: المغنى: صدوق مشهور, وقال أبو داود: ضعيف انتهى . وقال في: الكاشف: صويلح وهَّاه أبو داود وقواه غيره توفي سنة 248هـ انتهى . وهو هنا في إسناد الحاكم: مقرون بنصر بن علي الجهضمي: الثبت كما تقدم .
7- حماد بن عيسى الجهني: بحمادٍ هذا يلتقي الإسنادان صريحاً عند الحاكم والترمذي . وهو من رجال الترمذي وابن ماجه قال فيه الحافظ في التقريب: ضعيف من التاسعة غرق بالجحفة سنة 208هـ انتهى . وفي التهذيب ذكر من شيوخه حنظلة بن أبي سفيان ومن تلاميذه الجورقاني (الجوزجاني) ولم يذكر في ترجمته أحداً قوى أمره . وكذا من قبله الذهبي في: الميزان وقال: ( عن جعفر بن جريج الطامات . . . . ضعفه أبو داود وأبو حاتم والدارقطني ولم يتركه غرق سنة 208هـ انتهى . وفي الكاشف سكت عليه . وفي المغنى قال: ضعفوه انتهى . وقال ابن أبي حاتم في: الجرح والتعديل 1 / 2 / 145: وهو ضعيف الحديث انتهى . وذكره ابن حبان في: المجروحين 1 / 249 فقال: شيخ يروي عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أشياء مقلوبة تتخايل إلى من هذا الشأن أنها معلولة, لا يجوز الاحتجاج به انتهى . وقول الحافظ في التقريب في الراوي: ضعيف . هو من المرتبة الثامنة عنده وهي من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر ووجد فيه إطلاق الضعف ولو لم يفسر وإليه الإشارة بلفظ ضعيف انتهى .
وقد علم من النقول المتقدمة عن ابن حبان والذهبي في الميزان أن ضعف حمادٍ هذا من قبل عدالته فضعفه إذاً مفسر فهذا إذاً متدارك على الحافظ في تقريبه والله أعلم .
8- حنظلة بن أبي سفيان الجمحي: هو المكي ثقة حجة من رجال الكتب الستة توفي سنة 151هـ رحمه الله تعالى كما في التقريب . وفي أصله التهذيب ذكر من شيوخه سالم بن عبد الله بن عمر ومن تلامذته حماد بن عيسى الجهني .
9- سالم بن عبد الله بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه القرشي العدوي, أبو عمر, أو أبو عبد الله المدني, أحد الفقهاء السبعة, وكان ثبتاً عابداً فاضلاً كان يُشبَّه بأبيه في الهدي والسمت مات سنة 106هـ على الصحيح قاله الحافظ في التقريب .
10 / 11- عبد الله رضي الله عنه المتوفي سنة 73هـ عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه المتوفي شهيداً سنة 23هـ . وسالم وأبوه وجده مخرج حديثهم في الكتب الستة . وهذا الإسناد من رواية صحابي عن صحابي . ومن رواية الأبناء عن الآباء . وأن هذا الحديث من الفرد المطلق لتفرد حماد به عن حنظلة وحنظلة عن سالم وسالم عن أبيه عبد الله, وعبد الله عن أبيه عمر رضي الله عنه . وأنه عن حمادٍ اشتهر فرواه عنه جماعة من الثقات وهم: ابن المثنى والجورقاني, والجهضمي . فصار إذاً: مدار الحديث على حماد بن عيسى الجهني وتقدمت كلمة النقاد في تضعيفه وتفسير ابن حبان والذهبي له من أنه ضعف عدالة ومن كان كذلك فلا يكون حديثه من القسم المقبول الذي يتقوى بالشواهد والمتابعات, ومع ذلك فلم أجد له بعد طول البحث متابعاً والله أعلم .
ذكر كلام بعض الحفاظ على هذا الحديث:
1- تقدم قول الترمذي فيه: حديث غريب . وفي نسخة: صحيح غريب وقد تعقب جماعة منهم نسبة تصحيح الترمذي لهذا الحديث قال الساعاتي في: الفتح الرباني 3 / 315: ( وذكر الشيخ عبد الحق هذا الحديث في كتاب الأحكام وقال: قال الترمذي: وهو حديث صحيح . وغلط في قوله إن الترمذي قال: هو حديث صحيح, وإنما قال: غريب ) انتهى .
وقال صديق في: نزل الأبرار ص / 36: ( قال النووي في إسناد كل واحد: ضعيف – أي حديثي عمر وابن عباس – وقول الحافظ عبد الحق: إن الترمذي قال في الحديث الأول – يعني حديث عمر رضي الله عنه – إنه صحيح فليس في النسخ المعتمدة من الترمذي أنه صحيح بل قال: حديث غريب – قال صديق - : ولكن الغريب من أنواع الصحيح انتهى . وفي تعليق الغماري على النصيحة قال: قال الترمذي: غريب يعني بذلك ضعفه. انتهى .
فظهر أن الذي ينبغي اعتماده من حكم الترمذي على هذا الحديث هو قوله: غريب فقط . وأن قول: صحيح غريب, متعقب كما تقدم, لكن في النسخة المصرية المذكورة سابقاً أنه قال: صحيح غريب, وهذا لا يلتفت إليه لأن هذه الطبعة كثيرة التحريف والتصحيف لا يسوغ الاعتماد عليها حاشا الجزئين الأول, والثاني اللذين حققهما الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى . وأرجو من الله تعالى أن يهيئ لهذا الكتاب من يتمه على هذا المنوال والله المستعان
وأما قول صديق رحمه الله في: نزل الأبرار: إن الغريب من قسم الصحيح انتهى . فهو غريب ليس على إطلاقه إذ الغريب من قسم الآحاد والآحاد فيها المقبول والمردود, والاستدلال بها متوقف على البحث عن أحوال رواتها كما هو معروف في فن المصطلح من النخبة للحافظ ابن حجر وغيرها . والترمذي حكم بغرابة هذا الحديث مريداً ضعفه كما يفيده كلامه المتقدم على حال: حماد بن عيسى, واصطلاحه في تعريف الغريب لا يخالف اصطلاح العلماء في ذلك بل يوافقه, كما في كلامه على: الغريب في آخر كتاب العلل من سننه 5 / 758.
وبهذا يظهر فضل قول الغماري على غيره من أنه أراد بقوله: غريب, ضعفه .
2- قول الحافظ ابن حجر في البلوغ: وله شواهد عند أبي داود من حديث ابن عباس وغيره ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن انتهى .
وكلمة الحافظ على جلالته لا تثبت أمام النقد: فإنه أولاً أراد أنه حديث حسن لغيره لا لذاته وذلك من قوله: ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن . والحسن لغيره: هو حديث المستور إذا تعددت طرقه, ومدار هذا الحديث على حماد بن عيسى الجهني: وهو ضعيف من المرتبة الثامنة عند الحافظ وهي: مرتبة من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر ووجد فيه إطلاق الضعف ولو لم يفسر, ومرتبة الضعيف أحط من مرتبة المستور . وقد تقدم أن حماداً ضعَّفَه الحافظ وفسر ضعفه ابن حبان, والذهبي من أنه ضعف عدالة لا حفظ, وليس له متابع كما تقدم وكما يفهم من كلام الحافظ: وله شواهد . . . الخ, إذ لو كان له متابع لذكره وهو إمام هذا الفن ومن أرباب الإستقراء, وأما الشواهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وغيره فهي في انحطاط كثير عن هذا الحديث ويأتي بيان حال كل منها إن شاء الله تعالى .
3- قول النووي رحمه الله تعالى في إسناده: ضعيف كما ذكره صديق عنه في: نزل الأبرار ص / 36 .
4- قول أبي زرعة فيه: حديث منكر أخاف أن لا يكون له أصل انتهى . بواسطة السلسلة الصحيحة 2 / 146 .
5- وفيها قال الألباني: في هذا الحديث متهم بالوضع فلا يصلح شاهداً للزيادة أي زيادة المسح انتهى .
6- وقال فيه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 1 / 305: ضعيف ) انتهى .
الحديث الخامس:
وهو الثاني عن عمر رضي الله عنه مرفوعاً ذكره المتقى في كنز العمال 2 / 614 رقم 4889 فقال: ( عن عمر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت  يدعو بباطن كفيه, فلما فرغ مسح بهما وجهه . عبد الغني بن سعيد في: إيضاح الإشكال ) انتهى .
وعبد الغني هو: الإمام الحافظ صاحب التصانيف المشهورة عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري المتوفي سنة 209هـ. وكتابه هذا لم يذكره مشاهير المترجمين له منهم: الذهبي في التذكرة, وابن خلكان في: وفيات الأعيان 2 / 305, وابن تغري بردى في: النجوم الزاهرة, والكتاني في: الرسالة المستطرفة . وقد تطلبت هذا الكتاب فلم أجده لكن وجدت مختصره للسيوطي مخطوطاً مصوراً لدى الشيخ العلامة حماد بن محمد الأنصاري نزيل المدينة النبوية وأستاذ الحديث بجامعتها الإسلامية فأتحفني بنسخة منه شكر الله سعيه وهي في خمس عشرة ورقة . وموضوعها في المشكل من نسبة الأسماء والكنى مرتبة على حروف المعجم وبقرائتها لم أر هذا الحديث في المختصر . وهذه واحدة من آفات المختصرات ثم تطلبته في مظانه من كتب السنة فلم أحس له بأثر ولا أثارة, ولهذا لم يتيسر لي الكشف عن إسناده فالله أعلم بحاله . وهذا الحديث من غير زيادة المسح في قوله ( فلما فرغ مسح بهما وجهه ) رواه الترمذي 2 / 443 والنسائي 3 / 128, والحاكم 2 / , وصححه الذهبي جميعهم من حديث آبى اللحم رضي الله عنه وهو أول مترجم له في الإصابة, وليس في الصحابة من يشاركه في هذا الاسم, وليس له سوى هذا الحديث كما أفاده الترمذي إذ قال بعده: ( لا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد ) انتهى .
ولفظه عنده: ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يستسقي وهو مقنع بكفيه يدعو ) انتهى . ولم أر من مخرجيه من ذكره من حديث عمـر رضي الله عنه فالله أعلم . وقد أخرجه مرسلاً أبو داود 1 / 692 رقم 1172 من حديث محمد بن إبراهيم التيمي قال أخبرني من رأى صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه ) انتهى . والتيمي مرة يرسله هو ومرة عن عمير مولى آبى اللحم مرسلاً أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم . الحديث كما في المسند 5 / 223 وسنن أبي داود 1 / 692 رقم 1168 . والله أعلم .
الحديث السادس:
حديث يزيد بن سعيد بن ثمامة رضي الله عنه . أخرجه أحمد في مسنده 4 / 221, وأبو داود في سننه 1 / 554 في أبواب الوتر من كتاب الصلاة, كلاهما قالا: ( حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن السائب بن يزيد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه ) .
إسنادهما ولفظهما سواء, وسكت عليه أبو داود, وبعد سياقه عند أحمد ما نصه : ( وقد خالفوا قتيبة في إسناد هذا الحديث, وأبي حسب قتيبة وهم فيه, يقولون عن خلاد بن السائب عن أبيه ) انتهى .
قال الساعاتي في بلوغ الأماني حاشية الفتح الرباني 14 / 271 في بيان معنى ما نقله عبد الله عن أبيه أحمد رحمه الله تعالى: ( ومعناه أن عبد الله بن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول: قد خالف المحدثون قتيبة في إسناد هذا الحديث, أبي يظن أن وهم أي غلط فيه لأنهم يقولون: عن خلاد بن السائب عن أبيه, وقد روى هذا الحديث أبو داود في سننه بسنده ولفظه كما هنا ولم يتعقبه بشيء وكذلك المنذري ) انتهى .
لكن في مختصر المنذري للسنن 2 / 144 بيان حكم هذا الحديث صناعة فقال: في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف ) انتهى . وفي: ذخائر المواريث 3 / 130 لم يعزه لغير أبي داود, وهو عنده برقم 6559 في مسند يزيد بن سعيد الكندي رضي الله عنه .
وخرجه السيوطي في الجامع الصغير 5 / 133 ولم يذكر له مخرجا سوى أبي داود, ورمز لحسنه, قال المناوي: ( ورمز لحسنه ) انتهى . ولم يتعقبه بشيء . وخرجه أيضا في: فض الوعاء . وخرجه الزيلعي في: نصب الراية 3 / 51 ثم قال: وهو معلول بابن لهيعة ) انتهى . وخرجه ابن الأثير في جامع الأصول 4 / 151 / 2114 وفي المشكاة 1 / 691 رقم 2255 عزاه في الفصل الثالث من كتاب الدعوات إلى: الدعوات الكبير للبيهقي .
التعريف برجاله:
1- شيخهما هو: قتيبة بن سعيد بن جميل الثقفي من ثقات الأئمة وأثباتهم روى له أصحاب الكتب الستة وتوفي سنة 240هـ. رحمه الله تعالى. ومن شيوخه ابن لهيعة, ومن الآخذين عنه: الجماعة سوى ابن ماجه, وروى له ابن ماجه بواسطة أحمد بن حنبل كما في التهذيب لابن حجر .
2- ابن لهيعة: هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري قاضي الديار المصرية وعالمها ومحدثها الإمام الكبير, كما وصفه بذلك الذهبي في التذكرة 1 / 237, وفي التقريب قال ابن حجر: صدوق من السابعة, خلط بعد احتراق كتبه, ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما, وله في مسلم بعض الشيء مقرون مات سنة 174هـ .
وفي طبقات المدلسين ذكره في المرتبة الخامسة منهم فقال: . . . اختلط في آخر عمره, وكثرت عنه المناكير في روايته, وقال ابن حبان: كان صالحاً ولكنه كان يدلس عن الضعفاء. انتهى . وقال في مقدمته لها: المرتبة الخامسة: من ضعف بأمر آخر سوى التدليس فحديثهم مردود ولو صرحوا بالسماع إلا أنه يوثق من كان ضعفه يسيرا كابن لهيعة ) انتهى .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين 2 / 388: ذكر أنه يحتج من حديث ابن لهيعة بما رواه عنه العبادلة كابن وهب وابن المبارك وابن يزيد المقرئ, وذكر كلام بعض أئمة الجرح والتعديل فيه . والظاهر من كلامهم فيه أن ضعفه من قبل حفظه, وهو مدلس, وقد عنعن في هذا الحديث عندهما, ولم أر له متابعا والله أعلم .
3- حفص ابن هشام بن عتبة بن أبي وقاص, قال الحافظ في التقريب: مجهول من الرابعة انتهى ورمز بكونه من رجال أبي داود فقط .
وقال الذهبي في: الميزان: له عن السائب بن يزيد, وعنه ابن لهيعة وحده, لا يدري من هو؟ انتهى . ولم اعثر له على ترجمة في جل مشاهير الرجال .
4- السائب بن يزيد رضي الله عنه هو: الكندي قال في التقريب: صحابي صغير يعرف بابن أخت النمر, آخر من مات بالمدينة من الصحابة من رجال الستة . انتهى
5- وأبوه هو: يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود الكندي قال في التقريب: صحابي مشهور شهد الفتح واستقضاه عمر . انتهى. ورمز بكونه من رجال أبي داود والترمذي والبخاري في الأدب المفرد. ومما تقدم يعرف أن في هذا الإسناد علتان: الأولى منهما: ضعف ابن لهيعة من قبل حفظه وعنعنته وهو مدلس من المرتبة الخامسة ولم أظفر له بمتابع .  والثانية: جهالة حال حفص بن هشام, وتقدم قول الذهبي وعنه: ابن لهيعة وحده, وتقدم أيضا أن من ترجمه لم يذكر عن حاله شيئا فحفص إذاً من رتبة المجاهيل على ما في اصطلاح الحافظ في مقدمة التقريب, والمجهول لا يصلح أن يكون حديثه شاهدا لهذا فإن قول الساعاتي في حاشية الفتح الرباني 14 / 272 وله شاهد عند الترمذي من حديث عمر, وذكره: لا يصح . ومنه يظهر فضل ما قاله الألباني على قولهما من أن حديث السائب هذا لا يصح أن يكون شاهداً لحديث عمر رضي الله عنه لإعلاله بما ذكر كما في السلسة الصحيحة 2 / 146 .
الحديث السابع:
مرسل الزهري رحمه الله تعالى: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2 / 247 رقم 3234, وابن الأثير في جامع الأصول 4 / 147 / 2106, والسيوطي في: فض الوعاء, فقال: ( عن معمر عن الزهري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند صدره في الدعاء ثم يمسح بهما وجهه ) قال عبد الرزاق: ( وربما رأيت معمراً يفعله وأنا أفعله ) انتهى .
وأخرجه أيضا في باب القنوت من مصنفه 3 / 123 رقم 5003 فقال: ( عن عمر عن الزهري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه بحذاء صدره إذا دعا ثم يمسح بهما وجهه, قال عبد الرزاق: ورأيت معمراً يفعله, قلنا لعبد الرزاق: أترفع يديك إذا دعوت في الوتر قال: نعم في آخره قليلا ) انتهى .
وخرجه المتقى في: الكنز 2 / 622 رقم 4918 ولم يعزه لغير عبد الرزاق, وكذا السيوطي في: فض الوعاء . وقد تحرر في فن الاصطلاح أن المرسل عند الجماهير ليس بحجة وفي خصوص مراسيل الزهري فإن أئمة النقد لا يرتضونها حتى قال القطان: مرسل الزهري شرٌ من غيره والله أعلم .
    
     
*  *  *

الفصل الثاني
في المأثور عن السلف في ذلك
لم يحصل الوقوف على ما يؤثر عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم من مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء سوى أثر واحد محتمل المعنى رواه عبد الرزاق في مصنفه وترجم له بقوله: باب مسح الرجل وجهه بيده إذا دعا . عن ابن جريج وقد عنعنه وهو: مدلس عن يحيى بن سعيد أن ابن عمر كان يبسط يديه مع العاصى, وذكروا أن من مضى كانوا يدعون ثم يَردُّون أيديهم على وجوههم ليردوا الدعاء والبركة . قال عبد الرزاق: رأيت أنا معمراً يدعو بيديه عند صدره ثم يرد يديه فيمسح وجهه ) انتهى . فقوله: وذكروا أن من مضى . . . الخ محتمل الإشارة إلى من مضى في عصر الصحابة ومن بعدهم أو لمن بعدهم والله أعلم.  وأما عن غيرهم من التابعين فمن بعدهم فقد تم الوقوف على رواية الفعل عن سبعة وهم على ترتيب وفياتهم مع ذكر الآثار عنهم في ذلك على ما يلي:
1- الحسن البصري المتوفي سنة 110هـ رحمه الله تعالى .
2- أبو كعب البصري: عبد ربه بن عبيد, صاحب الحرير. قال فيه ابن حجر في التقريب: ثقة, يروي عن ابن سيرين وطبقته وخرج له الترمذي .
والأثر عن الحسن وأبي كعب رواه المروزي في: كتاب الوتر ص / 236 فقال: ( وعن المعتمر: رأيت أبا كعب صاحب الحرير, يدعو رافعاً يديه فإذا فرغ من دعائه يمسح بهما وجهه, فقلت له: من رأيت يفعل هذا فقال: الحسن ) انتهى .
3- معمر بن راشد الأزدي المتوفي سنة 153هـ رحمه الله تعالى .
4- عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفي 211هـ رحمه الله تعالى .
والأثر عن معمر وعبد الرزاق تقدم في سياق مرسل الزهري والله أعلم .
5- ابن راهويه: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه المتوفي سنة 238هـ .
قال المروزي في كتاب الوتر ص / 236 بعد سياق حديث ابن عباس المذكور: ( ورأيت إسحاق يستحسن العمل بهذه الأحاديث ) انتهى .
6- إمام مذهب الحنابلة: أحمد بن محمد بن حنبل المتوفي سنة 241هـ. رحمه الله تعالى وذلك في الرواية الثانية عنه . ذكرها ابن قدامة في المغني 1 / 786, والمرداوي في: الإنصاف 2 / 173, والمجد بن تيمية في المحرر 1 / 89 .
7- الجويني: أبو محمد والد إمام الحرمين: عبد الله بن يوسف المتوفي سنة 438هـ. رحمه الله تعالى. وذلك فيما ذكره البيهقي في رسالته المشهورة التي كتبها إلى الشيخ أبي محمد الجويني, أنكر عليه فيها أشياء ومن جملتها مسحه وجهه بعد القنوت . وقد ساقها بنصها السبكي في ترجمة الجويني من الطبقات 5 / 77 – 90 ومبحث المسح في صفحتي 83, 84 فقال البيهقي فيها : ( فقلت في نفسي: قد ترك الشيخ حرس الله مهجته القوم فيما أحدثوا من المساهلة في رواية الأحاديث وأحسبه سلك هذه الطريقة فيما حُكي لي عنه, من مسحه وجهه بيديه في قنوت صلاة الصبح, وأحسن الظن برواية من روى مسح الوجه باليدين بعد الدعاء مع ما أخبرنا: أبو عبد الله الحافظ, قال: أبو بكر الخراجي, قال: حدثنا سارية حدثنا عبد الكريم السكري, قال: حدثنا وهب بن زَمْعة, أخبرني علي الناسائي [ هكذا ] قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه, فلم يجب, قال علي, ولم أره يفعل ذلك, قال علي: وكان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر, وكان يرفع يديه في القنوت .
وأخبرني أبو علي الرُّودْبَاري: حدثنا أبو بكر بن راسة قال: قال أبو داود السجستاني: روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية, وهذا الطريق أمثلها, وهو ضعيف أيضاً . يريد به حديث عبد الله بن يعقوب, عمَّن حدثه, عن محمد بن كعب القرظى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها, فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم. ورُوي ذلك من أوجه أخر, كلها أضعف من رواية من رواها عن ابن عباس . وكان أحمد بن حنبل ينكرها, وحكي عنه أنه قال: في الصلاة: لا ولا بأس به في غير الصلاة . قال الفقيه: وهذا لما في استعماله في الصلاة من إدخال عمل عليها لم يثبت به أثر, وقد يدعو في آخر تشهده, ثم لا يرفع يديه ولا يمسحها بوجهه, إذ لم يرد بهما أثر, فكذا في دعاء القنوت, يرفع يديه لورود الأثر, ولا يمسح بهما وجهه إذ لم يثبت فيه أثر وبالله التوفيق ) انتهى.  وذكر البيهقي في السنن الكبرى 2 / 212: أن مسح الوجه باليدين بعد الدعاء يروى عن بعض السلف في الدعاء خارج الصلاة . ولم أظفر من الرواية بشيء عن السلف سوى ما تقدم .
8- ابن عبد الهادي في كتاب: آداب الدعاء  قال: ( ويمسح بيديه بعد رفعهما وجهه لما روى عمر بن الخطاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه . وقال محمد بن المثنى في حديثه: لم يردهما. رواه الترمذي وقال: حديث غريب. واختلف كلام الإمام أحمد هل يمسح وجهه بيديه بعد الفراغ في دعاء القنوت على روايتين عنه رحمه الله تعالى ورضي عنه ) انتهى .
9- وفي خصوص خارج الصلاة فإن الإمام النووي المتوفي سنة 676هـ رحمه الله تعالى قد جزم في كتابه: التحقيق بأنه مندوب خارج الصلاة على خلاف ما قـرره في المجمـوع والله أعلم .
تنبيه: في الأدب المفرد للبخاري 2 / 68 بسنده عن أبي نعيم وهو وهب قال: ( رأيت ابن عمر وابن الزبير يدعوان يديران بالراحتين على الوجه ) وترجم له بقوله: باب رفع الأيدي في الدعاء . وهذه الترجمة تدل على أن المراد بهذا الأثر رفع الأيدي للدعاء لا المسح ولهذا قال شارحه: ( حيث تكون راحتاه مقنعتين لوجهه ) . ذكرت ذلك للتنبيه على أن المراد به الرفع لا المسح والله أعلم .
      

*  *  *

الفصل الثالث
في ذكر من صرح من السلف بعدم مشروعية المسح
كما أني لم أر عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم في مشروعيته شيئاً يؤثر فكذلك لم أر عن أحد منهم رضي الله عنهم القول في عدم مشروعيته, وبالتتبع في كلام من بعدهم تم الوقوف على تصريح بعض السلف بالقول بعدم مشروعيته وهم على ترتيب وفياتهم كما يلي :
1- الإمام مالك بن أنس الأصبحي المتوفي سنة 179هـ رحمه الله تعالى . قال المروزي في كتاب الوتر ص / 236 : ( وسئل مالك رحمه الله تعالى عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء فأنكر ذلك وقال: ما علمت ) انتهى .
2- الإمام عبد الله بن المبارك المتوفي سنة 181هـ رحمه الله تعالى . وذلك فيما رواه البيهقي 2 / 212 بإسناده إلى علي الباشاني قال: سألت عبد الله يعني ابن المبارك: عن الذي إذا دعا مسح وجهه قال: لم أجد له ثبتا, قال علي: ولم أره يفعل ذلك, قال: وكان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه ) انتهى . وتقدم نحوه في رسالته إلى الجويني .
3- الإمام أحمد بن حنبل المتوفي سنة 248هـ رحمه الله تعالى . قال المروزي في كتاب الوتر ص / 236: ( وأما أحمد بن حنبل فحدثني أبو داود قال: سمعت أحمد وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ في الوتر فقال: لم أسمع فيه بشيء, ورأيت أحمد لا يفعله ) انتهى . وسيأتي تحرير مذهبه إن شاء الله تعالى .
4- البيهقي صاحب السنن الكبرى المتوفي سنة 458هـ وفيها 2 / 212 قال: ( فأما مسح الوجه باليدين عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت, وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارجها, وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعف, وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة . وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت, ولا قياس, فالأولى أن لا يفعله, ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحها بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق ) انتهى. وتقدم أيضا كلامه مطولاً في رسالته إلى الجويني في الفصل الثاني .
5- العز بن عبد السلام المتوفي سنة 660هـ رحمه الله تعالى . وذلك فيما نقله عنه المناوي في: فيض القدير 1 / 369 أنه قال: ( لا يمسح وجهه إلا جاهل ) وقد نقله من قبل الزركشي في كتابه: الأزهية في الأدعية فقال: بعد ذكر بعض الأحاديث في هذا المبحث . ( وأما قول العز في فتاويه الموصلية: مسح الوجه باليد بدعة في الدعاء لا يفعله إلا جاهل, فمحمول على أنه لم يطلع على هذه الأحاديث وهي وإن كانت أسانيدها لينة لكنها تقوى باجتماع طرقها ) انتهى . من نسخته الخطية ص / 35 من مخطوطات مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري نزيل المدينة النبوية, وبإرشاده إلى ذلك نقلت . انتهى  
6- النووي المتوفي سنة 676هـ رحمه الله تعالى . أنه لا يندب المسح بعد الدعاء خارج الصلاة كما في: المجموع . وذكره ابن علان في شرح الأذكار 2 / 311 .
7- شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفي سنة 728هـ رحمه الله تعالى . كما في الفتاوى 22 / 519 في جواب سؤال قال فيه: ( وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة . وأما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة والله أعلم ) انتهى . فلازم هذا أنه لا يرى المسح .
8 / 9- ابن عرفة محمد بن محمد المتوفي سنة 803هـ رحمه الله تعالى . نقل عنه القول بأنه بدعة ابن مرزوق في كتابه: (( النصح الخالص في الرد على مدعي رتبة الكامل الناقص )) .
حيث أشار إلى ذلك في أبيات قال فيها قال بعضهم:
والمر باليد على  الوجه كره *** إثر  الدعاء  والفواتح  انتبه
وعن   إمامنا   بن   عرفه *** بدعته   فلا   تكن    مخالفه
وقال  قومٌ  قد  يوُرِّث العمى *** ولم يقل بالمسح من تقدما
انتهى من: إزاحة الغطاء للشيخ حماد الأنصاري أجزل الله مثوبته .
10- الفيروز آبادي المتوفي سنة 817هـ قال في خاتمة: سفر السعادة: ( وباب مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ما صح فيه حديث ) انتهى . فلازم هذا أنه لا يرى المسح والله أعلم .
الفصل الرابع
في ذكر مذاهب الأئمة في المسح
قبل البحث في خلاف علماء المذاهب المشهورة في ذلك ينبغي ذكر محل الخلاف ومواطنه وبيان كل منهما على ما يلي:
محل الخلاف:
ليعلم أن محل الخلاف في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء إنما هو إذا رفع الداعي يديه للدعاء هل يشرع له المسح بعد الفراغ منه أم لا .
أما إذا دعا الداعي غير رافع ليديه فإنه لا يمسح وليس محل خلاف إذاً والله أعلم .
وفي عون المعبود 1 / 554 في شرح حديث السائب عن أبيه ما نصه : ( قال الطِّيبى: دل على أنه إذا لم يرفع يديه للدعاء لم يمسح وهو قيدٌ حسن لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو كثيراً كما في الصلوات والطواف وغيرهما من الدعوات المأثورة: دبر الصلوات وعند النوم, وبعد الأكل, وأمثال ذلـك, ولـم يرفع يديـه ولـم يمسح بهمـا وجهه, قاله علي القارى ) انتهى .
مواطن الخلاف:
يجري بحثها في الكتب المذهبية وفي الخلافيات عند البحث في دعاء القنوت في صلاة الصبح, أو الوتر . وفي أبواب الدعاء من الكتب الجوامع . وإلى طرف من أقوالهم فيها:
مذهب الحنفية:
لم أر للحنفية في هذا شيئاً يذكر لا نفياً ولا إثباتاً فالله أعلم .
مذهب مالك رحمه الله تعالى:
وأما مالك فتقدم قوله قريباً في فاتحة الفصل الثالث .
مذهب الشافعية:
فصل علماء الشافعية رحمهم الله تعالى القول في المسح داخل الصلاة أو خارجها على ما يلي: أما داخل الصلاة فاختلفوا في رفع اليدين للقنوت ومسح الوجه بهما على ثلاثة أوجه . فصلها النووي في كتبه: الروضة 1 / 255, والأذكار 2 / 310, والمجموع . والبيهقي في السنن 2 / 212, والدمشقي في: كفاية الأخيار 1 / 71 . والساعاتي في الفتح الرباني 3 / 315 . والمتحصل من كلامهم فيها أن لعلماء الشافعية في ذلك ثلاثة أوجه:
الأول: يستحبان, أي الرفع والمسح .
الثاني: لا يستحبان .
الثالث: يستحب الرفع دون المسح . وهذا هو المشهور في المذهب وصححه محققوا المذهب منهم البيهقي, والرافعي وآخرون وصححه الساعاتي . وبه قال الدمشقي في كتابه المذكور وأنه السنة والله أعلم .
وأما مسح الوجه بهما بعد الدعاء خارج الصلاة فقد صرح النووي في المجموع أنه غير مندوب, وجزم في: التحقيق أنه مندوب كما حكاه ابن علان في شرح الأذكار 2 / 311. وظاهر كلام البيهقي في صدر الفصل الثالث أنه لم يثبت مرفوعاً ولكنه مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة والله أعلم .
مذهب الإمام أحمد:
أصحابنا الحنابلة هم أوفى أهل المذاهب بحثاً لهذه المسألة لما أثر عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى من روايات فيها في حكم المسح داخل الصلاة وحكمه خارجها . وحكم إيقاعه على القول بعدم المسح داخل الصلاة . وهذه مباحثها محررة:
أما المسح داخل الصلاة: فتقدم قول المروزي: ( حدثني أبو داود قال سمعت أحمد بن حنبل, وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ في الوتر فقال: لم أسمع فيه بشيء, ورأيت أحمد لا يفعله ) انتهى .
فهذا نص من الإمام أحمد رحمه الله تعالى من أنه لا يرى المسح في ذلك وإسناده غاية في الصحة كما ترى .
وذكر صاحب المغني 1 / 786 بأن هذه هي إحدى الروايتين عنه ثم قال: ( ولأنه دعا في الصلاة فلم يستحب مسح وجهه فيها كسائر دعائها ) انتهى .
وقال المرداوي في: الإنصاف 2 / 173 على هذه الرواية: ( قال القاضي: نقلها الجماعة واختارها الآجري ) انتهى .
وفي: الفروع 1 / 414 قال: ( ونقل ابن هانئ أنه: رفع يديه ولم يمسح ) انتهى .
وأشار إلى أن هذه الرواية هي مذهب الشافعي وقال: لضعف خبر ابن عباس السابق في الدعاء بعد الصلاة وذكر حديثي عمر ويزيد وعللهما بما تقدم .
فأحمد رحمه الله تعالى في هذه الرواية لا يرى المسح لقوله: لم أسمع فيه بشيء, وقد رفع يديه في القنوت, فترك المسح .
الرواية الثانية عنه: في المسح داخل الصلاة .
وهي استحباب المسح حكاها صاحب المغني رواية ثانية عن الإمام أحمد قال: ( للخبر الذي رويناه . وذكر حديثي عمر ويزيد ثم قال: ولأنه دعاء يرفع يديه فيه فيمسح بهما وجهه كما لو كان خارجاً عن الصلاة, وفارق سائر الدعاء فإنه لا يرفع يديه فيه ) انتهى .
وعلى هذه الرواية قال المرداوي في: الإنصاف 2 / 173: وهي المذهب فعله الإمام أحمد ثم ذكر من قوى هذه الرواية وقدمها على غيرها من الأصحاب ) انتهى .
وقال في: الفروع, ويمسح وجهه بيديه فعله أحمد, اختاره صاحب المغني والمحرر .
وتوجيه ابن قدامة في المغني – لها تقدم, وقال المجد ابن تيمية في: المحرر 1 / 89 ( ويسن مسح وجهه بيديه, وعنه لا يسن ) انتهى .
ومما تقدم نرى أن رواية ترك المسح في المذهب: سندها قوله أحمد وتركه له . ومستند رواية المسح: فعل أحمد له .
فالترك المطابق لقوله بأنه لم يسمع فيه بشيء ألصق بأن تكون الرواية فيه: هي المذهب من الرواية الثانية والله أعلم .
حكم إيقاع المسح على رواية الترك:
ثم إنه على رواية أن القانت لا يمسح وجهه بيديه عند أحمد اختلفت الرواية عنه أيضا فيما إذا وقع المسح من القانت في الوتر فما حكمه: على روايتين حكاهما صاحب الإنصاف 2 / 173 فقال: ( روى عنه لا بأس . وعنه يكره المسح صححهما في الوسيلة . وأطلقهما في الفروع ) انتهى .
لكن ابن مفلح في تصحيحه للفروع قيد ما أطلقه صاحب الفروع .
حكم المسح خارج الصلاة:
وفيه عن أحمد ثلاث روايات هي:
الأولى: المسح .
الثانية: تركه .
الثالثة: أنه رخص فيه .
قال المرداوي في: الإنصاف 2 / 173: ( فوائد: الأولى: يمسح وجهه بيديه خارج الصلاة إذا دعا عند الإمام أحمد, ذكره الآجري وغيره . ونقل ابن هانئ عن أحمد: رفع يديه ولم يمسح . وذكر أبو حفص: أنه رخص فيه ) انتهى .
ومثله في: الفروع 1 / 414 . وذكر رواية المسح كل من الشويكى في: التوضيح ص / 46 وصاحب المطالب 1 / 559, وفي المنتهى 1 / 99 .
وعليه فالمسح بعد الدعاء خارج الصلاة هو المشهور من مذهبه لكن رواية الترك: من فعله رحمه الله تعالى والله أعلم .

*  *  *
   
الفصل الخامس
في ملاحق البحث
وينعقد في فوائد ثلاث:
الفائدة الأولى: في حكمة المسح عند القائلين به .
قال الصنعاني في: سبل السلام 4 / 218: ( قيل: وكأن المناسبة أنه تعالى لما كان لا يردهما صفراً فكأن الرحمة أصابتها فناسب إضافة ذلك على الوجه الذي هو أشرف الأعضاء وأحقها بالتكريم ) انتهى .
وقال الساعاتي في: الفتح الرباني 14 / 272: ( والحكمة في ذلك: التفاؤل, والتيمن بأن كفيه ملئتا خيرا فأفاض منه على وجهه فيتأكد ذلك للداعي ذكره الحلبي ) انتهى . وفي شرح شرعة الإسلام للشيخ علي زاده ص / 169: ( فيه تيمن وتفاؤل كأنه يشير إلى أن كفيه كانا ملياً من البركات السماوية فهو يفيض منها إلى وجهه الذي هو أولى الأعضاء بالكرامة ) انتهى .
وليعلم أن استظهار الحكمة التشريعية فرع لثبوت الحكم الشرعي قال ابن القيم رحمه الله تعالى في: زاد المعاد 4 / 209: ( إنه ليس في الشريعة حكم إلا وله حكمة وإن لم يعقلها كثير من الناس أو أكثرهم ) انتهى .
الفائدة الثانية: في مسح غير الوجه بعد الدعاء – كالصدر .
لم أر في المسألة شيئاً يؤثر من حديث أو أثر, بل نص جماعة على كراهيته, وحكي الاتفاق على عدم استحبابه, ولم أر من صرح بجوازه فضلاً عن استحبابه سوى عبارة حكاها صاحب الفروع عن الشيخ عبد القادر الجيلاني, ولم يكشف لي عن إسنادها, ولا تصحيح أحد من أهل المذهب لها . وقد استنكرها صاحب الفروع مع أنها ليست صريحة في المسح .
قال صاحب الفروع 1 / 414: ( وقال الشيخ عبد القادر في: الغنية: يمسح بهما وجهه في إحدى الروايتين, والأخرى يضعهما على صدره . كذا قال ) انتهى .
ونقلها صاحب الإنصاف 2 / 173 . إذا علم ذلك فهذه جمل من كلام أهل العلم في هذا: قال النووي في: الروضة: 1 / 255: ( قلت: لا يستحب مسح غير وجهه قطعا بل نص جماعة على كراهته ) انتهى .
وهذا تفريع على أحد الوجوه لدى الشافعية من استحباب مسح الوجه بعد الدعاء .
وفي: كفاية الأخيار 1 / 71: ( ولا يستحب مسح الصدر بلا خلاف بل نص جماعة على كراهته قاله في: الروضة ) انتهى .
وفي: فيض القدير للمناوى 1 / 369: ( وأما الصدر فلا يندب مسحه قطعا بل نص جمع على كراهته . ذكره في الروضة ) انتهى .
وقال الساعاتي في: الفتح الرباني 3 / 316: ( وأما غير الوجه من الصدر وغيره فاتفق أصحابنا على أنه لا يستحب بل قال ابن الصباغ وغيره هو مكروه ) انتهى . والله أعلم .
الفائدة الثالثة: في متفرقات في المسح .
منها تقبيل اليدين بعد رفعهما للدعاء . فالرفع سنة, والتقبيل لا أصل له .
ومنها: مسح العينين بالسبابتين عند قول المؤذن للشهادتين وهذا يُروى فيه حديث موضوع, رواه الديلمي في: مسند الفردوس كما في الفوائد المجموعة للشوكاني وغيره .
ومنها: ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه رواه الحاكم في المناسك من كتاب المستدرك 1 / 455, والبيهقي في السنن 5 / 74 والمحب الطبري في القرى ص / 283, والحافظ في تلخيص الحبير 2 / 245 وقال: وله شاهد من حديث ابن عمر . وقال: المحب: حديث حسن . وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم . ونصه عنده: ( قال: دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته, ثم دخل المسجد فبدء بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء, ثم رمل ثلاثا, ومشى أربعا حتى فرغ, فلما فرغ قبل الحجر ووضع يديه عليه, ومسح بهما وجهه ) انتهى والله أعلم .
    
*  *  *

خلاصة البحث
في فصوله الأربعة
مما تقدم يعلم ما يلي:
1- المسح في السنة النبوية على صاحبها الصلاة والتسليم .
2- المسح عند الصحابة رضي الله عنهم .
3- المسح عند من بعدهم من سلف الأمة رحمهم الله تعالى .
4- المسح في علم الخلافيات الفقهية .
5- محل المسح .
وخلاصة البحث في كل منها على النحو الآتي:
أما المسح في السنة النبوية الشريفة فجموع ما روي سبعة أحاديث وهي من حيث تقسيم السنن إلى قولية وفعلية تنقسم إلى قسمين :
أحاديث مروية من فعله صلى الله عليه وسلم وهي أربعة: حديث ابن عمر عن أبيه عمر رضي الله عنهما, وحديث عمر في الإستسقاء, وحديث يزيد الكندي رضي الله عنه . ومرسل الزهري رحمه الله تعالى . وأن حديث عمر من رواية ابنه عبد الله عنه مدار أسانيده على حماد بن عيسى الجهني وهو ضعيف ضعف عدالة لا حفظ . وأن حديث يزيد فيه علتان عنعنة ابن لهيعة وهو مدلس وهو ضعيف من قبل حفظه ولم يتابع, وجهالة حفص بن هاشم وأن مرسل الزهري من شر المراسيل كما ذكره القطان . وأن حديث عمر في الإستسقاء لم يكشف لنا عن إسناده حتى نعرف حاله . والله أعلم . وأحاديث مروية من قوله صلى الله عليه وسلم وهي ثلاثة: معضل ابن أبي مغيث, وحديث ابن عمر وفيه: الجارود وهو متروك الحديث . فهذان ليسا بحجة ولا في باب المتابعات والشواهد كما يعلم في فن الإصطلاح .
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما ومدار أسانيده مع تعدد مخارجها على صالح بن حسان وهو متروك وعيسى بن ميمون وهو ضعيف عدالة فلا تصح متابعة أحدهما للآخر . ومن الطريف أن جميع رواة الحديث المذكورين لم يترجمه أحد منهم بما يفيد مشروعية المسح سوى المروزي في كتاب صلاة الوتر كما تقدم . ولعل هذا والله أعلم لأن الأحاديث لا تقوى على المشروعية للمسح بعد الرفع للدعاء, وعبد الرزاق ترجم بهـا لأثر معمر رحمه الله تعالى .
والمتلخص أن: الأحاديث القولية هذه لا يقام بمثلها سنة تشريعية, وأن الأحاديث الفعلية قبلها لم يكشف لنا في حديث عمر في: الإستسقاء عن إسناده حتى نعلم ضمه إلى حديث يزيد فيقوي أحدهما الآخر أو يكون طرده على نحو أحاديث المسألة هذه فتعلم البراءة من تشريع المسح قطعا والله أعلم .
المسح عند الصحابة رضي الله عنهم:
وأما المسح في المأثور عنهم فلم نحس له بأثر ولا إثارة ويبعد انتشار سنة بينهم ثم لا يكون نقلها لا سيما وهي من السنن الظاهرة . وهذا يقوي جانب البراءة وعدم المشروعية .
المسح عند من بعدهم:
وأن المسح صرح غير واحد من التابعين فمن بعدهم بعدم مشروعيته أو عدم ثبوت السنة به منهم: مالك, وابن المبارك, وأحمد في إحدى الروايتين عنه, والعز بن عبد السلام, والنووي في أحد قوليه وابن تيمية, وابن عرفة, وابن مرزوق, والفيروز آبادى, وابن عباس بل منهم من صرح بأنه بدعة والله أعلم .
وفي مقابل هؤلاء جاءت رواية الفعل له عن بعض السلف منهم: الحسن وأبو كعب, ومعمر, وعبد الرزاق, وابن راهويه, وأحمد في إحدى الروايتين عنه, والجويـني أبو محمد, والله أعلم . ومعلوم أن هذه هيئة تشريعية الحاكم فيها نص المعصوم صلى الله عليه وسلم وحده والله أعلم .
المسح في علم الخلافيات:
وأن المسح عند المالكية غير مشروع . وكذا عند الشافعية في أصح الوجهين من مذهبهم . والحنابلة في الرواية عن أحمد من قوله وفعله والله أعلم .
محل المسح:
وأنه لا خلاف أن محل المسح على القول بمشروعيته هو الوجه لا غير ولا خلاف أن المسح على القول بمشروعيته إنما يكون بعد رفع اليدين للدعاء أما مسح لا يسبقه رفع للدعاء فليس محل خلاف من أنه لا يشرع .
وأن النصوص الواردة في رفع الأيدي للدعاء كثيرة جداً ولم ترد واقعة المسح في شيء منها سوى ما تقدم وحالها كما علم .
وأن المسح بع الرفع للدعاء في القنوت داخل الصلاة لم يثبت به سنة نبوية ولا فعل صحابي له . وأما خارج الصلاة فثبوته من السنة النبوية محل نظر للوقف في حديث عمر في الإستسقاء, وعن الصحابة رضي الله عنهم لم يحصل الوقوف على ما يؤثر ومن بعدهم بين الفعل, والترك, والنهي . وعليه فلو فعله الداعي أحياناً خارج الصلاة من غير ملازمة لكان له وجه مما تقدم وبه نعلم أن ما قرره الإمام البيهقي رحمه الله تعالى في السنن الكبرى 2 / 212 هو كلام من درى السنن وخبر الأثر وقد تقدم سياقه بنصه في ثنايا الفصل الثالث من هذا الجزء المبارك فليُرْجع إليه فإنه مهم . وانتهى ما أردت تحريره في المدينة النبوية في عام أربع وتسعين بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة النبوية ثم أعدت النظر فيه وتم نسخه صباح الاثنين الموافق لليوم السابع من الشهر الحادي عشر من عام ثلاثة بعد الأربعمائة والألف من الهجرة وذلك في منزلي العامر بحي الخادمية من بلد الطائف المحروس, وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه .    

 

 

 


 
 
    
 

 

جزء في مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء

다운로드

책 소개

저자 :

بكر بن عبد الله أبو زيد

발행자 :

www.islamland.com

범주 :

Jurisprudence