O fatwa

dátum :

Wed, Oct 29 2014
otázka

أحاديث مكذوبة عن الخطاط والخياط

ما صحة الحديثين التالين : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما الخطَّاطون والخيَّاطون يأكلون من أعماق عيونهم ) وقال كذلك صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بحسن الخط ، فإنه من مفاتيح الرزق ) وكذلك ما معنى الحديث الأول ؟ وجزاكم الله عنا كل خير .
odpoveď
odpoveď
الحمد لله أولاً: أما الحديث الأول : فلم نجده في كتب الحديث المعتمدة ، ولم نقف له على سند أو أثر أو معنى قريب منه ، ويبدو أنه من وضع العامة الذين ينسبون كل شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يراعون في ذلك الوعيد الذي جاء لمن كذب عليه صلى الله عليه وسلم . وهو قد يكون صحيح المعنى ، فإن الخَطَّ والخياطةَ حِرفٌ ومهن تعتمد على دقة النظر ، وتحتاج إلى استعمال بالغ للعين ، لذلك كان رزق الخطاط والخياط مستخرجا من عصب عينه التي يعتمد عليها . إلا أن صحة المعنى لا تجيز لأحد أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله ، وقد نسب الوضاعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من الكلام ، وخاصة في أبواب الحرَف والمهن ؛ كي يروجوا لما يصنعون ويفتخروا بما يحسنون ، حتى عقد الإمام ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " ( 2 / 251 ) باباً في الخياطة ، ذكر فيه بعض الأحاديث المكذوبة في هذا الشأن . ثانياً: أما حديث ( عليكم بحسن الخط ؛ فإنه مفاتيح الرزق ) : فهو حديث مكذوب موضوع أيضا ، ليس له أصل في كتب الحديث المسندة ، ذكره الصغاني في " الموضوعات " ( 39 ) ، والفتني في " تذكرة الموضوعات " ( 135 ) ، والعجلوني في " كشف الخفاء " ( 2 / 71 ) ، والشوكاني في " الفوائد المجموعة " ( 147 ) . والركة ظاهرة في أسلوب الحديثين ، لا يبدو عليهما علامات الحكمة أو نور الهداية ، ولا يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما اعتدناه من حديثه . يقول ابن القيم في علامات الحديث الموضوع : أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء ، فضلا عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي يوحى ، كما قال الله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَن الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) أي : وما نطقه إلا وحي يوحى ، فيكون الحديث مما لا يشبه الوحي ، بل لا يشبه كلام الصحابة : كحديث : ( ثلاثة تزيد في البصر : النظر إلى الخضرة والماء الجاري والوجه الحسن ) . " المنار المنيف " ( ص 61 ، 62 ) . ثم ذكر من علاماته أيضا : " ركاكة ألفاظ الحديث ، وسماجتها ، بحيث يمجها السمع ، ويدفعها الطبع ، ويسمج معناها للفطن : كحديث : ( أربع لا تشبع من أربع : أنثى من ذكر ، وأرض من مطر ، وعين من نظر ، وأذن من خبر ) . " المنار المنيف " ( ص 99 ) . ثالثاً: مع ما ذكرناه من بطلان نسبة الحديثين المذكورين إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإننا نجد في كلام أهل العلم والأدب شيئا يدل على استحبابهم تحسين الخط ، واعتبارهم حسن الخط من رفيع الأدب وجميل الخلق والذوق ، وأنقل هنا شيئا من هذا الكلام : يقول الماوردي – رحمه الله - : ولما كان الخط بهذا الحال وجب على من أراد حفظ العلم أن يعبأ بأمرين : أحدهما : تقويم الحروف على أشكالها الموضوعة لها . والثاني : ضبط ما اشتبه منها بالنقط والأشكال المميزة لها . ثم ما زاد على هذين ، من تحسين الخط ، وملاحة نظمه : فإنما هو زيادة حذق بصنعته ، وليس بشرط في صحته . وقد قال علي بن عبيدة : حُسن الخط لسان اليد ، وبهجة الضمير ، وقال أبو العباس المبرِّد : رداءة الخط زمانة الأدب ، وقال عبد الحميد : البيان في اللسان ، والخط في البنان ، وأنشدني بعض أهل العلم لأحد شعراء البصرة : اعذُر أخاك على نذالة خطه واغفر نذالته لجودة ضبطه فإذا أبان عن المعاني لم يكن تحسينه إلا زيادةَ شرطه واعلم بأن الخط ليس يراد من تركيبه إلا تبيُّن سِمطه ومحل ما زاد على الخط المفهوم ، من تصحيح الحروف ، وحسن الصورة : محل ما زاد على الكلام المفهوم من فصاحة الألفاظ ، وصحة الإعراب ، ولذلك قالت العرب : " حُسن الخط أحد الفصاحتين " ، وكما أنه لا يعذر من أراد التقدم في الكلام أن يطرح الفصاحة والإعراب وإن فَهم وأَفهم ، كذلك لا يُعذر مَن أراد التقدم في الخط أن يَطرح تصحيح الحروف ، وتحسين الصورة ، وإن فَهم ، وأَفهم ، وربما تقدم بالخط مَن كان الخطُّ مِن جُلِّ فضائله ، وأشرف خصائله ، حتى صار عالماً مشهوراً ، وسيِّدا مذكوراً ، غير أن العلماء اطَّرحوا صرف الهمة إلى تحسين الخط ؛ لأنه يشغلهم عن العلم ، ويقطعهم عن التوفر عليه ، ولذلك تجد خطوط العلماء في الأغلب رديئة لا يخط إلا من أسعده القضاء ، وقد قال الفضل بن سهل : مِن سعادة المرء : أن يكون رديء الخط ؛ لأن الزمان الذي يفنيه بالكتابة يشغله بالحفظ والنظر ، وليست رداءة الخط هي السعادة ، وإنما السعادة أن لا يكون له صارفٌ عن العلم ، وعادة ذي الخط الحسن أن يتشاغل بتحسين خطه عن العلم ، فمِن هذا الوجه صار برداءة خطِّه سعيداً ، وإن لم تكن رداءة الخط سعادة . " أدب الدنيا والدين " ( ص 47 ، 48 ) . والله أعلم الإسلام سؤال وجواب