هل كان للمسيح روحان وعقلان، إلهية وإنسانية؟

هل كان للمسيح روحان وعقلان، إلهية وإنسانية؟

هل كان للمسيح روحان وعقلان، إلهية وإنسانية؟

الجزء الأول

 

تأليف

أحمد الأمير

 

الفهرس

المقدمة

الجزء الأول

الفصل الأول: هل كان للمسيح روحان وعقلان؟

الفصل الثاني: عقيدة الكنيسة حول طبيعة المسيح وعلاقة الناسوت باللاهوت

الفصل الثالث: عند موت المسيح هل خرجت روحه الإلهية أم الإنسانية؟

الفصل الرابع: المذاهب المختلفة حول هل للمسيح «روح وعقل إلهي فقط» أم «روح وعقل بشري فقط» أم له «روحان وعقلان»؟

الفصل الخامس: نشأة المذاهب حول طبيعة المسيح

الفصل السادس: عقيدة المسيح عليه السلام وتلاميذه

 

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرسل محمداً بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وفضّل صحابته ومنحهم فضلاً كبيراً، فصلي اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه صلاة وسلاماً متتابعاً كثيراً.

أما بعد:

رسالة حب للمسيح عليه السلام:

إن حب المسيح عليه السلام متجذر في قلب كل مسلم ومسيحي، وكل منهم مستعد أن يفديه بحياته وماله، ولو ظهر الان لاتبعه كل المسلمين والمسيحيين الصادقين ولوقفوا جميعا خلفه. وهكذا فنحن جميعا نود اتباع دين المسيح وعقيدته وتعاليمه الشريفة، حتى نكون أتباع حقيقيون وصادقون، أما من يكذب على المسيح فهو من ينسب له دين وعقيدة وتعاليم لم يعلمها ولم يعرفها.

لقد درست عقيدة المسيح وتعاليمه وتاريخ الكنيسة، ووجدت اختلافا جذريا بين عقيدة المسيح وبين العقيدة التي تعلمها الكنيسة الان، هذا الاختلاف في بداية الأمر كان صغيرا ولكنه تطور وأحدث مشكلات عقائدية كبيرة، حاولت الكنيسة حلها باختراع أفكار أخرى، ولكن تلك الأفكار عمقت الاختلاف أكثر وأكثر حتى وصل الأمر أن اضطرت الكنيسة لاختراع فكرة في غاية الغرابة والعجب، وهي فكرة لم تخطر حتى على بال المسيح ولا تلاميذه ولا بولس ولا غيرهم في عصرهم! 

وهذه الفكرة هي أخطر سر لا يعلمه أكثر المسيحيين عن عقيدة الكنائس الحالية وهي: «أن للمسيح روحان، روح إلهية وروح إنسانية، وعقلان، عقل إلهي وإنساني، ومشيئتان، إلهية وإنسانية»!

وسوف نتناول في هذا الكتاب بإذن الله تلك الفكرة بالتفصيل وكيف أصبحت هي العقيدة الرسمية الأساسية التي يقوم عليها إيمان جميع الكنائس الحالية، وكيف أن تلك الفكرة تتضارب بشدة مع عقيدة المسيح وأباء الكنيسة الأولى ومع الكتاب المقدس للمسيحيين ومع كل منطق بشري!

ثم سنرجع في هذا الكتاب لعصر المسيح لنبرز عقيدة المسيح التي صرح بها بنفسه والتي آمن بها تلاميذه وآمن بها كل من اتبعه من قومه، وهي مذكورة بكل وضوح في الكتاب المقدس.

ثم سنبرز الصراع العقائدي الشرس بين تلاميذ المسيح وبين بولس الرسول، وانقسام العالم المسيحي فيما بعد إلى مدرستين: مدرسة المسيح وتلاميذه، ومدرسة بولس وتلاميذه. وكيف أن العالم المسيحي الان يتبع مدرسة بولس وليس مدرسة المسيح، ولقد تطورت تلك المدرسة في العقائد والتعاليم حتى وصلت لإنشاء دين مختلف تماما عن دين المسيح، خصوصا بعد أن تركت الكنائس عقيدتها الأصلية وعقيدة أباء الكنيسة الأوائل واتبعت بضغط سياسي من الامبراطور الوثني، عقيدة شاب مصري في العشرينيات من عمره لم يكن حتى وقتها قسيسا!

المؤلف

الفصل الأول

هل كان للمسيح روحان وعقلان؟

تصور عامة المسيحيين عن المسيح:

إن تصور المسيح في العقيدة المسيحية كان محل صراع طويل بين الكنائس والقساوسة منذ القرن الأول وحتى الان، فلكل تصوراته الخاصة. وينقسم عامة المسيحيين في تصوراتهم حول المسيح إلى: ١- من يعتقد أن المسيح هو ابن الله لأنه ولد بدون أب، وليس الله نفسه، وإنما إنسان مقدس مرتبط بالسماء، ولهذا فهو أيضا إله، لأن ابن الإله يكون إله، وأن الله قد أرسله ليصلب ويموت ليتم تخليص البشرية من الخطيئة الأصلية. ٢- ومنهم من يعتقد أن المسيح هو حقا ابن الله، كما هو الحال مع الآلهة اليونانية القديمة التي كانت تتزاوج ولها أبناء. ٣- ومنهم من يعتقد باعتقاد الكنيسة أن المسيح هو الله نفسه الذي تجسد لنراه.

لمحة سريعة عن عقيدة الثالوث:

تؤمن الكنائس الحالية بأن الله -حاشاه- منذ الأزل له ثلاثة أقانيم أو أشخاص، وهم: ١- أقنوم «الذات» (أي ذات الله)، ٢- أقنوم «الكلمة» أو «العقل» (أي كلمة الله العاقلة، أو عقل الله الناطق)، ٣- أقنوم «الروح» (أي روح الله). 

وتشرح الكنيسة تلك المصطلحات أن الله له «ذات» و«كلمة وعقل» و«روح»، ولكنهم ليسوا مكونات لله، وهذا لا يعني أن أقنوم «الذات» ليس له عقل أو روح، بل له عقل وروح خاصة به، وأقنوم «الكلمة» أو «العقل» له ذات وروح خاصة به، وأقنوم «الروح» له ذات وعقل خاصة به! وهكذا فإن كل منهم هو إله مستقل وهو أيضا الله ذاته -حاشا لله-. 

وتؤمن الكنيسة أنه بعد ميلاد المسيح تغيرت تلك المصطلحات والأسماء إلى: ١- أقنوم «الآب»، ٢- أقنوم «الابن»، ٣- أقنوم «الروح القدس». فقبل ولادة المسيح لم يكن الآب أبا ولا الابن ابنا.

سبب تجسد المسيح:

تؤمن الكنيسة أن الله «أقنوم الذات» قد أراد أن يكفر عن ذنب أدم عندما أكل ثمرة من شجرة في الجنة، ولكي يغفر الله هذا الذنب فيجب أن تسيل الدماء ويصلب أحد! ولأن هذا الذنب قد توارثته البشرية جميعا من أبيها أدم، فقد أصبح ذنبا «غير محدود» أي لا يقتصر على شخص واحد! 

وهكذا فيجب أن يصلب شخص «غير محدود» (يعني إله وليس بشر) حتى يستطيع أن يفدي البشرية كلها. وهكذا يجب أن يكون المصلوب هو الله نفسه -حاشاه-، ولهذا قام الله «أقنوم الذات» بإنزال الله «أقنوم الكلمة أو العقل» لكي يتجسد في صورة بشرية ويصلب ويموت على الصليب.

حلول «الله الكلمة» في بطن العذراء، وتجسده في المسيح:

تؤمن الكنيسة أن «أقنوم الكلمة» نزل وحل في بطن العذراء وأخذ من رحمها بعض الدم لكي يتشكل له جسد بشري، ليظهر لنا في صورة بشرية ويتم الصلب والكفارة عن الخطيئة الأصلية. 

ولكن ظهرت مشكلة خطيرة، وهي أنه وفق الكتاب المقدس فالمسيح كان إنسانا تعتريه صفات البشر من ضعف وجهل، وفي النهاية صلب ومات، وقبل أن يموت صرخ بأعلى صوته: «إلهي، إلهي، لماذا تخليت عني؟» فكيف يكون هو الله؟ فالله لا يموت ولا يجهل ولا يحتاج لمساعدة!

فقامت الكنيسة بابتداع عقيدة أخرى وهي أن أقنوم الكلمة عندما حل في بطن العذراء واتخذ دما من رحمها ليتشكل له جسد، قد اتخذ لنفسه أيضا روحا بشرية لها عقل ونفس ومشيئة مستقلة بها.

ولكن إذا تسائلنا: ألا يعني هذا وجود شخصان مختلفان داخل المسيح، الأول إله والثاني إنسان؟ نجد الكنيسة ترفض هذا وتقول أنه شخص واحد له روحان وعقلان ومشيئتان وقدرتان!

ولكن من هذا الاعتقاد ظهرت عدة مشاكل عقدية لا يمكن حلها، وقبل أن نوردها سوف نعرض بعض التعريفات التي ستساعدنا بإذن الله تعالى على فهم الموضوع كاملا:

١- تعريف الحلول:

هو دخول روح ما ليس لها جسد، داخل جسد شخص أخر (له روح وجسد خاص به)، دون أن تتحد أو تمتزج بروحه أو بجسده الخاص به، ودون أن تمتلكهما، وإنما تسيطر فقط عليهما. 

مثال ذلك عندما حلت أرواح شريرة (شياطين) على رجلين، فطردهما المسيح منهما وحلوا في الخنازير. إنجيل متى الإصحاح ٨ العدد ٢٨: « 28 ثُمَّ وَصَلَ يَسُوعُ ... فَجَاءَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ بَيْنِ القُبُورِ مَسكُونَانِ بِأروَاحٍ شِرِّيرَةٍ ... 29 فَصَرَخَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ: «مَاذَا تُرِيدُ مِنَّا يَا ابْنَ اللهِ؟ ... 32 فَقَالَ يَسُوعُ: «اذْهَبُوا.» فَخَرَجَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنَ الرَّجُلَينِ، وَدَخَلَتْ فِي الخَنَازِيرِ. حِينَئِذٍ اندَفَعَ كُلُّ القَطِيعِ مِنْ أعْلَى حَافَّةِ الجَبَلِ إلَى البُحَيرَةِ، وَغَرِقَتِ الخَنَازِيرُ فِي المَاءِ. »

ومثال آخر هو حلول الروح القدس، أعمال الرسل الإصحاح ٢ العدد ٣: « 3 ظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ، وَتَوَزَّعَتْ وَحَلَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، 4 فَامْتَلأُوا جَمِيعاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. »

وهكذا تؤمن الكنيسة أن «الله الكلمة» قد حل في جسد العذراء، وأخذ من رحمها بعض الدم ليكون لنفسه جسدا بشريا. ولكنه لم يتحد أو يمتزج أو يتجسد بجسد أو بروح العذراء، لأنه إذا اتحد أو امتزج بها لأصبحت هي الأقنوم الرابع لله، «الأم» -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا-.

٢- تعريف التجسد: 

هو أن روح ما ليس لها جسد وغير مرئية، قد تشكل لها جسد خاص بها، كي تستطيع أعيننا أن تراها، وهكذا فهي تملك هذا الجسد. فمثلا لو تجسدت روح شريرة بجسد خروف، فهذا لا يعني أنها حلت في خروف له جسد وروح خاص به، بل يعني أن الروح الشريرة قد تشكل لها جسد خروف، فيكون الروح روحها والجسد الذي على صورة خروف هو جسدها (أي خاص بها).

رسالة كورنثوس الثانية الإصحاح ١١ العدد ١٤: « 14 وَلا عَجَبَ! فَالشَّيْطَانُ نَفْسُهُ يُظْهِرُ نَفْسَهُ بِمَظْهَرِ مَلاكِ نُورٍ.» (أي هو يظهر في هيئة ملاك بجسد من نور، ولم يحل في ملاك موجود بالفعل).

سفر الرؤيا الإصحاح ٢٠ العدد ٢: « 2 قَيَّدَ بِها التِّنِّينَ، أَيِ الْحَيَّةَ الْقَدِيمَةَ، وَهُوَ إِبْلِيسُ أَوِ الشَّيْطَانُ، وَسَجَنَهُ مُدَّةَ أَلْفِ سَنَةٍ.»

٣- تعريف الاتحاد والامتزاج:

هو اتحاد وامتزاج شيئان مستقلان ومنفصلان، بحيث ذابا في بعضهما البعض، وأصبح من المستحيل الفصل بينهما. مثل ذوبان نقطة الخل في الماء، أو اتحاد وامتزاج شركتان، أصبحتا شركة واحدة أكبر!

٤- تعريف الاتحاد والمصاحبة:

هو اتحاد شيئان مستقلان ومنفصلان، فأصبحا متصاحبان كشيئين متحدين ولكن مستقلين في ذات كلا منهما، فاتحادهما هو دون امتزاج أو اختلاط أو ذوبان بينهما، أو تغيير في أي منهما. مثل اتحاد شركتان لتكوين كيان أكبر ولكن مع الحفاظ على استقلال كل شركة عن الأخرى.

علاقة «أقنوم الكلمة» بالمسيح في ضوء التعريفات السابقة:

١- الحلول: ترفض الكنيسة فكرة أن «أقنوم الكلمة» قد حل في رجل قائم بنفسه اسمه عيسى أو المسيح، لأن المسيح لم يكن له وجود، بل هو نفسه المسيح! وعلى هذا فالعلاقة لم تكن حلولا!

٢- التجسد: ترفض الكنيسة فكرة التجسد، وهي أن روح الله «أقنوم الكلمة» اتخذت لنفسها جسدا بشريا ليس له روح لكي تظهر فيه، فالكنيسة تؤمن أن للمسيح روحان، روح إلهية وروح إنسانية داخل جسده البشري. وعليه فالعلاقة بينهما لم تكن تجسدا!

٣- الاتحاد والامتزاج: ترفض الكنيسة فكرة أن الروح الإنسانية للمسيح قد اتحدت وامتزجت مع الروح الإلهية «لأقنوم الكلمة» وذابت فيها، بحيث أصبحتا روحا واحدة، وأن مشيئة الروح الإنسانية قد ذابت في مشيئة الروح الإلهية وأصبحتا مشيئة واحدة. وإنما تؤمن الكنيسة بأن للمسيح روحان غير ممتزجتين، ومشيئتان مستقلتان، وعقلان مستقلان، داخل جسده البشري الواحد. وعليه فالعلاقة لم تكن اتحادا وامتزاجا!

٤- الاتحاد والمصاحبة: ترفض الكنيسة فكرة أن المسيح كان شخصان مستقلان اتحدا وتصاحبا داخل جسده البشري الموجود من قبل، الأول هو شخص «الله الكلمة» والآخر هو شخص «عيسى الإنسان»، لأن هذا معناه حلول، وهو يهدم عقيدة الصلب والفداء لأن هكذا يكون الذي صلب هو الإنسان المحدود وليس الله الغير محدود -حاشاه-. وعليه فالعلاقة لم تكن اتحادا ومصاحبة!

الفصل الثاني

عقيدة الكنيسة حول طبيعة المسيح وعلاقة الناسوت باللاهوت

إذا لم تكن علاقة اللاهوت بالناسوت لا حلول ولا تجسد ولا امتزاج ولا ومصاحبة، فماذا كانت؟

عقيدة الكنيسة حول طبيعة المسيح المولود من العذراء:

«هو أقنوم (الله الكلمة) المتحد بجسد وروح بشرية، فهو حل في رحم العذراء واتخذ من رحمها دما ليخلق لنفسه جسدا يظهر لنا به وليصلب ويموت به، ولكنه خلق لنفسه أيضا روحا إنسانية، وهكذا اتحدت الروح الإلهية بالروح الإنسانية والجسد الإنساني، فأصبح المسيح له طبيعتان، طبيعة إلهية كاملة، وطبيعة إنسانية كاملة، دون امتزاج أو اختلاط (بل ظل كل مستقل بذاته دون امتزاج بينهما)، ودون تغيير (فلم تغير الطبيعة الإلهية من الطبيعة الإنسانية في أي شيء، ولا العكس)، ودون انفصال (فالإله لم ينفصل عن الإنسان ولا طرفة عين منذ خلق هذا الإنسان وحتى بعد أن صلب ومات. فظل متحدا به على الصليب، وظل متحدا بالروح التي خرجت من الجسد، وظل متحدا أيضا بهذا الجسد الذي خرجت منه الروح). وعليه فهو إله كامل وإنسان كامل في نفس الوقت، وهو ليس شخصان وإنما هو شخص واحد له روحان وطبيعتان وعقلان ومعرفتان وقدرتان ومشيئتان، إحداهما إلهية والأخرى بشرية!»

وهكذا فإن الذي كانت له صفات الضعف الإنساني من أكل وموت وعدم معرفة هو «المسيح الإنسان»، أما الذي كان يحدث المعجزات فهو «المسيح الله»!

وتعطي الكنيسة مثال على اتحاد الطبيعتان، الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية في شخص المسيح، مثال اتحاد الحديد والنار، فالحديد عند تسخينه بالنار، تتحد النار بالحديد دون أن تتحول النار لحديد ولا الحديد يتحول لنار. والضرب على الحديد لا تتأثر به النار ولا يصل لها، وهكذا كان الصلب والموت يصل للإنسان ولا يصل للإله رغم اتحادهما.

قال القديس أثناسيوس الرسولي[1]: «لقد جاء كلمة الله في شخصه الخاص.»

قال القديس كيرلس الكبير[2]: «إن الله الكلمة لم يتخذ شخصًا من البشر بل هو نفسه اتخذ طبيعة بشرية كاملة جسدًا محييًا بروح عاقل، وجعل هذا الناسوت (أي الإنسان أو الطبيعة الإنسانية) خاصًا به جدًا، أي جعله في اتحاد طبيعي مع لاهوته.»

وقال أيضا القديس كيرلس الكبير: «فهو (المسيح) يعتبر واحد مكون من اثنين، فهو ابن واحد، قد اجتمعت إليه واتحدت فيه، في شخصه الواحد بطريقة لا تُوصف ولا تُفحص، الطبيعتان الإلهية والبشرية، لتكوّنا وحدة واحدة بطريقة لا يمكن تصوُّرها. فلهذا السبب أيضًا يعتبر هو الوسيط بين الله والناس، لأنه قد جمع ووحَّد داخل نفسه الشيئين اللذين كانا متباعدين جدًا إحداهما عن الآخر، واللذين كان يفصل بينهما هوة عظيمة، أعني اللاهوت والناسوت، فقد أظهرهما مجتمعين ومتحدين في نفسه، وبذلك ربطنا بواسطة نفسه مع الله أبيه.»

وقال أيضا القديس كيرلس الكبير: «إن اللوغوس بذاته لا يمكن أن يدعى المسيح؛ وأيضًا لا ينبغي أن ندعو السيد المسيح حامل الإله، متخذًا الناسوت كأداة، ولكن ينبغي أن يُدعى «الله بالحقيقة صار إنسانًا».»

الرد على تلك العقيدة:

تلك العقيدة هي كلام غير معقول ولا يقبله أي منطق، للأسباب الآتية:

١- الاتحاد إما أن يكون امتزاجا، أو مصاحبة:

هذه العقيدة تقول بالاتحاد بين الطبيعتين وتنكره في ذات الوقت، لأن الاتحاد يعني أنه إما أن يكون حدث: ١- اتحاد وامتزاج بين الطبيعتين: وهكذا أصبح للمسيح إما طبيعة إلهية فقط أو طبيعة إنسانية فقط، ٢- أو اتحاد ومصاحبة: وهذا يعني أن هناك شخصان يعيشان داخل جسد المسيح، الأول إله والثاني إنسان، وهذا يهدم عقيدة الصلب والخلاص،لأن هذا يعني أن الذي صلب ومات هو عيسى الإنسان، فالإله لا يموت، وهذا يعني أن الفداء لم يتحقق ولا يوجد سبب لمجيء المسيح!

٢- وظيفة الروح هي إعطاء الحياة للجسد:

ووفق المسيحية فإن الله هو روح، إذن إذا تجسد الله -حاشاه- فهو لا يحتاج لروح إنسانية لإعطاء الحياة للجسد الذي تجسد به! وهكذا كيف يمكن الادعاء أن للمسيح روحان، روح الله وروح إنسان؟

٣- وظيفة العقل هي حرية الفكر والمشيئة والاختيار: 

وبما أن «الله الكلمة» وفق عقيدة الكنيسة هو «كلمة الله العاقلة» أو «عقل الله الناطق»، إذن فالعقل داخل جسد المسيح هو «عقل الإله» وليس عقل إنسان، لأنه لا يحتاج لعقل إنساني. 

أما ادعاء الكنيسة أن وجود مشيئتان للمسيح لا يعني التضارب بينهما، لأن المشيئة الإنسانية خضعت للمشيئة الإلهية، وتستشهد بقول المسيح المذكور في:

إنجيل متى الإصحاح ٢٦ العدد ٣٩: « 39 وَابْتَعَدَ يَسُوعُ عَنْهُمْ قَلِيلًا، وَسَجَدَ وَوَجْهُهُ إلَى الأرْضِ وَبَدَأ يُصَلِّي: «يَا أبِي، إنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَلتَتَجَاوَزْنِي هَذِهِ الكَأسُ. لَكِنْ لَيْسَ كَمَاَ أُريدُ أنَا، بَلْ كَمَا تُرِيدُ أنْتَ.». »

ففي الواقع هذا يدل على أن مشيئة المسيح كانت واحدة، وهي إنسانية فقط، فلو كان بداخله، مشيئتان، مشيئة «الله أقنوم الكلمة»، ومشيئة إنسانية، لما سجد وقال «يا أبي .. كما تريد أنت»، فهو تحدث لأقنوم «الله الآب» رغم أن داخله أقنوم «الله الكلمة»!! وهذا يدل أن المشيئة كانت في السماء ولم تكن على الأرض.

أما قوله المذكور في إنجيل يوحنا الإصحاح ٥ العدد ٣٠: « 30 وَأَنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئاً مِنْ تِلْقَاءِ ذَاتِي، بَلْ أَحْكُمُ حَسْبَمَا أَسْمَعُ، وَحُكْمِي عَادِلٌ، لأَنِّي لَا أَسْعَى لِتَحْقِيقِ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَةِ الَّذِي أَرْسَلَنِي»

فهو هنا أيضا يقول إرادة الذي أرسلني، أي إرادة أقنوم «الله الآب» وليس إرادة أقنوم «الله الكلمة»!

فضلا عن أن مسألة وجود مشيئتان داخل نفس الشخص، لا تعد عن كونها كلام فلسفي لا أصل له وتلاعب بالألفاظ وجمع بين الأضداد، لأنه وعلى فرض أن المشيئة الإنسانية خضعت للمشيئة الإلهية، فما هو سبب وجودها طالما أنه لا دور لها على الإطلاق؟

٤- مثال الحديد والنار قياس فاسد:

هذا المثال لا يعدو عن كلام فلسفي وتلاعب بالألفاظ، ولا يليق أن يكون داخل كتب دينية أو يؤخذ به كدليل، فالنار لا تتحد مع الحديد، والحمى لا تتحد مع العقل حين تصيبه بالسخونة، والمرض لا يتحد مع الجسد، ونستطيع ضرب مئات الأمثلة المشابهة.

فهناك فرق كبير بين أن نقول أن الطبيعتان اتحدتا وأصبحتا شخصا واحدا، وأن نقول أن النار حلت في الحديد وأثرت عليه فسخنته دون أن يصبحا شخصا واحدا، أو تصبح النار حديدا أو تتمثل النار في هيئة حديد! فالكنيسة تقول أن المسيح هو «الإله الكلمة المتجسد»، أو «الله الإنسان» مما يعني اتحاد أبدي لا فصل فيه، بحيث أصبحتا الطبيعتان شخصا واحدا! 

أما بالنسبة أن الصلب والموت لم يصل للإله وإنما للإنسان، فيرد على هذا أن هذا هو أكبر دليل أن الأمر كله مسرحية يحاولون إقناعنا بها. فمثلا إن احتاج شخص يدعى مرقس لإجراء عملية جراحية، فقام بالاتحاد بشخص أخر يدعى لوقا وقال له أن يدخل غرفة العمليات بدلا منه لإجراء العملية، ولكن مرقس سيكون متحدا بلوقا وقت العملية بأنه سوف يكون ممسكا بيده، وهكذا يكون متحدان بمسك الأيدي، ولكن العملية كلها سوف تجري على لوقا ولكن سنقول أن الذي أجريت له العملية هو مرقس!

فعقيدة الصلب والفداء كما أوضحنا قائمة على أن الذي سيصلب يجب أن يكون شخص غير محدود، أي الله نفسه -حاشاه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا-، ولكن الكنيسة تقول أن الذي صلب هو الإنسان ولم يصل الطرق على الحديد للنار أو لم يصل الصلب والقتل للإله!!

٥- عبارة أن له طبيعتان، طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية، هو خلط بين الألفاظ:

فمعنى كلمة طبيعة، لا يخرج عن تلك المعاني:

١) الصفة: مثل أن تقول أن رجلا ما له «طبيعة شريرة وطبيعة خيرة»، فأحيانا يكون شريرا وأحيانا يكون رجل خير، ولكنه هو نفس الشخص. ولو كان للمسيح طبيعتان أو صفتان، فهذا يعني أنه شخص واحد، ولكن أحيانا يكون «إله» وليس إنسان، وأحيانا يكون «إنسان» وليس إله! وهذا أمر ترفضه الكنيسة! فهي تؤمن أنه إله كامل وإنسان كامل طوال الوقت!

٢) الشخص: وهذا معناه أن بداخل المسيح «شخصان»: الأول «إله»، والثاني «إنسان»، وهذا يتناقض مع ما تؤمن به الكنيسة أن المسيح هو شخص واحد!

٣) الجوهر: وهذا يعني أن بداخل المسيح جوهران، جوهر إلهي وجوهر إنساني. ولكن هكذا قد صنعت الكنيسة إله جديد بأيديها، لأن الجوهر معناه «الذات»، مثل جوهر الشيء هو «حقيقته وذاته وأصله ومادته، والمكونات الثابتة له». فكيف يمكن دمج أو اتحاد الجوهر الإلهي بالجوهر الإنساني؟ كيف يمكن اتحاد ودمج إله بالتراب الذي هو الجوهر الذي خلق منه الإنسان؟!

٦- أقوال كيرلس الكبير وأثناسيوس الرسولي هي فلسفات بلا أساس ديني:

لقد عاش كلا منهما في القرن الرابع والخامس الميلادي، وهم من مدرسة الإسكندرية التي كانت أكثر ميلاً إلى الفلسفة الأفلاطونية وإلى التفسير التأويلي الرمزي للحقائق، فالأمر الذي كان يشدّ اهتمام اساتذة الإسكندرية في المسيح كان لاهوته أكثر من ناسوته.

أما أقوالهم تلك فهي بلا أساس ديني مستمد من الكتاب المقدس أو تعاليم المسيح أو تعاليم تلاميذ المسيح، أو حتى تعاليم بولس الرسول! ولهذا فهي لا تعدو عن كونها فلسفات لا يمكن أن تقوم عليها عقيدة دينية.

وأقوالهم تلك قد خالفت تعاليم من كان قبلهم وأعلم منهم من أباء الكنيسة الأوائل، وخالفت معاصريهم من أباء الكنيسة المنتمون لمدارس أخرى مثل مدرسة إنطاكية وغيرها التي اهتمت بالحقائق الملموسة والمرئية واعتمدت على التفسير الحرفي وليس الرمزي للكتاب المقدس، ولجأت للمعلومات التاريخية والتحليل العقلي وأقوال من سبقهم من أباء الكنيسة الأوائل.

 

 

الفصل الثالث

عند موت المسيح هل خرجت روحه الإلهية أم الإنسانية؟

السبب في الادعاء بأن للمسيح روحان:

هو أن المسيح (وفق العقيدة المسيحية) قد صلب ومات وخرجت روحه من جسده. وعليه فكيف يموت الإله؟ فالإله لا يموت، والإقرار بموته يبطل ألوهيته ومن ثم يبطل عقيدة الخطيئة والكفارة.

كما أن موت المسيح يعني أن جسده الميت أصبح بلا قيمة لأنه بلا روح، ولكن كيف يكون جسد الإله بلا قيمة؟ فبما أن «الله الكلمة» قد اتخذ لنفسه جسدا بشريا، فهكذا أصبح هذا الجسد جسدا إلهيا، لأن الإله قد تجسد فيه، وبما أن روح المسيح سوف تعود مرة ثانية لذلك الجسد عند القيامة من القبر، فهو بالتأكيد جسد مقدس ولا يمكن أن تكون قد فارقته الروح ولا لطرفة عين!

فتم ابتداع فكرة لم تخطر على بال أحد قبلا، وهي أن في جسد المسيح يوجد روحان، روح إلهية وروح إنسانية، اتحدتا بالجسد الإنساني ولم ينفصلا ولا طرفة عين، ولا حتى على الصليب ولا عند الموت ولا حتى بعد الموت! 

هل خرجت الروح الإلهية أيضا من الجسد الميت للمسيح؟ 

١- إن القول بأن الروح الإلهية ظلت متحدة بالروح الإنسانية عندما خرجت من جسد المسيح، يثير تساؤل هام وهو: كيف يمكن لروحين أن يصبحا متحدان بعد خروجهما من جسد المسيح؟ تخيل معي أنك ترى روحين متحدين! أليس هذا معناه وجود شخصان مختلفان أم شخص واحد؟ يعني إذا تحدثت الروح الإلهية للمسيح عن جسد المسيح فستقول «هذا جسدي»، أما إذا تحدثت عن الروح الإنسانية للمسيح، فهل يعقل أن تقول «هذه روحي»؟! أو «هذه روحي الإنسانية»؟! هل يعقل أن يكون لله -حاشاه- روح أخرى هي روح إنسانية؟!

٢- إن القول بأن الروح الإلهية ظلت متحدة بالجسد الإنساني الميت بعد خروج الروح الإنسانية منه، لا يمكن قبوله وهو من عجائب الدنيا السبعة، لأننا نتحدث عن جسد ميت، أي بلا روح، فكيف يدعي أحد بعد ذلك أن الجسد كانت به الروح الإلهية ولكنه كان ميتا في نفس الوقت؟

فضلا عن أن عبارة اتحاد الروح الإلهية بالروح والجسد الإنساني يفيد معنى الحلول وليس التجسد.

من الذي مات على الصليب؟

لو قلنا الإنسان هو الذي مات، فهذا يلغي عقيدة الصلب والفداء، التي تتطلب أن يكون المصلوب الذي سيفدي الناس هو الله نفسه -حاشاه-! ولو قلنا الله -حاشاه-، فإن الله لا يموت. 

ولو قلنا الاثنان معا قد ماتا على الصليب وأنه قد خرجت الروحان معا من الجسد، فهذا يعني أن الجسد كان ميتا وخاليا منهما (وهذا ترفضه الكنيسة)، فضلا عن أننا ذكرنا أن الله لا يموت!

وهكذا تجدون أن الأمر في غاية التعقيد ومن ظن أنه يفهمه فهو قد أساء فهمه!

ولتوضيح الأمر وكيف أن الأمر كله هو عبارة عن تلاعب بالألفاظ وأن غلو الكنيسة في شأن المسيح هو الذي أوقعها في كل تلك التخبطات، فسوف نعيد المثال الذي ذكرناه سابقا حول الحلول:

إنجيل متى الإصحاح ٨ العدد ٣٢: « 32 فَقَالَ يَسُوعُ: «اذْهَبُوا.» فَخَرَجَتِ الأرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنَ الرَّجُلَينِ، وَدَخَلَتْ فِي الخَنَازِيرِ. حِينَئِذٍ اندَفَعَ كُلُّ القَطِيعِ مِنْ أعْلَى حَافَّةِ الجَبَلِ إلَى البُحَيرَةِ، وَغَرِقَتِ الخَنَازِيرُ فِي المَاءِ. »

عندما غرقت تلك الخنازير وماتت، فأي روح خرجت منها؟ هل روح الخنازير أم روح الشياطين أم كلاهما؟

بالطبع خرج كلاهما، روح الخنازير وروح الشياطين، ولكن روح الخنازير خرجت كخروج موت ومفارقة لأجساد الخنازير، أم روح الشياطين فقد خرجت كخروج من حالة حلول في أجساد الخنازير وسيطرة على أرواح وأجساد الخنازير. إذن التي غرقت هو الخنازير وليس الشياطين.

ولم تكن الشياطين متجسدة بالخنازير، وإنما كانت في حالة حلول فيها، لأن الخنازير كانت لها أجساد وأرواح خاصة بها، أما إذا تجسدت الشياطين في هيئة خنازير، فهذا يعني أنها صنعت لأنفسها أجساد خنازير بلا روح، ولم تحل وتدخل في خنازير موجودة بالفعل!

بالنسبة لصلب المسيح، فهذا واضح كضوء الشمس أن الذي مات كان الإنسان، وأن الإله لم يكن داخله، لأن الإله لا يموت ولا يتحد بمخلوقاته أبدا. أما ادعاء الكنيسة أن الإله كان داخل المسيح، فهذا معناه أن وجوده كان حلولا وليس تجسدا، وهذا يهدم عقيدة الصلب والفداء! وعلما أننا نحن المسلمون ننفي سواء الحلول أو التجسد، -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا-.

 

 

الفصل الرابع

المذاهب المختلفة حول هل للمسيح «روح وعقل إلهي فقط» أم «روح وعقل بشري فقط» أم له «روحان وعقلان»؟

٢- مذهب أن له روح إلهية وعقل إلهي فقط:

آمن العديد من القساوسة وعلى رأسهم أبوليناريوس [3] أسقف اللاذقية، أن المسيح لم يكن له روح بشرية أو عقل بشري، لأن «الله الكلمة» كان هو نفسه روح إلهية وعقل الله، فلا يحتاج لروح إنسانية لإعطائه الحياة، ولا لعقل إنساني ليعطيه حرية المشيئة

وهكذا ألغى أبوليناريوس وجود الروح الإنساني العاقل في المسيح، حتى لا يكون في المسيح شخصان، شخص إله وشخص إنسان. وقال أنه كما أن الإنسان مكوّن من جسد ونفس وروح عاقل، كذلك فإن «الله الكلمة المتجسد» يكون مكونًا من جسد ونفس وروح عاقل، هو «أقنوم الكلمة»، أي لاهوته.

١- مذهب أن له روح إنسانية وعقل إنساني فقط (مذهب الحلول والمصاحبة):

ذهبت طائفة أخرى من القساوسة أن للمسيح روح واحدة وهي «الإنسانية»، فالعذراء لم تلد إلها، بل إنساناً فقط حل فيه روح «الله الكلمة» أثناء العماد وفارقه عند الصليب قبل الموت، وحلول روح «الله الكلمة» فيه كان بمعنى «المصاحبة والحلول» وليس التجسد. وعلى رأس هؤلاء A statue of a person with a long beard

Description automatically generatedالقساوسة ثيودور الموبسويستي[4] أسقف مفسوسطيا، وبولس السمساطي[5] أسقف أنطاكية، ونسطور[6] بطريرك القسطنطينية وغيرهم.

وقال نسطور في خطابه الرابع إلى بروكلس[7]: «إنهم يدعون اللاهوت معطي الحياة قابلًا للموت، ويتجاسرون على إنزال اللوغوس (أقنوم الكلمة) إلى مستوى خرافات المسرح، كما لو كان طفلًا ملفوفًا بخرق ثم بعد ذلك يموت، لم يقتل بيلاطس اللاهوت، بل حُلَّة اللاهوت.»

وقال أيضا نسطور« لن أدعو أبداً طفلاً عمره شهرين أو ثلاثة «الله».»

(على اليسار صورة نسطور بطريرك القسطنطينية)

٣- مذهب أن له روحان وعقلان، إلهي وإنساني: ذهبت طائفة أخرى من القساوسة أن للمسيح روحان وعقلان، روح وعقل إلهي، وروح وعقل إنساني. وهم الذين ادعوا بأن للمسيح طبيعتان، إلهية وإنسانية، وهو ما سوف نتناوله فيما بعد بإذن الله تعالى. 

الرد على تلك المذاهب الثلاثة:

١- الرد على مذهب أن له روح إلهية وعقل إلهي فقط:

١- إن الله الذي خلق الزمان والمكان، لا يمكن أن يتحيز في جسد بشري ضئيل! لقد خلق الله الكون وهو ليس بجزءا من هذا الكون ولا يحل فيه. وإن المتأمل لصغر حجم الإنسان بالمقارنة بحجم الأرض، ثم بالمقارنة بالمجموعة الشمسية، ثم بالمقارنة بعدد المجرات والتي تزيد عن تريليوني مجرة في هذا الكون[8]، فكيف يمكن بعد ذلك أن يدعي أحد أن «روح الله»[9] قد نزل وتجسد في جسد بشري ضعيف؟ ولسبب غير معقول وهو أنه لم يستطع -حاشاه- أن يغفر لأدم أنه أكل ثمرة من شجرة!

٢- إن كان للمسيح عقل إلهي، فهو كلي المعرفة والمشيئة، ومعرفته ومشيئته هي معرفة ومشيئة الله نفسه، ولكن نصوص كثيرة من الأناجيل تؤكد أن عقل المسيح كان عقل إنساني فقط وليس إلهي.

إنجيل مرقس الإصحاح ١١ العدد ١٢: « 12 وَفِي الْغَدِ، بَعْدَمَا غَادَرُوا بَيْتَ عَنْيَا، جَاعَ13 وَإِذْ رَأَى مِنْ بَعِيدٍ شَجَرَةَ تِينٍ مُورِقَةً، تَوَجَّهَ إِلَيْهَا لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا بَعْضَالثَّمَرِ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ فِيهَا إِلّا الْوَرَقَ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَوَانُ التِّينِ14 فَتَكَلَّمَ وَقَالَ لَهَا: «لا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ ثَمَراً مِنْكِ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!». »

إنجيل مرقس الإصحاح ١٣ العدد ٣٢: « 32 وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ (-يوم القيامة-) وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلا يَعْرِفُهُمَا أَحَدٌ، لَا الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلا الاِبْنُ، إِلّا الآبُ»

٢- الرد على مذهب أن له روح إنسانية وعقل إنساني فقط (مذهب الحلول والمصاحبة):

١- إن ما ذهب إليه أصحاب هذا المذهب يدمر عقيدة الخطيئة الأصلية والتجسد والصلب والكفارة، لأنهم يقرون بأن الذي مات على الصليب هو «عيسى الإنسان» الذي حل فيه «الله الكلمة» دون أن يتجسد فيه، وبأن «الله الكلمة» قد ترك عيسى الإنسان قبل الموت! ولكن عقيدة الكفارة تتطلب أن يكون المصلوب غير محدود، أي أن يكون هو الله نفسه -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- حتى يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة تكفى لغفران الخطيئة الأصلية التي ورثها الناس جميعا من أبيهم أدم.

٣- الرد على مذهب أن له روحان وعقلان، إلهي وإنساني:

عندما رأت طائفة أخرى من القساوسة أن المذهب القائل بأن للمسيح «روح وعقل إلهي فقط»، هو مذهب غير صحيح، لأنه يتصادم مع نصوص الأناجيل التي تؤكد وجود «شخصية إنسانية للمسيح»، ورأت أن المذهب القائل بأن للمسيح «روح وعقل إنساني فقط» وأن روح «الله الكلمة» حلت على هذا الإنسان عند العماد وفارقته عند الصلب ولم تتجسد أبدا فيه، هو أيضا مذهب غير صحيح، لأنه سوف يدمر العقيدة الأساسية التي تقوم عليها الديانة المسيحية وهي الخطيئة الأصلية والتجسد والصلب والكفارة، (لأنه بدون هذه العقيدة فلا سبب لمجيء المسيح ولا سبب أن يكون المسيح إلها)، فقررت هذه الطائفة أن «للمسيح طبيعتان، فله روح وعقل إلهي، وأيضا له روح وعقل إنساني»!

ولكن هذا الرأي يرد عليه بالآتي:

١- أنهم جعلوا المسيح شخصان رغم ادعاءهم بأنه شخص واحد: فالقول بأن له روحان يعيشان في جسد واحد، هو قول يصادم كل منطق سليم، وهو يعني أن بالمسيح شخصان عاقلان، أحدهما إله والآخر إنسان، ولا يمكن أن تكون العذراء قد ولدت ابنان، الأول إله والثاني إنسان!

٢- جعلوا المسيح شخص واحد بعقلين ومشيئتين: لا يمكن أن يكون لأي شخص عقلان أو مشيئتان. والأناجيل الأربعة تؤكد أن مشيئة المسيح كانت «مشيئة إنسانية» تختلف عن مشيئة الله! 

إنجيل يوحنا الإصحاح ٥ العدد ٣٠: « 30 وَأَنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئاً مِنْ تِلْقَاءِ ذَاتِي، بَلْ أَحْكُمُ حَسْبَمَا أَسْمَعُ، وَحُكْمِي عَادِلٌ، لأَنِّي لَا أَسْعَى لِتَحْقِيقِ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَةِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. »

إنجيل متى الإصحاح ٢٦ العدد ٣٩: « 39 وَابْتَعَدَ يَسُوعُ عَنْهُمْ قَلِيلًا، وَسَجَدَ وَوَجْهُهُ إلَى الأرْضِ وَبَدَأ يُصَلِّي: «يَا أبِي، إنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَلتَتَجَاوَزْنِي هَذِهِ الكَأسُ. لَكِنْ لَيْسَ كَمَاَ أُريدُ أنَا، بَلْ كَمَا تُرِيدُ أنْتَ.». »

إنجيل متى الإصحاح ٢٧ العدد ٤٦: « 46 وَنَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَالٍ وَقَالَ: «إيلِي، إيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟» أيْ: «إلَهي، إلَهي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟». »

ورغم تلك النصوص الواضحة إلا أن الكنيسة قد ادعت شيئا عجيبا وهو أن مشيئته الإنسانية قد خضعت لمشيئته الإلهية، وهكذا لا يوجد تعارض بين المشيئتين!

ولكن أي منطق هذا؟ فكلمة «مشيئتين» تعني وجود «شخصان» وليس «شخصا واحدا بمشيئتين»! فهو قال «ليس كما أريد أنا»، متحدثا عن شخصه بضمير «أنا» (سواء قلتم أن بداخله إله وإنسان)، ثم وجه الكلام لله قائلا «بل كما تريد أنت»، ولم يقل «كما يريد الابن أو الكلمة الذي بداخلي»!

٣- إثبات مبدأ الحلول والمصاحبة: فقولهم بوجود روحان، يؤكد أن الجنين الذي كان في بطن العذراء إنما هو عيسى الإنسان الذي له روح بشرية وجسد بشري، وأن «الله الكلمة» قد حل فيه كما حل في بطن العذراء دون أن يتحد أو يمتزج بها. وهذا ينسف عقيدة تجسد «الله الكلمة»، وهكذا يكون المصلوب هو إنسان محدود وليس الإله الغير محدود!

٤- الخالق والمخلوق في جسد واحد: إن كان بداخله روحان، فهذا يعني أن الروح الإنسانية المخلوقة هي عبدة للروح الإلهية الخالقة. فكيف يكون الخالق هو نفسه المخلوق؟ وكيف كان الخالق والمخلوق في جسد واحد؟ وهذا يعني أنه عندما كان يسجد فإن روحه الإنسانية وروحه الإلهية سجدتا معا!

٥- لا يوجد أي سبب لوجود روح إنسانية داخل المسيح: فوظيفة الروح هي إعطاء الحياة، وطالما أن روح الله كانت داخل جسد المسيح، فقد كانت هي مصدر الحياة، فلماذا يحتاج لمصدر أخر؟

٦- كيف للروح أن تتروحن بروح أخرى (أي تتخذ لنفسها روحا أخرى وترتديها)؟ تؤمن الكنيسة أن روح «الله الكلمة» تجسدت بجسد بشري (أي اتخذت جسدا بشريا كرداء لتظهر فيه)، ولكن كيف تدعي الكنيسة بوجود روح ثانية داخل المسيح؟ فقد فهمنا كيف للروح أن تتجسد، ولكن كيف للروح أن تتروحن (أي تتخذ لنفسها روحا أخرى و ترتديها أو تلتصق بها أو تمتزج بها)؟ فهي نفسها روح، فلماذا تتخذ لنفسها روح ثانية؟ فوجود روحان معا ينفي التجسد ويؤكد مفهوم الحلول والمصاحبة بينهما! 

٧- كيف عرفت الكنيسة أن المسيح له روح إلهية وروح إنسانية؟ كيف تدعي الكنيسة شيئا ليس لديها أي دليل عليه من أقوال المسيح أو تلاميذه أو الأناجيل الأربعة؟

 

 

الفصل الخامس

نشأة المذاهب حول طبيعة المسيح

بسبب نصوص الأناجيل التي أظهرت أن المسيح قد ضرب وصلب ومات، وأنه كان يصلى ويصوم ويدعوا ويتعبد لله، فكيف يكون هو نفسه الله؟! وكيف تكون العذراء قد ولدت إلها؟ 

لهذا قد ظهرت المدرسة التي ابتدعت فكرة عجيبة هي أن: للمسيح طبيعتان، طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية! ولكن بسبب تلك الفكرة ظهرت مشكلة عقائدية أخرى وهي، ما هي العلاقة بين الطبيعتين؟ وكيف اتحدتا في جسد واحد؟ وهل امتزجتا أو انفصلتا، أم اتحدتا دون امتزاج أو انفصال؟

وبسبب كل هذا التضارب، ظهرت مذاهب عديدة تاهت في مسألة طبيعة المسيح، ومنها:

١- المونوفيزية (الطبيعة الوحيدة)[10]:

وهي أن للسيد المسيح طبيعتين، لاهوتية وناسوتية، ولكن بعد التجسد قد امتزجتا وأصبحتا طبيعة واحدة لاهوتية فقط، حيث تلاشى وذاب الناسوت (أي الإنسان) في اللاهوت (أي الإله) كما تذوب نقطة الخل في المحيط. وهكذا يكون المسيح هو: «أقنوم وشخص واحد، بطبيعة واحدة، الإنسان الإله»! ومن أتباع هذا المذهب هو أوطاخي[11] والذي كان رئيس دير في القسطنطينية يضم أكثر من ٣٠٠ راهب.

٢- الديوفيزية (الطبيعتان)[12]:

وهي أن للسيد المسيح طبيعتين، لاهوتية وناسوتية، ولكن بعد التجسد لم يمتزجا أو يتغيرا أو ينفصلا. ومن أتباع هذا المذهب هو القديس لاون الكبير[13] بطريرك روما، والذي انتقد معتقد أوطاخي في المونوفيزية، فذكر لاون في رسالته إلى فلافيانوس[14] بطريرك القسطنطينية الآتي: 

«أن الكائن نفسه الباقي في صورة الله، صار إنساناً في صورة عبد، لأن كلاً من الطبيعتين حفظت خواصها بدون تغيير أو نقص. وكما أن صورة الله لا تنفي أو تزيل صورة العبد، هكذا صورة العبد لا تعطل صورة الله ... ابن الله ينزل من كرسيه في السماء دون أن يبتعد عن مجد الآب ويدخل في هذا العالم الأدنى مولوداً على صورة جديدة بأسلوب جديد في الولادة. لأنه وهو في دائرته الخاصة غير منظور صار في دائرتنا منظوراً، والذي لا يمكن حصره في مكان رضي أن يكون محصوراً. ومع أنه ما زال هو هو قبل الأزل، بدأ وجوده في وقت محدود ... الله غير المتألم لم يرفض أن يكون إنساناً متألماً. والذي لا يعتريه موت رضي أن يخضع لشرائع الموت ... ولا يعني عجب ولادة ربنا يسوع المسيح في بطن العذراء أن طبيعته تختلف عن طبيعتنا، لأنه هو نفسه إله حق وهو أيضاً إنسان حق ... الكلمة لا يتخلى عن المساواة في المجد، والجسد لا يتجرد من طبيعة جنسنا ... الذي جرب وهو انسان بحيلة إبليس هو نفسه تقوم الملائكة بواجب خدمته كإله. الجوع والعطش والتعب والنوم، كل هذه من دلائل ناسوته، ولكن إشباع خمسة آلاف بخمسة أرغفة كان ولا شك من خواص اللاهوت. لا يمكن أن ينسب إلى طبيعة واحدة أن تبكي بشعور الحزن على صديق مات وأن ينسب إليها هي نفسها إقامته بصوت الآمر ... لا يمكن أن ينسب إلى طبيعة واحدة بعينها قوله «أنا والآب واحد» وقوله «أن أبي أعظم مني» ... يجب أن نؤمن أن في المسيح لا يكون الناسوت بدون اللاهوت الحقيقي، ولا اللاهوت بدون الناسوت الحقيقي ... »

بعد قراءة هذه الرسالة على آباء المجمع الخلقيدوني هتفوا: «هذا هو إيمان الآباء، هذا هو إيمان الرسل. هكذا كلنا نؤمن وهكذا يؤمن المستقيموا الرأي. فليكن كل من لا يؤمن هكذا مبسلاً. إن بطرس يتكلم بفم لاون. هكذا علم الرسل. هذا هو الإيمان الحقيقي

إذن هل تم الوصول هكذا لحل بالنسبة لطبيعة المسيح؟ لا، بل هناك مدارس أخرى انتقدت الديوفيزية كما سنرى بإذن الله.

٣- الميافيزية (الطبيعة الواحدة)[15]:

وهي أن للسيد المسيح طبيعتين، لاهوتية وناسوتية، قد اتحدتا في طبيعة واحدة، هي طبيعة الكلمة المتجسدة، ولا يمكن فصلهما أو مزجهما أو تغييرهما، وهي عقيدة الكنائس الأرثوذكسية المشرقية (القبطية، الأرمنية، السريانية، الإثيوبية، الهندية).

عندما رأى ديوسقورس[16] أن لاون بطريرك روما وفلافيانوس بطريرك القسطنطينية قد نشروا فكرة أن للمسيح طبيعتان ومشيئتان من بعد الاتحاد، نشط يدحض هذا المعتقد الجديد فقال:

«إن المسيح واحد، هو الذي دُعي إلى العرس كإنسان، وهو الذي حول الماء خمراً كإله، ولم يفترق في جميع أعماله

واستشهد ديوسقورس بقول البابا كيرلس الكبير: «إن اتحاد كلمة الله بالجسد، كاتحاد النفس بالجسد، وكاتحاد النار بالحديد، وإن كانا من طبيعتين مختلفتين، فباتحادهما صارا واحداً، كذلك السيد المسيح، مسيح واحد، ورب واحد، طبيعة واحدة، مشيئة واحدة.»

٤- البيلكانيون[17]

والتي يرجع اسمها لبولس السمساطي[18] أسقف أنطاكية، الذي قال بأن المسيح هو ابن الله بالتبني وأن العذراء ولدت يسوع الإنسان ثم حل عليه كلمة الله فصار إلهاً، وهكذا فإن المسيح هو إنسان تأله وليس إله تأنس، وعند الصلب فارقه كلمة الله، فمات الناسوت وحده.

٥- النسطورية[19]

التي يرجع اسمها لنسطور[20] بطريرك القسطنطينية، الذي قال أن العذراء لم تلد إلها بل إنساناً فقط، حلت عليه كلمة الله أثناء العماد (عندما قام يوحنا المعمدان بتعميد المسيح والمذكور في إنجيل متى الإصحاح ٣ العدد ١٦) وفارقته عند الصليب، وأن حلول اللاهوت لم يكن اتحاداً أقنومياً (اتحاد الجوهر الإلهي بالجوهر الإنساني) وإنما حلولاً بمعنى المصاحبة، فلا يوجد اتحاد بين الطبيعتين الناسوتية واللاهوتية في شخص يسوع المسيح، بل هناك مجرد صلة بين إنسان والألوهية، أي أن المسيح كان فيه أقنومان (جوهران) متمايزان، أحدهما لاهوتي والآخر ناسوتي، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم والدة الإله على مريم العذراء، وإنما يتم تسميتها بأم يسوع، فالعذراء لا يمكن أن تلد الإله، فالمخلوق لا يلد الخالق، وما يولد من الجسد إنما هو جسد.

واعتبر ثيودور الموبسويستي[21] أسقف مفسوسطيا (وصديق يوحنا ذهبي الفم[22] بطريرك القسطنطينية) أن «الله الكلمة» حل في عيسى الإنسان واستخدمه كأداة لخلاص البشرية، والاتحاد بينهما كان اتحادا خارجيا بمعنى اتصال، وليس اتحادا أقنوميا، فالجوهر الإلهي لا يتحد بالجوهر الإنساني، واللاهوت لا يتحد بالناسوت. واعتبر أن «الله الكلمة» منزه عن الاتصال بالجسد المادي، ولهذا كانت حلقة الاتصال بينهما هي الروح الإنسانية. واعتبر أن «الله الكلمة» هو شخص كامل ، وعيسى الإنسان هو شخص كامل ، وعليه كان في المسيح شخصان، الأول إله والثاني إنسان، اتحدا اتحادا خارجيا بمعنى اتصال، وبهذا الاتحاد الخارجي يعتبرا شخصا واحدا.

وهناك مذاهب أخرى كثيرة، ولكن لا يسعنا ذكرها جميعها. وجميع تلك المذاهب أطلق عليها لقب هرطقات من طرف أصحاب مذهب الميافيزية ومذهب الديوفيزية.

ونحب أن نشير إلى أن جميع المذاهب التي أطلق عليها لقب هرطقات، إنما هي في الواقع مذاهب كبيرة ترأسها أساقفة وبطاركة كبار وباباوات، وكان لهم كنائس وأتباع كثر في العديد من الدول. 

فمثلا البطريرك نسطور والذي كان متشبعاً بمبادئ مدرسة إنطاكية اللاهوتية، حاربه في مذهبه حول طبيعة المسيح بابا الإسكندرية كيرُلُّس الكبير والذي كان متشبعاً بمبادئ مدرسة الإسكندرية اللاهوتية. 

ففي انطاكية كان اللاهوتيون والمفسّرون أكثر ميلاً إلى النظرة الارسطوطالية، ومهتمّين بالحقائق الملموسة والمرئية، ويعتمدون على التفسير الحرفي للكتاب المقدّس باللجوء إلى المعلومات التاريخية والتحليل العقلي والمقارنة بين اقوال الكتاب المقدّس، والنظريات الفلسفية. ففي إقرارهم بألوهية المسيح كانوا ينظرون إلى حياته الإنسانية الأرضية. 

امّا مدرسة الإسكندرية، فكانت أكثر ميلاً إلى الأفلاطونية وإلى التفسير التأويلي الرمزي للحقائق. فالأمر الذي كان يشدّ اهتمام اساتذة الإسكندرية في المسيح كان لاهوته أكثر من ناسوته. وكان هذا الاختلاف في الأسلوب المدرسي يزداد حدّة بسبب النعرة العنصرية والتنافس على الكراسي الأسقفية.

ونود أن نذكر أيضاً أن كلا المذهبين الميافيزية والديوفيزية قد اختلفا اختلافاً شديداً حول طبيعة المسيح وكان هذا سبباً في انقسام الكنائس عام ٤٥١م، في مجمع خلقيدونية، والذي أصبحت بعده الكنائس إما خلقيدونية (أي وافقت على قرارات مجمع خلقيدونية وأن المسيح له طبيعتان لاهوتية وبشرية دون امتزاج أو انفصال) مثل الكنيسة الكاثوليكية وكنائس الروم الأرثوذكس في اليونان وروسيا ورومانيا والصرب والمجر والقدس ثم انضمت لهم أيضا الكنائس البروتستانتية، أو غير خلقيدونية (أي رفضت قرارات المجمع وآمنت أن المسيح له طبيعة واحدة هي «طبيعة الكلمة المتجسد» والتي تكونت من اتحاد الطبيعة اللاهوتية مع الطبيعة البشرية في طبيعة واحدة دون امتزاج أو انفصال) مثل الكنائس القبطية والسريانية والأرمينية والأثيوبية والهندية. وقد تم اضطهاد الكنائس التي رفضت قرارات المجمع أشد الاضطهاد!

 

 

الفصل السادس

عقيدة المسيح عليه السلام وتلاميذه

بعد كل ما سبق ذكره من أقوال وأراء وفلسفات ومذاهب مختلفة للقساوسة، وعقدهم للعديد من المجامع للوصول لحقيقة المسيح وطبيعته، سنعرض الآن بكل بساطة العقيدة الصحيحة التي آمن بها المسيح وتلاميذه، وهي مذكورة بكل وضوح في الكتاب المقدس. والسبب في كل تلك المذاهب للقساوسة هو غلوهم في شأن المسيح واعتقادهم أنه بلا شك هو الله -حاشا لله- بسبب أنه ولد بدون أب وأنه أحدث معجزات، ولكنهم غفلوا عن أن أدم هو أيضا خلق بدون أب، وعن أن جميع الرسل والأنبياء قد أحدثوا معجزات كدليل مادي أنهم مرسلون من عند الله، وهذا لا يعني أنهم آلهة!

إيمان المسيح بأنه نبي ورسول الله:

إنجيل مرقس الإصحاح ٦ العدد ٤: « 4 وَلكِنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُمْ: «لا يَكُونُ النَّبِيُّ بِلا كَرَامَةٍ إِلّا فِي بَلْدَتِهِ، وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهِ، وَفِي بَيْتِهِ!».» (هنا قال المسيح أنه نبي ولم يقل في أي مكان آخر أنه الله أو أقنوم الكلمة)

إنجيل لوقا الإصحاح ١٣ العدد ٣٣: « 33 وَلكِنْ لابُدَّ أَنْ أُكَمِّلَ مَسِيرَتِي الْيَوْمَ وَغَداً وَمَا بَعْدَهُمَا، لأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ إِلّا فِي أُورُشَلِيمَ!»

عقيدة عامة الناس عن المسيح أنه نبي:

إنجيل متى الإصحاح ٢١ العدد ١٠: « 10 وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ، ضَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا، وَتَسَاءَلَ أَهْلُهَا: «مَنْ هُوَ هَذَا؟» 11 فَأَجَابَتِ الْجُمُوعُ: «هَذَا هُوَ يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ بِالْجَلِيلِ».»

وعندما أقام يسوع شابا ميتا من الموت بإذن الله، لم يقل الناس أنه هو الله وإنما قالوا هو نبي. 

إنجيل لوقا الإصحاح ٧ العدد ١٦: «16 فَاسْتَوْلَى الْخَوْفُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَمَجَّدُوا اللهَ، قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ وَتَفَقَّدَ اللهُ شَعْبَهُ!».»

إنجيل يوحنا الإصحاح ٦ العدد ١٤: «14 فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا: «حَقّاً، هَذَا هُوَ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ».»

إنجيل متى الإصحاح ٢١ العدد ٤٦: «46 وَمَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْعَوْنَ إِلَى الْقَبْضِ عَلَيْهِ، فَقَدْ كَانُوا خَائِفِينَ مِنَ الْجُمُوعِ لأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَبِرُونَهُ نَبِيًّا

عقيدة تلاميذ المسيح أنه نبي:

يقول بطرس في عظته الأولى المذكورة في سفر أعمال الرسل الإصحاح ٢ العدد ٢٢: « 22 فَيَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، اسْمَعُوا هَذَا الْكَلامَ: إِنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ رَجُلٌ أَيَّدَهُ اللهُ بِمُعْجِزَاتٍ وَعَجَائِبَ وَعَلامَاتٍ أَجْرَاهَا عَلَى يَدِهِ بَيْنَكُمْ، كَمَا تَعْلَمُونَ.»

ويقول بطرس في عظته في الهيكل والمذكورة في سفر أعمال الرسل الإصحاح ٣ العدد ١٣: «13 إِنَّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، إِلهَ آبَائِنَا، قَدْ مَجَّدَ عَبْدَه يَسُوعَ

ملحوظة: رغم أن بطرس قال عن المسيح أنه عبد في عبارة «قَدْ مَجَّدَ عَبْدَه يَسُوعَ» إلا أن بعض الترجمات ترجمت كلمة عبده بكلمة خادمه أو فتاه أو ابنه! وهنا أضع الترجمة اليونانية الصادرة من الكنيسة الرسمية الأرثوذكسية اليونانية:

«13 Ο Θεός του Αβραάμ, του Ισαάκ και του Ιακώβ, ο Θεός των προπατόρων μας, έδειξε τη δόξα του Ιησού του δούλου του.»

عقيدة المسيح أنه رسول لبني إسرائيل فقط، وليس لفداء البشرية:

إنجيل متى الإصحاح ١٥ العدد ٢١: « 22 فَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ مِنْ تِلْكَ النَّوَاحِي، قَدْ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ صَارِخَةً: «ارْحَمْنِي يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مُعَذَّبَةٌ جِدّاً، يَسْكُنُهَا شَيْطَانٌ». 23لكِنَّهُ لَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَجَاءَ تَلامِيذُهُ يُلِحُّونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا عَنَّا. فَهِيَ تَصْرُخُ وَرَاءنَا!» 24 فَأَجَابَ: «مَا أُرْسِلْتُ إِلّا إِلَى الْخِرَافِ الضَّالَّةِ، إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ!» 25 وَلكِنَّ الْمَرْأَةَ اقْتَرَبَتْ إِلَيْهِ، وَسَجَدَتْ لَهُ، وَقَالَتْ: «أَعِنِّي يَا سَيِّدُ!» 26 فَأَجَابَ: «لَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلابِ!».»

لم يكن المسيح مسيحيا، ولا تلاميذه مسيحيون، ولم يحملوا صلبان:

سفر الأعمال الإصحاح ١١ العدد ٢٦: «26 وَدُعِيَ التَّلَامِيذُ مَسِيحِيِّينَ لِأوَّلِ مَرَّةٍ فِي أنطَاكِيَّةَ.»

 

تم بفضل الله تعالى الجزء الأول.،

 

[1] Athanasius I of Alexandria 296–373.

[2] Cyril of Alexandria 376 – 444.

[3] Apollinaris of Laodicea 315-382.

[4] Theodore of Mopsuestia 350-428.

[5] Paul of Samosata 200-275.

[6] Nestorius 386-450.

[7] Proclus 390-447.

[9] في العقيدة المسيحية الله روح، أما في الإسلام فالروح هي خلق من مخلوقات الله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الروح إذا قبض، تبعه البصر» رواه مسلم، مما يدل أنها عين قائمة ومخلوقة.

[10] Monophysitism.

[11] Eutyches 380-456.

[12] Dyophysitism.

[13] Pope Leo I the Great, Patriarch of Rome, died 461.

[14] Flavian of Constantinople, died 449.

[15] Miaphysitism.

[16] Dioscorus I of Alexandria 390-454.

[17] Paulicians - Paulicianism.

[18] Paul of Samosata 200-275.

[19] Nestorianism.

[20] Nestorius 386-450.

[21] Theodore of Mopsuestia 350-428.

[22] John Chrysostom 347-407.

هل كان للمسيح روحان وعقلان، إلهية وإنسانية؟

เกี่ยวกับหนังสือ

ผู้เขียน :

Ahmed Al-Amir

สำนักพิมพ์ :

www.islamland.com

ประเภท :

Comparative Religions