الإرشاد إلى مهمات الإسناد - العصيمي

صاحب المتن : ولي الله الدهلوي صاحب الشرح : صالح بن عبد الله العصيمي الدرس 10 من برنامج الدرس الواحد التاسع ذَكرَ المصَنِّف رحمه الله تَعَالَى أَنَّ غَرَض هذهِ الرِّسالَة، هُوَ ذِكْرُ الطُّرقِ الَّتي مِنْهَا وصَلَتْ إِليهِ أَحَاديثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سَلَكَ المصنِّفُ رحمه الله تَعَالى نَهْجًا بَديعًا مُخترَعًا في كيْفيَّة رَفْعِ الأسَانيدِ إِلى المصُنَّفاتِ إذِ ابتدأَ بذِكْرِ مَشَايخِهِ الَّذينَ روَى عَنهُمْ، رَافِعًا أَسانيدَهُم إلى سَبْعَةٍ مِنْ مُتأَخِّرِي المشْهورِينَ مِنَ الـمُسْنِدِين, ثُمَّ لَمَّا وَصَل أَسَانيدَ شُيُوخِهِ إِليْهِم؛ رَفَعَ أَسَانيدَ هؤُلاءِ إِلى طَبقَةٍ فَوقَهُم تَنتَهي إلى (الْجلَالِ السُّيوطِيِّ)، وَ(زَكريَّا الأنصَاري) وهذِهِ الطَّبقة, ثمَّ رفعَ أسانيدَ هذِهِ الطَّبقةِ إلى ثَلاثَةٍ مِنَ الحُفَّاظ هم (الْحَجَّارُ), وَ(ابنُ البُخُارِيِّ), وَ(الدِّمْيَاطِيُّ), ثمَّ أسنَدَ الكُتُبَ من طَريقِ هؤلاءِ الثَّلاثَة. وَهذَا الثَّبَتُ مَعَ وَجَازتِهِ فَإنَّه منْ أحسَنِ ما صَنَّفهُ المتَأخِّرون, وَإنْ لَم يخْلُ من أغْلَاطٍ لَكِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِهَا. ومعرِفَةُ الْأسَانيدِ عندَ المتَأخِّرينَ يَغْلُبُ عليهَا الغَلَط؛ لِقلَّةِ التَّحقِيقِ فِيهِم, وَلَا أَدَلَّ على ذلك من رِوَايتِهِم عَمَّنْ لَا يُرْوَى عنه كَالْجنِّ وَغيرِهَا, فَشَاعتْ أُمورٌ باطِلةٌ في صِناعةِ الإسْنادِ عندهُم أَضْعَفَت هذَا العِلم, ولا يَزَالُ الأمرُ كذلِك إلى اليَوْم, بلْ إنَّ الأمْرَ يَسْتَفْحِلُ شِدَّةً؛ لِأنَّه دخَل البيْتَ منْ ليسَ مِن أهْلهِ, وَصَار الكَلَامُ فيهِ حِمًى مُسْتبَاحًا وصَارت صِناعَة الرِّوايَة مَرْتعًا واسِعًا لِأهل الفخْرِ والْمكَابرَة, والرِّوايةُ إنما تُحْمَدُ لأجلِ إِيصَالها إلى الدِّرَايَةِ, وأمَّا رِوَايةٌ خِلْوٌ منْ فَهْمٍ ودِرَايَةٍ؛ فَهيَ قَليلةُ النَّفعِ. وَلا ينبغِي أنْ يُضَيِّعَ طَالبُ العلْم وَقتَهُ فِيهَا, بلْ يَأْخذُ منهَا قَدْرًا يَصْلُحُ لَهُ، ويجعَلُ أكثَرَ اهتِمَامهِ هُوَ في تَحْصِيلِ العلْمِ الَّذِي يَنْفعُهُ مِنَ الفَهْمِ والدِّرايَةِ.