هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا

لقد صدق الله العظيم حين قال { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }  لأننا لم نتصفح كتب التاريخ  ونقرأ عن مأساة حدثت لنا إلا ونرى لليهود والنصارى أيد فيها لأنه ما من  مصيبة حلت بنا إلا وكانت بسببهم أو هم طرف أساسي فيها والعجيب أن هذا دأبهم حتى بأنفسهم .
 لأنهم إذا لم يجدوا من يعادونه تراهم يعادون أنفسهم وصدق الحق سبحانه وتعالى حين قال { وتحسبهم جميعا وقلوبهم شتى }  وقال تعالى { باسهم بينهم شديد }  ولقد رأينا العديد من صور الإبادة والقمع فيما بينهم لا يتسع المجال لها الآن .
ولكن نركز الآن على ما أرادوه بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ولولا أن الله تعالى حفظ ديننا لكنا من الضالين ولعل سائلا يسأل هل كان من الممكن أن نكون من الضالين ؟
أو يسأل: لعلك تقصد بأننا كنا سنكون مثل النصارى ؟ أقول له نعم بل وأشد فقد تدخل اليهود في دين النصارى فبدلوه وبدلو معالمه حتى أصبحوا ليس لديهم مسحة من دين
فإن إطلعت على دينهم رأيت عجبا ؛ رأيت اليهود قد سلموهم العهد القديم وأوهموهم أنه ميراث أجدادهم وأنبياءهم  ولا يدرون إنه لبئس الميراث ؛ لأن به من الفضائح والجرائم ما يعف اللسان عن ذكرها وللأسف الشديد قبلوه وحملوه وصدق فيهم قول ربنا جل وعلا { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحجمار يحمل اسفارا }
ولم يكتف اليهود بذلك بل تتدخلوا في الإنجيل وأفرغوه من مضمونه وسلموا النصارى بدلا منه مجموعة من الأساطير والحكايات التي لم يعلم بها المسيح عليه السلام وأوهموهم أن هذا هو العهد الجديد وحين تقرأ العهد الجديد تجده لايحزن عدوا ولا يسر صديقا ؛ لأنه خاو من كل شئ والعجيب أنهم سجلوا ذلك في كتبهم التي بين أيديهم والتي يتعبدون بها ويتقربون بها إلى الله تعالى .
 وأراد اليهود والنصارى أن يعبثوا بديننا ظانين أنه بإمكانهم أن يخرجونا من النور إلى الظلمات ولكن هيهات هيهات والله تعالى قال لنا {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } إلا أنهم ظلوا وراءنا حتى سار وراءهم ضعاف النفوس والحالمين بالعزة والمكانة  حتى أدخلوا علينا بعض الطوائف الباطلة والتى أصبحت على شاكلة اليهود والنصارى بل واستخدمها اليهود والنصارى خط دفاع أمامهم ليلبسوا على الناس دينهم .
ومن هذه الفرق الضالة ما يعرف بالقاديانية ومنها الاحمدية بالاضافة الى الشيعة والروافض  وهؤلاء جميعا هم صنيعة اليهود والنصارى .
 تماما كما فعل بولس بالنصرانية وغير معالمها وصدق فيهم قول ربنا سبحانه وتعالى{واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } فلقد تركوا نور الله تعالى وقرآنه الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم واتبعوا الباطل .وحاولوا أن يدخلوا في دين الله تعالى ما ليس فيه وشاء الله تعالى أن يفتضح أمرهم  ويثبت الله تعالى أهل الحق على كتابه الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم  فظهر كيد هؤلاء وأباطيلهم فأصبحوا في غيهم يترددون وهي جهلهم يعمهون تلاحقهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين  .
 ولشدة التشابه بين ماقام به بولس في النصرانية وماقام به عبد الله بن سبا والإحتلال البريطاني وغيره بالإسلام محاولة منهم لتشويه الإسلام ؛ رأينا أن نعرض في هذا الكتاب نبذة مختصرة عن بولس وما قام به من تفنيد للنصرانية وما جاء به المسيح عليه السلام وكذلك نبذة سريعة عن الفرق الضالة وتخبطها لنبين الأخطاء التي وقعوا فيها ثم نذكر الصواب ولنكشف ماقام به هؤلاء الشياطين من تلبيس على الناس في أمر دينهم .  

بسم الله الرحمن الرحيم

{هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا}

إعداد

أ/ أحمد إسماعيل زيد

محاضر بالأكاديمية الإسلامية

محاضر بقناة الأمة الفضائية

 

 

 

المقدمة

لقد صدق الله العظيم حين قال { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }  لأننا لم نتصفح كتب التاريخ  ونقرأ عن مأساة حدثت لنا إلا ونرى لليهود والنصارى أيد فيها لأنه ما من  مصيبة حلت بنا إلا وكانت بسببهم أو هم طرف أساسي فيها والعجيب أن هذا دأبهم حتى بأنفسهم .

 لأنهم إذا لم يجدوا من يعادونه تراهم يعادون أنفسهم وصدق الحق سبحانه وتعالى حين قال { وتحسبهم جميعا وقلوبهم شتى }  وقال تعالى { باسهم بينهم شديد }  ولقد رأينا العديد من صور الإبادة والقمع فيما بينهم لا يتسع المجال لها الآن .

ولكن نركز الآن على ما أرادوه بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ولولا أن الله تعالى حفظ ديننا لكنا من الضالين ولعل سائلا يسأل هل كان من الممكن أن نكون من الضالين ؟

أو يسأل: لعلك تقصد بأننا كنا سنكون مثل النصارى ؟ أقول له نعم بل وأشد فقد تدخل اليهود في دين النصارى فبدلوه وبدلو معالمه حتى أصبحوا ليس لديهم مسحة من دين

فإن إطلعت على دينهم رأيت عجبا ؛ رأيت اليهود قد سلموهم العهد القديم وأوهموهم أنه ميراث أجدادهم وأنبياءهم  ولا يدرون إنه لبئس الميراث ؛ لأن به من الفضائح والجرائم ما يعف اللسان عن ذكرها وللأسف الشديد قبلوه وحملوه وصدق فيهم قول ربنا جل وعلا { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحجمار يحمل اسفارا }

ولم يكتف اليهود بذلك بل تتدخلوا في الإنجيل وأفرغوه من مضمونه وسلموا النصارى بدلا منه مجموعة من الأساطير والحكايات التي لم يعلم بها المسيح عليه السلام وأوهموهم أن هذا هو العهد الجديد وحين تقرأ العهد الجديد تجده لايحزن عدوا ولا يسر صديقا ؛ لأنه خاو من كل شئ والعجيب أنهم سجلوا ذلك في كتبهم التي بين أيديهم والتي يتعبدون بها ويتقربون بها إلى الله تعالى .

 وأراد اليهود والنصارى أن يعبثوا بديننا ظانين أنه بإمكانهم أن يخرجونا من النور إلى الظلمات ولكن هيهات هيهات والله تعالى قال لنا {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } إلا أنهم ظلوا وراءنا حتى سار وراءهم ضعاف النفوس والحالمين بالعزة والمكانة  حتى أدخلوا علينا بعض الطوائف الباطلة والتى أصبحت على شاكلة اليهود والنصارى بل واستخدمها اليهود والنصارى خط دفاع أمامهم ليلبسوا على الناس دينهم .

ومن هذه الفرق الضالة ما يعرف بالقاديانية ومنها الاحمدية بالاضافة الى الشيعة والروافض  وهؤلاء جميعا هم صنيعة اليهود والنصارى .

 تماما كما فعل بولس بالنصرانية وغير معالمها وصدق فيهم قول ربنا سبحانه وتعالى{واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } فلقد تركوا نور الله تعالى وقرآنه الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم واتبعوا الباطل .وحاولوا أن يدخلوا في دين الله تعالى ما ليس فيه وشاء الله تعالى أن يفتضح أمرهم  ويثبت الله تعالى أهل الحق على كتابه الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم  فظهر كيد هؤلاء وأباطيلهم فأصبحوا في غيهم يترددون وهي جهلهم يعمهون تلاحقهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين  .

 ولشدة التشابه بين ماقام به بولس في النصرانية وماقام به عبد الله بن سبا والإحتلال البريطاني وغيره بالإسلام محاولة منهم لتشويه الإسلام ؛ رأينا أن نعرض في هذا الكتاب نبذة مختصرة عن بولس وما قام به من تفنيد للنصرانية وما جاء به المسيح عليه السلام وكذلك نبذة سريعة عن الفرق الضالة وتخبطها لنبين الأخطاء التي وقعوا فيها ثم نذكر الصواب ولنكشف ماقام به هؤلاء الشياطين من تلبيس على الناس في أمر دينهم .    

 

 

 

 

محتويات الكتاب

الباب الأول من  10 إلى   39

الشيعة والقاديانية بين بولس وابن سبأ

-------------------

الباب الثاني من 40 إلى  63

عبد الله بن سبأ والشيعة

------------------

الباب الثالث من 64 إلى 75

الروافض و أهل السُّنّة

--------------------

الباب الرابع من 76 إلى 122

بين صديق الإسلام وكذاب المسيحية

--------------------

الباب الخامس من 123 إلى 169

القاديانية  بين اللاهوت والشيعة

لماذا تصر الكنيسة على التمسك بكتب بولس ؟

--------------------------

الباب السادس من 170  إلى  197

الدروز—البهائية

--------------------------

المصادر  198

 

بين يدي الكتاب

إن ما يفوم به الشيعة والرافضة والقاديانية وغيرهم من الفرق الضالة إنما هو بمساعدة اليهود والنصارى الذين لا رغبة لهم إلا محاربة ديننا سرا وعلانية بأى وسيلة تظهر لهم  فحين تظهر لهم فرصة الإنقضاض علينا  لايترددون لحظة وإن لم يجدوا الفرصة سانحة فإذا بهم يجهزون عددا من الحالمين بالسلطة والمكانة من مختلي العقول ويقومون بتعبئتهم ودفعهم أمامنا وكأنهم خط دفاع أول لهم فإن جاءوا بالثمار المرجوة فبها ونعم وإذا لم تأت الثمار فلا باس ولكن العجيب أنهم  يبحثون عن من يحاربنا بلغتنا ولساننا وديننا ظانين أننا لن نعرفهم أو أننا سنخدغ بهم ..

ونسي هؤلاء وأعوانهم من اليهود والنصارى بأن الكفر رائحته واحدة ومعروفة بالنسبة لنا لأننا لسنا مثلهم ضالين ؛ فالحمد لله أننا لدينا منهج ثابت نعرف به الغث من السمين كما أنه جلي وظاهر كوضوح الشمس في ضحاها , ولدينا سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من الخلفاء الراشدين بينة كانها القمر اذا تلاها  , ومن سار علي هذا النهج فيسير واثقا كمن يسير في النهار اذا جلاها , ومن أصابه عمى البصائركان كمن  يسر في الليل إذا يغشاتها .

ولكن  ربما يسال سائل فيقول : هل إذا أعيتكم الحيل تتهمون اليهود والنصارى بالتتدخل في شئون الدين ؟ ثم يكمل فيقول أليست الشيعة وغيرهم ينتسبون إلى الإسلام ؟

وللرد على هذه التساؤلات نعرض موقفا واحدا من الاف المواقف التي بينها القرآن الكريم بوضوح وبسهولة ويسر وعلى نفس الموقف لدى اليهود والنصارى فإذا به محتلف تمام الإختلاف وليته إختلافا في الألفاظ فحسب بل إن ماوجدناه في كتبهم يهدم كل القيم والمبادئ بل ويرسخ لكل الرذائل وسفك الدماء وحتى لا يكون الكلام مرسلا نعرض لك عزيزي القارئ هذا الموقف من القرآن الكريم ومن العهد القديم وقبل أن نتحدث عن الموقف : أسالك عزيزي القارئ بالله عليك ما الذي يخطر ببال أي انسان لحظة الإحتضار؟

فأنا لن أجيب بل أترك لك الإجابة ؛ وأعرض لك هذا الموقف فهو يبين اللحظات الأخيرة في حياة نبي الله يعقوب عليه السلام .
ففي القرآن الكريم : قال الله تبارك وتعالى { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 133 تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ 134

يقول الإمام القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن في هاتين الآيتين الكريمتين يقص علينا الله عز وجل وقت إحتضار نبيه يعقوب عليه السلام وسؤاله أبنائه فقوله تعالى {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} الخطاب لليهود والنصارى الذين ينسبون إلى إبراهيم ما لم يوص به بنيه ، وأنهم على اليهودية والنصرانية ، فرد الله عليهم قولهم وكذبهم ، وقال لهم على جهة التوبيخ : أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدعون عن علم ، أي لم تشهدوا ، بل أنتم تفترون.

ومعنى {ذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} أي حضره مقدمات الموت وأسبابه ، وإلا فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا. وعبر عن المعبود "بما" ولم يقل من ، لأنه أراد أن يختبرهم ومعنى {مِنْ بَعْدِي} أي من بعد موتي. وحكي أن يعقوب حين خير كما تخير الأنبياء اختار الموت وقال : أمهلوني حتى أوصي بني وأهلي ، فجمعهم وقال لهم هذا ، فاهتدوا وقالوا : {نَعْبُدُ إِلَهَكَ} الآية. فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بالله تعالى.

قوله تعالى : {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} وسمى الله كل واحد من العم والجد أبا ، وبدأ بذكر الجد ثم إسماعيل العم لأنه أكبر من إسحاق. و"إلها" بدل من "إلهك" وكرره لفائدة الصفة بالوحدانية. لأن الغرض إثبات حال الوحدانية.
قوله تعالى : {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ابتداء وخبر
الآية : 134 {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

قوله تعالى : {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} "تلك" مبتدأ ، و"أمة" خبر ، "قد خلت" {لَهَا مَا كَسَبَتْ} "ولكم ما كسبتم" مثله ، يريد من خير وشر. وفي هذا دليل على أن العبد يضاف إليه أعمال وأكساب ، وإن كان الله تعالى أقدره على ذلك ، إن كان خيرا فبفضل الله وإن كان شرا فبعدل الله تعالى .
قوله تعالى : {وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي لا يؤاخذ أحد بذنب أحد ، مثل قوله تعالى : {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام : 164] أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى ،
ثم عقب جل وعلا بقوله تعالى {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
فقوله تعالى : {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} إنما يعني أن كل فرقة دعتت  الاخرين إلى ما هي عليه ، فرد الله تعالى ذلك عليهم فقال : {بَلْ مِلَّةَ} أي قل يا محمد : بل نتبع ملة و دين إبراهيم. و"حنيفا" تعني أنه  مائلا عن الأديان المكروهة إلى الحق وهو دين إبراهيم عليه السلام

ثم حسم سبحانه وتعالى الامر بقوله تعالى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}

ومن ثم علينا أن لانشغل أنفسنا بأعمال وأفعال من سبقنا بل نستفيد من العبر التي مرت بهم والتي تحث على العقيدة السليمة والخُلق الحسن ، لعلمه سبحانه وتعالى أن الناس صنفين صنف مؤمن صادق لا يهمه سوى كيف ينجي نفسه من الخسران بعد أن أقسم جبار السماوات والأرض أن الإنسان خاسر لا محالة ما لم يتدارك نفسه قبل أن يتدرّك في دركات جهنم والعياذ بالله ، فيأخذ من قصص الأنبياء ما يقربه إلى الجنة ويزحزحه عن النار

لقوله تعالى  { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }

ولذا قال تعالى  { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}
وصنف آخر مذبذب في كل شيء سفيه العقل مريض القلب يتشبث بالقشور وهؤلاء

 قال عنهم الحق سبحانه وتعالى {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الأحرة هم غافلون }

 فهؤلاء يتسائلون : كيف يسأل يعقوب أولاده ؟!أولا يعرف أبناءه ؟ ولم ذلك ومتى وأين ....؟؟؟؟
فقطع الله تعالى على المشككين وكثيري الأسئلة كلامهم ، وأخبرهم أن للسابقين ما كسبت أيديهم  ومن ثم فإننا أيضا سيكون لننا ما تكسبه أيدينا ليس ذلك فحسب ، بل لن يسألك رب العزة عن ما عمل إبراهيم..!! ولا عن ما عمل يعقوب ..!! عليهما السلام
فكيف يسألك ربك عن ما عمل الصديق والفاروق رضي الله عنهما أوغيرهما من الصحابة الكرام ؟ إذن فلماذا يقوم الشيعة والروافض وغيرهم بسب الصديق والقاروق والصحابة الأفاضل رضى الله عنهم أجمعين . 
هذا ما قاله القرآن الكريم وحكاه عن لحظة الإحتضار ليعقوب عليه السلام

ولكن ياتري كيف تناول العهد القديم هذا الموقف ؟ سأذكر لك عزيزي القارئ ما قالوه وأتركه دون تعليق لأنه واضح يذاته .فقالوا في سفر التكوين الإصحاح التاسع والأربعون

1وَدَعَا يَعْقُوبُ بَنِيهِ وَقَالَ:

1-      «اجْتَمِعُوا لأُنْبِئَكُمْ بِمَا يُصِيبُكُمْ فِي آخِرِ الأَيَّامِ. 2اجْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا يَا بَنِي يَعْقُوبَ، وَاصْغَوْا إِلَى إِسْرَائِيلَ أَبِيكُمْ:

2-       3رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي، قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ الرِّفْعَةِ وَفَضْلُ الْعِزِّ. 4فَائِرًا كَالْمَاءِ لاَ تَتَفَضَّلُ، لأَنَّكَ صَعِدْتَ عَلَى مَضْجَعِ أَبِيكَ. حِينَئِذٍ دَنَّسْتَهُ. عَلَى فِرَاشِي صَعِدَ.

3-       5شِمْعُونُ وَلاَوِي أَخَوَانِ، آلاَتُ ظُلْمٍ سُيُوفُهُمَا. 6فِي مَجْلِسِهِمَا لاَ تَدْخُلُ نَفْسِي. بِمَجْمَعِهِمَا لاَ تَتَّحِدُ كَرَامَتِي. لأَنَّهُمَا فِي غَضَبِهِمَا قَتَلاَ إِنْسَانًا، وَفِي رِضَاهُمَا عَرْقَبَا ثَوْرًا. 7مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا فَإِنَّهُ شَدِيدٌ، وَسَخَطُهُمَا فَإِنَّهُ قَاسٍ. أُقَسِّمُهُمَا فِي يَعْقُوبَ، وَأُفَرِّقُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ.

4-       8يَهُوذَا، إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ، يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ، يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. 9يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ، مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي، جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟ 10لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ. 11رَابِطًا بِالْكَرْمَةِ جَحْشَهُ، وَبِالْجَفْنَةِ ابْنَ أَتَانِهِ، غَسَلَ بِالْخَمْرِ لِبَاسَهُ، وَبِدَمِ الْعِنَبِ ثَوْبَهُ. 12مُسْوَدُّ الْعَيْنَيْنِ مِنَ الْخَمْرِ، وَمُبْيَضُّ الأَسْنَانِ مِنَ اللَّبَنِ.

5-       13زَبُولُونُ، عِنْدَ سَاحِلِ الْبَحْرِ يَسْكُنُ، وَهُوَ عِنْدَ سَاحِلِ السُّفُنِ، وَجَانِبُهُ عِنْدَ صَيْدُونَ.

6-       14يَسَّاكَرُ، حِمَارٌ جَسِيمٌ رَابِضٌ بَيْنَ الْحَظَائِرِ. 15فَرَأَى الْمَحَلَّ أَنَّهُ حَسَنٌ، وَالأَرْضَ أَنَّهَا نَزِهَةٌ، فَأَحْنَى كَتِفَهُ لِلْحِمْلِ وَصَارَ لِلْجِزْيَةِ عَبْدًا.

7-      16دَانُ، يَدِينُ شَعْبَهُ كَأَحَدِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. 17يَكُونُ دَانُ حَيَّةً عَلَى الطَّرِيقِ، أُفْعُوانًا عَلَى السَّبِيلِ، يَلْسَعُ عَقِبَيِ الْفَرَسِ فَيَسْقُطُ رَاكِبُهُ إِلَى الْوَرَاءِ. 18لِخَلاَصِكَ انْتَظَرْتُ يَا رَبُّ.

8-     19جَادُ، يَزْحَمُهُ جَيْشٌ، وَلكِنَّهُ يَزْحَمُ مُؤَخَّرَهُ.

9-      20أَشِيرُ، خُبْزُهُ سَمِينٌ وَهُوَ يُعْطِي لَذَّاتِ مُلُوكٍ.

10- 21نَفْتَالِي، أَيِّلَةٌ مُسَيَّبَةٌ يُعْطِي أَقْوَالاً حَسَنَةً.

11- 22يُوسُفُ، غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ عَلَى عَيْنٍ. أَغْصَانٌ قَدِ ارْتَفَعَتْ فَوْقَ حَائِطٍ. 23فَمَرَّرَتْهُ وَرَمَتْهُ وَاضْطَهَدَتْهُ أَرْبَابُ السِّهَامِ. 24وَلكِنْ ثَبَتَتْ بِمَتَانَةٍ قَوْسُهُ، وَتَشَدَّدَتْ سَوَاعِدُ يَدَيْهِ. مِنْ يَدَيْ عَزِيزِ يَعْقُوبَ، مِنْ هُنَاكَ، مِنَ الرَّاعِي صَخْرِ إِسْرَائِيلَ، 25مِنْ إِلهِ أَبِيكَ الَّذِي يُعِينُكَ، وَمِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي يُبَارِكُكَ، تَأْتِي بَرَكَاتُ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَبَرَكَاتُ الْغَمْرِ الرَّابِضِ تَحْتُ. بَرَكَاتُ الثَّدْيَيْنِ وَالرَّحِمِ. 26بَرَكَاتُ أَبِيكَ فَاقَتْ عَلَى بَرَكَاتِ أَبَوَيَّ. إِلَى مُنْيَةِ الآكَامِ الدَّهْرِيَّةِ تَكُونُ عَلَى رَأْسِ يُوسُفَ، وَعَلَى قِمَّةِ نَذِيرِ إِخْوَتِهِ.

12- 27بَنْيَامِينُ ذِئْبٌ يَفْتَرِسُ. فِي الصَّبَاحِ يَأْكُلُ غَنِيمَةً، وَعِنْدَ الْمَسَاءِ يُقَسِّمُ نَهْبًا

 

 

 

أرأيت عزيزي القارئ الفارق بين ما بينه القرآن الكريم وبين ما حكاه العهد القديم الذي يقدسه اليهود والنصارى

إن من لديه مسحة من عقل يعلم أن سباب الأنبياء والمصلحين إنما هو من شيم اليهود والنصارى لأن ما ذكرته لك هو فيض من غيض من كتبهم لأننا لو ذكرنا لك عزيزي القارئ ما ذكروه عن داود وسليمان عليهما السلام وغيرهما من أنبياء الله  لشعرت باشمئزاز   ونفرت منهم ولا حول ولا قوة الا بالله .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الأول

الشيعة والقاديانية بين بولس وابن سبأ

إن من يطلع على العهدين القديم والجديد يشعر بأن أيد خفية تدخلت وغيرت المعالم التي جاء بها موسي وعيسى عليهما السلام ولقد خدع اليهود والنصارى ابناءهم ؛ لأنهم سجلوا ما أرادوه في كتابهم وأوهموهم أنه دستور منزل من  رب العالمين .  والعجيب أنهم يعترفون بمن قام بهذا التغيير ألا وهو بولس كما قالوا وبينوا ذلك في سفر أعمال الرسل علي لسان بولس نفسه وعلى لسان تلاميذه .  

والحمد لله أن وجدنا شاهدا من بني جلدتهم وهو  د. روبرت كيل تسلر يذكر ذلك وبينه في كتاب باسم " الخديعة الكبرى " وتحدث فيه بالتفصيل عن بولس وما قام به من خداع للمسيحين وسنعرض في ثنايا كتابنا فقرات من كتابه ولكن نذكر الآن بغض ما قيل من تعليقات عن كتاب  "الخديعة الكبرى "

1- قالت الدكتورة أوتا رناكه هاينيمان Uta Ranke- Henemann أستاذة اللاهوت بإسن : عن هذا الكتاب :" فرغت تواً من قراءة كتابكم وقد سررت به كثيراً ، فهو يناقش نقاطاً جوهرية كانت تشغلنى منذ وقت بعيد ، منها :

1- تأثير مذهب الغنوصية على أفكار بولس المتعلقة بمبدأ العداء الجنسى.

 2- نظرية الفداء ونتائجها الوحشية المؤثرة على تخيلنا لطبيعة الله وقسوة الإنسان فى كتمانها. وإنى لأشكركم على إهدائكم إياى كتابكم هذا ".

2- أما المؤلف الموسيقى فيلى هيس Willy Hess من مدينة فينترتور Winterthur [بسويسرا] فقال :" أجد أن هذا الكتيب ( المخدوع الأكبر على مر الزمان : Der gr??te Betrogene aller Zeit رائع وموضوعى فى كل جوانبه

3-و السيدة : راجنهيلد هـ . Ragnhild H. من ألمانيا الإتحادية تقول:

 "أجد عنوانكم مطبوعاً على كتيبكم هذا (المخدوع الأكبر على مر الزمان) ، وقد قرأته فى هذه الأيام باهتمام لامثيل له . وإنه ليحزننى أن يتأكد لى دائماً أن ديننا اليوم به الكثير من اللوثات السفسطائية .

 ويبدو أنه لابد أن يبلغ المرء (45) عاما حتى يؤكد له أحد رجال الدين بشكل واقعى تماماً ما كنا نفكر فيه لأعوام من نقد يوجه للكنيسة واللاهوت المعاصر. وعلى كل حال لكم منى جزيل الشكر على حريتى التى حصلت عليها بقراءتى لكتابكم هذا الذى يسعدنى أن أضمه لمكتبتى أو أنشره بين الناس"

4- " السيدة فيرا ج هاينريش Vera G. Heinrich فيينا تقول :  وعلى أكثر الإحتمالات فإن موضوع بولس هذا سوف يدفعنا لإعلان الحقيقة المأساوية وهى أن المسيحية التى قامت كل هذه القرون وبقيت حتى يومنا هذا قد فشلت فى كل المجالات".

 5- [ويقول المؤلف نفسه على ظهر غلاف كتابه تحت عنوان " تكاد لاتصدق!] منذ (2000) عاماً يؤمن المسيحيون أن دينهم هذا هو دين عيسى وفى الحقيقة فهو دين آخر تماماً : دين بولس الذى لم يتخل أبداً عن عدوانه لعيسى وهذا مايقر به أيضاً العديد من رجال اللاهوت المسيحى ذات الصيت الذائع (أنظر صفحة 33 من الكتاب) .

فمن هو د. روبرت كيل تسلر Robert Kehl. Zeller ؟

ولد د. روبرت كيل تسلر عام 1914عمل كموظف بوزارة العدل، ثم قاضياً ثم مدرساً بجامعة زيوريخ للقانون المدنى، ويعمل الأن كمحام وباحث فى الدين والأخلاق .في رأيه من المخدوع الأكبر على مر الزمان ؟

يقول : "عندما نتكلم عن الخداع بمفهوم فشل منزه عن الغرض ، أى بمفهوم التحول ، فنكون بذلك قد أخطأنا ركوب القطار الصحيح، أو شعرنا [على الأقل] بضياع جزء من حياتنا كنا نقضيه منخدعين، حيث نكون قد أخطأنا استثمار وقتنا وجهدنا.

فقد كان عيسى كثير الرثاء على تلاميذه الذين رباهم وعلمهم بنفسه ، فقد كان يرميهم بعدم فهمهم أياه ، وبالطبع فالإنسان الذى لم يتمتع بمثل هذه التربية ، يمكن أن يسئ فهم عيسى بصورة أكبر . فما بالنا لو كان هذا عدوه ، ونعنى به هنا بولس."

(كما تدين تُدان)

ولذا فأنا أناشد أي مدع على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأي من الصحب الكرام رضوان الله عليهم أجمعين  أناشده أن بعيد النظر مرة تلو المرة فيما يقول وأن يتبع تعاليم الله تعالى ولا يتبع تعاليم الشيطان  فتعاليم الله تعالى على الأقل ترى فيها إحترام الأخر و أن الله تعالي أمرنا بالعفة والطهر ونبذ الفحش من القول  .

فعليك أيها الرافض لكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم  إما أن تقرأ عنهم أولا وإما أن تكف لسانك وقلمك عن الطعن في الصحابة وأمهات المؤمنين فما دمت  لن تسأل عنهم يوم تقوم الساعة فعليك أن تتوقف عن ظلمهم ،و لو كنت تعتقد فيهم المعتقدات الباطلة فلا تتفوه عنهم بسوء .
إنّ من ينصب نفسه قاضيا على الناس عليه أن يقبل المحاسبة . ولقد ورد في الأثر:(كما تدين تُدان)،وهذا لأنّ السهم المسموم يقتل صاحبه أيضاً إن جاز له أن يقتل الآخرين!

كما ورد في الأثر : من عادى أولياء الله عز وجل، فقد آذنه الله بالحرب.

فلما تعيبون على الخلفاء والائمة العظماء رضي الله عنهم ؟أم إنها النظرة العوراء ؟!

وقد توفي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه و قد أكتمل الدين !!فقال ربنا عزوجل :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}فعجباً للذين يتصيدون العثرات لأصحاب رسول الله! أما تفكروا في ذنوبهم؟ أم لا يخافون سوء العاقبة والمنقلب وهم يعادون الأخيار ويتهمونهم بأشنع التهم؟!

حقا {فإنها لا تعمى الأبصار}

لقد صدق ربنا جل وعلا حين قال {فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } فهؤلاء الشيعة والروافض يرون القذي في أعين الناس ولا يرون الخشبة التي في أعينهم  ولتوضيح ذلك نعرض بحثا قدمه الباحث خالد السهلى بتصريف يسير وهو كالاتي

قال جل وعلا {إنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }
قال عز وجل {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }
قال ربنا جل شأنه {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّه ِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}
يتبين لنا من هذه الآيات  :
1-   أن الله عز وجل لا يغفر لمن يشرك بالله شيئا..
2-  أعظم معصية يرتكبها العبد هي أن يشرك بالله شيئا ..
3-  حرم الله على المشرك دخول الجنة ومأواه جهنم .. !!
4- من أشرك به شيئا :
أ- فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً
ب- فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً

ولا أظن أن يوجد مسلم يخالف في أنه من الشرك :(صرف أي نوع من أنواع " العبادة " لغير الله عز وجل)ولكن هل الدعاء .. عبادة ؟!بمعنى آخر هل الذي يدعو غير الله عز وجل كمن عبد غير الله ؟!دعونا أيها الأحبة أن نلقي نظرة متأمل في كتاب الله عزوجل

وما يتوفر في مصادر الشيعة بهذا الخصوص ..

قال تعالى :{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }
وقال عزوجل :{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً }
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :« الدعاء مخُّ العبادة ، ولا يهلك مع الدعاء أحد» بحار الاَنوار 93 / 300
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :« أفضل العبادة الدعاء » عدة الداعي : 35
قال الامام أبو جعفر عليه السلام :« إن أفضل العبادة الدعاء » الكافي 2/338
قال الاِمام الصادق عليه السلام :« إنّ الدعاء هو العبادة »الكافي 2/339

من هنا يتضح لنا جميعا – ولله الحمد والمنة - أن الدعاء عبادة !فمن دعا ( عبد ) غير الله عزوجل  فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّار.لأنه أشرك بالله شيئا !

دعونا نطرح مثالا واقعيا على ما أشرنا إليه :

روى المفضل بن عمر عن الامام الصادق (عليه السّلام):" إذا كانت لك حاجة الى اللّه ،وضقت بها ذرعـًا ، فـصلّ ركعتين ، فإ ذا سلّمت كبّر اللّه ثلاثًا ، وسبّح تسبيح فاطمة ( سلام اللّه عليها ) ،ثـمّ اسـجـد وقـل مـائة مـرّة :يـا مـولاتـي فـاطـمـة اغـيـثـيـنـي. ثـمّ ضـع خدّك الايمن على الارض ، وقـل مـثـل ذلك ، ثـمّ عـد الى السـجـود وقـل ذلك مائة مرّة وعشر مرّات ، واذكر حاجتك ، فإ نّ اللّه يقضيها . "(بحار الأنوار جزء 99 – ومصادر أخرى)

ولقد نبه القران الكريم من خطر الدعاء لغير الله تعالى فقال جل وعلا {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
قال الامام الخوئي :إن المفضل بن عمر جليل ، ثقة ، والله العالم .(معجم رجال الحديث جزء 19)ثم يقول : هل تعلمون ماذا تسمى هذه الصلاة ؟!هل تسمى صلاة الاستغاثة بالله عزوجل .. الخالق .. الرازق .. ؟!لا .. !!تسمى " صلاة الاستغاثة بالزهراء " !!(مفاتيح الجنان للقمي) والأمثلة على ذلك كثيرة من واقع وكتب الشيعة !!

***هل تعلمون أيها الأحبة من كان يدعو " المشركون الأوائل " في حالة الضيق ؟!

قال الله تعالى عنهم {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }

وأما هنا في هذا الحديث نجد في حالة الضيق:دعاء( عبادة) سيدتنا فاطمة رضي الله عنها

ألم يقل سبحانه وتعالى  {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
وقال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }

وقال ربنا عن خير البشرية صلوات ربي وسلامه عليه {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً } فهذا خير البشرية لا يملك لنا الضر و النفع ؛ فكيف بمن سواه !؟ وقال تعالى{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } فلمَ نتجه إلى غيره !؟

قد يقول قائل :إن هذا توسل وليس دعاء .. و التوسل "يا علي" جائز !!

نقول له :

أولا: هذه الصيغة هي صيغة شركية بحتة ولا تدخل في التوسل الممنوع ولا الجائز.فصيغة التوسل تختلف لأنها:  (اللهم إن أسألك بحق فلان)أما هذا دعاء مباشر لغير الله تعالى !

ثانيا :فما الفائدة إذا ً بقولكم أثناء الدعاء "يا علي "إن كان "يا محمد " جائز أيضا ً
لأن قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند الله أعلى وأجل بدون جدال
إما أنكم :
1- تعتقدون أنه لا فضل للنبي صلى الله عليه وسلم على علي رضي الله عنه

وهذا ((كفر)) !!
2-  تطلبون الوساطة (بزعمكم) ممن هو أقل قدرا ًوهذا ((تعطيل لنعمة التفكر ))!!
3- تتبعون ما ألفيتم عليه آبائكم من غير إدارك أو تمحيص وهذا ((هوى)) !!
والثلاثة مهلكات . نسأل الله السلامة والهداية

إن من يطالع ماقام به الشيعة وما يقوم به المسيحيون يشعر أنه يخرج من مشكاة واحدة وهذه حقيقة لأن المصدرين واحد وهو فكر اليهود ؛ فكما نجح اليهود في إرسال بولس فقام بتغيير النصرانية حتى اصبحت خاوية تماما من أي شئ يخص المسيح عليه السلام كذلك قام اليهود والمسيحيون على السواء بإيفاد أحدهم ألا وهو عبد الله بن سبأ ليغير الإسلام . إلا أن الله تعالى حال بينهم  وبين ما يشتهون وحفظ الله تعالى الدين ؛  غير أن  هناك طائفة زلت أقدامها وصارت خلفهم  وهم الشيعة والقاديانية وغيرهم وقبل أن نتحدث عنهم نذكر نبذة عن بولس وعبد الله بن سبأ لتتعرف عليهما عزيزي القارئ

تقول الموسوعة البريطانية عن المسيحية :

هذه الطائفة الجديدة من اليهودية التي تدعو نفسها مسيحية حطمت جوهر تربية بولس اليهودية ودراساته التي تلقّاها على أيدي المعلمين اليهود. ولـهذا فقد أصبح القضاء على هذه الطائفة رغبة محمومة لديه (غلاطية 13:1).

وهكذا بدأ ملاحقته "لجماعة الناصريين" حتى الموت (أعمال 9:26-11). "وكان يسطو على الكنيسة" (أعمال 3:8).

وانطلق إلى دمشق حاملاً معه وثائق تخوله القبض على أتباع المسيح وتقديمهم للمحاكمة.ثم حين وجد أن أتباع المسيح يزدادون إذا به يختلق قصة رؤية المسيح عليه السلام ثم يتدخل في هذا الدين ليستأصل شأفته.

 ولكن الحمد لله الذي أظهر طويته وبينها للكثيرين فرأوه علي حقيقته كذابا مراوغا تمكن من دين المسيح عليه السلام حتى غير معالمه ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى .  ولذلك نلحظ الكثير من النتاقضات في حديثه واقواله والذي يحزننا هو صمت الكنيسة رغم أنها تقرأ هذه الأغاليط والأكاذيب ليل نهار .

تناقضات لايمكن تجاهلها بين أقوال المسيح عليه السلام وتعاليم بولس :

من البديهى أن من يدعى أنه من أتباع مؤسس ديانة ما أو من حوارييه فلابد له أن ينهج نهج معلمه ، وأن يتبنى تعاليمه وكلماته دائماً. ولهذا فمن غير المجدى أن نبحث فى رسائل بولس . التى أصبحت بجد القاعدة الأولى لبناء ما يطلق عليه الدين المسيحى- عن كلمات وتعاليم المسيح التى يمكن أن ترتبط بتعاليم بولس التى تمخضها خياله الخاص.

إلا أن بولس قد قام بالنقيض تماماً ، فقد نادى بتعاليم إنجيل آخر يختلف عن إنجيل عيسى عليه السلام اختلافاً جذرياً . فهناك جزء كبير مما كتبه بولس يناقض فكر عيسى عليه السلام أو رسالته أو تعاليمه بصورة لا يمكن أن نجد معها مخرجاً، وهى تتعلق غالبا بمبادئ العقيدة .

أ- أما ما يتعلق بمخالفة فكر عيسى [عليه السلام] نحو :

1) - التعصب الذى يشوب مواقف بولس. فعلى سبيل المثال ماذكره بولس فى رسالته إلى غلاطية (1: 8-9 ) [ وفيها يقول : ولكن  إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيماُ (أى ملعونا)] ، ورسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (16: 22) [والتى يقول فيها : إن كان أحد لايحب الرب يسوع فليكن أناثيماً].

فهذه أقوال لايمكن أن نتخيل أن تصدر من عيسى أو نجد لها مشابه فى تصرفاته ، إلا أن الكنيسة قد أتخذته مبدءاً أساسياً تمسكت به فيما بعد .

وفى الفقرة الأولى المذكورة أعلاه يقول بولس : " وإن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم (بمعنى منى) فليكن (أناثيما) ملعوناً ! " وهو نفس النهج الذى يتبعه أصحاب المذهب الأرثوذكسى. وكذلك خرجت جملة "تجنب المبتدع" من المطبخ البولسى [ وهى تقول: "الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه"] ( نبطس 3: 10).

ترى كيف أرشد عيسى ? تلاميذه عندما اتخذوا ذات مرة نفس هذا الموقف (لوقا 9: 55)! [ فالتفت وانتهرهما وقال : لستما تعلمان من أى روح أنتما، لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس بل ليخلص"] (9 : 55 -56 ) .

ألم يقل فى مثل هذه المناسبة أنه ينبغى على المرء ألا يقلع الحشائش الضارة حتى لاينزع معها القمح أيضاً ؟ [ "فقال.. لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان وأنتم تجمعونه. دعوهما ينميان معا إلى الحصاد. وفى وقت الحصاد أقول للحصادين : اجمعوا أولاً الزوان وأحزموه ليحرق . أما الحنطة فأجمعوها إلى مخزنى"] (متى 13 : 29- 30)]

فقد كان بولس أساساً من النوع المتعصب لملته والمضطهد لمخالفيه فى العقيدة وقد كان قبل حادثة دمشق التي اختلقها (أعمال الرسل الإصحاح التاسع) أحد كبار أعضاء محكمة التفتيش، وأحد الذين جمعوا أكوام الحطب للمخالفين لهم.

 واقرأ عن ذلك فى أعمال الرسل [وحدث فى ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التى فى أورشليم "..أما شاول [غير اسمه فيما بعد إلى بولس] فكان يسطو على الكنائس وهو يدخل البيوت ويجر رجالاً ونساءً ويسلمهم إلى السجن " (8 : 1،3) و" أما شاول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرب" (1:9)].

ولك أنت أن تتخيل أن أنساناً له مثل هذه الأوصاف هو مؤسس "المسيحية" التى نعتنقها اليوم، فهو لم يستطع أن يفقد مثل تلك الملامح التى أصبحت أساس الإضطهاد "المسيحى" حتى يومنا هذا .

ب) يضاف إلى ذلك أيضاً تعليقات بولس المزرية تجاه الحواريين الآخرين، وجريرتهم فى ذلك أن آراءهم العقائدية تخالف تلك التى تبناها بولس. وقارن فى ذلك على سبيل المثال: كورنثوس الثانية (5:11) وأيضاً (12: 11) [وفيها يقول: " قد صرت غبياً وأنا أفتخر. أنتم ألزمتمونى لأنه كان ينبغى أن أمدح منكم إذ لم أنقص شيئاً عن فائقى الرسل وإن كنت لست شيئاً"] بل بلغ الأمر أن وصف أعداءه بأنهم كلاب [فقال: انظروا الكلاب انظروا فعلة الشر، انظروا القطع" كما قال عن أم البشرية وزوجة النبى آدم أبى البشرية إنها: "الحية حواء" (كورنثوس الثانية 11 :3)]

3- كذلك جاء ماكتبه فى اعتقاد صحة إيمانه ، حيث قام بإلغاء الكثير من العقائد الصحيحة والتى التزم بها عيسى ? من قبله، مثل التفريق بين المؤمنين والكافرين .

فقد كان عيسى ] يفرق بين الناس ذات النوايا الطيبة وأخرين لهم قلوب شريرة بطريقة مختلفة تماماً.

ولم يكن الإهتمام الكبير بمسائل الإيمان وعلى الأخص الإيمان الصحيح (الأرثوذكسية) فى العالم الذى كان يعيش فيه عيسى ] شيئاً جديداً فحسب ، بل كان أيضاً شيئاً غير مفهوم بالمرة.

ولم يتخيل إنسان ذلك العصر- عصر الأمبراطورية الرومانية- لمدة طويلة أنه يمكن لإنسان ما أن ينظر إلى الإيمان نظرة جادة على أنه تعاليم عقائدية ، بل كان يرى فيه نجاته .

فلم تكن الأديان القديمة أديان عقائدية، بل لم تمثل العقائد عندهم إلا شيئاً ثانوياً، أسلموها راغبين للفلسفة التى لاتنفك عن تشعب الأراء واختلافها مع بعضها البعض، وأصبحت فيما بعد مذهب، بل لم يتعد معنى هذه الكلمة أكثر من "رأى"، ولم يصبح عقيدة، ملزمة إلا بأيدى القياصرة المسيحيين الذين أجبروا الإمبراطورية كلها على اعتناقها رسمياً بإصدار قانون بذلك يلزم الرعية بإعتناقها كدين.

وأدت كلمات "رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة " (أفسس 4: 4-5) إلى آثار سيئة كما قضى على كل محاولة للجمع بين مذهبين أو أكثر بالفشل فى مهدها  

 ب) والأهم من ذلك هو جنوحه الشديد عن تعاليم عيسى [عليه السلام] ، وعلى الأخص المتعلقة ببعض أسس هذه الديانة نذكر منها :

 1- تعاليم بولس التى تنص على أن كل إنسان منذ ولادته فاسد وسئ ، ولا يمكن أن يأتى شيئاً حسناً بسبب قدرته الأخلاقية . وهى تعاليم لا تمت لعيسى  بصلة عند أكثر العقلاء تفاءلاً . إلا أن بولس يرى كل إنسان حديث الولادة شيطان صغير [ ارجع إلى (متى 19: 13-15) عندما " قدم إليه أولاد لكى يضع يديه عليهم ويصلى فانتهرهم التلاميذ. أما يسوع فقال دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات ، فوضع يديه عليهم ومضى من هناك "]

2- كذلك لانجد فى تعاليم عيسى ] أية أثر للقدرية والجبرية ، تلك التعاليم الفظيعة التى تبناها بولس -أنظر ( رومية 8: 29 ؛ 9 : 11-13 ؛9 :18 ؛9 :22 ) - والتى تقول: " لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم لكيونوا مشابهين صورة ابنه .... " (رومية 8: 29) ، لأنه وهما لم يولدا بعد ولافعلا خيراً أو شراً لكى يثبت قصد الله حسب الإختيار ليس من الأعمال بل من الذى يدعو. قيل لها إن الكبير يُستعبد للصغير- كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو.

 فماذا نقول . ألعل عند الله ظلما. حاشا لأنه يقول لموسى إنى أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف. فإذاً ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذى يرحم لأنه يقول الكتاب لفرعون: إنى لهذا بعينه أقمتك لكى أظهر فيك قوتى ولكى ينادى بإسمى فى كل الأرض فإذاً هو يرحم من يشاء ويُقَسِّى من يشاء" (رومية 9: 1-18).

3- ومن الجدير بالذكر أن بولس لم يتفوه بكلمة عن رسالة عيسى بشأن ملكوت الله ، تلك التى تمثل المركز الأساسى الذى كانت تدور حوله دعوته .

4- كذلك إن آراء بولس عن الجسد والجنس والزواج والمرأة لم يعرفها عيسى مطلقاً، هذا على الرغم من أن هذه النظرية لم تؤثر فى العقيدة إلا قليلاً ، إلا أنها أصبحت فيما بعد من أساسيات المسيحية .

أ- ومنها الوضع المتحفظ للمرأة الذى أسسه بولس، هذا إذا تجاهلنا العهد القديم. وكذلك الإفراط الذى لايمكن تصديقه لجرائم الزنا (ارجع إلى كورنثوس الأولى 6 :18؛ 7 :1، 2 ["ويقول فيها: "فحسن للرجل أن لا يمس امرأة، ولكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته، وليكن لكل واحدة رجلها"] و 7 : 38 [ويقول فيها "إذا من زوج فحسنا يفعل ومن لايزوج يفعل أحسن . المرأة ، مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حياً . ولكن إن مات رجلها فهى حرة لكى تتزوج بمن تريد فى الرب فقط . ولكنها أكثر غبطة إن لبثت هكذا حسب رأيى. وأظن أنى أنا أيضاً عندى روح الله "غلاطية 5 :17؛ أفسس3:5،5 ؛ كولوسى 3: 3، 5-6]

ب - كذلك يعد حرمان التأريخ من النور الذى دام ألفين من السنين أحد أعمال بولس الرئيسية، التى أرهقت البشرية ، والتى تحتاج الكثير من البذل والعطاء لكى تصحح . وأنا أشير هنا فقط - عوضا عن نصوص أخرى كثيرة - إلى نص بولس الذى يمثل الأساس الذى بنى عليه نظرية "الأخلاق الآسنة القائلة": "فحسن للرجل أن لايمس امرأة " (كورنثوس الأولى 7: 1)

كذلك لايرجع ما يطلق عليه الحياء الكاذب إلا إلى بولس وحده ، حيث قال إن عورات الإنسان لشئ " مشين" وهو مانزال نلاحظه منذ عدة قرون إلى يومنا هذا، وهو ما ذكره بولس فى (كورنثوس الأولى 12 : 23) كذلك أكد بولس أن الشهوة الجنسية " إثم " وهو ما أصبح أحد أسس الأخلاق الجنسية لمدة (2000) عاماً (كولوسى 3: 5) [وفيها يقول: " فأميتوا أعضاءكم التى على الأرض: الزنا ، النجاسة ، الهوى ، الشهوة المردية ،الطمع الذى هو عبادة الأوثان " ]

ج- كذلك جاءت أخلاق الزواج عنده بشكل مشابه، وهو ما ارتكن إليه لوثر من بعد، وأشير هنا إلى نص المذكور فى (كورنثوس الأولى 7: 9) [ والذى يقول : "ولكن أقول لغير المتزوجين والأرامل أنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا . لأن التزوج أصلح من التحرق " ] أى أن الزواج عنده شر لابد منه حتى" لاتعانى من جماح الشهوة ".

ومع أن هذا أمر ( شديد السوء!) إلا أنه موقفه من الزواج. الأمر الذى لايمكن أن نصفه إلا بأنه أكثر من مؤلم ..

كذلك فإن حق الزوجية يعتمد فى المسيحية أساساً على قول بولس فى ( كورنثوس الأولى 7: 3 وما بعدها ) ويقبله قانون الكنيسة الكاثوليكية بصورة أساسية (C an.III)، فقد مرت أوقات كانت تجبر فيها المرأة بسبب حكمة بولس هذه أن تسلم نفسها لزوجها حتى لو كان يعانى من الطاعون ! ويجب على كل إنسان أن يفهم أنه لو حكم عيسى ] فى هذه القضية لاختلف حكمه تماماً.

د - ولم يقل عيسى ] مطلقا إن المرآة تحصل على الخلاص عن طريق الإنجاب. إلا أن هذا ما أقره بولس فى (تيموثاوس الأولى 2: 15) [حيث يقول فيها "ولكنها ستخلص بولادة إن تُبن فى الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل" ].

كذلك لم يقل عيسى ] إن المرأة تختلف عن الرجل، فيجب أن تغطى وجهها فى الكنيسة (كورنثوس الأولى 11 : 5) [وفيما يقول: "وأما كل إمرأة تصلى أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها، لأنها والمحلوقة شئ واحد بعينه"] أو يجب عليها أن تخشى الرجل (أفسس 5 : 33) [وفيما يقول: "..... وأما المرأة فلتحب [أى تخاف] رجلها"].

لم يستطع بولس أن يؤكد على نقص المرأة وواجبها فى أن تخضع للرجل كسيد لها، كما تخضع لله بصورة أكثر من قوله [ "أيها النساء اخضعن لرجالكم كماللرب لأن الرجل هو رأس المرأة "] (أنظر على سبيل المثال أفسس 5 : 22 ).

فتبعا لرأيه قد خلقت المرأة من أجل الرجل فقط (كورنثوس الأولى 11 : 9). ولإظهار مجده ["ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل "] بينما خلق الرجل كصورة الله ومجده (كورنثوس الأولى 11 : 7) [ "فإن الرجل لاينبغى أن يغطى رلأسه لكونه صورة الله ومجده ، وأما المرأة فهى مجد الرجل " ].

كذلك يجب على المرأة داخل الكنيسة ألا تتكلم , ولو كانت تعلم شيئاً بل عليها ألا تسأل زوجها إلا فى المنزل (كورنثوس الأولى 14: 34-35) ["لتصمت نساؤكم فى الكنائس لأنه ليس مأذونا لهن أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس أيضاً. ولكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن فى البيت، لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم فى الكنيسة"]

ومازالت بعض الطوائف تفرض على المرأة لليوم أن ترتدى قبعة أثناء القداس .

5- أما سلبية بولس بشأن الجنس فهى ليست إلا ظاهرة لموقفه الخاطئ تجاه الطبيعة والحياة الدنيا.

أ- فعناصر هذا العالم وهذه الطبيعة عنده خربة تماماً، فهى ضد الله، وضد المسيحية وتحيطها اللعنة (قارن مثلاً : كولوس 2 : 8)

 ويرتبط هذا عنده على الأخص "بالإنسان الطبيعى" الذى لا يمكنه على سبيل المثال أن يعرف شيئاً حقيقياً مطلقاً (كورنثوس الأولى 2 : 14) [ويقول فيها: "ولكن الإنسان الطبيعى لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة. ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم منه روحياً"].

فلم يكن من الممكن أن ينشأ تخيل سليم للبيئة الطبيعية، مما حدا بذلك إلى التدمير الخطير للأحوال البيئية الذى نراه اليوم، وكان من الممكن ألا يحدث هذا لو اتخذ الإنسان موقفا آخراً من الطبيعة فى الغرب الذى إنبعث منه هذا التدمير.

جـ - كذلك رفض بولس " حكمة هذا العالم " والفلسفة أيضاً? رفضاً تاماً. ونحن نعرف بالتأكيد النتائج المهلكة التى أدت إلى إحتكار حكمة العالم.

 وقد أعطى لنا ليبانوس Libanus فى " السيرة الذاتية " Autobiographische Schriften لدار النشر أرتيمس إصدار عام 1967 صفحات 132، 135، 139). وأيضاً بروكوبيوس Prokopius صورة قاتمة لهذة الأوضاع التى قامت بعد تولى المسيحين السلطة فى كل مناح الحياة، حيث احتقروا حكماء هذا العالم ولم يسمحوا لهم بالتعبير عن آرائهم

د- كذلك رفض بولس التطور الطبيعى للإنسان.

هـ- وكان من أعداء الفنون الجميلة. لذلك وصف ليبانوس المسيحيين بأنهم "أعداء الفن الرفيع". وهذا يعنى أنهم ضد كل أنواع الفنون الجميلة

وهذا ما نلاحظه فى القرون الأولى للمسيحية حيث ماتت كل حركة فنية جادة.

و- ونلاحظ أيضاً تأثر المسيحيين بأفكار بولس حيث لم يهتموا بحياتهم الدنيا، وكان ينبغى لهم أن يصبحوا كلهم نسّاكا ويزهدوا حياتهم ويحيوا بين السحاب مغنيين أغانى المزامير (أفسس 5 :19؛ وفيلبى 3 : 20).

ز- كذلك لم يهتم بولس بالعلاقات الإجتماعية، إلا أن نبضات حب الإنسان لغيره ترجع إلى أفكار عيسى وتعاليمه.

ح- يضاف إلى ذلك أيضاً مفهومه عن الموت الذى يعده بولس نتيجة حتمية للإثم، مما أدى إلى الخوف من الموت بصورة لم تصورها ديانة أخرى مثل ما صورته المسيحية ولا يأثم فى ذلك إلا بولس وحده، فهو صاحب الفضل الأوحد فى خلق ديانة الخوف التى رزح تحتها المسيحيون ردها من الزمان .

 فقد قال بولس : "مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى" ، بينما قال الله عن طريق عيسى "يشرق شمسه على الأشرار والصالحين" منهم (عبرانيين 10 : 31 فى مقابل متى5 : 45).

6- وكذلك كانت لتعاليم بولس عن الدولة نتائج غير حميدة بالمرة (رومية 13 : 1-7). ولابد لكل إنسان أن يعرف ذلك ويعيه عندما يفكر مثلا فى مشوهى معسكرات الإعتقال أو فى الشيلى.

إلا أن عيسى لم يسلك هذا الطريق بالرغم من كل المحاولات الماكرة التى حاولها الفريسيون معه ليوقعوه فى الكفر بالدولة وسلطانها العليا إلا أنه وجد بعبقريته الفذة صيغة سهلة ليعبر بها عن موقفه تجاه ذلك، فقال : "اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ". ويكون بذلك قد وجّه ضمائرنا وعقولنا إلى طريق لا نضل بعده أبداً ما سلكناه.

وفى النص المذكور أعلاه يرى بولس أن الإنسان يخضع لسلطة الدولة ومن قاومها فقد قاوم الله . وعلى ذلك لابد أن تكون هذه السلطة خادمة لله وأن تخشاه.

وقد ارتكن الطغاة الغلاظ والحكام الغاشمون على مر القرون إلى هذه الجملة البولسية. وهذا يعنى أنهم ارتكنوا إلى ديانة بولس لكى يتمكنوا من نسب قوتهم إلى "رحمة الله "

7- ومما يذكر أيضاً أن بولس أقر الرق* ، وقد كان موقفه هذا يعد ردةً للمسيحيين اشتهروا به خلال قرون عديدة حتى العصر الحديث.

8- والجدير بالذكر أن تعاليم الفداء التى تنادى بها هذه المسيحية لا ترجع إلا إلى بولس وحده . فتبعا لآراء هذا الرجل فُهم عمل عيسى على أنه قد جاء ليخلص الناس عن طريق موته ودمه من ذنوبهم وضياعهم ومن سيطرة الشيطان والموت عليهم.

وبذلك يكون عيسى - تبعا لرأى بولس - قد أكمل واجبه فقط على الصليب فى جلجثه، أما حياته وتعالميه فلا قيمة لها بالمرة عند بولس.

وحيث إن تعاليم بولس عن الخلاص هى اليوم ألف المسيحية التقليدية وياؤها، إلا إنها تبدوا بصورة عملية - من وجهة نظر الوثائق السومارية التى جمعت تعاليمه - فى شكل نبذات ألحقت بها نصوص بولس مثل :

أ- تعاليمه عن الخطيئة الأزلية (راجع رومية 5 :19، أفسس 2 :3)

ب- وقد ترتب عليها :

1- إن الإنسان منذ ولادته ابن للغضب، وهذا يعنى أنهم داخلون فى غضب الله :  "وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضاً" (أفسس 2 :3).

2- كل الناس دون استثناء فى عداد المفقودين (انظر على سبيل المثال رومية 5 :18، كورنثوس الأولى5 :18).

4- أنهم بلا إله (أفسس 2 :12) "أنكم كنتم فى ذلك الوقت بدون مسيح أجنبيين عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهود الموعد لارجاء لكم وبلا إله فى العالم".

5- حلت لعنة الله على البشرية كلها دون استثناء. انظر فى ذلك على سبيل المثال وليس الحصر (رومية 5 :16 وما بعدها) : "وليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية. لأن الحكم من واحد للدينونة، وأما الهبة فمن جرَى خطايا كثيرة للتبرير. لأنه إن كان بخطية واحد قد ملك الموت بالواحد...

 فإذاً كما بخطية واحد صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر الواحد صارت الجنة إلى جميع الناس لتبرير الحياة " ( قارن بعد ذلك رومية8 :1) [وهو يقول فيها: "إذا لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع السالكين حسب الجسد بل حسب الروح ".]

وكذلك أيضاً قوله فى (كولوسى 2: 14): "إذ محا الصك الذى علينا فى الفرائض الذى كان ضدّا لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب".

6- للشيطان يد عليا على كل الناس دون استثناء نذكر بعض المواضع: رومية 3 :9 [-10 ["كما هو مكتوب أنه ليس بار ولا واحد" ؟ وغلاطية 3 :22؛ وكولوسى 2 :14). ( وهذا يسرى أيضا على مليارات من البشر، حتى من عاشوا قبل عيسى - [ويشمل ذلك بالطبع كل أنبياء الله دون استثناء). ارجع مثلا إلى رومية 3 : 19.*

جـ - ولا يمكن أن يزول غضب الله (الذى يشمل أيضا كل مولود) إلا بموت عيسى ودمه، ولم يغفر الله الخطيئة الأولى - تبعا لقول بولس - إلا بموت عيسى وسفك دمه (انظر كولوسى 1 :22، عبرانيين 9: 22) : "...... وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة " (عبرانيين 9: 22).

ولكى يتمكن الله من غفران هذا الذنب (تبعا لخطة أزلية) جعل ابنه من صلبه انساناً ثم نبذه لكى يستغفر للبشرية كلها عن الخطيئة الأزلية بموته ودمه :  "لأنه جعل الذى لم يعرف خطيّة خطيّة لأجلنا (!) لنصير نحن برّ الله فيه " (كورنثوس الثانية 5 :21) وأيضا : "المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب : ملعون كل من علق على خشبة " (غلاطية 3: 13).

وقد تمكن الإنسان بهذه الطريقة فقط من محو خطيئة إنسان آخر (أدم). وأشهر الفقرات التى تكلمت فى ذلك - نذكر منها : رومية 3 :24-25، [وهو يقول فيها: "متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذى بيسوع المسيح الذى قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار برَّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله " .

7- ورومية 3: 30؛ 4: 5 [ " وأما الذى لا يعمل ولكن يؤمن بالذى يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له براً " : 5 :9-10 [ "ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب، لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا من الله بموت ابنه فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته " تقرأ عن هذا كله في الفقرات التالية: رومية 5 :15؛ 5 :18-19؛ 8 :1

 كورنثوس الأولى 1 :30 ؛ 7: 23؛ 15: 17-18،

 غلاطية 4 :5؛ أفسس 1 :7؛ 2: 16،

 كولوسى 1 :20؛ 2 : 14،

 تسالونيكى الأولى1 :10 ؛ 5 :9-10؛

 تيموثاوس الأولى 2 :5-6،

 ثيطس 2 :14؛

عبرانيين 2 :17؛ 5 :9؛ 7 :27؛ 10 :10؛ 10 :14؛ 10 :19؛ 13 :12،

 وأيضا رومية 4 :25 [ "الذى أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا " ؛ 5 :6-18.

د- وفى الحقيقة فهو يرى - أن الأعمال الحسنة التى يقوم بها الإنسان وسلوكه الطيب لا يشفعان له للمصالحة مع الله : رومية 3 :24 ؛ 3 :28 [ "إذ نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس" ؛ 9 : 11؛ 9 :16، كورنثوس الأولى 1 :29،

 غلاطية 2 :16 وأيضا أفسس 2 :8-9 ويقول فيها : " لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد ".

لذلك فإن الخلاص ليس إلا عطية، ولا يمكننا أن نفعل حيال ذلك أى شئ (ويطلق عليها : تعاليم بولس عن الرحمة ) انظر رومية 3 :24؛ 4 :16، أفسس 2 :5؛ 2 :8-9، تيموثاوس الثانية 1 :9، ثيطس 3 :5-7 .

هذا وتعلم الكنائس، وعلى الأخص البروتستانتية منها أن خلاص كل البشرية - تبعا لتعاليم بولس - يرجع أولا وقبل كل شئ إلى تضحية عيسى بدمه على الصليب فى جلجثة، وعلى هذا لا يمكن للمرء أن يفعل شيئا حيال ذلك إلا التصديق به شاكراً إياه بشكل عملى، وهو ما يسمى الرجوع إلى العقيدة السليمة، ولا يحتاج المرء أكثر من ذلك ليبلغ هدفه فى الحياة ، حيث إن عيسى قد أنجز كل شئ نيابة عنا.

وبناءً على هذه التعاليم قام الافتراض الوهمى الذى تُخشى عواقبه والذى يتبرر الإنسان فيه تماماً بمجرد قبوله هذه التعاليم ويصبح ابن الله، ويتحول إلى مخلوق جدير. وكل محاولة يجهد فيها الإنسان ذاته ليتصالح مع الله فهى إنكار لفضل عيسى وتُماثل الخطيئة الأزلية بل وتُعد محاولة فاسدة للتبرر.

 وعلى النقيض من ذلك فإن كل إنسان عاش مثاليا (مثل غاندى) بينما لم يقبل تعاليم الفداء على الصليب عن إيمان نابع من داخله، حامداً إياه لخلاصه الكامل، فهو من الخائبين الخاسرين. ولا يزال تلاميذ بولس ينفثون تعاليمهم منذ ألفيى سنة، وكذلك أتباع لوثر المخلصين منذ أربع مائة وخمسين عاماً.

 وينبغى علينا هنا أن نسرد بعضاً من الأقوال الجديرة بالإعتبار من أجل معتنقى البروتستانتية - بديلاً عن كثرة التكرار .

8-يذكر كتاب “الديانات المسيحية” (Die Christlichen Religionen) - لدار النشر فيشر إصدار عام 1957- أن رجال الدين المسيحى قد أسهبوا تحت اسم "الخلاص" و"الأخلاق" و"الرحمة" وما شابه ذلك فى أن المسيحية التى يمكن فهمها فهماً صحيحاً كنهاية لدين البذل والعمل، وأننا لسنا بحاجة إلى أداء وصايا الله، لأن عيسى هو الذى قد أداها نيابة عنا، فهو قد فعل كل شئ من أجلنا، وأن كل اجتهاد للارتقاء فى العمل، وكل محاولة فردية جادة للخلاص.

 وأن كل محاولة للتكامل الذاتى ليست فقط ضد إرادة الله، ولكنها "الخطيئة الأزلية" بعينها، بل أضل سبيلا

ونجد نفس هذه التعاليم فى أحد أغانى لوثر التى نقرأها فى الكتب الرسمية للإنشاد الكنسى، ويطلق عليها : "من أعماق الضيق"، وتقول هذه الأنشودة : "تذهب أعمالنا هباء حتى لو قضينا أحسن حياة يمكن تخيلها ".

وهى تشبه نشيد آخر يعد من أحب الأناشيد وأكثرها استعمالاً فى الأوساط والدوائر الطائفية ويطلق عليه . "يا حمل الله"، وتقول فى مقطعها الثانى : "سرمدى سلام إلهنا الكامل، فإذا ما قبلته أيها المذنب فسيكون لك، فليس بإمكانك فعل أى شئ آخر لأنه قد تم عمل كل شئ على يديه، لقد تم فعلاً، لقد تم ".

9- ( قانون الطقوس الدينية (1963): عيسى ابن الله والوسيط، قد خلص البشرية [من الخطيئة الأزلية عن طريق آلامه وقيامته ، ويتم هذا الفداء فى القداس

- توضيح لكل الأديان غير النصرانية (1965) : عيسى صالح كل البشرية من خلال الصليب

- قانون "عن الوحى" (1965) : حرر عيسى البشرية بموته من الخطيئة والموت (وهى تماما نفس أقوال بولس !)

- قانون بشأن " الكنيسة والعالم " (1965) : لقد سفك عيسى دمه بمحض إرادته وهو فى ذلك ضحية برئ لكى يهبنا الحياة ويحررنا من عبودية الشيطان والخطيئة (وهى أيضاً نفس أقوال بولس - ومن خلال الطقوس فقط يصبح الإنسان قادراً على أن يؤدى قانون الحب (وهى نفسها أقوال بولس -

10- قانون "بشأن التبشير "(1965) : تحررت البشرية عن طريق عيسى من سلطة الظلام وقوة الشيطان ويتم هذا عن طريق الطقوس

وقد أدت تعاليم بولس عن الفداء وهى التى توليها أيضا الكنيسة الكاثوليكية شأنا كبيراً إلى أن احتل قدس الأضحية الأهمية القصوى على الإطلاق.

وتقول الكنيسة الكاثوليكية عن هذا القداس إنه "التجديد غير الدموى لموت عيسى فداءً" (وهى هنا تعنى أقوال بولس )

هذا ويعلم بولس ومن ورائه الكنائس أن الله قد سلم ابنه عيسى عن عمد إلى موتة مهينة مؤلمة، لأنه لم يستطع أن يصالح البشرية ويخلصها إلا عن هذا الطريق.

وفى الحقيقة فإن هذه التعاليم تعطينا مفهوما فظيعاً عن الله الذى لا يكون بذلك قد بلبل أعداداً غفيرة من البشر فحسب، بل يكون قد أهلكهم، حيث إنه أساساً هو منشئ الديانات الأولية التى يحتل مركزها التضحية بالإنسان (حل محلها فى كتاب العهد الجديد الأضحيات الحيوانية).

11-وهنا يواجهنا سؤال : هل مثل هذا الدين له تأثير جانبى من شأنه إخماد العدوانية عند الإنسان أو يحوله إلى إنسان وحشىّ؟ والجزء الآخر من السؤال هو الأرجح عندى، لأنه لم يكن هناك دين بمثل هذه الوحشية والقسوة على خصومه على مر الزمان، مثل ما فعلت المسيحية خلال العديد من القرون.

 ونظرية الفداء هذه التى صورها بولس هى فى الحقيقة شئ ثانوى فى اعتماد الكبر المعروف اليوم عن المسيحية ، والتى يعمل مدافعوها - مثل هذا الفداء المجانى - لشئ لا يمكن أن يشعر به المرء إلا قليلا، وهى تيسر عمل الحسنات والعيش فى استقامة. وهذا ما لا يقدمه دين آخر لأتباعه .

ويدرك معظم المسيحيين أن واقع هذه النظرية مرهون بنفس المسيحية ونفيسها ، وبذلك يثبت أنها خرافة كبيرة كانت بعيدة كل البعد عن فكر عيسى حيث لا نجد أية أثر إطلاقا عنده لتعاليم الفداء التى نعتنقها اليوم : لا فى "موعظة الجبل" التى تمثل نواة رسالته، ولا فى "أبانا" ، ولا فى المثل الرئيسى الذى ضربه عن "الابن الضال "* .

فقد كان بإمكانه الإشارة إلى موته فداء" عن البشرية - لو كان هذا حقيقى - خاصة وأنه سُئل عما يفعل المرء ليرث الحياة الأبدية (مرقس 10 :17). فالسكوت هنا مع العلم ينافى الأخلاق القويمة، وحاشاه !.

أما أتباع تعاليم بولس فيعترضون قائلين إنما أُوحيت إلى تلاميذ عيسى بعد موته ونزول الروح القدس عليهم، ويتناسون أن عيسى نفسه كان يكلم الناس بعد موته لمدة "أربعين يوما عن ملكوت الله " ( أعمال الرسل 1 :3 ) , ومع ذلك لا يوجد أثر لتعاليم جديدة كان قد أخبرهم بها !

كذلك لم يتفوه بطرس فى خطابه المنظم عقب نزول الروح القدس عليهم مباشرة بكلمة عن تعاليم الفداء، التى تمثل قلب المسيحية اليوم، وكان لا يزال تأثير الوحى جديد، فقد كانت "الرسالة الجديدة" هى تعاليم عيسى التى كان ينشرها فى كل مكان عن التوبة وطهارة القلب وملكوت الله، ولا شئ آخر سوى ذلك (

ويجب علينا الاعتراف بأن الأناجيل (هذا إذا أغمضنا الطرف عن الفقرة الغريبة عند إشعياء والاصحاح الرابع بإنجيل مرقس) وكذلك أيضا الرسائل المختلف فيها جزئياً لاختلاف صيغتها، وكذلك أيضا أعمال الرسل تحتوى على بعض النصوص القليلة التى لها نفس أفكار تعاليم بولس بشأن الفداء. ولكن ندرة وجود مثل هذه النصوص لهو خير دليل على أنها ليست من أقوال عيسى أو أفكاره، لأنها - كما قلنا من قبل - تمثل قلب المسيحية التقليدية وقالبها، وما يمثل قلب ديانة ما يذكره مؤسسها بصورة عابرة تماماً أو على هامش سيرته.

وإذا ما عرفنا مقدار ما زورته الكنيسة القديمة فى الأناجيل وجعلته فى توافق منتظم ، لتعجبنا من عدم إدخالهم أفكار بولس هذه أيضا ضمن الأناجيل.

12- جعل بولس من عيسى إلها، وفى هذا تجاهل تام لتعاليمه، إذا ما حللنا تعاليم عيسى كما فعلنا بتعاليم بولس.

وإجمالياً فإن بولس قد بشر فى كل مناسبة "بإنجيل" مختلف تماماً عن إنجيل عيسى وتعاليمه التى كان ينادى بها مثل :

- نظرية فداء مختلفة تماماً.

- مفاهيم مختلفة جداً عن الله، حيث يختلف مفهوم الله بين الاثنين فى شكل متباين جداً.

- كذلك بشر بولس بتعاليم تصف الإنسان بشكل مختلف تماماً عن وصف عيسى له وحكمه عليه .

وبذلك أسس بولس بتعاليمه ونظرياته علم اللاهوت، الأمر الذى كان عيسى يكرهه.

كذلك كان بولس يولى التعاليم الأورثوذكسية اهتماما كبيراً  (ارجع على الأخص إلى غلاطية 1: 8-9) [والتى تنادى بأنه صاحب الحق الأوحد وما عداه باطل : "ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما" (أى ملعونا).

وبهذا أصبح بولس مؤسس الإضطهاد الدينى (إضطهاد مخالفى العقيدة)، غير أنى عيسى لم يعنيه إلا دماثة القلب ورحمته دون الدخول فى التفاصيل .

 وانتشرت بعد ذلك هذه التعاليم تحت اسم المسيحية، بينما أصبحت تعاليم عيسى بعد عين أثراً تضمه المصادر - وهذا من حسن الحظ - إلا أنها فى الحقيقة لم تأخذ صورة الانتشار ، ولم يكن لها الغلبة .

وبذلك يكون عيسى قد أُعفى من مركزه التعليمى ، ورُفع على المذبح - وبذلك أيضاً يكون خطره قد قلّ - تحت مسميات أخرى .

وبصورة أوضح فإن كل اللاهوت "المسيحى" تقريبا يرجع إلى بولس ولا علاقة لعيسى به. وكل من يهمه معرفة مثل هذه الأشياء فعليه التوجه إلى المراجع اللاهوتية ليتفحصها، فقد صحح لوثر على سبيل المثال الرسالة إلى رومية، ونقدها، ثم قال عنها إنها الإنجيل الصحيح وماذا إذن عن باقى الأناجيل ؟ .

13- ونرى منذ الوقت المبكر للمسيحية أن الفرقة وعدم الإتفاق قد ظهرا بين آباء الكنيسة وبعض طوائفها ، حتى لو أغمضنا الطرف عن بطرس ويعقوب الذين جادلهما بولس وعارض تعاليمهما، بل وعاملهما بإحتقار مبين، ووصفهما بشكل مشين (ومن هذا خرج المثل الذى احتذاه المجاهدون المتعصبون لطوائفهم).

ومن هذه الطوائف : السيرفانية (Servianer)

والإبيونية (Ebioniten)

والكيسية (Elkesaiten) (ارجع إلى توديكوم Thudichum وليمان Lehman

 وكذلك أيضا الأريوسية (Arianer) (الذين كان لهم الغلبة فى المسيحية يوما ما) والبلاجية (Pellagianer) الذين وقعوا للأسف فى نفس الخطأ الذى وقع فيه الكثير من المحدثين، وهو اعترافهم بأباطيل بولس، غير أنه لم تمسهم العواقب التى ذكرها ألفونس روزنبرج Rosenberg

فى أحد فصول كتاب "تجربة المسيحية" “Experiment Christentum” تحت عنوان "من يخرج بولس من القانون ؟ [أى كتب العهد الجديد التى قننتها الكنيسة فى مجمع نيقية 325 تحت زعامة الامبراطور قسطنطين الوثنى (؟) فى ذلك الوقت، واعتبرتها من وحى الله، ورفضت باقى الكتب - تقدر من 70-100 إنجيل - لأنها أبوكريفا أى دخيلة

ويفهم من توديكوم أن المسيحيين الأوائل قد رفضوا دخول كتب بولس وتعاليمه ضمن الكتب الرسمية، لأن أحسن وأقدم المخطوطات اليدوية - تبعا لرأيهم . لا تحتوى على رسائل بولس

إلا أن أعداء بولس لم يحققوا أية تقدم، لأن البولسية كانت أنسب لسياسة الكنيسة من إنجيل المسيح وتعاليمه - حتى إن تلاميذ عيسى قاموا بالخدمة دون تولى المراكز. وتم إحراق مخطوطات هؤلاء الهراطقة فى المقام الأول. وهو الأمر الذى لا يسمح لشعبه الكنيسة حتى اليوم أن يعرف عنه إلا قليلا.

 ويمثل هذا التطور لعيسى مأساة عظيمة حيث إنه خدع أساساً فى عمل عُمره، فقد استطاع بولس أن يقيم تعاليمه على مجد عيسى الذى اكتسبه أثناء حياته البطولية وبموته وأعماله وتعاليمه الرائعة.

ما يزيد مأساة عيسى ألماً

وما يزيد مأساة عيسى ألماً هو أن بولس هذا كان من الفريسيين الذين قضوا ردحاً من الزمان فى عداء شديد لعيسى ، وقد كان يظهر لهم عداوته حتى إنه كان يحبذ عدم الكلام معهم البتة، إلا أنه استطاع فى النهاية أن يخاطبهم ولكن بقساوة منقطعة النظير.

ولم يكن ليكدر عيسى شئ أكثر من توليه شأن الفريسىَ المولد والمنبت حتى ولو كان هذا الفريسّىَ يتصرف من وازع إيمانه. وتظهر طبيعة الفريسيين هذه دائما عند بولس، ولم تفارقه أبداً حتى بعد [زعمه] اعتناق دين عيسى أثناء رحلته الدمشقية.

وعاشت تعاليم عيسى مطمورة تعانى ليس فقط من هذا القدر الذى ضربته عليه تعاليم بولس، بل احتلت مكانتها [بجدارة. ومما زاد من مأساتها أن هذه التعاليم الجديدة انتشرت فى العالم باسم المسيح . وأستطاعت خلال أكثر من (2000) عام أن تستفيد من هذه النوايا الحسنة. وليس هذا إلا اخراجاً شيطانيا قام به بولس.

ولم يخدع عيسى فى ذلك بمفرده، بل خدع معه أيضا الملايين الكثيرة الذين يعتقدون منذ ألفى سنة أنهم مسيحيون . فإذا ما سعيت جاهداً فى مقارنة الأناجيل (وعلى الأخص المتوافقة [مرقس - متى - لوقا أى تعاليم عيسى مع خطابات بولس دون تحيّز، فإن ذلك سيمكنك حتما من إثبات أن ما كنت تعتقد أنه الحقيقة الكبرى، بل أهم الحقائق، ليس هو تعاليم من تعتبره معلمك، ولكنه شئ آخر تماماً، وستثبت أيضا أن ما لديك من الحقيقة أقل بكثير من هؤلاء الهراطقة الذين كنت تشعر تجاههم باحتقار، والذين كان بودهم إرشادك وهدايتك إلى العقيدة القويمة.

ولكن كيف تم ذلك؟

 وإنه ليهمنا أيضاً أن نعرف لماذا أمكن وضع بيضة طائر تتطور وتفقس وتعيش تحت اسم مستعار :

1- يرجع ذلك أولاً إلى تقديم شخص عيسى فى المقدمة، مما أجبر المسيحيين القدماء الذين كانت تشوبهم فى الغالب البساطة، على إلتزام الصمت.

 وكذلك فقد عايش بولس ما يطلق عليه الرجوع إلى الهداية أو كان مقتنعاً أشد الاقتناع بهدايته، حتى إن الملك أجريبا أوضح قائلا :"كنت على وشك أن تقنعنى ".

ومن ناحية أخرى فقد سمعنا أن تلاميذ عيسى الذين كانوا تحت تأثيره المباشر لمدة طويلة من الزمان، أنهم لم يكادوا يفهمونه .

ويرجع هذا إلى اختلاف تعاليم عيسى عن ديانة اليهود نختلف هنا مع المؤلف، وهو سوف يناقد نفسه فيما بعد عندما يتكلم عن التغيرات التى أستبدعها بولس فى تشريعات عيسى ، ومن يقرأ الأناجيل الأربعة الرسمية يجد الكثير من المواقف التى سأل فيها اليهود والفرّيسيين عيسى ولم يجب عليهم إلا من ناموس موسى، فهو لم يأت إذن بديانة جديدة أو شريعة أخرى غير التى كانت، وقد أوضحنا هذا من قبل، وسنزيد فى التعليق الختامى ، ويرجع كذلك إلى اختلافها مع المفهوم السائد وتقاليد الناس، فكم كان عيسى واضحا بدرجة يخطئ بولس معها فى فهم أقواله.

2- ثم حوّل بولس أتباعه بكلمة أناثيما أى ملعونا إلى التعصب الشديد للمذهب الصحيح، وكان لهذه الكلمة آثاراً كبيرة لا تحمد عقباها، مما جعلهم يتشدقون بالإيمان "الصحيح" بشكل يختلف تماماً عما كان يمكن أن يفعله تلاميذ عيسى . وفى الحقيقة كلمة أناثيما التى يهدد بها بولس كل من يُخالف مبادئه وأفكاره هى فكرة صهيونية تماماً تهدف للقضاء على الحقائق وطمسها وإظهار مايخدم الصهيونية فقط، وقد استمرت وأثمرت بعد الحرب العالمية الثانية وتحولت إلى كلمة النازية،

 فلا يجرأ اليوم من يهاجم الصهيونية أو من يقول بعدم حدوث مذابح جماعية لليهود على يد هتلر، حتى ولو تمكن شخص ما من إثبات ذلك علمياً، فسوف يُوصم بالنازية التى تحولت فى وقتنا هذا وفى أمتنا هذه إلى "التطرف"؛ فكلمة أناثيما لها نفس الهدف السياسي لكلمة نازى أو لكلمة متطرف؛ وحسبه من يوصف بأحدى هذه الصفات أن يُحرم من كل حقوقه السياسية ولايسمع له أحد.

تحتوى الفقرة المذكورة فى كرونثوس الأولى (5 :5) على ما لا يقدر من العذاب والألم والعيش على حساب الآخرين، حيث تقول : "أن يسلم مثل هذا (من يقترف سيئة) باسم ربنا المسيح (وهذا طبعا من لزوم الشئ) للشيطان لهلاك الجسد لكى تخلص الروح فى يوم الرب". كما لوكنا نسمع خطبة لمجرمى محاكم التفتيش عند إحراقهم الهراطقة بشكل جماعى

ومثل هذه الأقوال وما شابهها من رسائل بولس كان الأساس الأول الذى أقامت عليه المسيحية "عقيدة التعصب " عقب نصرها مباشرة . فقد كانت ممارسات التعصب التى قاموا بها أكثر ألماً للإنسانية مما عاناه المسيحيون أنفسهم أثناء عصور اضطهادهم ، وقد تطورت عقيدة التعصب هذه استناداً إلى الأناجيل إلى "عقيدة التسامح" المقنعة .

3- وكما ذكرنا كان أتباع بولس فى موقف حرج عند انتقاء الذرائع التى ارتكنوا إليها مباشرة بعد قسطنطين لممارسة التعذيب ضد مخالفى العقيدة .

 وإنه ليريعك أن تقرأ كيف عذب المسيحيون مخالفى العقيدة بعد زمن قسطنطين مباشرة، وسوف يريعك أكثر إذا ما عرفت كيفية قيامهم بهذا .

4- ومع كل ذلك فإن هناك الكثير من الإهتمامات الإنسانية المهمة التى تؤخذ لصالح البولسية وتساندها من كل جانب ، منها :

أ- إن أحسن الضمانات لمثل هذا التطور الخارجى لدين جديد وتخريبه من الداخل ونشره وتثبيت دعائمه هو مباركة الدولة نفسها له. إن دينا مثل المسيحية الحقة التى ترفض استخدام القوة أو كان بينها وبين الدولة علاقة متوترة داخليا - لأنها كانت ترى أن القتال الوحشى من أجل المصالح الدنيوية التى كانت الدولة تظهره دون تخف، يناقض الأخلاق الروحية والتسامح.

أقول إن دينا مثل المسيحية الحقة سوف لا يجد أية تأييد من رجال السلطة فى الدولة. فلم تقرر الدولة إلا صياغة مثل دين بولس الذى شعر أنه يتمتع" برحمة الله ، وطلب من المؤمنين به الطاعة العمياء مهما كلفهم ذلك من أمر.

لذلك تمتعت البولسية دائما بحماية الدولة لها. فهو فى الحقيقة الدين الذى يتمناه كل حاكم للحفاظ على سلطته (ونادراً ما يحدث عكس ذلك) لأنه دين لا يعلم الناس فقط التمسك بأسباب القوة تحت زعم "إرادة الله" ولكنه يحثهم أيضاً على الدفاع عنه بالنفس والنفيس (طلبا لرحمة الله).

فلم يقدم بولس دين فقط للحكام بل خدمهم به خدمة كبيرة من خلال التعصب الذى أفرزه والذى أوجد أيضاً الأسباب المؤدية إليه.

وفى الحقيقة فإن أية دينا يشوبه التعصب ليعد سلاح ذو حدين فى يد الدولة، ويمكنه أن يكون خطراً عليها (مثلما كانت المسيحية تجاه الدولة الرومانية، لذلك اضطرتها إلى اضطهادهم).

أما إذا عرفت الدولة كيفية قيادة هذا التعصب الدينى، فسيصبح هذا هو الأمثل فى أعين حاكمها، لأنه سيمكنه حينئذ من تدعيم قوته، الأمر الذى يؤكده التاريخ الملئ بمثل تلك الأحداث.

ب- كان بولس منذ ظهوره لاهوتيا، بينما كان عيسى فى صراع مرير مع اللاهوتيين وكبار رجال الدين. وكما يصوره - على سبيل المثال - شو Show فقد كان "دائما ضد الإكليروس"

لذلك يطلق على بولس أول لاهوتى مسيحى. ويعنى هذا أنه أول نظرىً لما يطلق عليها الديانة المسيحية. وبهذا أحكم رجال اللاهوت سيطرتهم على رجال الدين وشعب الكنيسة، لأن مثل هذه التعاليم تؤدى بالطبع إلى الإستئثار وتعظيم قدسيات خاصة، بل وتؤدى إلى خضوع الشعب لهم.

ولا تكمن أهمية هذا فقط فى أن اللاهوت المسيحى أصبح تحكمه فلسفة اللاهوتيين أى أنه أصبح دين تأمل وفلسفة، بل تتعدى أهميته أيضا فى أن خصائص هذا "العلم ترجع بدورها إلى بولس :أ- يطلق بعض أصحاب الأقلام على علم بولس هذا سفسطة ، ولا عجب فى ذلك فإن بولس لا يريد أن يعرف شيئاً مطلقا عن قوانين الفكر الطبيعية !

 وهو يؤكد ذلك بقوله إن حكمته لم تأخذ عن البشر، ويتباهى بأن الحكماء والفلاسفة اليونانيين يعدون تعاليمه "صحافة" (كورنثوس الأولى 1: 17-21).

بل إنه قرر (!) ألا يعرف شيئاً أكثر مما تمخضه عقله وبالتحديد المصلوب (كورنثوس الأولى 2 :2) "لأنى لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم إلا يسوع وإياه مصلوباً".

بل أوضح فى موضع آخر أنه يجب على المرء أن " يأسر كل فكر" (كورنثوس الثانية 10 :5) "هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" : ويعنى هذا أنه لابد من إلغاء المنطق والتخلص من العقل.

فلا عجب إذن أن وصفت أستاذة لاهوت جامعية كبيرة هذه الديانة (البولسية) بأنها "نوع من الكلام الفارغ" . ويعنى كلامه السابق أيضا أنه لابد من تجنب البحث الموضوعى والنقد البناء. وهذا ما يحدث الآن .

ب- يضاف كذلك الإستكبار المطلق* والغرور المعروف عن اللاهوتيين إلى الخصائص التى تميز هذا العلم البولسىّ التى صورها (بولس هيبرلين) Paul Häberlin بشكل رائع، محدداً معالمه فى كتابه (الإنجيل واللاهوت) Das Evangelium und die Theologie صفحة 65 وما بعدها، فقال: بلغت نظرية بولس عن الخلاص قمة التركيب التأملى، وذلك أنه أظهر الاعتقاد بالجن ضمن اللاهوت الأخلاقى.

وعن طريق التفكير التاريخى أو اللاهوت المرتبط بالتاريخ استطاع بولس أن يجد له مخرجاً بشكل رائع من التوتر الكبير بين المستقبل من وجهة النظر اليهودية والدعوة لتنصير الوثنيين من جهة وبين مراد تعاليم الرسل والمقاومة المعروفة للتنصير من جهة أخرى .

ومن خصائصها أيضا - كما نعلم - التبرر بالإيمان بموت عيسى فداءً سبب خطيئة آدم - وهو نتاج فكر القانون اليهودى لوسائل التربة والإصلاح - ثم اختيار الرحمة .

وإذا ما كانت هذه الأفكار غير مسيحية بالمرة لأنها تذكر النقيض تماما لوحى إنجيل الله (كما أنزل وقتها)، فإنها تحمل أيضا - بغض النظر عن ذلك - طابع المضاربة. ويمكننا معرفة ذلك على الأخص من ادعائها أنها تعرف من الله أكثر مما نعرفه نحن إذا ما تمسكنا بالوحى.

فالأفكار البولسية تضع نفسها محل أفكار الله وخططه، فيدعى بولس أنه يعرف ما خطط الله وما يرمى إليه، وما الذى اعتبره ضروريا وما سوف يحدث فيما بعد، فهو يتصرف عند التخطيط لشئ كما لو كان إلهاً، بل ويدعى معرفة سير مجرى التاريخ كما يعرفه الله..."

أما هذا التكبر فله أساس قوى عند بولس، لأن:"من عرف فكر الرب فيعلمه وأما نحن فلنا فكر المسيح" (كورنثوس الأولى 2 :16) .

 وهنا تكمن ثقة اللاهوتيين المبالغ فيها .ويذهب الكبر إلى أكثر من ذلك بكثير، ولكنه لا يتعدى نفس الموضع، وأعنى ما قلته مباشرة من قبل، وهو: "وأما الروحى*( وهو اصطلاح يعبر به اللاهوتيون عن أنفسهم بصورة غير موثوقة الجانب) فيحكم فى كل شئ وهو لا يحكم فيه من أحد ". (كورنثوس الأولى 2 :15). وبسبب جملة بولس هذه تمتع الإكليروس والكنيسة فى العصور الوسطى بسيادة عليا تفوق كل سلطة أخرى .

كذلك خدمت الجملة البولسية القائلة :"إذا الإيمان بالخبر أى بالسمع " (رومية 10 :17) سلطة رجال اللاهوت خدمة كبيرة جداً، وهى ما ترجمها رجال الدين إلى "إذا فالإيمان يأتى من الخطبة"، مما أعلى من شأنهم أكثر وأكثر، حتى إن الناس لم يستغنوا عنهم فى خلاصهم المتوقع على أيديهم .

 جـ- كذلك من النصوص الهامة جداً لرجل الإكليروس هى ما خولهم بولس فيه أن يحيدوا كلمة عيسى ، تلك الكلمة التى تمثل عبئاً كبيراً على قلب بولس. وتقول هذه الكلمة : "مجاناً أخذتم مجاناً أعطواً (متى 10 :8).

أما قول بولس المناقض لذلك والذى يلاقى الترحاب فهو : "الذين يلازمون يخدمون المذبح يشاركون المذبح" (كورنثوس الأولى 9 :13)، وبذلك يستعيد القساوسة البروتستانت ضميرهم النقى إذا ما تقاضوا المرتبات العالية، وتمتعوا بالمنازل المريحة، وعلى الرغم من أن بولس لم يدع لنفسه فى ذلك فضلاً إلا أنه أضفى عليه جلالاً.

د- كذلك كان الأدب البولسى ولا يزال يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للإكليروس، وهو القاعدة الأساسية التى يبنون عليها سلطتهم (انظر تيموثاوس الأولى 5 :17، 19)

"أما الشيوخ المدبرون حسناً فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة ولاسيما الذين يتعبون فى الكلمة والتعليم ... لا تقبل شكاية على شيخ إلا على شاهدين أو ثلاثة شهود".

فمثل هذه النصوص ومثيلتها التى فهمت خطأ أو أُسئ استخدامها قد أدت بتحليلها الخاطئ إلى استبداد الأساقفة فى الكنيسة القديمة لدرجة أنهم أنفسهم قد قرروا أنه لا حول ولا قوة على الأرض إلا بهم. وقد أدت هذه القوة إلى خضوع القياصرة لهم وعلى رأسهم تيودسيوس الأول الذى أجبره أمبروسيوس -أحد حكام الإكليريك- على الركوع على ركبتيه *

وأخيراً وليس آخراً فقد ضم بولس إلى جانبه أنانية جموع الناس وخمولهم: فليس من السهل مدح الدين القاهر إلا أنه كانت هى الحال بالنسبة لديانة بولس التى يحصل فيها المرء على نجاته مجاناً. فمن فى العالم كله له أن يستجمع قواه ويعارض الكنيسة عندما تناديه دون انقطاع: "أعمالنا لا قيمة لها إطلاقاً حتى فى أحسن حياة "

فإن الأساس المادى للكنيسة وتوسعها كان بداهة فى غاية الأهمية حتى إن الأغنياء كانوا أكثر سعادة تحت إشراف بولس، أكثر مما كانوا تحت مظلة عيسى الذى كان ينادى بالفقر.إلا أن بعض الأغنياء قد تصالحوا مع المسيحية عندما قرأوا (متى 19 : 24) "وأقول لكم أيضاً: إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله" ماجاء على لسان بولس فى (تيموثاوس الأولى 6 :17)

" أوصى الأغنياء فى الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحى الذى يمنحنا كل شئ بغنى للتمتع " .

وبذلك عاد إلى قلبه " الضمير النقى" مرة أخرى عندما قرأ فى كلمة الله مثل هذه الصياغة المختلفة، وعلى الرغم من أنها تعبر عن اختلاف غير ظاهر بين عيسى وبولس، إلا أنه كان له نتائج مهمة جداً.

ولا شك أن انتصار البولسية وتنحية تعاليم عيسى الحقة ليست لهما قيمة نظرية فقط، بل كان مخططا لها أن تصل إلى أبعد من ذلك لتشمل الحياة العملية والدينية بل وكل مجالات حياتنا.

إن الميلاد الثانى للمسيحية وهذا الاصلاح الدينى الثانى من نوعه، والذى يعد أعنف من سابقه لن يتحقق داخل المبانى اللاهوتية فقط - "لا نترك حجراً قائماً على آخر" - ولكنه سوف يفجر ثورة اجتماعية ضخمة ، ويؤدى إلى تغيير جذرى ، إذا ما نجح حاملوا تعاليم عيسى أن يدخلوا تعاليمه إلى الحياة الاجتماعية مثل الخميرة شديدة الاختمار .

ونريد هنا بل يجب علينا أن نقلع عن الإشارة إلى النتائج الكثيرة المتطرفة وغير المدروسة، والتى يزللها الانتصار على سوء الفهم القديم بصورة أكيدة . ونود أن نقصر أنفسنا

على ذكر اثنين منهم، هما: فطالما يستند قادتنا السياسيون على جملة مما يحتويه الكتاب المقدس على الأخص العهد الجديد، ليسوغوا بها حروبهم، فليس لنا أن ننتظر انفراج الحرب أبداً، ولن تكون الحرب غير مسيحية أبداً

أما إذا تمكنا من حل الأملاك البولسية الثقيلة ، وبعبارة أخرى إذا ما تم شطب رسائل بولس من الكتاب المقدس، وازدهرت تعاليم عيسى ، فسوف تحصل المسيحية على تقدير وإعجاب معتنقيها، بل أكثر من ذلك سيكون لديها قوة جذب وستتجه بسرعة طيران النسر إلى عصر السلام الدينى العظيم وعصر الرفاهية. فبدون بولس سوف يكتب للمسيحية الإزدهار فى كل أنحاء العالم، حتى عند أصحاب الأديان السامية الأخرى .

وشأن بولس فى ذلك هو شأن كل الناس الذين لا يريدون التمسك بالقديم بدافع الخمول أو لمصلحة شخصية، فهم غارقون فى وحل النفاق الدينى أو الإنقسام المذهبى.

والجدير بالذكر أن هناك بعض الأشخاص - مثل غاندى - قد رفضوا البولسية تماماً، وتمسكوا بتعاليم عيسى .إلا أن كل ما قيل لا يشجب كون بولس قد أخذ موقعه فى اللاهوت، فهو نفسه كان من رجال الدين، ونجد فى كتاباته جملاً تعد من أجمل ما يكتب (راجع مثالاً لذلك: كورنثوس الأولى 13:*1، تيموثاوس الأولى 6 :10؛ تيموثاوس الثانية 2 :19؛ كورنثوس الثانية 3 :17؛ رومية 13 :8 وأيضاً 8: 14).

 ولكن لا يعنى ذلك أن الأجزاء الأخرى من كتاباته يجب أن نسلم بأنها وحى الله إليه، فلا تمتد إليها يد بالتصحيح أو الرفض ، وإلا وجب علينا أن نعترف أن الله قد أوحى مؤلفات هؤلاء الذين قدموا لنا حقائق كبيرة وجذابة أمثال : توماس أكمبيس (أحد خلفاء المسيح عيسى أو جوته، أو تولستوى، أو حتى كل مؤلفات نيتشه

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثاني

عبد الله بن سبأ والشيعة

ما سبق كان بخصوص بولس  وما قام به من تبديل دين المسيح عليه السلام والان نبين ماقام به ابن سبا من لسان علماءهم وغيرهم من العلماء فيقول السيد حسين الموسوي من علماء النجف السابقين :  إن الشائع عندنا -معاشر الشيعة- أن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية لا حقيقة لها، اخترعها أهل السنة من أجل الطعن بالشيعة ومعتقداتـهم، فنسبوا إليه تأسيس التشيع، ليصدوا الناس عنهم وعن مذهب أهل البيت. 

وسألت السيد محمّد الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ فقال: إن ابن سبأ خرافة وضعها الأمويون والعباسيون حقداً على آل البيت الأطهار، فينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه بـهذه الشخصية.

 ولكني وجدت في كتابه المعروف (أصل الشيعة وأصولها) ص40-41 ما يدل على وجود هذه الشخصية وثبوتـها حيث قال: "أما عبد الله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه".

 ولا شك أن هذا تصريح بوجود هذه الشخصية، فلما راجعته في ذلك قال: إنا قلنا هذا تقية، فالكتاب المذكور مقصود به أهل السنة، ولهذا اتبعت قولي المذكور بقولي بعده: "على أنه ليس من البعيد رأي القائل أن عبد الله بن سبأ - وأمثاله- كلها أحاديث خرافة وضعها القصاصون وأرباب السمر المجوف".

 وقد ألف السيد مرتضى العسكري كتابه (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) أنكر فيه وجود شخصية ابن سبأ، كما أنكرها أيضاً السيد محمّد جواد مغنية في تقديمه لكتاب السيد العسكري المذكور.

 وعبد الله بن سبأ هو أحد الأسباب التي ينقم من أجلها أغلب الشيعة على أهل السنة. ولا شك أن الذين تحدثوا عن ابن سبأ من أهل السنة لا يحصون كثرة ولكن لا يعول الشيعة عليهم لأجل الخلاف معهم. بيد أننا إذا قرأنا كتبنا المعتبرة نجد أن ابن سبأ شخصية حقيقية وإن أنكرها علماؤنا أو بعضهم. وإليك البيان:

 1- عن أبي جعفر عليه السلام: أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله -تعالى عن ذلك- فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال: نعم أنت هو، وقد كان قد ألقى في روعي أنت الله وأني نبي. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب، فأبى. فحبسه، واستتابه ثلاثة أيام، فلم يتب، فأحرقه بالنار وقال: "إن الشيطان استهواه، فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك".

 وعن أبي عبد الله أنه قال: "لعن الله عبد الله بن سبأ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم". (معرفة أخبار الرجال، للكشي:70-71)، وهناك روايات أخرى.

 2- وقال المامقاني: "عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو" وقال: "غال ملعون، حرقه أمير المؤمنين عليه السلام بالنار، وكان يزعم أن علياً إله، وأنه نبي" (تنقيح المقال في علم الرجال: 2/183-184).

 3- وقال النوبختي: "السبئية قالوا بإمامة علي وأنـها فرض من الله عز وجل وهم أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال: "إن علياً عليه السلام أمره بذلك" فأخذه عليّ فسأله عن قوله هذا، فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فصيره إلى المدائن".

 وحكى جماعة من أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بـهذه المقالة، فقال في إسلامه في علي بن أبي طالب بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه.. فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية" (فرق الشيعة: 32-44).

 4- وقال سعد بن عبد الله الأشعري القمي في معرض كلامه عن السبئية: "السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني، وساعده على ذلك عبد الله بن خرسي وابن اسود وهما من أجل أصحابه، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم" (المقالات والفرق: 20).

 5- وقال الصدوق: "وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء وينصب في الدعاء، فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين أليس الله عز وجل بكل مكان؟ قال: بلى، قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟ فقال: أو ما تقرأ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22]، فمن أين يطلب الرزق إلا موضعه؟ وموضعه -الرزق- ما وعد الله عز وجل السماء}". (من لا يحضره الفقيه: 1/229).

 6- وذكر ابن أبي الحديد: "أن عبد الله بن سبأ قام إلى علي وهو يخطب فقال له: أنت أنت، وجعل يكررها، فقال له -علي-: ويلك من أنا، فقال: أنت الله، فأمر بأخذه وأخذ قوم كانوا معه على رأيه"، (شرح نـهج البلاغة: 5/5).

 7- وقال السيد نعمة الله الجزائري: "قال عبد الله بن سبأ لعلي عليه السلام: أنت الإله حقاً، فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن، وقيل أنه كان يهودياً فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وفي موسى مثل ما قال في علي". (الأنوار النعمانية: 2/234).

 فهذه سبعة نصوص من مصادر معتبرة ومتنوعة بعضها في الرجال وبعضها في الفقه والفرق، وتركنا النقل عن مصادر كثيرة لئلا نطيل كلها تثبت وجود شخصية اسمها عبد الله بن سبأ، فلا يمكننا بعد نفي وجودها خصوصاً وإن أمير المؤمنين عليه السلام قد أنزل بابن سبأ عقاباً على قوله فيه بأنه إله، وهذا يعني أن أمير المؤمنين عليه السلام قد التقى عبد الله بن سبأ وكفى بأمير المؤمنين حجة فلا يمكن بعد ذلك إنكار وجوده.

 نستفيد من النصوص المتقدمة ما يأتي:

 1- إثبات وجود شخصية ابن سبأ ووجود فرقة تناصره وتنادي بقوله، وهذه الفرقة تعرف بالسبئية.

 2- إن ابن سبأ هذا كان يهودياً فأظهر الإسلام، وهو وإن أظهر الإسلام إلا أن الحقيقة أنه بقي على يهوديته، وأخذ يبث سمومه من خلال ذلك.

 3- إنه هو الذي أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وكان أول من قال بذلك، وهو أول من قال بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وهو الذي قال بأنه عليه السلام وصى النبي صلى الله عليه وآله، وأنه نقل هذا القول عن اليهودية، وأنه ما قال هذا إلا محبة لأهل البيت ودعوة لولايتهم، والتبرؤ من أعدائهم - وهم الصحابة ومن ولاهم بزعمه-.

 إذن شخصية عبد الله بن سبأ حقيقة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها، ولهذا ورد التنصيص عليها وعلى وجودها في كتبنا ومصادرنا المعتبرة، وللاستزادة في معرفة هذه الشخصية، انظر المصادر الآتية:

 الغارات للثقفي، رجال الطوسي، الرجال للحلي، قاموس الرجال للتستري، دائرة المعارف المسماة بمقتبس الأثر للأعلمي الحائري، الكنى والألقاب لعباس القمي، حل الإشكال لأحمد بن طاووس المتوفى سنة (673)، الرجال لابن داود، التحرير للطاووسي، مجمع الرجال للقهبائي، نقد الرجال للتفرشي، جامع الرواة للمقدسي الأردبيلي مناقب آل أبي طالب لابن شهر أشوب، مرآة الأنوار لمحمد بن طاهر العاملي.

 فهذه على سبيل المثال لا الحصر أكثر من عشرين مصدراً من مصادرنا تنص كلها على وجود ابن سبأ، فالعجب كل العجب من فقهائنا أمثال المرتضى العسكري والسيد محمّد جواد مغنية وغيرهما في نفي وجود هذه الشخصية، ولا شك أن قولهم ليس فيه شيء من الصحة.

عبد الله بن سبأ

عبد الله بن سبأ، يهودي ادعى الإسلام نفاقاً، تنسب اليه روايات تاريخية على أنه مشعل الاضطرابات والاحتجاجات ضد الخليفة الثالث عثمان بن عفان وأحد الغلاة بحب ومدعي ألوهية الامام علي بن أبي طالب بل يقولون أنه أصل هذه الفكرة وأنه مؤسس فكرة التشيع يعتبر بن سبأ أول من نادى بولاية علي بن ابي طالب وان لكل نبي وصي وان وصي الامة هو علي بن ابي طالب، وهو أول من اظهر الطعن والشتم في الصحابة وخصوصاً أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعائشة زوجة الرسول محمدصلى الله عليه وسلم .

نسب إليه أنه من أشعل الثورة على عثمان بن عفان وكان السبب في معركة الجمل بعد ذلك. ينسب لابن سبأ أنه أول من غالى في علي وأضفى عليه صفات غير بشرية مما اضطر علي بن أبي طالب إلى التبرؤ منه. مؤخرا

يحاول بعض المؤرخين أن يجعل ابن سبأ أصل التشيع بصفة عامة وأصل الفتن الإسلامية الأولى كفتنة مقتل عثمان وحرب الجمل ويرجعونه لأصول يهودية مما يجعل تشتت شمل المسلمين جزءا من مؤامرة يهودية كبرى، لكن بالمقابل ينفي المؤرخون الشيعة وجود ابن سبأ أساسا،

 ويناقش البعض إمكانية أن يكون لشخص مفرد هذا التأثير الكبير على مجرى تاريخ أمة بكاملها، فمثل هذه الأزمات في رأيهم تكون نتيجة عوامل كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية قد يكون ابن سبأ بما زعم عنه من تأثير عقائدي أحدها لكنه لا يستطيع أن يختصرها جميعا.

حياته

اختلف أصحاب المقالات والتاريخ في هوية عبد الله بن سبأ، بسبب السرية التي كان يحيط بها دعوته. وذهب عامة المؤرخين أن ابن سبأ من صنعاء في اليمن، لكن الخلاف إن كان من حِميَر أم من همدان؟ ولأنه من أم حبشية فكثيراً ما يطلق عليه "ابن السوداء".

أصله يهودي أسلم زمن عثمان بن عفان، وأخذ يتنقل في بلاد المسلمين . فبدأ بالحجاز ثم البصرة سنة 33 هـ، ثم الكوفة، ثم أتى الشام . فأتى مصر سنة 34 هـ واستقر بها، ووضع عقيدتي الوصية والرجعة ،

وكوّن له في مصر أنصاراً. استمر في مراسلة أتباعه في الكوفة والبصرة. وفي النهاية نجح في تجميع جميع الساخطين على عثمان فتجمعوا في المدينة وقاموا بقتل عثمان.

لعب عبد الله بن سبأ دوراً هاماً في بدء معركة الجمل، وإفشال المفاوضات بين علي بن أبي طالب وبين طلحة والزبير. كما أنه أول من أظهر الغلوّ في التشيع،

وادعى الألوهية لعلي. فقام علي بإحراق بعض أتباعه، ثم قام بنفي ابن سبأ إلى المدائن. وبعد استشهاد علي، رفض ابن سبأ الاعتراف بذلك، وادعى غيبته بعد وفاته. ويسمى أتباع ابن سبأ بالسبئية .

موقف السنة

يرى بعض علماء السنة أن ابن سبأ يهودي دخل الإسلام نفاقاً ليكيد بالإسلام وأهله، ثم أخذ يتنقل بين البلدان الإسلامية مدعياً أن علي ابن ابي طالب أحق بالخلافة من عثمان بن عفان، وبالفعل أثار الشبهات، وجمع من حوله الأنصار وزحفوا من البصرة والكوفة ومصر إلى المدينة المنورة،

ولكن علي تصدى لهم وأوضح أن أي اعتداء على الخليفة إنما هو إضعاف للإسلام وتفريق للمسلمين، فأقنع المتمردين وقفلوا راجعين. حينها أدرك ابن سبأ أنه على وشك الرجوع خائباً وأن الفرصة أوشكت أن تضيع،

 لذلك دبر مؤامرة جعلت المتمردين يرجعون ويحيطون ببيت عثمان ويحاصروه، ثم تسلق بعضهم الدار، وقتلوا عثمان وهو يقرأ القرآن سنة 35 هـ، وبمقتل الخليفة عثمان بن عفان كان ابن سبأ اليهودي المنافق قد فتح باباً لفتن أخرى طال أمدها بين المسلمين [1]. ومن المتوقع أن تكون هذه الفتنة هي التي عناها النبي حين بشر عثمان بالجنة على بلوى تصيبه.

 

 

 

المؤيدون لفكرة وجود شخصية ابن سبأ من أهل السنة

  1. 1.    أعشى همدان84 هـ): جاء ذكر والسبئية على لسان، وقد هجا المختار الثقفي وأنصاره من أهل الكوفة لقوله[2]: شهدت عليكم أنكم سبئية وأني بكم يا شرطة الكفر عارف.
  2. 2.    الحسن بن محمد بن الحنفية95 هـ)
  3. 3.    العدني (150 - 243 هـ)[3]
  4. 4.    الشعبي103 هـ)
  5. 5.    الفرزدق116 هـ)
  6. 6.    قتادة117 هـ)
  7. 7.    ابن سعد230 هـ)
  8. 8.    ابن حبيب البغدادي245 هـ)
  9. 9.    أبو عاصم253 هـ)

10-الجوزجاني259 هـ)

11-ابن قتيبة (276 هـ): (السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ[4])

12-البلاذري279 هـ)

وهؤلاء إما أثبتوا وجود ابن سبأ وإما تكلموا عن فرقته كفرقة دينية. وكلهم قبل الطبري، أما بعده فأكثر مما يحصر أو يُعَد.

 

موقف الشيعة

يقر معظمهم ووإن كان بعض الشيعة تنفي وجود شخصية عبد الله بن سبأ ويعدونها حقيقة وليست صنيعة خصومهم لتشويه نشأتهم. وقد ذُكر في كتب بعض علماء الشيعة وجوده، لكنه كما في روايات المذاهب الأخرى فإن فرقته تنسب قطعاً إلى الغلوّ، ولا يعدو ماذُكر من روايات وردت في كتب الشيعة أنه كان معاصراً لعلي بن أبي طالب، وكان واحداً من مجموعة من الغلاة الذين ادعوا في علي الألوهية،

فأحرقهم الإمام علي بالنار، وانتهى أمر ابن سبأ ولم يثبت له دور أكثر من ذلك ولكن الأبحاث التاريخية التي خرج بها مستشرقون كبار مثل فلهاوزن وكايتاني أظهرت أنها بالفعل شخصية مختلقة ولا حقيقة لها وأن ابن السوداء هو في الحقيقة عمار بن ياسر (الذي كان يشتمه الأمويون وقريش بعبارة ابن السوداء معيرين إياه بسواد أمه سمية)،

وموقفه من طلحة والزبير وعائشة وقبلها من عثمان بن عفان هو ذاته الموقف الذي ينسبونه لعبد الله بن سبأ وللمزيد مراجعة كتاب (عبد الله بن سبأ وأكاذيب أخرى للعلامة المرحوم مرتضى العسكري - وكتاب وعاظ السلاطين للمرحوم علي الوردي).

وفي الوقت الذي ينفي بعضهم. ويؤكد فيه عدد من الشيعه ان عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية وانه كان من شيعة علي بن ابي طالب إلا أن مناوئيهم يصرون في كتبهم على وجوده، وقد قاموا بعرض كل ما ذكر عن شخصية ابن سبأ في كتب الشيعة. ويرى الشيعة أن ذكره في كتبهم ليس إقراراً بوجوده، حيث قد جاء في أكثرها نقلاً عن مصادر غير شيعية من باب الذكر والجمع فقط

وأن هذه الكتب ليست بصدد البحث التاريخي وإنما إنكار للغلو الذي قد ينسب لعدد من الفرق الشيعية. ويصر معارضوهم على غير ذلك. وهؤلاء هم من ذكروا شخصية عبد الله بن سبأ في مؤلفاتهم من الشيعة:

ويقول الثقفي : (... تلك الطائف الضعيفة العقول السخيفة الأحلام الذين رؤوا أمير المؤمنين في آخر أيامه كعبد الله بن سبأ وأصحابه فإنهم كانوا من ركاكة البصائر وضعفها على حال مشهورة...)

الناشئ الأكبر (ت 293هـ) إذ يقول في "مسائل الإمامة": وفرقة زعموا أن علياً حي لم يمت، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان عبد الله بن سبأ رجلاً من أهل صنعاء يهودياً.. وسكن المدائن.

القمي (ت 301هـ) يقول في كتابه "المقالات والفرق": أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادّعى أن علياً أمره بذلك. و(أن السبئية قالوا للذي نعاه (أي علي بن أبي طالب): كذبت ياعدو الله لو جئتنا والله بدماغه خربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا أن لم يمت ولم يقتل وإن لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض ثم مضوا)

النوبختي310 هـ) يقول في كتابه "فرق الشيعة": عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر الطعن على أبى بكر، وعمر، وعثمان، والصحابة، وتبرأ منهم، وقال إن عليا أمره بذلك، فأخذه علي، فسأله عن قوله هذا، فأقر به، فأمر بقتله فصاح الناس إليه، يا أمير المؤمنين ! ! أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم، أهل البيت، وإلى ولايتكم، والبراءة من أعدائكم، فسيره إلى المدائن

وقال: ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن، قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين عدلا، لعلمنا أنه لم يمت، ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض

وذكر مثل هذا مؤرخ شيعي في "روضة الصفا": " أن عبد الله بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه (عثمان بن عفان) كثيرون هناك، فتظاهر بالعلم والتقوى، حتى افتتن الناس به، وبعد رسوخه فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه، ومنه، إن لكل نبي وصيا وخليفته، فوصيُّ رسول الله وخليفته ليس إلا عليا المتحلي بالعلم، والفتوى، والمتزين بالكرم، والشجاعة، والمتصف بالأمانة، والتقي،

وقال: إن الأمة ظلمت عليا، وغصبت حقه، حق الخلافة، والولاية، ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته، وخلع طاعة عثمان وبيعته، فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه، وخرجوا على الخليفة عثمان ".

أبو حاتم الرازي (ت 322 هـ) يقول في كتابه "الزينة في الكلمات الإسلامية": أن عبد الله بن سبأ ومن قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله، وأنه يحيي الموتى، وادعوا غيبته بعد موته.

روى الكشي (ت 340هـ) في "الرجال" أقوالاً عن الباقر والصادق وزين العابدين تلعن فيها عبد الله بن سبأ. ولا يجوز ولا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول. ويروي الكشي كذلك بسنده إلى أبي جعفر (أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا

فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال: نعم أنت هو وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين: ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار والصواب أنه نفاه بالمدائن)

ويذكر الكشي والمامقاني (ت 1323هـ): أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم، ووالى عليا، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي مثل ذلك، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه، وكفرهم

الأردبيلي1100 هـ): ذكر الأردبيلي عبد الله بن سبأ في كتابه جامع الرواة فقال عنه غال ملعون... وإن كان يزعم ألوهية علي ونبوته.

المجلسي (ت 1110هـ): ذكر المجلسي في (بحاره)ان السبائية ممن تقول: بأن المهدي هو علي بن أبي طالب وأنه لم يمت.

نعمة الله الجزائري1112 هـ) يقول في كتابه الأنوار النعمانية (2\234): قال عبد الله بن سبأ لعلي بن أبي طالب أنت الإله حقاً فنفاه علي إلى المدائن وقيل إنه كان يهودياً فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وفي موسى مثل ما قال في علي.

حجة النافين لوجود ابن سبأ

أكثر النافين لوجوده يستندون على أن الأغلب في الروايات التي نقلها الطبري في تاريخه والذهبي في تاريخ الإسلام تنتهي إلى سيف بن عمر التميمي الذي كان متهما بالكذب عند رواة الحديث كما أن مرتضى العسكري في كتابه (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) ينقل جملة من الروايات الخرافية التي تناقض العقل والتي نقلها الطبري عن سيف بن عمر وأحدها حديث سعد بن أبي وقاص مع قطيع من الثيران.

 قال الطبري: ((كان عبد الله بن سبأ يهوديا من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم أيام عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم فبدأ ببلاد الحجاز ثم البصرة ثم الشام)). أما أبي زهرة وفي كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية قال: ((عبد الله بن سبأ كان يهوديا من أهل الحيرة، أظهر الإسلام)). فهو في هذه الروايات تارة من أهل الحيرة وأخرى من أهل صنعاء، وهو عند ابن حزم والشهرستاني وغيرهما ابن السوداء،

الاختلاف في وقت ظهوره فالطبري وجماعة يصرحون بأنه ظهر أيام عثمان بينما يذهب جماعة آخرون إلى أنه ظهر أيام علي أو بعد موته ومن هؤلاء سعد بن عبد الله الأشعري في كتابه المقالات وابن طاهر في الفرق بين الفرق وغيرهما كثير وقد استعرض الدكتور طه حسين الصورة التي رسمت لابن سبأ وانتهى إلى أن ابن سبأ شخصية وهمية خلقها خصوم الشيعة ودعم رأيه بالأمور التالية :

أولا: إن كل المؤرخين الثقاة لم يشيروا إلى قصة عبد الله بن سبأ ولم يذكروا عنها شيئا.

ثانيا: إن المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب، ومقطوع بأنه وضاع.

ثالثا: إن الأمور التي أسندت إلى عبد الله بن سبأ تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ وسخرهم لمآربه وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض : في منتهى البلاهة والسخف.

الطبري (عام 224هـ - 310هـ)، بينما صاحب مصنف ابن أبي الشيبة (153هـ - 235هـ)، فقد أورد في رواية ما يهمنا منها : « فقال عبيد الله بن عتبة (توفي عام 94هـ وقيل 98هـ) : إني لست بسبائي ولا حروري[5]»، والمقصود أنه ليس سبائي (أي ليس من أتباع عبد الله بن سبأ) وليس بحروري (والحرورية هي إحدى فرق الخوارج)، وفي السند لا يوجد سيف بن عمر.

الجعفي الكوفي المتوفى عام (80 هـ) : «أنه دخل على علي بن أبي طالب في إمارته فقال: إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر، يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك، منهم عبد الله بن سبأ، فقال علي: مالي ولهذا الخبيث الأسود، ثم قال: معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل، ثم أرسل إلى ابن سبأ فسيّره إلى المدائن، ونهض إلى المنبر حتى إذا اجتمع الناس أثنى عليهما خيراً، ثم قال: أو لا يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري

 وفي السند لا يوجد سيف بن عمر. لم ينفرد الطبري وحده بروايات سيف، بل هناك روايات لسيف تتحدث عن ابن سبأ لا توجد عند الطبري. سيف بن عمر ليس هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ، بل هناك روايات كثيرة تذكر ابن سبأ ولا ينتهي سندها إلى سيف بن عمر. انظر تاريخ دمشق لابن عساكر (29|7-10). سيف بن عمر ضعيف في رواية الحديث، لكنه عمدة في التاريخ. وهناك فرق بين شروط رواية الحديث وبين شروط رواية الأخبار الأخرى.

جاءت عدة روايات مقبولة حتى على شروط رواية الحديث. فمثلاً قال ابن عساكر في تاريخ دمشق أخبرنا أبو محمد بن طاوس وأبو يعلى حمزة بن الحسن بن المفرج، قالا: نا أبو القاسم بن أبي العلاء، نا أبو محمد بن أبي نصر، نا خيثمة بن سليمان، نا أحمد بن زهير بن حرب، نا عمرو بن مرزوق نا شعبة، عن سلمة بن كهيل عن زيد قال: "قال علي بن أبي طالب: مالي ولهذا الحميت الأسود؟ يعني عبد الله ابن سبأ، وكان يقع في أبي بكر وعمر". وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

وقال ابن حجر قال الحافظ في لسان الميزان: قال أبو إسحاق الفزاري (يعني في كتابه السيرة) عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن زيد بن وهب: أن سويد بن غفلة دخل على علي في غمارته فقال: إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك منهم عبد الله بن سبأ، وكان عبد الله أول من أظهر ذلك.

 فقال علي: ما لي ولهذا الخبيث الأسود؟ ثم قال: معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل. ثم أرسل إلى عبد الله بن سبأ، فسيره إلى المدائن وقال: "لا يساكنني في بلدة أبداً". ثم نهض إلى المنبر حتى اجتمع الناس، فذكر القصة في ثنائه عليهما بطوله وفي آخره: "ألا ولا يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري". ورجاله ثقات.

عبد الله بن سبأ لم يكن يعمل وحده، بل كان زعيماً لفرقة سرية تسمى بالسبئية، استمرت بعده بهذا الاسم لفترة طويلة. فمثلاً قال يزيد بن زريع: رأيت الكلبي يضرب يده على صدره ويقول: "أنا سبئي، أنا سبئي".

 

 

الشيعة

الشيعة هو اسم يطلق على طائفة من المسلمين، ويرى الشيعة أن علي بن أبي طالب هو ونسله من زوجته فاطمة بنت النبي محمد هم أئمة مفترضوا الطاعة بالنص السماوي وهم المرجع الرئيسي للمسلمين بعد وفاة النبي. ويطلقون عليه اسم الإمام الذي يجب اتباعه دون غيره طبقاً لأمر من النبي محمد في بعض الأحاديث مثل حديث بالثقلين المنقول عن النبي محمد والذي يستدلون به على غيرهم من خلال وجوده في بعض كتب بعض الطوائف الإسلامية التي تنكر الإمامه

وهو كالتالي: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ; أحدهما أعظم من الآخر ; كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)

أصل التسمية

لفظ شيعة في الأساس من الفعل تشيع وهو الاتباع. وعلى مدار التاريخ الإسلامي أطلق لفظ شيعة على العديد من الحركات الإسلامية المجموعات مثل شيعة عثمان وشيعة معاوية وغيرهم ولكن لفظة الشيعة وحدها تعتبر علما لشيعة علي متبعيه. ويرى الشيعة بأن أصل التسمية ورد في حديث لمحمد بن عبد الله نبي الإسلام في حياته حيث سأله علي بن أبي طالب عن خير البرية فأجابه: «أنت وشيعتك»،

وبهذة الرواية يعتقد الشيعة أن التشيع لم يظهر بعد وفاة محمد بل هو الإسلام الحقيقي الذي بعث به محمد. وقد ورد هذا الحديث بروايات مختلفة في كتب الشيعة وبعض المذاهب الإسلامية الأخرى

نشأة المذهب الشيعي

يؤمن الشيعة أن التشيع هو الإسلام ذاته، ويتبناه الشيعة أنفسهم حيث يرون أن المذهب الشيعي أصلا لم يظهر بعد الإسلام ويعتقدون أنه الإسلام ذاته. ويرون أن المسلم التقي يجب أن يتشيع ويوالي علي بن أبي طالب، وبالتالي فإن التشيع هو ركن من أركان الإسلام الأصيل وضع أساسه النبي محمد نفسه على مدار حياته، وأكده قبل موته في يوم غدير خم عندما أعلن الولاية لعلي من بعده.

كما يرون أن الطوائف الإسلامية الأخرى هي المستحدثة ووضعت أسسها من قبل الحكام والسلاطين وغيرهم من أجل الابتعاد عن الإسلام الذي أراده النبي محمد في الأصل. كما يستدل الشيعة بالايه الشريفة في سورة المائدة رقم 67 في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ),

يرى بعض المؤرخين أن بذرة التشيع بدأت بعد وفاة الرسول محمد حيث اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة لاختيار الخليفة في غياب وجوه بني هاشم أمثال علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب اللذان كانا يجهزان النبي للدفن أثناء انعقاد السقيفة، وحسب المؤرخين فإن السقيفة انتهت باختيار أبو بكر بن أبي قحافة خليفة حسب إجماع من المجتمعين في السقيفة من المهاجرين والأنصار.

بعد السقيفة بدأت مجموعة صغيرة من الصحابة منهم أبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن عمرو والزبير بن العوام تجتمع في بيت علي بن أبي طالب معترضة على اختيار أبو بكر ويعتبر الشيعة الصحابة الذين يرون أحقية علي بن ابي طالب هم أفضل الصحابة وأعظمهم قدرا

ويرى البعض انه بعد أن تطور الأمر في عهد عثمان بن عفان الخليفة الثالث حيث أدت بعض السياسات التي يقوم بها بعض عماله في الشام ومصر إلى سخط العامة وأعلن بعض الثائرين خروجهم على عثمان وبدؤوا ينادون بالثورة على عثمان، وبالرغم من أن علي بن أبي طالب نفسه حاول دفعهم عن الثورة وحاول أيضا من جهة أخرى تقديم النصح لعثمان بن عفان لإنقاذ هيبة الدولة الإسلامية إلا أن عثمان قتل في النهاية على يد الثائرين.

وبعد ذلك اجمع المسلمون على الالتفاف حول علي بن أبي طالب يطلبون منه تولي الخلافة. وهنا يأخذ الفكر منعطفا جديدا حيث أن علي بن أبي طالب أصبح حاكما رسميا وشرعيا للأمة من قبل أغلب الناس.

ومع بداية الصراع بينه وبين الصحابة أمثال طلحة والزبير ومعاوية، بدأ يظهر مصطلح شيعة علي يبرز وهم أصحاب علي بن أبي طالب المؤيدين له ويرى أهل السنة أن تأييدهم انما بأمور السياسة[بحاجة لمصدر]، والذين ينظر إليهم الشيعة كمؤمنين بمبدأ إمامة علي، ومتبعين له من منطلق اعتقادي. ولكن بدأت في ظهور مجموعة في المقابل أطلقت على نفسها شيعة عثمان أعلنوا أنهم يطالبون بدم عثمان وقتل قتلته وتطور الأمر بهم ان أعلنوا رفضهم لخلافة علي بن أبي طالب الذي تباطئ في رأيهم في الثأر لعثمان.

 وعلى رأس شيعة عثمان كان معاوية بن ابي سفيان من جهة وعائشة زوجة النبي من جهة أخرى وبعد معارك مثل معركة الجمل ومعركة صفين وظهور حزب جديد هم الخوارج ومعركة النهروان. قتل علي بن أبي طالب على يد أحد الخوارج هو عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم أثناء صلاة الفجر في مسجد الكوفة وقال جملته الشهيرة: "فزت ورب الكعبة".

كربلاء

تعد معركة كربلاء منعطف هاما في تطور الفكر الشيعي حيث أن مأساة كربلاء واستشهاد الحسين بطريقة مأساوية مفزعة ألهبت مشاعر الشيعة وجعلت الأمر يتحول إلى اعتماد أسلوب الثورة على السلطة وإعلان الحسين شهيدهم رمز المظلوم.

فبعد معركة كربلاء نجد الفكر الشيعي يتحول في بعض نواحيه إلى فكر ثوري ويتحول الحسين إلى الشخصية التي يرى الشيعي فيها رمزا للمظلوم والغربة فتراهم يستخدمون دائما جملة (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء).

طوائف الشيعة

وفقاً لمؤرخي الشيعة فإن انقسام الشيعة لفرق وطوائف جاء بشكل متدرج والمعروف منها اليوم:

الإثنا عشرية أو الإمامية

تؤمن الطائفة الإثناعشرية بأربعة عشر معصوم منهم إثنا عشر إماماً معصوما، ويعتقدون بأن محمد المهدي ابن الحسن العسكري وهو عندهم الإمام الثاني عشر هو المنتظر الموعود الذي غاب عن الأنظار ثم سيعود ليملأ اللأرض عدلا.

وتعتبر الطائفة الإثناعشرية أكبر الطوائف الشيعية من حيث عدد السكان، حيث يقدر عددها بحوالي 85% من الشيعة وتحتوي إيران والعراق وأذربيجان على أكثر من ثلثي عدد الشيعة الإثناعشرية، ويرى بعض السنة والشيعة أن ذلك يعود لفترة الحكم الصفوي (1501م – 1736م)، حيث كانت إيران سنية المذهب طوال أكثر من ألف عام

 ولم يكون فيها سوى أربع مدن شيعية وهي آوه وقاشان وسبزوان وقم، وعقب وصول إسماعيل الصفوي للسلطة في إيران أعلن فرض المذهب الشيعي الإثناعشري مذهبا رسميا للدولة، « بالرغم من وصول الشيعة للسلطة عبر التاريخ الإسلامي (أي كالقرامطة والعبيديون والبوهيون)، حتى القرن السادس عشر ميلادية 1501م ووصول الحكم الصفوي للسلطة وفرضه للمذهب الشيعي الإثناعشري على مستوى الامبراطورية، مما أدى ذلك إلى تحول الشعوب في بلاد الفرس وأذربيجان وبعض الترك ليصبحوا من أتباع الطائفة الشيعية الإثناعشرية

وضع جعفر الصادق الفقه الشيعي ونشر تلاميذه بين الناس وتلقى العلم على يديه آلاف الطلبة واعتبره الشيعة من نجوم الأمة الإسلامية لذا يسمون بالجعفرية أيضا.

حكم من لا يقول بإمامة الاثني عشر عند الشيعة:
ـ وقال يوسف البحراني في {الحدائق الناضرة 18/153 ط بيروت}: (وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه ورسوله وبين من كفر بالائمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين).

ـ وقال الفيض الكاشاني في {منهاج النجاة ص48 ط دار الاسلامية بيروت}: (ومن جحد إمامة أحدهم ـ الائمة الاثني عشرـ فهو بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء).

ـ وقال المجلسي في {بحار الانوار23/390 ط بيروت}: (أعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد بإمامة أمير المؤمنين والائمة من ولده عليهم السلام وفضّل عليهم غيرهم يدل على أنهم كفار مخلدون في النار).

ـ وقال يوسف البحراني في {الحدائق الناضرة 18/53}: (إنك قد عرفت أن المخالف كافر لاحظ له في الاسلام بوجه من الوجوه كما حققنا في كتابنا الشهاب الثاقب).

ـ وقال عبد الله شبر في {حق اليقين في معرفة أصول الدين 2/188 ط بيروت}:
(وأما سائر المخالفين ممن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصب فالذي عليه جملة من الامامية كالسيد المرتضى أنهم كفار في الدنيا والاخرة والذي عليه الأشهر أنهم كفار مخلدون في النار).

ـ وقال محمد بن حسن النجفي في {جواهر الكلام 6/62}:(والمخالف لإهل الحق كافر بلا خلاف بيننا كالمحكي عن الفاضل محمد صالح في شرح أصول الكافي، بل والشريف القاضي نور الله في إحقاق الحق من الحكم بكفر منكري الولاية لأنها أصل من أصول الدين).

ـ يقول أيضاً في نفس المصدر السابق (ومعلوم أن الله عقد الاخوّة بين المؤمنين بقوله تعالى: {إنما المؤمنون أخوة} دون غيرهم فكيف تتصور الاخوة بين المؤمن والمخالف بعد تواتر الروايات وتظافر الآيات في وجوب معاداتهم والبراءة منهم).

ـ وقال عبد الله المامقاني في {تنقيح المقال 1/208 باب الفوائد ط نجف}:(وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على كل من لم يكن إثني عشرياً).

ـ وقال الصدوق في {علل الشرائع ص601 ط نجف/ الحر العاملي في وسائل الشيعة18/463/ والجزائري في الانوارالنعمانية2/308}:

(عن داود بن فرقد قال: قلتُ: لأبى عبد الله عليه السلام ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم ولكن اتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل. قلتُ: فما ترى في ماله؟ قال: تُوه ما قدرت عليه).

ـ وقال نقمة الله الجزائري في: {الانوار النعمانية2/308}: (وفي الروايات أن علي بن يقطين وهو وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين وكان من خواص الشيعة فأمر غلمانه وهدوا سقف الحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريباً فأراد الخلاص من تبعات دمائهم .

فأرسل إلى مولانا الكاظم فكتب عليه السلام إليه جواب كتابه بأنك لو كنت تقدمت إلي قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم وحيث أنك لم تتقدم إلي فكفّر عن كل رجل قتلته منهم بتيس والتيس خير منه، فانظر إلى هذه الدية الجزيلة التي لاتعادل دية أخيهم الأصغر وهو كلب الصيد فإن ديته خمس وعشرون درهماً ولا دية أخيهم الأكبر وهو اليهودي أو المجوسي فإنها ثمانمائة درهم وحالهم في الدنيا أخس وأبخس).

ـ وقال أبو جعفر الطوسي في {تهذيب الأحكام 4/122 ط طهران /الفيض الكاشاني في الوافي 6/43 ط دار الكتب الاسلامية طهران}:عن الامام الصادق (خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا خُمسه).

ـ وقال الخميني في {تحرير الوسيلة 1/352}: (والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما أغتنم منهم وتعلق الخُمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان وادفع إلينا خُمسه).

ـ وقال يوسف البحراني في {الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12/323-324}:
(إن إطلاق المسلم على الناصب وإنه لا يجوز أخذ ماله من حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفاً وخلفاً من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله).

جواز اغتياب المخالفين:
ـ وقال الخميني في {المكاسب المحرمه1/251 ط قم}:(والأنصاف أن الناظر في الروايات لا ينبغي أن يرتاب في قصورها عن إثبات حرمة غيبتهم بل لا ينبغي أن يرتاب في أن الظاهر من مجموعها اختصاصها بغيبة المؤمن الموالي لائمة الحق عليهم السلام).

ـ وقال الخميني في: {المكاسب المحرمة1/249}:(ثم أن الظاهر اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن فيجوز اغتياب المخالف إلا أن تقتضي التقية وغيرها لزوم الكف عنهم).

ـ وقال عبد الحسين دستغيب في {الذنوب الكبرى 2/267 ط الدار الاسلامية بيروت}: (ويجب أن يعلم أن حرمة الغيبة مختصة بالمؤمن أي المعتقد بالعقائد الحقة ومنها الاعتقاد بالائمة عليهم السلام وبناءً على ذلك فأن غيبة المخالفين ليست حراماً).

ـ وقال محمد حسن النجفي في {جواهر الكلام22/62}:(وعلى كل حال فالظاهر إلحاق المخالفين بالمشركين في ذلك لاتحاد الكفر الاسلامي والإيماني فيه بل لعل هجائهم على رؤوس الأشهاد من أفضل عبادة العباد ما لم تمنع التقية وأولى من ذلك غيبتهم التي جرت سيرة الشيعة عليها في جميع الاعصاروالامصار وعلمائهم وعوا مهم حتى ملاؤا القراطيس منها بل هي عندهم من أفضل الطاعات وأكمل القربات فلا غرابة في دعوى تحصيل الإجماع كما عن بعضهم بل يمكن دعوى كون ذلك من الضروريات فضلاً عن القطعيات).

موقفهم من أئمة المذاهب الأربعة:
ـ وقال الكليني في {الكافي 1/58 ط طهران/ الحر العاملي في وسائل الشيعة18/33 ط بيروت}:(عن موسى الكاظم قال: لعن الله أبا حنيفة، كان يقول قال علي عليه السلام وقلت أنا وقالت الصحابة).

ـ وقال محمد الرضوي في {كذبوا على الشيعة ص 135 ط إيران}:(قبحك الله يا أبا حنيفة كيف تزعم أن الصلاة ليسـت من دين الله).

ـ وأيضاً في ص 279 (ولو أن أدعياء الاسلام والسُّنّة أحبوا أهل البيت عليهم السلام لاتبعوهم ولما أخذوا أحكام دينهم عن المنحرفين عنهم كأبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل).

ـ وقال الجزائري في {قصص الأنبياء ص347 ط بيروت}:(أقول هذا يكشف لك عن أمور كثيرة منها بطلان عبادة المخالفين وذلك انهم وإن صاموا وصلوا وحجوا وزكوا وأتوا من العبادات والطاعات وزادوا على غيرهم إلا انهم آتوا إلى الله تعالى من غير الأبواب التي أُمروا بالدخول منها... وقد جعلوا المذاهب الأربعة وسائط وأبواب بينهم وبين ربهم وأخذوا الأحكام عنهم وهم أخذوها عن القياسات والآراء والاجتهاد الذي نهى الله عن اخذ الأحكام عنها، وطعن عليهم من دخل في الدين منها).

أخي المسلم السُني الموحد هذا ما استطعت جمعه من أقوالهم حتى تعلم حقيقة نظرتهم إليك التي هي فرع من نظرتهم الى دينك ونبيك صلّى الله عليه وسلم وسلف الأمة رضوان الله عليهم، فاحذر يرحمني ويرحمك الله أن يُلّبس عليك هؤلاء حقيقتهم. فكما تحرص على عِرضك أن لا يمسه سوء فمن باب أولى أن تحرص على دينك الذي هو عصمة أمرك.
[بسم الرحمن الرحيم الله * والعصر* إن الإنسان لفي خُسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ وتواصوا بالحقِ وتواصوا بالصبر].

بعض الأماكن التي يتركز بها الشيعة.

الإسماعيلية

بعد وفاة الإمام جعفر الصادق التف الشيعة حول ولده موسى الكاظم ولكن أعلن بعض الشيعة أن الإمام كان إسماعيل بن جعفر الصادق وان مات في حياة أبيه فإن الإمامة في نسله ورفضوا إمامة موسى الكاظم. وظهر ثاني انقسام وهو ما يعرف بالطائفة الإسماعيلية. التي هي الأخرى حدث بها انشقاق إلى فرعين (نزاريةمستعلية) وما زالتا موجودتين إلى يومنا.

واشتهر الإسماعيليون بنشاطهم بل استطاعوا ولأول مرة بعد مقتل علي بن أبي طالب تأسيس دولة شيعية بخلافة شيعية يرأسها أئمة ظهروا بعد نجاح دعوتهم السرية قائلين إنهم من ذرية علي بن أبي طالب وهي الدولة الفاطمية. بدأت في شمال أفريقيا ووصلت إلى مصر وكانت العاصمة القاهرة في عهدهم من أكبر مدن العالم آنذاك.يوجد الإسماعيلون بنجران جنوب المملكة العربية السعودية وفي الهند وغيرها من البلدان

الزيدية

بعد مقتل الحسين بن علي وبعد وفاة ابنه علي زين العابدين الذي كان له ولدان محوريان هما زيد بن علي ومحمد الباقر.خرج زيد بن علي على الأمويين والتف حوله جمع من الناس من الشيعة وغيرهم، ويقضي زيد أيضا أنفاسه الأخيرة بعد قصة مأساوية لا تختلف كثيرا عن قصة جده الحسين، وبعد وفاته تنفصل طائفة عن الشيعة لاترى الإمامة لمحمد الباقر الذي كان الشيعة يعتبرونه إمامهم حتى في حياة زيد وعرفت هذه الطائفة بالزيدية نسبة إلى زيد بن علي

 واختلفت هذه الطائفة الموجودة إلى يومنا عن باقي الشيعة انها رأت أن الإمامة ليست بالنص على شخص محدد وإنما الإمامة هي لأي شخص من نسل علي بن أبي طالب يخرج طالبا لها ويعتبر من ائمتهم يحيى بن زيد بن علي وأيضا محمد النفس الزكية وغيره.هذا وتعتبر الزيديه قريبة من المذهب السني لاخذها بفقه المذهب الشافعي.الذي يعد بدوره أقرب المذاهب السنية للشيعة.

الشيعة في العصر الحاضر

تعتبر الإثنا عشرية هي الطائفة الأكبر، وتليها الإسماعيلية، ثم الزيدية بنسب صغيرة. ويتراوح عدد الشيعة في العالم ما بين 154 و200 مليون نسمة، بنسبة 10% إلى 13% من إجمالي عدد المسلمين في العالم. يعيش منهم ما بين 116 و147 في قارة آسيا بما يعادل ثلاثة أرباع عدد المسلمين الشيعة الكلي.

 ويعيش الربع الباقي في شمال أفريقيا، ويتراوح عددهم ما بين 36 و44 مليون نسمة. يتركز معظم الشيعة -حوالي 68%:80%- في اربعة دول هي إيران (66:70 مليون)، وباكستان والهند والعراق وبهم قرابة 25 مليون نسمة مجتمعين.

الفقه الجعفري اصل تسميه الفقه الجعفري يرجع إلى جعفر بن محمد الصادق(ع) سادس الائمة عليهم السلام وذلك ان هذا الامام تهيأت له الظروف المناسبة لنشر فكر الإسلام الحق بسبب معاصرته لضعف الدولة الاموية وبداية الدولة العباسية لذلك اسس مدرسة لنشر علوم اهل البيت عليهم السلام وهي علوم الإسلام من خلال تأسيس مدرسة علمية عرفت باسمه (مدرسة الامام الصادق) تخرج منها أكثر من 4000 عالم مجتهد.

ونحن نقول ان كل المذاهب الإسلامية الاربعة اخذت من هذه المدرسة، لانه وكما مشهور كان اولها مدرسه أبو حنيفة وهو كان طالبآ في مدرسة الصادق عليه السلام والدليل قوله(اي أبو حنيفة) :ـ(لولا السنتان لهلك النعمان) والمعروف ان باقي المدارس الإسلامية اخذت من مدرسة أبو حنيفة..

التقويم الديني

  • عيد الفطر، نهاية الصوم الذي يقع خلال شهر رمضان ويقع في أول يوم من شوال.
  • عيد الأضحى، نهاية الحج إلى مكة، وتبدأ في اليوم العاشر من ذو الحجة.
  • عيد الغدير وهو يوم بيعة غدير خم في الثامن عشر من ذي الحجة حسب اعتقاد الشيعة(من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ويسمى أيضاً عيد الولاية والعيد الأكبر.
  • عاشوراء وهي مناسبة تذكر استشهاد الإمام الحسين بن علي. يوم عاشوراء هو يوم حزين للشيعة ويقع في اليوم العاشر من محرم.
  • الأربعين، وهي ذكرى عذاب أطفال ونساء بيت الإمام الحسين. بعد أن قُتل الحسين، تم سبيهم من كربلاء (وسط العراق) إلى الشام (دمشق، سوريا). العديد من الأطفال (من ضمنهم أطفال من سلالة النبي محمد) ماتوا بسبب العطش والحرارة الشديدة. الأربعين يقع في 20 صفر، 40 يوم بعد عاشوراء.
  • المولد النبوي، مولد محمد بن عبد الله وتحتفل الجماعة الصوفية يوم 12 ربيع الأول ماعدى المملكة العربية السعودية، ويحتفل به الشيعة يوم 17 ربيع الأول، الذي يقع مع تاريخ ولادة الإمام السادس، جعفر الصادق. ويعتبر من 12 ربيع الأول إلى 17 ربيع الأول يوم الوحدة العالمي.
  • نصف شعبان هو تاريخ ولادة الإمام الحجة بن الحسن. يحتفل به الشيعة الإثني عشرية يوم 15 شعبان. العديد من الشيعة يصومون هذا اليوم لإظهار الشكر لله.

الأماكن المقدسة

لدى الشيعة مدن ومزارات مقدسة تضم أضرحة أئمتهم وإن اتفقوا مع المذهب السني في مدن مثل مكة والمدينة المنورة والقدس وما فيهم من أماكن مقدسة كالكعبة والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، لكنهم ينفردون بأماكن يقدسونها كأضرحة ومراقد أئمتهم ومعصوميهم وبعض المساجد الهامة مثل:

  • المدينة المنورة:مرقد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله ومرقد الامام الحسن المجتبى بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومرقد الامام علي بن الحسين ومرقد الامام محمد الباقر ومرقد الامام جعفر الصادق ((عليهم السلام)) وقد منع الشيعة من التقرب إلى هؤلاء لما يخالف مذهب أهل السنة والجماعة وهو المصدر الأول للتشريع والحكم في المملكة العربية السعودية.
  • كربلاء: ويسمونها كربلاء المقدسة وبها قبر الحسين المعروف عندهم باسم الروضة الحسينية، ومرقد أبي الفضل العباس.
  • النجف: المسماه بالنجف الأشرف.
  • قم: وبهامرقد الامام علي بن موسى الرضا مرقد السيدة فاطمة المعصومة، ومسجد جمكران.
  • الكاظمية:وفيها مرقد الإمام موسى بن جعفر(ع) الملقب بالكاظم وهو ابن الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)
  • سامراء:وفيها مرقد الإمامين الملقبان بالعسكريين وهما علي الهادي بن محمد الجواد بن موسى الكاظم وابنه الحسن العسكري (ع)

 

 

 

 

 

الباب الثالث

الروافض و أهل السُّنّة

ومن الفِرق التي عمَّ شرها وطمَّ   " الروافض "  اللئام الذين تقربوا إلى الشيطان الرجيم بسبِّ أصحاب نبينا صلّى الله عليه وسلم وأزواجه وأئمّتنا مصابيح الدجى رضوان الله عليهم، ـ ألا لعنة الله على الظالمين ـ.

إذن فإتباع سبيل المؤمنين ومجانبة أصحاب الجحيم من اليهود والنصارى والمشركين هو الذي يوصل الى رضوان رب العالمين، وإذا كان الامر كذلك فخذ للأمر عدته والزم طريقة نبيك محمد صلّى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، واسلم بدينك من معاشرة أصحاب الهوى والزيغ ولاتغتر بمعسول كلامهم: فعن أمثاله يقول الحق تبارك وتعالى { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن}.
أخي المسلم سترى في هذه الاسطر حقيقة نظرتهم إليكَ وماحكمكَ عندهم أيها السنُّي الموحد، فالله الله في دينك وتذّكر أنك على ثغرة من ثغور الاسلام فلا يُأتي الاسلام عن طريقك. والله الموفق وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.

ماذا يعني لفظ الناصب:

النواصب مصطلح  يطلق على من يعادون علي بن أبي طالب وأهل بيته، ويؤذونهم بالقول أو الفعل، وقد اتفق أهل السنة والإثنا عشرية في أن النواصب تقول بفسق علي بن أبي طالب ولكنها لا تقول بكفر علي بن أبي طالب كالخوارج، ثم الإثنا عشرية قامت بتوسيع مصطلح النواصب ليشمل كل خصومهم سواءا كانوا من النواصب (الذين يعتقدون بفسق علي بن أبي طالب) أو من الخوارج (الذين يعتقدون بكفر علي بن أبي طالب) .

وعند علماء الإثنا عشرية هناك تفريق بين الخوارج والنواصب حيث الخوارج قالوا بكفر علي بن أبي طالب أما النواصب فلا تكفره، حيث الخوارج : «الخوارج الطائفة المعروفة وهم المعتقدون بكفر أمير المؤمنين والمتقربون إلى الله ببغضه ومخالفته ومحاربته فلا إشكال في كفرهم ونجاستهم، لأنّه مرتبة عالية من النصب الذي هو بمعنى نصب العداوة لأمير المؤمنين وأولاده المعصومين فحكمهم حكم النصّاب، ويأتي أن الناصب محكوم بكفره ونجاسته، والنواصب «وهم الفرقة الملعونة التي تنصب العداوة وتظهر البغضاء لأهل البيت ، وهذا لا للأخبار الواردة في كفر المخالفين كما تأتي جملة منها عن قريب، لأنّ الكفر فيها إنما هو في مقابل الايمان ولم يرد منه ما يقابل الإسلام.

النصب في اللغة

النصب لغة : إقامة الشيء ورَفعِهِ، ومنه ناصِبَةُ الشرِّ والحرب. (مختار الصحاح 1 / 275)

وفي القاموس : " النواصب والناصبة وأهل النصب المتدينون بِبُغض علي - - ؛ لأنهم نصبوا له، أي عادوه ".

رأي أهل السنة والجماعة في النواصب

قال العلامة أبو جعفر الطحاوي: "هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني الوائلي"، ثم قال : "ونثبت الخلافة بعد رسو ل الله ص أولا لأبي بكر الصديق رض، تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رض، ثم لعثمان بن عفان رض، ثم لعلي بن أبي طالب رض، وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون"

قال الشيخ ابن عثيمين: " النواصب، هم الذين ينصبون العداء لآل البيت، ويقدحون فيهم، يسبونهم، فهم على النقيض من السنة.

قال ابن تيمية في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة :" ويحبون أهل بيت رسول الإسلام ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الإسلام..... ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، وأهل السنة والجماعة يمسكون عما شجر بين الصحابة " (العقيدة الواسطية مجموع الفتاوى 3 / 154)

ويعتقد أهل السنة والجماعة أن اتهام غالبية الصحابة مثل أبو بكر وعمر وعثمان وأم المؤمنين عائشة وأبو حنيفة والامام مالك وأحمد بن حنبل والكثير من علماء وقادة المسلمين بأنهم نواصب من قبل الشيعة أمر باطل لا أصل له ولا دليل عليه، ويعتبرون ما كان بين بعضهم وبين علي اجتهادات لصحابة عدول وليست معاداة.

 ويرون أن تهمة "أنت ناصبي" عند بعض الشيعة هي كتهمة أنت "معادي للسامية" عند اليهود عند حصول النقاشات الحادة فمثلا ابن تيمية يعتبره الشيعة من النواصب ولكن لا يوجد دليل على تكفير أو سب أو لعن ابن تيمية لعلي بل إنه محب له، كما يرى أهل السنة والجماعة أن الطائفة الإثنا عشرية تسعى لاتهام أي شخص يقوم بانتقاد الطائفة الاثناعشرية بأنه من النواصب حتى وإن كان يحب علي بن أبي طالب وآل بيته ويواليهم.

وأهل السنة والجماعة يرون النواصب جماعة ليست على حق، ولكن أهل السنة والجماعة لا يكفرون النواصب والسبب في ذلك أن علي بن أبي طالب كفره الخوارج ومع ذلك فإن علي بن أبي طالب لم يكفر الخوارج  هذا ومن الجدير بالذكر أن جمهور علماء أهل السنة يرى عدم كفر الخوارج بينما يرى آخرون منهم كفر الخوارج

رأي الإثني عشرية في النواصب

النصب عند الشيعة صفة ليست ملازمة لطائفة معينة أو ملة معينة وإنما يتصف بها أي شخص يظهر العداء للنبي محمد أو أهل بيته ونسلهم من فاطمة الزهراء.

وكذلك يظهر عدائه لشيعتهم وعداء شيعتهم المقصود به اضطهادهم وسجنهم وتعذيبهم وإهانة مقدساتهم وليس مجرد الاختلاف في الرأي.النصب هو :

1- العداء للنبي محمد أو فاطمة ابنته أو لعلي بن أبي طالب.

2- العداء للأئمة من ذريتهم.3- العداء لشيعتهم.

إطلاق تهمة النصب

تعدّدت طرق استخدام صفة النصب لدى الشيعة، فمن أبرز الآراء:رأي أن تهمة النصب لا يجوز وصف بها شخص إلا ببينة : كما هو المشهور في فتاوى مراجع الشيعة وفتوى السيستاني الشهيرة أن تهمة النصب لا يجوز وصف بها شخص إلا ببينة ودليل وقوي وأن الناصبي يجب أن يكون مظهرا للعداء حتى تنطبق عليه صفة النصب وأحكام الناصبي أما الشخص الذي يظهر المودة ويبطن العداء ليس عليه أحكام الناصبي وإنما الأمر يؤخذ بالظاهر وبالبينة الواضحة.

رأي أن كل من قدم غير علي بن أبي طالب عليه فهو ناصبي : «على أنك قد عرفت سابقاً أنه ليس الناصب إلا عبارة عن التقديم على عليٍّ عليه السلام  ومن المعلوم أن أهل السنة يقدمون أبوبكر وعمر وعثمان على علي بن أبي طالب.

رأي أن أهل السنة عموماً هم نواصب : «بل أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنياً.. ولا جدال في أن المراد بالناصبة هم أهل التسنن »، وكذلك أيضا «الثالث مصادمة الخبرين المذكورين بالضرورة بعد أنْ فُسر الناصب بمطلق العامة ولفظ العامة تطلقه الطائفة الإثناعشرية على أهل السنة والجماعة

رأي أن الشيعة الزيدية هم نواصب : عن الرضا والصادق أن « الزيدية والواقفة والنصاب بمنزلة عنده سواء»،

 «عن عمر بن يزيد قال سألته عن الصدقة على النصاب وعلى الزيدية؟ قال لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال الزيدية هم النصاب »، «عن عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد الله عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية؟ فقال لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال في الزيدية: هم النصاب

شخصيات في التاريخ تصفها الشيعة اللإثناعشرية بأنها من النواصب

--  في الصدر الأول من العصر الإسلامي اعتبر الشيعة ان من اعلن العداء لعلي بفعل أو بقول يعد ناصبيا وانطبق القول على الخلفاء الثلاثة الأول أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان حيث أنهم طبقا للروايات الشيعية إغتصبوا حق علي في الإمامة وإغتصبوا حق فاطمة زوجته.

-- ويعتبر الشيعة الكثير من الصحابة نواصب حيث أنهم طبقا للروايات التأريخية حاربوا عليا ونصبوا له العداء ومن أشهرهم قواد معركة الجمل الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعائشة بنت أبي بكر وأيضا منهم أبو هريرة وأنس بن مالك وعمرو بن العاص.

--  يعتبر الشيعة كل الخلفاء الأمويون ((باستثناء معاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز)) نواصب حيث أنهم ومن المنظور الشيعي ابتداءا من معاوية بن ابي سفيان نصبوا العداء لعلي وبنيه بعدم قبولهم لخلافته. ففي العهد الأموي كانت معركة صفين ومعركة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي وابنائه والأمر بسب علي على المنابر بالإضافة إلى مقتل زيد بن علي بأمر من هشام بن عبد الملك ويعتقد الشيعة أن الوليد بن عبد الملك أمر بوضع السم لعلي زين العابدين بن الحسين.

-- ويتشابه الأمر بالنسبة للخلفاء العباسيين الذين تحالفوا مع العلويين في بداية تاريخهم ثم استأثروا بالحكم وقامت ثورات ضد الحكم العباسي مثل ثورة محمد النفس الزكية. واشتهر بعض الخلفاء العباسيين ببغض علي ونسله مثل المتوكل العباسي.[بحاجة لمصدر] ويعتقد الشيعة أن جعفر الصادق مات بأمر أبي جعفر المنصور أن موسى الكاظم مات بأمر هارون الرشيد

--  وتعتبر الطائفة الإثناعشرية بعض علماء أهل السنة نواصب، مثل أبي حنيفة ، والذهبي ، والبخاري وابن كثير وغيرهم.

-- ويثبت النصب عند الشيعة (حسب الرؤية الشيعية) على الشخصيات التالية في التاريخ مثل : أبي بكر، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، أبو هريرة، أنس بن مالك، الزبير بن العوام، سعد بن أبي وقاص، معاوية بن أبي سفيان، عمرو بن العاص، عائشة بنت أبي بكر، المغيرة بن شعبة، مالك بن أنس، الإمام البخاري، ابن تيمية، ابن كثير، ابن حزم، الذهبي، هارون الرشيد.

 

 

حكم من يطلق يسميهم الشيعة بالنواصب

استخدم الشيعة صفة النصب أحياناً كوصف لعموم السنة بحجة أنهم وإن كانوا لا يعادون علياً وآل بيته ولكن يعادون "شيعته" حسب وجهة نظرهم، ومن النصوص الشيعية المتعلقة بالنواصب وحكمهم:قال المفيد في كتابه : أطلق لفظ الناصبي على أبي حنيفة.{عدة مسائل ص 253،263،265،268،270 ط قم}

نعمة الله الجزائري قال : (بل أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنياً)، ثم قال في الصفحة نفسها : (ولا جدال في أن المراد بالناصبة هم أهل التسنن).الأنوار النعمانية 2 / 147

قال نعمة الله الجزائري : (ويؤيد هذا المعنى أنَّ الأئمة عليهم السلام وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله مع أنه لم يكن ممن نصب العداوة لآل البيت).{الانوار النعمانية 2/307 ط تبريز}

قال أبو جعفر الطوسي : عن الامام الصادق (خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا خُمسه).{تهذيب الأحكام 4/122 ط طهران /الفيض الكاشاني في الوافي 6/43 ط دار الكتب الإسلامية طهران}

وقال الصدوق : (عن داود بن فرقد قال: قلتُ: لأبى عبد الله ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم ولكن اتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل. قلتُ: فما ترى في ماله؟ قال: تُوه ما قدرت عليه). {علل الشرائع ص601 ط نجف/ الحر العاملي في وسائل الشيعة18/463/ والجزائري في الانوارالنعمانية2/308}

قال نعمة الله الجزائري في : (وقد روي عن النبي أن علامة النواصب تقديم غير علي عليه).كتابه الأنوار النعمانية 2 / 307

علل الشرايع: عن أبي عبد الله قال: ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد رجلاً يقول: أنا أبغض محمداً وآل محمد (عليهم السلام)، ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا، وأنكم من شيعتنا. {البحار ج69 ص131 وج27 ص233 وسفينة البحار 8/252}

النواصب والشيعة الإثناعشرية حول علي بن أبي طالب

النواصب جماعة ظهرت في بدايات العصر الإسلامي وكانت تفسق علي بن أبي طالب وتشكّك في أفضليته، مما اعتبر مناصبة للعداء، مع ملاحظة أن فرقة النواصب يختلفون عن فرقة الخوارج، فالنواصب والخوارج اشتركوا في مناصبة علي العداء، ولكن النواصب يفسقون علي أما الخوارج فيكفرون علي .

وكذلك فإن النواصب يقبلون عثمان أما الخوارج فيكفرونه، ويعتقد أهل السنة والجماعة أن هناك شبهات للنواصب والخوارج لا يمكن للشيعة الإثنا عشرية أن يردوا عليها، وحسب اعتقاد أهل السنة أنهم هم القاديرين على الرد على شبهات النواصب والخوارج، حيث قال أبو الحسن الأشعري : «أجمعت الخوارج على كفر علي وأما أهل السنة فيمكنهم الاستدلال على بطلان قول الخوارج بأدلة كثيرة لكنها مشتركة تدل على إيمان الثلاثة والرافضة تقدح فيها فلا يمكنهم إقامة دليل على الخوارج على إن عليا مات مؤمنا بل أي دليل ذكروه قدح فيه ما يبطله على أصلهم لان أصلهم فاسد».

ولقد أثبت ابن تيمية أن أهل السنة هم القادرون على الرد على مقولات النواصب وأن الطائفة الإثناعشرية غير قادرين على ذلك (حيث هذا الكتاب هو للرد على الطائفة الإثناعشرية تحديدا وليس للرد على كل طوائف الشيعة لأن الشيعة الزيدية مثلا ليسوا روافض لقبولهم خلافة أبوبكر وعمر فيقولون : علي كان اماما ورعا تقيا مجاهدا زاهدا بخلاف  الإثنا عشري لا يمكنه أن يثبت إيمان على وعدالته وأنه من أهل الجنة فضلا عن إمامته إن لم يثبت ذلك لأبي بكر وعمر وعثمان وإلا فمتى أراد إثبات ذلك لعلي وحده لم تساعده الأدلة.

 فإذا قالت له الخوارج الذين يكفرون عليا أو النواصب الذين يفسقونه إن علي كان ظالما طالبا للدنيا وإنه طلب الخلافة لنفسه وقاتل عليها بالسيف وقتل على ذلك ألوفا من المسلمين [ أي الجمل وصفين ]  حتى عجز عن انفراده بالأمر وتفرق عليه أصحابه [ أي الخوارج ] وظهروا عليه فقاتلوه [ أي النهروان ].

"أما أبو بكر أو عمر فمن المعلوم للخاصة والعامة أن من ولاه الناس باختيارهم ورضاهم من غير أن يضرب أحدا لا بسيف ولا عصا، ولا أعطى أحدا ممن ولاه مالا، واجتمعوا عليه، فلم يول أحدا من أقاربه وعترته، ولا خلف لورثته مالا من مال المسلمين ،

و لم يقتل مسلما على ولايته ولا قاتل مسلما بمسلم، بل قاتل بهم المرتدين عن دينهم [ كمسيلمة الكذاب ] والكفار [ كدول مجوس الفرس ونصارى الروم ]

حتى شرع بهم في فتح الأمصار واستخلف القوي الأمين العبقري الذي فتح الأمصار ونصب الديوان وعمر بالعدل والإحسان.وعثمان فقد طلبوا قتله وهو في ولايته، فلم يقاتل المسلمين، ولا قتل مسلمًا على ولايته‏،

 بل حاول الصحابة أن يدافعوا عن عثمان ولكن أمرهم عثمان بالكف عن القتال والخروج من الدار ولزوم بيوتهم، واختار حقن دمائهم وفداء أرواحهم بدمه وروحه ،‏ فإن جوزت على أبو بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا ظالمين في ولايتهم أعداء الرسول، كانت حجة الناصبي عليك أظهر‏.

          أن الإثنا عشرية تعجز عن إثبات إيمان علي وعدالته، فإذا قالت لهم الخوارج وغيرهم ممن تكفره أو تفسقه لا نسلم أنه كان مؤمنا بل كان كافرا أو ظالما كما يقولون هم في أبي بكر وعمر لم يكن لهم دليل على إيمانه وعدله إلا وذلك الدليل على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان أدل، فإن احتجوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده فقد تواتر ذلك عن هؤلاء

بل تواتر إسلام معاوية ويزيد  وخلفاء بني أمية وبني العباس وصلاتهم وصيامهم وجهادهم للكفار، وعلي بن أبي طالب لم يقاتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كافرًا ولا فتح مدينة بل قاتل أهل القبلة [ الجمل وصفين والنهروان ]،

فإن ادعوا في واحد من هؤلاء النفاق أمكن الخارجي أن يدعى النفاق وإذا ذكروا شبهة ذكر ما هو أعظم منها.الإتهام بالنفاق لأبو بكر وعمر وعلي     

أبو بكر وعمر كانا منافقين في الباطن عدوين للنبي صلى الله عليه وسلم أفسدا دينه أمكن الخارجي أن يقول كان علي منافقا في الباطن عدوا للنبي صلى الله عليه وسلم أفسد دينه، ويوجه ذلك بأن يقول كان علي يحسد ابن عمه النبي صلى الله عليه وسلم والعداوة في الأهل

 وأنه كان يريد فساد دين النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يتمكن علي من ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة الخلفاء الثلاثة، حتى سعى علي في قتل الخليفة الثالث  وأوقد علي الفتنة حتى تمكن من قتل أصحاب محمد وأمته بغضا للنبي صلى الله عليه وسلم وعداوة، وأن علي كان مباطنا للمنافقين الذين ادعوا فيه الإلهية والنبوة وكان يظهر خلاف ما يبطن لأن دينه التقية  فلما أحرقهم بالنار أظهر إنكار ذلك وإلا فكان في الباطن معهم ، ولهذا كانت الباطنية من أتباعه وعندهم سره وهم ينقلون عنه الباطن الذين ينتحلونه.

وإن قالوا بأن إثبات إيمان وعدالة علي بنص القرآن عليه إيمان وعدالة علي ثابتة بنصوص من القرآن قيل لهم القرآن عام وتناوله له ليس بأعظم من تناوله لغيره ، وما من آية يدعون اختصاصها به إلا أمكن أن يدعى اختصاصها أو اختصاص مثلها أو أعظم منها بأبي بكر وعمر، فباب الدعوى بلا حجة ممكنة والدعوى في فضل الشيخين أمكن منها في فضل غيرهما.

إثبات إيمان وعدالة علي بالنقل والرواية فالنقل والرواية: أي الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ] في أبي بكر وعمر أشهر وأكثر من علي بن أبي طالب، فإن ادعوا تواترا فالتواتر هناك أصح، وإن اعتمدوا على نقل الصحابة فنقلهم لفضائل أبي بكر وعمر أكثر، ثم هم يقولون إن الصحابة ارتدوا إلا نفرا قليلا

 فكيف تقبل رواية هؤلاء في فضيلة أحد، وكيف يتواتر نقلهم بفضائل علي، والصحابة الذين تواليهم الرافضة نفر قليل ـ بضعة عشر وإما نحو ذلك ـ وهؤلاء لا يثبت التواتر بنقلهم لجواز التواطؤ على مثل هذا العدد القليل، ثم إذا أجاز الرافضة على جمهور الصحابة الكذب والكتمان، فتجويز الكذب على نفر قليل من الصحابة أولى وأجوز‏.

فإن قال الإثنا عشرية :‏ إيمان عليٍّ ثبت بثناء النبي صلى الله عليه وسلم قيل له‏:‏ هذه الأحاديث إنما نقلها الصحابة الذين تطعن أنت فيهم، فإن كانت رواية هؤلاء وأمثالهم ضعيفة، فإنه قد بطلت كل فضيلة تروى لعليّ، ولم يكن للرافضة حجة، وإن كانت روايات هؤلاء هي صحيحة، فإنه ثبتت فضائل علي وغيره كأبي بكر وعمر وعثمان، لأن هؤلاء ذكروا فضائل أبو بكر وعمر وعثمان.

معاوية وعلي ومن هو صاحب الحق ؟ علي هو صاحب الحق لحديث عمار تقتله الفئة الباغية    فبعضهم ضعف هذا الحديث، وبعضهم تأوله، فقال بعضهم معناه الباغية أي الطالبة لدم عثمان.

ومن النواصب هؤلاء من يقول إن عليا شارك في دم عثمان، فمنهم من يقول إنه أمر علانية، ومنهم من يقول إنه أمر سرا، ومنهم من يقول بل رضى بقتله وفرح بذلك، ومنهم من يقول غير ذلك.

إن معاوية كان مصيبا في قتاله له، ولم يكن علي بن أبي طالب مصيبا في قتاله لمعاوية، وحجة هؤلاء أن معاوية كان طالبا بدم عثمان، وكان هو ابن عمه ووليه وبنو عثمان وسائر عصبته اجتمعوا إليه وطلبوا من علي أن يمكنهم من قتلة عثمان أو يسلمهم إليهم فامتنع على من ذلك، فتركوا مبايعته فلم يقاتلوه، ثم إن عليا بدأهم بالقتال فقاتلوه دفعا عن أنفسهم وبلادهم، وقالوا وكان علي باغيا عليهم

فإن تحدثوا عن السقيفة وما جرى بها وأن  أبا بكر وعمر أخذا الخلافة من علي وأما قول الإثنا عشرية إن الأنصار قالت للمهاجرين : منا أمير ومنكم أمير، فهذا حجة عليكم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم

 لو كان أقام عليا وصيا ونص على ذلك بغدير خم أو في بعض المغازي، لذكروه في شيء من منازعاتهم ومخاطباتهم، ولكنهم لم يذكروا علي في مخاطباتهم ومنازعاتهم وبالتالي فالقوم لم يكن عندهم في علي لا عهد ولا سبب، ولو أن الأنصار قالوا : لا يكون أميركم إلا علي أو فلان أو فلان، أو قالوا : الرأي لكم أن تجعلوا عليا أو فلانا أو فلانا، لكان في ذلك ما يتعلق به متعلق ويشغب فيه شاغب.

ويقول الروافض أيضا أن :
ـ أبي حنيفة عند الشيعة ناصبي كما في: {الكافي 8/292} ط دار الكتب الاسلامية طهران.

ـ قال المفيد في كتابه: {عدة مسائل ص 253،263،265،268،270 ط قم} أطلق لفظ الناصبي على أبي حنيفة.

ـ وقال نقمة الله الجزائري في {الانوار النعمانية 2/307 ط تبريز}: (ويؤيد هذا المعنى أنَّ الأئمة عليهم السلام وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله مع أنه لم يكن ممن نصب العداوة لآل البيت).

ـ وقال حسين بن الشيخ محمد آل عصفور البحراني في {المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية ص157 ط بيروت}: ( على أنك قد عرفت سابقاً أنه ليس الناصب إلا عبارة عن التقديم على عليٍّ عليه السلام).

ـ وقبلها قال في ص147 من كتابه: (بل أخبارهم تُنادي بأنَّ الناصب هو ما يُقال له عندهم سنياً).

ـ ويقول في نفس الموضع: (ولا كلام في أنَّ المراد بالناصبة هم أهل التسنّن).

ـ وقال حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي في كتابه{هداية الابرار إلى طريق الأئمة الأطهار ص106 ط1}: (كالشبهة التي أوجبت للكفار إنكار نبوة النبي صلّى الله عليه وسلم والنواصب إنكار خلافة الوصي).

ـ وقال محمد الحسيني الشيرازي في موسوعته {الفقه 33/38 ط2 دار العلوم اللبنانية} : (الثالث مصادمة الخبرين المذكورين بالضرورة بعد أنْ فُسر الناصب بمطلق العامة).

ـ إذن المقصود بالعامة هم أهل السُّنّة كما يقول محسن الأمين في كتابه: {أعيان الشيعة 1/21 ط دار التعارف بيروت} ( الخاصة وهذا يطلقه أصحابنا على أنفسهم مقابل العامة الذين يُسمّون أنفسهم بأهل السُّنّة والجماعة).

ـ قال فتح الله الشيرازي في {قاعدة لا ضرر ولا ضرار ص21 نشر دار الأضواء بيروت}: (وأما الحديث من طريق العامة فقد روى كثير من محدثيهم كالبخاري ومسلم....).

* إذن الناصب عند الشيعة هم مجمل أهل السُّنّة والجماعة (العامة). فإذا فهمنا هذه النقطة ننتقل إلى ما يترتب عليها من أحكام عندهم .

أهل السُّنّة عند الرافضة:
ـ قال الخوئي في كتابه {منهاج الصالحين1/116 ط نجف}: (في عدد الاعيان النجسة وهي عشرة ـ إلى أنْ قال ـ العاشر الكافر وهو من لم ينتحل ديناً غير الاسلام أو انتحل الاسلام وجحد ما يُعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة، نعم إنكار المعاد يُوجب الكفر مطلقاً ولا فرق بين المرتد والكافر الأصلي الحربي والذمي والخارجي والغالي والناصب).

ـ وقال محسن الحكيم في كتابه {العروة الوثقى 1/68 ط طهران}: ( لا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب).

ـ وقال الخميني في {تحرير الوسيلة 1/119}: (غير الاثني عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب أو معاداة وسب لسائر الأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون وأما مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب).

ـ ويقول في ص 118 ط بيروت: (وأما النواصب والخوارج لعنهما الله تعالى فهما نجسان من غير توقف).

ـ وقال محمد بن علي القمي الكذوب في {عقاب الأعمال ص352 ط بيروت} عن الامام الصادق أنّه قال: (إنَّ المؤمن ليشفع في حميمه إلاّ أنْ يكون ناصبياً ولو أنَّ ناصباً شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا).

ـ ويروي في الصفحةِ ذاتها عن أبي بصير عن الصادق (إنَّ نوحاً عليه السلام حمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل ولد الزنا والناصب شر من ولد الزنا).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الرابع

بين صديق الإسلام وكذاب المسيحية

في هذا الباب نخاطب من يتجنى على الصديق رضى  الله عنه وعن الصحابة الكرام وكما يقال " وبضدها تضح الأشياء "  فلن تظهر مكانة الصديق رضي الله عنه وفضله إلا إذا ذكرنا من يماثله في الدين الأخر

وبالرغم من أننا نكون بهذا ظالمين لأبي بكر الصديق إن جعلنا بولس مؤسس المسيحية نظيرا له ولكن من باب التشابه لا أكثر فنحن والحمد لله نجل أبا بكر الصديق ونقدره نعرف له فضله ومكانته .

وبما أن لبولس لدى المسيحين نفس المكانة وإن كان في نظرنا خاطئ إلا أنهم يعظمونه ويقدرونه  ومن ثم رايت أن أعرض جانبا من حياة الصديق رضي الله عنه وجانبا من حياة بولس تاركا لك عزيزي القارئ في نهاية المطاف الحكم ونبدأ بالحيث عن بولس ثم عن أبي بكر الصديق

تقول الموسوعة البريطانية عن بولس :

وكان بولس يسطو على الكنيسة" (أعمال 3:8). وانطلق إلى دمشق حاملاً معه وثائق تخوله القبض على أتباع يسوع وتقديمهم للمحاكمة.

 وليس هذا فحسب بل حين أراد أن بصنع لنفسه تاريخا اختلق رؤية المسيح والعجيب رغم ان القصة باطلة الا انهم حريصون على ذكرها في اكثر من موضع فقالوا  "أمّا شاول فكان لـم يزل ينفث تهدّداً وقتلاً على تلاميذ الرب. فتقدم إلى رئيس الكهنة، وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناساً من الطريق رجالاً أو نساءً يسوقهم موثوقين إلى أورشليم.

 وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق، فبغتةً أبرق حوله نور من السماء. فسقط على الأرض وسمع صوتاً قائلاً له: شاول شاول. لماذا تضطهدني؟ فقال من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده. صعب عليك أن ترفس مناخس. فقال وهو مرتعد ومتحير: يا رب، ماذا تريد أن أفعل؟ فقال له الرب: قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل.

وأمّا الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً. فنهض شاول عن الأرض، وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحداً. فاقتادوه بيده وأدخلوه إلى دمشق وكان ثلاثة أيام لا يبصر فلم يأكل ولـم يشرب.

 وكان في دمشق تلميذ اسمه حنانيّا. فقال له الرب في رؤيا: يا حنانيّا. فقال: هأنذا يا رب. فقال له الرب: قم واذهب إلى الزقاق الذي يقال له المستقيم واطلب في بيت يهوذا رجلاً طرسوسياً اسمه شاول، لانه هوذا يصلي. وقد رأى في رؤيا رجلاً اسمه حنانيا داخلاً وواضعاً يده عليه لكي يبصر." أعمال 1:9-12.

"فأجاب حنانيا: يا رب، قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقدّيسيك في أورشليم. وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة أن يوثق جميع الذين يدعون باسمك. فقال له الرب: اذهب، لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني اسرائيل.

 لأني سأريهِ كم ينبغي ان يتألـم من أجل اسمي. فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه وقال: أيها الأخ شاول، قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلىء من الروح القدس. فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور فأبصر في الحال وقام واعتمد. وتناول طعاماً فتقوّى. وكان شاول مع التلاميذ الذين في دمشق أياماً" (أعمال 13:9-19).

وعلى هذا الاساس اعتمد بولس في دعواه فكان كثيرا ما يقول : "أما رأيت يسوع المسيح ربنّا؟" 1كورنثوس 1:9. لقد قارن ظهور المسيح له بظهوراته للرسل بعد القيامة. "وآخر الكل كأنه للـسّقط ظهر لي أنا" (1كورنثوس 8:15).

 ومه هلمهم بأن  بولس لم ير  يسوع فقط، الا انه حين ارادان يقنعهم برسالته اليهم وانه مضطر فكان يقول :"لأنه إن كنت أبشر فليس لي فخر، إذ الضرورة موضوعة علي" (1 كورنثوس 16:9).

 

النقاد وقصة رؤية المسيح

لقد ذكر النقاد التغيرات في أقوال بولس في رسالة عيسى ؛ حيث ذكرت قصة إعتناقه ثلاث مرات في سفر أعمال الرسل وهي كالاتي:

أعمال الرسل * 9 : 3 - 9 فقد كان مسافراً مع بعض الأصدقاء، ثم حدثت فرقعة وظهر (نور عظيم، وسُمِع صوت)، ثم (أمره) المسيح (كما يدعي) بفعل شيء ما. لاحظ لإختلاف 9 : 3 - 9  سمعوا الصوت لم ينظروا النور وقفوا صامتين أى لم  يسقطوا على الأرض

أمره الصوت (عيسى) بالذهاب إلى دمشق لتلقي الرسالة

 أعمال الرسل 22 : 6 - 11   لم يسمعوا الصوت - نظروا النور ولم يسقطوا على الأرض أمره الصوت (عيسى) بالذهاب إلى دمشق لتلقي الرسالة.

أعمال الرسل  26 : 16 - 18 لم يسمعوا الصوت - نظروا النور - سقطوا على الأرض    أعطاه (عيسى) الرسالة فوراً مع وعد بإنقاذه من اليهود الأمم الأخرى

حواري المسيح وقصة بولس

وإن أي مدقق ليرفض قصة بولس من أساسها، وقد أخذ الحواريون أنفسهم هذه القصة بنوع من الريبة، ولم يصدقها الكثيرون من الشعب، كذلك تخلى عنه خاصته من المؤمنين (تيموثاوس الثانية 4 : 9 - 16 - بل وجميع أنصاره في آسيا عندما تكشفت لهم حقيقته تركوه (تيموثاوس الثانية 1 : 15).

وعندما علم الشعب أنه يعلم الناس ما يخالف الناموس أرادوا قتله، ولم يتركه الحواريون يختلط بالشعب "ولما كان بولس يريد أن يدخل بين الشعب لم يدعه التلاميذ" (أعمال الرسل 19 : 30).

والإصحاح (21) من سفر أعمال الرسل يحكي لنا كيف حاول الناس قتله، بعد أن عاتبه الحواري يعقوب وأمره بالإستغفار والتوبة وعدم العودة لبث أفكاره الشيطانية، وقيام الحواريين بالدفاع عن تعاليم عيسى وإصلاح ما أفسده بولس.

كذلك يحكي لنا هذا السفر كيف أسرع الرومان لإنقاذه (أعمال الرسل 21 : 17 - 40) مما حدا بــ Eisenman أن يتتبع سيرة بولس وعلاقته بالإسرة الحاكمة وكبار رجال الدولة من الكهنة اليهود والرومان من الوثائق التي وقعت في يديه من خبيئة البحر الميت (كوم عمران) والوثائق الأخرى.

وانتهى به الأمر بتوجيه أصابع الإتهام إلى بولس لكونه روماني الجنسية (أعمال 21 : 30 - 31) وللصداقة التي كانت تجمعه بالوالي الروماني أنطونيوس فيلكس، وكذلك هيرودس أجريبا الثاني وأخته التي أصبحت فيما بعد عشيقة القيصر تيتوس الذي دمر القدس عندما كان قائداً للجيش الروماني.

ويتعجب كيف يمكن لشاب صغير أن تكون له هذه العلاقة الوطيدة بكبير الكهنة لو لم يكن رومانياً ويتمتع بمعرفة هذه النخبة من كبار رجال الدولة والإمبراطورية ! ! (صفحة 277 Verschlußsache Jesus) لمؤلفيه Michael Baigent , Richard Leigh.

 مسيحية بولس

ومن هنا لذا بولس يؤسس لديانة جديدة فاصبح هناك ديانتين يختلفان جذرياً عن بعضهما البعض :* أحدهما ديانة عيسى التي دعا فيها إلى عبادة الله وحده والتمسك بناموسه، فقال : " لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يُدعى أصغر في ملكوت السموات، وأما من عمل وعلّم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السموات، فإني أقول لكم إنكم إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات " (متى 5 : 17 - 20).

عيسى عليه السلام ونبي الاسلام

كما بشر فيها بنبي الإسلام فقال : " ومتى جاء المعزِّي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روحُ الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الإبتداء " (يوحنا 15 : 26 - 27).

"لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزِّي. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكِّت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونه" (يوحنا 16 : 7 - 8).

 "وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي من له أذنان للسمع فليسمع" (متى 11 : 14 - 15).

وقال أيضاً: "إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي. وأنا أطلب من الأب فيعطيكم مُعزيّاً آخر ليمكث معكم إلى الأبد.... وقلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون" (يوحنا 14 : 16، 29).

فقد كان عيسى يبشر بشخص يأتي من بعده "لأنه إن لم أنطق لا يأتيكم المُعزِّي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" وهذا النبي "المزمع أن يأتي" تكون ديانته عالمية :"ومتى جاء ذاك يبِّكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة " وخاتمة للرسالات الموحي بها : "وأنا أطلب من الأب معزِّياً آخر يمكث معكم إلى الأبد " وهو لم يأت بعد، لذلك "قلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون".

وقد كان هذا النبي يُعرف عند علماء بني إسرائيل وعامتهم بإسم (المسيح الرئيسي) أو (المسيح الملك)أو (المســـيا) أو (المسيح). وكانت شخصية هذا النبي وموطن ولادته بل ووقت ولادته معروفاً جيداً لديهم.

المسيح يفهم غرض اليهود

ولما حاول اليهود التخلص من عيسى حاولوا رميه من فوق الجبل (لوقا 4 : 29 - 30) فإنفلت من بينهم سالماً، لذلك كانوا كثيراً ما يوجهون إليه الأسئلة لإستصدار حُكم، فيكون بذلك قد وقع في الشبكة التي نصبوها له : وهي أنه قضى بينهم، ولا يقضى إلا المســيا (المسيح)، فهو سيأتي ملكاً، قاضياً، معلماً، مبشراً، ومنذراً، محارباً، تماماً مثل (موسى) ، وكان عيسى يعرف ذلك جيداً فرفض أن يقسم الميراث بين واحد من جموع الناس وأخيه "... فقال له يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مقسماً" (لوقا12 :13 - 14).

وكذلك أتوا إليه بإمرأة أُمسكتِ وهي تزني، وقالوا له إن موسى أوصانا في الناموس أن مثل هذه ترُجم، " فماذا تقول أنت " وقد كان عيسى يفهم مرادهم بذكائه الكبير "وقال لهم من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر " (يوحنا 8 : 4 - 7) وهو بذلك قد أشار إلى الخطية التي يرتكبونها في حقه، بل فى حق الله.

وكذلك حاولوا الوقيعة بينه وبين قيصر لإستصدار أمر بعدم دفع الضرائب ولكي يدخلونه في شئون الحكم فجاء رده مخيباً لآمالهم فقال : " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (مرقس 12 : 17 ؛ متى 22 : 21 ؛ لوقا 20 : 25).

المسيح يصحح المفاهيم

بل إن عيسى قد تكلم هذه المرة بصراحة عارية وسأل تلاميذه قائلاً : " من تقول الجموع إني أنا. فأجابوا وقالوا يوحنا المعمدان. وآخرون إيليا. وآخرون إن نبياً من القدماء قام. فقال لهم وأنتم من تقولون إني أنا : فأجاب بطرس وقال مسيح الله. فانتهرهم وأوصى ألا يقولوا ذلك لأحد " (لوقا 9 : 18 - 21 ؛ متى 16 : 13 - 20).

بل سألهم مرة أخرى عن المسيح نفسه (ولاحظ أنها بصورة الغائب) قائلاً: "ماذا تظنون في المسيح... إبن من هو" فقالوا له إبن داود، ففند زعمهم هذا بأن داود يقول عنه (ربي) أي (سيدي) فلابد إذن ألا يكون من نسله، لأن الجد الأكبر لا يقول لأصغر فرد في العائلة (سيدي، أستاذ). ومن المعروف أن عيسى نفسه من نسل داود، وكأنه بذلك ينفي عن نفسه كونه المســيا ويؤكد أن المســيا لن يأتي من نسل إسحق - بل من نسل إسماعيل.

بل إنه أخرص الشياطين الضالين والمضلِّين، عندما أرادوا أن يضللوا الجموع وقالوا له: " أنت المسيح إبن الله. فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون لأنهم عرفوه أنه المسيح" (لوقا 4 : 23 - 44).

ويلاحظ أن هذه الجملة الأخيرة قد حذفت من معظم التراجم الألمانية لهذا الكتاب !

وقد كان رؤساء الكهنة يعرفون ذلك، بل والشعب نفسه، ونستنبط هذا مما ذكره يوحنا : " ألعل الرؤساء عرفوا يقيناً أن هذا هو المسيح حقاً، ولكن هذا نعلم من أين هو. وأما المسيح فمتى جاء لا يعرف أحد من أين هو " ؛ " آخرون قالوا هذا هو المسيح وآخرون قالوا ألعل المسيح من الجليل يأتي " (يوحنا 7 : 26 - 27 ؛ 41).

وكذلك أراد بيلاطس الحاكم الروماني على مدينة اليهودية تبرئة عيسى من تهمة كونه المسيح (المنتظر)، حيث نفى عيسى ذلك أمامه مطلقاً، إلا أن اليهود أبوا، وفضلوا ترك لص / قاتل على أن يترك نبيهم (تبعاً لما تقصه الأناجيل).

وكانت هذه حيلة جديدة من حيل اليهود للوقيعة بين الحاكم الروماني وبين عيسى فقد كان الرومان يعلمون أن المســيا هذا عندما يجيء يقضي على إمبراطوريتهم تبعاً لنبوءة دانيال والتي نقلتها أيضاً الأناجيل الثلاثة المتوافقة وأيدتها.

عيسى عليه السلام والإسلام

ولم يكتف عيسى بالبشارة بنبي الإسلام فقط، بل أنبأ بقدوم الإسلام نفسه، وطالب الكل بدخول هذا الدين عند قدومه. فنلاحظ أمثاله التي ملأت الأناجيل الثلاثة المتوافقة (متى، مرقس، ولوقا) كانت كلها عن ملكوت الله (عند لوقا) أو ملكوت السموات (عند متى) إلا أن يوحنا أو بولس لم يعرفا شيئاً مطلقاً عن هذه الأمثال.

ولنأخذ مثالاً لذلك الكنز الخفي واللؤلؤة الغالــية الثمن عند متى (13 : 44 - 46) :

"أيضاً يشبه ملكوت السموات كنزاً مُخفي في حقل، وجده إنسان فأخفاه ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل. أيضاً يشبه ملكوت السموات إنساناً تاجراً يطلب لآليء حسنة، فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما كان له واشتراها".

فالمثل هنا ضُرِبَ للفصل بين عهدين : العهد القديم وشريعته، والعهد الجديد : عهد ملكوت السموات وشريعته. فكأن الهدف منه إستبدال الشريعة القديمة بشريعة أكثر قيمة من سابقتها والدليل على ذلك أن عيسى قد أنهى أمثاله في الإصحاح (21) قائلاً: "أما قرأتم قط في الكتب. الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبَلِ الرب كان هذا وعجيب في أعيننا.

 لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويُعطى لأمة تعمل أثماره.ومن سقط على هذا الحجر يترضّضُ ومن سقط هو عليه يسحقه" (متى 21 : 42 - 44) وقال لهم أيضاً: "إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السموات حيث إن دعوتهم واحدة وهي دعوة ملكوت السموات (الإسلام) وأما بنو الملكوت بنو الشريعة الموسوية فيطرحون إلى الظلمة الخارجية" (متى 8 : 11 - 12).

"هناك يكون البكاء وصرير الأسنان متى رأيتم إبراهيم وإسحق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله وأنتم مطروحون خارجاً. ويأتون من المشارق ومن المغارب ومن الشمال والجنوب ويتكئون في ملكوت الله. وهو ذا آخرون يكونون أوّلين، وأوّلون يكونون آخرين" (لوقا 13: 28 - 30).

ومن ثم اصبح العهد الجديد يحتوي على ديانتين أحدهما ديانة عيسى والأخرى لبولس كان إسم بولس شاول قبل أن يدعي أنه آمن برسالة عيسى ، وهو رجل كثرت الشكوك حوله، إلا أن الكل يُجمع على أنه ادعى الإيمان برسالة عيسى ليفسدها، وقد كان له ذلك.

بولس والماسونية

إلا أن البعض الآخر يقول بماسونيته، وأنا من المؤيدين لذلك، فهدف الماسونية إفساد العالم، ومحو كلمة الله من على الأرض تمهيداً لنزول مسيحهم الدجال، ونفس الخطوة التي إتخذها بولس هي نفسها خطوة عبد الله بن سبأ وهو أيضاً يهودي كما اوضحنا من قبل.

 إلا أن النتائج قد إختلفت، فقد أبدل بولس المسيحية تماماً ولكن أنتج عبد الله بن سبأ ومن بعده ما تُسمى بإسرائيل طوائف يدعون الإنتماء للإسلام، ويُعرف الكثير عن تمويل إنجلترا والموساد لهم مثل القاديانية والبابية والبهائية والدروز

اليهود وكرسي الباباوية

ولم يكتف اليهود بهذا بل إعتلوا عرش البابوية نفسه. فقد كان البابا جريجوري السادس يهودياً، وكذلك كان البابا جريجوري السابع وهو أول من نادى بمحاربة المسلمين الكفرة، وكذلك البابا أوربان الثاني، والبابا أيونسنت الثاني، وإني أكاد أشك أنه لم يجلس على كرسي البابوية منذ البابا جريجوري السابع على الأقل إلا يهوديٌ.

 

 

بولس يؤصل للكذب

يقول بولس في رسالته إلى أهل رومية وهو يفتخر بذلك وهو يعلم أنه بهذ يؤصل للكذب فقال : إنه إذا كان صدق الله قد إزداد بكذبي لمجده فلماذا أدان أنا بعد كخاطئ .

بولس يؤصل للنفاق

 فقال: "فإني إذ كنت حراً من الجميع إستعبدت نفس للجميع لأربح الأكثرين : فصرت لليهودى كيهودي لأربح اليهود. وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس. وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس، مع أني لست بلا ناموس لله، بل تحت ناموس للمسيح لأربح الذين بلا ناموس... صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء، صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوماً، وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكاً فيه" كورنثوس الأولى 9 : 19 - 23.

فهل كان يفعل ذلك المسيح عليه السلام ؟ ‍! ! !

بالطبع لا. فكثيراً ما زجر اليهود والكتبة، وكثيراً ما عاتبهم، كما طردهم من الهيكل وأوصى بعدم إتباعهم. "ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون فى الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسىّ باعة الحمام وقال لهم مكتوب بيتى بيت صلاة يُدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (متى 21: 12 - 13؛ مرقس 11: 15 - 17؛ لوقا 19: 45 - 46؛ يوحنا 2: 13 - 17). ولكننا لم نعلم قط أنه تملقهم أو كذب ليكسب فرداً لديانته !

خطة بولس للقضاء علي دين المسيح

وقد كان الإهتمام الأكبر لبولس هو القضاء على هذا الدين من إتجاهين: يقوم الكهنة من الداخل بالقضاء على الحواريين وأتباع عيسى ويقوم بولس بترويج عقائد وثنية كانت شائعة في الشرق عن الإله وعن التجسد....، قبل أن يحاول أحد أتباع عيسى نشر تعاليمه، وبذلك تتضارب الآراء والمعتقدات، وتقتل أتباع هذه الطائفة الأخرى كما يحدثنا التاريخ السابق والحالي أيضاً.

وحتى لو سبق أحد أتباع عيسى فلا بد أن يكون الفشل حليفه إن آجلاً أو عاجلاً لثلاثة أسباب :

أولاً:  أن دعوة بولس كانت سهلة الإستجابة لعقول البشر في ذلك الوقت، لأنها ليست شيئاً جديداً إلا في الأسماء فقط، فأوزيريس الإله الطيب المحبوب قُتِلَ، بل وقطِّع جسده، وتفرق في أنحاء البلاد، ثم إنتصر الخير على الشر بقيامه من الموت، وتيمناً به في بعض الأحيان كانت جثث الموتى تقطع في مصر القديمة ليتمتع المتوفي بنفس المصير (الخلاص) الذي تمتع به أوزوريس من قبله، بل كان يطلق علي الميت لقب أوزوريس أى المتوفي أو المرحوم.

ثانيا :  أن حواري عيسى لم يفكروا بالمرة في نشر تعاليمهم خارج دائرة اليهودية تطبيقاً لتعليمات معلمهم : " هؤلاء الإثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً. إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا بل إذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متى 10 : 5 - 6).

وكذلك قال للمرأة التي كانت تدعوه لشفاء إبنتها: "لم أرسل إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متى 15 : 24) لذلك بعد صعوده للسماء "كانوا كل حين في الهيكل يسبحون الله ويباركون الله" (لوقا 24 : 53).

ولم يكن ذلك الحال فقط إلى أن نزل عليهم "الروح القدس" وتغيرت ألسنتهم، بل استمر هذا الحال أيضاً على ما هو عليه، وسفر أعمال الرسل لخير دليل على ذلك.

ثالثا :  هو حملة الدعاية الشديدة التي تولاها بولس ومناصروه فلك أن تتخيل أن بولس وحده كتب (14) رسالة يشملهم العهد الجديد، وتدور الشكوك حول أصول (أعمال الرسل) و (إنجيل يوحنا) فيرجح البعض أنه هو أيضاً الذي قام بتأليفها.

 

 

أين عقولكم يا مسيحيون ؟

كيف تعتبرون رسائل بولس الشخصية هذه من وحي الله، فاقرأوا إن شئتم في رسالته الثانية إلى صديقه تيموثاوس حيث يقول: "بادر أن تجيء إلى سريعاً لأن ديماس قد تركني.... لوقا وحده معي. خذ مرقس وأحضره معك لأنه نافع لي للخدمة."

 "أما تيخيكُسي فقد أرسلته إلى أفسس. الرداء الذي تركته في ترواس عند كاربسي أحضره متى جئت والكتب أيضاً ولا سيما الرقوق"

 "إسكندر النحاس أظهر لي شروراً كثيرة، ليجازه الرب حسب أعماله..... في إحتجاجي الأول لم يحضر أحد معي بل الجميع تركوني...."

 "سلم لي على فرسكا وأكيلا وبيت أنيسيفورس" (تيموثاوس الثانية 4 :9-19).

أما عن كون بولس حواري أورسول، فهذا ما يثير العجب لأنه غير معروف بين أسماء الإثنى عشر.

فقد إتفق كل من متى ومرقس على أسمائهم، وأضاف لوقا إثنين آخرين على قائمة متى ومرقس، وأضاف يوحنا أيضاً شخصاً آخراً. إلا أنك لا تعثر على إسم بولس هذا في الأناجيل بالمرة، فلم يجالس عيسى إطلاقاً، وربما لم يره بالمرة.

ولا يقول قائل إن بولس أخذ مكان يهوذا الأسخريوطي الذي "مضى وخنق نفسه" (عند متى 27 : 5) / أو "سقط على وجهه و إنشق من الوسط فإنسكبت أحشاؤه كلها" (أعمال الرسل 1 : 18) لأن أعمال الرسل يقرر أن الحواريين قد اقترعوا لإختيار التلميذ الثاني عشر بعد ارتفاع عيسى عنهم مباشرةً : "ثم ألقوا قرعتهم فوقعت القرعة على متياس فحسب مع الأحد عشر رسولاً" (أعمال الرسل 1 : 26).

بولس  وفك اتباع المسيح من الإرتباط بالناموس

وأنّى له أن يكون حواري وهو الذي حلّ أتباع عيسى من الإرتباط بالناموس.ففي الوقت الذي يدعوا فيه المسيح عيسى ابن مريم للتمسك بالناموس والعمل به، بل ويطلق على كل من يخالفه " أصغر في ملكوت الله " و " ملعون من لا يفهم كلمات هذا الناموس

 نجد بولس يقرر أن : " جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة، لأنه مكتوب ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به، ولكن ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله فظاهر، لأن البار بالإيمان يحيا، ولكن الناموس ليس من الإيمان بل الإنسان الذي يفعل سيحيا بها : فلماذا الناموس ؟.. لأنه لو أعطى ناموس قادر أن يحيى لكان بالحقيقة البر بالناموس " غلاطية 3 : 10 - 21.

وقال: "نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع المسيح.. لأنه بأعمال الناس لا يتبرر جسد ما" غلاطية 2 : 16.

 وقال : " وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له براً " رومية 4 : 4.

 ويقول: "لقد تبطلتم على المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس سقطتم من النعمة فإننا بالروح من الإيمان نتوقع رجاء بر، لأنه مع المسيح يسوع، لا الختان ينفع شيئاً ولا العزلة بل الإيمان العامل بالمحبة" غلاطية 5 : 4 - 6.

لذلك: "فإنه يصير إبطال الوصية السابقة الناموس من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يكمل شيئاً" عبرانيين 7 : 18 - 19.

 ويقول : " بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون، إذ نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس " رومية 3 : 22، 28.

ويرد يعقوب في رسالته على هذا الإدعاء الكاذب قائلاً : " لأن من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرماً في الكل، لأن الذي قال لا تزن قال أيضاً لا تقتل، فإن لم تزن ولكن قتلت، فقد صرت متعدياً الناموس..... ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد له إيمان ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟

إن كان له أخ وأخت عريانين ومعتازين للقوت اليومي فقال لهما أحدكم امضيا بسلام استدفئا واشبعا ! ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد فما المنفعة ؟ هكذا الإيمان أيضاً إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته.

لكن يقول قائل : أنت لك إيمان وأنا لي أعمال. أرني إيمانك بدون أعمالك، وأنا أريك بأعمالي إيماني. أنت تؤمن أن الله واحد. حسناً تفعل. والشياطين يؤمنون ويقشعرون ولكن هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت ؟ ألم يتبرر إبراهيم أبونا بالأعمال إذ قدم إبنه إسحق وهذا خطأ مردود، إذ أنه إسماعيل على المذبح فترى أن الإيمان عمل من أعماله وبالأعمال أكمل الإيمان.

وتم الكتاب القائل : فآمن إبراهيم بالله فحسب له براً ودعى خليل الله ترون إذن أنه بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده، كذلك راحاب الزانية، أما تبررت بالأعمال إذ قَبِلَت الرسل وأخرجتهم في طريق آخر، لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت، هكذا الإيمان أيضاً بدون أعمال ميت " رسالة يعقوب 2 : 10 - 26.

أي " قل: آمنت بالله ثم استقم ".

ولم يكتف بولس بهدم تعاليم الأنبياء بل تطاول على الله سبحانه وتعالى وإتهمه بالجهل والضعف، بل ونزع صفة الرحمة عنه فقال : "جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" كورنثوس الأولى 1 : 25.

وقال: "إن كان الله معنا فمن علينا ؟ الذي لم يشفق على إبنه بل بذله لأجلنا أجمعين" رومية 8 : 32.

أما بالنسبة لقوله بالخطيئة الأزلية، وأن الإنسان من مولده إلى موته تحيطه لعنة الخطيئة الأزلية ما لم يتعمد ويؤمن بعيسى وإياه مصلوباً، أي إننا نحمل معنا وزر خطيئة أبينا آدم إذا لم نوف شروطه بالتعميد والإيمان بالمصلوب، فسأترك الرد للكتاب المقدس : " لا يقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد عن الأباء. كل إنسان بخطيته يُقتل " تثنية 24 : 16، الملوك الثاني 14 : 6.

وفي الحقيقة فإن هناك نصّان يعارضان هذا النص المذكور أعلاه ويناقضان أيضاً باقي النصوص القادمة - يقول هذا النص : "أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء وفي الجيل الثالث والرابع من الذين يبغضونني " (خروج 20 : 5 ؛ تثنية 5 : 9).

ويرد إرمياء عليه قائلاً: "في تلك الأيام لا يقولون بعد : الآباء أكلوا حصرماً و أسنان الأباء ضرست. بل كل واحد يموت بذنبه. كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه" إرمياء 31 : 29 - 30.

ويرد الإصحاح (18) من سفر حزقيال على هذا الفكر الخاطيء رداً لا مثيل له في الكتاب كله. وهو إصحاح جدير بالقراءة. فهو يقول :

" وكان إلىّ كلام الرب قائلاً : ما لكم أنتم تضربون هذا المثل على أرض إسرائيل قائلين : الآباء أكلوا الحصرم وأسنان الأبناء ضرست. حيٌّ أنا يقول السيد الرب، لا يكون من بعد أن تضربوا هذا المثل في إسرائيل. ها كل النفوس هي لي. نفس الأب كنفس الإبن. كلاهما لي. النفس التي تخطيء تموت.

والإنسان الذي كان باراً وفعل حقاً وعدلاً...... وسلك في فرائضي وحفظ أحكامي ليعمل بالحق فهو بار، حيوة يحيا يقول الرب، فإن ولد إبنا.... سفَّاك دم..... وأعطى بالربا وأخذ المرابحة أفيحيا ؟ لا يحيا. قد عمل كل هذه الرجاسات فموتاً يموت. دمه يكون على نفسه ؛ وإن ولد إبناً رأى جميع خطاًيا أبيه التي فعلها فرآها ولم يفعل مثلها...... ولم يأخذ ربا ولا مرابحة بل أجرى أحكامي وسلك فرائضي فإنه لا يموت بإثم أبيه. حيوة يحيا. أما أبوه فلأنه ظلم واغتصب أخاه إغتصاباً وعمل غير الصالح بين شعبه فهوذا يموت بإثمه". حزقيال 18 : 1 - 18

وباقي الإصحاح يكذب أيضاً الإدعاء القائل بأن الإنسان يتبرر بالإيمان فقط دون الأعمال. حيث يصرح بحفظ فرائض الله والعمل بها، وعدم الشرك بالله أو إقتراف الآثام أو إرتكاب المظالم. وكل هذا يشمل الإيمان والعمل.

وقاريء الإنجيل يعلم جيداً قصة الحواريين مع الأطفال عندما قُدِّم إليه أطفال ليضع يديه عليهم ويباركهم : " فإنتهرهم التلاميذ. أما يسوع فقال دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات " متى 19 : 13 - 15.

فها هو عيسى لم يكن قد صُلِبَ بعد كما يقولون واعتبر الأطفال أبرياء وعدَّهم من الأبرار، ونهى تلاميذه بل وأمرهم بنبذ هذه الفكرة الشائعة بين اليهود.

 كثيراً ما تحدث الكاتب عن موت عيسى مصلوباً، وقد نقدنا هذا الأدعاء وأثبتنا عكسه في كتابنا (المسيحية الحقة) كما أثبته الكثيرون من قبلي ومن بعدي، ويكفينا أن ننظر إلى الإختلاف في تفاصيل، القصة من الأناجيل الأربعة : متى كان العشاء الأخير ؟ متى تم القبض عليه ؟ إلى أين ذهبوا به أولاً ؟ متى صلبوه ؟ من حمل الصليب ؟ ما مصير الخائن : أقتل نفسه أم مات طبيعياً ؟ ماذا عمل بالنقود ؟ هل تركها لرئيس الكهنة أم أشترى بها قبراً ؟ وغيره الكثير، مما يحسن أن يقوم القاريء بالبحث في ذلك بمفرده وبموضوعية تامة.

أما عدم فهم حواريه له، وزجره لهم، وإتهامه إياهم بضعف الإيمان وعدم الفهم، فهذا لا يمكن فهمه أيضاً. ونحن نستبعد ذلك عنهم، وأعتقد أنهم كانوا على علم كبير، استطاع يعقوب على سبيل المثال بهذا العلم إدانة بولس ومحاورته (أعمال الرسل 21 : 17 - 26).

أبو بكر الصديق رضي الله عنه

راينا ما فعله بولس بالمسيحية  وكان اليهود واعونهم من النصارى يتمنون ان يكون من بين المسلمين من يقوم بهذا الامر الا انهم فوجئوا بالصيق يحمل الامانة كما ينبغي وكان خير خلف لخير سلف  فله من المناقب والفضائل مالا يعد ولا يحصى  الا  ان المغرضين لم بطب لهم الكلام عن الصديق فاذا بهم يوجهون السباب والشتائم على ابي بكر الصيق.

 فقد أكثرت الطوائف الضالة في الطعن على أبي بكر، ومنهم الشيعة، والعلمانية، والمستشرقين، من وضع الشبهات، ولم يقفوا عند أبي بكر وحده بل أكثروا من الطعن في كل رموز الإسلام، في عمر، في علي، في عائشة، في سعد بن عبادة، وفي غيرهم ولعلنا نضع هنا سؤال:

 - إذا لم يكن الصديق خليفة للمعصوم فمن غيره يكون خليفة؟

وما يفعل الشيعة وأعوانهم هذا إلا لتشويه الصورة الجميلة للجيل الأول، ولم يطعنوا في خلافة الصديق فقط، بل في خلافة عمر وعثمان أيضًا رضي الله عنهم أجمعين.

 فالجميع يعلم أن أبا بكر مقدم على عمر، وعمر نفسه كان يقول: والله لئن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك من إثم، أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر. كما أن الشدة المعروفة عند عمر لم تكن مناسبة للأمة، وهي خارجة من المصيبة الكبيرة بوفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

 شبهة أحقية علي بن أبي طالب بالخلافة :

يبقى اسم واحد محل كلام ونقاش وجدال، وهو البطل الإسلامي العظيم علي بن أبي طالب ، هذا الصحابي الجليل، أشاع كثير من الشيعة أنه كان أحق بالخلافة من أبي بكر الصديق وأعجبت الفكرة كثير من المستشرقين، فذكروها في كتبهم على أساس أن الخلافة حق منهوب من علي بن أبي طالب، بل إن بعض الشيعة المتطرفة تجاوزت الحدود في علي بن أبي طالب، وادعت أنه كان أولى بالرسالة من رسول الله لهم في ذلك تخاريف عظيمة، بل إن طائفة أخرى تجاوزت هذا الأمر إلى تأليه علي بن أبي طالب تعالى الله عما يصفون..

 هذا الغلو في علي بن أبي طالب ظهر في أواخر أيام عثمان بن عفان ، في بدايات الفتنة واتساع رقعة الإسلام، ودخول الكثير من المغرضين في دين الله، ومحاولتهم هدم الإسلام من جذوره وأصوله، دخل في دين الله كثير من اليهود والمجوس الذين أرادوا أن يقسموا الدولة الإسلامية إلى طائفتين متنافرتين من جهة، وأن يطعنوا في رموز الصحابة من جهة أخرى.

وقد يكون عبد الله بن سبأ اليهودي هو أول من أشاع بين الناس فكرة التشيع لعلي بن أبي طالب، وإنه أولى بالخلافة من عثمان بن عفان، بل ومن أبي بكر وعمر أجمعين، وكان لعبد الله بن سبأ أعوان من قبائل شتى، كلها تنقم على الإسلام لأسباب مختلفة، وكثير منهم من أرض فارس حيث الأقوام الذين أكل الحقد قلوبهم، لانهيار دولتهم على أيدي المسلمين بقيادة أبي بكر، ثم عمر رضي الله عنهما.

  وسؤال هام قد يطرأ على الذهن:

 لماذا اختار عبد الله بن سبأ اليهودي، أو غيره ممن ابتدع هذه الفكرة، لماذا اختاروا اسم علي بن أبي طالب ليدعوا أنه كان أحق بالخلافة؟ لماذا لم يختاروا أي صحابي جليل آخر، وما أكثر الصحابة؟

 لقد فكر هؤلاء في أنه لكي يقتنع الناس بشخصية أخرى غير الصديق ، وعمر، وعثمان رضي الله عنهما لا بد أن يأتوا باسم تهفو له نفوس المسلمين بصفة عامة، ويشعرون بعاطفة كبيرة نحوه، ونفوس المسلمين قد تهفو إلى كل الصحابة، إلا أن علي يتميز عنهم بأمرين هامين جعلا المغرضين يختارونه لهذا الأمر.

 أما الأول: فهو لقرابته من رسول الله ، فهو ابن عمه ومن بني هاشم وأقرب إلى الرسول من أبي بكر وعمر وعثمان.

 وأما الثاني: فهو أنه زوج ابنة رسول الله ، وأبو أحفاده الحسن والحسين رضي الله عنهما أولاد السيدة فاطمة رضي الله عنها، وليس هذا لأحد غيره، نعم تزوج عثمان بن عفان ابنتين لرسول الله لكنه لم يكن له أولاد من السيدة رقية والسيدة أم كلثوم يحملون نسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

 لهذين السببين اختاروا على بن أبي طالب كي يستغلوا اسمه في تفريق المسلمين إلى طائفتين شيعة، وسنة وما زال هذا التقسيم إلى الآن موجودًا.

 وقبل أن نرد على هذين الأمرين فإننا نريد أن نقول أننا لا يجب أن يدفعنا حبنا للصديق ورفضنا لفكرة الإشاعة بأن علي بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من الصديق لا يجب أن يدفعنا هذا الأمر إلى التقليل من شأن الصحابي الجليل العظيم على بن أبي طالب فله من المناقب والآثار ما نعجز عن وصفه في مجلدات ومجلدات،

 وهو أول من أسلم من الصبيان، وله مواقف مشهورة في تاريخ الإسلام، وفي الهجرة، وفي كل الغزوات، وكان مقربًا لقلب رسول الله ، وله مواقف عظيمة حتى بعد وفاة الرسول في خلافة الصديق، وعمر، وعثمان ، ثم في خلافته هو ، وفي الجملة فهو من أفضل الصحابة على الإطلاق.

 بل يجزم كثير من العلماء المسلمين أنه رابعهم في الفضل بعد الصديق أبي بكر، وعمر الفاروق، وذي النورين عثمان جميعًا، إذا وضعنا هذه الخلفية في عقولنا، فإننا نكون في مأمن من التقليل من حجم شخصيته، وهذا هو عين الصواب في التعامل مع جيل الصحابة بأكمله، أجمعين.

 ونعود إلى الأمرين اللذين تميز بهما علي بن أبي طالب على غيره من الصحابة، وهما قرابته من رسول الله ، وزواجه من ابنته فاطمة رضي الله عنها. أما الأمر الأول: قرابته من رسول الله . فهل تكفي القرابة لتقديم شخص على آخر؟ وهل تاريخ الرسول يشير من قريب، أو بعيد في جعل هذا الأمر لقرابته؟

 ألم يقل: "الأَئِمَّةُ فِي قُرَيْشٍ".

 ولو أراد لقال الأئمة في بني هاشم، لكنه لم يرد ذلك، دعوة الإسلام ليست دعوة قبلية، ولو أخذها علي بن أبي طالب لكان ذلك دليلاً على القبلية لا يقاوم، ومنذ متى تنفع القرابة أو تجدي، حتى وإن كانت قرابة الرسول

 بل ألم نشاهد أبا طالب العم القريب إلى قلب الرسول يظل كافرًا حتى آخر لحظة من حياته فيدخل النار، كما أخبر بذلك رسول الله ؟ وهل كانت العقليات والكفاءات في عائلة رسول الله أعلى وأكبر من العقليات والكفاءات خارجها؟

 لقد حاول رسول الله طيلة حياته أن يرسخ في أذهان الأمة أن المرء بعمله لا بنسبه، فلو أخذها رجل من بني هاشم مع وجود من هو أعلى منه كفاءة وأعظم فضلاً أكان ذلك يرضيه ؟

 هذا كله ولا شك لا يقلل من فضل علي بن أبي طالب ، ولكن ولا شك أن الخلفاء الثلاثة الأوائل قد فاقوه في الفضل بإجماع الأمة وقتها وبعد ذلك، ولم يكن للقرابة أن تغير من هذا الفضل أبدًا.

 ثم هل كان يتقدم علي بن أبي طالب ، وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره إلا بقليل على الأشياخ الكبار بالنسبة له كأبي بكر وعمر وعثمان؟ علي بن أبي طالب كان يبلغ من العمر وقت وفاة الرسول حوالي 31 سنة بينما كان الصديق في الواحدة والستين من عمره، نعم تولى قيادة بعض الجيوش الإسلامية شباب كثير، لكن قيادة الجيوش شيء وقيادة الأمة شيء آخر، ولا شك أن الخبرات المتراكمة لرجل مثل الصديق كانت نفعًا للأمة، والأمة لم تخسر طاقات الشباب، فالصديق الإمام يوجه، وينظم، ويخطط، والجميع في الأمة ينفذ.

 والأمر الثاني: هو زواج عليّ من فاطمة بنت النبي أكان ذلك الأمر يؤهله للخلافة؟

 إذا كان رسول الله لا يغني عن فاطمة نفسها رضي الله عنها شيئًا، ولا تنجو إلا إذا عملت، أفيغني رسول الله عن زوج ابنته إلا إذا عمل؟

- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قام رسول الله حين أنزل الله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] قال: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أو كلمة نحوها- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةَ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مِالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا".

 وهكذا فإن الرسول وضح أن هذه العلاقات لا تقدم ولا تؤخر في فضل المؤمنين، وإن التفاضل بين الناس لا يكون إلا بالتقوى والعمل الصالح، والكفاءة، وغير ذلك من الأمور المكتسبة، ولا يتفاضل الناس بحسب الأشياء التي لا دخل لهم فيها، كالنسب، واللون، والجنس، والحالة المادية، وغير ذلك من أمور التفاضل.

 ولعل هذا هو الحكمة أو جزء من الحكمة التي من أجلها لم يعش لرسول الله أولاد من الذكور، فإذا كان الناس تشيعوا هكذا لعلي بن أبي طالب ، واستخلفوه للتفريق بين المسلمين، فماذا كان يفعل المسلمون مع ابن الرسول لو عاش، لا شك أن طائفة الشيعة هذه كانت ستجد فيه، وفي ذريته ذريعة للاتباع، وتفريق المسلمين تحت قيادات مختلفة.

 ولا شك أن الذين أشاعوا هذه القضية كانوا يعلمون أن حجتهم ليست بالقوية، فهم يطلبون خلافة لعلي بن أبي طالب  على أساس القبلية والقرابة، وهي مؤهلات غير مقبولة في الشرع الإسلامي، فماذا يفعلون حتى يثبتوا خلافة في غير موضعها؟ لقد بحثوا عن مصداقية أخرى لهذا الأمر فوجدوها.

 إدعاء وصية النبي لعلي بالخلافة :

فها هي فرية أخرى ابتدعوها ابتداعًا، تلك الفرية هي: الادعاء بأن الرسول  قد أوصى لعلي بن أبي طالب  بالخلافة من بعده، نشرت طوائف كثيرة من الشيعة هذه الإشاعة، وأعجبت المستشرقين، والعلمانيين حتى درّسوها في المدارس والجامعات، حتى يوهموا الدارسين أن المخالفات بين الصحابة كانت مبكرة جدًّا، بعد وفاة الرسول  للأسف الشديد، فإنني وجدت مثل هذه المناهج تدرس وبشدة في أكثر من جامعة، ووجدت أيضًا كتبًا كثيرة تتبنى هذا الفكر مع كونه مغايرًا للحقيقة تمامًا.

 للرد على هذه الإشاعة أو الشبهة، شبهة أن الرسول  قد أوصى لعلي بن أبي طالب  بالخلافة نقول:

 أولاً: لم يرد بهذه الوصية نقل صحيح، كل الروايات التي ذكرت هذه الوصية روايات في غاية الضعف، بل هي موضوعة من الأصل، ونحن كمسلين حريصين على ديننا يجب أن نحرص أن ننقل الصحيح فقط من الروايات، وخاصةً في هذه القضايا الشائكة، وهذه الأمور التي يطعن بسببها في صحابي أو أكثر، ومن أراد أن يخرج علينا بفكرة الوصاية هذه، فليأت بدليل صحيح وإلا فما أسهل الكلام.

 ثانيًا: إذا كانت هناك وصية معلومة من رسول الله إلى علي بن أبي طالب للزم أن نفترض أن الصحابة جميعًا اتفقوا على مخالفتها، ومخالفة وصية كهذه تكون مخالفة صريحة للشرع، فيلزم هنا اتهام الصحابة جميعًا بالمخالفة الشرعية للإسلام، وفي أمر خطير كهذا، وهذا ما لا يعقله عاقل، كيف يتفق جيل بأكمله على خلافة رجل، وإنكار خلافة رجل آخر مع وجود الوصية بغير ذلك، مع العلم أن أبا بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما كلاهما من قريش، فلا مجال لترجيح واحد على الآخر إن كان هناك وصية بذلك، وكيف يتفق الأنصار مع القرشيين ضد علي بن أبي طالب؟

 هذه تساؤلات لا رد عليها عند طوائف الشيعة التي تتبنى فكرة الوصية لعلي بن أبي طالب، ولم يستطيعوا أن يخرجوا من هذا المأزق إلا بأمر عجيب: هو أنهم فَسّقوا، وأحيانًا كَفّروا كل جيل الصحابة إلا مجموعة تعد على أصابع اليدين منهم، وهذا من المستحيل أن يستساغ عقلاً، فضلاً عن غياب النقل الصحيح بذلك.

 وهذا الموقف في غاية الخطورة ترتبت عليه نتائج خطيرة، فهذه الطوائف الشيعية المتجاوزة قالت: إن كل هؤلاء الصحابة بدّلوا وغيّروا في أمر خطير كهذا، فكيف يقبل منهم بقية الأمور؟ ولذلك قالوا أنهم لا يجب أن ينقلوا عنهم حديثًا، ولا دينًا، ولا تشريعًا، ولا فقهًا، فحرموا أنفسهم وأتباعهم من آلاف الأحاديث التي نقلت عن طريقهم، قالوا:

لا نأخذ عن عائشة،     لا نأخذ عن أبي هريرة،   لا نأخذ عن عمر بن الخطاب،

 لا نأخذ عن عبد الله بن عمر،  لا نأخذ عن عبد الله بن عمرو،  لا نأخذ عن كامل الأنصار،           إذن أين الدين؟   أين الشرع الذي تتبعون؟

 لا يأخذون إلا ما جاء عن طريق علي بن أبي طالب، وعدد محدود جدًّا لا يزيد عن العشرة من صحابة الرسول وينقل عنهم بواسطة طرقهم الخاصة التي هي في غالبها ضعيف، بينما يعرضون كلية عن كل الطرق التي قبلها علماء السنة المسلمين؛ لأنهم كما يقولون نقلوا عن الصحابة الذين تآمروا في زعمهم على علي بن أبي طالب، من ثم فهم لا يعترفون بالبخاري ولا بمسلم ولا بسنة أبي داود أو الترمذي أو النسائي أو ابن ماجه، والإمام أحمد، أو غيرهم من أئمة الحديث عند المسلمين، وهذه بالطبع كارثة، هاوية سحيقة، بل هي ضرب للدين في أصوله.

 ثالثًا: إذا كان هناك فعلاً وصية لعلي بن أبي طالب ، فلماذا لم يصرح بها علي بن أبي طالب؟ أو حتى يكتفي بالإشارة أو بالتلميح،ألا يعد علي بن أبي طالب هنا كاتمًا لما أوصاه به رسول الله ؟ إذا كانت هناك وصية لأحد فكتمها يعد مخالفة للشرع، أيفعل علي بن أبي طالب ذلك؟ قالت الشيعة: إنه كتم هذا الأمر تقية. أي يتقي الصحابة فكتم الأمر خوفًا على نفسه إلى أن تأتي الظروف، ويتمكن من الحكم، لا حول ولا قوة إلا بالله، أي مجتمع هذا الذي تصفون؟ ثم ألم يكن علي بن أبي طالب شجاعًا مقدامًا لا يخاف في الله لومة لائم؟ أيكتم هذا الأمر تقية؟           ثم من يتقي؟

 هل علي بن أبي طالب الهاشمي، وقبيلته التي هي أعظم قبيلة في قريش، هل يتقي أبا بكر التيمي وقبيلته بني تيم التي من أضعف بطون قريش؟ لا أعتقد أن أحدًا يقبل ذلك عقلاً.

 رابعًا: هل كانت فاطمة بنت محمد رضي الله عنها بعيدة عن سرير أبيها رسول الله لقد كانت بجواره حتى آخر اللحظات، فهل لم تعلم منه شيئًا خطيرًا كهذا حتى تخبر به بعد ذلك؟ وهل منع علي بن أبي طالب من زيارة الرسول حتى لا يخبره بهذا الأمر؟ من الواضح بدراسة كل الملابسات أن هذه الوصية ما هي إلا قصة مختلقة لم يعرف بها أحد إلا بعد أن وضعت، وألفت، ولفقت لرسول الله

 إرسال علي بسورة براءة في موسم الحج :

شبهة جديدة قالوها في هذا المضمار أيضًا، قالوا لقد أرسل رسول الله عليّ بن أبي طالب  بسورة (براءة) ليقرأها على الناس في الحج، يقطع بها عهود المسلمين معهم، وفي ذلك كما زعموا إشارة إلى استخلاف علي بن أبي طالب  ومن المعروف أن أمير الحج في هذا الموسم هو أبو بكر الصديق  فقالوا: لو لم يكن يقصد أن يستخلف عليًّا لجعل أبا بكر هو الذي يقطع العهود، وسبحان الله ما أبسط الشبهة وما أتفهها.

 أولاً: نزلت سورة براءة بعد خروج أبي بكر بوفد الحج، وكان أبو بكر هو الأمير، فلما نزلت السورة أرسل رسول الله  رجلاً من رجاله لم يكن في الحج، وهو علي بن أبي طالب بالسورة حتى يصل بها إلى الناس المجتمعة في الحج.

 ثانيًا: من عادة العرب أن الذي ينقض عهد رجل لا بد أن يكون من قبيلته، فلكي يقطع عهد محمد لا بد أن يكون الناقض من قبيلته وهو علي بن أبي طالب ، والحديث هنا في موسم الحج ليس للمسلمين فقط حتى يكلف الرسول  أبا بكر، ولا ينظر إلى تقاليد العرب في نقض العهود.

 بل إن الحديث المقصود موجه إلى المشركين في الأساس، فلا بد أن يصل إليهم بالصورة التي يقبلوها دون جدال ولا نقاش.

 ثالثًا: لقد تعلق المغرضون بإشارة خفية في إرسال علي بن أبي طالب، وأغفلوا أمرًا جليًّا واضحًا في ذات القصة، وهي أن علي بن أبي طالب لما جاء إلى أبي بكر الصديق  في مكة قال له أبو بكر الصديق : أمير أم مأمور؟

 فقال علي بن أبي طالب: بل مأمور.

 فكيف يعتقدون في استخلاف المأمور علي بن أبي طالب، ويتركون الأمير أبا بكر الذي يُعلّم الناس أمور حجهم، والذي يقود الجميع بما فيهم علي بن أبي طالب نفسه؟

 من الواضح أن هذه القصة حجة عليهم، لا لهم، لكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

 شبهة تأخير بيعة علي لأبي بكر :

شبهة أخرى ساقوها للتأكيد على أحقية علي بن أبي طالب في الخلافة، قالوا إنه لم يكن راضيًا على اختيار أبي بكر الصديق ، ولذلك لم يبايعه لمدة ستة شهور كاملة، فهل غضب علي بن أبي طالب حقًّا؟  وإذا كان غضب فلماذا؟

 والحقيقة أن هناك رواية في صحيح مسلم تذكر أن علي بن أبي طالب لم يبايع إلا بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنها بستة أشهر، ومع ذلك فقد روى ابن حبان بسند صحيح موصولاً إلى أبي سعيد الخدري  أن عليًّا بايع أبا بكر الصديق  في اليوم الثاني للخلافة، فما تفسير ذلك؟

 التفسير الذي يرجحه ابن كثير رحمه الله أن علي بن أبي طالب، قد بايع مرتين، المرة الأولى في اليوم الثاني لوفاة الرسول  والمرة الثانية بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنها، وذلك بعد ستة شهور من المبايعة الأولى للصديق

 أما المبايعة الأولى فهي التي جاءت في رواية الحاكم والبيهقي وابن سعد وابن حبان بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري، وفيها أن أبا بكر الصديق صعد المنبر في اليوم الثاني -يوم البيعة العامة للجمهور- فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير بن العوام  فدعا بالزبير فجاء (الزبير في ذلك الوقت كان في بيت الرسول  يجهزه للدفن، ولم يكن قد دفن بعد في اليوم الثاني) فقال أبو بكر له: قلت ابن عمة رسول الله وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين.

 فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله . فقام فبايع، ثم نظر أبو بكر في وجوه القوم، فلم ير عليًّا، فدعا به فجاء فقال: قلت ابن عم رسول الله وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين.  فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله  فبايعه.

 فهنا تصريح بالمبايعة، وقد تخلف الزبير وعلي رضي الله عنهما عن الحضور في يوم السقيفة، وفي اليوم الثاني، لأنهما كانا مشغوليْن بتجهيز رسول الله  للدفن، ولما استراب أبو بكر  لغيابهما، أرسل إليهما يلومهما، فجاءا يعتذران ويبايعان.

 بل إن الطبري روى بأسانيده عن حبيب بن أبي ثابت رحمه الله، أن عليًّا كان في بيته، فأتى إليه الخبر عن جلوس أبي بكر للبيعة، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عَجِلاً، كراهية أن يبطئ عنه حتى بايعه، ثم جلس إليه وبعث فأحضر ثوبه وتخلله ولزم مجلسه.

ثم إن عليًّا والزبير بن العوام رضي الله عنهما كانا يشعران بشيءٍ من الغضب أو عدم الرضا بخصوص ما تم في سقيفة بني ساعدة، لم يكن ذلك لعدم اقتناعهما بأبي بكر الصديق ، ولكن لأنهما أخرا عن المشورة، وهما -كما يعلم الجميع- على درجة عالية من الفضل، والسبق والرأي.

 - روى الحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أن علي بن أبي طالب والزبير بن العوام قالا: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخبره، ولقد أمره رسول الله  بالصلاة بالناس وهو حي.

 كانت هذه هي المبايعة الأولى، يصاحب هذه المبايعة موقف آخر، هو طلب السيدة فاطمة رضي الله عنها ميراث رسول الله فلما جاء سيدنا علي يطلب ميراث السيدة فاطمة رضي الله عنها في أبيها ، رفض أبو بكر الصديق  وقال لها حديث رسول الله  لا نورث، ما تركنا صدقة، فوجدت، أي غضبت السيدة فاطمة في نفسها،

المهم هنا أن السيدة فاطمة رضي الله عنها وجدت في نفسها، ثم ما لبثت أن مرضت، ولزمت بيتها يعالجها ويمرضها زوجها علي بن أبي طالب  وكان مراعاة لمشاعرها يقلل من اختلاطه بمجلس أبي بكر  فلما ماتت السيدة فاطمة بعد ستة شهور من وفاة الرسول ، ودفنها علي بن أبي طالب شعر أن بعض المسلمين يشعرون بهجرته للخليفة أبي بكر الصديق..

 فأراد أن يؤكد على بيعته، وأنه ما انعزل عنه إلا لأمر السيدة فاطمة رضي الله عنها، فذهب وبايع البيعة الثانية له، ومما قاله علي بن أبي طالب في هذه المبايعة الثانية، كما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن عليًّا قام فعظم حق أبي بكر، وحدث إنه لم يحمله على الذي صنع (من هجره للصديق، ومن غضب أصابه للتأخير عن المشورة) نفاسة على أبي بكر، ولا إنكارًا للذي فضله الله به.

 ولكنا نرى لنا في هذا الأمر (أي في أمر اختيار الخليفة) نصيبًا، فاستبد علينا (أي سارع إلى الاختيار دون انتظار علي والزبير والعباس جميعًا) فوجدنا في أنفسنا، فَسُرّ بذلك المسلمون (أي سروا ببيعة علي بن أبي طالب)، وقالوا: أصبت.

 وكان المسلمون إلى علي قريبًا حين راجع الأمر المعروف.  أي كان المسلمون قريبين من علي بن أبي طالب فرحين به لما راجع الأمر المعروف أي البيعة التي اجتمع عليها المسلمون.

و لقد أسرع أبو بكر وعمر باختيار الخليفة في سقيفة بني ساعدة دون انتظار، وذلك خوفًا من الفتنة الكبيرة  ، ثم إن علي بن أبي طالب لا يخفى أمره وليس بالمجهول عند الصحابة، ولو أراد الصحابة في بني ساعدة أن يختاروا عليًّا لرشحوا اسمه للخلافة حتى في غيابه، ولكن كان من الواضح أنه لا يوجد أحد في المدينة يتقدم على أبي بكر الصديق

 إذن الفريق الأول من العلماء يقول أن عليًّا قد بايع مرتين:

 المرة الأولى بعد وفاة الرسول  بيوم، والمرة الثانية بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنها، لطرد الشائعات بأنه لا يرضى عن خلافة الصديق .

 لكن ما زال هناك موقف يحتاج إلى تفسير، وهو أن رواية مسلم تقول بالتصريح أن عليًّا لم يبايع إلا بعد ستة أشهر فما تفسير ذلك؟ يفسر هذا الموقف بأمرين:

 الأمر الأول: أن هذه الرواية، وإن كانت في صحيح مسلم، إلا أن البيهقي رحمه الله ضعفها، وذلك لأن الزهري أحد رواتها رواه رواية غير متصلة فالسند -كما يقول- منقطع، فلو كان صحيحًا فلا يبني عليها هذا النفي للبيعة، وعلى الطرف الآخر إن صحت هذه الرواية، فإنها تحمل على أن الراوي لهذا الحديث لا يعلم أن عليًّا قد بايع المبايعة الأولى، فهنا حديث صحيح يثبت لعلي بن أبي طالب بالبيعة الأولى، وحديث آخر لو صح ينفي البيعة الأولى لعلي بن أبي طالب، فبأي الحديثين نعمل؟

 يقول الفقهاء في ذلك الأمر أن الحديث المثبت يقدم على المنفي، لأن الذي نفى، نفى أن يكون قد وصل إلى علمه، ولكن قد يكون الأمر حدث، ولم يعلمه، أما الذي أثبت فقد أثبت؛ لأنه تيقن من الثبوت، مثال ذلك: روى البخاري ومسلم وبقية الخمسة إلا أبو داود أن السيدة عائشة قالت: ما بال الرسول قائمًا قط. هذا نفي.

 وعلى الناحية الأخرى روى أيضًا البخاري ومسلم وبقية الخمسة عن حذيفة بن اليمان قال: رأيت رسول الله يبول قائمًا. هذا إثبات. أي الحديثين نقدم؟

 قال العلماء: يقدم المثبت على المنفي، حذيفة رأى النبي يبول قائمًا فهذا حدث، أما السيدة عائشة فقالت إنه لم يبل قائمًا، وهذا علمها وصدقت فيه، لكن هذا لا يمنع أنه بال قائمًا بعيدًا عنها ولم تعلمه. فخلاصة الأمر في هذا أنه لو صح حديث يثبت لعلي بن أبي طالب البيعة الأولى، فإنه يقدم على الحديث الآخر الذي نفى البيعة الأولى، وإن صح هذا الحديث. ثم بفرض أن عليًّا لم يبايع فعلاً إلا بعد ستة شهور،أيقدح هذا في صحـة خلافة الصديق ؟

 أبدًا، إن البيعة تنعقد ببيعة أهل الحل والعقد، ثم بيعة الجمهور، وهذه البيعات قد تمت بالفعل لأبي بكر الصديق ، ولا يضر البيعة أن يناقضها رجل أو رجلان أو عشرة أو أي أقلية، ومع ذلك فإن علي بن أبي طالب لم يتخلف عن أمر الصديق ، ولم يتردد عن طاعة أوامره، ولم يشق عصا المسلمين، وهذا هو المطلوب منه، وليس بالضرورة أن يكون في اختلاطه معه كما كان قبل الخلافة.

 فإنه من المعروف أن علي بن أبي طالب لم يكن يتخلف عن الصلوات خلف الصديق ، لم يكن يتخلف عن الشورى معه، ولما خرج الصديق لقتال المرتدين بنفسه، وقف له علي بن أبي طالب كما روى الدارقطني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: أخذ علي بن أبي طالب  بزمام راحلة أبي بكر وقال: إلى أين يا خليفة رسول الله ؟

 أقول لك ما قال لك رسول الله يوم أحد: شم سيفك -أي رده إلى غمده- ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدًا.

 ولما اضطر أبو بكر للخروج بنفسه بعد أن خرجت كل الجيوش لحرب المرتدين، ثم هجمت عبس وذبيان على المدينة، خرج معه علي بن أبي طالب إلى ذي القصة يحارب معه المرتدين، وروى البخاري عن عقبة بن الحارث : رأيت أبا بكر ، وحمل الحسن وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي، ليس شبيه بعلي. وعلي يضحك.

 وفي رواية الإمام أحمد أن هذا كان بعد وفاة الرسول بليال، وذلك بعد صلاة العصر، فهذا ينفي الانقطاع المذموم الذي روج له المغرضون.

 إذن علي بن أبي طالب  لم يكن خارجًا عن الجماعة بأي صورة من الصور، ولم يثبت أبدًا أي اعتراض له على خلافة الصديق، وبايع علي الصديق إما مرتين، وهذا هو الأقرب، أو يكون قد بايع مرة واحدة بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنها، وهذا لا يقدح في خلافة الصديق، ولم يكن لعدم البيعة أي مردود على طاعة علي بن أبي طالب للصديق  أجمعين. ومع فداحة الشبهات السابقة إلا أن سهام المغرضين لا تنتهي.

 شبهة المؤامرة على الإمام علي رضي الله عنه:

شبهة جديدة أطلقوها بخصوص هذه البيعة للصديق  هذه الشبهة الجديدة شنيعة للدرجة التي تهدف إلى هدم الإسلام من أساسه، تولى كبرها طائفة الشيعة أرادوا الطعن في رموز الإسلام العظيمة، بصورة تظهرهم كأسوأ ما يكون الرجال، هذه الشبهة الشنيعة هي أن الصديق ، وعمر بن الخطاب، وأبا عبيدة بن الجراح، قد تآمروا على أمر الخلافة فيما بينهم، وساعدتهم في ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها .

 حاشا لله من هذه الفرية، يزعمون أنهم جميعًا قد تآمروا على أن يأخذ الصديق الخلافة في بادئ الأمر، ثم يعطيها بعد ذلك لعمر بن الخطاب، ثم يعطيها عمر لأبي عبيدة بن الجراح، لكن أبو عبيدة مات قبل موت عمر، فلم تكتمل أطراف المؤامرة كما يقولون، ويقولون أن هذا التآمر ساعدت فيه السيدة عائشة بأن ادعت كما يقولون، أن الرسول أوصى بالصلاة لأبي بكر، بينما الحقيقة في زعمهم أنه أوصى بالصلاة لعلي بن أبي طالب، وأخفت ذلك السيدة عائشة، وبذلك أوصلت الخلافة إلى الصديق .

 تصوير قبيح وشنيع، لأعظم أجيال الإسلام ولأرقى رموز الإسلام، إذا كان هؤلاء السابقين على هذه الشاكلة فلا أمل فيمن جاء من بعدهم، وهذا هو بيت القصيد في الشبهة، ليست القضية اتهام رجل أو رجلين، ولكن القضية أعمق من ذلك بكثير، هي فعلاً هدم لدين الإسلام من جذوره، هم يقيسون الأحداث بمقاييس هذا العصر الذي نعيش فيه الآن.

 يرون السياسة كما يرونها الآن، مؤامرات، ودسائس، ومكائد، وخداع، ونفاق، وغش، وتحايل، هذه السياسة التي يشاهدها الناس، وعلى هذا الأساس يقومون سياسة الإسلام في عهد الخلفاء، وما أدركوا أن الإسلام قدم أروع أنظمة السياسة، وأرقى الأمثلة للتطبيق العملي لهذه القواعد السياسية، هم لا يتخيلون أن رجلاً نقيًّا مثل أبي بكر، وعمر يكون رجلاً سياسيًّا ناجحًا.

 فيقولون إما إنه رجل صالح وسياسي فاشل، وإما إنه سياسي ناجح، ولكنه فشل في مجال الأخلاق، لكن الشواهد تثبت حسن سياستهم، والشواهد أيضًا تثبت قيادتهم الحكيمة ليس لأوطانهم فقط، بل للأرض جميعًا في زمانهم، إذن في عُرف العلمانيين، والمستشرقين لا بد لهؤلاء الساسة الناجحين أن يكونوا متآمرين، هذا ما شاهدوه في الواقع الآن.

 ولا يتخيلوا أن يوجد في هذا الماضي السحيق هذه الصورة النقية البهية للساسة المسلمين المهرة في سياستهم، والأتقياء في قلوبهم، الذين يديرون الدنيا بحكمة، وعيونهم على الآخرة {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41].

 هذا طراز أسطوري بالنسبة للعلمانيين، لكنه حدث في عهد الإسلام، ويتكرر والله كثيرًا في تاريخنا، ليس في عهد الصحابة فقط ولكن في عصور أخرى كثيرة، وفي أماكن متعددة، ولا بد أن نفرغ الأوقات لاستخراج الكنوز الثمينة والرموز العظيمة، وما أكثرها.

 المهم أن المستشرقين ساروا وراء طوائف الشيعة المتبعة لهذه الشبهة الخطيرة، شبهة تآمر أبي بكر، وعمر، وأبي عبيدة  لتبادل أدوار الخليفة، الواحد تلو الآخر، وذلك في زعمهم بمساعدة السيدة عائشة رضي الله عنها. وتعالوا نبحث قليلاً في هذه المؤامرة المزعومة:

 أولاً: من هؤلاء المتهمين بالمؤامرة؟

 - أبو بكر الصديق ، أهذا الرجل الذي تحدثنا عنه في هذا الكتاب، الذي يتآمر بهذه الصورة على الخلافة؟ أهذا الرجل الذي تحدثنا عن إيمانه، وصدقه، وورعه، ورقة قلبه، وسبقه وإنكاره لذاته وثباته، أهذا الرجل هو الذي يتآمر؟ أهذا الرجل الذي كان يتورع عن لقمة واحدة حرام، لا يتورع عن أكل حقوق أمة كاملة؟!

 روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر الصديق غلامُ يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه -الخراج شيء يجعله السيد على عبده، يؤديه إلى السيد كل يوم وباقي كسبه يكون للعبد- فجاء هذا الغلام يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ قال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت في الجاهلية لرجل، وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني، فأعطاني لذلك، هذا الذي أكلت منه.

 إذن هذا مال حرام أخذ بخديعة وبكهانة، ماذا كان رد فعل الصديق للقمة أكلها ونزلت في معدته. فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه. هذا هو الصديق ، ثم أليست هناك إشارات في منتهى الخبث، في اتهام الصديق في صدقه، وإدعاء أنه كذب ليستولي على الخلافة، أليس الذي سماه بالصديق هو رسول الله ، بل في رواية أن الله  هو الذي سماه بذلك، أليس هذا هو الذي سماه الله بالأتقى؟ أيفعل هذا الصديق الأتقى؟!

 أيكون أول الداخلين إلى الجنة من أمة الإسلام بعد رسول الله على هذه الصورة، فكيف بمن يدخلون من بعده، إذن هذا هو الرجل الأول في الاتهام في شبهتهم، قاتلهم الله، أني يؤفكون؟

 - الرجل الثاني في ادعائهم: عمر بن الخطاب:

 الفاروق ، ولو بحثت في حياته  عن أهم صفاته، وأبرز خلاله لكانت صفة العدل، والصدع بالحق، دون أن يخشى في الله لومة لائم، أيفعل هذا الذي وصف بذلك ما يدعيه هؤلاء المغرضين؟ روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري  قال: قال رسول الله : "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ". قالوا: ماذا أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدِّينُ". أهذا الذي يغمره الدين إلى هذه الصورة يقوم بمثل هذه المؤامرة؟

 - الرجل الثالث في ادعائهم: أبو عبيدة بن الجراح :

 هو الرجل الذي سماه رسول الله بالأمين، صفة مميزة له في حياته كلها، روى البخاري ومسلم عن حذيفة قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله  فقالوا: يا رسول الله ابعث لنا رجلاً أمينًا. فقال: "لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلا أَمِينًا، حَقَّ أَمِينٍ حَقَّ أَمِينٍ". قال حذيفة: فاستشرف لها الناس، قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح .

 وانظر عندما يختار رسول الله  رجلاً من كل الأمة يصفه بالأمانة، ويسميه أمين هذه الأمة، أي أشد الناس اتصافًا بهذه الصفة في هذه الأمة، ثم يأتي قوم فيطعنون في أمانته، ما الذي وراء ذلك؟ أليس هذا طعنًا في الأمة بأسرها؟ ثم أليس هذا طعنًا في الذي سماه بهذا الاسم؟

 يقولون بدلوا وغيروا من بعده؟

 أي حجة تافهة، أليس منقصة في حقه ، أن يربي ويعلم وينصح سنوات وسنوات، ثم يأتي النبهاء والفضلاء الأوائل من تلامذته، فيفشلون جميعًا في أول اختبار، فيفشل الصديق في صدقه، ويفشل الفاروق في عدله، ويفشل الأمين في أمانته؟ أليس عجيبًا حقًّا هذا الاتهام؟ لكن سبحان الله، إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

 - المتهم الرابع في ادعائهم: السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:

 أولا : واحدة من أعظم نساء العالمين، روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: الرسول الله: "كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ تَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ". وفي رواية زاد عليهن: خديجة رضي الله عنها, وفي رواية زاد عليهن: فاطمة بنته. ثم قال: "وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ".

 كثير من العلماء قالوا أنه بهذا الحديث تكون السيدة عائشة الأفضل على النساء، ومن العلماء قدم هؤلاء على السيدة عائشة، لكن على أي حال هذه واحدة من أعظم نساء العالمين على الإطلاق، فإذا كانت واحدة بهذا القدر وهذه المكانة تتآمر على الخلافة لصالح أبيها فأي خير يبقى في الأمة؟

 طعن خبيث لا شك أن وراءه طعنًا في الأمة بأسرها، إذن في الرد على شبهة التآمر هذه ذكرنا صفات الذين اتهموهم بالمؤامرة ورأينا كيف أنه يستحيل، فعلاً يستحيل في حقهم هذا الأمر.

 ثانيًا: لم يرد أي نص صحيح يصف على وجه اليقين، أو حتى على وجه الشك مثل هذه المؤامرة، ونحن لا نأخذ شيئًا من سيرة الرسول ولا من سيرة الصحابة إلا بنقل صحيح، ودليل قوي ثابت، لا نقبل برواية موضوعة، أو منكرة، أو شديدة الضعف، وبالذات في الأمور الخلافية، والأمور التي فيها طعن، ولو بسيط في أحد الصحابة، فكيف بمن يطعن في عمالقة الصحابة؟ وبشبهة مثل هذه الشبهة.

 ثالثًا: إذا كانوا قد تآمروا على هذا الأمر في حياة الرسول ، فأين كان الوحي وقت ذلك؟ أيعلم الله  بمثل هذا الأمر الخطير، ثم لا يوحي إلى رسوله  بهذا؟ أم يوحي إلى الرسول بذلك ويكتم؟ إن الأمر على أي وجه فيه طعن مباشر ليس في كبار الصحابة فقط، بل في الله ورسوله، ولا يخفى ضلال هذا المنهج في التناول.

 رابعًا: الأحداث التي دارت قبيل وفاة الرسول ، وبعد وفاته، لا توحي مطلقًا بوجود مؤامرة، فلم يكن أبو بكر قريبًا من بيت الرسول  في الوقت الذي طلب رسول الله  تقديمه للصلاة، ولو كان هناك اتفاق بينه وبين السيدة عائشة لأصبح قريبًا من البيت حتى يتولى الإمامة حسب الاتفاق، بل إنه في اليوم الأخير في حياة الرسول ، مع أنه يعلم أن هذا المرض هو مرض موت الرسول ، إلا أنه قد استأذن في الذهاب إلى السنح خارج المدينة، حيث بيت أم خارجة زوجته.

 ولو كان يرغب في الخلافة، ويتآمر عليها لبقي في بيته الذي بالمدينة بيت أسماء بنت عميس رضي الله عنها، ثم لو كان هناك تآمر، أكانت السيدة عائشة تراجع رسول الله  في أمر الصلاة وتقول له: إن أبا بكر رجل أسيف أو رقيق؟!

 كان من الممكن أن يقول لها رسول الله : نعم الحق معك فليصل فلان بالناس، فإذا عين رجلاً آخر كانت الصلاة له، ثم الخلافة بعد ذلك، ولكن ذلك لم يحدث، على الرغم من أن السيدة عائشة راجعت الرسول عليه الصلاة والسلام، وأصر الرسول على موقفه.

 وكما ذكرنا لم تكن فاطمة ولا علي رضي الله عنهما بعيدين عن سرير رسول الله ، فلو أمر أحدًا غير أبي بكر بالصلاة لأخبرهما بذلك الأمر وهو ما لم يحدث.

 خامسًا: هل ظهر في سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عند تولي الخلافة ما يشير إلى أنهما طمعا فيها حتى يقوما بهذه المؤامرة الخبيثة؟ أعتقد أنه لو كان هناك رجل بهذا الخبث الذي يتحايل فيه على نبي، وعلى أمة، فإن حياته سوف تشهد بذلك لا محالة، ماذا فعل أبو بكر بالخلافة؟ ألم يكن خليفة المسلمين، ثم ينزل ويخدم العجوز في بيتها، ويحلب الشاة للضعفاء وعندما يُسأل: من أنت؟ يقول: رجل من المهاجرين؟ أهذا هو الرجل المتآمر على الخلافة؟ لقد كانت الرئاسة في حقه، وفي حق عمر بعد ذلك عبئًا وتكليفًا ولم تكن أبدًا هدية أو تشريفًا.

 سادسًا: هل لو في نية هؤلاء الأفاضل أن يتآمروا أكانوا يذهبون إلى سقيفة بني ساعدة ثلاثة فقط؟ ألم يكن من المناسب أن يدبروا الأمر ويأتوا بالمهاجرين؟ ماذا يحدث لو اجتمعت الشورى على غيرهم؟ ماذا كانوا سيفعلون وهم ثلاثة، وفي أرض المدينة؟

 التحليل الصادق يقول أنهم ما أعدوا لهذا الأمر مطلقًا، بل ذهبوا على سجيتهم، وطرحوا آراءهم، ووجدت قبولاً شرعيًّا، وعقليًّا عند الأنصار، فقدموا أبا بكر الصديق .سابعًا: أيتآمر أبو بكر وعمر على الخلافة؟  ألا يعلم المغرضون إلى أي القبائل ينتمون؟ أبو بكر الصديق  من قبيلة بني تيم، وهي من أضعف بطون قريش، وعمر بن الخطاب من قبيلة بني عدي وهي قبيلة ضعيفة أيضًا، أيتآمر رجلان من هاتين القبيلتين على سائر قبائل قريش؟

 أيتآمرون على بني هاشم، وبني أمية وبني مخزوم وغيرها من القبائل العظيمة الكبيرة ذات المنعة؟

 لقد كان اختيار أبي بكر للخلافة أمرًا لافتًا للنظر فعلاً، لقد تعجب أبو قحافة نفسه والد الصديق  من هذا الأمر فكما روى الحاكم عن أبي هريرة  أنه قال: لما قبض رسول الله  ارتجت مكة، فسمع أبو قحافة ذلك فقال ما هذا؟ قالوا: قبض رسول الله . قال: أمر جلل، فمن قام بالأمر بعده؟ قالوا: ابنك. قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: لا واضع لما رفعت، ولا رافع لما وضعت.

 فالجميع كانوا يتعجبون من هذه النتيجة للانتخاب، وليس لها تفسير إلا أنها حدثت من نفوس طاهرة أخرجت الدنيا تمامًا من القلب، وحكّمت الشرع والدين، ورضيت بقول الله وقول رسوله

 شبهة مقولة أبي سفيان :

شبهة أخرى تافهة: يقولون: أن أبا سفيان قال بعد أن تولى أبو بكر الخلافة لعلي وعباس رضي الله عنهما: ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة، وأذلها ذلاًّ، والله لئن شئتم لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً.

 أي أن أبا سفيان  يحرض علي وعباس على الانقلاب على المدينة، يريدون بذلك أن يشيعوا أن جوًّا من الغضب، وعدم الرضا كان يملأ المدينة، وسبحان الله، ما أتفه الشبهة

 أولاً: الرواية أيضًا ضعيفة جدًّا، ذكر ذلك الأستاذ محمود شاكر في كتابه القيم التاريخ الإسلامي.

 ثانيًا: هل يمكن أن يتجرأ أبو سفيان  على هذا الفعل، وهو من الطلقاء؟ والطلقاء هم الذين أطلقهم رسول الله مَنًّا عليهم يوم فتح مكة. أيتجرأ على هذا الفعل، وهو يعلم أن قلوب المسلمين قد تكون ما زالت محتفظة بذكريات العداء الطويل معها لمدة إحدى وعشرين عامًا.

 ثالثًا: هل كان يقبل علي والعباس رضي الله عنهما هذا التحريض دون رد، هل يقبل منهما ذلك في ظل الورع والتقوى والإخلاص الذي اشتهر به كلاهما؟

 ومع ذلك فالرواية الضعيفة التي ذكرت القصة أوردت ردًّا من علي بن أبي طالب على أبي سفيان يبرأ ساحته وساحة العباس رضي الله عنهما، لكن المغرضين أخذوا ما يريدون، وتركا ما لا يريدون، وهكذا طبيعتهم، يؤمنون ببعض الكتب ويكفرون ببعض، لقد رد علي بن أبي طالب في هذه الرواية بقوله لأبي سفيان: لطالما عاديت الإسلام وأهله يا أبا سفيان، فلم يضره ذلك شيئًا، إنا وجدنا أبا بكر لها أهلاً. فحتى على فرض صحة الرواية فعلي بن أبي طالب يرد ردًّا شافيًا على الشبهة ويهدمها من الأساس.

 رابعًا: أكان يسكت أبو بكر على هذا التحريض مع خطورته؟ ألم يكن من الواجب أن يكون هناك رد فعل تتناقله كتب السيرة والأحاديث، فأين ذلك الرد؟ أم هم يفترضون أن يدبر انقلابًا ويشجع عليه ولا يتحرك الخليفة؟

 خامسًا: ما مصلحة أبي سفيان في تحريض علي والعباس رضي الله عنهما؟ لو كانت رواسب الجاهلية ما زالت في قلب أبي سفيان ويريد دنيا من وراء هذا الأمر فلماذا يحرض رجلين عزيزين من بني هاشم؟

 لو دخلت الخلافة في بني هاشم فلن تخرج منها لعزتها، ولقرابتها لرسول الله ، وبالتالي لن تذهب إلى بني أمية، قبيلة أبي سفيان، أما إن بقيت في تيم فإنها لا شك ستخرج منها بعد وفاة الصديق فليس في بني تيم عَلَم مثل الصديق فحتى من الناحية الدنيوية لا يستقيم أن يفعل أبو سفيان ذلك فكيف يفترض ذلك المغرضون؟

 قضية ميراث الرسول :

والقضية لها علاقة وثيقة بقصة استخلاف أبي بكر الصديق ، فهي من أول أعماله في الخلافة ونتج عنها بعض المواقف التي أساء المستشرقون، وأصحابهم فهمها، واستغلوها في الطعن في عظماء الصحابة، لقد ترك رسول الله أرضًا، كانت له بالمدينة وفدك (قرية خارج المدينة)، وما بقي من خمس خيبر، وبعد وفاته ذهب العباس وعلي رضي الله عنهما يطلبان نصيب العباس ونصيب فاطمة بنت رسول الله في إرث رسول الله قال الصديق لهما كما جاء في البخاري: إن رسول الله قال: "لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَة".

 ثم قال الصديق: إنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله

 وقال أيضًا في رواية أخرى للبخاري: لست تاركًا شيئًا كان رسول الله يعمل به، إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ. يا لها من كلمة جميلة من الصديق ، كلمة رائعة، هي تلخص فلسفة الصديق  في حياته: إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ.

 اللهم ارزقنا فهمًا كهذا الفهم، وعملاً كهذا العمل، وإخلاصًا كهذا الإخلاص.

 إذن أبو بكر الصديق عرّف عليًّا والعباس رضي الله عنهما بحكم هام، وهو أن الأنبياء لا يورثون درهمًا ولا دينارًا، وما تركوه فهو صدقة، أي في بيت مال المسلمين، قد شاء الله ذلك حتى لا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم، بأنهم طلبوا الدنيا وورثوها لورثتهم، ولذا فحياة الأنبياء صلوات الله عليهم وتسليماته، تكون زهدًا وورعًا وبعدًا عن الدنيا، وكذلك يكون الحال لورثتهم. لكن هل كان هذا الحكم خافيًا على علي بن أبي طالب ؟

أبدًا لم يكن خافيًا عليه هذا الحكم، سبحان الله، بل لم يكن خافيًا على العباس  أيضًا، ولم يكن خافيًا عن كثير من الصحابة، فقد روي نفس الحديث من طريق أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس، والسيدة عائشة، وأبي هريرة، فما تفسير طلب العباس وعلي رضي الله عنهما للإرث؟! وما تفسير سؤال السيدة فاطمة رضي الله عنها نصيبها في ميراث أبيها؟!

 بل أكثر من ذلك، فإنه لما رفض أبو بكر الصديق إعطاء العباس وعلي رضي الله عنهما من الإرث، تشهد علي ، وحمد الله ثم قال: إنا نعرف يا أبا بكر فضيلتك، ثم ذكر عليّ قرابتهم من رسول الله وحقهم، أي أنه ما زال يطلب الإرث لزوجته، فقال أبو بكر : والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله أحب إليّ أن أصل من قرابتي.أي إنه لا يقطع قرابة الرسول ، ولكنه يقضي بما يراه صوابًا، فما تفسير تكرار الطلب من علي  مع علمه بالحكم؟!

 بل أكثر من ذلك، فإنه لما رفض أبو بكر الأمر وجدت السيدة فاطمة رضي الله عنها أي حزنت، وغضبت، وذلك كما جاء في رواية البخاري، وهجرت الصديق فلم تكلمه حتى مرضها الأخير الذي ماتت فيه بعد ستة شهور من وفاة الرسول فما تفسير غضبها وهجرانها لأبي بكر الصديق ؟!

 طبعًا المستشرقون والمستغربون والشيعة وجدوا في هذا الموقف مادة ثرية جدًّا للطعن في كل الصحابة، فمنهم من اتهم أبا بكر الصديق  بالظلم، لأنه حرم السيدة فاطمة من نصيبها من الإرث، ومنهم من اتهم السيدة فاطمة وعلي والعباس بحب الدنيا والسعي وراءها، وبمخالفة الشرع بطلب شيء نهى عنه رسول الله، ومنهم من اتهم علي بن أبي طالب بأنه لم يبايع أبا بكر غضبًا لنفسه ولزوجته، ومنهم من اتهم الصحابة بالخلاف على الدنيا والهجران لذلك، فما هو التفسير الحقيقي، والمقبول لهذه المواقف المتشابكة؟

 الحق أنه من المستحيل لعلي والعباس والسيدة فاطمة أجمعين أن يطلبوا الدنيا بهذه الصورة مخالفين الشرع ومخالفين أمر الرسول، وبالذات أن السيدة فاطمة تعلم يقينًا أنها أول من سيلحق بأبيها من أهل بيته، هي تعلم أنها قد اقتربت جدًّا من الوفاة وليس من المعقول أن تتعلق بالدنيا إلى درجة المخالفة بهذه الصورة..

 التفسير المنطقي للموقف يقول: إن العباس، وعلي، والسيدة فاطمة كانوا يريدون الإرث ليقوموا فيه بما كان رسول الله  يفعل، يعني ينفقوا على آل بيته بما يكفيهم من الطعام، ثم يقومون هم بتقسيم الصدقة على من يستحقها في الوجه الذي يرونه هم، وذلك لأنهم قرابته وأحق الناس به كما يقولون، أي أنهم لا يريدون الإرث لأنفسهم، ولكن يريدون حق تقسيم الإرث على أهل الصدقة، هذا هو ما يفهم في ضوء سيرة هؤلاء الأخيار وهم جميعًا من أهل الجنة السابقين.

 لكن على الجانب الآخر فإن أبا بكر الصديق  رفض هذا الأمر، وأصر على أن يتولى هذا الأمر بنفسه، لأنه قال كما جاء في مسند أبي داود ومسند الإمام أحمد أن رسول الله  جعلها لمن يقوم بالأمر من بعده.

 أي جعل التصرف في هذا الإرث للخليفة بصرف النظر عن كونه الصديق أو غيره، والعلة في ذلك واضحة، وهي نفي أي شبهة قد تقدح في ورثة النبي  وغلق الباب على اتهامهم بإنفاقها في غير وجهها، كما أنه أصلح لتجنب هوى النفس، فإن كان الوارثون الآن على درجة عالية من التقوى، وسيتصرفون فيه كما أراد رسول الله .

 فمن أدراك بالجيل الثاني أو الثالث أو الرابع من الوارثين، إذن الأفضل أن تظل في حوزة بيت مال المسلمين يتصرف فيها الخليفة والذي يراقب عمله طائفة كبيرة من المؤمنين، لكن السيدة فاطمة رضي الله عنها لم تفقه هذا الفقه الذي رآه الصديق ، وكذلك علي بن أبي طالب والعباس رضي الله عنهما، فإنهم اجتهدوا في أنهم من الأصلح والأنسب أن يقوموا هم بهذا الأمر، ولذلك حزنوا لرفض الصديق لطلبهم..

ولا مانع، أن يجتهد المسلمون فيختلفوا في الاجتهاد، وأن يغضب فريق من فريق، أو رجل من رجل، لا مانع أبدًا، لكن هذا الغضب لم يخرج كُلاًّ من الطرفين عن آداب الإسلام وأخلاقه، كما إنه لم يؤثر على طاعة علي بن أبي طالب للصديق ، ولم يؤثر على معاملة الصديق  لعلي، وللسيدة فاطمة أجمعين وذكرنا من قبل وجوهًا من هذه المعاملة بينهم،

 بل إن الصديق  زار السيدة فاطمة في بيتها في مرضها الأخير، وأذنت له بالدخول عليها بعد استئذان علي بن أبي طالب ، وتَرَضّاها الصديق حتى رضيت كما جاء في رواية البيهقي رحمه الله، أي أنه طيب خاطرها حتى تموت وهي راضية، وهذا من أدب الصديق ، وخلقه، وسَعَة صدره، فإنه هو المصيب في اجتهاده، وهو الخليفة وهو الأحق بأن يُسترضى، لكن هذا هو الصديق الذي عرفناه.

 ولا مجال هنا لادعاء الهوى والدنيا في نفس الصديق، ففي ضوء سيرته فإن هذا لا يعقل، وفوق ذلك فإن العقل ينفي ذلك، فالصديق بمنعه لميراث رسول الله  من الوصول لورثته قد منع ابنته عائشة رضي الله عنها، ولم يتجه مع ميل الإنسان الفطري بحب ابنته، كما أنه كما ذكر ابن تيمية في منهاج السنة قد أعطى ورثة النبي أضعاف أضعاف هذا الميراث من بيت مال المسلمين، وذلك بعد أن فتح الله على المسلمين قبائل العرب بعد حرب الردة، وبعد أن فتح عليهم فارس، والشام، ثم إن علي بن أبي طالب  سار على نفس نهج الصديق لما تولى إمارة المؤمنين، فعلي  لم يقسم التركة على ورثة النبي ، بل عمل فيها بما كان يعمل الصديق  ولا مجال أيضًا لقول أن السيدة فاطمة رضي الله عنها قد هجرت أبا بكر الهجران المذموم المنهي عنه:

 فأولاً: ليس من المعتاد في شرع الإسلام أن يختلط الرجال بالنساء، ويتقابلوا يوميًّا حتى نقول أن السيدة فاطمة قد هجرت الصديق.

 ثانيًا: السيدة فاطمة كانت تؤدي أمر ربها لها ولآل البيت، وللنساء بصفة عامة {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].

 ثالثًا: السيدة فاطمة كانت مشغولة بمصابها الكبير بوفاة الرسول ، وكانت مشغولة أيضًا بمرضها، فإنها ما لبثت أن مرضت بعد وفاة الرسول

 رابعًا: الصديق نفسه كان مشغولاً جدًّا عن مثل هذه الأمور، فمن المؤكد أنه قد أخرج القضية من ذهنه تمامًا، فقد كان مشغولاً بمصيبة شنيعة هي ردة الجزيرة العربية، وكانت الأحداث متلاحقة بشكل سريع جدًّا، والجيوش تتحرك في كل مكان، واجتماعات الحرب لا تنتهي، والأخبار لا تنقطع، والصديق لا يجد وقتًا لنوم أو لراحة، فكيف له أن يفكر في قضية كان قد حسمها بالفعل وفق سنة حبيبه محمد .

 إذن، بالتفكير المنطقي، والعاقل، والموزون، وبالبحث الجاد عن الصحيح من الأحاديث، والمواقف، وبإتباع الشرع إتباعا حقيقيًّا نرى أن كل الشبهات التي أثارها المستشرقون والشيعة ما هي إلا فقاعات هواء، لا تقوى أمام الحجة والبرهان، والدليل الصحيح، فلا يجب أن يهتز المسلمون أبدًا لهذه التفاهات، ولكن عليهم أن يبحثوا عن تاريخهم في مصادره الصحيحة، ويفقهوه بعقول علمائهم الصادقين المخلصين، لا بعقول المغرضين الطاعنين.

 خـطـبـة الاستخـلاف :

يتبقى في تأريخ هذه الفترة أن نتعرض سريعًا لخطبة أبي بكر الصديق ، والتي ألقاها بعد أن انتخبه الصحابة للخلافة، وسبحان الله، فإن الخطبة على قصرها، وإيجازها كانت بليغة جدًّا، ومحددة لسياسة الصديق  في الحكم، وشارحة للمسلمين وحكامهم الأصول الصحيحة للحكم في الإسلام، والخطبة فعلاً عجيبة، فقد حوت معان كثيرة جدًّا في كلمات قليلة جدًّا، ولذلك فقد أتت الخطبة في صورة بيان، بيان يلقيه زعيم الأمة في استلامه الحكم، تلا فيه قواعد حكمه، القاعدة تلو الأخرى، في صورة تلغرافات سريعة رائعة، قال الصديق في خطبته بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله:

القاعدة الأولى

 أما بعد: أيها الناس فإني قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم

 هذه هي القاعدة الأولى في بيان الصديق ، المساواة بين جميع أفراد الأمة، ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، لا فرق بين الحاكم المحكوم، لا فرق بين الوزير والغفير، فالكِبر المهلك، الكِبر في الحاكم، أو الكبر في الهيئة الحاكمة يسقط الأمة ويهلكها، الكِبر بطر الحق، وغمط الناس {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: 45: 47].

 وهذا هو بطر الحق، أنكروا الحق لأنه أتى من قبل غيرهم. فماذا كانت النتيجة؟

 {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ المُهْلَكِينَ} [المؤمنون: 48].

 الكِبر مهلك، والصديق  وأرضاه يضع قاعدة هامة لكل من تولى أمرًا للمسلمين (لا تتكبر) ها هو أعظم رجال الأمة على الإطلاق بعد رسولها بشهادة نبيها محمد ها هو يقول: قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم.

  القاعدة الثانية في بيان الصديق :

 فإن أحسنت، فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني : قاعدة هامة أصيلة نتجت عن القاعدة السابقة، الحاكم والمحكوم كلاهما طرفان في منظومة واحدة تريد الوصول إلى الحق وإلى الصواب وإلى الخير لهذه الأمة، الحاكم بشر معرض لكل ما يحدث للبشر، من اجتهاد مصيب وخاطئ، ومن رأي سديد وغير سديد، والعلاقة بين الحاكم وشعبه ليست علاقة تنافسية، وليست علاقة تقوم على الحذر والرعب، والإرهاب والخوف، أبدًا،

العلاقة في الإسلام بين الحاكم والمحكوم علاقة لطيفة جميلة رقيقة، كل من الطرفين يحب الآخر، وكل من الطرفين يخاف على الآخر، الحاكم إذا اجتهد فأصاب أعانه الشعب بكل طاقته، وإذا اجتهد فأخطأ وهذا ولا شك وارد الحدوث، بل هو مؤكد الحدوث، فعلى الشعب التوجيه، والتقويم، والإرشاد، وعلى الحاكم أن يقبل النصح في غير ضجر ولا غضب، فالجميع كما يقولون في مركب واحدة، والجميع يريد لهذه المركب السلامة.

 كانت هذه هي القاعدة الثانية من قواعد الحكم في بيان الصديق كما أنه بهذا الكلام قد أرسى قاعدة أخرى هامة، هي قاعدة الشورى، فالحاكم مهما بلغت درجة ذكائه، وفطنته، وورعه، وتقواه يحتاج إلى الآخرين، ليس فقط للنصح، ولكن لأخذ القرار وتنفيذه، ودائمًا يجعل الله البركة في الجماعة والشورى، والاجتماع على الأمر الأقل فضلاً خير من التفرق على أمر فاضل.

 القاعدة الثالثة في البيان الصديقي الرائع:

 الصدق أمانة، والكذب خيانة:  كلمة ثقيلة جدًّا في الميزان الإسلامي، وتستمد ثقلاً أكبر من كونها تأتي من الصديق ، والذي كانت حياته كلها تجسيدًا لمعاني الصدق والوفاء، فيلتقي القول مع العمل، فيحدث للقلب يقينًا كاملاً بما يسمع، الصدق أمانة والكذب خيانة.

 وآه من الحاكم الكذاب، كم من التداعيات الخطيرة تحدث في بلده وفي شعبه نتيجة الكذب، وإن قام الحكم على الكذب والأباطيل والتصريحات الخادعة فلا أمل في القيام، لا طموح في الصدارة، المصارحة بين الحاكم وشعبه أساس رئيس من أسس الحكم في الإسلام، وركن لا بديل عنه لضمان علو الأمة ورقيها، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهَمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابُ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ".

 القاعدة الرابعة الأصيلة في البيان:

 واعلموا أن الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.

 والصديق هنا يرسي قاعدة في غاية الأهمية في بناء الأمم، وفي قيادة الشعوب، وهي قاعدة العدل، ولا تقوم أمة بغير عدل، ولابن تيمية رحمه الله كلمة جميلة في هذا المعنى يقول: إن الله ينصر الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة، ولو كانت مسلمة.

 لقد ذكر ربنا في كتابه الكريم في أكثر من موضع مصير الأمم الظالمة، قال الله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ} [الأنبياء: 11]. وقال: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].

 وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهُمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيف أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".

 لا واسطة في الأمة العادلة، لا اعتبار لقرابة أو لمنصب أو لسطوة أو لمال أو لملك، الاعتبار الوحيد هو العدل، حتى مع من تكره.

 ولا يجرمنكم شنئان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].

 وهكذا فالصديق يعطي درسًا لا ينسى في بناء الأمم، ويضع يده على مقومات الأمة الناجحة، هكذا في بساطة وسهولة، في هذا البيان العجيب.

 القاعدة الخامسة الرائعة: في بيان الصديق:

 لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل

كلمات تكتب والله بماء الذهب، قالها بلسانه، وصدّقها بعمله وأرضاه، ومن أول يوم تولى فيه الخلافة، وهو يجعل الجهاد سبيله، ومن أول يوم تولى فيه الخلافة وهو عزيز، وأمته عزيزة، لأنه لم يعدل عن الجهاد أبدًا، كانت هذه هي أول كلماته عند استلام الحكم، ثم كانت آخر كلماته هي تحفيز عمر بن الخطاب على استنفار الناس للجهاد في أرض فارس مع المثنى بن الحارث، تعلّم دروسًا لا تقدر بثمن من معلمه، ومعلم البشرية رسول الله ، روى أبو داود وصححه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله  قال: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ (نوع من الربا) وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ (أي في زمن الجهاد) وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادِ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ".

 لا بد للأمة الناجحة من أعداء، ولا بد للحق من باطل يحاربه، ولا بد للحق من قوة تحميه، هكذا فقه الصديق وهكذا نجحت الأمة في زمانه.

 القاعدة السادسة الهامة في خطاب الصديق:

 ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء

 قاعدة أخرى أصيلة في بناء الأمم، الذنوب مهلكة، وما أكثر ما ربط الله U في كتابه الكريم بين هلكة الأمم وبين ارتكاب الذنوب {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ} [الأنعام: 6].

 وهكذا لا تقوم الأمة التي تنتشر فيها الذنوب، والميوعة، والخلاعة، والفاحشة، هذا عام على كل أهل الأرض، وخاص بصورة أكبر في أمة الإسلام، قد تظهر الأمة في أعين الناس قوية صلبة منيعة، ومع ذلك فالذنوب تنخر في عظامها، حتى إذا أراد الله لها هلكة حدث السقوط المروع، والانهيار الكامل، وأصابهم الله بأنواع من البلاء ما خطرت على أذهانهم، ولا مرت ببالهم، روى ابن ماجه وصححه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  "لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا".

سبحان الله تظهر الأمراض التي لم نكن نسمع عنها، وما الإيدز في أمريكا مثلاً منا ببعيد، وهكذا يرسي الصديق تلك القاعدة الخالدة في بناء الأمم.

 القاعدة السابعة والأخيرة في بيان الصديق هي أهم قاعدة في كل البيان، وعلى أساسها يفرق بين العدل والظلم، وبين الكبر والتواضع، وبين الصدق والكذب، وبين الجهاد والقعود، وبين الأفعال الحميدة والآثام القبيحة، هذه القاعدة السابعة تحدد المرجعية التي بها نعرف كل هذه الأمور، العدل في رأيك قد يكون مختلفًا عن العدل في رأيي، العدل في مقياس أمة، قد يكون ظلمًا في مقياس أمة أخرى، ما تراه أمة ذنبًا قد تراه أمة أخرى فضيلة..

 إلى أي شيء نرجع؟ وإلى أي شيء نحتكم؟

 يقول الصديق في إيجاز: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم

 فالصديق هنا يحدد ببساطة المرجعية للحاكم وللأمة، المرجعية لا تكون إلا لله ولرسوله الكريم ، أو قل للكتاب والسنة، وهكذا يحدد الصديق مصادر التشريع في أمته، ولا فلاح للأمة في الدنيا، أو في الآخرة إلا باتباع الكتاب والسنة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق..

 أصول ثوابت، تربى عليها الصديق، وخرجت من فمه ببساطة ويسر، ولو تدبرتها لعلمت أن معانيها تحتاج إلى مجلدات ومجلدات.

 وهكذا انتهت الخطبة الموجزة الرائعة، انتهى البيان الجليل، لم يستغرق سوى دقيقتين أو ثلاث، واستمعوا إليه مرة أخرى، كاملاً كما قاله الصديق يوم الاستخلاف، وتخيلوا الصديق يقف في مسجد رسول الله ، والصحابة من حوله يستمعون بإنصات:

 أيها الناس، فإني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، واعلموا أن الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.

 الله أكبر، بناء الأمة الإسلامية القوية، ليس لغزًا من الألغاز، وليس من ضروب المستحيل، ولكن الصرح القوي العظيم يحتاج إلى أساس متين، وها هو الصديق يشرح لنا في إيجاز كيف يكون الأساس لهذا الصرح العظيم.

 بعد هذه الخطبة الجليلة، وهذه المبايعة المباركة ستبدأ فترة جديدة في تاريخ الأمة الإسلامية، ستبدأ فترة عظيمة بكل ما تحمله كلمة عظيمة من معان، ستبدأ حياة قصيرة جدًّا في أيامها، طويلة جدًّا في أعمالها، ستبدأ فترة خلافة الصديق وأرضاه.

 المدة الزمنية لهذه الفترة هي سنتان وثلاثة شهور، أما الأعمال فلا تكفي القرون لأدائها، طبعًا في هذا الكتاب من المستحيل أن نشرح هذه الأحداث، وكان الغرض منه هو شرح ما حدث في سقيفة بني ساعدة، وما دار حولها من أحداث وما ورد على ألسنة المستشرقين والشيعة من شبهات، وكيف يكون الرد عليها، ولم نتعرض في هذه المجموعة لمعظم الأحداث التي تمت في خلافة الصديق وأرضاه، ولكننا سنفرد لها كتبًا أخرى إن شاء الله.

 ومع ذلك فإنه من المستحيل أن نوفي هذا الرجل حقه في التكريم والتبجيل، فكل ما ذكرناه هو ملخص لطرف من حياته، ولست مبالغًا في قول أن دراسة كل يوم من أيام الصديق تعتبر أمرًا حتميًّا لفهم كيف يفلح المؤمنون في الدنيا والآخرة، ولفقه كيف تتقدم الأمم، وكيف تصنع الحضارات.

 وصدق رسول الله إذ يقول فيما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وُزِنَ بِأُمَّتِي فَوَزَنَ بِهِمْ". فرضي الله عن الصِّدِّيق ورضي الله عن صحابة الرسول أجمعين.

 

 

                                

 

 

 

 

 

الباب الخامس

القاديانية .... أفكارها وعقائدها

القاديانية هي أوهام باطله ظهرت أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بقاديان، إحدى قرى البنجاب الهندية، وقامت برعاية الإحتلال الإنجليزي. وحاول الإحتلال أن ينميها وأن يتبني أفكارها بل ويقوم بنشرها قدر المستطاع ؛ وحين أخفق في ذلك فإذا به يختلق لها اسما أخر مخادعا ألا وهو الأحمدية ظنا منه بأننا نحن المسلمين قد لا ننتبه إلى ذلك ؛ ولكن انتبهنا بفضل الله تعالى وسأقوم بعرض الفكرتين الآن ؛ القاديانية والأحمدية لترى بنفسك عزيزي القارئ أنهما إنما خرجا من فكر واحد وبغرض واحد ألا وهو محاربة المسلمين  ولكن ليعلم الجميع بأن الله تعالى غالب على أمره .

تخاريف وأوهام القاديانية

المؤسس : ميرزا غلام أحمد القادياني المولود سنة 1265هـ بقاديان.وقد بدأ ميرزا نشاطه كداعية إسلامي، ثم ادعى أنه مجدد ومُلْهَم من الله، ثم تدرج درجة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود.

 يقول في ذلك: " إن المسلمين والنصارى يعتقدون باختلاف يسير أن المسيح ابن مريم قد رفع إلى السماء بجسده العنصري، وأنه سينزل من السماء في عصر من العصور، وقد أثبتُّ في كتابي أنها عقيدة خاطئة، وقد شرحت أنه ليس المراد من النزول هو نزول المسيح بل هو إعلام عن طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح، وأن هذا العاجز - يعني نفسه - هو مصداق هذا الخبر حسب الإعلام والإلهام"!.

ثم انتقل من دعوى المثيل والشبيه بالمسيح عليه السلام إلى دعوى أنه المسيح نفسه، فقال :" وهذا هو عيسى المرتقب ،وليس المراد بمريم وعيسى في العبارات الإلهامية إلا أنا " ، ولما كان المسيح نبيا يوحى إليه، فقد ادعى ميرزا أنه يوحى إليه، وكتب قرآنا لنفسه سماه " الكتاب المبين "

يقول : " أنا على بصيرة من رب وهّاب، بعثني الله على رأس المائة، لأجدد الدين وأنور وجه الملة وأكسر الصليب وأطفيء نار النصرانية، وأقيم سنة خير البرية، وأصلح ما فسد، وأروج ما كسد، وأنا المسيح الموعود والمهدي المعهود، منَّ الله علي بالوحي والإلهام، وكلمني كما كلم الرسل الكرام".

ويبدو أن دعوى أنه المسيح لم تلق القبول المرجو، ولم تحقق الغرض المؤمل منها، فانتقل من دعوى أنه المسيح النبي إلى دعوى أنه محمد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحقيقة المحمدية قد تجسدت فيه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بُعث مرة أخرى في شخص ميرزا غلام.

 يقول ميرزا : " إن الله أنزل محمدا صلى الله عليه وسلم مرة أخرى في قاديان لينجز وعده "، وقال :" المسيح الموعود هو محمد رسول الله وقد جاء إلى الدنيا مرة أخرى لنشر الإسلام " ثم ادعى أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاتبعه من اتبعه من الدهماء والغوغاء وأهل الجهل والمصالح الدنيوية.

وما تخفي صدورهم أكبر :

رغم تلك الدعاوى العريضة التي ادعاءها ميرزا لنفسه إلا أنه كان ساذجا فاحشا بذي اللسان، يكيل لخصومه أقذع الشتم والسب !!

أما وحيه الذي ادعاه لنفسه فقد كان خليطا من الآيات المتناثرة التي جمعها في مقاطع غير متجانسة تدل على قلة فقهه وفهمه للقرآن، وإليك نماذج من وحيه المزعوم، قال:" لقد ألهمت آنفا وأنا أعلق على هذه الحاشية.

وذلك في شهر مارس 1882م ما نصه حرفيا : " يا أحمد بارك الله فيك، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى . الرحمن علم القرآن، لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم، ولتستبين سبيل المجرمين، قل إني أمرت وأنا أول المؤمنين ، قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .. إلخ " ويقول أيضا :" ووالله إنه ظل فصاحة القرآن ليكون آية لقوم يتدبرون . أتقولون سارق فأتوا بصفحات مسروقة كمثلها في التزام الحق والحكمة إن كنتم تصدقون

وأما نبوءاته فما أكثرها وما أسرع تحققها لكن بخلاف ما أنبأ وأخبر، فمن ذلك أنه ناظر نصرانيا فأفحمه النصراني، ولما لم يستطع ميرزا إجابته غضب على النصراني، وأراد أن يمحو عار هزيمته، فادعى أن النصراني يموت - إن لم يتب - بعد خمسة عشر شهرا حسب ما أوحى الله إليه، وجاء الموعد المضروب ولم يمت النصراني، فادعى القاديانيون أن النصراني تاب وأناب إلا أن النصراني عندما سمع تلك الدعوى كتب يكذبهم ويفتخر بمسيحيته!

ومن ذلك زعمه: أن الطاعون لا يدخل بلده قاديان ما دام فيها، ولو دام الطاعون سبعين سنة، فكذبه الله فدخل الطاعون قاديان وفتك بأهلها وكانت وفاته به، وهو الذي قال " وآية له أن الله بشره بأن الطاعون لا يدخل داره، وأن الزلازل لا تهلكه وأنصاره، ويدفع الله عن بيته شرهما ".

عقائد القاديانية :

1. يعتقد القاديانية بتناسخ الأرواح: حيث زعم ميرزا أن إبراهيم عليه السلام ولد بعد ألفين وخمسين سنة في بيت عبدالله بن عبدالمطلب متجسدا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بُعث النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أخريين أحدهما عندما حلت الحقيقة المحمدية في المتبع الكامل يعني نفسه.

وهذا باطل محض لأن الله تعالى غير عاجز على أن يخلق أنفس وأرواح وأجساد جديدة ثم هل نسي هذا الأحمق أن الله  تعالى ختم الرسالات بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم  كما أنه أي هذا الأحمق قد هلك فهل ننتظر مدع أخر ؟؟؟؟؟؟

2. يعتقدون أن الله يصوم ويصلي وينام ويخطيء، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، يقول ميرزا: " قال لي الله : إني أصلي وأصوم وأصحو وأنام " وقال :" قال الله : إني مع الرسول أجيب أخطيء وأصيب إني مع الرسول محيط ".  

وهذا كفر لأن الله تعالى {ليس كمثله شئ }كما أنه تعالى { لا يسأل عما يفعل } فلمن يصوم الحق ولمن يصلى أيها الأحمق .وهل ينام رب العالمين ؟؟؟ ألم يعلم بأن الله تعالى{ يمسك السموات والأرض أن تزولا } أم أن هذ الأحمق يود زوالهما ليستريح هو وأمثاله ؟؟ ألم يعلم هذا الأبله بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنه ربه تعالى {لست عليهم بمسيطر } فآنى للرسول أن يكون مع الله تعالى محيط بكل شئ ؟

3.  يعتقدون أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، وأن الله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً!! وأن جبريل عليه السلام كان ينزل على غلام أحمد بالوحي، وأن إلهاماته كالقرآن . 

هذه العبارات لا تصدر  إلا من أحمق  هربيد فالشياطين أيضا يوحون إلى هؤلاء  قاتلهم الله آنى يؤفكون

4.  يقولون: لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود ( الغلام )، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعليماته، ولا نبي إلا تحت سيادة "غلام أحمد"، ويعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين، وهو غير القرآن الكريم !!

لقد اختل عقل هؤلاء وسولت لهم انفسهم أن يخالفوا تعاليم الله تعالى فلهم الويل مما يصفون .

5.  يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل، وشريعة مستقلة، وأن رفاق الغلام كالصحابة،كما جاء في صحيفتهم "الفضل، عدد 92 " : " لم يكن فرق بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتلاميذ الميرزا غلام أحمد، إن أولئك رجال البعثة الأولى وهؤلاء رجال البعثة الثانية ".

ونحن نقول :لعن الله اصحاب الميرزا واصمهم واعمى اخبارهم لأنه لا ينبغي ان نشبه الصغاليق اتباع الميرزا بخير الخلق  محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام

6.   يعتقدون أن الحج الأكبر هو الحج إلى قاديان وزيارة قبر القادياني، ونصوا على أن الأماكن المقدسة ثلاثة مكة والمدينة وقاديان ، فقد جاء في صحيفتهم:" أن الحج إلى مكة بغير الحج إلى قاديان حج جاف خشيب، لأن الحج إلى مكة لا يؤدي رسالته ولا يفي بغرضه " .كيف هذا ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!

7.  يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات !!

وليس هذا بجديد على اليهود والنصارى فهم اهله واهل تجارته فلا خلاق لهم ولا دين

8. كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل القاديانية: كما أن من تزوج أو زوَّج لغير القاديانيين فهو كافر !!.

وظنوا أنهم بذلك يخيفون المسلمين ويجعلونهم يسارعون في اللحاق بهم ولكن ما نالهم إلا العكس وهو تلاحقهم لعنات المسلمين صباح مساء

9.  ينادون بإلغاء الجهاد، ووجوب الطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية التي كانت تحتل الهند آنذاك، لأنها - وفق زعمهم - ولي أمر المسلمين!!

وهذا هو المطلوب منهم والذي علي أساسه أقام الإحتلال هذه الفرق الضالة لتتولى عنهم اسكات حمية المسلمين واطفاء روح الجهاد وقتل النخوة والغيرة على الاسلام  والاستماتة في خدمة الإحتلال

10 يعتقد القادياني بأن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية !!

وهذا ليس بجديد عليهم فمن أوحي اليهم بهذا الفكر هم الإنجليز  فلو كان من عند الله ما وجدنا فيه اختلافا 

بعض مخرفي القاديانية :

• الحكيم نور الدين البهريري : وهو أبرز شخصية بعد (الغلام) والخليفة من بعده ، ولد سنة 1258هـ تعلم الفارسية ومباديء العربية .

• محمود أحمد بن غلام أحمد: الخليفة الثاني للقاديانيين، تولى الزعامة بعد وفاة الحكيم نور الدين، وأعلن أنه خليفة لجميع أهل الأرض، حيث قال: " أنا لست فقط خليفة القاديانية، ولا خليفة الهند، بل أنا خليفة المسيح الموعود، فإذا أنا خليفة لأفغانستان والعالم العربي وإيران والصين واليابان وأوربا وأمريكا وأفريقيا وسماترا وجاوا، وحتى أنا خليفة لبريطانيا أيضا وسلطاني محيط جميع قارات العالم ".

• الخواجة كمال الدين: كان يدّعي أنه مثل غلام أحمد في التجديد والإصلاح، وقد جمع كثيرا من الأموال، وذهب إلى إنجلترا للدعوة إلى القاديانية، ولكنه مال للَّذات والشهوات وبناء البيوت الفاخرة.

موقف علماء الإسلام من القاديانية :

لقد تصدى علماء الإسلام لهذه الحركة، وممن تصدى لهم الشيخ أبو الوفاء ثناء الله أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند، حيث ناظر "ميرزا غلام" وأفحمه بالحجة، وكشف خبث طويته، وكُفْر وانحراف نحلته.

 ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبو الوفا على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك "الميرزا غلام أحمد القادياني" في عام 1908م، مخلفاً أكثر من خمسين كتاباً ونشرة ومقالاً كلها تدعوا إلى ضلالاته وانحرافاته.

وقام مجلس الأمة في باكستان ( البرلمان المركزي ) بمناقشة أحد زعماء هذه الطائفة "ميرزا ناصر أحمد" والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود رحمه الله . وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها "ناصر أحمد" عن الجواب وانكشف النقاب عن كفر هذه الطائفة، فأصدر المجلس قراراً باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.

وفي شهر ربيع الأول عام 1394هـ الموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمين بمقاومة خطرها وعدم التعامل معها، وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين .

وقد صدرت فتاوى متعددة من عدد من المجامع والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي، تقضي بكفر القاديانية، منها المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، هذا عدا ما صدر من فتاوى علماء مصر والشام والمغرب والهند وغيرها .

وقفة مع القاديانية

 كثيرة هي الأشياء التي تستدعي الانتباه في ظاهرة القاديانية، لكن ما نراه جديرا بالملاحظة وحريا بالاهتمام هو البحث في جذور نشأة تلك الحركات، وكيف وجدت في البيئة الإسلامية تربة خصبة لنشر أفكارها، مع أنها حركة في لبِّها وحقيقتها وفي ظاهرها وعلانيتها مناقضة لثوابت الدين، مصادمة لحقيقته، فالأمة مجمعة إجماعا قطعيا يقينيا على أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وكل دعوى النبوة بعده فهي ضلال وهوى، هذا غير بدعهم الكفرية الأخرى .

والسؤال الذي يرد هنا، هو كيف أصبح لهؤلاء أتباعاً من المسلمين ؟ ولعل الجواب على هذا السؤال - رغم أهميته - لا يحتاج إلى كبير عناء، فالجهل هو السبب الرئيس وراء اتباع مثل هذه الحركات، ووراءه كذلك تقصير مرير من علماء الأمة وطلبة العلم فيها عن واجب البلاغ، حفظا للدين وقمعا لدعوات البدع والضلال والردة .

وعليه فالعلاج – كما هو واضح - يتركز في نشر العلم وتبليغ الدين، وعدم إهمال أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي، ولو كانت في أطراف الدنيا، حفظا للدين وحتى تسلم الأمة من أمثال هذه البدع المهلكة .

                     الجماعة الأحمدية

الجماعة الأحمدية (بالأردو: أحمدیہ) طائفة إسلامية نشأت في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي في شبه القارة الهندية. مؤسسها هو ميرزا غلام أحمد القأدياني، نسبة إلى بلدة قاديان، في إقليم البنجاب في الهند، حيث وضع أسس جماعته عام 1889، عندما صرح أنه هو المهدي المنتظر ومجدد زمانه، يعيش الأحمديون في كل البلدان التي يوجد بها مهاجرون من شبه القارة الهندية.بعد وفاة مؤسسها انقسمت الجماعة إلى فرعين: الحركة الأحمدية في لاهور وجماعة المسلمين الأحمدية.

بداياتهم

كان أول ظهور لهذه الجماعة في الهند وتحديدا في بلدة قأديان إحدى قرى مقاطعة البنجاب الهندية وذلك عام 1889 على يد ميرزا غلام احمد الذي عاش في الفترة من 1835-1908 والذي قال عن نفسه "انه المسيح الموعود والمهدي المنتظر الذي بشر بأنه يأتي في آخر الزمان"وقد استمر في دعوته حتى وفاته في العام 1908 ليخلفه 5 من (خلفاء الأحمدية) حتى الآن.

تولى خلافة الأحمدية مؤخرا خليفتهم الخامس ميرزا مسرور أحمد والمقيم في لندن حاليا. ويعود تاريخ عائلة مؤسس الأحمدية إلى أصول فارسية، ويعتبر لقب ميرزا بمثابة لقب تكريمي، وكان أجداده قد تركوا خراسان الفارسية في القرن السادس عشر الميلادي في عهد الملك بابر مؤسس الحكومة المغولية في الهند.

وتعتبر الجماعة الأحمدية نفسها جماعة دينية غير سياسية وهدفها التجديد في الإسلام وتقول بأنها تسعى لنشر الدين بوسائل سلمية عن طريق ترجمة القرآن إلى لغات عدة بلغت بحسب مصادر الجماعة 52 لغة عبر العالم.

وتؤكد مصادر الجماعة الأحمدية أنها لا علاقة لها بالسياسة وتتعمد إبعاد الدين عن السياسة كما تؤكد أيضا أنها وأتباعها لن تقود أو تشارك في أي خروج على حكومة أي بلد تواجدت فيها.

وللأحمديين نشاط كبير في أفريقيا، وفي بعض الدول الغربية، ولهم في أفريقيا وحدها مايزيد عن خمسة آلاف مرشد وداعية متفرغين لدعوة الناس إلى الأحمدية

نشط الأحمديون في الدعوة إلى مذهبهم بوسائل عدة. ويوجد في بريطانيا قناة فضائية باسم التلفزيون الإسلامي يديرها الأحمدية.

{ولتعرفنهم في لحن القول }

يقول المؤسس في الله ما تعريبه: إن إلهنا هو ذلك الإله الذي هو حيٌّ الآن كما كان حيًّا من قبل، ويتكلم الآن كما كان يتكلم من قبل، ويسمع الآن كما كان يسمع من قبل. إنه لظَنٌّ باطل بأنه سبحانه وتعالى يسمع الآن ولكنه لم يعد يتكلم.

 كلا، بل إنه يسمع ويتكلم أيضًا. إن صفاته كلها أزلية أبدية، لم تتعطل منها أية صفة قط، ولن تتعطل أبدًا. إنه ذلك الأحد الذي لا شريكَ له، ولا ولدَ له، ولا صاحبةَ له. وإنه ذلك الفريد الذي لا كفوَ له...

 إنه قريب مع بُعده، وبعيد مع قربه، وإنه يمكن أن يُظهر نفسه لأهل الكشف على سبيل التمثُّل، إلا أنه لا جسمَ له ولا شكلَ.... وإنه على العرش، ولكن لا يمكن القول إنه ليس على الأرض. هو مجمع الصفات الكاملة كلها، ومظهر المحامد الحقة كلها، ومنبع المحاسن كلها، وجامع للقوى كلها، ومبدأ للفيوض كلها، ومرجع للأشياء كلها، ومالك لكل مُلكٍ، ومتصفٌ بكل كمالٍ، ومنـزه عن كل عيب وضعف، ومخصوص بأن يعبده وحده أهلُ الأرض والسماء

ويقول أيضا: إن فردوسنا إلهنا، وإن أعظم ملذاتنا في ربنا، لأننا رأيناه ووجَدْنا فيه الحسنَ كله. هذا الكنـز جديرٌ بالاقتناء ولو افتدى الإنسانُ به حياتَه، وهذه الجوهرة حَرِيّةٌ بالشراء ولو ضحّى الإنسان في طلبها كلَّ وجوده.

أيها المحرومون، هلمّوا سراعًا إلى هذا الينبوع ليروي عطشكم. إنه ينبوع الحياة الذي ينقذكم. ماذا أفعل وكيف أقرّ هذه البشارة في القلوب؟ وبأي دفٍّ أنادي في الأسواق بأن هذا هو إلهكم حتى يسمع الناس؟ وبأي دواء أعالج حتى تنفتح للسمع آذان الناس؟ إن كنتم لله فتيقنوا أن الله لكم.

العقيدة

-- يظن الأحمديون أنفسهم مسلمين

-- يؤمنون بالقرآن ؛وبأركان الإيمان جميعها بالله؛وملائكته؛ وكتبه ورسله وبالبعث والحساب

-- وبأركان الإسلام كلها؛ وبأن من غيّرشيئا فيها فقد خرج من الدين.

-- يعتقد الأحمديون أن مؤسس جماعتهم هو "الإمام المهدي"، جاء مجددًا للدين الإسلامي، ومعنى التجديد عندهم هو إزالة ما تراكم على الدين من غبار عبر القرون، ليعيده ناصعًا نقيًا كما جاء به محمد رسول الإسلام الذي يؤمنون بأنه "عبد الله ورسوله وخاتم النبيين"

-- كما ادعى ميرزا غلام أحمد أن مجيئه قد بشر به محمد ونبوءات أخرى في مختلف الأديان، وأنه هو المسيح المنتظر، حيث يفسرون أن المسيح المنتظر ليس هو نفسه عيسى ابن مريم الذي يعتقدون أن لم يمت على الصليب .

يعتقد الأحمديـون أن عيسى ابن مريم :

  • مات ميتة عادية، فلم يُقتل ولم يُصلب، لكنه هو الذي عُلِّق على الصليب وأنجاه الله من الموت عليه، فأُنْـزِل وهو حيٌّ مغشي عليه، ثم هاجر ولسنين أخرى.
  • ومن الملاحظ فإن الأحمديون مختلفون مع المسلمين (السنه)، واننا لو بحثنا لوجدنا أن المسلمين (السنه) يؤمنون بأن المسيح عليه السلام لم يصلب ولم يقتل بل توفاه الله سبحانه وتعالى ورفعه إليه والوفاه يقصد بها الموته الصغرى

(كالنوم فهو موته صغرى) لينزل في أخر الزمان ويقتل المسيح الدجال))، كما جاء في دعوى الصلب في القرأن الكريم :"وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شكٍ منه ما لهم به من علم إلى إتباع الظن وما قتلوه يقيناً * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً*." القرأن الكريم سورة النساء ١٥٥-١٥٩.

من جهة أخرى فالأحمديون يعتقدون أن لا يُسمى مصلوبًا إلا من مات صلبًا، ومن ثم فإن معنى قول الله "شبه لهم") معناه شبه لهم صلبه، أي اشتبه عليهم أنه قد مات على الصليب، وليس معناه شُبه لهم شخص آخر.

كما أن المقصود بنزوله هو مجيء شخص شبيه به من الأمة الإسلامية ((اختلاف الأحمديون مع المسلمين السنة في أن السنة يؤمنون بأن عيسى ابن مريم عليهما السلام هو من سينزل في آخر الزمان كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه)).

 كلمة "خاتم النبيين" تعني أن محمدا هو أفضل الانبياء وأكملهم، وليس آخرهم. وهو مما يوفق في نظرهم بين نبوة مؤسس العقيدة وبين استمرار انتمائهم للإسلام وهنا اختلاف بينهم وبين المسلمين أيضا في أن المسلمين يؤمنون ان الرسول صلى الله عليه وسلم هو "خاتم النبيين" الذي لا رسول بعده .

  • الجهاد القتالي شرعه الله ردًا لعدوان المعتدين، وليس انتقامًا من أهل الأرض غير المسلمين، فمن سالَمَهم سالَموه ومن حارَبَهم حارَبوه. ويؤمنون بأن الإسلام يكفل الحرية الدينية، وأنه نصّ على أن "لا إكراه في الدين"، فلا يُقتل إلا المرتد المحارب.

وجهة نظر المسلمين وبعض من الناس تجاه الأحمدية

الطائفة الأحمدية محظورة في باكستان منذ عام 1974، ويرى جميع فقهاء السنة والشيعة أن الأحمدية "هراطقة وخارجون على الإسلام"، ويرون أنها حركة نشأت في شبه القارة الهندية بدعم من الاستعمار الإنجليزي بهدف إبعاد المسلمين عن مقاومة الاستعمار البريطاني، وذلك حسب عقيدتهم في الجهاد

يطلق البعض على أتباع الطائفة الأحمدية اسم "القاديانية" نسبة إلى مدينة قأديان التي جاء منها مؤسس المذهب.

 

 

 

 

 

 

 

 

بين رجال اللاهوت وزعماء الشيعة

تحدثنا عن زعماء الشيعة والقاديانية فيما سبق وعن دورهم في إفساد الحياة على الناس ومثلهم في هذا مثل بولس وأتباعه وكما تحدثنا عن زعماء الشيعة والقاديانية سنتحدث عن بولس ومن سار على نهجه .  

إن في التناقض بين عيسى وبولس لدى قادة الفكر وكبار رجال اللاهوت وبعض أهل الإختصاص ما يثير العجب العجاب هو كيفية ثبات رجال اللاهوت على هذا الدين رغم وجود الهوة السحيقة بين تعاليم عيسى وبولس، وهذا أمر مؤكد منذ بزوغ فجر المسيحية الأولى، الأمر الذي يعرفه جيداً كل رجل دين إلا أنه يخفي عن شعب الكنيسة وطوائفها،

على الرغم من إدراك معظم قراء الكتاب المقدس لوجود تناقضات به. ومع ذلك يفضلون إضطرابات الفكر وتصدعاته عن الإعتراف بتناقض واحد، ثم تحمُّل نتائج هذه العاقبة.لذلك كان لزاماً علينا هنا أن نشير بكل وضوح إلى التناقض الحاد بين أفكار عيسى وتعاليمه وبين مثيلتها عند بولس، الأمر الذي أقره أكبر المفكرين وأبرزوه جيداً .رجال اللاهوت الغير المتخصصين

وأذكر من بين غير رجال اللاهوت المتخصصين بعض الأسماء القليلة منها :

-- اللورد بولنجبروك (1678 - 1751)،

-- غاندي،

-- المحامي والفبلسوف كارل هياتي (1833 - 1909)،

-- وباحث الطبيعة البروفسور أرنولد هايم ( 1882 - 1961 )،

 وهو قد وجد أن بولس قد ابتعد بعقيدة الذنب المتوارث هذه تماماً عن تعاليم عيسى (إرجع إلى:"صورة العالم تحت مجهر باحث في الطبيعة " Das Weltbild eines Naturforschers " إصدار عام 1944 صفحة 146)،

- وكذلك أيضاً الفيلسوف فرانتس نيتشه

--وباحث الطبيعة زيهر إيمانويل شفيدنبرج

--وبرنارد شو

--وعالم اللغة فريدريش توديكوم

-- وأيضاً شيلنج، -- وجوته، -- و شيلر،-- وفولتير . وهناك الكثير غيرهم .

-ولانبالغ إن قـلـنـا إن أكبر قادة الفكر منذ عصر الإصلاح الديني قد توصلوا لمثل هذه النتائج . أما بالنسة لرجال الدين فهناك العديد من الأسماء التي تملأ الأفق، وهم يؤكدون وجود هذه التناقضات التي بين عيسى وبولس ويثبتونها ومع ذلك فهم أشهر من كتب ذلك وبسببه تعرضوا للنقد أو الخطر ونذكر منهم هذه الأسماء تبعاً للترتيب الأبجدي

- أكرمان، بارت، باور، براون، بورنكام (في كتاب (عيسى) صفحة 207)،

 - بوسّــن في كتابه (Kyrios) صفحة (7) وما بعدها وأيضاً كتابه (طبيعة الدين) Das Wesen der Religion،

-  وبروكنر في كتابه (تمهيد) صفحة (282)،

-  وبولتمان في (تقاليد الإنجيل المتوافقة (Synoptische Tradition الطبعة الثانية إصدار عام 1931 صفحة 154)

-  ودام، ودايسمان، وحاوكل، وجيزبريشت في (ملامح تاريخ الدين الإسرائيلي Grundzüge der israel. Religionsgeschichte

- وجريم، وهيبرلين، وهارنَك في (تاريخ العقائد Lehrbuch der Dogmengeschichte ) وفي كتابه (الرسالة Die Mission)

 - وهارتمان، وفون هيز في (تاريخ الكنيسة " Kirchengeschichte ")

-  وهاوسرات، ويوليشر في (تمهيد " Einleiterng " صفحة 300)

- وكال، وكلوسترمان في (إنجيل مرقس " 470 - Markus صفحة 109

-- وكنويف، وكولر، ولاجارد، ولويز، ومارتي، ومارتج، ونيستل، فون أفربيك، وبفيستر،

- ورادينهاوزر، ورجانس في ( تاريخ المسيح " Die Geschichte der Sache Christi " صفحة (122) وما بعدها)،

 - ورنكه، ورينان، ورايماروس، ورينجلينج، وروزنبرج، وشينكل في (قاموس الكتاب المقدس "Bibellexikon")،

- وشونفيلد، وشوبسس، وشورر في (المسيحية من أجل العالم وبه " Christentem für die Welt und mit der Welt " صفحة 1949)،

- وشتاوفر، وتيريل، وفاينل، وفايتسيكر، وفينديش، وفولفر، وفيردي وسَارند وكذلك أيضاً إدوارد سَــلر .

- وقد بدأت سلسلة هؤلاء الكتاب المناهضين لبولس منذ وقت الإصلاح الديني، فظهر حينئذ: فيلكيف، ويعقوب ليفر، ورويشليكن، وإيرازموس وكارلشتات، وبيترو بمبو .

هؤلاء و كلماتهم

وأهم من هؤلاء هو كلماتهم في هذا الموضوع التى تملأ المراجع والمجلدات، حيث إن المراجع التي تناولت هذه الموضوعات لا تعد ولا تحصى .

والأعجب من ذلك أن شعب الكنيسة لا يعرف عن ذلك شيئاً مطلقاً ! لذلك نذكر هنا على الأقل بعض الكلمات التي تبين قيمة هذه البراهين :

- لاحظ بولينجبروك Bolingbroke (1678 - 1751) وجود ديانتين في العهد الجديد : ديانة عيسى وديانة بولس .

- ويؤكد براون Braun - بروفسور علم اللاهوت - أن بولس قد تجاهل العنصر الإجتماعي في كتاباته تماماً، لذلك نراه قد تجاهل حب الإنسان لأخيه، وقد أرجع إليه إنتشار الرباط الواهن بين الكنيسة والدولة،

والذى أدى إلى قول كارل ماركس: إن الدين المسيحي أفيونة الشعوب (الجريدة اليومية لمدينة زيوريخ Tagesanzeiger إصدار 18/2/72 صفحة 58) .

- أما غاندي Gandhi فيرى أن بولس قد شوه صورة عيسى إرجع إلى كتاب Offene Tore إصدار عام 1960 صفحة 189).

- أما رجل الدين والفلسفة المربى باول هيبرلين Paul Häberlin والتي ترتفع كل يوم قيمته العلمية، فلم يتردد في تعريف الديانة البولسية بأنها قوة الشر نفسها .

 فقد كتب مثلاً في كتابه الإنجيل واللاهوت "Das Evangelium und die Theologie" صفحات 57 -67 ما يلي:

 " إن تعاليم بولس الشريرة المارقة عن المسيحية لتزداد سوءً بربطها موت المسيح عيسى فداءً برحمة الله التي إقتضت فعل ذلك مع البشرية الخاطئة.

- فهو ينادي برحمة الله وبرِّه الإجباري، الأمر الذي لا يمتد بصلة إلى مقومات البر، ولا إلى الرحمة نفسها، حيث لا تجتمع الرحمة والبر الإجبارى. كما نرى أن إدخال الشيطان في العلاقة بين الله والإنسان لها مكانة خاصة في تعاليم بولس بشأن الخلاص، فنجدها ترتبط عنده بآدم، ومرة أخرى بواقع "الشريعة اليهودية" . .

-  "إن أفكار بولس عن الفداء لتصفع بشارة الإنجيل على وجهها. فمسيح الإنجيل هو الفادي، ولكن ليس له علاقة بذلك الفداء الذي يفهمه بولس والذي أصبح مفهوماً بسبب خصائصه المطلقة. أما مَن يعتنقها فيكون بذلك قد ابتعد عن رسالة المسيح عيسى .

- فالإنسان لا يمكن أن يتقبل رسالة الله المتعلقة بالرحمة الإجبارية، ويؤمن في نفس الوقت أنها شيطانية، الأمر الذي تنادي به تعاليم بولس بشأن العلاقة بين أهمية المسيح عيسى وبين آدم .

وليس للمرء أن يفهم إرسال المسيح عيسى بصورة غير مسيحية أي كوحي منزل من الله ليزيل الخطيئة التي ارتكبها آدم في حق الله، وليس للمرء أيضاً أن يتعلق بفكرة الفداء هذه، لأن من يقترف مثل هذا الذنب يكون مصراً على اتباع الخطيئة الشيطانية " ونؤكد مرة أخرى أن تعاليم بولس الشيطانية هذه - تلك التي تبْرَأ منها المسيحية والتي تنادي بالخلاص من خطيئة آدم - لن تخفَّ حدتها، بل ستزداد بتعاليمه عن الرحمة

"وأقوى التعاليم عن اللاهوت الشيطاني وآخرها هي نظرية بولس بشأن اختيار الرحمة، وليس مهماً أن يختلف معها النشاط التبشيري للرسول،

 بل تكمن الأهمية في أنها تعارض الإنجيل نفسه . فإذا ما كانت رحمة الله إجبارية، فلابد لها إذن أن تشمل البشرية كلها، فلو لم يتنصر كل الناس في المستقبل، فسيرهق هذا المسيحي دائماً بدافع الحب في أن يكسب غير الأبرار إلى هذا البر، وإذا ما فشل فسيعتبر هذا قضاء الله، ولكنه سوف يراه بمثابة واقع إلهي."

"وهذا يعني أنه سوف يؤمن برحمة الله. ولكنه سيتألم لأنه ليس كل المؤمنين بها من الأبرار، ويزداد هذا الألم عند إيمانه بأن كل شيء جميل أمام الله، سواء كان هذا كائناً موجوداً أو سيحدث هذا فيما بعد فهو حسن عند الله، فكيف لنا أن نصدر حكماً ضد ذلك."

- "أما تعاليم بولس فتقضي بالنقيض من ذلك وكتب كذلك رجل اللاهوت الذي يتمتع بشهرة خاصة أدولف هارنك في كتابه تاريخ العقائد Die Dogmengeschichte صفحة (93) موضحاً أن: "الديانة البولسية لا تتطابق مع الإنجيل الأساسي".

- كذلك انتهى رجل الدين إيمانويل هارتمان Emanuel Hartmann إلى أن مسيحية اليوم (وخاصة تعاليم الفداء) لا علاقة لها بالمسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، ولكن ترجع أصولها إلى مؤسسها بولس .

- ويوضح بروفسور اللاهوت هاوسرات Hausrat في كتابه (بولس الحواري) " Der Apostel Paulus " أنه لو كان بولس قد بشر فعلاً بتعاليم المسيح عيسى ، لكان وضع أيضاً ملكوت الله في مركز بشارته . فهو يبدأ ديانته التي اخترعها بمفهوم كبش الفداء، فهو يرى أن الله قد أنزل شريعته لتزداد البشرية إثماً على آثامها .

فما تقدره حق تقديره عند عيسى لا تراه يمثل شيئاً مطلقاً عند بولس، الذي تهبط الأخلاق عنده تحت مستوى الشريعة، بدلاً من أن يكملها، كما أراد عيسى ، لأن بولس كان يكره في الحقيقة كل جهد ذاتي .

- والأسوأ من ذلك أن تعاليم بولس قد صدقها الناس في الوقت الذي فعل فيه المسيح عيسى كل شيء من أجلنا .

- أما البروفسور دكتور كارل هيلتي Carl Hilty - فيلسوف ومحامي سويسري شهير- قد لفظ تعاليم بولسس عن الفداء الدموي نهائياً، ووصف تعاليمه عن " اختيار الرحمة " أنها " أحد أكثر أجزاء العقيدة المسيحية ظلاماً " ارجع إلى كتابه ( السعادة : Das Glück الجزء الثالث صفحات 167، 363 ) .

- ويؤكد بروفسور اللاهوت الشهير يوليشر Jülicher في كتابه ( بولس وعيسى Paulus und Jesus إصدار عام 1907 صفحات 52 / 72 ) أن الشعب البسيط لا يفهم تخريفات بولس الفنية ولا المتاهات التي تدخــلنا في أفكاره، فلم يعتبر عيسى نفسه مطلقاً أحد صور العبيد، ولم يتكلم البتة عن قوة تأثير موته : أي موته فداءً، ولم يشغله غير فكرة وجود أرواح طاهرة قبل موته (وقد تبنى بولس هذه الفكرة أيضاً).

- كذلك لاحظ يوليشر من القرائن التاريخية أن النقض كان موجها دائماً إلى بولس. ويضيف أيضا - وهو مُحِقٌ في ذلك - أنه كان من المتوقع أن نُعطي لعيسى الأولوية في ظل هذه التناقضات، إلا أن الكنيسة قد فعلت العكس تماماً، أي أنها فضلت بولس عن عيسى .

- كذلك توصل سورين كيركيجارد Sören Kierkegaard إلى أن السيادة التي نالتها ديانة بولس، ولم يتساءل عنها أحد (للأسف) هي التي غيرت العقيدة المسيحية الحقة من أساسها، وجعلتها غير مؤثرة بالمرة

- كذلك وجد يواخيم كال Joachim Kahl - وهو أيضاً من رجال الدين - أن كل ما يسيء المسيحية فترجع أصوله إلى بولس .أما الكاتب يوحنا ليمان Johnnes Lehmann فقد قال فى نهاية بحثه إن بولس قد قلب تعاليم عيسى رأساً على عقب (ص151 من كتابه Jesus Roport).

- كما ذكر في كتيب ( المسيحية ليست ديناً جديداً Das Christentum war nichts Neues) أن تعاليم بولس عن الفداء بل وديانته نفسها ليست إلا نسخة متطابقة مع الأديان الوثنية التي سبقت المسيحية ( مثل ديانات : أنيس، وديونيس، ومترا وغيرهم ) . وتمثل تعاليمه هذه قلب رسالته .

- والعارفون لهذه القرائن يرون أن عيسى قد رفض هذه الأفكار تماماً،إلا أن نفس هذه الأفكار قد حول بولس بها المسيحية إلى أحد الأديان الوثنية الغامضة، وبذلك نتجت ديانة جديدة تماماً، ولم يكن بإمكانه الإبتعاد عن ديانة عيسى وتعاليمه بصورة تفوق مااقترفه، ومن يُعارض ذلك فلن يلق من أمره إلا الحيرة التامة وسيكون غير موضوعى بالمرة .

- وأكثر الناس معرفةً لهذه القرائن هو رجل الدين الكاثوليكي السابق والباحث الديني ألفريد لوازي Alfred Loisy، وهو قد ساق لنا التناقض الصارخ بين رسالة عيسى وتعاليم الفداء البولسية في أعماله الشاملة : le sacrifice Essai historique sur إصدار باريس عام 1920 وأيضاً Les mystères païens et le mystère chrètien إصدار باريس عام 1930.

- وقد صرح لوازي في أعماله المذكورة أن عيسى لم يكن لديه أدنى فكرة عن مثل هذا الدين الوثني الغامض، الذي أبدله بولس برسالته وعيسى منها بريء

- فقد أقام بولس المسيحية على قاعدة تختلف تماماً عن تلك التي بنيت عليها رسالة عيسى ، لذلك تحولت رسالة عيسى إلى ديانة من ديانات الخرافات الأسطورية، فقد جعل بولس عيسى في صورة المخلّص الفادي التي تعرفها الأديان الأخرى الوثنية، وفيما بعد سيطرت أسطورة الفداء هذه على إنجيل عيسى الذي لم يعتنقه العالم القديم، واعتنق بدلاً منه خرافة أخرى لا علاقة لعيسى بها .

- كذلك تحدث لوازي عن تحول بولس وإنسلاخه، وأكد أن فكرة هذه الديانة الوثنية الغامضة لم تكن فكرة عيسى ، الأمر الذي أبدل روح الإنجيل بروح أخرى تماماً.

- وقال القس البروتستانتي كورت مارتي Kurt Marti ؛ إن بولس قد غيّر رسالة عيسى تماماً (Exlibris Heft إصدار ديسمبر 1973 - صفحة 5) .

 - وقال بروفسور اللاهوت الشهير فرانتس فون أوفربيك Franz Von Overbeck : "إن كل الجوانب الحسنة في المسيحية ترجع إلى عيسى ، أما كل الجوانب السيئة فهي من عند بولس " إقتباس من Ragaz من كتاب ( هل هذا إصلاح أم تقهقر ؟ Reformation vorwärts oder rükwärts? " صفحة 18 .

- ويرى بفيســترفي كتابه (المسيحية والخوف Das Christentum und die Angst صفحة 400) أن الإصلاح الديني هذا فضَل التمسك بتعاليم بولس عن الرسالة الحقة لعيسى .

- كما لاحظ بروفسور اللاهوت الشهير بفلايدرر O. Pfleiderer- بجانب العديد من الرسائل الأخرى المتعلقة بالموضوع - أن وجهة نظر بولس عن عملية الفداء الأسطورية بموت عيسى كانت غريبة تماماً عن الأمة المسيحية الأولى ( كما كانت غريبة أيضاً عن عيسى عليه السلام) (إرجع إلى نشأة المسيحية Die Entstehung des Christentums صفحة 146) .

 وقد ذكر أشياء كثيرة منها:

"إن وجهة النظر الغريبة التي تتعلق بموت المسيح عيسى تقضي بموت المسيحين ونشورهم بطريقة غامضة لم تكن معروفة عند الأمة المسيحية الأولى لذلك لم يَشتق مصطلح الفداء من كلمة التضحية .

وهنا لابد أن نتساءل: أين نبحث عن تفسير أسباب ذلك؟

ويمكن الإجابة عليه بأن الإنسان يمكنه أن يجدها لدى تجربة بولس الشخصية لتحوله الداخلي الذي أدى إلى إيمانه بالمسيح .

وهنا يفرض نفسه سؤال آخر : هل تكفي هذه التجربة الشخصية لتوضيح هذه النظرية، التي قد ساعد أيضاً في انتشارها التخيلات الشعبية عن الإله الذي يموت ثم يحيى من جديد؟ تلك التخيلات الشعبية عن أدونيس وأتيس وأوزوريس كانت منتشرة في ذلك العصر في الشرق الأدنى.

 وهي نفس العقائد ونفس الطقوس المعروفة اليوم في المسيحية مع إختلاف الأسماء فقط فقد كان الإحتفال الرئيسي بالإله أدونيس يتم ربيعاً في العاصمة السورية أنتيوخيا حيث عاش بولس لمدة طويلة .

 فكانت تجرى مراسم الإحتفال كالتالي : أولاً يموت الإله أدونيس ("الرب")، ويدفن جثمانه ( تمثال ) ويصاحب عملية الدفن عويل النادبات، وفي اليوم الثاني تنطلق البشارات معلنة أن الإله يعيش ثم ترفع صورته في الهواء

وفي عيد قيامة الإله أتيس كان القس يدهن فم النائحات بالزيت قائلاً : " لكم الأمن والسلامة أيها المؤمنون، فقد نجا الإله، ولنا أيضاً خلاص من المحن ".

وهذا يعني أن نجاة الإله من الموت هي الضمان لنجاة أتباعه، أما أن يصل هذا عن طريق الإشتراك الغامض في موت الإله إلى الإشتراك في حياته، فهذا ما صورته الأسرار الغامضة عند أتيس وإيزيس وميترا عن طريق هذه الطقوس التي كانت تعرض بصورة رمزية الموت ثم تنزل إلى الآخرة، ثم تصور صعود المتوفي مرة أخرى، وكان يطلق على هذا التدشين " الولادة الثانية لإستمرار الخلاص الجديد " وأيضاً " يوم الميلاد المقدس " .وفي أحد الطقوس الدينية للإله ميترا يقول المتوفي: "أيها الإله : إني أحتضر على أمل الولادة الثانية، حيث أُرفع، ثم أموت في ذلك الوضع، ثم أتحرر من الموت عن طريق الولادة التي تنجب الحياة، ثم أتخذ الطريق الذي وهبتني إياه، كما خلقت الأسرار وحولتها إلى شريعة ".

ومن الملفت للنظر أن وجود هذا التشابه الكبير في متن وطقوس نظرية بولس الغريبة عن موت ونشور المسيح عيسى ومن مات معه أو نُشِرَ معه من الذين عُمِّدوا بإسم المسيح عيسى أكبر من أن يفكر الإنسان في تأثُر الأخير بهذه الوثنية الخرافية .

كذلك يُرجع بروفسور اللاهوت الشهير ليونارد رَجاسَ Leonhard Ragaz إرتداد الكنيسة عن إنجيل عيسى الحقيقي إلى ديانة بولس . فنراه يذكر " البولسية " مقابل المسيحية الحقة، كما لاحظ من بين أشياء أخرى أن " واقع تاريخ المسيحية يثبت أن بولس كان يحتل دائماً المقدمة بينما يتراجع المسيح عيسى عنه " (هل هذا إصلاح أم تقهقر؟ Reformation vorärte oder rükwärts? صفحة 18).

ويذكر كذلك أن " رجال الدين المعتدلين لا يفهمون بولس من الإنجيل، بل العكس هو الصحيح " (إنظر المرجع السابق صفحة 19). ويضيف أن بلوهارت أيضاً قد قال إنه لا ينبغي أن نضع بولس فوق عيسى .

أما موعظة الجبل التي تمثل قلب رسالة عيسى فليست لها أية أهمية عند بولس، بل إنه قد نقضها تماماً في رسالته إلى أهل رومية (وهو الخطاب الذي قال عنه لوثر إنه يُعد بمثابة الإنجيل الصحيح) .

كما فصّل (في كتابه تاريخ المسيح) "Geschichte der Sache Christi" أن الإنحراف الكبير الذي أودى إلى نهاية المسيحية ليرجع أساساً إلى بولس (صفحة 122) .

أما رينان Renan فقد وجد في عصره أن تعاليم عيسى مختلفة تماماً عن تعاليم بولس (ارجــع إلى كتــابه "الحــواريون" "Die Apostel" صفحة 193 طبعة Reclam).

وكذلك تحدث بروفسور اللاهوت رينجلينج Ringeling في كتابه " الأخلاق " "Ethik" عن سفسطة بولس المتحايلة (صفحة 15).

أما الكاتب الكاثوليكي ألفونس روزنبرج Alfons Rosenberg مؤلف في علم النفس واللاهوت - فقد تناول في كتابه (تجربة المسيحية Experiment Christentum" إصدار عام 1969) موضوع بولــس وأفرد له فصــلاً بعنوان "من يقذف بولس إلى خارج الكتاب المقدس؟ " وقد قال فيه :

"وهكذا أصبحت مسيحية بولس أساس عقيدة الكنيسة، وبهذا أصبح من المستحيل تخيل صورة عيسى بمفرده داخل الفكر الكنسي إلا عن طريق هذا الوسيط .

وهذا لا يثبت فقط مقدار الحجم الكبير لهذا الحواري ( بولس ) بل وخطورته أيضاً. فإن كان بولس قد نشر تعاليمه فقط دون تعاليم عيسى ، فإلى أين كانت إذن وجهتنا؟ فربما لا نكون مسيحيين بالمرة بل بولسيين؟

كما يشهد بأهمية بولس الذي أصبح دون قصد مؤسس العقيدة المسيحية وذلك من خلال خطابات الإرشاد التي أرسلها إلى الطوائف المختلفة التي أسسها هو نفسه، وتُعَد رسالته إلى سَالونيكي هي أقدم ما نملكه له من أعمال .

ومما لا شك فيه أن بولس كان لديه نبوغ ديني . وحتى لو ظهر في تاريخ المسيحية تلاميذ للمسيح عيسى بن مريم عليهما السلام اشتهروا بالورع مثل فرانتس فون

 إلا أنه لم يصل مطلقاً لنفس الدرجة التي وصل إليها المبشر ( بولس ) ذو النشاط الذى لايكل، والذي به أنهك نفسه دون مبالاة لتغيير صورة عيسى "كما أرادها هو".

فهو ظاهرة ليست لها مثيل، فعن طريقه انتشرت في عشرات قليلة من السنين بشارة الإنسان الإله عيسى المسيح،

 وأهميته للبشرية كلها كفاديها ومخلصها، وكذلك أيضاً شاعت أهمية موته ونشوره عبر أجزاء كبيرة من منطقة حوض البحر المتوسط .وهو كذلك الذي أسس الطوائف المسيحية في بلدان حوض البحر المتوسط غرباً وشرقاً، وهو أيضاً الذي كون أول نظام طائفي، على الرغم من كون هذا النظام متخلفاً، كما ساهم في تكوين الكنيسة أكثر من أي حواري آخر، عن طريق نشاطه الدؤوب الذي لا يكل لنشر هذه المسيحية الوثنية التي أنشأها هو نفسه .

كما اســتطاع تكوين مفهوماً عن المســيح استمر بعد ذلك ألفين من السـنين عن طريق رسـائله التي أصــبحت فيما بعد جزءاً لا يتجزأ مـن الكتاب المقــدس

وبذلك كون بولس ديانته، التى جاءت خليطاً من عناصر غير متجانسة - وهي بداية المسيحية - كأحد صور الخرافات والأساطير القديمة، كما جاءت من مصطلحات الرواق الأغريقي، ومن حملته المليئة بالكره على الشريعة، وكذلك من تأويله الغامض لمسألة موت المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام على الصليب ونشوره .

وعن طريقه تم أولاً تفسير أقوال المسيح عيسى ، وبذلك كان هو أيضاً أول من دمرها، حيث لم يشر في لاهوته على الإطلاق إلى رسالة عيسى قبل قيامه - وهذا من خصائص تعاليمه - ولم يشر في تعاليمه إلا إلى عيسى التاريخي فقط في أربعة إستشهادات هي : (كورنتوس الأولى 10 : 7 وما بعدها ؛ 9 : 14 ؛ 11 : 23، 25 ؛ سَالونيكي الأولى 4 : 15 - 17) .

ومع ذلك لا تشير جملة منهم إلى قلب رسالة عيسى عن مجيء ملكوت الله. ولم يرو لنا بولس أيضاً شيئاً مطلقاً عن عيسى . فهو لم يكن يعرف شيئاً عن ذلك المعلم، النبي، فاعل المعجزات، المحب الذي كان يتجول على أرض فلسطين .

لذلك نراه يتحدث فقط - وبدون كلل -عن "المسيح الذي رُفع" و "ابن الله" و "الملك" الذي يتم الفداء به عن طريق موته ونشوره .

وكذلك يرجع إلى بولس أيضاً أن فهمت الكنيسة التعميد على أنه موت المسيح عيسى وقبره ثم نشوره، وأنه صُلب فداءً للبشرية كلها .

ويضيف روزنبرج قائلاً : "إن هذا التحول الكبير - الذي يُعد بمثابة تغريب وتشويهاً" لبشارة عيسى السلسة" تحت التأثير السىّء الذي سببته أحاديث نهاية العالم اليهودية ونظريات الفداء الهيللينية - ظهر في رسائل بولس وديانته بوضوح كبير .

ويظهر كذلك التحول بين رسالة عيسى وشرحها عن طريق بولس حيث إن عيسى قد بشّر بقرب حدوث ملكوت الله في أحاديثه وأفعاله، بينما تمت رسالته - عند بولس وحده - بعد النشور وتحوّل الزمن الأزلي وبداية البركة والسلام بموت عيسى ونشوره وارتفاعه دون المساس بالإختلافات العظيمة والتصورات المختلفة". (G. Bornkkamm )

"وبهذا تغيرت العقيدة المســيحية تقريباً من أســاسها بصــورة جوهرية وقد ساعد في ذلك أيضاً خلفاؤه - الحواريون - وأســطورة الخلاص الســلبية عن طريق موت عيسى فداءً عن البشــرية، حتى ولو كان هذا شـريط تغـيير محـتوى الرسالة على أساس التعـمــيد .

وبذلك تحول اهتمام بولس من حياة عيسى المثالية، تلك الحياة جالبة الخير، إلى الخلاص عن طريق موته، وبهذا تحول عيسى إلى " الإنسان الإلهي " معلم وصديق البشرية، المعبود الثاني المقدس .

وإذا ما كان المؤرخون قد أثبتوا منذ زمن بعيد أن صورة عيسى ليست إلا صورة لكثير من آلهة الشرق المشهورين، الذين ماتوا ثم نشروا - لدرجة أنه جمع في "أسطورته الدينية " أساطير الألهة أتيس وأدونيس وميترا وديونيسوس وآلهة أخرى في ريعان شبابها، اشتهرت بجلب الخير والبركة - فتعاليم عيسى إذن ليست جديرة بالقراءة، ولا تستحق حياته الإهتمام طالما أننا نعلم هذا جيداً " .

 " إن الديانة المسيحية التى نشرها بولس بخياله الشعريّ الجريء لتربط إنسانية عيسى بن مريم عليهما السلام الإلهي بأساطير الشرق الأدنى عميقة الغور التي تتعلق بالمخلص الفادى الذي مات ثم قام منشوراً " .

" لذلك جاءت خرافة بولس لا تهتم بحياة عيسى بنفس القدر الذي تهتم فيها بموته، بل أقل، وبذلك توصل بولس إلى فهم خاطيء - رغم أنه رائع - لموت عيسى وهو أنه مات تضحيةً لأجل الجميع : " إن كان واحد قد مات لأجل الجميع، فالجميع إذا ماتوا، وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام " ( كورنثوس الثانية 5 : 14 ) " .

ويواصل روزنبرج قائلاً : " وعلى الرغم من انتقال هذا الإهتمام - الذي جعل ظاهرة "الكنيسة" ضرورية ويمكن تحقيقها - إلا أن بولس كان ذو قوة مبدعة، نادرة الوجود، وذو خيال موهوب، لذلك نرى رسائله تنبض بالأفكار والخواطر كما تتدفق منها تخطيطاته العظيمة.

ولأن بولس لم يهتم بالمسيح عيسى حسب الجسد - مع أنه كلما إزداد إرتباطه بالأرض كلما إزدادت عظمته - ولم يهتم إلا بوجوده الأزلي ككلمة خُلِقَ كل شيء من خلالها، ثم وجوده بعد ذلك كإله ثم رفعه للسماء .

" جاءت صورة عيسى بعد ذلك كتخطيط عظيم لــ "المسيح العالمي" الذي نراه اليوم فقط في كتب تاريخنا، والذي أشار (تايلهارد) Teilhard de Chardin إلى صورته البشرية العظيمة التي تطورت من المسيح إلى نقطة النهاية " .

"ونرى في رسائل بولس التحويلات الدينية والترانيم المؤثرة بجانب العديد من الكتابات المتعلقة بالعقيدة. ومن هذه الترانيم ترنيمة الحب الكبيرة (بالإصحاح الثالث عشر من رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس

"أما مايزعج تلاميذ عيسى في نصوص بولس هو التأرجح الدائم لمستوى التعاليم وتضاربها التي لا يمكن جمعها في معنى واحد، لأنه بجانب المرتل الذكي، فإن هناك المتعصب المتحمس الذي يريد أيضاً أن يتقدم للخطابة، وبجانب العقلاني يظهر السفساط الفريسيّ .

"ولا يمكننا أن نفهم كيف استعان هذا المبشر المتلبس بمسوح المسيح بالوسائل المهذبة - كم أتمنى أن أتجرأ وأقول الوسائل الملعونة - التي كان يستعين بها الأحبار في العصور القديمة لكسب إيمان الناس بالمسيح .

"ولا يمكن أن نفهم أن بولس لم يلاحظ في حماسه هذا أنه يرد الناس بذلك إلى نفس أجواء المعبد ( بيت العلم ) اليهودي، والذي بسبب تعاليمه المادية البحتة اضطر عيسى إلى الخروج إلى العراء لبث تعاليمه التي أراد أن تصل إلى القلوب .

"وهكذا تمكن بولس من وضع السموم لديانة عيسى - التي سُمَّيَت فيما بعد بإسم المسيحية - عن طريق استخدامه الممتاز لنفس الوسائل التي كانت تستعمل من قبل في العصر العتيق للديانة اليهودية المريرة .

"وكانت النتيجة أن جاء هذا الجــدل الغريب المعقد، الذي أصــبح من خصائص اللاهوت المســيحي لـكل المـلل، وعلى الأخص إنســان ذلك العصر الذي ليس لديه مطلقاً الإستعداد أن يتحمل أعباءً إضــافية، عليه أن يتحملها إذا لم يكن هناك تدقيق متزن ليقظــة العقل وجلائه، الأمر الذي يكرهه على الحروب من الجماعات الكنســية، خوفاً من أن يتقبل مثل هذا الفكر العقيم. لقد وصـل الناس إلى حالة ســيئة أبعدهم فيها بولــس عن المســيح بدلاً من أن يقربهم إليه " .

وفي النهاية اهتم روزنبرج بالتناقض الظاهر بين عيسى وبولس في مجال الحب والسلطة فأسهب،

 وكان من بين أقواله :

" كل كلمات الحب التي قالها عيسى تشهد بشعوره بالسمو والحرية تجاهها، وعلى النقيض فإن بولس قد اتخذ موقفاً دفاعياً واعظاً ضد الحب، بل حاول الحد من تأثيره، ولم يسمح من الحياة الجنسية إلا بقدر الإحتياج حتى " لا يحترق المرء " فقوله: "فخير للمرء أن يتزوج بدلاً من أن يحترق" يملأه البغض الحقيقي الذي يقدمه في صورة وعظ.

ويبدو أنه في النصف الأول من اشتغاله بالتبشير بقرب رجوع المسيح قد ساعد في الحط من قيمة الحب : فعلام الإنجاب وتكوين أُسر إذا كان على القريب العاجل سيجيء ملكوت الله كمظهر من مظاهر الآخرة !

وعندما تبين خطأ البشارة بقرب قدومه، وتمسك بموقفه المناهض للمتعة كارهاً "واستحدث للناس التحلل من الشريعة وأوجد الحماس اللازم لذلك، نراه يكاد يُجن من الغيظ والحِمْيَة إذا تعرض لموضوع الشهوة، حتى إنه يتمنى لو كان بإمكانه تعليق بر الإنسان وسلامته بالإبتعاد عن ذلك حتى يضمن ألا يفعلها إنسان، لذلك نجد أن مصطلح الخطيئة عنده متمثلاً في الجنس" .

ولم تُحط الشبهات أفكاره الشيطانية فقط، ولكنها أحاطت موضوع الحب كاملاً، ومنذ ذلك ويسيطر عليه إما النقص وإما الإفراط . لذلك إقتضب نيتشه نتيجة موقف بولس القهري هذا قائلاً: " إن المسيحية أعطت الحب سماً ليشربه، ولم يمت منه، فهو سقيم من يومها " .

وفي الحقيقة إن سلطة بولس التي كانت تعلو سلطة عيسى داخل الكنيسة قد أدت إلى أنه - على الأقل حتى العهد القريب من وقتنا الحاضر - قد أصبح من المستحيل استخدام عطية الله للحب بشكل منزه عن الغرض .

ومن هنا تكونت على حياة المســيحيين الجنســية غمامة ســوداء لزجة بســبب تعاليم بولس لذلك لا غرو - إن قلنا - إن أعمال الإنسـان المعاصر تجاه تحرير الحب قد خرجت يصاحبها العنف والإفراط والغلو، لأن ضغط الكبت الذي أحدثه بولس في الحياة الجنســية كان كبيراً جداً لدرجة إضطرت المرء إلى مجابهته بقوة عن طريق الإفراط في الإنفعالات التي ســببت أضراراً بدورها للقطب الآخر .

ولن يهدأ الوضع الحالي ويَصْفى إلا إذا تراجعت الكنيسة بصورة نهائية عن الإتهام الموجه لطاقة الحب وكبته، الأمر الذي اكتسبته الكنيسة من تعاليم بولس .

أما بشأن وضع السلطة والحكم فيختلف عيسى جذرياً عن بولس، كما يختلفان في نقاط عديدة، فإن بولس هنا يناقض سيده بصورة بشعة . فعلى الرغم من كون عيسى أحد الثوار إلا أنه لم يهاجم السلطة، ولم يصرح بشرعيتها فقد كان ينظر إلى أصحاب السلطة نظرة واقعية وموضوعية حصفاء .

فتبعاً لإنجيل مرقس ( 10 : 42 ) " أنتم تعلمون أن الذين يحسبون رؤساء الأمر يسودونهم وأن عظماءهم يتسلطون عليهم " فنجد عيسى يعرف ممارسات رؤســاء الأمم وعظمائها تماماً وينصح تلاميذه أن لايكونوا أمثالهم .

وكذلك نجده تجاه الجزية التي تدفع لقيصر ( متى 22 : 17 وما بعدها ) " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ( 22 : 21 ) : حيث كانت العملات آنذاك تحمل صورة قيصر، وتبعاً لذلك فهو يملكها، وستعود له في صورة ضريبة . لذلك جاء حكمه أنه ينبغي أن يعطي ما لقيصر لقيصر، ولكن أيضاً أن يعطي ما لله لله . وبهذا فهو يضع الحاكم في تضاد صريح مع الله، على الرغم من كونه واقعاً أرضياً .

إلا أن بولــس قد قرر النقيض تماماً : فتبعاً لرســالة إلى رومية 13 : 1 وما بعدها يقول : "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة . لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتَّبة من الله . حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة" يرى أن السلطة العليا من الله. لذلك وجَبَ على كل مسيحي أن يطيعها من أجل الله، وليس تعايشاً مع الواقع الأرضي. ومن أجل هذا نراه يطلق على رجال السلطة وموظفي ضرائبهم "خدم الله" .

والأدهى من ذلك أنهم قد لا يمكنهم الوصول إلى رُقي فكر عيسى - الشاذ في نظرهم ! فبهذه التوجيهات التي تتعلق بحسن تصرف المواطن المتدين قد جلب بولس على المسيحية بلاءً لا نهاية له، وربما حدث حسن التصرف من وجهة نظر القيصر الروماني صاحب السلطة وأتباعه الذين احترس منهم  أتباع الطوائف المسيحية بصورة خاصة لأنه تسبب في عدم ثقة المسيحيين حتى عصرنا هذا تجاه موقفهم من الدولة .

ومع ذلك فإن الخنوع والإستسلام الذليل لكثير من المسيحيين يرجع أيضاً إلى بولس، وإذا ما ثاروا وقرروا قتل حاكمهم الطاغية، فهم يفعلون ذلك بدافع من مقاومة ضميرهم البولسيّ الخفيّ  الأمر الذي أدى في النهاية إلى شلل سياسيّ، وإعاقة تحمل الشعب للمسئولية السياسية .

وإذا ما أردنا أن ينتهي هذا الإنفصام الذي لا تُحمد عقباه لدى المسيحيين بشأن إختلاف العقائد الدينية مع العلاقات السياسية الضرورية، فلابد لنا من مخالفة المباديء البولسية التي تفرضها الكنيسة والمتعلقة بألوهية السلطة ورحمة الله بأصحابها تبعاً لرسالة بولس إلى أهل رومية 13: 1 وما بعدها، تماماً مثل ما قام به الأسقف ديبليوس منذ عدة سنوات بصورة جريئة. ولكن لا يُدرج مثل هذا التصرف للأسف إلا ضمن الإستثناءات .

إن آراء بولس بشأن مناح الحياة المختلفة المتعلقة بالحب والسلطة والسياسة لتدمج في نظريتين من النظريات الكثيرة صعبة الفهم لحواري الشعوب هذا الذي استشهد دائماً بعيسى ، ولكنه لم يكن له مطلقاً ما كان لعيسى من طهارة القلب والروح، بل كثيراً ما ناقض معلمه في المسائل الفاصلة .

إن هذا التناقض الذي يغرق تعليمات بولس تجاه مثيلتها عند عيسى لواضحة - ويعرف علماء الدين أيضاً الكثير من المباديء والأراء الخاصة ببولس - قيمه الروحية الخاصة بالحياة المسيحية والخاصة بالمواطنين والتي أصبحت غير مستخدمة، بل أصبحت معاقة وغير صالحة لتأدية الواجبات المنوطة بها .

فهنا وهناك تنهار نظريات بولس وادعاءاته - في السر أكثر منها في العلن - وتخرج عن نظامه، ولكن لا يكفي هذا للقضاء على الإنفصام الذي أصاب المسيحيين، فلابد للكنيسة أن تتنصل من الأسس البولسية - التي لم نذكر منها إلا القليل - والظاهر أن فضيلة الإستقامة لم تتأصل في الكنيسة لدرجة تستبعد معها الضلالات من مناح حياة أتباعها من أجل المسيح عيسى ومن أجل خلاص وسعادة البشر .

ولا يسعنا إلا أن نؤيد أتلبرت شتاوفر Ethelbert Stauffer في قوله: "إني لأحتج على موقف الحواري بولس الإحتكاري في بشارتنا المسيحية.. بل إني لأقاوم وضع الكتاب المقدس كاملاً أو رسالة عيسى في حالة تطابق تام مع رسالة بولس دون فحص".

وعلى أية حال فسيكون هذا الإقدام صعب، حتى ولو تم استبعاد بعض أجزاء فقط من تعاليم بولس من كيان الفكر المسيحي وأخلاقه، لأنه من الممكن أن يؤدي إلى زلزلة مبنى الكنيسة نفسه .

وانطلاقاً من هنا يجب أن يؤخذ في الإعتبار تردد رجال الدين وأصحاب المناصب، على الرغم من أن مثل هذا التردد يدفع دائماً بالكثيرين من المؤمنين إلى ترك الكنيسة، وهم في حالة إزدياد مستمر .

من المعروف أيضاً أن لوثر كان يتمسك ببولس، الأمر الذي يجعلنا نقول اليوم بوضوح إن هذا الإصلاح الديني قد حدث كما لو كان تم هذا في زقاق مغلق، لذلك كانت مسيحية لوثر بولسية أيضاً .

ويقول روزنبرج نقلاً عن هانــس بلوهر Hans Bluher : من المعروف " أن بولس رمى الشريعة إلى خارج الكتاب المقدس . والآن من يقذف بولــس نفسه خارجها؟ فمن الصعب اســتبعاد إنســان يتمتع بأهمية كبرى - إلا أن هذا لابد منه - وإذا ما تم هذا بصورة جذرية، فســيحصل العالم على وعد (قيل مرة في وقت ســيء) يبشــر بالنصر عند ظهور هذه العلامة.

ويصور لنا أحد أشهر علماء اللاهوت البروفسور ألبرت شفايتزر Albert Schweitzer التناقض بين عيسى وبولس في كتابه ( ملكوت الله والمسيحية Gottes Reich und Christentum صفحة 192 ) قائلاً : وعلى النقيض من المسيحية الأولى فسّر بولس موت عيسى بأنه مرتبطاً بمغفرة الخطايا ( ارجع إلى "الدولة والمسيحية" Staat und Christentum صفحة 276).

وفي الحقيقة إن ألبرت شيفايتزر يعتبر بولس من المتصوفين، ولكنه يرفضه تماماً كمدرس أو أحد أتباع العقيدة المسيحية .

كذلك لاحظ هوج شوفيلد Hugh J. Schofield أن الهرطقة البولسية قد أصبحت أساس الأرثوذكسية (العقيدة المسيحية السليمة)، وبهذا ابتعدت الكنيسة الرسمية عن الطريق المستقيم (استشهاد لدي ليمان في كتابه Jesusrepot صفحة 163) .

أما برناردشو Bernhard Shaw - وهو أحد أصحاب الأقلام الدينية - فقد خلف لنا رأياً هاماً وجديراً بالإعتبار في الوقت نفس، وقد كتبه بأسلوب يختلف عن أسلوب رجال اللاهوت الملتوي الحذر، وقد جاء هذا في كتيب له بعنوان ( آمال المسيحية Die Aussichten des Christentum إصدار برلين عام 1925 ) نعرضه هنا بدلاً من تكراره كثيراً على لسان كُتَاب آخرين، فقد انتهي شــو إلى أن بولس قد قام بنشر تعاليم أخرى تماماً غير التي جاء بها عيسى ، فغير دين عيسى ( صفحة 102 )،

 وترك ملايين من البشر تحت رحمة سيطرة الخطيئة والخوف منها، بدلاً من أن يقودهم إلى الحرية العظيمة التي كان ينبغي أن يتمتع بها أولاد الله (رومية 8 : 21) كما أراد عيسى وكما وعد بولس أيضاً، حتى كانت فطرتهم أنفسهم مصدر إزعاج لهم، كذلك جدّد فكرة الخلاص القديمة والتي لم يرد عيسى إلا تحرير البشرية منها، أما بولس فقد ألقى على أظهر الناس حملاً ثقيلاً من الخطيئة، بل ورسخه رسوخ الجبال لا يتحرك بدلاً من أن يحررهم منه .

 وبموهبته الأدبية صاغ شو الآتي :

" توصلنا إلى أن عيسى لم يكد يطرح تنَين الكفر أرضاً حتى أوقفه بولس على قدميه مرة أخرى بإسم عيسى عليه السلام دون مبالاة" (صفحة 105).

" لا يوجد نصاً على الإطلاق خاطب فيه عيسى البشر قائلاً : " اذهب واخطأ بقدر ما تستطيع، ويمكنك أن تحملني هذه الذنوب " ( صفحة 106 ) .

" كذلك لم ير عيسى أن يسفك دمه حتى يتمكن كل نصاب أو خائن أو فاسق من التخبط في بؤرة الخطيئة، ثم يخرج منها أنصع بياضاً من الجليد، فمثل هذه الكلمات لا يمكن أن تنسب لعيسى ذاته " ( صفحة 106 ) .

وقال أيضاً: "إن مسيحية بولس لتعد بحق أكبر العوامل المشجعة على ارتكاب المعاصي حتى يومنا هذا، ويرجع هذا إلى التقدير الكبير الذي كان يتمتع به " (صفحة 107).

إن الحساب الحاد الذي أجراه شــو مع مسيحية بولس ليحتوي على صيغ أخرى كثيرة غير هذه، كما يحتوي أيضاً على حجج ســديدة،

ونحن ننصح أيضاً بقراءة كتب شتاوفر E. Stauffer الذي تعرض في الكثير من مؤلفاته في العصر الحديث إلى التناقضات الواقعة بين عيسى وبولس، منها (عيسى وبولس ونحن Jesus, Paulus und wir إصدار هامبرج 1961) و (رسالة عيسى Die Botschaft Jesu إصدار دالب 1959) و (عيسى : الصورة والتاريخ Jesus Gestalt und Geschichte إصدار دالب 1957 والقدس وروما 1957) .

ومن الكتاب البارزين المميزين في مجال اللغات القديمة التي كتب بها الكتاب المقدس، وكذلك في مجال الدين والحضارة القديمة البروفسور توديكوم Fr. Thudichum الذي أبرز إستحالة تطابق تعاليم عيسى مع مثيلتها عند بولس بشكل حاد، وقد ساق لنا هذا التناقض بإسهاب في كتابه ( التحريفات الكنسية Kiechliche Fälschungen الجزء الثالث، إصدار لايبتسج 1911) تحت عنوان " القديس بولس " .

أما اليســوعي السابق تيرل Tyrell (وقد تم طرده وحرمانه من الكنيسة لهذا السبب) استطاع أن يقول إن البروتستانتية الحرة ( كلها  ) يجب أن نعترف أن تعاليم الصُّلح بموت عيسى ترجع فقط إلى بولس ( صفحة 68 ) .

كما كان بروفســور اللاهوت الشــهير فانيل Veinel يُعلم دائماً أن نظرية الفداء البولســية لا ترجع إلى عيســى ، بل لم يعرف عنها أية شيء، ولم يســتمر دين عيسى كما أنزل، وكما كان هو يُعلمه، بل تغيرت صورته تماماً بعد موت عيسى مباشرة، فقد طالب عيسى بالتجديد المعنوي، إلا أن هذا قد أصــبح شــيئاً جــديداً بالمــرة (ارجع إلى كتابه "لاهوت العهد الجديد Biblische Theologie des neuen Testaments إصدار عام 1911 صفحات 204 - 210 وعلى الأخص صفحة 187) .

ومن جملة ما لاحظه بروفسور اللاهوت الشهير فيردي Werde أن عيسى لا يعرف شيئاً عن هذه التعاليم التي أصبحت عند بولس أساس دينه الذي بشر به (ارجع إلى ليمان Lehmann في كتابه Jesusreport صفحة 161).

وكذلك يؤكد قس الكنيسة الكبيرة ببازل البروفسور ألبرت فولفر Albert Wolfer أن تعاليم بولس شيء مختلف تماماً عما كان عيسى يعلمه أتباعه، فقد حول بولس الإيمان بعيسى إلى كفر مطلق، ومن تعاليمه إلى تعاليم عنه، وأحل وأبدل كل شيء. (ارجع إلى كتابه: مسيحية الغد Das Christentum von morgen إصدار عام 1949. ارجع مثلاً إلى صفحات 12، 14، 46).

وقال بروفسور اللاهوت الشهير تسَــارنت Zahrndt جملته الشهيرة : "إن بولس هو المتهم الأول في إفساد إنجيل عيسى" (ارجع إلى كتابه : هكذا بدأت بعيسى الناصري Es begann mit Jesus von Nazareth إصدار عام 1960 صفحة 46).

ويقول جونتر بورنكام Günther Bornkamm في الطبعة الثانية من كتابه (بولس Paulus إصدار شتوتجارت لعام 1970صفحة 122): "لم يحاول بولس أن يجهد نفسه بالمرة لبث تعاليم عيسى الأرضي، ولم يتحدث مطلقاً على الرّبى = المعلم عيسى الناصري النبي وفاعل المعجزات، مُجالِس العشارين والخطاة، ولم يتحدث كذلك عن موعظة الجبل أو أمثال ملكوت الله، أو حربه ضد الفريسيين والكتبة، ولم يصادفنا في خطاباته ما هية الصلاة الربانية ولو بصورة عابرة، إلا أن هناك أربعة مواضع فقط ذكرها مختلفة تماماً ولا تمثل صلاة عيسى الحقيقية، وقد ذكرها في (كورنثوس الأولى 7 : 10وما بعدها، 9 : 14؛ 11 : 23، سَــالونيكي الأولى 4 : 15) . .

ويقول الطــبيب النـفـســاني فيــلهــلـم لانج أيشباوم Wilhelm Lange Eichbaum في كتابه (العبــقرية والجنون والشهرة Genie, Irrsinn und Ruhm ) : "إن ما نســميه اليوم بالمســيحية ما هو إلا تعاليم إبتدعها بولــس، ويجب أن نطــلق عليها" البولسية " لنقترب أكثر من الحق" .

 ويقول المؤرخ الديني فيلهلم نستل Wilhelm Nestle في كتابه (أزمة المسيحية Krisis des Christentums إصدار عام 1947 صفحة 89): "إن المسيحية هي الدين الذي أسسه بولس ليبدل إنجيل عيسى بإنجيله هو " .

ويقول عالم اللاهوت أوفربيك F. Overbeck في كتابه (من مخلّفات المسيحية والحضارة Christentum und Kultur - aus dem Nachlaß; إصدار عام 1919) أن البولسية التي أنشأها بولس ترجع إلى تأويله الخاطيء وتحريفه لتعاليم عيسى الحقيقية، ويرجع إليه هذا التأويل الخاطيء وكذلك تعاليم الخلاص عن طريق موت عيسى فداءً - والتي تمثل قلب المسيحية التي تتبناها الكنيسة إلى حقائق البحث الحديث في اللاهوت وتاريخ الكنيسة، "لذلك نجد أن كل الجوانب الحسنة في المسيحية ترتبط بعيسى ، وعلى العكس من ذلك فإن كل الجوانب السيئة ترجع إلى بولس".

وبتعاليم الخلاص هذه التي تقضي بتضحية الإله بإبنه الأول تمكن بولس من الرجوع إلى عالم الخيال الذي عاشت فيه الأديان البدائية السامية في عصور ما قبل الميلاد، والتي تطلبت من كل أب الفداء الدموي بذبح أول أبنائه، وقد مهد بولس أيضاً الطريق للخطيئة الأزلية والثالوث الإلهي والتي أصبحت فيما بعد من التعاليم الأساسية لدى الكنيسة.

وفي بداية القرن الثامن عشر لاحظ الفيلسوف الإنجليزي اللورد بولنجبروك Lord Bolingbroke ( 1678 - 1751 ) وجود ديانتين في العهد الجديد مختلفتين تماماً : ديانة عيسى وديانة بولس ( مقتبسة من هـ . أكرمان H. Ackrmann في كتابه Einstellung und Kärung der Botschaft Jesu إصدار عام 1961 ) .

كذلك يفرق كل من كانت Kant و ليسـينج Lessing و فيشته Fichte و شيلينج Schelling بصورة حادة بين تعاليم عيسى وتلك التي ابتدعها "الحواري". وهناك أيضاً عدد كبير من اللاهوتيين البارزين والمعاصــرين يتبنون هذه الحقائق ويؤيدونها .

إن بولس هذا المتعصب الذي لا يعرف الصبر له مكاناً والذي تختلف تعاليمه عن تعاليم حواري عيسى بصورة جوهرية لهو "مؤسس التعصب". وقد حفر بتعصبه هذا خندقاً بين "المؤمنين" و "غير المؤمنين"، فلم يكن يعنيه تعاليم عيسى ولا حتى كلامه، ولم يهتم إلا بتعاليمه الذاتية، فقد رفع بولس عيسى على العرش وجعله " المسيح "، وهذا الشخص الذي لم يرد عيسى أن يأخذ مكانه.

وإذا تمكنا اليوم من التأويل السليم والفهم الصحيح للمسيحية، والذي يُمكّننا بدوره من التخلص من التحريفات البينة واسترجاع رشدنا والتوجه إلى تعاليم عيسى الحقيقية، وإلى قلب الدين الخالص، ففي هذه الحالة فقط يمكننا التصالح إنطلاقاً من العلم العميق للقرائن التاريخية مع كل التحريفات عن طريق إدراك أنه بدون بولس ومن يماثله من المتعصبين الذين لايعرفون لوناً آخر غير التعصب، ربما لن يتبق اليوم أية تعاليم أخرى من تلك التي كان عيسى ينادي بها .

ويقول اللاهوتي جريم Grimm: "لم يكن عيسى الحقيقي يعرف أن هذه التعاليم قد استحوزت على المسيحيين بهذا العمق".

ويقول إيمانويل سفيدنبورج Emanuel Swedenborg في (مذكرات من العقل Geistiges Tagesbuch صفحات 4412، 6062 : " اتضح لي من الخبرات التي اكتسبتها من مجالات مختلفة أن بولس هو أسوأ الحواريين، فقد ظلت الأنانية تلازمه، تلك الأنانية التي كانت تملأه من قبل، حتى بشر بالإنجيل . . . .

فقد فعل كل شيء من أجل أن يكون الأكبر في السماء ويقضي بين بني إسرائيل، أما كونه لم يتخلص من هذه الأنانية التي تملأه، فهذا ما اتضح لي من خبرات متعددة. فإنه نوع من البشر الذي استبعده الحواريون الآخرون من جماعتهم، ولم يعدوا يُعدُّونَه أحدهم، ويبدوا أنه كان فى صحبة أحد أسوأ الشياطين الذي جعل تصبو نفسه إلى السيطرة على كل شيء وإذا ما وصفت كل ما أعرفه عن بولس فسوف يملأ هذا مجلدات.

أما حقيقة أنه كتب هذه الرسائل فهي لا تدل على إذا كانت هذه طبيعته أم لا . . . وهو لم يذكر أيضاً في رسائله حرفاً واحداً مما نادى به معلمه، وكذلك لم يذكر مثلاً واحداً مما تكلم به عيسى ، حتى إنه لم يتناول أية شيء عن حياة معلمه أو عن خطبه، حتى ولو كانت قد حُكيت له، بينما تجدها عند الإنجيليين هي الإنجيل نفسه".

وقال أيضاً: "تكلم بولس في الحقيقة بدافع من الوحي، ولكنه ليس مثل وحي الأنبياء، الذي يُملي عليهم الكلمات المختلفة التي بها يتكلمون، ولكن وحيه يظهر في أنه كان يسيطر عليه شيء يتفق تماماً مع ميوله ونزعاته الداخلية، ومثل هذا النوع من الوحي مختلف تماماً وليست له علاقة بالسماء عن طريق الإستجابة والتلبية".

كما جاء في إرسال إذاعة راديو بافاريا بتاريخ 3/1/1971 عن سيكلوجية بولس الآتي: قال فريدريش هير Friedrich Heer ( وادعاً من السماء والجحيم Abschied von Himmel und Hölle ) إن أخطر وقائع المسيحية أن بولس هو الذي أسسها، ويرجع هذا التأسيس إلى خلَلِه العقلي  

وفي خطاب مفتوح وجهه إلى محكمة الجزء السويسري (89) طــالباً يدرسون اللاهوت و (6) معيدين قالوا فيه : يجب علينا فحص كتابات بولس بدقة متناهية فلا يمكنكم أن تتخيلوا النتائج العقيمة التي أحدثتها بعض النصوص البولسية في التاريخ (نقلاً عن Evangelische Woche بتاريخ 12/3/1971) وهو هنا يقصد على الأخص (رومية 13: 5 - 1) .

وعندما نتكلم عن نصوص بولس وتأثيرها السيء التي سببته ولازالت تحدثه، فيمكننا أن نقتضب الآتي من الكثير غيره: " فإنه إن كان صدق الله قد إزداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان أنا بعد كخاطيء " (رومية 7:3) .

ويرى أوتو زيك Otto Seek في الجزء الثاني من كتابه ( تاريخ إضمحلال العالم القديم Gesschichte des Untergangs der antiken Welt صفحة 21 ) أن هذا النص هو مصدر عدم وضوح الكنيسة وازدواجها، كما لاحظ أن بمثل هذا النص يمكن للمرء أن يبدأ إقتراف بعض الأشياء شرط أن يجيد فن تأويل النصوص وتفسيرها.

وعندما نقرأ النص الآتي: "ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة، فبالأولى أمور هذه الحياة" (كورنثوس الأولى 6 : 3) فلا نحتاج معه لسؤال آخر لنعرف من أين أتى جنون الكثير من المسيحيين الذين يؤمنون باصطفائهم، بالإضافة إلى تكبُّر الكثير من رجال اللاهوت.

وأحب أن ننهي كلامنا هذا برأي أحد الأقلام الكاثوليكية الشهير لدى دار النشر "Offene Tore " (الكتيب الثالث لعام 1961)

وهو يقول :

" أنتم تعرفون أنَيَ كاثوليكي، وفي طريقي إلى قدس الأقداس، وقد أدهشني هذا الإختلاف الجوهري الرهيب بين تعاليم عيسى وبولس، ولم أكن لأرتضي ذلك أبداً، وفي الحقيقة فإن هناك أيضاً أقوال لبولس لتُعد بحق نموذجاً في الحكمة والجمال . وبجانب ذلك فإن هناك أيضاً أقوال مُسممة حرفياً مصابة بالغرغرينا أصابها الورم بسبب الدخان،

 لدرجة أن نظرة واحدة يلقيها الإنسان على الإنجيل لتطمس معالمه تحت دخنها، وأعتقد كذلك أننا لا نظلم كتابات الحواري بولس، ولكننا نعطيها قدرها المناسب إذا ما أسميناها - كما ستفعلون (تبعاً سفيدنبورج) - "كتب الكنيسة" .

ويبدو لي أن موضوع المسيحية أو البولسية يتمتع باهتمام كبير جداً وفي أيامنا هذه تبنى إيتلبرج شتاوفر هذا الموضوع - وهو أيضاً الذي أثار هذه الفضيحة - وحتى لو قام أيضاً بهذا بشكل راديكالي بنفس الطريقة التي يشتهر بها اللاهوت البروتستانتي، وتطرف في نظرياته بلا حدود، فسيكون محقاً : فنحن نريد أن نسمع عيسى ونحاوره .

في عام 1920 كنت على علم بمسألة مصير المسيحية في المستقبل ( راجع كتاب الإنتصار على البولسية Die Überwindung des Paulinismus ) .

عن طريق كتاب هانس بلوهر Hans Blüher (Aristie des Jeseus von Nazareth) وهو كتاب يتمتع - على الرغم من كل الأخطاء التي يحتويها - ببصيرة حادةٌ تناولت طبيعة عيسى ومبادئه"

لماذا تصر الكنيسة على التمسك بكتب بولس ؟

من الملفت للنظر أن الكنائس الكبيرة لم تتهيأ لإخراج كتابات بولس من الكتاب المقدس لتنقيحها ، على الرغم من أن الحاجة إلى الإصلاح تكاد تكون قد وصلت إلى أبعد من كونها الآن ضرورة مُلحَّة ،

ويبدو من النظرة الأولى أن المقاومة التي تَلْقاها عملية إلغاء رسائل بولس من الكتاب المقدس في بعض الدوائر الدينية الجديدة مثيراً للتساؤل ، حيث يكمن الدافع هنا في أن يتمكنوا من توضيح موقف الكنائس بصورة ما تجعلها تسقط أساساً من الحسبان . وهم أناس لم ينتظر منهم مثل هذا الموقف الذي يدافعون فيه عن بولس بهذه الصورة غير المتوقعة ، لأن مراكزهم التعليمية تتناقض تماماً مع مثيلتها عند بولس .

إلا أنهم على الرغم من ذلك يتولون الدفاع عنه ، بل إنهم يبحثون عن حجج ، تؤثر بدورها في موقفهم هذا تأثيراً سلبياً يثير الشبهات حولهم.

 والسبب في ذلك يرجع إلى الآتي :

1- سكوت الكنائس الكبرى ومعارضتها ومقاومة رجال الدين بالكنيسة .

ويرجع سبب دفاعهم عن بولس وتركهم إياه كل هذا الوقت في مركزه التقليدي بل وموافقتهم على وجوده في الكتاب المقدس إلى الأسباب الآتية :

 أ - أن بولس كما قلنا سابقاً هو الذي يقدم لهم الأساس الإنجيلي الوحيد لفهم سلطة الكنيسة التي تمارس حتى اليوم ، وإذا لم يتمسك قانونها الأساسي ( الكتاب المقدس) بآراء بولس تجاه الدولة ورجال السلطة وأغنياء العالم ، فسوف يفقد رجال الكنيسة وكنيستهم حماية الدولة المعروفة لهم فوراً ، وبالطبع فهم يدركون تماماً ما أسداه له الإصحاح (13) من رسالة بولس إلى أهل رومية بشأن الدولة من خدمات ساعدت في تحقيق طموحهم في سياسة القوة عبر القرون .

ونحن نعي تماماً أن طبيعة الإنسان تفرض عليه ألا يستسلم للفشل دون مقاومة .

ب - والأهم من ذلك هو أن بولس يضمن لرجال الأكليروس36 - وهم أيضاً بشر  التمتع بنصيب ضخم من ثروات هذا العالم (السلطة والجاه والثراء)، بينما يعجز بل ويفشل كل من يتبع الأناجيل ويربط حياته بإنكار الذات والفقر والخدمة والزهد،

فمن يمكنه في العالم أجمع أن يتخلى عن الجاه والهيبة والمرتب الضخم والسلطة أضف إلى ذلك ضمانه لمكانة ممتازة في " السماء " ؟!!!!!!!!!!!!!!

وبينما نرى عيسى يُلزم تلاميذه إلزاماً قاطعاً بعدم طلب أجر على خدمتهم الروحية ، نرى بولس يؤكد - هنا على الأخص على رجال الدين - أن الذين يخدمون المذبح يعيشون أيضاً منه*، لذلك نرى البولسيّ الكبير كارل بارت Karl Bart قد كرس نفسه دون أن يوخذه ضميره للمطالبة رسمياً بمرتب أعلى من تلك التي حددته له الحكومة عام 1927 وهو (12000) فرانك سويسري (ارجع إلى كتاب " الدولة والكنيسة في إقليم برن Staat und Kirche in Kanton Bern إصدار 1951 صفحة 44).

 ومن المعروف أن القساوسة لدينا يطالبون بمرتبات عظيمة ويحصلون عليها، بجانب الخدمات الإضافية ( من المساكن الفخمة والسيارة والمعاش وغيره)** أما الأساقفة فيحصلون على مكافآت ضخمة حتى أمكنهم العيش في سرايات و قصور بمعنى الكلمة

ونسى رجال الكنيسة الذي ينبغي لهم أن يتشبهوا بتلاميذ عيسى الأوفياء أن عيسى قد حرّم على تلاميذه، بل أبى عليهم إصطحاب كيس نقودهم معهم عند تأدية أية عمل ، كما ألزمهم العيش من إحسان الشعب عليهم

 وبينما يلزم عيسى تلاميذه أن يكون كل منهم " الأصغر " بصورة حقيقية (وليست فقط كلاماً مثل "خدم الله") إلا أن بولس يقترح عليهم بوضوح كاف أن يحكموا ، بل لتمتد أوامرهم بقدر الإمكان لتخرج من الكنيسة . وهذا ما كانت تفعله الكنيسة دائماً (تيموثاوس الأولى 4 : 11 ؛ 1 : 3) " كما طلبت إليك أن تمكث في أفسس إذ كنت أنا ذاهب إلى مكدونية لكي توصي قوماً أن لا يعلموا تعليماً آخر" الأمر الذي يعبر بصدق عن نية رجال الدين الكنسيّ .

وهذا النظام الصارم المتدرج للكنيسة المسيحية، قد تطور وكمل تماماً في عصر الإضطهاد الديني للمسيحيين، وقد أثر هذا النظام أيضاً على قسطنطين الأكبر تأثيراً كبيراً، لأنه وافق طباعه المستبدة ، وكان يخدم أغراضه .

كما قال عيسى لتلاميذه الفقراء إن من يبحث عن المجد والإكرام عند الناس ، فيجب ألا ينتظره عند الله، إلا أن بولس قد قال: "اعطوا الإكرام لمن له الإكرام" (رومية 13 : 7) ، وقد دعّم رأيه هذا من أجل رجال الأكليروس بقوله في ( تيموثاوس الأولى 3 :1؛ 3 :13) "لأن الذين تسموا حسناً يقتنون لأنفسهم درجة حسنة وثقة كثيرة في الإيمان الذي بالمسيح يسوع"

 لهذا يبحث رجل الإكليروس عن المجد بلا حدود، لدرجة أن بعض الحكام الدنيويين قد ملأتهم الغيرة والحسد على المجد الذي ناله رجال الإكليروس . وقد تفاقم هذا الأمر إلى أن طلب أحد الأساقفة على عهد قسطنطين على أحد المآدب أن يقدم إليه أولاً الكأس ثم يقدم بعد ذلك إلى القيصر

بل إن بولس قد بلغ أبعد من ذلك فقد زكّى الطموح البغيض لنيل مكانة رجال الأكليروس ، حيث قال : يا له من شيء جميل أن يتطلع الإنسان إلى وظيفة أسقف! وهذا ما لم يكرره رجال الإكليروس مرة ثانية ، لذلك يقص علينا المؤرخون أن رجال الإكليروس كانوا يتنازعون على مناصب الأسقف بشكل جد منحط .

 وعلى الأخص مكانة البطريرك في القرنين الرابع والخامس حيث كانوا يلجأون إلى كل الوسائل* لنيل هذا المنصب . وقد أصبحت مثل هذه الخصومات فيما بعد لا تتم عادة بشكل علني .

ج - كذلك يكن رجال اللاهوت تقديراً كبيراً لبولس لا لسبب  إلا أنه كان أول لاهوتي وعلى النقيض من عيسى الذي رفض علم اللاهوت كله ، وتكلم عن رجال الدين بصورة أسوأ ما تكون ، فقد أعلى بولس من شأن مكانة المعلم، والتعاليم نفسها، وعلى الأخص  الأورثوذكسية ، وبالتالي كان ذلك الأساس الذي أدى إلى تطلع المرء ليس فقط إلى مهنة تعليمية لدى الكنيسة بل أيضاً إلى ظواهر أخرى مثل محاكم التفتيش واضطهاد مخالفي العقيدة.

ولم يكن هذا ليحدث لولا وجود بولس الذي أدى إلى إعلاء شأن تعاليمه واللاهوت والإمتيازات التى يتمتع بها النظام الكنسي.

ويجب أن نذكر أنه لم يكن بين حواري عيسى الحقيقيين الذين قام هو بإختيارهم عالم واحد -ولم يكن أيضاً- على الأخص -لاهوتي ولا كاتب ولا فريسيّ.

د - تبين لنا أحد نقاط الضعف الإنساني - وهو شيء طبيعي - أن الكنائس ورؤســائها ليس لديهم أية إهتمام بمسألة إخراج بولس وكتاباته من الكتاب المقدس . وكان يمكننا أن نتفهم - لولا أن هذا شيء مرتبط بالحق وإعاقة الأعمال الوحشية - أن الكنيسة لا تريد إخبار مؤمنيها بهذا وإلا ضاع ما حرصت عليه لمدة 2000 عام ، وأنها ما كانت تحتفل به وبتعاليمه ولسقط إلى أسفل سافلين (على الأخص أن الكنيسة قد استولت على المكانة التعليمية لعيسى وتركت له المذبح فقط، الأمر الذي لا يخيفها، حيث لا توجد خطورة منه تجاهه

وأهل العلم يعرفون أن 90% من العقائد الأساسية التي تتمتع بها المسيحية التقليدية اليوم تقوم على نصوص بولس

ومن هنا نفهم خوف الكنيسة من أن لاتعيش مطلقاً بعد مفاتحة شعبها بهذا ونفهم هذا الخوف الطبيعي من النتائج إذا ما تدبرنا أن أهم العقائد الرئيسية للكنيسة وتعاليمها ترجع أساساً إلى بولس .

وبالتخلي عن بولس يجب أيضاً على كل الكنائس ليس فقط مراجعة معظم وأهم عقائدها وتعاليمها بل التخلي عنها ببساطة ويسر. وهذا يتطلب بالطبع قوة غير عادية لإفهام المسيحيين أنهم قد أخطأنا لمدة 2000 عام في تعاليم هذه العقائد ونشرها.

هـ - لذلك يضايق الكنائس ورجال الإكليروس أن يخرج بولس من الكتاب المقدس لأن كتاباته تحتوي أيضاً على نظرية " Fünfer- und Weggli-Theorie" التي تقضي بإمكانية إنقاذ المرء دون أدنى مجهود يقوم هو به، وعلى الأخص عن طريق المعروف الذي أسداه إلينا المسيح عيسى ، بينما تبوء كل محاولة فريدة لتخليص النفس بالفشل ، وتعد خطيئة* .

وربما تخشى الكنائس عن حق من الضمور الكبير الذي يمكن أن يحيط بها إذا ما طلبت من الشعب مستقبلاً - تبعاً لتعاليم عيسى أن ينكر نفسه ويُكرهها على الدخول في " ملكوت السموات " .

ونقول في الحقيقة ذلك للشعب لأن الإنجيل قد نادى به ، أما عقيدة بولس وتعاليمه عن خلاص البشرية من كل جهد ذاتي فستكون دائماً تحت أقدامنا .

 ومن كل هذه الأسباب التي يمكن مضاعفتها بسهولة، يتنازل رجال دين الكنيسة عن عيسى بسهولة ويسر أكثر من أن يتركوا بولس يخرج من الكتاب المقدس .

لذلك أصبح من الميسور أن نرى لاهوتي المسيحية قد بدأوا يجحدون عيسى وينكرون وجوده بكل صراحة، لأنه يمكنهم الحياة بدونه ، لكن صَعُبَ أن يحيوا بدون بولس ، الذي أصبح عندهم بمثابة حجر الزاوية الحقيقي .

وتحت كل هذه الظروف التي سُقناها أصبح من الواضح أن الكنائس ورجالها قد بذلوا ما في وسعهم لكي يضمنوا السلطة العليا للكتابات البولسية ، التي يساوونها بالأناجيل وتظل هذه السلطة العليا باقية ما بقيت كتاباته، تعامل معاملة أجزاء الكتاب المقدس، وتعتبر ( ككلمة الله المعصومة ) مقدسة في أعين رجال اللاهوت والشعب المؤمن ( وهو إفتراض كان لابد أن يتم القضاء عليه منذ زمن بعيد وعلى الأخص عندما نفكر أن جزءا كبيراً جداً من نصوص الكتاب المقدس قد يكون أى شيء إلا أن يكون مقدساً

وربما كان هذا طبيعي بالنسبة لرجال اللاهوت لدرجة يصعب معها أن يتركوا بولس أو يخرجوه من الكتاب المقدس .

2 - أما إعتراض الطوائف الأخرى فهو يرجع جزئياً إلى نفس هذه الأسباب التي إعترضت عليها الكنائس، وذلك لأن رؤساء الطوائف يحبون أيضاً أن يتمتعوا بالمجد وأن يكونوا داخل طائفتهم أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة، الأمر الذي مكنهم بولس منه.

ويضاف إلى ذلك أيضاً شيء مختلف تماماً : وهو أن التشكك في الكتاب المقدس يتضمن بداهة الإختلاف، أي الحكم الشخصي على درجة صحة ودرجة حقيقة كل جملة وكل جزء من أجزاء الكتاب المقدس، وهذا ما لا ترغبه الطوائف المسيحية، فهم يريدون التمسك بشيء ثابت ومُلزم حتى يمكنهم القول : "الكتاب يقول هنا كذا . . . . وكفى" .

وبالمناسبة فإن قادة الطوائف المسيحية غير مثقفين ، ولذلك فهم غير مؤهلين بالمرة لإبداء الرأي والإختلاف فيه .ولا يستطيع صغار المفكرين بداهة الإستغناء عن التمسك بنص مقدس محدد . (ارجع إلى كتاب " الدين العالمي Universelle Religion " إصدار عام 1983

-- من الخطأ أن نضع البيض كله في سلة واحدة ، فإن المفكرين الدينيين الجدد لا يزالون مختلفين تماماً على أن التخلص من تعاليم بولس أمرا متاح ، ولكن يمكننا أن نقوم ببعض المحاولات للتوضيح :

أ - يكمن الدافع عند البعض - الأمر الذي دلّلت عليه بعض صيغ الرسائل البولسية  أن أية كلمة لبولس قد أصبحت نصهم الخاص المفضل لديهم ،ومما يثير التعجب أن مثل هؤلاء الناس يحسون بخطورة إفتراضاتنا هذه على نصوصهم المفضلة إليهم ،

وربما لم يلاحظوا أن المدافعين عن هذا الإفتراض الذي أمامكم لا يهمهم إطلاقاً إستبعاد بولس تماماً عن الدين ، ولكن ما يهمهم هو عدم إعتبار رسالاته وكتاباته مقدسة ، وعدم مساواتها بكلمات الله المعصومة ، وعدم تمتعها بسيادة مطلقة كما كانت منذ قرون عديدة بسبب الأخطاء الفادحة الكثيرة التي تملأها ، والتي كان لها عواقب لا تحمد .

يتمتع أغلب المدافعين عن بولس الذين ينتمون إلى الطوائف الدينية المختلفة بمثل هذه الدوافع ، وغالباً ما يكون هؤلاء الناس على إقتناع متسرع بعدم استمرار تأملاتهم هذه إذا ما افترضنا عليهم - مستخدمين أيضاً نفس هذه الحقوق - قداسة نصوص جوته والكثير من الأدباء الآخرين - حتى نيتشه الذي لاقى الكثير

ب -ونلاحظ عند بعض المدافعين عن بولس في الديانات الجديدة أنهم لا يريدون إخراج بولس من الكتاب المقدس - تماماً مثل الكنائس - لأن نصوص بولس أو أفكاره تلعب دوراً هاماً في نظامهم الدنيوي الذي لا يكادون يعلنون عنه ، وربما كان الجزء البولسيّ في نظامهم هو مفهومهم المفضل إليهم ، والذي يخشون عليه من الإنهيار - مثل بيت مبني بأوراق الكوتشينة - إذا ما خرج بولس من قانونية الكتاب المقدس .

وغالباً لا يوجد ما يعلل هذا الخوف الذي يتملكهم (على عكس ما نجده لدى الكنائس الكبيرة)، إلا أننا نتفهم هذا من جانب هذه الطوائف، الأمر الذي أدى بهم إلى الدفاع عن إنهزام بولس .

ويبدو أن هذه الخطوة ليست كبيرة لدرجة أن نتجاهل بشكل غير موضوعي الحجج التي لابد أن يُسلَّم بها ، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة لابد لهم أن يتحملوها .

إن العقبة التي تقف أمام هؤلاء الناس الذين ينتمون إلى معسكر الطوائف الدينية الجديدة يكمن في أنهم قد سجلوا نصوص بولس ضمن نصوصهم في تقليد غير واع لما يألفه اللاهوتين بصفتها نصوص الكتاب المقدس بالمعنى التقليدي ، ولا يرون إمكانية التراجع فيها بعد ذلك.

جـ - وهناك الكثيرون ممن يدافعون عن بولس يقومون بهذا بدافع تقديرهم الكبير له، حيث ساهمت القرون العديدة في تعظيم ذلك الرجل لديهم .

ويجب التنويه هنا إلى أنه لا يعنينا إسقاط شخص بولس . فقد أكدنا من البداية أننا نعتبر بولس أحد المحاربين  ، ولكن ليس هذا بعد سبباً في إتخاذ كلامه مساوياً لكلام الله، أو يعلوا علو السماء عن كلام أية شخصية دينية أخرى، أو أنه غير مصرح بنقده ، وإلا لكان المرء أعلن دون تردد أن كلام غاندي وآرائه على سبيل المثال تتمتع بعصمة الله المطلقة على الرغم من أنها ذات قيمة أكبر بكثير مما تتمتع به نصوص بولس د - ويجب أن نقول أيضاً أنه هناك الكثير من معتنقي الديانات الطائفية الجديدة يجدون صعوبة في التآلف مع أفكار جديدة وتقبلها . " فقد كان بولس دائماً جزءاً من الإنجيل ، ولذلك ينبغي أن يظل أيضاً هكذا " .

" وإذا كان الأمر كذلك فعلى اليابانيين منذ ثلاثين عاماً أن يقولوا : " إن قيصرنا كان دائماً إلهنا، ولابد له أن يظل أيضاً كذلك! " ومن المعلوم أن مثل هذا الوضع يعيق كل تقدم وتطور .

هـ - وأخيراً نشير إلى أحد البراهين الساذجة التي تكاد تخيف المرء أن يناقشها وهي تقابلنا كثيراً جداً بشكل يدعوا للتعجب ، ومع ذلك فهو لا يع كيف يمكننا مهاجمة بولس ورفضه

 

وفي الحقيقة فأنا لا أفهم كيف يستخدم إنسان ذكي هذا كحجة على صحة كلامه ، فإذا ما ادعى أحد أنه صاحب الحــق والوريث الشرعي الذي يبحثون عنه منذ عدة سنوات لمليونير كبير متوفي ؛ فلن يجد قاضياً يحكم له بأنه الوريث فقط لأنه قال ذلك. وقد قال عيسى نفسه: "إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حق" (أى إنها ليست ذات قيمة) (يوحنا 5 :31)*.

ولا ينبغي لنا أن نقبل أية تعاليم فقط من أجل سُلطة قائلها وعلى الأخص في المسائل التي تتعلق بالعقيدة ، حتى بوذا نفسه قد قال إنه لا ينبغي لنا أن نؤمن فقط من أجل أنه قال ، بل فقط نقتنع به بعد التفكير فيه بأنفسنا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب السادس

الدروز

الدروز فرقة باطنية تؤلّه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، أخذت جل عقائدها عن الإسماعيلية، وهي تنتسب إلى نشتكين الدرزي. نشأت في مصر لكنها لم تلبث أن هاجرت إلى الشام. عقائدها خليط من عدة أديان وأفكار، كما أنها تؤمن بسرية أفكارها، فلا تنشرها على الناس، ولا تعلمها حتى لأبنائها إلا إذا بلغو سن الأربعين.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
- محور العقيدة الدرزية هو الخليفة الفاطمي: أبو علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي الملقب بالحاكم بأمر الله ولد سنة 375هـ / 985م وقتل سنة (411هـ /1021م)، كان شاذًا في فكره وسلوكه وتصرفاته، شديد القسوة والتناقض والحقد على الناس، أكثَرَ من القتل والتعذيب دون أسباب تدعو إلى ذلك.
-
المؤسس الفعلي لهذه العقيدة هو: حمزة بن علي بن محمد الزوزني (375هـ –430هـ): وهو الذي أعلن ألوهية الحاكم سنة 408هـ ودعا إليه، وألف كتب العقائد الدرزية، وهو مقدس عندهم بمثابة النبي -محمد صلى الله عليه وسلم- عند المسلمين.
-
محمد بن إسماعيل الدرزي المعروف بنشتكين، كان مع حمزة في تأسيس عقائد الدروز إلا أنه تسرع في إعلان ألوهية الحاكم سنة 407هـ مما أغضب حمزة عليه وأثار الناس ضده حيث فر إلى الشام وهناك دعا إلى مذهبه وظهرت الفرقة الدرزية التي ارتبطت باسمه على الرغم من أنهم يلعنونه لأنه خرج عن تعاليم حمزة الذي دبر لقتله سنة 411هـ.
-
الحسين بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأخرم أو الأجدع وهو المبشر بدعوة حمزة بين الناس.
-
بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموقي المعروف بالضيف: كان له أكبر الأثر في انتشار المذهب وقت غياب حمزة سنة 411هـ. وقد ألف كثيرًا من نشراتهم من مِثل: (رسالة التنبيه والتأنيب والتوبيخ) و(رسالة التعنيف والتهجين) وغيرها. وهو الذي أغلق باب الاجتهاد في المذهب حرصًا على بقاء الأصول التي وضعها هو وحمزة والتميمي.
-
أبو إبراهيم إسماعيل بن حامد التميمي: صهر حمزة وساعده الأيمن في الدعوة، وهو الذي يليه في المرتبة.
ومن الزعماء المعاصرين لهذه الفرقة:
1  - كمال جنبلاط: زعيم سياسي لبناني أسّس الحزب التقدمي الاشتراكي وقتل سنة 1977م.
2
 - وليد جنبلاط وهو خليفة والده كمال جنبلاط في زعامة الدروز وقيادة الحزب.
3
-  د. نجيب العسراوي رئيس الرابطة الدرزية بالبرازيل.
4
-  عدنان بشير رشيد رئيس الرابطة الدرزية في أستراليا.
5
 - سامي مكارم الذي ساهم مع كمال جنبلاط في عدة تآليف في الدفاع عن الدروز.
الأفكار والمعتقدات:
- يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله ولما مات قالوا بغيبته وأنه سيرجع.
-
ينكرون الأنبياء والرسل جميعًا ويلقبونهم بالأبالسة.
-
يعتقدون بأن المسيح هو داعيتهم حمزة.
-
يبغضون جميع أهل الديانات الأخرى والمسلمين منهم بخاصة ويستبيحون دماءهم وأموالهم وغشهم عند المقدرة.
-
يعتقدون بأن ديانتهم نسخت كل ما قبلها، وينكرون جميع أحكام وعبادات الإسلام وأصوله.
-
حجَّ بعض كبار مفكريهم المعاصرين إلى الهند متظاهرين بأن عقيدتهم نابعة من حكمة الهند.
-
يقولون بتناسخ الأرواح وأن الثواب والعقاب يكون بانتقال الروح من جسد صاحبها إلى جسدٍ أسعدَ أو أشقى.
-
ينكرون الجنة والنار والثواب والعقاب الأخرويين.
-
ينكرون القرآن الكريم ويقولون: إنه من وضع سلمان الفارسي، ولهم مصحف خاص بهم يسمى المنفرد بذاته.
-
يرجعون عقائدهم إلى عصور متقدمة جدًا ويفتخرون بالانتساب إلى الفرعونية القديمة وإلى حكماء الهند القدامى.
-
يبدأ التاريخ عندهم من سنة 408هـ، وهي السنة التي أعلن فيها حمزة ألوهية الحاكم.
-
يعتقدون أن القيامة هي رجوع الحاكم الذي سيقودهم إلى هدم الكعبة وسحق المسلمين  في جميع أنحاء الأرض، وأنهم سيحكمون العالم إلى الأبد ويفرضون الجزية والذل على المسلمين.
-
يعتقدون أن الحاكم أرسل خمسة أنبياء هم حمزة وإسماعيل ومحمدًا الكلمة وأبو الخير وبهاء.
-
يحرِّمون التزاوج مع غيرهم والصدقة عليهم ومساعدتهم، كما يمنعون التعدد وإرجاع المطلقة.
-
لا يقبل الدروز أحدًا في دينهم، ولا يسمحون لأحد بالخروج منه.

أقسام المجتمع الدرزي
-
ينقسم المجتمع الدرزي المعاصر من الناحية الدينية إلى قسمين:
أ- الروحانيين: بيدهم أسرار الطائفة وينقسمون إلى: رؤساء وعقلاء وأجاويد.
ب- الجثمانيين: الذين يعتنون بالأمور الدنيوية وهم قسمان: أمراء وجهال.
أما من الناحية الاجتماعية فلا يعترفون بالسلطات القائمة إنما يحكمهم شيخ العقل ونوابه وفق نظام الإقطاع الديني.
-
يعتقدون ما يعتقده الفلاسفة من أن إلههم خلق العقل الكلي، وبواسطته وجدت النفس الكلية، وعنها تفرّعت المخلوفات.
-
يقولون في الصحابة أقوالاً منكرة منها قولهم: الفحشاء والمنكر هما أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما
-
التستر والكتمان من أصول معتقداتهم، فهي ليست من باب التقية، إنما هي مشروعة في أصول دينهم.
-
مناطقهم خالية من المساجد ومن ذكر الله، ومع ذلك قد يدعي بعضهم الإسلام أحيانًا للمصلحة.
-
لا يتلقى الدرزي عقيدته ولا يبوحون بها إليه ولا يكون مكلفًا بتعاليمها إلا إذا بلغ سن الأربعين وهو سن العقل لديهم.
من كتب الدروز:
 1 -  لهم رسائل مقدسة تسمَّى رسائل الحكمة وعددها (111) رسالة، وهي من تأليف حمزة وبهاء الدين والتميمي.
 2 - لهم مصحف يسمى (المنفرد بذاته)
 3 - كتاب النقاط والدوائر لعبد الغفار تقي الدين البعقلي قتل سنة 900هـ.
 4  - ميثاق ولي الزمان: كتبه حمزة بن علي، وهو الذي يؤخذ على الدرزي حين يُعرف بعقيدته.
 5  - النقض الخفيّ: وهو الذي نقض فيه حمزة الشرائع كلها وخاصة أركان الإسلام الخمسة.
 6 - أضواء على مسلك التوحيد: د. سامي مكارم.
الجذور الفكرية والعقائدية:
 1 - تأثروا بالباطنية عمومًا وخاصة الباطنية اليونانية متمثلة في أرسطو وأفلاطون وأتباع فيثاغورس واعتبروهم أسيادهم الروحيين.
 2  - أخذوا جل معتقداتهم عن الطائفة الإسماعيلية.
 3  - تأثروا بالدهريين في قولهم بالحياة الأبدية.
 4 - تأثروا بالبوذية في كثير من الأفكار والمعتقدات.
5
- تأثروا ببعض فلاسفة الفرس والهند والفراعنة القدامى.
الانتشار ومواقع النفوذ:
- يعيش الدروز اليوم في لبنان وسوريا وفلسطين.
-
غالبيتهم العظمى في لبنان ونسبة كبيرة من الموجودين منهم في فلسطين المحتلة قد أخذوا الجنسية الإسرائيلية وبعضهم يعمل في الجيش الإسرائيلي.
-
توجد لهم رابطة في البرازيل ورابطة في أستراليا وغيرهما.
-
نفوذهم في لبنان الآن قوي جدًا، وكان لهم دور كبير في الحرب اللبنانية وعداوتهم للمسلمين لا تخفى على أحد . وهم يعملون مع اليهود في منطقة نابلس ولكنهم متوزعون وهم في الجيش الإسرائيلي مثلهم كمثل الشيعة في أفغانستان حين وضعهم الأمريكي بلدوزر بالمقدمة بوجه طالبان وفي العراق أيضاً .
في سوريا قراهم كثيرة في الجولان وكان هناك حاكم بسوريا اسمه سليم حاطوم من قرية دبّين وهو الذي قاد الإنقلاب على أمين الحافظ بمنتصف الستينيات 1966
الدروز لايتوانون بأن يقولوا لك السلام عليكم ويخوضوا معك حديث وكأنهم مسلمين حتى لا تعلم بأنهم دروز  
مبادؤهم :
أ ) يقولون بالحلول ، فهم يعتقدون أن الله حل في علي رضي الله عنه ثم حل في أولاده بعده واحداً بعد واحد حتى حل في الحكام العبيدي أبي على المنصور ابن العزيز ويؤمنون برجعة الحاكم وأنه يغيب ويظهر.
ب ) التقية ، (أي النفاق والتستر ) فهم لا يبينون حقيقة مذهبهم إلا لمن كان منهم بل لا يفشون سرهم إلا أمنوه ووثقوا به من جماعتهم .
ج ) عصمة أئمتهم ، فهم يرون أن أئمتهم معصومون من الخطأ والذنوب بل ألهوهم وعبدوهم من دون الله كما فعلوا ذلك بالحاكم .
 
د ) دعواهم إلى الباطن ، فهم يزعمون أن لنصوص الشريعة معاني باطنية هي المقصود منها دون ظواهرها وبنوا على هذا إلحادهم في نصوص الشريعة وتحريفهم لأخبارها و أوامرها و نواهيها .

التقمص عند الدروز
أما إلحادهم في الأخبار فإنهم أنكروا ما لله من صفات الكمال وأنكروا اليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء من جنة ونار واستعاضوا عن ذلك بما يسمى التقمص أو تناسخ الأرواح وهو انتقال روح الإنسان أو الحيوان عند موته إلى بدن إنسان أو حيوان آخر عند بدء خلقه لتعيش فيه منعمة أو معذبة وقالوا دهر دائم وعالم قائم وأرحام تدفع وأرض تبلع ، وأنكروا الملائكة ورسالة الرسل واتبعوا المتفلسفة المشائين أتباع أرسطو في مبادئه ونظرياته
التكاليف عند الدروز

وأما إلحادهم في نصوص التكليف من الأوامر والنواهي فإنهم حرفوها عن موضعها فقالوا الصلاة معرفة أسرارهم لا الصلوات الخمس التي تؤدى كل يوم وليلة ، والصيام كتمان أسرارهم لا الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، والحج زيارة الشيوخ المقدسين لديهم ، واستحلوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، واستحلوا نكاح البنات والأمهات.
النفاق علي الدعوة والمخادعة فيها : فهم يظهرون التشيع وحب آل البيت لمن يدعونه وإذا استجاب لهم دعوه إلى الرفض وأظهروا له معايب الصحابة وقدحوا فيهم ، فإذا قبل منهم كشفوا له معايب علي وطعنوا فيه ، فإذا قبل منه ذلك انتقلوا به إلى الطعن في الأنبياء ، وقالوا إن لهم بواطن وأسراراً تخالف ما دعوا إليه أممهم ، وقالوا إنهم كانوا أذكياء وضعوا لأممهم نواميس شرعية ليتحققوا بذلك مصالح وأغراضاً دنيوية .
راي شيخ الإسلام ابن تيمية في الدروز
وسئل شيخ الإسلام عما يُحكم به في الدروز والنصيرية فأجاب :
فَأَجَابَ : هَؤُلاءِ " الدُّرْزِيَّةُ " و " النصيرية " كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ لا يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَلا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ ; بَلْ وَلا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ ; فَإِنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ لَيْسُوا مُسْلِمِينَ ; وَلا يَهُودَ وَلا نَصَارَى لا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلا وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَلا وُجُوبِ الْحَجِّ ; وَلا تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا . وَإِنْ أَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ هَذِهِ الْعَقَائِدِ فَهُمْ كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . فَأَمَّا " النصيرية " فَهُمْ أَتْبَاعُ أَبِي شُعَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ نَصِيرٍ وَكَانَ مِنْ الْغُلاةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ عَلِيًّا إلَهٌ وَهُمْ يَنْشُدُونَ :أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا حيدرة الأَنْزَعُ الْبَطِين
وَلا حِجَابَ عَلَيْهِ إلا مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ الأَمِينُ وَلا طَرِيقَ إلَيْهِ إلا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
و(حيدرة) لقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وَأَمَّا " الدُّرْزِيَّةُ " فَأَتْبَاعُ هشتكين الدُّرْزِيُّ ; وَكَانَ مِنْ مَوَالِي الْحَاكِمِ أَرْسَلَهُ إلَى أَهْلِ وَادِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَدَعَاهُمْ إلَى إلَهِيَّةِ الْحَاكِمِ وَيُسَمُّونَهُ " الْبَارِي الْعَلَّامُ " وَيَحْلِفُونَ بِهِ وَهُمْ مِنْ الإسماعيلية الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ نَسَخَ شَرِيعَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُمْ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ الْغَالِيَةِ يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَإِنْكَارِ الْمَعَادِ وَإِنْكَارِ وَاجِبَاتِ الإِسْلامِ وَمُحَرَّمَاتِهِ وَهُمْ مِنْ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَايَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا " فَلاسِفَةً " عَلَى مَذْهَبِ أَرِسْطُو وَأَمْثَالِهِ أَوْ " مَجُوسًا " . وَقَوْلُهُمْ مُرَكَّبٌ مِنْ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمَجُوسِ وَيُظْهِرُونَ التَّشَيُّعَ نِفَاقًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ أيضاً رَدًّا عَلَى نُبَذٍ لِطَوَائِفَ مِنْ " الدُّرُوزِ " :
كُفْرُ هَؤُلاءِ مِمَّا لا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ ; بَلْ مَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُمْ ; لا هُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ ; بَلْ هُمْ الْكَفَرَةُ الضَّالُّونَ فَلَا يُبَاحُ أَكْلُ طَعَامِهِمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ . فَإِنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ مُرْتَدُّونَ لا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ ; بَلْ يُقْتَلُونَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا ; وَيُلْعَنُونَ كَمَا وُصِفُوا ; وَلا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ لِلْحِرَاسَةِ وَالْبِوَابَةِ وَالْحِفَاظِ . وَيَجِبُ قَتْلُ عُلَمَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ لِئَلا يُضِلُّوا غَيْرَهُمْ ; وَيَحْرُمُ النَّوْمُ مَعَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ ; وَرُفْقَتِهِمْ ; وَالْمَشْيُ مَعَهُمْ وَتَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ إذَا عُلِمَ مَوْتُهَا . وَيَحْرُمُ عَلَى وُلاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ إضَاعَةُ مَا أَمَرَ اللَّهُ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ بِأَيِّ شَيْءٍ يَرَاهُ الْمُقِيمُ لا الْمُقَامُ عَلَيْهِ . وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التكلان

البهائية

يزعم أصحاب هذه هي النسخة المستقرة، المفحوصة في 12 فبراير 2012. تغيير واحد معلق ينتظر المراجعة.

البهائية أنها إحدى الديانات التوحيدية، أسسها حسين علي النوري المعروف باسم بهاء الله في إيران في القرن التاسع عشر. ونسي هؤلاء أنها لا تختلف عن القاديانية والشيعة في شئ فجميعهم إنما قام اليهود والنصارى يإختلاقهم وزرعهم بيننا لعلهم ينجحون فيما أخفق الإحتلال فيه ألا وهو التفرقة بيننا نحن المسلمين والعجيب أن مثل هذه الفرق إنما تنم على أن اليهود والنصارى ليس لديهم مسحة من ذكاء ؛ لماذا؟

لأنه لو كانوا يعقلون لصنعوا فرقة واحدة وغرسوا فيها من المبادئ والأوامر التي يصعب على العامة التفريق بينها وبين مبادئ الإسلام الحقيقية  ثم وقفوا خلفها بكل قوتهم  يساندوها  .

أما ما قاموا به من إختلاف للعديد من الفرق جعلنا نضحك ملئ الأفواه ونحن نتابعهم فيما يزعمون ؛ لأنه ببساطه حين يدعي أحد هؤلاء الحمقى أنه نبي لا نملك إلا أن نسخر منه لأن له نظير أحمق مثله قام اليهود والنصارى إعداده في مكان أخر يدعي أنه نبي إذن دون خلاف ولاشك يتبن لنا كذبهم .

  ويقولون إن من مبادئ البهائية التأكيد على الوحدة الروحية بين البشر. تدري ما يعنون بهذه الوحدة ؟ إنما يعنون بها أنه لا ينبغي أن نفرق بين البشر من خلال الدين أي لا يصبح الدين هو أحد مميزات الفرد  فينبغي أن يذوب الجميع في اللادين  ليصبحوا متحدين في اللاشئ  ؛ كما يزعمون أن اليوم يوجد حوالي خمسة إلى سبعة ملايين معتنق للبهائية، يتوزعون في معظم دول العالم بنسب متفاوتة. ونحن نشك في هذه النسبة ؟

 

التاريخ والنشأة

البابية

يربط البهائيون بداية تاريخهم بوقت إعلان الدعوة البابية في مدينة شيراز، إيران سنة 1844 (1260 هـ). فيقولون أن البابية قد تأسست على يد علي بن محمد رضا الشيرازي الذي أعلن أنه الباب "لمن يظهره الله" وأنه هو المهدي المنتظر.

 بالضبط تماما كما إدعى ميرزا غلام أحمد القادياني وصدق الله العظيم حين قال {كذلك قال الذين من فبلهم مثل قولهم تشابهت فلوبهم } ويزعمون أنه كان قد سبق ذلك فترة قصيرة نمت فيها حركات كانت تترقب مجيء الموعود الذي بشرت به الكتب السماوية وأحاديث الأنبياء.

وكانت المدرسة الشيخية التي أسسها أحمد بن زين الدين الأحسائي إحدى تلك المدراس الفكرية التي أكدت على وشك قدوم الموعود المنتظر، وجدير بالذكر أن أول من آمن بالباب وهو الملا حسين بشروئي قد درس عند أحمد الأحسائي ثم عند كاظم الرشتي اللذان يعدان من أبرز رموز الشيخية.

وقد آمن بالباب بعد ايمان الملا حسين بشروئي أشخاص آخرون بلغ عددهم 17 شخصاً، من ضمنهم امرأة واحدة تعرف بالطاهرة أو قرة العين. ومنح هؤلاء الثمانية عشر شخصا لقب حروف الحي. ومن ضمن الذين أيدوا دعوة الباب وكان لهم تأثير بالغ في تطورها شاب من النبلاء يدعى ميرزا حسين علي النوري الذي عرف فيما بعد باسم بهاء الله، وهو مؤسس الديانة البهائية."عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " ونتيجة لذلك فان هناك ارتباط تاريخي بين البهائية والبابية.

وبعد أن شاع أمر البابية قامت السلطات الإيرانية، بإيعاز من رجال الدين، بتعذيب البابين والقبض على "الباب" سنة 1847م وإيداعه السجن. وكانت إيران محكومة انذاك من قبل أسرة القاجار التركمانية. وظل أتباع الباب رغم حبسه يترددون عليه في السجن وأخذوا يظهرون إيمانهم به وبرسالته على عامة الناس. وازداد عدد أتباع الباب رغم حبسه وذلك نتيجة لجهود أتباعه وقياداتهم."بمساعدة الإحتلال الإنجليزي وغيره من اليهود والمسيحين الذين يبغونها عوجا "

وفي نهاية المطاف أُعدم "الباب" سنة 1850م رميًا بالرصاص أمام العامة رغم وساطة بعض الدول الغربية للصفح عنه ومن ضمنها روسيا وبريطانيا. وجاءت هذه الوساطة نتيجة التقارير التي أرسلها سفراء هذه الدول الذين شهدوا الاضطهاد العنيف الذي واجهه الباب وأتباعه.

واستمرت الحكومة الإيرانية آنذاك بعملية القمع ضد البابين وقياداتهم ومن ضمنهم بهاء الله  حيث حبست بهاء الله وبعد ذلك نفته وأتباعه إلى العراق. وأقام بهاء الله في العراق عدة سنوات قام خلالها بتدبير شؤون البابين ولم شملهم. ولكن بتحريض من الحكومة الإيرانية، نفت الحكومة العثمانية بهاء الله إلى استانبول، ثم إلى أدرنة، وبعد ذلك إلى فلسطين لإبعاده عن الأراضي الإيرانية وقطع علاقته بأتباعه. وتشير المصادر البهائية أن بهاء الله أعلن دعوته للعديد من أتباعه في حديقة الرضوان في بغداد قبل نفيه منها.

ومن المعلوم أن الحركة البابية والبهائية نشأتا بدعم من روسيا ولكن البهائيين يؤكدون عدم صحة ذلك مستندين إلى ما يلي:

كان اضطهاد البابيين خلال السنين الأولى لدعوة الباب من الأخبار الواسعة الانتشار في إيران والدول المجاورة وكان السفير الروسي من ضمن الذين تأثروا بجسامة تلك الأحداث وشراسة التعذيب الذي عاناه البابيون من قبل السلطات المدنية والدينية وتعاطف نتيجة لذلك مع البابيين المضطهدين. وفي اليوم التالي لإعدام الباب، أخذ السفير الروسي معه أحد الرسامين وطلب منه تسجيل تلك الحادثة المهمة على الورق. وتبقى تلك اللوحة إحدى الصور القليلة التي تعكس ملامح الباب وكان وجه الباب (ووجه رفيقه الذي أعدم معه) الجزء الوحيد من جسدهما الذي لم يمسه الرصاص.

بعد إطلاق سراح بهاء الله من سجن سياه جال والأمر بنفيه مع عائلته إلى العراق عرض السفير الروسي على بهاء الله أن يذهب إلى روسيا ليعيش مكرما فيها. لكن بهاء الله رفض تلك الدعوة وأعلن عن رغبته في إطاعة أوامر الحكومة الإيرانية. ونتيجة لذلك نفي بهاء الله وعائلته وبعض البابيين إلى العراق ولكن السفير أصر أن ترافقهم إحدى الفرق الروسية إلى الحدود العراقية عبر جبال كردستان بالإضافة إلى الفرقة العسكرية التي أرسلتها الحكومة الإيرانية لمرافقته.

خلال ما يقارب المئة وستين سنة منذ نشوء البابية والبهائية تحولت الاتهامات ضدهم حسب تطور العلاقات السياسية بين دول الشرق الأوسط وباقي الدول. فبعد أن اتهموا بالعمالة للروس في القرن التاسع عشر صاروا يتهمون بالعمالة للإنجليز في بداية القرن العشرين، ثم تحولت التهم إلى العمالة لليهود منذ أواسط القرن العشرين وخاصة بعد نشوء دولة إسرائيل.

علاقة البهائية بالأديان

يؤمن البهائيون بوحدة المنبع الالهي لأغلب الديانات الكبرى الموجودة في العالم، ويعترفون بمقامات مؤسسيها وبأنهم رسل من الله، ومنها الزرادشتية والهندوسية واليهودية والبوذية والمسيحية والإسلام. ويعتقدون بأن جميع هذه الديانات جاءت لتهذيب البشر أينما كانوا عبر العصور، وبأنها نشأت في مجتمعات كانت تدين بديانات سابقة وبنت الواحدة على الأساس الذي وضعته الأخرى. وهذا أحد أهم المعتقدات البهائية التي تقوم على أساسها علاقتها بالأديان الأخرى واتباع هذه الأديان.

ويزعم البهائيون:  أنه كما نجد أن للمسيحية على سبيل المثال جذورا في الديانة اليهودية، فإن للبهائية جذورا في الديانة الإسلامية. غير أن هذا لايعني بأن البهائية فرقة من الإسلام أو فرع من الديانات السابقة، بل يؤمن اتباعه بأن دينهم هو دين مستقل منذ بداياته وله كتبه وشرائعه المستقلة.

ويبررون ذلك بقولهم : لا تقر الديانات الإبراهيمية (التي تعرف ذاتها على أنها "الديانات السماوية") بالديانات اللاحقة عليها، فالإسلام لا يعترف بأي دين آخر يأتي بعده لكنه يعترف بالمسيحية واليهودية وبنبييهما موسى وعيسى الذين جاءا قبل الإسلام. ويؤمن الإسلام أن الرسول محمد هو آخر الأنبياء المرسلين من الله للبشر وبالتالي لا يعترف المسلمون بوجود أي صلة بين الإسلام والبهائية، ويعتبرون البهائية دينا وضعيا. وهذا هو كذلك موقف اليهودية من المسيحية وموقف المسيحية من الإسلام.

محاولة التنصل من معاونة اليهود والنصارى

من المعلوم أن للبهائيين علاقة وثيقة باليهود، وأن اليهود ساعدوا البهائيين خلال مراحل مختلفة، وأن البهائيين لعبوا دورا هاما في التعاون مع الإنجليز لتأسيس ودعم دولة إسرائيل الصهيونية. ولكن يحاول البهائيون رفض هذا الإتهام للأسباب التالية:-

فيقولون : كان اليهود ولحوالي 12 قرنا مطرودين عن الأراضي المقدسة وممنوعين عن الدخول فيها إلى أن سمح لهم السلطان عبد العزيز بالعودة إليها عندما أصدر فرمانه بذلك الصدد في سنة 1844م** وهو نفس السلطان الذي أرسل بهاء الله إلى سجن قلعة عكا.

يزعم البهائيون أنه في الحرب العالمية الأولى قاتل العرب إلى جانب الأنكليز لغرض التخلص من الحكم العثماني وجوره وأستقبلوا الجنرال اللنبي بحفاوة حين خسر العثمانيون الحرب وتركوا فلسطين. ولم تتدخل الجالية البهائية الصغيرة في ذلك على الإطلاق.

كما يزعمون : أنه دخل بهاء الله عكا في عام 1868 تنفيذا لفرمان السلطان عبد العزيز بنفيه إلى عكا (لم يذهب لعكا بإرادته)، بينما تأسست دولة إسرائيل في عام 1948 بناء على قرار تقسيم صادر من هيئة الأمم المتحدة.

ويزعمون أيضا : أن الإدارة البهائية العالمية لا تسمح للبهائيين إطلاقا بإنشاء الاحزاب السياسية، أو التدخل بأي من الامور السياسية الأخرى في إسرائيل أو غيرها.حتى انها لا تسمح للبهائيين ان ينشروا تعاليم دينهم في دولة إسرائيل بين المسلمين أو المسيحيين أو اليهود أو غيرهم. وهذا كذب فهم عاونوا وما زالوا يعاونون اليهود والمسيحين على النيل من الإسلام  ولكن الله تعالى حائل بينهم وبين ما يشتهون .

كما يرفض البهائيون الإدعاء بأن عباس أفندي "عبد البهاء" قد قابل الجنرال اللنبي وحصل على لقب سير ومنح عددا من الأوسمة الرفيعة في سنين الحرب العالمية الأولى، وأنه يؤيد ادعاء اليهود حقهم في فلسطين. ويدعون أنه بعد عباس أفندي تولى زعامة البهائية يهودي أميركي يدعى ميسون وانهم عقدوا مؤتمرا لهم سنة 1968م في فلسطين وجاءت قرارات ذلك المؤتمر موائمة للأفكار والرؤى الصهيونية.

ويحاولون أن يزيفوا الواقع فيقولون بأن عباس أفندي منح لقب "سير" نتيجة لأعماله الخيرية وكان ذلك بعد سقوط فلسطين وخروج العثمانيين منها ودخول الإنكليز. وذلك لأنه قام بشراء أراضي زراعية في بلاد الشام زرع فيها الحبوب من الشعير والحنطة وأستفاد منها في إطعام الناس أثناء مجاعات الحرب وللاعمال الخيرية الأخرى التي قدمها للمجتمع الذي عاش فيه .

ويقول البهائيون أن معتقداتهم فيما يتعلق بعودة اليهود إلى فلسطين لا تختلف أبدا عما جاء في الكتب السماوية الأخرى كالتوراة والإنجيل والقرآن ويكذبون فيقولون بأنه ليس لهم أية علاقة بتأسيس دولة إسرائيل.

ويحاولون أن يبرروا هذا بقولهم : أن بهاء الله لم يستقبل بحفاوة من قبل اليهود وإنما نُفي من قبل الدولة العثمانية في سنة 1868م إلى مدينة عكا في فلسطين ليسجن في قلعتها هناك لغرض التخلص منه بسرعة حيث عرفت هذه المنطقة، وخاصة السجن، بكثرة الأمراض الخبيثة وردائة الهواء والماء والأحوال الصحية. وكان فرمان السلطان قد حذر سكان المدينة من خطورة التعامل مع المساجين البهائيين واتهمهم بالزندقة والإلحاد.

ولقد سمح لبهاء الله في اّخر سنوات حياته بالعيش في إحدى المنازل خارج حدود السجن كنتيجة لاعلان التعبئة العامة في فرق الجيش التركي وحاجتهم لتكنات الجيش التي كان يقيم فيها المساجين المنفيين. وخصص لبهاء الله واسرته من قبل الحكومة منزلا في الحي الغربي من المدينة ثم نقلوا إلى منازل عديدة بعد ذلك. وبلغت قلة صلاحية بعض هذه المساكن وملائمتها لتلبية احتياجاتهم ان اضطر ما لا يقل عن ثلاثة عشر شخصا العيش في غرفة واحدة في بعض الأحيان.

 وكان اهالي المنطقة في ذلك الحين يشّكون بالمنفيين ويكنّون لهم العداء وحتى انهم كانوا يطاردون أولادهم ويسبونهم ويرمونهم بالحجارة إذا هم تجاسروا وظهروا في الشوارع.

كما يقولون بأن سبب وجودهم في فلسطين هو أنه قام عباس أفندي بشراء مسكن في ضواحي مدينة عكا حيث عاش بهاء الله إلى ان توفى في سنة 1892م وصار مرقده مزارا لأتباعه. وبقى ابنه عباس سجينا هناك إلى سنة 1908م ورغم إطلاق سراحه بعد ثورة تركيا الفتاة وسقوط السلطان العثماني ولكنه لم يترك المنطقة وعاش في مدينة حيفا في فلسطين إلى حين وفاته في سنة 1921م.

وبعد وفاة عبد البهاء وحسب وصيته قام حفيده شوقي افندي بولاية شؤون البهائية ونشر تعاليمها وأسس المركز الإداري للبهائيين في مدينة حيفا قرب المرقد الأخير للباب وعبد البهاء على سفح جبل الكرمل.

رأي علماء المسلمين في البهائية

يتفق أغلب علماء المسلمين على أن البهائية ليست فرقة أو مذهبا من الإسلام. وقررت المحكمة الشرعية العليا في مصر سنة 1925م أن الدين البهائي دين مستقل عن الدين الإسلامي. وينظر كثير من المسلمين لمتبعيه على أنهم كفار خارجون عن الملة وذلك لأن البهائيين يعتقدون بأن مؤسس البهائية هو رسول موحى له جاء بعد رسالة الإسلام. فنحن المسلمب نؤمن بأن رسالة الإسلام هي آخر الرسالات السماوية.

وتستند العديد من الأراء الحالية ضد البهائيين على البيان الذي أصدره مجمع البحوث الإسلامّية بالأزهر ضد البهائية والبهائيين ونُشِرَ في عددٍ من الصّحف المصرية والعربية بتاريخ 21/1/1986م.

وإليك عزيزي القائ نبذة مختصرة عن البهائية والبهائين دون تعليق منا لترى بنفسك الخرافات والإدعاءات التي قاموا بها لتحمد الله تعالى على ما هدانا إليه من نعمة الإسلام  وأن أرسل إلينا خير رسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

تاريخ البابية والبهائية

هناك ارتباط وثيق بين تاريخ البابية والبهائية. ويعتبر البهائيون الباب المبشر بالدين البهائي والممهد لظهور بهاء الله. وفيما يلي بعض الوقائع التاريخية المهمة التي ادت إلى نشوء البهائية وانتشاره.

مؤتمر بدشت

أثناء وجود الباب في السجن قام بهاء الله الذي كان على اتصال بالباب عن طريق المراسلة المستمرة بتنظيم مؤتمر للبابية في صحراء بدشت الإيرانية سنة 1848م والاشراف عليه بصورة غير مباشرة. ولقد قام اثنان من أتباع الباب القدوس والطاهرة بالمساعدة بتنظيم المؤتمر وتطبيق برنامجه الذي كان يهدف إلى توضيح تعاليم شربعة الباب والفصل الكامل بين البابية والإسلام. ولعبت الطاهرة دورا رئيسيا في تحقيق هذا الهدف.

ويعتبر هذا المؤتمر من أهم الوقائع في التاريخ البابي حيث ادت احداثه إلى ايضاح الفرق بين البابية والإسلام. ولقد ظهرت أم سلمى زرين تاج "الطاهرة" في المؤتمر من دون حجاب على وجهها والقت بيانا بليغا على الحاضرين من الرجال بطلاقة وحماسة.

 ورغم أنها كانت معروفة بالعلم والذكاء وحسن السيرة والسلوك فان سلوكها هذا اعتبر في ذلك الوقت خروجا عن العادات والتقاليد والمباديء الإسلامية وادى إلى اضطراب في نفوس بعض الحاضرين الذين تركوا المؤتمر بهلع وفزع لقيامها بما اعتبروه خرقا لما كان متعارف عليه.

ولقد دفعهم ما قامت به "الطاهره" إلى إدراك الاختلاف الجذري بين البابية والإسلام في السلوك والعبادات. ودعت الطاهره بقية الحاضرين إلى الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة لما لها من اثر بالغ على تطور البابية.

الإضطهاد

تعرض أتباع الدين البهائي إلى أنواع شتى من الاضطهاد منذ البداية. وفي السنوات الستة الأولى قتل أكثر من عشرين ألفًا من أتباع الباب في إيران إما بعد القاء القبض عليهم وتعذيبهم حسب أوامر الحكومة ورجال الدين وإما بعد معارك وحصارات دامت لمدة أشهر في بعض الأحيان.

واشتدت هذه الاضطهادات عندما تم الإعلان عن دعوة الباب في المساجد والأماكن العامّة من قبل مجموعات متحمّسة من الشّبّان الذين كانوا يؤمّون المعاهد الدّينيّة. وكان ردّ فعل رجال الدّين المسلمين الذين لم تتوافق الدعوه الجديدة مع معتقداتهم، أن قاموا بتحريض عامّة الشّعب على استخدام العنف ضدّ هؤلاء وضد اتباع الباب الاخرين. ولقد صادفت هذه الأحداث أزمات سياسيّة في إيران نجمت عن وفاة محمد شاه والصّراع السياسيّ الذي تلا ذلك حول من يخلفه في الملك. وبعد تولي الصّبيّ ناصر الدّين شاه العهد، قام زعماء الحزب الذي سانده بتوجيه الجيش الملكي ليدعم رجال الدين ويحارب أتباع الباب.

 وقد اعتقد أتباع الباب، وهم الذين نشؤوا في بيئة إسلاميّة، أنّ لهم حقّاً مشروعاً في الدّفاع عن أنفسهم. فقاموا بتحصين أنفسهم في معاقل مؤقّتة وقاوموا لمدّة طويلة الحصار والهجوم الذي شّّن ضدهم.

وانتهت هذه الحصارات بمقتل عدد كبير منهم وازدياد حملات الاعتقال والتعذيب ضدهم، من ضمنها إعدام الباب علناً في التّاسع من تموز (يوليو) عام 1850م. وتصاعدت حدة هذه الاضطهادات بعد أن أقدم شابّان من الذين انضمّوا إلى صفوف أتباع الباب بإطلاق رصاص الخُرْدُق على الشّاه خلال سير موكبه في إحدى الطّرق العامّة.

واتّخذت هذه المحاولة الفردية الفاشلة ذريعةً لأسوأ المذابح التي تعرّض لها البابيّون والتي أدت إلى مقتل الآلاف من أتباع الدين الجديد في كلّ أنحاء إيران. وشملت هذه الاعتقالات ميرزا حسين علي النوري "بهاء الله"، مؤسس الدين البهائي فيما بعد. فتم حبسه، ومصادرة جميع امواله، ومن ثم نفيه وعائلته إلى خارج حدود الدولة القاجارية.

وأثارت هذه المذابح والاعتقالات احتجاج الدول الغربيّة التي وصلتها أخبار هذه الأحداث من ممثليها في طهران الذين بلغتهم تفاصيلها عن طريق رعاياهم غير البابيين الذين كتبوا يستنكرون هذه الأعمال ويطالبون حكوماتهم بالتدخل.

أمّا الاهتمام بأمر الباب في الأوساط العلميّة والفكريّة في الغرب فقد بدأ على وجه الخصوص عام 1856م عندما نشر الكونت دي غابينو كتابه الفرنسي "الأديان والفلسفة في آسيا الوسطى". ولقد كان لحياة الباب، وتعاليمه، وتضحيات أتباعه، وأفكارهم الإصلاحية تأثير على عدد من الشّخصيّات العالميّة أمثال ارنست رينان، وليو تولستوي، وسارة برنار، وغيرهم الذين دوّنوا آراءهم في كتاباتهم المختلفة.

واستمرت هذه الاضطهادات يحركها رجال الدين وتدعمها الحكومات الإيرانية لتشمل مؤسس، واعلام، واتباع البهائية. وفي العصر الحالي، لا يزال هذا الاضطهاد مستمرًا في العديد من بلدان العالم الإسلامي وخصوصًا في إيران حيث حكم على أكثر من 200 بهائي بالإعدام منذ بداية الثورة الإسلامية في عام 1979م وسجن الكثير منهم في معتقلاتها بعد أن رفضوا إنكار عقيدتهم عندما أعطيوا الخيار بين ذلك وبين إطلاق سراحهم.

كما تم الاستيلاء على العديد من المقابر البهائية وأماكن العبادة والأماكن المقدسة وتدميرها ولم يعد بإمكان البهائيين الاحتفاظ بمراكزهم ووظائفهم الحكومية ولا يسمح لهم بدخول الجامعات وحتى أنه لا يعترف بشرعية زواجهم أو وثائق التسجيل والولادة وغيرها.

لقد تعرض البهائيون للتحقيق والاضطهاد بإيعاز من السلطات الدينية في بعض الدول العربية خلال فترات مختلفة، ولكن هذه التحقيقات بيّنت بوضوح عدم تدخل البهائيين في الأمور السياسية واحترامهم لقوانين الدول التي يقيمون فيها. وتعتمد درجة الحرية الممنوحة لهم بممارسة عقيدتهم في هذه الدول على موقف الدولة من الأقليات الدينية وحرية العقيدة.

النفي والحبس

لم يهلك بهاء الله في السّجن بسرعة كما توقّع أعداؤه فأخلي أمره في آخر الأمر دون محاكمة أو مراجعة، وصدر أمر بنفيه وإبعاده الفوري عن وطنه. فقام الممثّل الدّبلوماسيّ للحكومة الرّوسيّة الذي كان يتابع الاضطهادات التي تعرّض لها أتباع الباب، بعرض حماية بهاء الله ووجّه الدّعوة إليه ليلجأ إلى المناطق الواقعة تحت نُفوذ حكومته.

 ولم يقبل بهاء الله هذا العرض لئلاّ يُفَسَّر الأمر تفسيراً خاطئاً ويُعْطى صبغة سياسيّة. واختار النّفي للأراضي المجاورة في العراق والتي كانت تابعة آنذاك للحكومة العثمانيّة. وبدأ بهاء الله بهذا الإِبعاد فترة من النّفي والسّجن والاضطهاد استغرقت أربعين عاماً أنتهت بوفاته في "البهجة" قرب مدينة عكا في فلسطين عام 1892م وهو في سن الخامسة والسبعين.

خصَّص بهاء الله اهتماماته الأولى لتلبّية احتياجات الجامعة البابيّة المجتمعة في بغداد. ووقعت هذه المسؤوليّة على عاتقه لأنّه كان الوحيد الذي سَلمَ من المذابح من بين زعماء البابيّين ذوي النّفوذ. وأدت مساعيه لجمع شمل أَتباع الباب الذين لجؤوا إلى العراق إلى إثارة الحسد والاختلاف بين اقلية من اتباع الباب.

وكان أساس هذه المشكلات ميرزا يحيى المعروف بلقب "صبح الأزل"، وهو أخو بهاء الله من أبيه ويصغره سنّاً. وكان الباب قد عيّن ميرزا يحيى وهو لا يزال في سنّ يافعة وتحت رعاية بهاء الله ليكون زعيماً رمزيّاً للجامعة البابيّة حتى مجيء "من يظهره الله" القريب الحدوث.

 ووقع ميرزا يحيى تحت سيطرة أحد أتباع الباب المعروف بالسّيد محمّد أصفهاني وهو فقيه إسلامي سابق. وبدأ ميرزا يحيى بتأثير من الاصفهاني بمجافاة أخيه وزرع الفتنة والخلاف بين صفوف البابيين. ولم تكن اعمال ميرزا يحيى علنيّة وانما سعت لإثارة القلاقل والاضطراب مما كان له تأثيرات هدّامة على معنويّات مجموعة المنفيّين. واستمر ميرزا يحيى "صبح الأزل" بتصعيد الخلاف بين اتباعه واتباع "بهاء الله" إلى ان وصل الأمر به أن حاول قتل اخيه حسين علي "بهاء الله" بالسم.

وبعد أن تأزمت العلاقة بين "حسين علي" واخيه ترك "حسين علي" الجالية وذهب إلى جبل "سركلو" في مدينة السليمانية في جبال كردستان (العراق) للاعتكاف والتعبد والصلاة والصيام. ووصف "بهاء الله" سبب هجرته هذه في كتاب "الايقان" ص 199 بقوله: "كان مقصودي من ذلك ان لا اكون علة اختلاف الاحباب، ولا مصدر انقلاب الاصحاب، وان لا اكون سببا في ضر أحد، ولا علة لحزن قلب".

 وساءت حال البابين بقيادة "الازل" وغياب "بهاء الله" الذي لم يعد إلى بغداد الا بعد سنتين، (1856م) بعد أن اثمرت جهود البابين بالبحث عنه وايجاده والحاحهم عليه بالعودة لقيادة اتباع الباب ولم شملهم. ورغم أنَّ فترة العامَيْن التي قضاها بهاء الله في البرّيّة كانت فترة قاسية اتّسمت بالعَوزَ والحرمان والمتاعب الجسديّة، فقد وصفها بأنّها كانت مليئة بالسّعادة لانها اتاحت له فرصة الدعاء والتّأمُّل والتقرب من الله. وبقي "بهاء الله" في بغداد حتى 1863 م حيث اعلن دعوته قبل ابعاده في ذلك العام. ورفض ميرزا يحيى الاعتراف بإعلان بهاء الله عن رسالته ولم يكن له أيّ إسهام في نموّ الدّين البهائيّ الذي كانت بدايته ذلك الإعلان.

وبعد ذلك طلبت السلطات الإيرانية من دولة الخلافة العثمانية طرد البابيين إلى منطقة بعيدة عن الحدود الإيرانية بسبب ما رأته من مظاهر التأيد والترحيب التي بدأ يحضى بها حسين علي "بهاء الله" من قبل الزوار الفرس من ذوي النفوذ القادمين إلى العراق وخافت من أن يلهب ذلك مشاعر الحماس للدعوة الجديدة في داخل إيران. فاستجابت السلطات العثمانية لذلك الطلب وأبعدوه وعائلته ومعظم اتباعه إلى استانبول سنة 1863م. وبعد فترة قصيرة نقل "بهاء الله" إلى أدرنة. وتبع ذلك نفيه إلى فلسطين.

إلى فلسطين

نفي "صبح الأزل" إلى قبرص، أما حسين علي فقد نفي إلى مدينة عكا الساحلية في فلسطين سنة 1868 م. ويدعي الذين يعارضون البهائية انه استقبل مع أتباعه استقبالا حافلا من قبل اليهود الذين دعموه بالمال (*) وخالفوا فرمانات الباب العالي القاضية بفرض الإقامة الجبرية عليه وأسكنوه قصرا يعرف باسم "البهجة" في عكا في حين تثبت الوقائع التاريخية انه تم حبس "بهاء الله" واتباعه في سجن قلعة عكا المشهور حيث تعرضوا إلى شتى الأنواع من العذاب والحرمان.

 واستمر حسين علي "بهاء الله" بالاعلان انه الموعود المنتظر. وبالاضاقة إلى كتاباته العديدة في تلك الفترة ومن أهمها "كتاب الاقدس"، ارسل "بهاء الله" العديد من الرسائل لملوك الأرض وحكامها يوصيهم فيها بالحكم بالعدل ويدعوهم لاتباع الدين الجديد واحكامه. وقد قام ابنه عباس الذي عرف بلقب "عبد البهاء" على خدمته إلى حين وفاته في 29 مايو 1892م نتيجة موت طبيعي. فتولى ابنه عباس أفندي "عبد البهاء" حسب وصية "بهاء الله" زعامة البهائيين من بعده. ولقد كُتبت عدة مقالات في جرائد ومجلات عربية مختلفة في الشرق الأوسط عن مزايا عبد البهاء عباس أفندي حسب ما وصفه به الادباء والاعلام العرب الذين قابلوه.

وانتقل عبد البهاء إلى حيفا حيث عرف بخدمته ومساعدته للفقراء والمساكين وحض اتباعه على "معاشرة الاديان بالروح والريحان" وحضر الصلوات في المساجد والكنائس والمعابد مثبتاً اعترافه بوحدة الأديان ومصدرها. ويدعي الذين يعارضون البهائية انه واصل الارتباط بالصهيونية بينما يدعي البهائيون انه ليس لهم اية علاقة بالصهيونة أو غيرها من الحركات السياسية الأخرى، حيث تحرم المباديء البهائية الاشتغال بالسياسة أو الانتماء إلى اي من الاحزاب السياسة.

 وان علاقة البهائيين باليهود كعلاقتهم باتباع سائر الديانات الأخرى كالإسلام والمسيحية وغيرها. وتشجع البهائية اتباعها على قراءة الكتب السماوية الأخرى والتعمق في معانيها من منطلق ايمانها بوحدة المصدر الالهي لهذه الأديان. وتطبيقا لهذا المبدأ فان جلسات الدعاء التي ينظمها البهائيون في مختلف أنحاء العالم قد تتضمن بالإضافة إلى قراءات من الكتب البهائية فقرات من القراّن والإنجيل والثوراة. يحرّم على البهائيين قبول التبرعات المالية من غير البهائيين لتسير شؤون دينهم. ويعتبر هذا المبدأ أحد الاحكام الأساسية للدين البهائي ويطبقه البهائيون في جميع اركان العالم بغض النظر عن وضعهم المالي.

الادعاءات والمعارضة على البهائية

تعزو بعض المصادر المعارضة للبهائية العديد من العقائد المخالفة لما جاء صريحا في كتب البهائية وممارساتهم التي يشهد بها غير البهائيين من مسلمين وغيرهم. وتتلخص هذه الادعاءات وموقف البهائية منها بما يلي:

النقد الأول: يعتقد البهائيون أن كتاب "الأقدس " الذي وضعه البهاء حسين ناسخ لجميع الكتب السماوية.

بينما يعتقد البهائيون أن جميع الكتب السماوية كالثوراة والإنجيل والقران منزلة من الله سبحانه وتعالى، ويحثون اتباعهم من مختلف الخلفيات والمعتقدات على دراسة هذه الكتب السماوية والتمعن فيها. ويؤكد البهائيون ان "بهاء الله" لم يرتدي برقعا على وجهه وادعى الأولوهية، كما تدعي بعض المواقع النعادية للبهائية، وأن أحد الأركان الأساسية للبهائية هي الإيمان بالله الواحد الأحد الذي لا شريك له. ولأن الله سبحانه وتعالى منزها عن الإدراك، فإن معرفة مظاهر أمره وهم الرسل الذين يحملون تعاليمه وأوامره هو السبيل للتعرف عليه.

 وأن هؤلاء الرسل ينطقون بلسانه كما هو الحال في كل الكتب السماوية. ويعتقد البهائيون بأنه بالإضافة إلى بهاء الله فان هذا ينطبق على معرفة الرسل الآخرين كعيسى وموسى ومحمد وما جاءوا به من مباديء وتعاليم.

النقد الثاني: يقولون أن الوحي لا يزال مستمرا وبأن المقصود بكون محمد خاتم النبيين هو أنه زينتهم كالخاتم يزين الإصبع.

ويعترف البهائيون انهم يؤمنون بأن الوحي الإلهي سيبقى مستمرا لأن هذا من وعد الله لعباده. للمزيد من المعلومات عن مفهوم البهائية لختم النبوة

النقد الثالث: يحرمون ذكر الله في الأماكن العامة ولو بصوت خافت، كما جاء في كتاب "الأقدس": "ليس لأحد أن يحرك لسانه ويلهج بذكر الله أمام الناس، حين يمشي في الطرقات والشوارع".

ويقول البهائيون ان هذه الآية هي للتأكيد على حرمة واهمية الصلاة وذكر الله. وان ذكر الله يجب أن يحاط بالتقديس والاحترام من قبل المتكلم والسامع على حد السواء. ويضيفون ان احكام البهائية لا تمنع، وانما تؤكد على اهمية ذكر الله في كل الاوقات كضرورة لسعادة الفرد ورقيّه الروحي. ولكن يجب أن يتم ذلك بكل احترام وتقديس.

النقد الرابع: لا يؤمنون بالجنة والنار. لا يؤمن البهائيون بالعقاب والثواب الجسدي وتشير الكتب البهائية إلى انهم يؤمنون بالعذاب والثواب وأنه يقع على الروح لا على الجسد.

النقد الخامس: لا يؤمنون بالملائكة والجن. تشير الكتب البهائية انهم يؤمنون بوجود الملائكة والحياة الآخرة ولكنهم يفسرونها تفسيرا قد يختلف عن التفسيرات والمعتقدات الشائعة المتعلقة بهذه الظواهر. وتؤكد المراجع البهائية على ايمانهم بالحياة بعد الموت كمرحلة أساسية لاستمرار حياتهم الروحية ولكنهم لا يؤمنون باستمرار الحياة الجسدية أو المادية للفرد بعد الموت كالتي يعتقد بها العديد من اتباع الديانات الأخرى.

النقد السادس: يقولون بصلب المسيح. بينما تفسرالكتب البهائية أنه بغض النظر عما إذا كان الصلب قد حدث أم لم يحدث، فأن الهدف منه، وهو القضاء على الديانة المسيحية بقتل السيد المسيح، لم يتحقق.

النقد السابع: لا يعتقدون بالانتماء للوطن بل للعالم أجمع تحت دعوى وحدة الأوطان وكذلك يدعون إلى إلغاء اللغات والاجتماع على اللغة التي يقررها زعيمهم.

لكن الكتابات البهائية وتقاريرهم المنشورة على الصعيد العالمي تؤكد على ضرورة حبهم لاوطانهم وخدمة البلاد التي يقيمون فيها بصدق ومحبة واخلاص. وبالإضافة إلى حب الوطن فهم يسعون لدعم وتأسيس نظام عالمي يضمن العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان وحقوقه بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو معتقداته.

ولأن حب الوطن مسألة طبيعية، فلقد دعى بهاء الله اتباعه لحب جميع البشر قائلا، "ليس الفخر لمن يحب الوطن بل لمن يحب العالم". ويعتقد البهائيون بان ايجاد لغة عالمية تتفق عليها الشعوب المختلفة سوف يسهل عملية التواصل بين افراد هذه الشعوب. وهم لا يقولون بترك هذة الشعوب للغتهم الام وانما تبني لغة عالمية يتم الاتفاق عليها كلغة ثانية يتعلمها الجميع بالإضافة إلى لغتهم الأصلية.

النقد الثامن: يدعون عبادات خاصة بهم من صلوات يتجهون نحو قصر البهجة في عكا عند ادائها وزكاة وصوم على طريقتهم، وحج إلى قصر البهجة المذكور. ويعترف البهائيون بانهم، كاتباع دين مستقل عن باقي الديانات، لهم عباداتهم وممارساتهم الخاصة بهم والتي تختلف عن عبادات وممارسات الديانات الأخرى، بما فيها الإسلام. والهدف الأساسي لهذة العبادات هو الدعاء والصلاة لله الواحد الاحد وطلب رحمته والتقرب اليه.

طرق العبادة

التربية الدينية للبهائيين تتم عن طريق دراسة النصوص البهائية وقراءة الأدعية والمناجاة كل صباح ومساء وكذلك الصلاة والتعبد، أما الرهبنة والتكهن والدروشة والإعتصام في الصوامع والاعتزال عن الناس فممنوع عند البهائيين ويعتقدون أن من واجب الإنسان العمل والاحتراف والتطبيق العملي للوصايا الإلهية في الحياة اليومية، والتحلي بالعفة والطهارة والأخلاق الحميدة. ويعتبر العمل لغرض خدمة الآخرين والمجتمع كنوع من العبادة في حد ذاته.

أماكن العبادة

الصلاة عند البهائيين انفرادية ويقوم بها الشخص عادة في البيت ولاتمارس صلاة الجماعة إلا في دفن الميت. ويجتمع البهائيون للمشاركة في قراءة الأدعية والمناجاة أو للمشاورة بصورة منتظمة إما في البيوت أو في الأماكن العامة أو في ابنية خاصة لهذه الأغراض. ويوجد أيضا في الوقت الحاضر دور عبادة تسمى بمشارق الأذكار (عددها الحالي سبعة والثامن تحت الإنشاء)، وهي ابنية مخصصة للعبادة ولها ملحقات مخصصة للمشاريع الخيرية. ومع ان مشارق الأذكار هذه تختلف من حيث التصميم والشكل إلا ان لكل منها قبة وتسعة جوانب وتسعة مداخل مفتوحة للجميع من كل الأديان.

التقويم البهائي

للبهائيين تقويم شمسي جديد وللسنة البهائية تسعة عشر شهرا ولكل شهر تسعة عشر يوما. أما الأيام الأربعة (في السنة البسيطة) أو الخمسة (في السنة الكبيسة) اللازمة لإكمال السنة إلى 365 يوم، فتسمى بأيام الهاء * ولاتحسب ضمن الأشهر بل تقع قبل الشهر الأخير (شهر الصيام). أسماء الأشهر وكذلك أسماء الأيام تحكي عن بعض الصفات الإلهية ومنها شهر العلاء وشهر الجلال وشهر الكمال وغيرها. وتبدأ السنة البهائية يوم الاعتدال الربيعي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية (عادة يوم 21 مارس) وهو أحد الأعياد البهائية ويسمى يوم النوروز.

يبدأ التقويم البهائي في سنة 1844م/ 1260هـ ويسمى بتقويم البديع ومجموع الأيام المقدسة البهائية (بين الاعياد وأيام التذكر) هو تسعة أيام لايجوز فيها العمل (إلا عند الضرورة).

النظام الإداري

لايوجد في البهائية أية مراكز أو مناصب أو وظائف فقهية، فليس فيه كهنة أو رهبان أو قساوسة أو رجال دين. ويعتقد البهائيون أن على كل شخص مهمة تثقيف نفسه والتعرف والإطلاع الشخصي على تعاليم دينه وتطبيقها في حياته اليومية والسلوك حسب مناهجها. أما أمور المجتمع فتحال إداريا على النطاق المحلي إلى مايسمى بالمحافل الروحية المحلية وعلى النطاق الإقليمي إلى مايسمى بالمحافل الروحية المركزية.

 

 

المصادر والمراجع

1-الموسوعة المسيحية العالمية

2-مطالع الانوار (ملخص) - طبع دار النشر البهائية في البرازيل 1997م

3-القرن البديع -- تأليف شوقي افندي رباني - طبع دار النشر البهائية في البرازيل 2002م

4-بهاء الله - من منشورات الجامعة البهائية العالمية

5-الدين البهائي - من منشورات الجامعة البهائية العالمية

6-بهاء الله والعصر الجديد (مترجم إلى العربية) تأليف ج.ي. أسلمنت 1980م

7-الدين البهائي: بحث ودراسة (مترجم إلى العربية) تأليف وليم هاتشر ودقلس مارتن 1977م

8-عبد البهاء عباس والديانة البهائية. تأليف جميل البحري (صاحب المكتبة الوطنية ومجلة زهرة الجميل - المكتبة الوطنية - حيفا - 30 تشرين الثاني 1921م.

9-"البهائيون.. قبلتهم الأولى في إسرائيل وينفون وجودهم فيها لأسباب سياسية" العربية - الجمعة 1 يوليو 2005م.

10-البهائيون: يتحدّثون قليلا ويفعلون كثيرًا! بقلم فراس خطيب شبكة فلسطين للحوار - 12 يناير 2005م.

11-"البهائيون: حصاة مجهولة في الفسيفساء السوري" صحيفة المبكي - ايار 2005م.

12-العدني: كتاب الإيمان

13-ابن قتيبة: المعارف

14-مصنف ابن أبي الشيبة

15-ابن حجرفي لسان الميزان

16-وتهذيب التهذيب

17-رجال الكشي "ط مؤسسة الأعلمي بكربلاء العراق).

18-"تنقيح المقال في أحوال الرجال " للمامقاني،  ط طهران).

19-"فرق الشيعة" للنوبختي ط المطبعة الحيدرية بالنجف، العراق، سنة 1379ه - 1959م).

20-"روضة الصفا" في اللغة الفارسية 2 ط إيران).

21-"مسائل الإمامة" للناشئ الأكبر.

22-"المقالات والفرق"  طهران 1963 م تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور فيروي) للقمي.

23-الزينة في الكلمات الإسلامية  لأبي حاتم الرازي.

24-من لا يحضره الفقه  للقمي.

25-شرح عقائد الصدور  للمفيد.

26-تهذيب الأحكام للطوسي.

27-مناقب آل أبي طالب  لابن شهر.

28-شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.

29-رجال الحلي

30-تاج العروس لابن المرتضى  

31-جامع الرواة للأردبيلي.

32-الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار للمجلسي.

33-الأنوار النعمانية للجزائري.

34-مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار في تفسير القرآن  للعاملي.

35-تاريخ الشيعة -للمظفري.

36-التنقيح في شرح العروة الوثقى

37-العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي

38-كتاب الشرح الكبير

39-ابن حجر في الفتح

40-النصب والنواصب

41-منهاج الصالحين للسيستاني

42-المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية  للبحراني

43-الفقه ط2 للشيرازي

44-أعيان الشيعة ط للأمين

45-مستدرك الوسائل

46-اختيار معرفة الرجال للطوسي

47-وسائل الشيعة

48-مستدرك الوسائل

49-الذهبي في تاريخ الإسلام

 50-عهد الخلفاء الراشدين ومعجم البلدان

 51-مصنف ابن أبي شيبة

52-كتاب البدء والتاريخ

53-شذرات الذهب

54-العقد الفريد

55- الجوهرة في نسب علي

56-"شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد

57-كتاب تفسير الصافي

58-روضة الكافي

59-أصول الكافي                               

60-" كتاب تفسير ابن كثير وكتاب تفسير الطبري

61- كتاب الروضة

62-في البحار ج

63-في البرهان

64-تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي.

65-لسان العرب لابن منظور

66-قاموس تاج العروس

67-كتاب تاريخ خليفة

68-سير أعلام النبلاء

69-البداية والنهاية

70-مجموع فتاوى ابن تيمية

 

 

هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا

Download

About the book

Author :

أحمد إسماعيل زيد

Publisher :

www.islamland.com

Category :

Biographies & Scholars