وماذا عليهم لو آمنوا بالله

إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وعلمه البيان وفضله على سائر المخلوقات فقال تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر  والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم عليى كثير ممن خلقا تفضيلا "
يعتقد البعض أن  ما يقوم به الغرب المسيحي على البلاد الإسلامية والعربية هو عدوان مقدس أو عدوان ترعاه العناية الالهية  وهذا إعتقاد خاطئ لأن الحق سبحانه وتعالى قال ( وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) الزمر /7 وأنه سبحانه وتعالى يقول ( إِنّه لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } الأعراف  55 بل ونهى جل وعلا عن الظلم بكل أشكاله وشدد على ذلك أيما تشديد فقال سبحانه وتعالى ( ياعبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )  وتوعد سبحانه وتعالى الظالمين لبشاعة مايقومون به وإفسادهم فى الأرض فقال سبحانه وتعالى{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } إبراهيم 42  
ولك أن تتخيل أن الله جل وعلا  يؤخر هؤلاء لـ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } المطففين6 اليوم الذى  أخبر عنه الحق سبحانه وتعالى بقوله (ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } هود  103 
كما نبه القرآن الكريم أن الحق جل وعلا ( لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77  بل ونهى عن الإفساد فى الأرض فقال سبحانه وتعالى ( وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ) القصص / 77 وقال جل وعلا (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) الأعراف /56  
وإذا نظرنا إلى ما قام به بنوا إسرائيل يهودا كانو أم مسيحين على مر الزمان فى بلادنا أو حتي في بلادهم من إعتداءات فإذا بهم لم يتركوا جرما إلا وارتكبوه ؛ فتراهم وقد عاثو فى الأرض الفساد ؛ وفعلوا بأبنائنا وابنائهم الأفاعيل ؛ فأغتصبوا الأرض والثروات وأعراض النساء , ناهيك عن السرقات وتدمير المنشئات وما سببوه للكثير من أبناءنا من عجز وضعف  أعجزهم عن العمل وكسب العيش فى أمان .
وشاء الله سبحانه أن يمهلهم " لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا " والعجيب أن الطغاة لا يعتبرون ؛ فمامن جيل إلا وبه من العبر والعظات ما يكفي إلى يوم القيامة ولكنهم في غيهم يعمهون وفي ضلالتهم تائهون ولا يفيقون إلا مع ملك الموت وصدق المعصوم حين قال " الناس نيام إذا ما ماتوا انتبهوا " ولكن للأسف بعد فوات الآوان ؛ وبعدما خلفوا وراءهم ذنوبا وخسائر لا يعلم مداها إلا الله
ولذا نحن نسألهم بما سألهم به القرآن الكريم " وماذا عليهم لو آمنوا بالله  " لأن إيمانهم بالله سبحانه وتعالى لا يهديهم إلا إلى طريق الخير والصواب ؛ كما أنه سيبعدهم عن الحرام وأثاره ؛  وعن الظلم وعاقبته.
وسنعرض في هذا الكتاب نماذج من بعض الطغاة وبخاصة المشاهير منهم من أمثال النمروذ وفرعون وأبو جهل وغيرهم ممن عاندوا منهج الله تعالى وعاندوا رسل الله سبحانه وتعالى ؛ظانين أنهم بهذا سيطفئون نور الله تعالى ولكن إرادة الله تعالى كانت ولاتزال أقوى من الجمبع فباؤا بغضب من الله في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب عظيم
وليكن للظالمين فى عصرنا ومن بعدنا العبرة والعظة ؛ لأنه من الحكمة أن يعتبر الإنسان بسلفه من أن يعتبرالناس به ؛ ولذا فنحن نحذر الظالمين على كل المستويات ونسألهم أن يتقوا الله تعالى فإنه من غالب الله تعالى غلبه.
ولقد استعنت بما جاء في كتب السابقين وما جاء على شبكة الإنترنت فما وجدت له صاحبا أحلت الكلام إليه ؛  ومن لم أجد له صاحبا ولكلامه فائدة كتبته واسنعنت به ونسأله السماح والدعاء .

                   

   بسم الله الرحمن الرحيم

 

  وماذا عليهم لو آمنوا بالله

إعداد

             / أ / أحمد إسماعيل زيد

             محاضر بالأكاديمية الإسلامية

             لدراسات الأديان والمذاهب

محاضر بقناة الأمة الفضائية

 

محتويات الكتاب

الباب الأول11-38

أصناف الطغاة

--------------------

الباب الثاني39-81

أبو جهل ومن هم على شاكلته 

أبولهب

الوليد بن المغيرة

عتبة بن ربيعة 

عبد الله بن أبي بن سلول

حديث الإفك‏‏

هولاكو خان

----------------------

الباب الثالث82-114

طغاة العصر الحديث

أدولف هتلر

(برنامج القتل الرحيم)

الحرب العالمية الثانية

فلاديمير لينين

جوزيف فيساريونوفيتش ستالين

التصفيات الجسدية

----------------------

الباب الرابع115-131

وعلى الباغي تدور الدوائر

أمارات الدمار

بوادر السقوط

أمريكا و الجرائم

أمريكا والصهاينة

إنها إرادة الله

نهاية الظالمين : جورج بوش وتوني بلير .

رؤساء أمريكا والعرب

--------------------------------------------

الباب الخامس132-182

عصابات صهيون

أرييل شارون

الجرائم والمذابح  التي قام بها

موشى ديان

جولدا مائير

بين جولدا مائير وكسينجر

مناحم بيجين

لورد روتشيلد

آرثر بلفور

------------------------

المراجع 183

 

 

المقدمة

إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وعلمه البيان وفضله على سائر المخلوقات فقال تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر  والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم عليى كثير ممن خلقا تفضيلا "

يعتقد البعض أن  ما يقوم به الغرب المسيحي على البلاد الإسلامية والعربية هو عدوان مقدس أو عدوان ترعاه العناية الالهية  وهذا إعتقاد خاطئ لأن الحق سبحانه وتعالى قال ( وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) الزمر /7 وأنه سبحانه وتعالى يقول ( إِنّه لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } الأعراف  55 بل ونهى جل وعلا عن الظلم بكل أشكاله وشدد على ذلك أيما تشديد فقال سبحانه وتعالى ( ياعبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )[1] وتوعد سبحانه وتعالى الظالمين لبشاعة مايقومون به وإفسادهم فى الأرض فقال سبحانه وتعالى{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } إبراهيم 42   

ولك أن تتخيل أن الله جل وعلا  يؤخر هؤلاء لـ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } المطففين6 اليوم الذى  أخبر عنه الحق سبحانه وتعالى بقوله (ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } هود  103 

كما نبه القرآن الكريم أن الحق جل وعلا ( لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77  بل ونهى عن الإفساد فى الأرض فقال سبحانه وتعالى ( وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ) القصص / 77 وقال جل وعلا (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) الأعراف /56   

وإذا نظرنا إلى ما قام به بنوا إسرائيل يهودا كانو أم مسيحين على مر الزمان فى بلادنا أو حتي في بلادهم من إعتداءات فإذا بهم لم يتركوا جرما إلا وارتكبوه ؛ فتراهم وقد عاثو فى الأرض الفساد ؛ وفعلوا بأبنائنا وابنائهم الأفاعيل ؛ فأغتصبوا الأرض والثروات وأعراض النساء , ناهيك عن السرقات وتدمير المنشئات وما سببوه للكثير من أبناءنا من عجز وضعف  أعجزهم عن العمل وكسب العيش فى أمان .

وشاء الله سبحانه أن يمهلهم " لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا " والعجيب أن الطغاة لا يعتبرون ؛ فمامن جيل إلا وبه من العبر والعظات ما يكفي إلى يوم القيامة ولكنهم في غيهم يعمهون وفي ضلالتهم تائهون ولا يفيقون إلا مع ملك الموت وصدق المعصوم حين قال " الناس نيام إذا ما ماتوا انتبهوا " ولكن للأسف بعد فوات الآوان ؛ وبعدما خلفوا وراءهم ذنوبا وخسائر لا يعلم مداها إلا الله

ولذا نحن نسألهم بما سألهم به القرآن الكريم " وماذا عليهم لو آمنوا بالله  " لأن إيمانهم بالله سبحانه وتعالى لا يهديهم إلا إلى طريق الخير والصواب ؛ كما أنه سيبعدهم عن الحرام وأثاره ؛  وعن الظلم وعاقبته.

وسنعرض في هذا الكتاب نماذج من بعض الطغاة وبخاصة المشاهير منهم من أمثال النمروذ وفرعون وأبو جهل وغيرهم ممن عاندوا منهج الله تعالى وعاندوا رسل الله سبحانه وتعالى ؛ظانين أنهم بهذا سيطفئون نور الله تعالى ولكن إرادة الله تعالى كانت ولاتزال أقوى من الجمبع فباؤا بغضب من الله في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب عظيم

وليكن للظالمين فى عصرنا ومن بعدنا العبرة والعظة ؛ لأنه من الحكمة أن يعتبر الإنسان بسلفه من أن يعتبرالناس به ؛ ولذا فنحن نحذر الظالمين على كل المستويات ونسألهم أن يتقوا الله تعالى فإنه من غالب الله تعالى غلبه.

ولقد استعنت بما جاء في كتب السابقين وما جاء على شبكة الإنترنت فما وجدت له صاحبا أحلت الكلام إليه ؛  ومن لم أجد له صاحبا ولكلامه فائدة كتبته واسنعنت به ونسأله السماح والدعاء .

بين يدي الكتاب

 

ولقد سجل التاريخ ما فعله بنوا إسرائيل بأبناء المسلمين على مدى العصور . وبما أن ملة الكفر واحدة فوجدناهم لا يختلفون كثيرا عن المشركين والمنافقين الذين عاندوا المسلمين وحاربوهم ولا يزالون .

والعيب أنه لا لشئ إلا لأنهم بهم من الغباء والحقد والغل ما يجعلهم يحاربون بعضهم بعضا إن لم يجدوا من يحاربوه .بل ونراهم قد يتسببوا في تدمير العالم لمجرد فكرة أو خاطرة خطرت ببال أحدهم أو وهما زعموا أنه يهددهم أو ربما لمصلحة ما رأوا أنهم لن يتأتى لهم الحصول عليها إلا بالدمار ولا يعنيهم كم الخسائر والدمار الذي قد يلحق بالبشرية المهم هو إرضاء شواتهم ونزواتهم .

والحق أن لله جل وعلا نعما لا تعد ولا تحصى وإن من أجلها هداية الله سبحانه وتعالى لعباده ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين (الحجرات /17  

لانه بالإيمان يجد العباد في الظلمة نورا وفى الجهالة حلما وفى الضيق فرجا ومع  العسر يسرا وصدق الحق جل وعلا حين قال (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) التغابن /11 حينئذ يحيا العباد في سعادة (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) الزمر /22  

ولأن آفة الزمان هم البطانة السيئة التي تصور الباطل وتزينه لأهل القوة والجبروت ولذا بين لنا الحق سبحانه وتعالى إن كان البعض  يلجأ إلى أصحاب النفوذ للإستفادة من نفوذهم أو الخوف منهم  فأعلمنا الحق جل وعلا أنه سبحانه وتعالى (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)  الذاريات 58      

وإذا كان البعض يلجأ إلى أصحاب الأموال  فالحق جل وعلا أخبرنا بقوله تعالى (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)  المنافقون -  7  وإذا أراد البعض أن يستند إلى العظماء فالله سبحانه وتعالى أخبرنا بأنه جل وعلا  (الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) 

- ومن أعرض عن طريق الحق جل وعلا فقد حرم الخير كله لقوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا)طه/ 124 وتراه يحيا في ضيق وشقاء لقوله تعالى عن صاحب المعيشة الضنكة) كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء)الأنعام/124  ومن ثم  تجدهم فريسة لأهوائهم  لقول الله تعالى (  وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ) القصص /50  

  ولذا فمن السهل ) فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) الحج /31  لأن هؤلاء وأشباههم قال عنهم الحق سبحانه وتعالى  ( تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 62    

والعجيب أن من هؤلاء الطغاة والمفسدين من يزعم أن ما وهبه الله إياه إنما هو من عنده فيقول أحدهم كما حكى القرآن الكريم عنه( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ) القصص /78  أو قد يغتر بما لديه من قوة وحضارة  فيقول ما قاله قوم عاد حين  ( َقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فصلت /15 بل ويجرؤ احدهم  فيقول(سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ )  الأنعام/93

وهذا الإختلاف إنما مرجعه للإيمان : أى إذا آمن الإنسان بأنه عبدا لله جل وعلا  وراعى هذه العبودية حق رعايتها  وعلم أنه له حدودا لا يتعداها وأوامر يأتى منها ما يستطيع ؛ ونواهي عليه إجتنابها كما بين المعصوم صلى الله عليه وسلم.  حينئذ تجده صالحا ومصلحا تسعد به الدنيا ويسعد هو بما قدم من عمل صالح وعبودية خالصة لله رب العلمين  وصدق الحق جل وعلا حين قال(  َومَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ )  النساء /125

  أما إذا آمن الإنسان بأنه ابنا لله جل وعلا ( حاشاه ) وتعالى عن ذلك علوا كبيرا  ولكن كما يزعم اليهود والنصارى أوندا له سبحانه وتعالى كما يتصور المشركون والملحدون والفاسقون ؛ حينئذ تكون الطامة الكبرى لأن تصرف الابن يختلف كثيرا عن تصرفات العبيد ففي الوقت الذي يشعر فيه العبد أنه يعمل فيما لا يملك وأن جزاؤه بقدر ما يقدم من عمل صالح له وللبشرية .

فالابن يشعر أنه ينعم بممتلكات أبيه ومن ثم  فلا عليه أن يشقى بل يضاهى أبيه في تصرفاته ليحظى بما لأبيه من  مكانه ؛ والند يتصرف  في ممتلكاته تصرف أقرانه  فإذا كانت الأمور على ما يرام  فإذا بالمودة تسود بينهم وينادى بعضهم بعضا بأحب الألفاظ أما إذا حدث ما يعكر  الصفو فإذا بهم يتراشقون بالألفاظ .

  ولقد وقع بنوا إسرائيل يهودا كانوا أم مسيحين ومن عاونهم من المشركين والكافرين  في هذا المحظور وغرهم أن الحق جل وعلا أمهلهم وأملى لهم لقوله تعالى ( وأملي لهم إن كيدي متين )

ومع أن بنى إسرائيل أغضبوا الرب جل وعلا كثيرا بما أرتكبوه من آثام  وخطايا  أملى الحق سبحانه وتعالى لهم وأرسل إليهم الأنبياء ليأخذوا بأيديهم  إلى بر الأمان  فكانوا يعيشون في أمان  مادام الأنبياء فيهم فإذا ذكروا هذه الفترة في كتاباتهم نجدهم يذكرون الله جل وعلا بصفاته العلى .

إلا إنهم حين امتدت أيديهم إلى المحرمات  قست قلوبهم وعميت بصائرهم وراؤا الأنبياء عقبة في سبيل مجونهم  فسولت لهم أنفسهم أن قتل الأنبياء أفضل عندهم من اتباعهم  ولا حول ولا قوة إلا بالله وليس هذا فحسب ؛ بل بعد قتل الأنبياء  اتجهوا إلى المصلحين منهم وساموهم سوء العذاب .

وكأن بنوا إسرائيل لا يريدون نورا بل يريدونها ظلمات لتتماشى مع ظلمات فكرهم  وقسوة قلوبهم  وصدق الحق جل وعلا حين قال (  وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ )   البقرة /257 وصدق  فيهم قول الحق سبحانه  ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )  ال عمران /21

وأكد سيدنا عيسى عليه السلام أن بنى إسرائيل بلغوا من الظلم درجة استحقوا معها أن يحرموا من نعم الله جل وعلا وأجلها نعمة النبوة  فقال" إن ملكوت الله سينزع منكم ويعطى لأمة تعمل اثمارة " ثم بين لهم أن هذا بسبب فسادهم  وقتلهم الأنبياء فقال  " يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة  المرسلين  "  

ثم وضح عليه السلام أن ألامة التي ستحمل الأمانه من نسل سيدنا إسماعيل عليه السلام فقال " إن الحجر الذي رفضه البناءون قديما قد صار راس الزاوية " وذلك  لأن ينو إسرائيل رفضوا بنوة سيدنا إسماعيل لسيدنا إبراهيم عليهما السلام  فقالوا  " اطرد الجارية وابنها  لأنه لا يرث ابن الجارية  مع ابني إسحاق "    

وحين أخبرهم سيدنا عيسى عليه السلام باسم النبي  محمد صلى الله عليه وسلم فقال كما حكى القرآن الكريم ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ( الصف/6  فى الإنجيل يقول  " ولكن هذه الإهانه  والإستهزاء تبقيان إلى أن يجى محمد رسول الله  فإذا جاء نبه كل مؤمن على الغلط وترتفع هذه الشبه من قلوب الناس "   فإذا باليهود يطاردون سيدنا عيسى عليه السلام  شر مطاردة  ليكف عن هذه البشارات وكادو أن يفتكوا به  لولا أن الله العلى القدير أنقذه بقدرته (  إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)ال عمران/55ْ     حينئذ جن جنون اليهود وأدركوا أنهم خسروا الدنيا والآخرة وهذا هو الخسران المبين ولذا)  ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ) البقرة/61  ومن ثم سارع بنوا إسرائيل إلى الكهنة والأحبار  ليجدوا لهم مخرجا  وإذا بهم  وبكل ما اتوا  من مكر  ودهاء  شرعوا  يجمعون  أبنائهم  على دين  أبائهم  الذي لم يبق منه إلا القليل .

  وفى هذا يقولول ديورانت(    " وكان الدين قائما من خلال الكهنة  وما قاموا  من شرح وتفسير  مختلف القوانين اليهودية  المنقولة  بطريق  السماع  ويضيفون  إليها  قصصا وعظات  من عند أنفسهم  وبقيت هذه التفاسير يتناقلها  العلماء  والحفاظ المحترفون  جيلا بعد جيل    

ثم غرس الكهنة  والأحبار زورا وبهتانا في أبنائهم  أنهم أبناء الله وأحباؤه بل ولهم من الأوصاف ما لله جل وعلا ومن ثم فهم يطالبون الحق جل وعلا أن لا يتركهم سدى  ولتحظى أقوالهم بالقدسية سجلوها في الكتاب المقدس وفى التلمود .

  ففي التوراة زعموا أن الرب جل وعلا قال " وقال الرب لموسى  عندما تذهب لترجع إلى مصر  انظر جميع العجائب  التي أجعلها في يدك واضعها قدام فرعون  ولكني أشدد قلبه  حتى ليطلق شعبي  فتقول لفرعون  هكذا يقول  الرب إسرائيل ابني البكر  فقلت لك أطلق ابني ليعبدني )   

و فى التلمود يقولون " إن أرواح اليهود تتميز عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله  كما أن الابن جزء من والده " كما قالو " أرواح اليهود عزيزة عند الله " ولكن الحق جل وعلا قال) قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَالمائدة /18(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ الأعراف/168 إذا فهم كما قال الحق سبحانه عنهم ) انتم بشر ممن خلق  ( ومن ثم فمثلهم مثل باقي البشرتسير عليهم القاعدة العامة " إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا" ( الإسراء/7 

ولم يكتف الكهنة والأحبار بغرس هذه الأفكار الخاطئه في نفوس أبنائهم  بل غالوا في ذات الله جل وعلا  وظهر غلوهم وشططهم في حديثهم عن الله جل وعلا  فذكروا عن الله سبحانه صفات لا تليق  بجلاله وما أقدموا على ذلك ألا لأتهم زعموا أن الرب جل وعلا وإن كان قد كتب عليهم التشتت في الأرض  فلم يكن بسبب فسادهم وإنما زعموا أن الله جل وعلا حاشاه نسى أنهم أبناؤه  ولم يقدرهم حق قدرهم ولذا وصفوه جل وعلا بصفات عجيبة .

فقالوا في التلمود " إن الله ليس معصوما من الطيش  ولا من الغضب  وانه محتاج دائما إلى حاخاماتهم   -التلمود ص 74 /2-        

 وأكد) ول ديورانت (ذلك فقال"  (  ويرى اليهود في الإله  انه صارم  ذو نزعة حربية  لا يطلب الناس  بأن يعتقدوا أنه عالم بكل شي ليس معصوما من الخطأ والطيش وانه شره وغضوب ومتعطش للدماء متقلب الأدوار , انه كثير الكلام  يرضى عن يعقوب  وما قام به من خداع  كما أن الله حي لا يسمح للناس أن يروا منه إلا ظهره)   ول  ديورانت قصة الحضارة /  المجلد السادس  ص 338

ولذا فنحن نرى أن بني إسرائيل هم أكثر البشرية الأن ظلما وفسادا لأنه من خان الله ورسله لا يعنيه أن يخون البشرية جمعاء وقد فعلوا ما هو أكثر من ذلك فتسببوا بفسادهم وطغيانهم فى العديد من الحروب والدمار .

ومن أشد ما أفسدوا فيه هو كفرهم بالله تعالى ورسله وتغيرهم لما أراد الله تعالى ؛ ورأيت أن أعرض بعضا مما أفسدوه في العقيدة  لترى عزيزي القارئ أن بني إسرائيل هم الطغاة ومن عاونهم ولذا أفردت لهم بابا في أخر الكتاب لتطلع على بعضا مما ارتكبوه في حق البشرية .

وماذا على بني إسرائيل لو آمنوا بالله حق الإيمان ؟ لا شك سيعيشون في أمان ويأمن جيرانهم وكانت الدنيا أكثر أمانا وسلاما .

 

 

 

 

 

 

 

الباب الأول

أصناف الطغاة

تمهيد:-

وصدق الحق حين قال( وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ   )  الأعراف /180 واستكمالا لما بدأناه  من سلسلة  قل صدق الله رأيت أن أبين في الجزء الثالث من السلسلة الثانية وهى بعنوان ( تشابهت قلوبهم ) صدق القرآن الكريم  فيما حكاه عن بنى إسرائيل  حين قال جل وعلا)  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقّ) النساء/171                  

   لقد مر بنوا إسرائيل بفترات متغايرة  فتارة أعزة بإيمانهم بالله رب العالمين  وبإتباعهم  للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وتارة أذلة بعصيانهم لأوامر الله جل وعلا وعبادتهم الأوثان وقتلهم الأنبياء وصدق الحق جل وعلا حين قال (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)المائدة/78    

وحين سجلوا تاريخهم في العهد القديم إذا مروا بفترات العزة والتمكين ذكروا الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العظمى وإذا مروا بأيام المذلة والمسكنة ذكروا الله جل وعلا بصفات لا تليق  بجلاله ؛ زاعمين أن هذه المذلة إنما بسبب تقصير الرب جل وعلا) حاشاه ( تجاههم لا بسبب فسادهم وعصيانهم ودفعهم هذا الفهم الخاطئ  إلى وضع مبادئ  في العهد القديم  لتسير على هداها الأجيال اليهودية  جيلا بعد الأخر  ولأن هذه المبادئ  بها من الشرور  والفساد  مالا يطاق رأيت أن أكتب بعضا منها  لنكون على حذر  عملا بقول الحق جل وعلا ) وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) المائدة/49

وأسال الله جل وعلا المغفرة ولا يواخذنا بما قال السفهاء منهم عن ذاته سبحانه فإن الحق جل وعلا يعلم صدق نيتنا ورغبتنا في إظهار ما يضمره هؤلاء من عداوة للبشرية  ودليلنا في ذلك القرآن الكريم فقد علمنا الحق جل وعلا الأمانة في كل شئ  ومنها ما نطق به الآخرون .

وبدا الحق جل وعلا بذاته فأخبرنا بما قاله اليهود في ذاته سبحانه فقال جل وعلا نقلا عن هؤلاء{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ } المائدة /64 وقولهم {إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} ال عمران /181 بل ذكر الحق سبحانه ما هو  أعجب من ذلك  فذكر سبحانه وتعالى  ما قاله فرعونفَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً ) غافر/37    

أصناف الطغاة

ومن بداية الخليقة والشر يصارع الخير ويود القضاء عليه والعجيب أنه دون سبب أو جرم تماما كما يفعل المجرمون والطغاة في كل زمان ومكان ودليل ذلك ما رأيناه من إبليس اللعين وهو يتوعد آدم عليه السلام وبنيه  ؛ وأخبرنا القرآن الكريم عن ذلك الموقف بقوله تعالى " قال بعزتك لأغوينهم أجمعين " وليس هذا فحسب بل قال أيضا "لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين

و الطغاة على صنفين :

--   الصنف الأول : وهم الطغاة الذين حاربوا الله ورسوله وبذلوا الغالي والنفيس ليحولوا دون تطبيق شرع الله في الأرض .

-- الصف الثاني : هم الطغاة الذين سامواالشعوب سوء العذاب وأذاقوهم الوان الذل والهوان والعجيب أنه لا لشئ إلا ليرضوا شيطانهم ونزواتهم .

وكلاهما سيلقيان فى النار لأنهما أفسدوا في الأرض وحاربوا الله ورسوله ولذا قال تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف  أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب عظيم "

والمذهل  أن ملة الكفر واحدة فإذا رأينا ما قام به فرعون أو النمروذ أو أبو جهل أو غيرهم من المفسدين في العصر الحديث من أمثال لينين وستالين وهتلر أو المعاصرين من أمثال شارون أو باراك  أو نتنياهو وغيرهم ممن لا يحصون عدا ؛ لاترى فارقا كبيرا بينهم بل الجميع متفقون على الدمار والهلاك لشعوبهم  ولتدمير دعاة الإصلاح في كل زمان ومكان وفي هذا يقول تعالى  ( والذين يقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالفسط من الناس فبشرهم لعذاب أليم )

والأعجب من هؤلاء الطغاة هم أعوانهم ؛  فلو أن هناك مبررا للطغاة يبررون به لأنفسهم ما يقومون به من قتل أو تخريب فما المبرر إذن لمن يعاونهم ؟ والغريب أنك تراهم يدافعون عنهم أكثر من أنفسهم إن طلب منهم الدفاع عن أنفسهم ولهؤلاء وعيد شديد في القرآن الكريم وهو قوله تعالى ( ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أمن يكون عليهم وكيلا )

وبدا هذا واضحا في قول الحق سبحانه تعالى عن جنود فرعون فقال تعالى ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) فتحمل الجنود الوزر مثلهم تاما مثل فرعون وهامان لأنهم اليد التي يبطش بها فالجنود هم أعوان الظلمة .

ويحضرني  الآن : الحوار الذي دار بين الإمام أحمد بن حنبل والسجان الذي كان مسئولا عنه في السجن فقال السجان : يا إمام هل الأحاديث التي وردت بشأن أعوان الظلمة صحيحة ؟

فقال الإمام أحمد : نعم يابني .

فقال السجان : بالله عليك هل ترانى من أعوان الظلمة ؟

فقال الإمام : لا  يابني ؛ فأعوان الظلمة هم من طهى لهم طعاما أو خاط لهم ثيابا أو أعد لهم ورقا أما أنت يابني فأنت من الظلمة أنفسهم . وصدق الحق جل وعلا حين قال ( ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار )  

والغريب أن هؤلاء الطغاة لم يراعوا حتى في شعوبهم  إلا ولا ذمة ؛ فالعديد منهم ضحى بجوع شعبه وحرمانه ليحيا هو فبي رغد من العيش ولذا سجل التاريخ اسمائهم لتلاحقهم اللعنات في دنيا الناس قبل الحساب الشديد يوم الوعيد إن شاء الله .  لأن الله تعالى  أخذ على الرعاة عهدا ألا يفسدوا في الأرض فقال تعالى {  ولا تفسدوا فى الارض بعد إصلاحها } وقال تعالى في حديثه القدسي " ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا "  

 وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم " ما ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة  .

وهذا لأن الناس دائما على دين ملوكهم فإن أصلحوا ما بينهم وبين الله تعالى أصلح الله نعالى ما بينهم وبين شعوبهم بل وأظلهم الحق سبحانه وتعالى في ظله يوم لا ظل الا ظله لقول المعصوم صلى الله عليه وسلم " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " وذكر صلى الله عليه وسلم  أن أولهم " إمام عادل "

والتاريخ الإسلامي حافل بالعديد من النماذج الطيبة وأحوال المسلمين التي تحسنت وتطورت حين يحكمهم حاكم عادل ويصلح ما بينه وبين الله تعالى كما رأينا فى عهد الصديق وفي عهد الفاروق رضى الله عنهما وكذلك في عهد عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه .

الطغاة وجزاءهم

ولقد أخبرنا القرآن الكريم عن حوار دار بين نبى الله إبراهيم عليه السلام وبين طاغية من طواغيت الأرض كان يدعى النمروذ ولم نجد فى العهد القديم ولا العهد الجديد أى إشارة لهذا الحوار لأنه يخالف ما يدعوا إليه العهدين القديم والجديد من ضعف وخوار فى الدعوة إلى الله جل وعلا .

بينما نرى فى القرآن الكريم عند نهاية هذا الحوار أن إبراهيم عليه السلام استطاع بفضل الله أن يتغلب عليه ويعلن له أن الله جل وعلا هو وحده القادر على كل شئ  وفى هذا يقول تعالى :-

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (البقرة : 258 )   وفى الوقت الذى افتقدنا فيه هذا الحوار فى العهدين القديم والجديد وكذلك افتقدناه فى إنجيل برنابا وجدناه  فى التلمود وان كان بصورة مختلفة

إبراهيم عليه السلام و النمروذ فى التلمود :

ذكروا في مدراش رباه وهي من أجزاء التلمود : أن أبا ابراهيم عليه السلام  حنق عليه حين كسر الأصنام فخاصمه إلى النمروذ :

 فسأله النمروذ:    إن كنت لا تعبد الصور والمشبهات فلماذا لاتعبد النار ؟ قال إبراهيم : أولى من عبادة النار أن أعبد الماء الذي يطفئها  ؛

 قال النمروذ:  فأعبد الماء إذن؟ قال إبراهيم :’بل أولى من عبادة الماء أن أعبد السحاب الذي يحمله ؛

 قال النمروذ:’إذن تعبد السحاب .قال إبراهيم :’ وأولى من السحاب بالعبادة ريح تبدده وتسير به من فضاء إلى فضاء

 قال النمروذ:’ فما لك لا تعبد الريح ؟‘ قال إبراهيم:’إن الإنسان يحتويها بأنفاسه فهو إذن أحق منها بالعبادة ‘ . ومفاد الحوار أن الإنسان عندما ينظر في خلق الله يدرك أن هناك خالقا قديرا لايضيره شيء.

حينها أمر النمروذ " بسجنه سنة بدون ماء ولا طعام ولم يمت ، وضرب عنقه بالسيف فلم يعمل فيه السيف فأمر أحد أعوانه بإحراقه فخرج من الأتون لسان  نار وإلتهم الجلاد ولم يقترب من إبراهيم .

 فاتفقوا على احراقه بإلقائه في النار بمنجنيق ،فضرع الملائكة إلى الله أن ينجيه فأذن لهم أن يعملوا لنجاته  ما يستطيعون ، ولكنه أبى أن يعتمد في نجاته على أحد غير الله ، وإذا بالجمر من حوله كأنه فراش من الورد والريحان  .

وإن كان الحوار مختلف إلا أنه  يحمد للتلمود ذكره لهذا الحوار الذى يدل على فهم للحقيقة الواضحة وهى أن ما فى الكون قوة يرجع اليها الامر كله إلا الله جل وعلا . وكذلك نعتبره حجة على أهل الكتاب فما افتقدناه فى أحد كتبهم نجده فى كتاب أخر وهذا ما يحمد للقرآن الكريم انه لم ينسى شيئا من أخبار الأولين لها قيمة إلا وذكرها وصدق الحق سبحانه وتعالى حين قال :

  {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } (الأنعام : 38 )وصدق سبحانه وتعالى حين قال{ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } (هود : 120 ) وقوله تعالى { كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } (طه : 99 )

وصدق الله جل وعلا حين قال : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } 257 البقرة

ونتناول ما ذكره القرطبي رحمه الله تعالى في نفسير هذه الآية وما بعدها بشأن ما دار بين نبي الله إبراهيم عليه السلام والنمروذ :

فيقول في قول الله تعالى : {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} قال الخطابي : الولي الناصر ينصر عباده المؤمنين ؛ قال الله عز وجل {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} ، وقال {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد : 11]  قال قتادة : الظلمات الضلالة ، والنور الهدى ، 

وقوله تعالى :  { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا } نزلت في قوم آمنوا بعيسى فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به ، فذلك إخراجهم من النور إلى الظلمات.

 قال ابن عطية : فكأن هذا المعتقد أحرز نوراً في المعتقد خرج منه إلى الظلمات ، و هو مترتب في كل أمة كافرة آمن بعضها كالعرب ، وذلك أن من آمن منهم فالله وليه أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان . ومن كفر بعد وجود النبي صلى الله عليه وسلم الداعي المرسل فشيطانه مغويه ، كأنه أخرجه من الإيمان إذ هو معه معد وأهل للدخول فيه ، وحكم عليهم بالدخول في النار لكفرهم ؛ عدلا منه
أما عن قوله تعالى   { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } 258 البقرة
فيه مسألتان : قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ} قال الفراء : "ألم تر" بمعنى هل رأيت ، أي هل رأيت الذي حاج إبراهيم ، وهل رأيت الذي مر على قرية ، أما الذي حاج إبراهيم عليه السلام فهو النمروذ بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح ملك زمانه . وصاحب النار والبعوضة

وكان إهلاكه لما قصد المحاربة مع الله تعالى بأن فتح الله تعالى عليه باباً من البعوض فستروا عين الشمس وأكلوا عسكره ولم يتركوا إلا العظام ، ودخلت واحدة منها في دماغه فأكلته حتى صارت مثل الفأرة ؛ فكان أعز الناس عنده بعد ذلك من يضرب دماغه بمطرقة عتيدة لذلك ، فبقي في البلاء أربعين يوما.

 قال ابن جريح : هو أول ملك في الأرض. وقال قتادة : هو أول من تجبر وهو صاحب الصرح ببابل. وقيل : إنه ملك الدنيا بأجمعها ؛ وهو أحد الكافرين الذين ملكا الدنيا ؛ والآخر بختنصر.

وقيل : إن الذي حاج إبراهيم هو :  نمروذ بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام ؛ حكى جميعه ابن عطية. وحكى السهيلي أنه النمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح وكان ملكاً على السواد وكان ملك النمروذ  أربعمائة عام فيما ذكروا. وفي قصص هذه المحاجة روايتان :

--  إحداهما أنهم خرجوا إلى عيد لهم فدخل إبراهيم على أصنامهم فكسرها ؛ فلما رجعوا قال لهم : أتعبدون ما تنحتون ؟ فقالوا : فمن تعبد ؟ قال : أعبد ربي الذي يحيي ويميت. وقال بعضهم : إن نمروذ كان يحتكر الطعام فكانوا إذا احتاجوا إلى الطعام يشترونه منه ، فإذا دخلوا عليه سجدوا له ؛ فدخل إبراهيم فلم يسجد له .

فقال : مالك لا تسجد لي قال : أنا لا أسجد إلا لربي. فقال له نمروذ : من ربك ؟ قال إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت. وذكر زيد بن أسلم أن النمروذ هذا قعد يأمر الناس بالميرة ، فكلما جاء قوم يقول : من ربكم وإلهكم ؟ فيقولون أنت ؛ فيقول : ميروهم. وجاء إبراهيم عليه السلام يمتار فقال له : من ربك وإلهك ؟

قال إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت ؛ فلما سمعها النمروذ قال : أنا أحيي وأميت ؛  وقال لا تميروه ؛ وأحضر رجلان فقتل أحدهما وأرسل الآخر فقال : قد أحييت هذا وأمت هذا ؛ فلما رد عليه بأمر الشمس بهت.

وروي في الخبر : أن الله تعالى قال وعزتي وجلالي لا تقوم الساعة حتى آتي بالشمس من المغرب ليعلم أني أنا القادر على ذلك. ثم أمر نمروذ بإبراهيم فألقي في النار .

 وهكذا عادة الجبابرة فإنهم إذا عورضوا بشيء وعجزوا عن الحجة اشتغلوا بالعقوبة ، فأنجاه الله من النار ، على ما يأتي. وقال السدي : إنه لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك - ولم يكن قبل ذلك دخل عليه - فكلمه وقال له : من ربك ؟ فقال : ربي الذي يحيي ويميت. قال النمروذ : أنا أحيي وأميت ،  ثم قال : وأنا استطيع أن آخذ أربعة نفر فأدخلهم بيتا ولا يطعمون شيئا ولا يسقون حتى إذا جاعوا أخرجتهم فأطعمت اثنين فيحييا وتركت اثنين فماتا. فعارضه إبراهيم بالشمس فبهت.

وذكر الأصوليون في هذه الآية أن إبراهيم عليه السلام لما وصف ربه تعالى بما هو صفة له من الإحياء والإماتة لكنه أمر له حقيقة ومجاز ، قصد إبراهيم عليه السلام إلى الحقيقة ، وفزع نمروذ إلى المجاز وموه على قومه ؛ فسلم له إبراهيم تسليم الجدل وانتقل معه من المثال وجاءه بأمر لا مجاز فيه {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} أي انقطعت حجته ولم يمكنه أن يقول أنا الآتي بها من المشرق ؛ لأن ذوي الألباب يكذبونه.

               سنة الله في الطغاة

 تمهيد :-         

و العذاب الذي ينتظر الطغاة ليس عذاب أخروي فحسب ؛ بل هناك عذاب دنيوي أيضاً كما قال الله تعالى عن فرعون :(فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) وإن كان نكال الآخرة هو النكال الحقيقي الأشد والأبقى. وصدق الحق جل وعلا حين قال ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) ليعلم الناس أنه إذا كانت هذه هي نهاية النمروذ و فرعون صاحبا السلطة والنفوذ والذين قد ملأ الأرض فسادا فكيف بغيرهما ؟ إنها سنة الله في الطغاة .

وصدق الحق جل وعلا حين قال لفرعون  " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية " آية على قدرة الله جل وعلا وعظمته وأنه سبحانه وتعالى لايعجزه شئ في الأرض ولا في السماء  كما أنه آية على أنه رغم ما وصل إليه فرعون من حضارة  لم يسبق لها مثيل بل تتكرر إلى الآن  فرغم هذا لم تحول حضارة فرعون بينه وبين انتقام الله جل وعلا وصدق الحق حين قال " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد "  

 ولكن لا يدرك هذا إلا من يخشى الله عز وجل. ومن سنة الله مع الطغاة أنه يمهلهم في غيهم وطغيانهم فقال تعالى  (وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (الحج:48)  فيستدرج الله الطغاة ليزدادوا إثماً فيقول تعالى  (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (القلم:44 ـ 45)

فالله سبحانه وتعالى يمهل لهؤلاء الطغاة ويمدهم بأسباب القوة ، والقدرة على الحرب كيداً ومكراً بهم لا حباً لهم ونصراً ، ثم يأخذهم على حين غرة وثبت في الحديث :"إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ". إنها مسألة وقت " ولكنكم تستعجلون"      فرعون

لاشك أن فرعون من أشهر الطغاة في كل زمان ومكان فكان مثالا للطاغية الغبي الذي أقحم نفسه في قضية لم يكن هو المقصود من وراءها لأنه حين أرسل الحق سبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه السلام إلى فرعون فلم يكن القصد فرعون بل كانت الرسالة واضحة  فقال موسى عليه السلام كما أمره ربه تعالى  " أن أرسل معنا بني إسرائيل " فكان الغرض هو أن يسمح لبني إسرائيل بالذهاب والخروج من مصر  إلا أنه فوجئ نبي الله موسى عليه السلام بفرعون وهو يقحم نفسه في قضية أودت بحياته فكان مثالا وعبرة كما سنوضح بعد قليل .

وكان فرعون يتباهى بجنوده  فجاء في تفسير الآيات الكريمات :" وفرعون ذي الأوتاد: أي الجنود والعساكر والجموع التي تشد ملكه. ..طغوا أي تمردوا وعتوا وتجاوزوا القدر في الظلم والعدوان . فأكثروا فيها الفساد أي الجور والظلم " وهذه الصورة تتكرر مع كل سلطة ظالمة ، والعجيب أن الطغاة لا يجد معهم النصح والإرشاد فقد أرسل الله تعالى موسى عليه السلام إلى فرعون  

 فجاءه موسى وناداه بأعذب وأرق الألفاظ ليستلين قلبه فلعله يخشى كما أمره الحق سبحانه وتعالى :  قائلا له : ( فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى) (النازعـات:18ـ19)  ولكن عمى الطغيان وران على قلب فرعون، فكان الرد (فكذب وعصى ، ثم أدبر يسعى) " أدبر يسعى في الكيد والمحاولة ،

 فحشر السحرة والجماهير ، ثم انطلقت منه الكلمة الوقحة المتطاولة ، المليئة بالغرور والجهالة : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) ، قالها الطاغية مخدوعاً بغفلة جماهيره ، وإذعانها وانقيادها. فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها. وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانا . إنما هي الجماهير الغافلة الذلول , تمطي له ظهرها فيركب ! وتمد له أعناقها فيجر ! وتحني له رؤوسها فيستعلي ! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى !

 والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى . وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم . فالطاغية - وهو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين , لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها .

وكل فرد فيها هو كفء للطاغية من ناحية القوة ولكن الطاغية يخدعها فيوهمها أنه يملك لها شيئا ! وما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبدا .وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبدا .وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها وتؤمن به وتأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرا ولا رشدا ! فأما فرعون فوجد في قومه من الغفلة ومن الذلة ومن خواء القلب من الإيمان , ما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرة الفاجرة: (أنا ربكم الأعلى).

 وما كان ليقولها أبدا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة , تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء . وإن يسلبه الذباب شيئا لا يستنقذ من الذباب شيئا !وهؤلاء الطغاة تنقلب عندهم الموازين ، وتتبدل لديهم المفاهيم فيرى الصلاح شرا، والشر خير ؛ بل إن الطاغية أشد ما يواجه هي القيم الرفيعة والمبادئ السليمة والتي تقف حاجزاً في طريق طغيانه ، فلا بد لهذه القيم أن تتغير ، والموازين تزور ، والتصورات توجه . كي تقبل صورة الطغيان البشعة وتكون مستساغة لدى الرأي العام .  والمذهل أن الطغاة يبررون لأنفسهم ما يقومون به من قتل وتخريب و يقومون بقلب الحقائق مستغلين غباء وذل لشعوب

وقد حكى الله تعالى عن فرعون أنه لما أراد قتل موسى عليه السلام تعلل بقوله : ( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر:26) وهذه دائماً أقوال الطغاة فهي تتشابه في المعنى وإن كان لكل طاغية مصطلحاته وأسلوبه الخاص في التمويه على الناس ، ومحاولة إقناعهم بكلمات يلوكونها بألسنتهم ثم يلفظونها ، لا تستند على دليل شرعي أو منطق عقلي أو برهان حسي .

فالباطل لا يستطيع أن يدمغ الحق بالحجة والدليل ، وإنما هو التمويه والتظليل في تمرير مخططاته وتنفيذ شروره عن طريق إلباس الحق ملابس الإجرام والإرهاب. وقد جرت العادة أن الطغاة هم الذين يقررون ويأمرون وينهون . وإلا فلم كان طاغية ! فهذا فرعون يقول لقومه : ( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)(غافر: من الآية29)

 فهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيه؟ هل يسمح لأحد أن يرفع "الفيتو" ضد رأي هذا الطاغية؟ إنه مبدأ الطغيان والاستكبار والتسلط في فرض الرأي وإقناع الآخرين بأن الحق ما أراه. ولا بد لهذا الطاغية من حاشية تسند رأيه وتصوبه ؛ بل وتحرضه على مطاردة الصالحين بحجة القضاء على محور الشر والفساد .

 فهؤلاء حاشية فرعون ـ وهم الملأ ـ يقولون لفرعون كما حكى القرآن الكريم : ( وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَك ) فالطاغية وحاشيته دائماً في تآمر وتناجي بالأثم والتحريض .

فالملأ ـ الحاشية ـ يهيجون الطاغية ، ويخوفونه عاقبة التهاون ، من ضياع الهيبة والسلطان. فيزينون له سوء عمله ، فتراه هائجا مائجا ، مستعز بقوته الغاشمة التي بين يديه ، وبالسلطان المادي الذي يرتكن إليه ، مستجيبا لصوت الباطل قائلاً : ( سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) (لأعراف:127)

 ولا يهتم ـ غالباً ـ الطاغية بمظاهرات الجماهير المناوئين لارائه . فبعض الجماهير الفاسقة قد يستميلها الحق . إلا إن الطاغية يبذل كل ما في وسعه ليجذب هذه الجماهير إلى رأيه . فيستميلها بمنطق خلاب خادع ، وإعلام يزيف الحقائق ،يروج لرأي الطاغية المتسلط . فهذا فرعون عندما رأى من قومه استمالة للحق ، نادى فيهم قائلاً : (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِين ، فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) (الزخرف:51 ـ53)  ففرعون يحاول أن يتحكم في تفكيرهم ، وينفث في روعهم أنه خير  وأفضل. ويستخدم المؤثرات المصطنعة ويعيدها ويكررها حتى ينسيهم حقيقة الأمور ، عندها ينقادون لأمره ويطيعونه ، ويصوتون لرأيه  ومن ثم  : ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الزخرف:54) " ولا يملك الطاغية أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم فاسقون لا يستقيمون على طريق ، ولا يمسكون بحبل الله ، ولا يزنون بميزان الإيمان . فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح

جزاء الطغيان :

إن الشر مهما استعلى وطغى وبغى فلا بد له من نهاية مريرة . والطغاة قد تخدعهم قوتهم وسطوتهم المادية ، فينسون قوة الله وجبروته ، فيهلكهم الله عز وجل . فالبغي إذا تمرد وتكبر فإنه يهلك نفسه بنفسه فيهيئ الله المستضعفين المعتدى عليهم أن يسحقوا هذا الباطل الأشر كما حكى الله عن بني إسرائيل : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5)  

وهنا يذكر سيد قطب ـ رحمه الله ـ كلاماً جميلاً ، قائلاً :" إنه حين كان بنو إسرائيل يؤدون ضريبة الذل لفرعون وهو يقتل أبناءهم ويستحي نساءهم لم تتدخل يد القدرة لإدارة المعركة . فهم لم يكونوا يؤدون هذه الضريبة إلا ذلاً واستكانة وخوفاً. فأما حين استعلن الإيمان ، في قلوب الذين آمنوا بموسى واستعدوا لاحتمال التعذيب وهم مرفوعو الرؤوس يجهرون بكلمة الإيمان في وجه فرعون دون تلجلج ودون تحرج ، ودون اتقاء للتعذيب .

 فعند ذلك فقط تدخلت يد القدرة لإدارة المعركة. وإعلان النصر الذي تم قبل ذلك في الأرواح والقلوب . فدلت هذه على أنه حين يتمحض الشر والفساد ويقف الخير عاجزاً لا يستطيع دفع صائل الطغي والتجبر فإن الله يهيء سبب يهلك به هذا الطاغية . وهكذا كانت نهاية فرعون : ( فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد )(الفجر:13ـ14)

فهذا مصير كل طاغية ، وتأمل قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) فهو سبحانه يرصد عمل هذا الطاغية ـ وكل إنسان ـ حتى يجازيه ، فالله عز وجل راصد لا يفوته شيء . مطلع على تمرد هذا الطاغية وتسلطه .

 فليطمئن قلب المؤمن ولا يوجل ، فإن الله معه راصد للطغيان والشر والفساد.والعجيب أن فرعون لم يكن المقصود من الدعوة . فكانت الدعوة خاصة لبني إسرائيل ولكن لغباءه وجهله أقحم نفسه في قضية انتهت بهلاكه بل جعلته عبرة لكل الطغاة على مر التاريخ  فحين جاءه نبي الله موسى  وأخيه نبي الله هارون قائلين له ( أن أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم ) فلو أرسلهم لقضي الأمر ولكن ماذا يقعل بطغيانه وجبروته .

 فعاند وطلب من موسي عليه السلام ما يثبت أنه رسول من رب العالمين ومن هنا بدأت النهاية القاصمة لفرعون . فحين أراد نبي الله موسى عليه السلام أن يثبت لفرعون أنه رسول من عند الله أتاه بمعجزة كان من المفروض أن تأخذ بالألباب إلا أننا فؤجئنا به يقول ما حكاه القرآن الكريم .

 فقال تعالى : {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} أي تصرفنا. {عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} يريد من عبادة الأصنام. {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} أي العظمة والملك والسلطان {فِي الْأَرْضِ} يريد أرض مصر. ثم أجزم وقطع قائلا :  {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ}

ونترك المجال للقرآن الكريم وهو يستعرض لنا ما ذكره الحق سبحانه وتعالى قي مطلع هذه القصة {وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ ، قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ *  يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} ( 104—112)
فقوله تعالى : {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}. {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ} أي خلهم. لأن فرعون كان  يستعملهم في الأعمال الشاقة. ولكي يثبت نبي الله موسى لفرعون أنه ماجاء إليه من تلقاء نفسه إنما هي أوامر الله تعالى  {فَأَلْقَى عَصَاهُ} فتحولت إلى حية لا لبس فيها. وليس هذا فحسب بل  {وَنَزَعَ يَدَهُ} أي أخرجها وأظهرها.

 قيل : من جيبه أو من جناحه ؛ {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [النمل : 12] أي من غير برص. وكان موسى أسمر شديد السمرة ، ثم أعاد يده إلى جيبه فعادت إلى لونها الأول. قال ابن عباس : كان ليده نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض. وقيل : كانت تخرج يده بيضاء كالثلج تلوح ، فإذا ردها عادت إلى مثل سائر بدنه.

 حينها {  قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } أي بالسحر. فظن فرعون أن الأمر خدعة فأراد أن يستنفر معه الملأ فعقب بقوله { يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ  } و {مِنْ أَرْضِكُمْ} أي من ملككم معاشر القبط ، بتقديمه بني إسرائيل عليكم. {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}

وقتها أشار عليه الملأ كما قال تعالى : {قَالُوا أَرْجِهْ}. أخره إلى أن ينادوا في البلاد بجمع السحرة أجمعين  {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} 113-114
قوله تعالى : {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ} وقد اختلفوا في عددهم فقال القرطبي :  قال ابن عبدالحكم : كانوا اثني عشر نقيبا ، مع كل نقيب عشرون عريفا ، تحت يدي كل عريف ألف ساحر. وكان رئيسهم شمعون في قول مقاتل بن سليمان. وقال ابن جريج : كانوا تسعمائة من العريش والفيوم والإسكندرية أثلاثا. وقال ابن إسحاق : كانوا خمسة عشر ألف ساحر ؛ وروي عن وهب. وقيل : كانوا اثني عشر ألفا. وقال ابن المنكدر : ثمانين ألفا. وقيل : أربعة عشر ألفا.

 وقيل : كانوا ثلاثمائة ألف ساحر من الريف ، وثلاثمائة ألف ساحر من الصعيد ، وثلاثمائة ألف ساحر من الفيوم وما والاها. وقيل : كانوا سبعين رجلا. وقيل : ثلاثة وسبعين ؛ فالله أعلم. وكان معهم فيما روي حبال وعصي يحملها ثلاثمائة بعير. فالتقمت الحية ذلك كله.

 قال ابن عباس والسدي : كانت إذا فتحت فاها صار شدقها ثمانين ذراعا ؛ واضعة فكها الأسفل على الأرض ، وفكها الأعلى على سور القصر. وقيل : كان سعة فمها أربعين ذراعا ؛ فالله أعلم. فقصدت فرعون لتبتلعه ، فوثب من سريره فهرب منها واستغاث بموسى ؛ فأخذها فإذا هي عصا كما كانت. أما عن قول السحرة لفرعون {قَالُوا أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً} أي جائزة ومالا. ولم يقل القرآن الكريم  فقالوا بالفاء ؛ لأنه أراد لما جاؤوا قالوا. وألزموا فرعون أن يجعل لهم مالا إن غلبوا.

 فقال لهم فرعون {نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أي لمن أهل المنزلة الرفيعة لدينا ، فزادهم على ما طلبوا. وقيل : إنهم إنما قطعوا ذلك لأنفسهم في حكمهم إن غلبوا. أي قالوا : يجب لنا الأجر إن غلبنا.

وتحكي الآيات  ما حدث من حوار بين السحرة ونبي الله موسى عليه السلام : {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِين قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}115 - 117
تأدبوا مع موسى عليه السلام فكان ذلك سبب إيمانهم. {قَالَ أَلْقُوا } قال الفراء : في الكلام حذف. والمعنى : قال لهم موسى إنكم لن تغلبوا ربكم ولن تبطلوا آياته. وهذا من معجز القرآن الذي لا يأتي مثله في كلام الناس ، ولا يقدرون عليه. يأتي اللفظ اليسير بجمع المعاني الكثيرة. وقيل : هو تهديد. أي ابتدؤوا بالإلقاء ، فسترون ما يحل بكم من الافتضاح ؛ إذا لا يجوز على موسى أن يأمرهم بالسحر.

وقيل : أمرهم بذلك ليبين كذبهم وتمويههم. {فَلَمَّا أَلْقَوْا} أي الحبال والعصي {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} أي خيلوا لهم وقلبوها عن صحة إدراكها ، بما يتخيل من التمويه الذي جرى مجرى الشعوذة وخفة اليد. وحين ألقي نبي الله موسى عليه السلام العصا  وفتحت فاها فجعلت تلقف - أي تلتقم - ما ألقوا من حبالهم وعصيهم. وقيل : كان ما ألقوا حبالا من أدم فيها زئبق فتحركت وقالوا هذه حيات

ويروى : تلقف. {مَا يَأْفِكُونَ} أي ما يكذبون ، لأنهم جاؤوا بحبال وجعلوا فيها زئبقا حتى تحركت.
وكانت النتيجة مذهلة لفرعون والجميع  {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}118 - 122
قوله تعالى : {فَوَقَعَ الْحَقُّ} قال مجاهد : فظهر الحق. {وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} أي انقلب قوم فرعون وفرعون معهم أذلاء مقهورين مغلوبين. فأما السحرة فقد آمنوا بالله رب العالمين . ومع هذا لم يفق فرعون بل شرع يتوعد ويهدد فــ {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}123 – 124

قوله تعالى {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} إنكار منه عليهم .{إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا} أي جرت بينكم وبينه مواطأة في هذا لتستولوا على مصر ، أي كان هذا منكم في مدينة مصر قبل أن تبرزوا إلى هذه الصحراء

{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} تهديدا لهم. قال ابن عباس : كان فرعون أول من صلب ، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف ، الرجل اليمنى واليد اليسرى ، واليد اليمنى والرجل اليسرى ، عن الحسن.
إلا أن السحرة أجابوا بمنطق القوة وعزة المؤمن فــ {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ}
{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}
قوله تعالى : {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا}  أي لست تكره منا سوى أن آمنا بالله وهو الحق. {لَمَّا جَاءَتْنَا} آياته وبيناته. وقالوا {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} الإفراغ الصب ، أي اصببه علينا عند القطع والصلب. {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} فقيل : إن فرعون أخذ السحرة وقطعهم على شاطئ النهر ، وكانوا ستمائة ألف.

وهنا جاء دور الشياطين الصغار {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ، قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}127 - 128
قوله تعالى : {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} أي بإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل. {وَيَذَرَكَ} بنصب الراء جواب الاستفهام ، والواو نائبة عن الفاء. {وَآلِهَتَكَ} قال الحسن : كان فرعون يعبد الأصنام ، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس والضحاك {وإلاَ هتك} ومعناه وعبادتك. وعلى هذه القراءة كان يعبد ولا يعبد ، أي ويترك عبادته لك.

 قال أبو بكر الأنباري : فمن مذهب أصحاب هذه القراءة أن فرعون لما قال {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات : 24] و {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص : 38] نفى أن يكون له رب مع الإهة. فقيل له : ويذرك وإلاهتك ؛ بمعنى ويتركك وعبادة الناس لك.

 وهي مبنية على أن فرعون ادعى الربوبية في ظاهر أمره وكان يعلم أنه مربوب. ودليل هذا قوله عند حضورالموت {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس : 90] ولكن لم يقبل هذا القول منه لما أتى به بعد إغلاق باب التوبة.
ثم آنس قومه فقال {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ}. {وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} أي لا تخافوا جانبهم. {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} آنسهم بهذا الكلام. ولم يقل سنقتل موسى لعلمه أنه لا يقدر عليه ولما بلغ قوم موسى من فرعون هذا قال لهم موسى : {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ} أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر. {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} أي الجنة لمن اتقى. وعاقبة كل شيء : آخره ، ولكنها إذا أطلقت فقيل : العاقبة لفلان فهم منه في العرف الخير.

وماذا عن قوم موسى عليه السلام ؟

إلا أن قوم موسى عليه السلام لم يكونوا على القدر اللأئق فــ{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا )
قوله تعالى : {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} أي في ابتداء ولادتك بقتل الأبناء واسترقاق النساء. {وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} أي والآن أعيد علينا ذلك ؛ يعنون الوعيد الذي كان من فرعون. وقيل : الأذى من قبل تسخيرهم لبني إسرائيل في أعمالهم إلى نصف النهار ، وإرسالهم بقيته ليكتسبوا لأنفسهم. والأذى من بعد : تسخيرهم جميع النهار كله بلا طعام ولا شراب ؛ قاله جويبر. وقال الحسن : الأذى من قبل ومن بعد واحد ، وهو أخذ الجزية.

حينها قال لهم نبي الله موسي {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} أي جدب. وتقديره جدب سنة. وفي الحديث : "اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف". {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي ليتعظوا وترق قلوبهم. ولكنهم بلغوا من الجحود والنكران درجة حتى قال عنهم الحق سبحانه وتعالى {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 131
فيه مسألتان : -
الأولى : قوله تعالى : {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} أي الخصب والسعة. {قَالُوا لَنَا هَذِهِ} أي أعطيناها باستحقاق. {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي قحط ومرض وهي المسألة الثانية : {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} أي يتشاءموا به. نظيره {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} [النساء : 78].

والأصل {يتطيروا} أدغمت التاء في الطاء. وقرأ طلحة : {تطيّروا} على أنه فعل ماض.

النهي عن التطير والتشاؤم

 والأصل في هذا من الطيرة وزجر الطير ، ثم كثر استعمالهم حتى قيل لكل من تشاءم : تطير. وكانت العرب تتيمن بالسانح : وهو الذي يأتي من ناحية اليمين. وتتشاءم بالبارح : وهو الذي يأتي من ناحية الشمال. وكانوا يتطيرون أيضا بصوت الغراب ؛ ويتأولونه البين. وكانوا يستدلون بمجاوبات الطيور بعضها بعضا على أمور ، وبأصواتها في غير أوقاتها المعهودة على مثل ذلك.

 وهكذا الظباء إذا مضت سانحة أو بارحة ، ويقولون إذا برحت : "من لي بالسانح بعد البارح". إلا أن أقوى ما عندهم كان يقع في جميع الطير ؛ فسموا الجميع تطيرا من هذا الوجه. وتطير الأعاجم إذا رأوا صبيا يذهب به إلى المعلم بالغداة ، ويتيمنون برؤية صبي يرجع من عند المعلم إلى بيته ، ويتشاءمون برؤية السقاء على ظهره قربة مملوءة مشدودة ، ويتيمنون برؤية فارغ السقاء مفتوحة قربته ؛ ومتشائمون بالحمال المثقل بالحمل ، والدابة الموقرة ، ويتيمنون بالحمال الذي وضع جمله ، وبالدابة يحط عنها ثقلها.

فجاء الإسلام بالنهي عن التطير والتشاؤم بما يسمع من صوت طائر ما كان ، وعلى أي حال كان ؛ فقال عليه السلام : "أقروا الطير على مكناتها". وذلك أن كثيرا من أهل الجاهلية كان إذا أراد الحاجة أتى الطير في وكرها فنفرها ؛ فإذا أخذت ذات اليمين مضى لحاجته ، وهذا هو السانح عندهم. وإن أخذت ذات الشمال رجع ، وهذا هو البارح عندهم. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا بقول : "أقروا الطير على مكناتها" هكذا في الحديث. وأهل العربية يقولون : "وكناتها" قال امرؤ القيس : وقد أغتدي والطير في وُكناتها
والوكنة : اسم لكل وكر وعش. والوكن : موضع الطائر الذي يبيض فيه ويفرخ ، وهو الخرق في الحيطان والشجر. ويقال : وكن الطائر يكن وكونا إذا حضن بيضه. وكان أيضا من العرب من لا يرى التطير شيئا ، ويمدحون من كذب به. قال المرقش : ولقد غدوت وكنت لا قال عكرمة : كنت عند ابن عباس فمر طائر يصيح ؛ فقال رجل من القوم : خير ، خير. فقال ابن عباس : ما عند هذا لا خير ولا شر.

 قال علماؤنا : وأما أقوال الطير فلا تعلق لها بما يجعل دلالة عليه ، ولا لها علم بكائن فضلا عن مستقبل فتخبر به ، ولا في الناس من يعلم منطق الطير ؛ إلا ما كان الله تعال خص به سليمان صلى الله عليه وسلم من ذلك ، فالتحق التطير بجملة الباطل. والله أعلم.

 وقال صلى الله عليه وسلم : "ليس منا من تحلم أو تكهن أو رده عن سفره تطير" . وروى أبو داود عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الطيرة شرك - ثلاثا - وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل" .

وروى عبدالله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من رجعته الطيرة عن حاجته فقد أشرك" . قيل : وما كفارة ذلك يا رسول الله ؟ قال : "أن يقول أحدهم اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ثم يمضي لحاجته" . وفي خبر آخر : "إذا وجد ذلك أحدكم فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت لا حول ولا قوة إلا بك" . ثم يذهب متوكلا على الله ؛ فإن الله يكفيه ما وجد في نفسه من ذلك ، وكفاه الله تعالى ما يهمه.
وأما عن قوله تعالى : {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} وقرأه الحسن {طَيْرُهم} جمع طائر. أي ما قدر لهم وعليهم. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أن ما لحقهم من القحط والشدائد إنما هو من عند الله عز وجل بذنوبهم لا من عند موسى وقومه. .

عود على بدء

ونعود لفرعون وما قام به من عناد لنبي الله موسى عليه السلام فرغم الآيات والأحداث إلا أنهم نظروا إلى موسى عليه السلام {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} 132أي مهما تفعل فلنلتصرفنا عما نحن عليه.
فتوالت الآيات تترى فقال تعالى ( {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ} 133
يقول القرطبي رحمه الله تعالى : فيه خمس مسائل : -
الأولى : روى إسرائيل عن سماك عن نوف الشامي قال : مكث موسى صلى الله عليه وسلم في آل فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين عاما. وقال محمد بن عمان بن أبي شيبة عن منجاب : عشرين سنة ، يريهم الآيات : الجراد والقمل والضفادع والدم.
الثانية : قوله تعالى : {الطُّوفَانَ} أي المطر الشديد حتى عاموا فيه. وقال السدي : ولم يصب بني إسرائيل قطرة من ماء ، بل دخل بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ، ودام عليهم سبعة أيام. وقيل : أربعين يوما.

فقالوا : ادع لنا ربك يكشف عنا فنؤمن بك ؛ فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان فلم يؤمنوا. فأنبت الله لهم في تلك السنة ما لم ينبته قبل ذلك من الكلأ والزرع. فقالوا : كان ذلك الماء نعمة .

 فبعث الله عليهم الجراد وهو الحيوان المعروف ، جمع جرادة في المذكر والمؤنث. فأكل زروعهم وثمارهم حتى أنها كانت تأكل السقوف والأبواب حتى تنهدم ديارهم. ولم يدخل دور بني إسرائيل منها شيء.
الثالثة : واختلف العلماء في قتل الجراد إذا حل بأرض فأفسد ؛ فقيل : لا يقتل. وقال أهل الفقه كلهم : يقتل. احتج الأولون بأنه خلق عظيم من خلق الله يأكل من رزق الله ولا يجري عليه القلم. وبما روي "لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم" .

 واحتج الجمهور بأن في تركها فساد الأموال ، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المسلم إذا أراد أخذ مال ؛ فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كانت أولى أن يجوز قتلها. ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه يجوز قتل الحية والعقرب ؟ لأنهما يؤذيان الناس فكذلك الجراد.
الرابعة : ثبت في صحيح مسلم عن عبدالله بن أبي أوفى قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل الجراد معه. ولم يختلف العلماء في أكله على الجملة ، وأنه إذا أخذ حيا وقطعت رأسه أنه حلال باتفاق. وإن ذلك يتنزل منه منزلة الذكاة فيه.

وروى الدارقطني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أحل لنا ميتتان الحوت والجراد ؛  ودمان الكبد والطحال"
الخامسة : رجعنا إلى قصة القبط - فعاهدوا موسى أن يؤمنوا لو كشف عنهم الجراد ، فدعا فكشف وكان قد بقي من زروعهم شيء فقالوا : يكفينا ما بقي ؛ ولم يؤمنوا .

 فبعث الله عليهم القمل ، فأكلت دوابهم وزروعهم ، ولزمت جلودهم كأنها الجدري عليهم ، ومنعهم النوم والقرار. فتضرعوا فلما كشف عنهم لم يؤمنوا .

 فأرسل الله عليهم الضفادع ، جمع ضفدع وهي المعروفة التي تكون في الماء ، وفيه مسألة واحدة هي أن النهي ورد عن قتلها ؛ أخرجه أبو داود وابن ماجة بإسناد صحيح. أخرجه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن عبدالرزاق وابن ماجة عن محمد بن يحيى النيسابوري الذهلي عن أبي هريرة قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد"

ولما تسلطت على فرعون جاءت الضفادع فأخذت الأمكنة كلها ، فلما صارت إلى التنور وثبت فيها وهي نار تسعر ، طاعة لله. فجعل الله نقيقها تسبيحا. يقال : إنها أكثر الدواب تسبيحا. قال عبدالله بن عمرو : لا تقتلوا الضفدع فإن نقيقه الذي تسمعون تسبيح. فروي أنها ملأت فرشهم وأوعيتهم وطعامهم وشرابهم ؛ فكان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، وإذا تكلم وثب الضفدع في فيه.

 فشكوا إلى موسى وقالوا : نتوب ؛ فكشف الله عنهم ذلك فعادوا إلى كفرهم ؛ فأرسل الله عليهم الدم فسال النيل عليهم دما. وكان الإسرائيلي يغترف منه الماء ، والقبطي الدم. وكان الإسرائيلي يصب الماء في فم القبطي فيصير دما ، والقبطي يصب الدم في فم الإسرائيلي فيصير ماء زلالا. {آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} أي مبينات ظاهرات ؛ عن مجاهد. قال الزجاج : {آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ}. ويروى أنه كان بين الآية والآية ثمانية أيام. وقيل : أربعون يوما. وقيل : شهر ؛ فلهذا قال {مُفَصَّلاتٍ}. {فَاسْتَكْبَرُوا} أي ترفعوا عن الإيمان بالله تعالى.

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ ، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ، فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}

قوله تعالى : {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} {الرِّجْزُ} أي العذاب. قال ابن جبير : كان طاعونا مات به من القبط في يوم واحد سبعون ألفا. وقيل : المراد بالرجز ما تقدم ذكره من الآيات. {بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ}{مَا} بمعنى الذي ، أي بما استودعك من العلم ، أو بما اختصك به فنبأك. وقيل : هذا قسم ، أي بعهده عندك إلا ما دعوت لنا ؛ فـ {مَا}صلة.

{لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} أي بدعائك لإلهك حتى يكشف عنا. {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} أي نصدقك بما جئت به. {وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ} وكانوا يستخدمونهم ؛ على ما تقدم. {إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ} يعني أجلهم الذي ضرب لهم في التغريق.

 وكعادة المفسدين في الأرض فهم دائما يريدونها لصالحهم فما إن صرف الله تعالى عنهم البلاء {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} أي ينقضون ما عقدوه على أنفسهم. {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}

ومن سنة الله مع الطغاة أنه يمهلهم في غيهم وطغيانهم (وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (الحج:48) فيستدرج الله الطغاة ليزدادوا إثماً (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (القلم:44 ـ 45) فالله سبحانه وتعالى يمهل لهؤلاء الطغاة ويمدهم بأسباب القوة ، والقدرة على الحرب كيداً ومكراً بهم لا حباً لهم ونصراً ، ثم يأخذهم على حين غرة وثبت في الحديث :"إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ".فهي إذن  مسألة وقت " ولكنكم تستعجلون"

وجاءت النهاية فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ودفعهم صلفهم وغرورهم إلى نهاية لم يتصوروها أو يتوقعوها يوما ما {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
 فخرج موسى ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف وعشرون ألفا ، وتبعه فرعون مصبحا في ألفي ألف وستمائة ألف. {بَغْياً} {وَعَدْواً}  أي في حال بغي واعتداء وظلم ؛ وقال المفسرون : {بَغْياً} طلبا للاستعلاء بغير حق في القول ،{حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} أي ناله ووصله. {قَالَ آمَنْتُ} أي صدقت. {أَنَّهُ} أي بأنه. {لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} أي صرت مؤمنا ثم استأنف.

قوله تعالى : {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي من الموحدين المستسلمين بالانقياد والطاعة. فإذا بالحق سبحانه وتعالى يجيبه بقوله عز وجل {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} وهذه سنة العصاة والطغاة وهذا دائما دأبهم حين يسقط في أيديهم ويروا أنهم قد ضلوا فبمنتهى السهولة تجده يعترف بما ظل يحاربه سنوات وسنوات ولكن بعد فوت الأوان .

 إلا أن لفرعون  سمة وحدث خاص فهذا الطاغية بلغ من الطغيان أقصاه فهو لم يعاند فحسب أو يدعى النبوة ولكنه ادعى الربوبية وهذا الإدعاء أرداه أهلكه ولكن ليظل آية علة قدرة الله تعالى وأنه جل وعلا غالب على أمره فقال تعالى لفرعون {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}
وقيل {بِبَدَنِكَ} بجسد لا روح فيه ؛ قال أبو بكر : لأنهم لما ضرعوا إلى الله يسألونه مشاهدة فرعون غريقا أبرزه لهم فرأوا جسدا لا روج فيه ، فلما رأته بنو إسرائيل قالوا نعم! يا موسى هذا فرعون

فكانت تنجيته بالبدن معاقبة من رب العالمين له على ما فرط من كفره الذي منه نداؤه الذي افترى فيه وبهت ، وادعى القدرة والأمر الذي يعلم أنه كاذب فيه وعاجز عنه وغير مستحق له.
رمسيس الثاني

والعجيب أن حاول العديد من المؤرخين أن يقللوا من شأن ما حدث من فرعون وما حدث له فأرادوا أن يغيروا الأحداث فذكروا في كتب التاريخ أن الفرعون الذي ذكر في القرآن الكريم هو رمسيس الثاني  ثم ذكروا أحداث مختلفة تماما لما وردت بشأنه  في القرآن الكريم لحاجة في نفوسهم ولذا أردت أن أورد هنا ما ذكره المؤرخون بخصوص رمسيس الثاني لنرى هل هو أم لا ؟

رمسيس الثاني هو ثالث فراعنة الأسرة التاسعة عشر، وكان والده الملك سيتي الأول. و ُلد رمسيس الثاني عام 1303 قبل الميلاد وحكم مصر لمدة 67 سنة من 1279 ق.م. حتى 1212 ق.م. صعد إلى الحكم وهو في أوائل العشرينات من العمر. ظُن من قبل أنه عاش حتى أصبح عمره 99 عاماً، إلا أنه على الأغلب توفي في أوائل تسعيناته.

وبلغ عدد أبنائه نحو90 ابنة وابن .ومن أبنائه الأمير مرنپتاح الذي خلفه كملك على عرش مصر. وأخيرا الأمير خع ام واست الذي رمم آثار أجداده. وكان من صغره شجاع ويدل على ذلك انة كان يلعب مع اسده الحبيب وهو كان في التاسعة من عمرة ثم البسة والدة التاج بمناسبة احتفالة بعيد ميلاده التاسع ومن يومها راح سيتي الأول يعلم رمسيس الثاني كيف يكون حاكما وقائدا محبوبا من شعبة

أسماؤه

مثل معظم ملوك المصريين، فقد كان لرمسيس عدة أسماء. أهم اثنين منهم: اسمه الملكي واسمه الأصلي وتلك الأسماء تُكتب بالعربية كالتالي: وسر معت رع - ستب ان وأيضا الصقر الذهبى رع،  

والاسم الثاني : رع مسو - مري أمون، ومعناهما: "قوي رع وماعت، المختار من رع ،ويعني الاسم الثاني بالعربية : روح رع، محبوب أمون".

حياته العسكرية

- قاد رمسيس الثاني عدة حملات شمالاً إلى بلاد الشام، وفي معركة قادش الثانية في العام الرابع من حكمه (1274 ق.م.)، قامت القوات المصرية تحت قيادته بالإشتراك مع قوات مُواتالّيس ملك الحيثيين استمرت لمدة خمسة عشر عاما ولكن لم يتمكن أي من الطرفين هزيمة الطرف الآخر. وبالتالي ففي العام الحادي والعشرين من حكمه (1258 ق.م.)، أبرم رمسيس الثاني معاهدة مع حاتّوسيليس الثالث، وهي أقدم معاهدة سلام في التاريخ.

ومن المعلوم أن موسى عليه السلام ولد في هذه الآونة فأغلب المؤرخين على أنه عليه السلام ولد عام 1256تقريبا  وهذا يعني أن حين ميلاده عليه السلام كان رمسيس الثاني يحكم البلاد منذ واحد وعشرون عاما .وحين توفي رمسيس الثاني كان عمر موسي آنذاك أربعة وأربعون عاما والحوارات التي دارت بين موسى عليه السلام وفرعون تدل على أن فرعون الذى شهد موسى عليه السلام  في طفولته وتوسلت إليه امراته ألا يقتله هونفسه فرعون الذي استقبله وهو قادم بالرسالة مع أخيه هارون عليهما السلام .

 بدليل قول الله تعال كما حكى القرآن الكريم على لسان فرعون وهو يخاطب موسى عليه السلام " ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين "  وكان رد موسى عليه السلام أن قال له " وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل  " أي هل يساوى إطعامك وكسوتك لى تسخير جميع بنى اسرائيل فلوا أن المربى لموسى فرعون أخر لكان للكلام سياق أخر .

- نعود فنكمل قصة رمسيس الثانى : قاد رمسيس الثاني أيضاً عدة حملات جنوب الشلال الأول إلى بلاد النوبة، وقد أنشأ رمسيس مدينة (بر رعميسو) في شرق الدلتا ومنها أدار معاركه مع الحيثيين وقد إدى البعض أنه قد إتخذها عاصمة جديدة للبلاد وهذا بالطبع غير صحيح فلقد كانت عاصمة البلاد في مكانها في طيبة وأعظم ما ترك من معابد وآثار تركها هناك. وقدكان رمسيس الثانى متميز في فنون القتال والحروب وكان ذكى يفكر وياتى بالحل في نفس الحظة وقد كان ماهرا ايضا في ركوب الخيل والقتال بالسيوف والمبارزة ورمى السهام وقد كان ايضا طيبا ذا روح اخلاقية ومحب لشعبه

آثاره

 قام رمسيس خلال مدة حكمه ببناء عدد كبير من المبانى يفوق أي ملك مصري أخر، فقد بدأ بإتمام المعبد الذي بدأه والده في أبيدوس ثم بنى معبد صغير خاص به بجوار معبد والده ولكنه تهدم ولم يتبق منه إلا اطلال، وفى الكرنك أتم بناء المعبد الذي قد بدأه جده رمسيس الأول، وأقام في طيبة الرامسيوم (أطلق علماء القرن التاسع عشر على هذا المعبد الجنائزى اسم الرامسيوم نسبة إلى رمسيس الثاني) وهو معبد جنائزى ضخم بناه رمسيس لآمون ولنفسه، وتوجد له رأس ضخم أخذت من هذا المعبد ونقلت إلى المتحف البريطانى.

 وأقام رمسيس أيضا التحفة الرائعة معبدى أبو سمبل المعبد الكبير له المنحوت في الصخر ويحرس مدخل المعبد أربعة تماثيل ضخمة لرمسيس الثاني وهو جالسا، ويزيد ارتفاع كل تمثال عن 20 مترا، والمعبد الصغير المنحوت أيضا في الصخر لزوجته نفرتاري وكان مكرسا لعبادة الإلهة حتحور إلهه الحب والتي تصور برأس بقرة، وتوجد في واجهة المعبد 6 تماثيل ضخمة واقفة 4 منهم لرمسيس الثاني و2 للملكة نفرتارى ويصل ارتفاع التمثال إلى حوالي 10 متر.1

ووجود كل هذه الآثار له في الجنوب يدحض إدعاء البعض أن عاصمة الحكم في عهده كانت في الدلتا في مدينة (بر رعميس) لأن كل ما خلفه من آثار ومعابد عظيمة كانت في جنوب مصر حيث العاصمة كما هي طيبة.

وأقام رمسيس الثاني العديد من المسلات منها مسلة ما زالت قائمة بمعبد الأقصر، ومسلة أخرى موجودة حاليا في فرنسا بميدان الكونكورد بباريس قام بنقلها مهندس فرنسي يدعى ليباس. كما قام رمسيس بأول معاهده سلام في العالم مع خاتوسيلي الثاني ملك الحيثيين

وفاته

دفن الملك رمسيس الثاني في وادي الملوك، إلا أن مومياؤه نُقلت إلى خبيئة المومياوات في الدير البحري، حيث اكتُشفت عام 1881م بواسطة جاستون ماسبيرو ونقلت إلى المتحف المصري بالقاهرة بعد خمس سنوات، كان رمسيس يبلغ ارتفاع قامته 170 سم، والفحوص الطبية على موميائه تظهر آثار شعر أحمر أو مخضب، ويعتقد أنه عانى من روماتيزم حاد في المفاصل في سنين عمره الأخيرة، وكذلك عانى من أمراض في اللثة.

إدعاء أن الملك رمسيس هو فرعون موسى عليه السلام

 نظرا لاعتماد علماء الغرب على ما لديهم من أسفار العهد القديم ومع تتبع الأزمنة الواردة به فقد ظن الكثيرون من المستشرقين وعلماء الغرب ان رمسيس الثاني هو نفسه فرعون موسى الذي عاصر وجود بني إسرائيل في مصر ومن أصحاب هذه النظرية : أولبرايت - إيسفلت - روكسي - أونجر – الأب ديڤو R.P. de Vaux   

ولمن يرون ذلك عدة آراء يحاولون بها اثبات هذه الفرضية، فذهب البعض إلى القول انه إذا كان رمسيس الثاني قد اعتلى العرش عام 1279 ق.م فإن ذلك كان يوم 31 مايو 1279 ق.م وبناءاً على التاريخ المصري لإعتلائه العرش الشهر الثالث من فصل شمو يوم 27، ولكن ينقض نظرية الأعتماد على التورايخ، وربما يكون أول من نادى بهذه النظرية يوسيبيوس القيصاري الذي عاش في الفترة من 275 حتى 339 ميلادية.

 كما شكك معظم علماء المصريات في فرضية ان يكون رمسيس الثاني هو فرعون موسى نتيجة بحث تاريخي مفصل ولأن فحص مومياؤه أثبتت انه لم يمت غرقا على عكس ما حاول أتباع هذه النظرية من الترويج لها بإدعاء وجود آثار ماء في رئتيه.

 أما الطبيب الفرنسي موريس بوكاي فقد ذكر في كتابه (الإنجيل والقرآن والعلم الحديث) انه يظن ان مرنبتاح ابن رمسيس الثاني هو الأقرب لأن يكون هو فرعون موسى

إلا أن الملك مرنبتاح نفسه قد قدم صك براءته من هذه النظرية.

فلقد قدم لنا مرنبتاح الدليل على كون تاريخ خروج موسى كان قبله بمئات السنين وذلك بما نقشه على لوحته الشهيرة من ما يعرف بأنشودة النصر والتي تباهى فيها بإنتصاراته على كل ما يحيط به من ممالك ومنهم (إسرائير) كما كان المصريون يدعون تلك القبائل آنذاك، ووصفت اسرائير بالمخصص المصري القديم الرامز إلي القبائل وليس الشعوب المستقرة ذات الأوطان.

 وكذلك لم يعثر على أي أثر ينتمى إلى فترة حكم رمسيس الثاني ذكر فيه أى شيئ عن بنى إسرائيل أو أثر يشير إلى النوازل التي عاقب الله بها حاكم مصر وشعبه حتى يدفعه لقبول طلب نبى الله موسى بتحريرهم وخروجهم من أرض مصر.

 وكما ذكرنا فإن أول ذكر لبنى إسرائيل في الآثار المصرية القديمة كان في عهد الملك مرنبتاح إبن رمسيس الثاني وخليفته في الحكم على اللوحة التي تم اكتشافها وتعرف باسم لوحة إسرائيل أو إنشودة النصر وفيها يسجل مرنبتاح انتصاراته على أرض كنعان وقبائل إسرائير مما ينفى نفيا قاطعا أى إمكانية لكون رمسيس الثاني هو فرعون التسخير وان مرنبتاح هو فرعون الخروج. والله أعلم !

الباب الثاني

أبو جهل ومن هم على شاكلته

من الشخصيات التي تعجب حين تقرأ تاريخها هو أبو جهل لأنه أضر بنفسه وأهله ؛ أقحم نفسه وأهله في المهالك  . وتسبب في عناد الرسول صلى الله عليه وسلم ؛  وتسبب في زيادة عدد المعاندين لله وللرسول ؛  وحارب الله ورسوله .

 والعجيب ما فعل كل هذا إلا عن حقد وغل.  ثم حين هلك اعترف بحجمه وأنه لا يعدو فرد من الأفراد ؛ ولا يدري أنه بعناده وشركه أصبح فرعون الأمه ؛  كما أنه بعناده تسبب في هلاك العديد من قومه لأنهم هلكوا وماتوا ولم يدخلوا في الإسلام

 فمن هو أبو جهل وماذا فعل وكيف هلك ؟

 هو : عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان من أشد المعاندين للنبي  محمد صلى الله عليه وسلم وكنيته أبو الحكم ولكن أبو جهل، لقبه بها المسلمون . وأمه أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم

أبناؤه

-- زرارة بن أبي جهل، قتل باليمن؛ وتممي بن أبي جهل: أمهما بنت عمير بن معبد بن زرارة

-- عكرمة بن أبي جهل، وهو صحابي مشهور أسلم في فتح مكة وقاتل مع المسلمين فيما بعد قتال الأبطال واستشهد في معركة اليرموك  .

-- علقمة بن أبي جهل؛ أمه بنت الحارث بن الربيع بن زياد العبسي. وقد انقرض عقب أبي جهل.

 

من مواقفه ضد الإسلام : أولا :  في رواية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع أبي جهل وشيبة ابن ربيعة، فقال أبو جهل: يا معشر قريش! إن محمدا قد شتم آلهتكم وسفه أحلامكم وزعم أن من مضى من آبائكم يتهافتون في النار، ألا! ومن قتل محمدا فله علي مائة ناقة حمراء وسوداء وألف أوقية من فضة!

 ثانيا :وفي جلسة أخرى قال أبو جهل : يا معشر قريش، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله - أو كما قال - فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف، ما بدا لهم قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبدا، فامض لما تريد.

فلما أصبح أبو جهل، أخذ حجرا كما وصف ثم جلس لرسول الله ينتظره وغدا رسول الله كما كان يغدو، وكان رسول الله بمكة وقبلته إلى الشام، فكان إذا صلى صلى بين الركن اليماني والحجر الأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام.

فقام رسول الله يصلي وقد غدت قريش، فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل. فلما سجد رسول الله احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزما. منتقعا لونه مرعوبا. قد يبست يداه على حجره. حتى قذف الحجر من يده.

وقامت إليه رجال قريش. فقالوا له ما لك يا أبا الحكم ؟ قال قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل لا والله ما رأيت مثل هامته ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط. فهم بي أن يأكلني.

 

 

 

أبو جهل وصد عتبة بن ربيعة عن الإسلام :

ذكر القرطبي  رحمه الله تعالى في تفسيره لسورة فصلت: أن  الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قرأ مطلعها لعتبة بن ربيعة بعد حوار دار بينهما 

وروي أن الريان بن حرملة قال : قال الملأ من قريش وأبو جهل :  قد التبس علينا أمر محمد ، فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم آتانا ببيان من أمره ؛ فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الكهانة والشعر والسحر ، وعلمت من ذلك علما لا يخفى علي إن كان كذلك. فقالوا : إيته فحدثه.

 فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا محمد أنت خير أم قصي بن كلاب ؟ أنت خير أم هاشم ؟ أنت خير أم عبدالمطلب ؟ أنت خير أم عبدالله ؟ فبم تشتم آلهتنا ، وتضلل آباءنا ، وتسفه أحلامنا ، وتذم ديننا ؟

 فإن كنت إنما تريد الرياسة عقدنا إليك ألويتنا فكنت رئيسنا ما بقيت ، وإن كنت تريد الباءة زوجناك عشر نساء من أي بنات قريش شئت ، وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا من الجن قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا في طلب ما تتداوى به أو نغلب فيك.

والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت ، فلما فرغ قال : "قد فرغت يا أبا الوليد" ؟ قال : نعم. فقال : "يا ابن أخي اسمع" قال : أسمع. قال : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } إلى قوله : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } فوثب عتبة ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم ، وناشده الله والرحم ليسكتن ،

ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فجاءه أبو جهل ؛ فقال : أصبوت إلى محمد ؟ أم أعجبك طعامه ؟ فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا ، ثم قال : والله لقد تعلمون أني من أكثر قريش مالا ، ولكني لما قصصت عليه القصة أجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ؛ ثم تلا عليهم ما سمع منه إلى قوله : { مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } وأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف . وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فوالله لقد خفت أن ينزل بكم العذاب ؛ يعني الصاعقة.

وقد روى هذا الخبر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد له عن محمد بن كعب القرظي ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {حم. فُصِّلَتْ } حتى انتهى إلى السجدة فسجد وعتبة مصغ يستمع ، قد اعتمد على يديه من وراء ظهره.

 فلما قطع رسول الله صلى الله علييه وسلم القراءة قال له : "يا أبا الوليد قد سمعت الذي قرأت عليك فأنت وذاك" فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها فقالوا : والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم. ثم قالوا : ما وراءك أبا الوليد ؟ قال : والله لقد سمعت كلاما من محمد ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا بالكهانة ، فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي ؛ خلوا محمدا وشأنه واعتزلوه ، فوالله ليكونن لما سمعت من كلامه نبأ ، فان أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم ، وإن كان ملكا أو نبيا كنتم أسعد الناس به ؛ لأن ملكه ملككم وشرفه شرفكم. فقالوا : هيهات سحرك محمد يا أبا الوليد. وقال : هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم.

أبو جهل وصد الوليد بن المغيرة عن الإسلام :

 ذكر الأمام البغوي في تفسيره أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم  في المسجد قرأ ((حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب. ذي الطول لاإله إلا هو إليه المصير)). وكان الوليد بن المغيرة يسمع قرأته ففطن له رسول الله واعاد الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه فقال :

والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الأنس ولامن كلام الجن أن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وأنه يعلو وما يعلى عليه.

ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش صبأ والله الوليد، وهو ريحانة قريش والله لتصبأن قريش كلهم فقال أبو جهل أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزيناً فقال له الوليد مالي أراك حزيناً ياابن أخي ؟

فقال : وما يمنعني أن أحزن ؟ وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد وإنك تدخل على ابن أبي كبشة وابن قحافة لتنال من فضل طعامهم فغضب الوليد وقال : ألم تعلم قريش أني من أكثرها مالاً وولداً ؟ وهل شبع محمد وأصحابه ليكون لهم فضل ؟

 ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم : تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتوه يحنق قط ؟ قالوا اللهم لا، قال : تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهن قط ؟ قالوا اللهم لا، قال : تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب ؟ قالوا لا، فقالت قريش للوليد فما هو ؟

فتفكر في نفسه ثم نظر وعبس فقال : ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر فذلك قول الله تعالى في سورة المدثر : "إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ" (المدثر : من 18 _ 25).

دوره في محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم

لما رأى المشركون أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا، وحملوا وساقوا الذرارى والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج أصابتهم الكآبة والحزن، وساورهم القلق والهم بشكل لم يسبق له مثيل، فقد تجسد أمامهم خطر حقيقى عظيم، أخذ يهدد كيانهم الوثني والاقتصادي‏.‏
فقد كانوا يعلمون ما في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم من غاية قوة التأثير مع كمال القيادة والإرشاد، وما في أصحابه من العزيمة والاستقامة والفداء في سبيله، ثم ما في قبائل الأوس والخزرج من القوة والمنعة، وما في عقلاء هاتين القبيلتين من عواطف السلم والصلاح، والتداعي إلى نبذ الأحقاد، ولاسيما بعد أن ذاقوا مرارة الحروب الأهلية طيلة أعوام من الدهر‏.‏
كما كانوا يعرفون ما للمدينة من الموقع الاستراتيجي بالنسبة إلى المحجة التجارية التى تمر بساحل البحر الأحمر من اليمن إلى الشام‏.‏ وقد كان أهل مكة يتاجرون إلى الشام بقدر ربع مليون دينار ذهب سنويًا، سوى ما كان لأهل الطائف وغيرها‏.‏ ومعلوم أن مدار هذه التجارة كان على استقرار الأمن في تلك الطريق‏.‏ فلا يخفي ما كان لقريش من الخطر البالغ في تمركز الدعوة الإسلامية في يثرب، ومجابهة أهلها ضدهم‏.‏
شعر المشركون بتفاقم الخطر الذي كان يهدد كيانهم، فصاروا يبحثون عن أنجح الوسائل لدفع هذا الخطر الذي مبعثه الوحيد هو حامل لواء دعوة الإسلام محمدصلى الله عليه وسلم‏.‏
وفي يوم الخميس 26 من شهر صفر سنة 14 من النبوة، الموافق 12 من شهر سبتمبر سنة 622م ـ أي بعد شهرين ونصف تقريبًا من بيعة العقبة الكبرى ـ عقد برلمان مكة ‏[‏دار الندوة‏]‏ في أوائل النهارأخطر اجتماع له في تاريخه، وتوافد إلى هذا الاجتماع جميع نواب القبائل القرشية؛ ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعًا على حامل لواء الدعوة الإسلامية؛ وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائيًا‏.‏ وكانت الوجوه البارزة في هذا الاجتماع الخطير من نواب قبائل قريش‏:‏
1 ـ أبو جهل بن هشام، عن قبيلة بني مخزوم‏.‏
2، 3، 4ـ جبير بن مُطْعِم، وطُعَيْمَة بن عدى، والحارث بن عامر، عن بني نَوْفَل بن عبد مناف‏.‏
5، 6، 7ـ شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، عن بني عبد شمس بن عبد مناف‏.‏
8 ـ النَّضْر بن الحارث، عن بني عبد الدار‏.‏
9، 10، 11ـ أبو البَخْتَرِى بن هشام، وزَمْعَة بن الأسود، وحَكِيم بن حِزَام، عن بني أسد بن عبد العزى‏.‏
12، 13ـ نُبَيْه ومُنَبِّه ابنا الحجاج، عن بني سهم‏.‏
14ـ أمية بن خَلَف، عن بني جُمَح‏.‏
ولما جاءوا إلى دار الندوة حسب الميعاد، اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، ووقف على الباب، فقالوا‏:‏ من الشيخ‏؟‏ قال‏:‏ شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا‏.‏ قالوا‏:‏ أجل، فادخل، فدخل معهم‏.‏
 النقاش البرلماني والإجماع على قرار غاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أن تكامل الاجتماع بدأ عرض الاقتراحات والحلول، ودار النقاش طويلًا‏

‏ قال أبو الأسود‏:‏ نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا، ولا نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت‏.‏
قال إبليس‏:‏ لا والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتى به‏؟‏ والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حى من العرب، ثم يسير بهم إليكم ـ بعد أن يتابعوه ـ حتى يطأكم بهم في بلادكم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيًا غير هذا‏.‏
قال أبو البخترى‏:‏ احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابًا، ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله ـ زهيرًا والنابغة ـ ومن مضى منهم، من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم‏.‏
قال إبليس‏:‏ لا والله ما هذا لكم برأي، والله لئن حبستموه ـ كما تقولون ـ ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم، فينزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي، فانظروا في غيره‏.‏
قتل أبو جهل كيف قدر ‏.‏
وبعد أن رفض البرلمان هذين الاقتراحين، قدم إليه اقتراح آثم وافق عليه جميع أعضائه، تقدم به كبير مجرمى مكة أبو جهل بن هشام‏.‏ قال أبو جهل‏:‏ والله إن لى فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد‏.‏ قالوا‏:‏ وما هو يا أبا الحكم‏؟‏

قال‏:‏ أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نَسِيبا وَسِيطًا فينا، ثم نعطى كل فتى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالعَقْل، فعقلناه لهم‏.‏
قال  إبليس القول ما قال الرجل، هذا الرأي الذي لا رأي غيره‏.‏ ووافق برلمان مكة على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع، ورجع النواب إلى بيوتهم وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار فورًا‏.‏

مقتل أبو جهل

ولأن أبو جهل من ألد المشركين وظهر عناده يوم بدر فحين قرر كبير القوم عتبة بن ربيعة الانسحاب والعوده إلى مكه وقال لا يشق القوم الا ابن الحنظلية يقصد أبو جهل وهو ما حصل إذ رد عليه أبو جهل بوساطة حكيم بن حزام

وقال: لقد جبن ابن ربيعة لأن ابنه أبوحذيفة بن عتبة بن ربيعه في جيش محمد، فلا نرجع حتى نرد ماء بدر وتعزف القيان وتدق الطبول وتسمع بنا العرب وسبحان الله فقد قتل يوم بدر على يد معوذ ومعاذ أبناء عفراء وقد كانا في حوالي السادسة عشر من عمرهما,

قال ابن إسحاق‏:‏ قال معاذ بن عمرو بن الجموح‏:‏ سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحَرَجَة والحرجة‏:‏ الشجر الملتف، أو شجرة من الأشجار لا يوصل إليها، شبه رماح المشركين وسيوفهم التي كانت حول أبي جهل لحفظه بهذه الشجرة

وهم يقولون‏:‏ أبو الحكم لا يخلص إليه، قال‏:‏ فلما سمعتها جعلته من شاني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطَنَّتْ قدمه أطارتها بنصف ساقه، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تَطِيحُ من تحت مِرْضِخَة النوى حين يضرب بها‏.‏

قال‏:‏ وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عَامَّةَ يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تَمَطَّيْتُ بها عليها حتى طرحتها، ثم مر بأبي جهل وهو عَقِيرٌ مُعَوِّذ ابن عفراء فضربه حتى أثبته، فتركه وبه رَمَق، وقاتل معوذ حتى قتل‏.‏

ولما انتهت المعركة قال رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم :‏ ‏(‏من ينظر ما صنع أبو جهل‏؟‏‏)‏ فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد الله بن مسعود وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال‏:‏ هل أخزاك الله يا عدو الله‏؟‏ قال‏:‏ وبماذا أخزاني‏؟‏ أأعمد من رجل قتلتموه‏؟‏ أو هل فوق رجل قتلتموه‏؟‏  ثم قال‏:‏ أخبرني لمن الدائرة اليوم‏؟‏ قال‏:‏ لله ورسوله، ثم قال لابن مسعود وكان قد وضع رجله على عنقه‏:‏ لقد ارتقيت مرتقى صعبًا يا رُوَيْعِىَ الغنم، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة‏.‏

وبعد أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول الله، فقال‏:‏ يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال‏:‏ ‏(‏الله الذي لا إله إلا هو‏؟‏‏)‏ فرددها ثلاثًا، ثم قال‏:‏ ‏(‏الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه‏)‏، فانطلقنا فأريته إياه، فقال‏:‏ ‏(‏هذا فرعون هذه الأمة‏)‏‏. سبحان الله وصدق الحق حين قال {وماذا عليهم لو آمنوا بالله }

  أبولهب

هو : عبد العزى بن عبد المطلب المعروف بكنية أبو لهب وهو عم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم . وهو الأخ غير الشقيق لعبد الله بن عبد المطلب والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

 عرف عبد العزى بكنية  ألا وهو : أبو لهب، لقبه إياه أبو عبد المطلب لوسامته وإشراق وجهه. يوم ميلاد (محمد صلى الله عليه وسلم) جاءت جاريته ثويبة وبشّرته بميلاد ابن أخيه ففرح لذلك وحرّرها من الرق.

ورد أسمه في القرآن في سورة المسد (وهي سورة مكية وآياتها (5)): {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1)مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ(2)سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ(3)وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ(4)فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ(5) }

وكان أول من جهر بعداوة الإسلام لما جهر الرسول بدعوته، ولم يكتف بالمعارضة الصريحة بل عضدها بالعمل والكيد، فقد مارس صور شتى أنواع أذى الرسول وصد الناس عنه. بل إن أبا لهب لم يدخل مع قومه شعب بني هاشم لما حاصرتهم قريش فيه، ولما لم يستطع الخروج مع قريش لقتال الرسول يوم بدر استأجر بدلاً منه العاص بن هشام بن المغيرة بأربعة آلاف درهم.

وكانت وزوجته المكناة بأم جميل من سادات نساء قريش، وهي أروى بنت حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان، وكانت عونا لزوجها على محاربة وإيذاء محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث كانا من أكثر من عذبا وتجاوزا عليه، وكانت زوجته أم جميل تجلب الأشواك لتضعها في طريقه بهدف إدماء قدميه.

كان له ثلاثة أبناء:  عتبة بن أبي لهب.   ؛ معتب بن أبي لهب.  ؛ عتيبة بن أبي لهب.

وقد أسلم الأولان يوم فتح مكة، وشهدا حنيناً والطائف، وأما "عُتيبة" فلم يسلم، وكانت "أم كلثوم" بنت رسول الله عنده، وأختها "رُقية" عند أخيه عُتبة، فلما نزلت السورة قال أبو لهب لهما: رأسي ورأسكما حرام إِن لم تطلقا ابنتي محمد، فطلقاهما وتزوجهما فيما بعد عثمان بن عفان ولما أراد "عُتيبة" - بالتصغير - الخروج إلى الشام مع أبيه قال: لآتينَّ محمداً وأوذينَّه فأتاه فقال يا محمد: إِني كافر بالنجم إِذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل أمام النبي وطلَّق ابنته "أم كلثوم" فغضب ودعا عليه فقال: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) فافترسه الأسد.

ويرى المسلمون بأن سورة المسد هي معجزة بحد ذاتها، إذ أنها توعدت أبو لهب وزوجته بعذاب نار جهنم خالدين فيها أبداً. فلو أسلم أبو لهب أو ادعى الإسلام لكان نسف مصداقية القرآن من أساسها. فقد نزلت هذه السورة قبل وفاة أبي لهب بعشرة سنوات.

وهلك أبو لهب بعد وقعة بدر بسبع ليالٍ بمرضٍ معدٍ كالطاعون يسمى "العدسة" وبقي ثلاثة أيام حتى أنتن، فلما خافوا العار حفروا له حفرة ودفعوه إِليها بعود حتى وقع فيها ثم قذفوه بالحجارة حتى واروه. وإليك عزيزي القارئ القصة بالتفصيل :

سورة المسد :

هى من أوائل السور التى نزلت بمكة ونزلت فى أبى لهب وزوجته وفيها قال جل وعلا {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ *مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }المسد1/ 5

يظن بعض الناس أن السورة نزلت لمجرد أن قال أبو لهب للرسول صلى الله عليه وسلم" تبا لك " والحق أننا لم نعهد هذا فى القرآن الكريم لأن الحق سبحانه وتعالى قال { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَي } الأعراف156فالحق سبحانه وتعالى  لا يأخذ المعاندين الجاحدين لأول خطأ يقعون فيه وإلا      { مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ }فاطر 45 أما { مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً  }النحل106وأسفر عن وجهه القبيح  فالله جل وعلا يقول فلــ {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } التوبة64

وهذا ما حدث من أبى لهب فقد عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا وصبر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرا وانتظر القرآن الكريم طويلا لعله يرتدع أو يفيق أوعلى الأقل يلتزم الحياد  فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ابن اخيه وصاحب الخلق الكريم الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ؛ ولكن أبا لهب ما وجد موطنا يستطيع النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلا وأقدم عليه دون حياء أو  تردد  أو خجل .

ناهيك عن ما حدث منه ومن زوجته بعد نزول السورة ولكن سنركز على أسباب نزول السورة لنرى كيف صدق  القرآن الكريم فيما أخبر به الحق سبحانه وتعالى حين قال  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24وأن الله سبحانه وتعالى حقا هو { غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21

  أبو لهب وبعض مواقفه السلبية :

 وإليك عزيزى القارئ بعضا من المواقف السلبية الجارحة التى صدرت من أبى لهب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فقد أجمعت المصادر على أن الحق سبحانه وتعالى أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يجهر بالدعوة إلى الله وإلى الإسلام بعد مضى ثلاث سنوات من الدعوة السرية وبعدما آمن بالله جل وعلا وبرسوله صلى الله عليه وسلم رجالا أوفياء مخلصون بلغ عددهم  مائة وثلاثون رجلا وامراة وهم المعروفون بالسابقين الأولين .

 وعلى رأسهم الصديق وعلى بن ابى طالب وعثمان بن عفان وأم المؤمنين خديجة رضى الله عنهم أجمعين فقال جل وعلا {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }الشعراء214فاستجاب النبى صلى الله عليه وسلم  على الفور وهنا بدر من أبى لهب مالم يكن فى الحسبان  .

فقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلات بينه وبينهم، وأن عصبة القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتى من عند الله ‏.‏ ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏94‏]‏

 فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركين ونواديهم، يتلو عليهم كتاب الله ،ويقول لهم ما قالته الرسل لأقوامهم‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ الله َ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏59‏] وبدء صلى الله عليه وسلم يعبد الله تعالى أمام أعينهم، فكان يصلى بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رءوس الأشهاد‏.‏ وقد نالت دعوته مزيدًا من القبول، ودخل الناس في دين الله واحدًا بعد واحد‏.‏ وحصل بينهم وبين من لم يسلم من أهل بيتهم تباغض وتباعد وعناد واشمأزت قريش  من كل ذلك، وساءهم ما كانوا يبصرون‏ .

1- فأول ما قام به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه دعا عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه الآية، فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلًا‏.فلما أراد أن يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بادره أبو لهب وقال‏:‏ هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصباة، وأعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة.

 وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحدًا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلم في ذلك المجلس‏.‏

لك أن تتخيل ما يضمره أبو لهب فى صدره من غل وحقد وغلظة وعداوة فهذا أول مجلس يدعوا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أهله جهارا ولم يعطه أبو لهب وقتا ليخبرهم بسبب هذا اللقاء وكان يخيل إلينا أن أبا لهب إن لم يساعد النبى صلى الله عليه وسلم فعلى الأقل سيسالمه تدرى   لماذا ؟

أولا : رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أخيهم المحبوب الذى افتقدوه فى شبابه والذى شهدت مكة فداءه بمائة من الإبل  لمكانته عند أبيه وعند أهل مكة وكرامة للمعصوم صلى الله عليه وسلم .

ثانيا : من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم الملقب بالصادق الأمين ولم يجربوا عليه ولو كذبة واحدة {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً } النساء39

ثالثا : فوق ماسبق فهما أصهار ؛ لأن أبناء أبى لهب عتبة وعتيبة كان قد كتبا على ابنتى الرسول صلى الله عليه وسلم  "رقية وأم كلثوم " .

رابعا : أما كان من الأولى أن ينتظر أبو لهب إلى ما سيسفر عنه اللقاء فهوا العم القريب ؛ لأن أبا لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن عبد مناف ولقد بلغ به الفرح حين ولد المعصوم صلى الله عليه وسلم أن اعتق الجاريه التى بلغته الخبر الميمون  فمع هذه القرابة الوثيقة خالف وعاند فهذه بداية غير مطمئنة وغير مشجعة .

 وبخاصة أن من يأتى إلى الحج  لاشك أنه سيسأل أعمام النبى صلى الله عليه وسلم عن أحواله فإن كان أعمامه أشد الناس كفرا فهذا أدعى لجحود الأخرين ونكرانهم فكان ينبغى أن يكون  هناك رد رادع لأبى لهب حتى لا يفتتن به غيره وليكون فيه العبرة والعظة ولكنها الرحمة فأملى الحق سبحانه وتعالى له فإذا به يتمادى وظهر تماديه وتطاوله فى المواقف التالية للموقف الأول .

2-وبعد المجلس الأول بأيام دعا النبى صلى الله عليه وسلم أهله مرة ثانية لأنه لم يتمكن من الحديث فى المرة الأولى وعليه أن يبلغ رسالة ربه جل وعلا وأن يبلغ الأقربين له كما أمره الحق سبحانه وتعالى فقال صلى الله عليه وسلم ‏‏ (‏الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه‏.‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له‏)‏‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي  لا إله إلا هو، إنى رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا‏)‏‏.‏

وبعد هذه الكلمة الطيبة وقف أبو طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم فقال كلاما طيبا ألا وهو‏ :‏ "ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقًا لحديثك‏.‏ وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به‏.‏ فوالله ، لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسى لا تطاوعنى على فراق دين عبد المطلب‏.‏"

وإن كان فى نهاية الكلمة رفض الإنضمام إلى النبى صلى الله عليه وسلم والإيمان به وبدعوته ولكنه على الأقل أفضل من أبى لهب الذى أظهر عداوته وجاهر بها لأن أبا طالب أعلن عن استعداده لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومسانتده فكان ينبغى على أبى لهب حينئذ أن يصمت فإن كبيرهم أبا طالب لخص ما يريدون فى كلمات فهم إلى هذه اللحظة يشعرون أنهم ذرية إبراهيم عليه السلام وهم سدنة البيت الحرام وحماته ومقصد أهل الجزيرة .

إلا أن أبا لهب صاحب الصدر الضيق والحظ التعس سولت له نفسه أن يهاجم الرسول صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية فبعدما انتهى أبو طالب من حديثه قال أبو لهب‏ :‏ " هذه والله  السوأة،خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم ."

 قاتله الله , إلا أن أبا طالب سرعان ما أدرك الخطورة والفتنة التى قد يحدثها هذا الأحمق  ؛ فقد يشجع أعمام النبى وأبنائهم على الجرأة على الرسول صلى الله عليه وسلم فحسم أبو طالب الأمر فى لحظة فقال أبو طالب‏:‏ والله لنمنعه ما بقينا‏.‏ واكتفى القرآن الكريم هذه المرة أيضا بالجواب الذى قام به أبو طالب ولم يعجل العقوبة والحكم على أبى لهب .

3-لم يرتدع أبو لهب ولم يفق حتى بعد مقالة أبى طالب وأصر على ما هو فيه من عناد وجحود وماذا عليه لو ترك الرسول صلى الله عليه وسلم وشأنه ؟  فقد جاءهم بعز الدنيا والأخرة ولكن  يبدوا أن أبا لهب من الأشقياء لإصراره على النيل من مكانة المعصوم صلى الله عليه وسلم  وظهر  هذا جليا فى الموقف الذى رواه أبو هريرة عن طارق بن عبد الله المحاربى فيقول :

 " إنى بسوق  ذى المجاز إذ بإنسان يقول : أيها الناس قولوا لا إله الا الله تفلحوا وإذا برجل خلفه يرميه فأدمى ساقية وعرقوبيه ويقول ياأيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه فقلنا من هذا  ؟ فقالوا : محمد  يزعم أنه نبى وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب ."  لا حول ولا قوة الا بالله .

ماذا ترك أبو لهب للغلمان والسفهاء والمجانين ؟ !!!!!  فرجل فى مثل سنه ومكانته من قومه وقرابته  من النبى صلى الله عليه وسلم لا ينبغى له مثل ذلك ؛  ومع هذا لم يعجل القرآن الكريم  بالرد عليه ؛ لأن أخذ الحق سبحانه وتعالى أليم شديد لايطيقه لا أبولهب ولا الدنيا بأسرها وإنها كما قال المعصوم لجنة أبدا أو لنار أبدا .ومن ثم أمهله الحق سبحانه وتعالى  تحقيقا لقوله تعالى ( إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا * فمهل الكافرين وأمهلهم رويدا )  

4-لم يكتف أبو لهب بما سبق ولم تتحرك فيه الرحم كما تحركت فى أخيهم أبو طالب فيروى عبد الرحمن بن زيد :" أن أبا لهب أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال ماذا أعطى إن آمنت  بك يا محمد ؟ قال صلى الله عليه وسلم : كما يعطى المسلمون ,قال أبو لهب مالى عليهم فضل ؟ قال صلى الله عليه وسلم : وأى شئ ينبغى ؟ قال أبو لهب تبا لهذا من دين أن أكون أنا وهؤلاء وسواء ."

إذن هو يريدها صفقة ووجاهه لا طاعة وإيمان  ؛ وفوق هذا سليط اللسان قبيح البيان وماذا عليه لو انصرف صامتا دون سب أو إهانة ؟  وصدق القائل ( رحم الله إمرأ قال خيرا فغنم أو سكت فسلم ) ولكن من ؟ أبو لهب الذى يفيض الحقد والغل من جوانبه ؟

 والعجيب أنه لا لشئ ؛ لأنه إن عاند أهل مكة كأبى جهل وأمثاله رغم أنهم لا عذر لهم لقيل : إن العصبية القبلية والفخر آنذاك قد يكون حائلا بين الإيمان بالدين الجديد الذى يجعل الناس سواء , كما أن هولاء من قصر تفكيرهم ظنوا أن الفخر والمجد سينسب لقوم دون  أخرين  فجحود هذه النعمة لا لشئ إلا لأنها نزلت على المعصوم صلى الله عليه وسلم من بنى  هاشم فماذا للعائلات الأخرى ؟ هذا ظنهم وقد قالوها أكثر من مرة{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }الزخرف31

بل وتروى كتب السيرة أن الأخنس بن شريق لقى أبا جهل يوما عند الكعبة وقال له             ياأبا الحكم أصدقنى القول فليس معنا أحد وإنى سألك فأصدقنى ؛ فقال : أصادق محمد أم كاذب ؟ فقال أبو جهل : بل محمد صادق وما جربنا عليه كذبا قط ؛ قال فماذا إذن ؟ قال أبوجهل كنا نحن وبنى هاشم نتنافس الشرف ؛ أطعموا فاأطعمنا وسقوا الحجيج فسقينا حتى إذا كنا كفرسى رهان قالوا منا نبى فأنى ندرك ذلك ؟ قال إذن هو الجحود فحسب قال نعم ..

  وفى هذا يقول   سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم  {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ }الأنعام33

فإن كان للأغراب ما يتعللون به , فما عذر أبو لهب ؟ فهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم  ؛ وعزه عزهم ,  وشرفه شرفهم ؛ فهم جميعا بنو رجل واحد فكأنى برسول الله صلى الله عليه وسلم   ينظر إليهم ويقول { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } يوسف18

5-مع كل ماسبق والرسول صلى الله عليه وسلم صاير ومحتسب ولم يدع على عمه ولا على غيره وترك الأمر لله فهو ولى ذلك والقادر عليه {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14وهو القائل جل شانه {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }الزخرف79/80 

ولقد سجلت ملائكة الله سبحانه وتعالى على أبى لهب الكثير والكثير من الجحود والنكران والهذيان والإهانات وأكبر تلك الإهانات وأشدها والتى كانت: - قاصمة الظهر لأبى لهب ما حدث منه يوم الصفا  .

كل هذا وعناد أبى لهب يزداد كل يوم ضراوة ؛ وغره إمهال الحق سبحانه وتعالى له وصبر الرسول صلى الله عليه وسلم فكان مما يفعله :  مارواه البخارى عن عبد الرحمن بن كيسان قائلا : كان إذا وفد على النبى صلى الله عليه وسلم وفد انطلق إليهم أبو لهب فيسألونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون له : أنت أعلم به منا ؛  فيقول أبو لهبنه ساحر وكذاب , فيرجعون  عنه ؛ حتى أتى وفد ففعل معه مثل ذلك فقالوا :  لا ننصرف حتى نراه ونسمع كلامه فقال لهم أبو لهب : إنا لم نزل نعالجه فتبا له وتعسا فأخبر بذلك النبى صلى لله  عليه وسلم فاكتأب لذلك .

ألا يكفى ما سبق حتى ينزل الحق سبحانه وتعالى قرآنا فى شأن أبى لهب ؟ نعم يكفى ولكن  سبق فى علم الله أنه لن يؤمن ؛ وحتى لا يقال إن القرآن تعجل عليه فلو إنتظر لأسلم  وحتى  لا يترك القرآن مغمزا لمتشكك ننتظر بعد كل ما مضى وذكرناه موقفا أخر لعله يرجع عن  غيه وإلا  .

6-وبعد أمر الله جل وعلا للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يصدع بالأمر وأن يجهر بالدعوة  صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا، فعلا أعلاها حجرًا، ثم هتف‏:‏ ‏(‏يا صباحاه‏)‏ وكانت كلمة إنذار تخبر إما عن هجوم جيش أو وقوع أمر عظيم ‏.‏ ثم جعل ينادى بطون قريش، ويدعوهم قبيلة قبيلة:‏ ‏(‏يا بني فهر، يا بني عدى، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب‏)‏‏.‏فلما سمعوا قالوا‏:‏ من هذا الذي يهتف‏؟‏

قالوا‏:‏ محمد‏.‏ فأسرع الناس إليه، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش‏.‏فلما اجتمعوا قال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادى بسَفْح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِىَّ‏؟‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم، ما جربنا عليك كذبًا، ما جربنا عليك إلا صدقًا‏.‏ فقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد، إنما مثلى ومثلكم كمثل رجل رأي العَدُوّ فانطلق يَرْبَأ أهله‏)‏‏(‏ أي يتطلع وينظر لهم من مكان مرتفع لئلا يدهمهم العدو‏)‏ ‏(‏خشى أن يسبقوه فجعل ينادى‏:‏ يا صباحاه‏)‏
ثم دعاهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب الله ، فخص وعم فقال
‏:-
‏(‏يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله ، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا‏.‏

يا بني كعب بن لؤى، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا‏.‏
يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏ يا معشر بني قصى، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا‏.‏
يا معشر بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا‏.‏
يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏
يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏
يا معشر بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنكم من الله شيئًا، سلونى من مالى ماشئتم، لا أملك لكم من الله شيئًا‏.‏
يا عباس بن عبد المطلب، لا أغنى عنك من الله شيئًا‏.‏
يا صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ، لا أغنى عنك من الله شيئًا‏.‏
يا فاطمة بنت محمد رسول الله ، سلينى ما شئت من مالى، أنقذى نفسك من النار، فإنى لا أملك لك ضرًا ولا نفعًا، ولا أغنى عنك من الله شيئًا‏.‏ غير أن لكم رحمًا سأبُلُّها بِبلاَلها‏)‏ أي أصلها حسب حقها‏.‏

وبعد هذا الإنذار وقف الجميع مشدوهين فمنهم من يفكر فى الأمر ومنهم من لا يعى ما يحدث ومنهم من يهئ نفسه للإيمان خشية العذاب الذى آنذرهم إياه الرسول الصادق صلى الله عليه وسلم ومنهم من يعلم أن محمدا صادقا ومن ثم فإن لم يؤمن فإن عاقبته ستكون وخيمة .

إلى أخر هذه الخواطر التى تدور بخلد من يحضر مثل هذا اللقاء المهيب وكاد الجميع أن ينصرف بهدوء وسكينة إلا أن أبا لهب تعيس الحظ لم يترك هذا اللقاء دون أن يضع فيه بصماته الحقيرة ولكنه لم يدرى أنها النهاية . حقا قد طاف الصاع فلم يترك أبولهب لرضا الله ورسوله مدخلا فجهر أمام هذا الجمع قائلا : "تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا‏؟ "

ألم أقل لك عزيزى القارئ إن لكل أمر نهاية , وصدق الحق حين قال ( فلا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }آل عمران197إذن فلا يغرنك الباطل فإن له لحظة يدهمه فيها الحق وفى هذا يقول تعالى  {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }الأنبياء18وقتها لا يجنى الباطل إلا البوار لقول الله جل وعلا {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ }إبراهيم28ولقد غر أبو لهب صمت الرسول صلى الله عليه وسلم تجاهه وظن أن الله جل وعلا لن يعصم نبيه أو لا يسانده هيهات وهو جل وعلا القائل  {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } الحج38

 فما بالك برسله صلوات الله وسلامه عليهم فقد قال جل وعلا  {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51) والقائل جل وعلا {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }المجادلة21

فما إن نطق أبو لهب وتوعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالهلاك والعذاب قائلا تبا لك سائر  اليوم . إلا و نزل جبريل الأمين على قلب المعصوم صلى الله عليه وسلم بوعيد أشد وأنكى من الله العزيز القدير لأبى لهب ومن هم على شاكلته فقال سبحانه وتعالى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ *مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }المسد1/ 5

 حقا صدق الله جل وعلا حين قال {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } الأعراف 183والسورة فوق أنها ردت على أبى لهب وعيده ؛ ولكن شتان بين وعيد ووعيد ؛ فوعيد الله جل وعلا لا يغلب فهو القائل {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }الأنعام18أما أبو لهب فإن وعيده لايساوى شيئا لأنه لا يستطيع النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأقوال لقوله جل وعلا {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }آل عمران186

والحمد لله أن الرسول الكريم على درجة من الصبر والتحمل  والرحم لأهله ما يجعله يتحمل من أمثال أبى لهب الكثير فقال جل وعلا  {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128

 فهى تمثل خطورة بالنسبة للمسلمين فمنهم من لم يزل حديثى عهد بالإسلام كما أن الإسلام مازال فى مهده وهذه الآيات حكمت وقضت أن أبا لهب من أهل النار ومعنى هذا  أنه لن يؤمن بالله ولا برسوله فمن يضمن للمسلمين ذلك ؟ وماذا لو عاش أبو لهب وقتا طويلا فيندم على ما بدر منه  ويتوب ويدخل الإسلام ؟

وماذا لو ضغط أهل مكة على أبى لهب ولو لينطق بالشهادة ظاهرا ليضرب الإسلام فى مقتل ؟ وهناك العديد من هذه التساؤلات والتى تدور بخلد المسلمين لترى عزيزى القارئ مكمن الخطورة فى النبؤات فى القرآن الكريم  وكيف عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم  ومن معه لحظة بلحظة ؛ والعجيب أنهم لم يخفوا الآيات بل إنهم يتلونها ليل نهار وكلهم ثقة بالله جل وعلا أنه لن يضيع أهله كما أنهم يعلمون أنه  {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً }النساء87

حقا إنه جل وعلا إن أراد فلا راد لقضائه وإن حكم فلا معقب لحكمه .وسبحان الله القدير القائل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24فقد عاش أبولهب بعد نزول السورة سنين عدة فلقد ظل الرسول بعد نزول هذه السورة  فى مكة عشر سنين ثم هاجر إلى المدينة وفى العام الثانى الهجرى كانت غزوة بدر الكبرى ؛ وكتب الله جل وعلا لرسوله وللمؤمنين الغلبة والنصر وقتل صناديد قريش وعلى رأسهم أبوجهل وعتبة وشيبة ابنى ربيعة وغيرهم غير أن أبا لهب كان قد تخلف عن الغزوة خشية القتل

ولكنه مات بما هو أسوا من القتل فهيا نرى حالته النفسية التى وصل إليها بعد غزوة بدر وقبل هلاكه ؛  فقد قال ابن إسحاق‏:‏ وكان أول من قدم بمصاب قريش الحَيْسُمَان  بن عبد الله الخزاعى، فقالوا‏:‏ ما وراءك‏ ؟‏ قال‏:‏ قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف، في رجال من الزعماء سماهم‏.‏ فلما أخذ يعد أشراف قريش فقال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحِجْر‏:‏ والله إن يعقل هذا، فاسألوه عنى‏.‏ قالوا ‏:‏ ما فعل صفوان بن أمية ‏؟‏  قال‏:‏ ها هو ذا جالس في الحجر، وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا‏ .

وقال أبو رافع ـ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كنت غلامًا للعباس وكان الإسلام قد دخلنا أهلَ البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يكتم إسلامه، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزًا، وكنت رجلًا ضعيفًا أعمل الأقداح، أنحتها في حجرة زمزم، فوالله إني لجالس فيها أنحت أقداحى وعندى أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من  الخبر،

 إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طُنُب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهرى، فبينما  هو جالس إذ قال الناس‏:‏ هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم، فقال له أبو لهب‏:‏ هلم إلىَّ، فعندك لعمرى الخبر، قال‏:‏ فجلس إليه،والناس قيام عليه‏.‏ فقال‏:‏ يابن أخي، أخبرني كيف كان أمر الناس‏؟‏

قال‏:‏ ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لَقِينَا رجال بيض على خيل بُلْق بين السماء والأرض، والله ما تُلِيق شيئًا، ولا يقوم لها شيء‏.‏

قال أبو رافع‏:‏ فرفعت طنب الحجرة بيدى، ثم قلت‏:‏ تلك والله الملائكة‏.‏ قال‏:‏ فرفع أبو لهب يده، فضرب بها وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملنى فضرب بى الأرض، ثم برك علىّ يضربني، وكنت رجلًا ضعيفًا . فقامت أم الفضل إلى عمود من عُمُد الحجرة فأخذته، فضربته  به ضربة  فَلَعَتْ في رأسه شجة منكرة، وقالت‏:‏ استضعفته أن غاب عنه سيده، فقام موليًا ذليلًا، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة ‏[‏وهي قرحة تتشاءم بها العرب‏]‏ فقتلته، فتركه بنوه،  وبقى ثلاثة أيام لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السبة في تركه حفروا له، ثم  دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه‏ .‏ وصدق الحق جل وعلا حين قال {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }فصلت42

الوليد بن المغيرة

 أحد قادة قريش في العصر الجاهلى ووالد الصحابي خالد بن الوليد من أغنى أغنياء قريش حيث ورد أنه بنى ركن من أركان الكعبة الأربعة عندما قامت قريش بترميمها واشتركت باقى القبائل في الباقي وورد كذلك أنه كان في موسم الحج وطول الاربعين ليلة يذبح للحجيج كل يوم 10 من الابل وقيل أن قافلة تجارته تقدر بمائة بعير حتى يقال انها لاتدخل من باب واحد بل من جميع أبواب مكة حتى تصل الجمال في وقت واحد.

نزلت فيه قول القرآن في سورة المدثر "إنه فكر وقدر*فقتل كيف قدر*ثم قتل كيف قدر*ثم نظر* ثم عبس وبسر*ثم أدبر واستكبر*فقال إن هذا إلا سحر يؤثر*إن هذا إلا قول البشر*سأصليه سقر" كانت قريش تسميه الوحيد أو وحيد مكه لان قبائل قريش تكسوا الكعبه عام وهو وحده عام.

هو الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة وبه (اي بن مرة) يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. لما نشبت حرب بدر الكبرى جاء الأخنس بن شريق قائد بني زهرة إلى أبي جهل ابن هشام بن المغيرة ولما اختلى به سأله قائلاً أترى محمداً يكذب؟ فقال أبو جهل ماكذب قط وكنا نسميه الأمين ولكن إذا كان في بني هاشم السقاية والرفادة والمشورة ثم تكون فيهم النبوة فأي شيء لبني مخزوم؟  

فمن هذا يتبين أن بني مخزوم يرون أنفسهم في درجة بني هاشم وسبب امتناعه من الإسلام كما ذكره الأمام البغوي في تفسيره أن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد قرأ ((حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير)) وكان الوليد يسمع قرأته ففطن له (أي انتبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعاد الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه فقال : والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وأنه يعلو وما يعلى عليه.

ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش صبأ والله الوليد، وهو ريحانة قريش والله لتصبأن قريش كلهم فقال أبو جهل أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب عمه الوليد حزيناً فقال له الوليد مالي أراك حزيناً يا ابن أخي؟ فقال: وما يمنعني أن أحزن؟ وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد وإنك تدخل على ابن أبي كبشة وابن قحافة لتنال من فضل طعامهم فغضب الوليد .

وقال: ألم تعلم قريش أني من أكثرها مالاً وولداً؟ وهل شبع محمد وأصحابه ليكون لهم فضل؟ ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم: تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يحنق قط؟ قالوا اللهم لا، قال: تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهن قط؟ قالوا اللهم لا، قال: تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب؟

قالوا لا، فقالت قريش للوليد فما هو؟ فتفكر في نفسه ثم نظر وعبس فقال: ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر فذلك قول الله تعالى في سورة المدثر : "إنه فكر وقدر. فقتل كيف قدر"

{ومن يهن الله فما له من مكرم }

ولقد نزلت معظم سورة القلم في الوليد بن المغيرة.فنبدأبقوله تعالى {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ}[5] {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ}[6] {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[7]

فقوله تعالى : {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} قال ابن عباس : معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة. وقيل : فسترى ويرون يوم القيامة حين يتبين الحق والباطل. {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} ؛ أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون. أي الذي فتن بالجنون

أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون ؛ أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين أم بالفرقة الأخرى. والمفتون : المجنون الذي فتنه الشيطان. وقيل : المفتون المعذب. من قول العرب : فتنت الذهب بالنار إذا حميته. ومنه قوله تعالى : {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي يعذبون .
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} أي إن الله هو العالم بمن حاد عن دينه. {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي الذين هم على الهدى فيجازي كلا غدا بعمله.

ثم نهى الحق سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى  {فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} [8] فنهاه عن ممايلة المشركين ؛ لأنهم كانوا يدعونه إلى أن يكف عنهم ليكفوا عنه فبين الله تعالى أن ممايلتهم كفر. وقال تعالى : {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً}. وقيل : أي فلا تطع المكذبين فيما دعوك إليه من دينهم الخبيث.

ثم قل تعالى مبينا لحبيبه محمد رغبة هؤلاء في المداهنة لأنهم لن يخسروا شيئا ولن يفوتهم شئ فإن  أى مداهنة ومن الجانب الأخر هى مكسب لهم ولذا قال تعالى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}: [9] ويوضح المفسرون المعنى فيقولون: ودوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم. ؛ وعن ابن عباس أيضا : ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك. وقال الفراء : لو تلين فيلينون لك. والادهان : التليين لمن لا ينبغي له التليين . وقال مجاهد : المعنى ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك.

وقال الربيع بن أنس : ودوا لو تكذب فيكذبون. وقال قتادة : ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك. وقال الحسن : ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم. وعنه أيضا : ودوا لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم.

وقال زيد بن أسلم : ودوا لو تنافق وترائي فينافقون ويراؤون. وقيل : ودوا لو تضعف فيضعفون ؛ قال أبو جعفر. وقيل : ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم ؛ قاله القتبي. وعنه : طلبوا منه أن يعبد ألهتهم مدة ويعبدوا إلهه مدة.

وحين أخطأ الوليد بن المغيرة في حق المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم وقال إنه ساحر فإذا بالحق سبحانه وتعالى يرد عليه السبة بعشر أمثالها فبعدما بين الحق سبحانه وتعالى أنه من المكذبين المنافقين قال تعالى مبينا أقبح ما في الوليد بن المغيرة من صفات فقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم   {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ[10]هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ[11]مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ[12]عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ[13]

 لأن الوليد بن المغيرة ،كان قد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم مالا وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه والحلاف : الكثير الحلف. والمهين : الضعيف القلب ؛ عن مجاهد. ابن عباس : الكذاب. والكذاب مهين. وقيل : المكثار في الشر

وقال الكلبي : المهين الفاجر العاجز. وقيل : معناه الحقير عند الله. وقال ابن شجرة : إنه الذليل. وقال الرماني : المهين الوضيع لإكثاره من القبيح. وهو فعيل من المهانة بمعنى القلة. وهي هنا القلة في الرأي والتمييز. أو هو فعيل بمعنى مفعل ؛ والمعنى مهان.

 {هَمَّازٍ} قال ابن زيد : الهماز الذي يهمز الناس بيده ويضربهم. واللماز باللسان.وقال الحسن : هو الذي يهمز ناحية في المجلس ؛ كقوله تعالى : {هُمَزَةٍ} وقيل : الهماز الذي يذكر الناس في وجوههم. واللماز الذي يذكرهم في مغيبهم .

{مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} أي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم. يقال : نم ينم نما ونميما ونميمة ؛ أي يمشي ويسعى بالفساد. وفي صحيح مسلم عن حذيفة أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث ، فقال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا يدخل الجنة نمام"

 {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أي للمال أن ينفق في وجوهه. وقال الحسن : كان يقول لبنيه من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا.

{مُعْتَدٍ} أي على الناس في الظلم متجاوز للحد ، صاحب باطل. {أَثِيمٍ} أي ذي إثم ، ومعناه أثوم ، فهو فعيل بمعنى فعول. {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} العتل الجافي الشديد في كفره. وقال الكلبي والفراء : هو الشديد الخصومة بالباطل. وقال علي بن أبي طالب والحسن : العتل الفاحش السيئ الخلق. وقال معمر : هو الفاحش اللئيم.

وفي صحيح مسلم عن حارثة بن وهب سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ألا أخبركم بأهل الجنة - قالوا بلى قال - كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار" - قالوا بلى قال - "كل عتل جواظ مستكبر".

 وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى : {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "تبكي السماء من رجل أصح الله جسمه ورحب جوفه وأعطاه من الدنيا بعضا فكان للناس ظلوما فذلك العتل الزنيم. وتبكي السماء من الشيخ الزاني ما تكاد الأرض تقله". والزنيم الملصق بالقوم الدعي ؛ عن ابن عباس وغيره.

و عن سعيد بن المسيب وعكرمة : هو ولد الزنى الملحق في النسب بالقوم. وكان الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم ؛ ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده.

 قال الشاعر :
زنيم ليس يعرف من أبوه ... بغي الأم ذو حسب لئيم

وقالت ميمونة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنى فإذا فشا فيهم ولد الزنى أوشك أن يعمهم الله بعقاب". وقال عكرمة : إذا كثر ولد الزنى قحط المطر.

ومعظم المفسرين على أن هذا نزل في الوليد بن المغيرة ، وكان يطعم أهل منى حيسا ثلاثة أيام ، وينادي ألا لا يوقدن أحد تحت برمة ، ألا لا يدخنن أحد بكراع ، ألا ومن أراد الحيس فليأت الوليد بن المغيرة. وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفا وأكثر. ولا يعطي المسكين درهما واحدا

 

 

 

الإغترار بالمال والولد

ثم يبين الحق سبحانه وتعالى أن الوليد بن المغيرة اغتر بما أتاه الله من مال وولد ولكنه لم يرجع سبب ذلك إلى الله تعالى ولكنه ظن أن المال والولد انما هما من ذاتيته  ولذا قال تعالى أنه ما فعل ما فعل لأننا وزقنا ه  بالولد والمال   {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} حينها بدلا من الإيمان بالله وبالرسول فإذا به  {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}

عتبة بن ربيعة :

هو من سادات قريش، عرف برجاحة عقله ونصح قريش أن يسلموا بمحمد صلى الله عليه وسلم النبي أو يخلوا بينه وبين القبائل بعد أن اجتمع بالرسول وسمع منه ونعته الرسول بقوله أبا الوليد اكبارا له، وقد اسلم ابنه أبو حذيفة بن عتبة،

موقفه يوم بدر

في الليلة التي كانت صبيحتها غزوة بدر  قضت  قريش ليلتها هذه في معسكرها بالعدوة القصوى، ولما أصبحت أقبلت في كتائبها، ونزلت من الكثيب إلى وادي بدر‏.‏ وأقبل نفر منهم إلى حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏دعوهم‏]‏، فما شرب أحد منهم يومئذ إلا قتل، سوى حكيم بن حزام، فإنه لم يقتل، وأسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان إذا اجتهد في اليمين قال‏:‏ لا والذي نجاني من يوم بدر‏.‏
فلما اطمأنت قريش بعثت عُمَيْر بن وهب الجُمَحِى للتعرف على مدى قوة جيش المدينة، فدار عمير بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال‏:‏ ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلًا أو ينقصون، ولكن أمهلونى حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد‏؟‏
فضرب في الوادى حتى أبعد، فلم ير شيئًا، فرجع إليهم فقال‏:‏ ما وجدت شيئًا، ولكنى قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلًا منكم،فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك‏؟‏ فروا رأيكم‏.‏
وحينئذ قامت معارضة أخرى ضد أبي جهل ـ المصمم على المعركة ـ تدعو إلى العودة بالجيش إلى مكة دونما قتال.

 فقد مشى حكيم بن حزام في الناس، وأتى عتبة ابن ربيعة فقال‏:‏ يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها، والمطاع فيها، فهل لك إلى خير تذكر به إلى آخر الدهر‏؟‏ قال‏:‏ وما ذاك يا حكيم‏؟‏ قال‏:‏ ترجع بالناس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمى ـ المقتول في سرية نخلة ـ فقال عتبة‏:‏ قد فعلت‏.‏ أنت ضامن علىّ بذلك‏.‏ إنما هو حليفي، فعلى عقله ‏[‏ديته‏]‏ وما أصيب من ماله‏.‏
ثم قال عتبة لحكيم بن حزام‏:‏ فائت ابن الحَنْظَلِيَّةِ ـ أبا جهل، والحنظلية أمه ـ فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره‏.‏
ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبًا فقال‏:‏ يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا، والله لئن أصبتموه لايزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلًا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألْفَاكُمْ ولم تَعَرَّضُوا منه ما تريدون‏.‏

وانطلق حكيم بن حزام إلى أبي جهل ـ وهو يهيئ درعًا له ـ قال‏:‏ يا أبا الحكم، إن عتبة أرسلنى بكذا وكذا، فقال أبو جهل‏:‏ انتفخ والله سَحْرُهُ حين رأي محمدًا وأصحابه، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأي أن محمدًا وأصحابه أكلة جَزُور، وفيهم ابنه ـ وهو أبو حذيفة بن عتبة كان قد أسلم قديمًا وهاجر ـ فَتَخَوَّفَكُمْ عليه‏.‏

ولما بلغ عتبة قول أبي جهل‏:‏ انتفخ والله سحره، قال عتبة‏:‏ سيعلم مُصَفِّر اسْتَه من انتفخ سحره، أنا أم هو‏؟‏ وتعجل أبو جهل، مخافة أن تقوى هذه المعارضة، فبعث على إثر هذه المحاورة إلى عامر بن الحضرمى ـ أخي عمرو بن الحضرمى المقتول في سرية عبد الله بن جحش ـ فقال‏:‏ هذا حليفك ‏[‏أي عتبة‏]‏ يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانْشُد خُفْرَتَك ، ومَقْتَلَ أخيك، فقام عامر فكشف عن استه، وصرخ‏:‏ واعمراه، واعمراه، فحمى القوم، وحَقِبَ أمرهم، واستوثقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة‏.‏ وهكذا تغلب الطيش على الحكمة، وذهبت هذه المعارضة دون جدوى‏.

ولما طلع المشركون وتراءى الجمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏اللهم هذه قريش قد أقبلت بخُيَلائها وفَخْرها تُحَادُّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحْنِهُم ‏[‏الغداة‏]‏‏)‏ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر‏:‏ ‏‏(‏إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يَرْشُدُوا‏)‏‏.‏

لقطة من محبة الصحابة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدل صفوف المسلمين، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب، فقد كان في يديه قِدْح يعدل به، وكان سَوَاد بن غَزِيَّة مُسْتَنْصِلًا من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال‏:‏ ‏‏(‏استو يا سواد‏)‏، فقال سواد‏:‏ يا رسول الله، أوجعتنى فأقدنى، فكشف عن بطنه وقال‏:‏ ‏‏(‏استقد‏)‏، فاعتنقه سواد وقبل بطنه، فقال‏:‏ ‏‏(‏ما حملك على هذا يا سواد‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ يا رسول الله، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك‏.‏ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير‏.‏
ولما تم تعديل الصفوف أصدر أوامره إلى جيشه بألا يبدأوا القتال حتى يتلقوا منه الأوامر الأخيرة، ثم أدلى إليهم بتوجيه خـاص في أمـر الحـرب، فقال‏:‏ ‏‏(‏إذا أكثبوكم ـ يعنى اقتربوا منكم ـ فارموهم، واستبقوا نبلكم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم‏)‏ ثم رجع إلى العريش هو وأبو بكر خاصة،وقام سعد بن معاذ بكتيبة الحراسة على باب العريش‏.‏
أما المشركون فقد استفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال‏:‏ اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لانعرفه،فأحِنْه الغداة،اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، وفي ذلك أنزل الله‏:‏ ‏{‏إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏19‏]‏
أول فتيل المعركة

وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومى ـ وكان رجلًا شرسًا سيئ الخلق ـ خرج قائلًا‏:‏ أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه‏.‏ فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فلما التقيا ضربه حمزة فأطَنَّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دمًا نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض‏.‏

عتبة بن ربيعة والهلاك
وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار عَوْف ومُعَوِّذ ابنا الحارث ـ وأمهما عفراء ـ وعبد الله بن رواحة، فقالوا‏:‏ من أنتم‏؟‏ قالوا‏:‏ رهط من الأنصار‏.‏ قالوا‏:‏ أكِِفَّاء كرام، ما لنا بكم حاجة،

وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم‏:‏ يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا على‏)‏، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا‏:‏ من أنتم‏؟‏ فأخبروهم، فقالوا‏:‏ أنتم أكفاء كرام،

فبارز عبيدة ـ وكان أسن القوم ـ عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز على الوليد‏.‏ فأما حمزة وعلى فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم كَرَّ على وحمزة على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله، فلم يزل ضَمِنًا حتى مات بالصفراء،بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر، حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة‏.‏ وكان على يقسم بالله أن هذه الآية نــزلت فيهم‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ الآية ‏[‏الحج‏:‏19‏]‏‏.‏
 الهجوم العام
وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة للمشركين؛ إذ فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة،فاستشاطوا غضبًا،وكروا على المسلمين كرة رجل واحد‏.‏
وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين المتتالية، وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وهم يقولون‏:‏ أحَد أحَد‏.‏

 اما عتبه فقد اجهز عليه حمزه وعلي، وجد في ابنه أبو حذيفه حزن وهو من المسلمين عندما وجد اباه قتيلا، فساله الرسول عن ذلك فقال : لانك تعرف رجاحة عقل ابي فكنت اتمناه يموت مسلما وهو ما اقره الرسول، وكان اهل مكه لما قدموا ماء بدر قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم : ان يكن في القوم خير فعلى صاحب الجمل الاحمر، يقصد عتبة وقد كان اوى الرسول الكريم  في بستانه في وحلة الطائف، وأسلمت ابنته هند مع زوجها أبو سفيان يوم فتح مكة

فبالله عليك ماذا عليه لو آمن بالله وظل على مواقفه من تصديق وإيمان بالله وبالرسول بخاصة بعدما نبين له أنه الحق .

عبد الله بن أبي بن سلول

كان سيد قبيلة الخزرج، كان على وشك أن يكون سيد المدينة قبل أن يصلها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم  ؛ يلقبه المسلمون بزعيم المنافقين لديه ولد اسمه عبد الله (على اسم ابيه) وأصبح لولده شأن كبير في الإسلام وقتل في معركة اليمامة.

وكان عبد الله بن أبي بن سلول  شديد العداوة  لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ولكن لم يكن يستطيع أن يناوئهم، بل كان مضطرًا إلى إظهار الودّ والصفاء نظرًا إلى الظروف،  فقد كانت الأوس والخزرج اجتمعوا على سيادته بعد حرب بُعَاث ـ ولم يكونوا اجتمعوا على سيادة أحد قبله ـ وكانوا قد نظموا له الخَرْز، ليُتَوِّجُوه ويُمَلّكُوه، وكان على وشك أن يصير ملكًا على أهل المدينة إذ بوغت بمجىء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصراف قومه عنه إليه، فكان يرى أنه استلبه الملك.

 فكان يبطن العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما رأي أن الظروف لا تساعده على شركه، وأنه سوف يحرم بقايا العز والشرف وما يترتب عليهما من منافع الحياة الدنيا أظهر الإسلام بعد بدر، ولكن بقى مستبطنًا الكفر، فكان لا يجد مجالًا يكيد فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين إلا ويأتيه، وكان أصحابه ـ من الرؤساء الذين حرموا المناصب المرجوة في ملكه ـ يساهمونه ويدعمونه في تنفيذ خططه، وربما كانوا يتخذون بعض الشباب وسذجة المسلمين عميلًا لتنفيذ خطتهم من حيث لا يشعر‏.‏

موقفه في غزوة أحد
حين علم النبي صلى الله عليه وسلم وتأكد من وصول  جيش مكة للقرب من المدينة عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً استشارياً عسكرياً أعلى ، تبادل فيه الرأي لاختيار الموقف، وأخبرهم عن رؤيا رآها، قال‏:‏ ‏‏(‏إني قد رأيت والله خيراً، رأيت بقراً يذبح، ورأيت في ذُبَاب سيفي ثُلْماً، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة‏)‏، وتأوّل البقر بنفر من أصحابه يقتلون، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول الدرع بالمدينة‏.‏

ثم قدم رأيه إلى صحابته ألا يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها،فإن أقام المشركون بمعسكرهم أقاموا بِشَرِّ مُقَام وبغير جدوي، وإن دخلوا المدينة قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، والنساء من فوق البيوت،

 وكان هذا هو الرأي‏.‏ ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي بن سلول ـ رأس المنافقين ـ وكان قد حضر المجلس بصفته أحد زعماء الخزرج‏.‏ ويبدو أن موافقته لهذا الرأي لم تكن لأجل أن هذا هو الموقف الصحيح من حيث الوجهة العسكرية، بل ليتمكن من التباعد عن القتال دون أن يعلم بذلك أحد.

وشاء الله أن يفتضح هو وأصحابه ـ لأول مرة ـ أمام المسلمين وينكشف عنهم الغطاء الذي كان كفرهم ونفاقهم يكمن وراءه، ويتعرف المسلمون في أحرج ساعاتهم على تلك الأفاعي التي كانت تتحرك تحت ملابسهم وأكمامهم‏.‏
فقد بادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر ومن غيرهم، فأشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج، وألحوا عليه في ذلك حتى قال قائلهم‏:‏ يا رسول الله،كنا نتمني هذا اليوم وندعو الله، فقد ساقه إلينا وقرب المسير، اخرج إلى أعدائنا، لا يرون أنا جَبُنَّا عنهم‏.‏
وكان في مقدمة هؤلاء المتحمسين حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ الذي كان قد أبلي أحسن بلاء في معركة بدر ـ فقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم طعاماً حتى أجالدهم بسيفي خارج المدينة ‏.‏
تمرد عبد الله بن أبي وأصحابه‏
وقبل طلوع الفجر بقليل أدلج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بالشَّوْط صلى الفجر، وكان بمقربة جداً من العدو، فقد كان يراهم ويرونه، وهناك تمرد عبد الله بن أبي المنافق، فانسحب بنحو ثلث العسكر ـ ثلاثمائة مقاتل ـ قائلاً‏:‏ ما ندري علام نقتل أنفسنا ‏؟‏ ومتظاهراً بالاحتجاج بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك رأيه وأطاع غيره‏.‏
ولا شك أن سبب هذا الانعزال لم يكن هو ما أبداه هذا المنافق من رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، وإلا لم يكن لسيره مع الجيش النبوي إلى هذا المكان معني‏.‏ ولو كان هذا هو السبب لا نعزل عن الجيش منذ بداية سيره، بل كان هدفه الرئيسي من هذا التمرد ـ في ذلك الظرف الدقيق ـ أن يحدث البلبلة والاضطراب في جيش المسلمين على مرأي ومسمع من عدوهم،حتى ينحاز عامة الجيش عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتنهار معنويات من يبقي معه، بينما يتشجع العدو، وتعلو همته لرؤية هذا المنظر، فيكون ذلك أسرع إلى القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المخلصين، ويصحو بعد ذلك الجو لعودة الرياسة إلى هذا المنافق وأصحابه‏.‏
وكاد المنافق ينجح في تحقيق بعض ما كان يهدف إليه، فقد همت طائفتان ـ بنو حارثة من الأوس، وبنو سلمة من الخزرج ـ أن تفشلا، ولكن الله تولاهما، فثبتتا بعدما سري فيهما الاضطراب، وهمتا بالرجوع والانسحاب، وعنهما يقول الله تعالي‏:‏ ‏{‏إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 122‏]‏‏.‏
وحاول عبد الله بن حَرَام ـ والد جابر بن عبد الله ـ تذكير هؤلاء المنافقين بواجبهم في هذا الظرف الدقيق، فتبعهم وهو يوبخهم ويحضهم على الرجوع، ويقول‏:‏ تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوا‏:‏ لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع، فرجع عنهم عبد الله بن حرام قائلاً‏:‏ أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه‏.‏
وفي هؤلاء المنافقين يقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 167‏]‏‏.‏

دور المنافقين قبل غزوة بني المصطلق‏‏

وأما الوقائع التي حدثت في هذه الغزوة، فلأجل أن مبعثها كان هو رأس النفاق عبد الله بن أبي وأصحابه، نري أن نورد أولاً شيئاً من أفعالهم في المجتمع الإسلامي‏.‏

من المعلوم  أن عبد الله بن أبي كان يَحْنَقُ على الإسلام والمسلمين، ولاسيما على رسول الله صلى الله عليه وسلم حَنَقًا شديداً ؛ لأن الأوس والخزرج كانوا قد اتفقوا على سيادته، وكانوا ينظمون له الخَرَزَ ليتوجوه إذ دخل فيهم الإسلام، فصرفهم عن ابن أبي، فكان يري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي استلبه ملكه‏.‏

وقد ظهر حنقه هذا وتحرقه منذ بداية الهجرة قبل أن يتظاهر بالإسلام، وبعد أن تظاهر به‏.‏ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة على حمار ليعود سعد بن عبادة، فمر بمجلس فيه عبد الله بن أبي فخَمَّرَ ابن أبي أنفه، وقال‏:‏ لا تُغَبِّرُوا علينا‏.‏ ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المجلس القرآن، قال‏:‏ اجلس في بيتك، ولا تؤذنا في مجالسنا‏.‏

وهذا قبل أن يتظاهر بالإسلام، ولما تظاهر به بعد بدر لم يزل إلا عدوًا لله ولرسوله وللمؤمنين، ولم يكن يفكر إلا في تشتيت المجتمع الإسلامي وتوهين كلمة الإسلام‏.‏ وكان يوإلى أعداءه، وقد تدخل في أمر بني قينقاع كما ذكرنا، وكذلك جاء في غزوة أحد من الشر والغدر والتفريق بين المسلمين، وإثارة الارتباك والفوضي في صفوفهم بما مضي‏.‏

وكان من شدة مكر هذا المنافق وخداعه بالمؤمنين أنه كان بعد التظاهر بالإسلام، يقوم كل جمعة حين يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم للخطبة، فيقول‏:‏ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، أكرمكم الله وأعزكم به، فانصروه وعزروه، واسمعـوا لــه وأطيعوا، ثم يجلس، فيقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخطب‏.‏

وكان من وقاحة هذا المنافق أنه قام في يوم الجمعة التي بعد أحد ـ مع ما ارتكبه من الشر والغدر الشنيع ـ قام ليقول ما كان يقوله من قبل، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه، وقالوا له‏:‏ اجلس أي عدو الله، لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطي رقاب الناس، وهو يقول‏:‏ والله لكأنما قلت بُجْرًا أن قمت أشدد أمره، فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد‏.‏‏.‏‏.‏ فقال‏:‏ ويلك، ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ والله ما أبتغي أن يستغفر لي‏.‏

اتصالاته ببني النضير

وكانت له اتصالات ببني النضير يؤامر معهم ضد المسلمين حتى قال لهم‏:‏ ‏{‏لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ‏}‏ ‏[‏ الحشر‏:‏ 11‏]‏‏.‏

وكذلك فعل هو وأصحابه في غزوة الأحزاب من إثارة القلق والاضطراب وإلقاء الرعب والدهشة في قلوب المؤمنين ما قصه الله تعالى في سورة الأحزاب‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 12: 20‏]‏‏.‏

بيد أن جميع أعداء الإسلام من اليهود والمنافقين والمشركين كانوا يعرفون جيداً أن سبب غلبة الإسلام ليس هو التفوق المادي وكثرة السلاح والجيوش والعدد، وإنما السبب هي القيم والأخلاق والمثل التي يتمتع بها المجتمع الإسلامي وكل من يمت بصلة إلى هذا الدين، وكانوا يعرفون أن منبع هذا الفيض إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو المثل الأعلى ـ إلى حد الإعجاز ـ لهذه القيم، كما عرفوا بعد إدارة دفة الحروب طيلة خمس سنين، أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكن عن طريق استخدام السلاح،

حرب المنافقين الدعائية

 فقرروا أن يشنوا حرباً دعائية واسعة ضد الدين من ناحية الأخلاق والتقاليد، وأن يجعلوا شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم أول هدف لهذه الدعاية الكاذبة الخاطئة‏.‏ ولما كان المنافقون هم الطابور الخامس في صفوف المسلمين، ولكونهم سكان المدينة، كان يمكن لهم الاتصال بالمسلمين واستفزاز مشاعرهم كل حين‏.‏ تحمل فريضة الدعاية هؤلاء المنافقون، وعلى رأسهم ابن أبي‏.‏

وقد ظهرت خطتهم هذه جلية حينما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش، بعد أن طلقها زيد بن حارثة، فقد كان من تقاليد العرب أنهم كانوا يعتبرون المتبني مثل الابن الصلبي، فكانوا يعتقدون حرمة حليلة المتبني على الرجل الذي تبناه، فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب وجد المنافقون ثُلْمَتَيْن ـ حسب زعمهم ـ لإثارة المشاغب ضد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الأولى‏:‏ أن زوجته هذه كانت زوجة خامسة، والقرآن لم يكن أذن في الزواج بأكثر من أربع نسوة، فكيف صح له هذا الزواج‏؟‏

الثانية‏:‏ أن زينب كانت زوجة ابنه ـ مُتَبَنَّاه ـ فالزواج بها من أكبر الكبائر، حسب تقاليد العرب‏.‏ وأكثروا من الدعاية في هذا السبيل، واختلقوا قصصاً وأساطير، قالوا‏:‏ إن محمداً رآها بغتة، فتأثر بحسنها وشغفته حباً، وعلقت بقلبه، وعلم بذلك ابنه زيد فخلي سبيلها لمحمد، وقد نشروا هذه الدعاية المختلقة نشراً بقيت آثاره في كتب التفسير والحديث إلى هذا الزمان،

 وقد أثرت تلك الدعاية أثراً قوياً في صفوف الضعفاء حتى نزل القرآن بالآيات البينات فيها شفاء لما في الصدور، وينبئ عن سعة نشر هذه الدعاية أن الله استفتح سورة الأحزاب بقوله‏:‏ ‏{‏يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًاَ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 1‏]‏‏.‏

وهذه إشارات عابرة، وصور مصغرة لما اقترفه المنافقون قبل غزوة بني المصطلق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكابد كل ذلك بالصبر واللين والتلطف، وكان عامة المسلمين يحترزون عن شرهم، أو يتحملونه بالصبر ؛ إذ كانوا قد عرفوهم بافتضاحهم مرة بعد أخري حسب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة ‏:‏126‏]‏‏.‏

المنافقون و غزوة بني المصطلق‏

ولما كانت غزوة بني المصطلق وخرج فيها المنافقون مثلوا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 47‏]‏ فقد وجدوا متنفسين للتنفس بالشر، فأثاروا الارتباك الشديد في صفوف المسلمين، والدعاية الشنيعة ضد النبي صلى الله عليه وسلم، وهاك بعض التفصيل عنها‏:‏

1 ـ قول المنافقين‏:‏ ‏[‏لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل‏]‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الغزوة مقيماً على المُرَيْسِيع، ووردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير يقال له‏:‏ جَهْجَاه الغفاري، فازدحم هو وسِنَان بن وَبَر الجهني على الماء فاقتتلا، فصرخ الجهني‏:‏ يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه‏:‏ يا معشر المهاجرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم‏؟‏ دعوها فإنها مُنْتِنَة‏)‏،

وبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فغضب ـ وعنده رهط من قومه، فيهم زيد بن أرقم غلام حدث ـ وقال‏:‏ أو قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول‏:‏ سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأكُلْكَ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره فقال لهم‏:‏ هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم‏.‏

فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر، فأخبر عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عمر، فقال عمر‏:‏ مُرْ عَبَّاد بن بشر فليقتله‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه‏؟‏ لا ولكن أَذِّنْ بالرحيل‏)‏، وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس، فلقيه أسيد بن حضير فحياه، وقال‏:‏ لقد رحت في ساعة منكرة‏؟‏ فقال له‏:‏ ‏(‏أو ما بلغك ما قال صاحبكم‏؟‏‏)‏

يريد ابن أبي، فقال‏:‏ وما قال‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل‏)‏، قال‏:‏ فأنت يا رسول الله، تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال‏:‏ يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخَرَز ليتوجوه، فإنه يري أنك استلبته ملكاً‏.‏

ثم مشي بالناس يومهم ذلك حتى أمسي، وليلتهم حتى أصبح، وصَدْر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مَـسَّ الأرض فوقعوا نياماً‏.‏ فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث‏.‏

أما ابن أبي فلما علم أن زيد بن أرقم بلغ الخبر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلف بالله ما قلت ما قال، ولا تكلمت به، فقال من حضر من الأنصار‏:‏ يا رسول الله عسي أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل‏.‏ فصدقه، قال زيد‏:‏ فأصابني هَمٌّ لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، فأنزل الله‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا‏}‏ إلى ‏{‏لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ‏}‏ ‏[‏المنافقون‏:‏ 1 ـ 8‏]‏، فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏إن الله قد صدقك‏)‏‏.‏

وكان ابن هذا المنافق ـ وهو عبد الله بن عبد الله بن أبي ـ رجلاً صالحاً من الصحابة الأخيار، فتبرأ من أبيه، ووقف له على باب المدينة، واستل سيفه، فلما جاء ابن أبي قال له‏:‏ والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه العزيز وأنت الذليل، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أذن له فخلي سبيله، وكان قد قال عبد الله ابن عبد الله بن أبي‏:‏ يا رسول الله، إن أردت قتله فمرني بذلك، فأنا والله أحمل إليك رأسه‏.‏

2 ـ حديث الإفك‏‏

وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك، وملخصها‏:‏ أن عائشة رضي الله عنها كانت قد خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في هذه الغزوة بقرعة أصابتها، وكانت تلك عادته مع نسائه، فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في بعض المنازل، فخرجت عائشة لحاجتها، ففقدت عقداً لأختها كانت أعارتها إياه، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه في وقتها، فجاء النفر الذين كانوا يرحلون هَوْدَجَها فظنوها فيه فحملوا الهودج، ولا ينكرون خِفَّتَه؛ لأنها رضي الله عنها كانت فَتِيَّةَ السن لم يَغْشَهَا اللحم الذي كان يثقلها،

وأيضاً فإن النفر لما تساعدوا على حمل الهودج لم ينكروا خفته، ولو كان الذي حمله واحداً أو اثنين لم يخف عليهما الحال، فرجعت عائشة إلى منازلهم، وقد أصابت العقد، فإذا ليس به داع ولا مجيب، فقعدت في المنزل، وظنت أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها، والله غالب على أمره، يدبر الأمر من فوق عرشه كما يشاء، فغلبتها عيناها، فنامت، فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المُعَطَّل‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏

وكان صفوان قد عَرَس في أخريات الجيش ؛ لأنه كان كثير النوم، فلما رآها عرفها، وكان يراها قبل نزول الحجاب، فاسترجع وأناخ راحلته، فقربها إليها، فركبتها، وما كلمها كلمة واحدة، ولم تسمع منه إلا استرجاعه، ثم سار بها يقودها، حتى قدم بها، وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة، فلما رأي ذلك الناس تكلم كل منهم بشاكلته،

وما يليق به، ووجد الخبيث عدو الله ابن أبي متنفساً، فتنفس من كرب النفاق والحسد الذي بين ضلوعه، فجعل يستحكي الإفك، ويستوشيه، ويشيعه، ويذيعه، ويجمعه ويفرقه، وكان أصحابه يتقربون به إليه، فلما قدموا المدينة أفاض أهل الإفك في الحديث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لايتكلم، ثم استشار أصحابه ـ لما استلبث الوحي طويلاً ـ في فراقها، فأشار عليه علي رضي الله عنه أن يفارقها، ويأخذ غيرها، تلويحاً لاتصريحاً،

وأشار عليه أسامة وغيره بإمساكها، وألا يلتفت إلى كلام الأعداء‏.‏ فقام على المنبر يستعذر من عبد الله ابن أبي، فأظهر أسيد بن حضير سيد الأوس رغبته في قتله فأخذت سعد بن عبادة ـ سيد الخزرج، وهي قبيلة ابن أبي ـ الحمية القبلية، فجري بينهما كلام تثاور له الحيان، فخفضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سكتوا وسكت‏.‏

أما عائشة فلما رجعت مرضت شهراً، وهي لاتعلم عن حديث الإفك شيئاً، سوي أنها كانت لا تعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كانت تعرفه حين تشتكي، فلما نَقِهَتْ خرجت مع أم مِسْطَح إلى البَرَاز ليلاً، فعثرت أم مسطح في مِرْطِها، فدعت على ابنها، فاستنكرت ذلك عائشة منها، فأخبرتها الخبر،

 فرجعت عائشة واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لتأتي أبويها وتستيقن الخبر، ثم أتتهما بعد الإذن حتى عرفت جلية الأمر، فجعلت تبكي، فبكت ليلتين ويوماً، لم تكن تكتحل بنوم، ولا يرقأ لها دمع، حتى ظنت أن البكاء فالق كبدها، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فتشهد وقال‏:‏ ‏(‏أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه‏)‏‏.‏

وحينئذ قَلَص دمعها، وقالت لكل من أبويها أن يجيبا، فلم يدريا ما يقولان‏.‏ فقالت‏:‏ والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم‏:‏ إني بريئة ـ والله يعلم أني بريئة ـ لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر ـ والله يعلم أني منه بريئة ـ لتُصَدِّقنِّي، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف، قال‏:‏ ‏{‏فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 18‏]‏‏.‏

ثم تحولت واضطجعت، ونزل الوحي ساعته، فَسُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك‏.‏ فكانت أول كلمة تكلم بها‏:‏ ‏(‏يا عائشة، أما الله فقد برأك‏)‏، فقالت لها أمها‏:‏ قومي إليه‏.‏‏.‏ فقالت عائشة ـ إدلالاً ببراءة ساحتها، وثقة بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله‏.‏

والذي أنزله الله بشأن الإفك هو قوله تعالي‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏ النور‏:‏ 11: 20‏]‏‏.‏ العشر الآيات‏.‏

وجُلِد من أهل الإفك مِسْطَح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحَمْنَة بنت جحش، جلدوا ثمانين ثمانين، ولم يُحَدّ الخبيث عبد الله بن أبي مع أنه رأس أهل الإفك، والذي تولي كبره ؛ إما لأن الحدود تخفيف لأهلها، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة، وإما للمصلحة التي ترك لأجلها قتله‏.‏

وهكذا وبعد شهر أقشعت سحابة الشك والارتياب والقلق والاضطراب عن جو المدينة، وافتضح رأس المنافقين افتضاحاً لم يستطع أن يرفع رأسه بعد ذلك، قال ابن إسحاق‏:‏ وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر‏:‏ ‏(‏كيف ترى يا عمر‏؟‏ أما والله لوقتلته يوم قلت لي‏:‏ اقتله، لأرعدت له آنف، ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته‏)‏‏.‏ قال عمر‏:‏ قد والله علمتُ، لأمْر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري‏.

 

 

اتصال المنافقين باليهود‏‏

وقد قام المنافقون يعملون لليهود، فقد أرسل رأس المنافقين عبد الله بن أبي إلى يهود خيبر‏:‏ إن محمداً قصد قصدكم، وتوجه إليكم، فخذوا حذركم، ولا تخافوا منه فإن عددكم وعدتكم كثيرة، وقوم محمد شرذمة قليلون، عزّل، لا سلاح معهم إلا قليل، فلما علم ذلك أهل خيبر، أرسلوا كنانة بن أبي الحقيق وهَوْذَة بن قيس إلى غطفان يستمدونهم ؛ لأنهم كانوا حلفاء يهود خيبر، ومظاهرين لهم على المسلمين، وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا المسلمين‏.‏

مات رأس المنافقين عبد اللّه بن أبي بن سَلُول بعد مرجع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من تبوك، فاستغفر له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وصلي عليه بعد أن حاول عمر منعه عن الصلاة عليه، وقد نزل القرآن بعد ذلك بموافقة عمر‏.

وقال له عمر بن الخطاب : لم صليت عليه يارسول الله؟، قال: لقد خيرت فأخترت ثم نهى الله تعالى الرسول الكريم عن الصلاة على أحد من المنافقين بعد هذه الحادثة.قال تعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾«‌9‏:84»

أرايت كيف يضر الكفر والنفاق بصاحبه فقد أورد الكفر فرعون وأبو جهل وغيرهم من الطغاة الكافرين والمعاندين من أمثال عتبة بن ربيعة ولقد رأينا النهاة الحالكة لعبد الله بن ابى بن سلول فلقد أصبح علما على كل المنافقين في كل زمان ومكان واصبح زعيم المنافقين فكما كان زعيمهم وكبيرهم في الدنيا فلا شك سيكون زعيمهم وإمامهم في النار لأن الجزاء من جنس العمل والعجيب أنهم {يخادعون الله وهو خادعهم } لأنهم لا يقدرون الله تعالى حق قدره فلو أنهم آمنوا بالله تعالى حق الإيمان لما ضلوا وما هلكوا

 

 

 

هولاكو خان

هولاكو خان (1217-1265) هو حفيد جنكيز خان و أخ كوبلاي خان و مونكو خان .

هولاكو ابن تولي -ومن أم مسيحية- أُرسل من قبل أخيه مونكو في عام 1255 لإكمال ثلاث مهمات في جنوب غرب آسيا, الاولى كانت لإخضاع قبيلة اللُر -أناس في جنوب إيران، من ما يسمى لرستان، ثانيا تدمير طائفة الحشاشين, وثالثا تدمير الخلافة العباسية في بغداد.
حملة هولاكو على إيران
لم يكن هولاكو قد جاوز السادسة والثلاثين من عمره حين عهد إليه أخوه "منكوقا آن" بهذه المهمة فخرج على رأس جيش هائل قُدّر بنحو 120 ألف جندي من خيرة جنود المغول، بالإضافة إلى كبار القادة والفرسان، وحرص الخان الأكبر أن يوصي أخاه قبل التحرك بأن يلتزم بالعادات والتقاليد ويطبّق قوانين جده جنكيز خان، وأن يكون هدفه هو إدخال البلاد من ضفاف نهر "جيحون" حتى مصر في دولة المغول، وأن يعامل من يخضع لسلطانه معاملة طيبة، ويذيق الذل من يبدي المقاومة حتى ولو كان الخليفة العباسي نفسه، فعليه أن يزيحه ويقضي عليه إذا ما اعترض طريقه.
وحقق هولاكو هدفه الأول بالاستيلاء على قلاع طائفة الإسماعيلية سنة (654هـ = 1256م) بعد معارك عديدة واستماتة بذلها أفراد الطائفة في الدفاع عن حصونهم وقلاعهم، لكنها لم تُجدِ نفعا إزاء قوة الجيش المغولي، وكان لقضاء المغول على هذه الطائفة المنحرفة وقع حسن وأثر طيب في نفوس العالم الإسلامي، وعمّه الفرح على الرغم مما كان يعانيه من وحشية المغول وسفكهم للدماء؛ وذلك لأن الإسماعيلية كانت تبث الهلع والفزع في النفوس، وتشيع المفاسد والمنكرات والأفكار المنحرفة.
هولاكو في بغداد
مضى هولاكو في تحقيق هدفه الآخر بالاستيلاء على بغداد والقضاء على الخلافة العباسية؛ فأرسل إلى الخليفة المستعصم بالله يتهدده ويتوعده، ويطلب منه الدخول في طاعته وتسليم العاصمة، ونصحه بأن يسرع في الاستجابة لمطالبه؛ حتى يحفظ لنفسه كرامتها ولدولته أمنها واستقرارها:"عندما أقود جيشي إلى بغداد في حالة غضب, ساقبض عليك سواء أختبئت في الجنة أو في الارض. ساحرق مدينتك وأرضك و شخصك. أذا كنت حقا تريد حماية نفسك و عائلتك الموقرة, أسمع نصيحتي, وأن أبيت ذلك فسترى مشيئة الله فيك."، لكن الخليفة رفض هذا الوعيد وقرر أن يقاوم، على الرغم من ضعف قواته وما كان عليه قادته من خلاف وعداء، فضرب هولاكو حصاره على المدينة المنكوبة التي لم تكن تملك شيئا يدفع عنها قدَرَها المحتوم، فدخل المغول بغداد سنة (656هـ = 1258م) وارتكب هولاكو وجنوده من الفظائع ما تقشعر لهوله الأبدان.
اهتز العالم الإسلامي لسقوط الخلافة العباسية التي أظلّت العالم الإسلامي أكثر من خمسة قرون، وبلغ الحزن الذي ملأ قلوب المسلمين مداه حتى إنهم ظنوا أن العالم على وشك الانتهاء، وأن الساعة آتية عما قريب لهول المصيبة التي حلّت بهم، وإحساسهم بأنهم أصبحوا بدون خليفة، وهو أمر لم يعتادوه منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم )
هولاكو يجتاح الشام
شرع هولاكو بعد سقوط بغداد في الاستعداد للاستيلاء على بلاد الشام ومصر، وفق الخطة المرسومة التي وضعها له أخوه "منكوقا آن" فخرج من أذربيجان في رمضان (657هـ = 1259م) متجها إلى الشام، ونجح بالتعاون مع حلفائه المسيحيين في الاستيلاء على "ميافارقين" بديار حلب، وهي أول مدينة تبتدئ بها الحملة المغولية، ولم تسقط إلا بعد عامين من الحصار، نفدت خلالها المؤن، وهلك معظم سكان المدينة، وبعد سقوط "ميافارقين" واصل هولاكو زحفه نحو "ماردين" فسقطت بعد ثمانية أشهر، وفي أثناء حصار "ميافارقين" كانت قوات من جيش هولاكو تغزو المناطق المحاورة فاستولت على "نصيبين" و"حران" و"الرها" و"البيرة".
بعد ذلك تقدم هولاكو على رأس قواته لمحاصرة حلب، ونصب المغول عشرين منجنيقا حول المدنية وصاروا يمطرونها بوابل من القذائف حتى استسلمت في التاسع من صفر 658هـ= الحادي والثلاثون من يناير 1260م) وبعد حلب سقطت قلعة "حارم" و"حمص" و"المعرة"، وأصبح طريق الحملة مفتوحا إلى دمشق.
ولما وصلت الأنباء باقتراب المغول من دمشق فرَّ الملك "الناصر يوسف الأيوبي" مع قواته، تاركا مدينته لمصيرها المحتوم، ولم يكن أمام أهالي دمشق بعدما عرفوا ما حل بحلب بعد مقاومتها لهولاكو سوى تسليم مدينتهم، حتى لا تلقى مصير حلب، فسارع عدد من أعيانها إلى زعيم المغول يقدمون الهدايا ويطلبون منه الأمان، في مقابل تسليم مدينتهم فقبل هولاكو ذلك، ودخل المغول المدينة في (السابع عشر من صفر 658هـ= 2 من فبراير 1260م
رحيل هولاكو المفاجئ إلى إيران
أدى تحقيق الانتصارات المتتالية للمغول إلى الاعتقاد بأنه لن تستطيع قوة في الأرض أن تتصدى لهم، وأن هؤلاء بلاء من الله سلطه على المسلمين الذين ركنوا إلى الراحة وأهملوا قرآنهم وسُنّة نبيهم وخارت عزائمهم.. وفي وسط هذه الحيرة جاءت الأنباء إلى هولاكو بوفاة أخيه "منكوقا آن خان" في (شعبان 657هـ= أغسطس 1259م)

وكان عليه أن يكون قريبا من عملية اختيار خان جديد للمغول، ويساند ترشيح أخيه الأوسط "قوبيلاي" لهذا المنصب، فاضطر إلى العودة إلى إيران وكان في نيته أن يكتفي بما حققه، ولكنه عدل عن ذلك بسبب إلحاح القوات المسيحية التي كانت معه على الاستمرار في الغزو واستعادة بيت المقدس من المسلمين، فأبقى قوة من عساكره تحت إمرة أمهر قواده كيتوبوما (كتبغا) لإتمام عملية الغزو.
انتهاء أسطورة المغول في عين جالوت
وقبل أن يغادر هولاكو الشام (سنة 658هـ = 1260م) أرسل إلى قطز رسالة كلها وعيد وتهديد، يدعوه فيها إلى الاستسلام وإلقاء السلاح، وأنه لا جدوى من المقاومة أمام قوة كُتب النصر لها دائما، غير أن السلطان قطز لم يهتز لكلمات هولاكو، أو يتملكه الخوف والفزع كما تملك غيره من قادة الشام فآثروا الهوان على العزة والكرامة، والحياة تحت سلطان وثني على الموت والاستشهاد دفاعا عن الدين والوطن.
وكان قطز على قدر الحدث العظيم والخطب الجلل، فقتل رُسل هولاكو، وخرج للقتال ولم ينتظر قدوم المغول، والتقى الفريقان في (15 من رمضان 658هـ = 24 من أغسطس 1260م) في موقعه "عين جالوت" بفلسطين، وحمل المسلمون على المغول الذين كانوا تحت قيادة كتبغا حملة صادقة، وقاتلوهم باستبسال وشجاعة من الفجر حتى منتصف النهار، فكتب الله لهم النصر، وهُزِم المغول هزيمة منكرة لأول مرة في تاريخهم،

بعد أن كانت القلوب قد يئست من النصر عليهم.وكان لهذا النصر أثره العظيم في تاريخ المنطقة العربية والعالم الإسلامي، بل في تاريخ العالم بأسره؛ حيث احتفظت مصر بما لها من حضارة ومدنية، وطردت المغول من دمشق، وأصبحت بلاد الشام حتى نهر الفرات تحت حكم المماليك، وخلّصت أوربا من شر عظيم لم يكن لأحد من ملوكها قدرة على دفعه ومقاومته.
هولاكو بعد الهزيمة
حاول هولاكو أن يثأر لهزيمة جيشه في عين جالوت، ويعيد للمغول هيبتهم في النفوس؛ فأرسل جيشا إلى حلب فأغار عليها ونهبها، ولكنه تعرّض للهزيمة بالقرب من حمص في المحرم (659هـ = ديسمبر 1260م) فارتد إلى ما وراء نهر الفرات.
ولم تساعد الأحوال السياسية المغولية في أن يعيد هولاكو غزواته على الشام ويستكمل ما بدأه، فبعد موت "منكوقا آن" تنازع أمراء البيت الحاكم السلطة وانقسمت الإمبراطورية المغولية إلى ثلاث خانات مستقلة، استقل هولاكو بواحدة منها هي خانية فارس، ثم دخل هولاكو في صراع مع "بركة خان" القبيلة الذهبية، مغول القبجاق (جنوب روسيا) واشتعلت الحرب بينهما.
وكان هولاكو يعد نفسه نصيرًا وحاميًا للمسيحية بتأثير زوجته "طقز خاتون" في الوقت الذي أسلم فيه بركة خان ومال إلى نصرة المسلمين، وأدى هذا الصراع إلى تعطل النشاط الحربي لهولاكو في الشام، ثم ما لبث أن أدى نشوب الحروب الداخلية بين أمراء المغول إلى توقف عمليات الغزو والتوسع تماما.
وفاة هولاكو
وفي (19 من ربيع الأول 663هـ 9 من يناير 1265م) توفي هولاكو بالقرب من مراغة وهو في الثامنة والأربعين من عمره، تاركا لأبنائه وأحفاده مملكة فسيحة عرفت بإيلخانية فارس، ولم تلبث زوجته "طقز خاتون" أن لحقت به، وحزن لوفاتهما المسيحيون بالشرق، وعدّوهما من القديسين.

 

 

 

الباب الثالث

طغاة العصر الحديث

تمهيد:-

أدولف هتلر في طفولته

-- لقد دمر هتلر نفسه والعديد من دول العالم والعجيب أنه لا لشئ إلا لإرضاء نزواته وغروره  وكان من أسباب قسوته واضطرابه نفسيا أنه عاش طفولة مضطربة حيث كان أبوه عنيفًا في معاملته له ولأمه. حتى إن هتلر نفسه صرح إنه في صباه كان يتعرض عادةً للضرب من قبل أبيه. وبعدها بسنوات، تحدث هتلر إلى مدير أعماله قائلاً: "عقدت - حينئذ - العزم على ألا أبكي مرةً أخرى عندما ينهال علي والدي بالسوط. وبعد ذلك بأيام، سنحت لي الفرصة كي أضع إرادتي موضع الاختبار. أما والدتي، فقد وقفت في رعب تحتمي وراء الباب. أما أنا فأخذت أحصي في صمت عدد الضربات التي كانت تنهال علي مؤخرتي

-- وغالبًا ما كانت أسرة هتلر تنتقل من مكان لآخر حيث انتقلت من برونو آم إن إلى مدينة باسساو ومدينة لامباتش ومدينة ليوندينج بالقرب من مدينة لينز. وكان هتلر الطفل طالبًا متفوقًا في مدرسته الابتدائية، ولكنه رسب في الصف السادس، وهي سنته الأولى في Realschule (المدرسة الثانوية) عندما كان يعيش في لينز وكان عليه أن يعيد هذه السنة الدراسية. وقال معلموه عنه إنه "لا يرغب في العمل". ولمدة عام واحد، كان هتلر في نفس الصف الدراسي مع لودفيج فيتجنشتاين ؛ الذي يعتبر واحدًا من أكثر الفلاسفة تأثيرًا في القرن العشرين. وبالرغم من أن الولدين كانا في العمر نفسه تقريبًا، فقد كان فيتجنشتاين يسبق هتلر بصفين دراسيين ولم يتم التأكد من معرفة هتلر وفيتجنشتاين لبعضهما في ذلك الوقت، وكذلك من تذكر أحدهما للآخر

-- وقد صرح هتلر في وقت لاحق أن تعثره التعليمي كان نابعًا من تمرده على أبيه الذي أراده أن يحذو حذوه ويكون موظفًا بالجمارك على الرغم من رغبة هتلر في أن يكون رسامًا. ويدعم هذا التفسير الذي قدمه هتلر ذلك الوصف الذي وصف به نفسه بعد ذلك بأنه فنان أساء من حوله فهمه. وبعد وفاة ألويس في الثالث من شهر يناير في عام 1903، لم يتحسن مستوى هتلر الدراسي. وفي سن السادسة عشرة، ترك هتلر المدرسة الثانوية دون الحصول على شهادته.

سنوات الصبا المبكرة التي قضاها في فيينا وميونيخ

-- بدءاً من عام 1905، عاش هتلر في فيينا على منحة حكومية لإعانة الأيتام ودعم مالي كانت والدته تقدمه له. وتم رفض قبوله مرتين في أكاديمية الفنون الجميلة في فيينا وذلك في عامي 1907 و1908 لأنه "غير مناسب لمجال الرسم" وأخبروه أن من الأفضل له توجيه قدراته إلى مجال الهندسة المعمارية  

-- وفي 21 ديسمبر، 1907، توفيت والدة هتلر إثر إصابتها بسرطان الثدي عن عمر يناهز السبعة وأربعين عامًا. وبأمر من أحد المحاكم في لينز، أعطى هتلر نصيبه في الإعانة التي تمنحها الحكومة للأيتام لشقيقته باولا. وعندما كان في الحادية والعشرين من عمره، ورث هتلر أموالاً عن واحدة من عماته. وحاول هتلر أن يشق طريقه بجهد كرسام في فيينا حيث كان ينسخ المناظر الطبيعية الموجودة على البطاقات البريدية ويبيع لوحاته إلى التجار والسائحين وبعد أن تم رفضه من  أكاديمية الفنون للمرة الثانية، كان ماله كله قد نفذ. وفي عام 1909، عاش هتلر في مأوى للمشردين. ومع حلول عام 1910، كان هتلر قد استقر في منزل يسكن فيه الفقراء من العمال في Meldemannstraße.

 المعتقدات الدينية

نشأ هتلر بين أبوين ينتميان للمذهب الروماني الكاثوليكي، ولكنه بعد أن ترك منزل والديه لم يحضر أي قداس أو يلتزم بالطقوس الدينية للكنيسة الكاثوليكية وبالرغم من ذلك، فعندما انتقل إلى ألمانيا - حيث يتم تمويل الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية عن طريق ضريبة للكنيسة تقوم الدولة بجمعها - لم يقم هتلر مطلقًا بالتخلي عن الكنيسة أو الامتناع عن سداد الضرائب الخاصة بها. لذلك، اعتبر المؤرخ شتايجمان جال، أن هتلر اسميًا "يمكن اعتباره كاثوليكيًا. وعلى الرغم من ذلك، فقد أوضح شتايجمان أيضاً في مناقشته لموضوع الدين في ألمانيا النازية أن "العضوية الاسمية في الكنائس ليست معيارًا موثوق به للحكم على درجة التقوى والتمسك بالدين"

كذلك، كان هتلر يمتدح علانيةً التراث المسيحي والحضارة المسيحية الألمانية، وأعرب عن اعتقاده في أن المسيح كان ينتمي للجنس الآري لأنه كان يحارب اليهود وفي خطبه وتصريحاته، تحدث هتلر عن نظرته للمسيحية باعتبارها دافعًا محوريًا لمعاداته للسامية، قائلاً "أنا كمسيحي لا أجد نفسي ملزمًا بالسماح لغيري بخداعي، ولكنني أجد نفسي ملزمًا بأن أحارب من أجل الحقيقة والعدالة" أما تصريحاته الخاصة التي نقلها عنه أصدقاؤه المقربون فيشوبها الكثير من الاختلاط؛

ويعتقد المؤرخون أن هتلر في شبابه - خاصةً فيما يتعلق بآرائه العنصرية - تأثر بعدد وافر من الأعمال التي كتبت عن القوى فوق الطبيعية؛ والتي تحدثت عن التفوق الغامض الذي يتمتع به الألمان

علاوةً على ذلك، قام هتلر لبعض الوقت بحث الشعب الألماني على اعتناق شكل من أشكال المسيحية التي أطلق عليه اسم "المسيحية الإيجابية؛ وهو معتقد يقوم على تخليص المسيحية الأرثوذكسية مما يعترض على وجوده فيها، ويتميز بإضافة بعض الملامح العنصرية إليها. وبالرغم من ذلك، فبحلول عام 1940 كان معلومًا للرأي العام أن هتلر قد تخلى عن فكرة حث الألمان على الإيمان بفكرة إمكانية التوفيق بين الأفكار المتعارضة التي تدعو إليها المسيحية الإيجابية وكان هتلر يرى أن "الإرهاب الديني هو - باختصار - ما تدعو إليه التعاليم اليهودية؛ تلك التعاليم التي تعمل المسيحية على الترويج لها والتي من شأنها أن تزرع القلق والارتباك في عقول البشر. وبالإضافة إلى عدم حضور القداس والالتزام بالطقوس الدينية للكنيسة الكاثوليكية، فقد كان هتلر يفضل بعض جوانب المذهب البروتستانتي إذا كانت هذه الجوانب ستمكنه من تحقيق أهدافه. وفي الوقت نفسه، قام هتلر بمحاكاة بعضًا من معالم الكنيسة الكاثوليكية المتمثلة في نظام مؤسستها القائم على التسلسل الهرمي وعلى وجود طقوس معينة ولغة خاصة يتم استخدامهما فيها

وأبدى هتلر إعجابه بالتقاليد العسكرية في تاريخ المسلمين، وأصدر أوامره إلى هيلمر بإنشاء فرقة عسكرية من المسلمين فقط في وحدات النخبة النازية، وكان ذلك لخدمة أهدافه السياسية فقط ووفقًا لما ذكره واحد ممن كان هتلر يأتمنهم على أسراره، فإنه قد صرح له بشكل خاص قائلاً "دين محمد الإسلامي من أكثر الأديان التي كانت ستلاءم - أيضًا - الأهداف التي نسعى لتحقيقها؛ أكثر من المسيحية نفسها. فلماذا يتوجب علينا أن نعتنق المسيحية بكل الخنوع والهوان الذين تتصف بهما" وكان هتلر في ذلك معجبًا بجانب الصمود والشجاعة في ملاقاة العدو الذي كان المسلمون يتصفون به، ولم يلتفت إلى أن هذا الجانب في المسلمين إنما كان دفاعًا عن الحق ولم يقصد به يومًا الهجوم على الغير أو الاعتداء على حقوق الآخرين.

وصرح هتلر في إحدى المرات قائلاً "لا نريد إلهًا آخر غير ألمانيا نفسها. ومن الضروري أن نتحلى بإيمان وأمل وحب يتصفون بالتعصب لألمانيا ولصالح ألمانيا"

الصحة

طالما كانت الحالة الصحية لهتلر مثارًا للجدل. فقد قيل مرات عديدة أنه كان يعاني من أعراض القولون العصبي، ومن آفات جلدية، ومن عدم انتظام في ضربات القلب، ومن مرض الشلل الرعاش، ومن الزهري، كما توجد أدلة قوية على إدمانه على عقار الميتامفيتامين المخدر. وهناك فيلم يظهر يده اليسرى وهي ترتعش؛ وهو ما يمكن أن يكون إشارة لإصابته بالشلل الرعاش

وفي السنوات التي تلت بدايات عقد الثلاثينات من القرن السابق، كان هتلر يلتزم بنظام غذائي نباتي بالرغم من إنه كان يتناول اللحوم أحيانًا. وهناك بعض الأخبار التي تم تناقلها عنه وهو يقوم بإثارة اشمئزاز ضيوفه ويعطي لهم وصفًا تفصيليًا عن طريقة ذبح الحيوانات في محاولة منه لجعلهم يعزفون عن تناول اللحوم ويعتبر خوف هتلر من الإصابة بمرض السرطان (الذي أودى بحياة والدته) هو أهم الأسباب التي تم تقديمها لتبرير هذا السلوك من جانبه بالرغم من أن الكثير من المؤلفين يؤكدون أن السبب وراء ذلك كان حبه العميق والمتأصل للحيوانات.

 وقد صنع له مارتن بورمان خصيصًا صوبة زجاجية بالقرب من بيرغوف (بالألمانية: Berghof) مقر إقامته الموجود بالقرب من منطقة Berchtesgaden؛ وذلك للتأكد من إمداده بالفواكه والخضراوات الطازجة طوال فترة الحرب. بعض الصور الفوتوغرافية لأطفال بورمان وهم يقومون بالعناية بالصوبة الزجاجية. وبحلول عام 2005، كانت دعائم هذه الصوبة هي كل ما تبقى منها من بين أطلال المنطقة الخاصة بالقادة النازيين.

لم يكن هتلر مدخنًا، وكان يشجع على الترويج لحملات مناهضة للتدخين في كل أنحاء ألمانيا. ويقال أن هتلر وعد بمنح أي فرد من المقربين له ساعة ذهبية إذا تمكن من الإقلاع عن التدخين (وقام بالفعل بمنح البعض ساعات ذهبية عندما تمكنوا من ذلك). وتؤكد روايات العديد من الشهود إنه بعد التأكد من صحة خبر انتحاره، قام العديد من الضباط والمعاونين وأفراد السكرتارية في قبو الفوهرر بإشعال السجائر وتدخينها

اليهودية والمسيحية في حياة هتلر

-- صرح هتلر أن اعتقاده في وجوب معاداة السامية ظهر لأول مرة في فيينا التي كان تعيش فيها جالية يهودية كبيرة تشتمل على اليهود ا الذين فروا من المذابح المنظمة التي تعرضوا لها في روسيا وعلى الرغم من ذلك، فقد ورد على لسان أحد أصدقاء طفولته وهو أوجست كوبيتسك أن ميول هتلر "المؤكدة في معاداة السامية" قد ظهرت قبل أن يغادر لينز في النمسا. وفي هذه الفترة، كانت فيينا مرتعًا لانتشار روح التحيز الديني التقليدية، وكذلك للعنصرية التي ظهرت في القرن التاسع عشر.  

-- ومن الممكن أن يكون هتلر قد تأثر بكتابات لانز فون ليبنفيلس؛ واضع النظريات المعادي للسامية، وكذلك بآراء المجادلين من رجال السياسة أمثال: كارل لويجر مؤسس الحزب الاشتراكي المسيحي وعمدة فيينا بالإضافة إلى المؤلف الموسيقي ريتشارد فاجنر وجورج ريتر فون شونيرر وهو أحد زعماء حركة القومية الألمانية التي عرفت باسم بعيداً عن روما!؛ وهي الحركة التي ظهرت في أوروبا في القرن التاسع عشر والتي كانت تهدف إلى توحيد الشعوب التي تتحدث الألمانية في أوروبا. ويزعم هتلر في كتابه كفاحي أن تحوله عن فكرة معارضة معاداة السامية من منطلق ديني إلى تأييدها من منطلق عنصري جاء من احتكاكه باليهود الأرثوذكس

-- وربما تأثر هتلر أيضًا بقراءته للدراسة التي قام بها مارتن لوثر والتي كان عنوانها "عن اليهود وأكاذيبهم" (بالإنجليزية: On the Jews and their Lies‏). وفي كتابه كفاحي يشير هتلر إلى مارتن لوثر باعتباره محاربًا عظيمًا ورجل دولة حقيقي ومصلح عظيم، وكذلك كان كل من فاجنر وفريدريك الكبير بالنسبة له. وكتب فيلهلم روبك عقب واقعة الهولوكوست، قائلاً: "مما لا شك فيه أن مذهب مارتن لوثر كان له تأثير على التاريخ السياسي والروحي والاجتماعي في ألمانيا بطريقة - بعد التفكير المتأمل في كل جوانبها - يمكن وصفها بأنها كانت جزء من أقدار ألمانيا.

-- وزعم هتلر أن اليهود كانوا أعداءً للجنس الآري. كما ألقى على كاهل اليهود مسئولية الأزمة التي حدثت في النمسا. واستطاع الوقوف على صور محددة من الاشتراكية والبلشفية التي تزعمها العديد من القادة اليهود - كنوع من أنواع الحركات اليهودية - ليقوم بعمل دمج بين معاداة السامية وبين معاداة الماركسية. وفي وقت لاحق، ألقى هتلر باللوم في هزيمة الجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الأولى على ثورات عام 1918 ومن ثم، أتهم اليهود بجريمة التسبب في ضياع أهداف ألمانيا الاستعمارية، وكذلك في التسبب في المشكلات الاقتصادية التي ترتبت على ذلك.

 

دخول هتلر إلى عالم السياسة

--كان هتلر يحمل بطاقة عضوية مزورة في حزب العمال الألماني (DAP).وكان رقم العضوية الحقيقي لهتلر هو 555 (ومعناه العضو الخامس والخمسون في قائمة أعضاء الحزب - وتمت إضافة الرقم 5 ليبدو عدد أعضاء الحزب أكبر)، ولكن فيما بعد تم ذلك تقليل الرقم ليترك انطباعًا بأن هتلر كان واحدًا من الأعضاء المؤسسين للحزب. وقد كان هتلر يرغب في تكوين الحزب الخاص به، ولكن صدرت إليه الأوامر من رؤسائه في قوة الدفاع الوطنية بأن يخترق صفوف الحزب الموجود فعلاً.

-- وفى يوليو، 1919، تم تعيين هتلر في منصب جاسوس للشرطة  وكان يتبع (قيادة الاستخبارات) التي كانت تتبع (قوة الدفاع الوطنية) من أجل التأثير على الجنود الآخرين واختراق صفوف حزب صغير؛ وهو حزب العمال الألماني (DAP).وأثناء استكشافه للحزب، تأثر هتلر بأفكار مؤسس الحزب آنتون دريكسلر المعادية للسامية والقومية والمناهضة للرأسمالية والمعارضة لأفكارالماركسية.

-- وكانت أفكاره تؤيد وجود حكومة قوية ونشيطة؛ وهي أفكار مستوحاة من الأفكار الاشتراكية "غير اليهودية" ومن الإيمان بضرورة وجود تكافل متبادل بين كل أفراد المجتمع. كما حازت مهارات هتلر الخطابية على إعجاب دريكسلر فدعاه إلى الانضمام للحزب ليصبح العضو الخامس والخمسين فيه. كما أصبح هتلر أيضًا العضور السابع في اللجنة التنفيذية التابعة للحزب. وبعد مرور عدة سنوات، أدعى هتلر إنه العضو السابع من الأعضاء المؤسسين للحزب.

-- كما التقى هتلر مع ديتريش إيكارت وهو واحد من المؤسسين الأوائل للحزب، كما كان عضوًا في الجمعية السرية المعروفة باسم Thule Society. وأصبح إيكارت المعلم الخاص بهتلر الذي يعلمه الطريقة التي يجب أن ينتقي بها ملابسه ويتحدث بها، كما قدمه إلى مجتمع واسع من الناس. ووجه هتلر عميق شكره إلى إيكارت عن طريق الثناء عليه في المجلد الثاني من كتابه المعروف باسم Mein Kampf. وفي محاولة لزيادة شعبية الحزب، قام الحزب بتغيير اسمه إلى حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني (بلألمانية:

-- وتم تسريح هتلر من الجيش في مارس، 1920، فبدأ مدعومًا بالتشجيع المستمر من أعضاء الحزب من ذوي المناصب الأعلى في المشاركة الكاملة في أنشطة الحزب. وفي بدايات عام 1921، بدأ هتلر يتمكن بشكل كامل من إجادة فن الخطابة أمام الحشود الكبيرة. وفي فبراير، تحدث هتلر أمام حشد يضم حوالي ستة آلاف فرد في ميونيخ.

-- وللدعاية لهذا الاجتماع، أرسل هتلر شاحنتين محملتين بمؤيدي الحزب ليجوبوا الشوارع وهم يحملون الصليب المعقوف محدثين حالة من الفوضى وهم يلقون بالمنشورات صغيرة الحجم إلى الجماهير في أول تنفيذ للخطة التي قاموا بوضعها.

 انتشرت سمعة هتلر السيئة خارج الحزب نظرًا لشخصيته الفظة وخطاباته الجدلية العنيفة المناهضة لمعاهدة فرساي والسياسيين المنافسين له (بما في ذلك أنصار الحكم الملكي والمنادين بفكرة القومية وغيرهم من الاشتراكيين غير المؤمنين بسياسة التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول؛ واشتهر بوجه خاص بخطاباته المناهضة للماركسيين ولليهود.

-- وبمرور الوقت، لفت هتلر وحركته التي أخذت في النمو أنظار هؤلاء الضباط باعتبارها أداة مناسبة لتحقيق أهدافهم. وفي صيف عام 1921، سافر هتلر إلى برلين لزيارة بعض الجماعات التي كانت تنادي بالقومية. وفي فترة غيابه، كانت هناك حالة من التمرد بين قيادات حزب العمال الألماني في ميونيخ.

-- وتولت إدارة الحزب لجنة تنفيذية نظر أعضاؤها الأساسيون إلى هتلر باعتباره شخصية متغطرسة ومستبدة. وقام هؤلاء الأعضاء بتشكيل حلف مع مجموعة من الاشتراكيين في مدينة Augsburg. وأسرع هتلر بالعودة إلى ميونيخ وحاول مقاومة الهجمة الشرسة عليه بتقديم استقالته رسميًا من الحزب في 11 يوليو في عام 1920.

 -- وعندما أدرك هؤلاء الأعضاء أن خسارتهم لهتلر ستعني عمليًا نهاية الحزب، انتهز هتلر الفرصة وأعلن عن إمكانية عودته إلى الحزب شريطة أن يحل محل دريكسلر في رئاسة الحزب متمتعًا بالنفوذ المطلق فيه. وحاول أعضاء الحزب الحانقين (بما فيهم دريكسلر) الدفاع عن مكانتهم في بداية الأمر. وفي ذلك الوقت، ظهر كتيب مجهول المصدر يحمل عنوان "أدولف هتلر: هل هو خائن؟" (بالإنجليزية: Adolf Hitler: Is he a traitor?‏) ليهاجم تعطش هتلر للاستيلاء على السلطة وينتقد زمرة الرجال الملتفين حوله والذين يتميزون بالعنف. وردًا على نشر هذا الكتيب عنه في صحيفة تصدر في ميونيخ، أقام هتلر دعوى قضائية بسبب التشهير، وحظى في وقت لاحق بتسوية بسيطة معهم.

-- وتراجعت اللجنة التنفيذية لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني عن موقفها في نهاية الأمر واعترفت بهزيمتها، وتم التصويت بين أعضاء الحزب بشأن الموافقة على مطالب هتلر. وحصل هتلر على موافقة خمسمائة وثلاثة وأربعين صوتًا من أصوات الأعضاء في مقابل الرفض من صوت واحد فقط. وفي الاجتماع التالي لأعضاء الحزب الذي عقد في التاسع والعشرين من يوليو، 1912، تم تقديم أدولف هتلر بصفته فوهرر (بالألمانية: Führer) لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني؛ وهي المرة الأولى التي تم فيها الإعلان عن هذا اللقب على الملأ.

-- وبدأت الخطب التي كان هتلر يلقيها في النوادي التي كان يجتمع فيها أفراد الشعب الألماني ليهاجم بها اليهود والديقراطيين الاشتراكيين والليبراليين وأنصار الحكم الملكي الرجعيين والرأسماليين والشيوعيين تؤتي ثمارهاالمرجوة وتجذب إليه المزيد من المؤيدين.  

-- وكان من مؤيدي هتلر الأوائل: ردولف هس، والطيار السابق في القوات الجوية هيرمان جورينج وقائد الجيش ايرنست روم الذي أصبح بعد ذلك رئيسًا للمنظمة شبه العسكرية النازية المعروفة باسم SA (كتيبة العاصفة (بالألمانية: Sturmabteilung))التي تولت حماية الاجتماعات والهجوم على خصومه السياسيين. وكوّن هتلر جماعات مستقلة مشابهة مثل: جبهة العمل الألمانية  والتي اتخذت من مدينة نورنبيرغ مقرًا لها.

-- وكان يوليوس شترايشر رئيسًا لها، وشغل بعد ذلك منصب Gauleiter (قائد فرع إقليمي لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني) في منطقة Franconia. علاوةً على ذلك، لفت هتلر أنظار أصحاب المصالح التجارية المحليين، وتم قبوله في الدوائر التي كانت تتضمن أصحاب النفوذ في مجتمع مدينة ميونيخ. كما اقترن اسمه باسم القائد العسكري الذي كان ذائعًا في فترة الحرب الجنرال ايريك لودندورف.

التعيين في منصب المستشارية

-- وفي صباح الثلاثين من يناير في عام 1933، أدى هتلر اليمين كمستشار في مراسم وصفها بعض المراقبين في وقت لاحق بأنها موجزة وبسيطة. وألقى هتلر أول خطاب له كمستشار للدولة في العاشر من فبراير. وعرف السعي النازي للوصول إلى السلطة فيما بعد باسم "الاستيلاء على السلطة" وأنشأ هتلر ما أطلق عليه حرس هتلر الشخصي  ؛ وهي قوة أمن تابعة لوحدات النخبة النازية وكانوا الحرس الشخصي لهتلر

 

 

"يوم بوتسدام" وقانون التمكين

-- وفي الحادي والعشرين من شهر مارس، تم إنشاء الرايخستاج الجديد في مراسم افتتاح تمت إقامتها في الموقع العسكري التابع لكنسية بوتسدام(بالألمانية: Potsdam). وتم التخطيط لإقامة "يوم بوتسدام" بحيث يظهر التصالح والوحدة بين الحركة النازية الثورية و"بروسيا القديمة" ومن فيها من صفوة الشخصيات وما فيها من فضائل. وظهر هتلر في الاحتفال مرتديًا سترة رسمية طويلة مشقوقة الذيل وهو يحيي بتواضع الرئيس كبير السن - هندينبرج.

-- وبسبب فشل النازيين في الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان وحدهم، فقد توجهت حكومة هتلر إلى الرايخستاج الجديد بقانون أطلق عليه اسم قانون التمكين؛ وهو قانون يمنح مجلس الوزراء سلطات تشريعية لمدة أربع سنوات. وبالرغم من أن مشروع القانون الذي تقدم به النازيون لم يكن خطوة غير مسبوقة في تاريخ السياسة الألمانية، فإن القانون الذي تقدموا به كان مختلفًا لأنه يسمح بالانحراف عن الدستور.

التخلص مما تبقى من قيود

-- وبهذا الاتحاد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، نجحت حكومة هتلر بالقيام بالمزيد من القمع لما تبقى من معارضة سياسية أمامها. وتم حظر نشاط الحزب الشيوعي الألماني والحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD) بينما تم إجبار كل الأحزاب السياسية الأخرى على القيام بحل نفسها. وأخيرًا، وفي الرابع عشر من يوليو، أعلن أن الحزب النازي هو الحزب الشرعي الوحيد في ألمانيا. وتم دمج اتحادات العمال مع الاتحادات الفيدرالية للموظفين في منظمة يرأسها الزعيم النازي. كما تم إلغاء الحكم الذاتي التي كانت حكومات الولايات الألمانية تتمتع به.

أدولف هتلر عام 1933

-- واستخدم هتلر كتيبة العاصفة شبه العسكرية في دفع هوجنبرج نحو تقديم استقالته، واستمر في مخططه نحو عزل نائب المستشار - بابن - سياسيًا. ولأن طلبات كتيبة العاصفة للحصول على السلطة السياسية والعسكرية قد تسببت في إحداث الكثير من القلق بين صفوف القادة العسكريين، فقد استغل هتلر المزاعم التي تمت إثارتها عن مخطط قائد كتيبة العاصفة ارنست روم لتطهير الكتيبة من الأعضاء غير المرغوب فيهم خلال الليلة التي أطلق عليها ليلة السكاكين الطويلة. كما تم اغتيال المعارضين غير المتصلين بكتيبة العاصفة؛ خاصةً جريجور شتراسر والمستشار السابق كورت فون شلايشر

-- وتوفي الرئيس باول فون هيندنبورغ في الثاني من أغسطس في عام 1934. وبدلاً من إجراء انتخابات رئاسية جديدة، قام مجلس الوزراء الذي يرأسه هتلر بالموافقة على قانون يضع سلطة رئيس الدولة في حالة من الخمول، ويضع حكم وسلطات رئيس الدولة في يد هتلر باعتباره فوهرر ومستشار للرايخ) (قائد ومستشار).وبصفته رئيسًا للدولة، أصبح هتلر الآن القائد الأعلى للقوات المسلحة. وعندما حان الوقت الذي يؤدي فيه أعضاء القوات البرية والبحرية يمين الولاء التقليدي، تم تغيير اليمين التقليدي ليصبح يمينًا بالولاء الشخصي لهتلر نفسه

-- وفي استفتاء عام تم إجراؤه في منتصف أغسطس، حظت التصرفات التي قام بها هتلر بموافقة نسبة 84.6% من الناخبين. وانتهكت هذه التصرفات عمليًا كلاً من الدستور وقانون التمكين. وقد تم تعديل الدستور في عام 1932 ليصبح رئيس محكمة العدل العليا رئيسًا للبلاد - وليس المستشار - حتى يتم إجراء الانتخابات الجديدة. وحظر قانون التمكين بصورة خاصة على هتلر القيام بأي تصرفات من شأنها المساس بالسلطة الرئاسية بأي شكل من الأشكال. ومع ذلك، لم يجرؤ أي شخص على الاعتراض على ما يحدث. وبهذه التصرفات، تخلص هتلر من آخر الوسائل الشرعية التي يمكن عن طريقها استبعاده من السلطة قانونيًا، وتخلص معها من أي شكل من أشكال الرقابة أو التوازن التي يمكن فرضها على سلطته

--  وفي عام 1938، أجبر هتلر وزير الحرب في حكومته - فيرنر فون بلومبرج - والذي كان وزير الدفاع الأسبق على تقديم استقالته بعد أن ظهرت دلائل على أن زوجة بلومبرج الجديدة لها ماضِ إجرامي. وقبل التخلص من بلومبرج، قام هتلر وعصبته (الزمرة التي أحاطت به) بالتخلص من فريتش الذي تم إتهامه بالمثلية الجنسية (وهو ما ذكره يوهان تولاند في السيرة الذاتية التي كتبها عن هتلر بعنوان Adolf Hitler).

--  واستبدل هتلر وزارة الحرب بما أطلق عليه القيادة العليا للقوات المسلحة أو (OKW)، والتي كان الجنرال فيلهلم كايتل رئيسًا لها. والأهم من ذلك كله، أعلن هتلر توليه بنفسه قيادة القوات المسلحة. واستولى هتلر لنفسه على وظيفة بلومبرج السابقة الأخرى وهي قائد القوات المسلحة. وقد كان بالفعل قائدًا أعلى لها بموجب سلطاته كرئيس. وفي اليوم التالي، أعلنت الصحف "أقوى تركيز للسلطات في يد الفوهرر!" وفي الواقع، كان هتلر بذلك قد تمكن من جعل آخر المجموعات التي كانت لا تزال تحتفظ بشيء من القوة التي تمكنها من الإطاحة به على الحياد

الهولوكوست

-- تعتبر الصحة العنصرية (شكل من أشكال العنصرية العلمية) واحدة من الركائز التي أسس عليها هتلر سياساته الاجتماعية. ويستند هذا المفهوم على أفكار آرثر دي جوبينو - وهو أحد نبلاء فرنسا - ،وعلى علم تحسين النسل؛ وهو علم زائف يتبنى فكرة النقاء العرقي، وعلى الداروينية الاجتماعية، وهي الايدلوجية التي تتبنى فكرة أن الارتقاء البشري يحدث نتيجة للتنافس بين الأفراد والجماعات والأمم. وعند تطبيق هذا الأفكار على البشر، تم تفسير مبدأ "البقاء للأصلح" على أنه يهدف إلى النقاء العرقي وإبادة كل "من ليس جديرًا بالحياة".

(برنامج القتل الرحيم)

-- وكان أول ضحايا هذه السياسة هم الأطفال من ذوي الإعاقات البدنية أو العقلية. وكانت عمليات قتلهم تتم في إطار برنامج أطلق عليه اسم  (بالإنجليزية: Action T4‏).وبعد اعتراض الشعب الصاخب على هذا البرنامج، تظاهر هتلر بإيقاف العمل به، ولكن في حقيقة الأمر استمر القتل.

-- فضلاً عن ذلك، في الفترة ما بين عامي 1939 و1945، قامت وحدات النخبة النازية SS، بمساعدة بعض الحكومات المتواطئة مع ألمانيا ومجندين من الدول المحتلة، بعمليات قتل منظمة أودت بحياة عدد يتراوح بين أحد عشر مليون وأربعة عشر مليون شخص تقريبًا، واشتمل هذا العدد على حوالي ستة مليون يهودي  في معسكرات الاعتقال وفي جيتو الأحياء التي يسكن فيها الفقراء من اليهود) وفي عمليات للقتل الجماعي. كذلك، كانت عمليات القتل تتم بشكل أقل تنظيمًا في أماكن أخرى.

-- إضافة إلى ذلك لاقى الكثيرون حتفهم نتيجةً للتجويع والإصابة بالأمراض أثناء العمل بنظام السخرة (أحيانًا كانوا يعملون لصالح الشركات الألمانية الخاصة). وفضلاً عن أعمال القتل ضد الشيوعيين أو الخصوم السياسيين وأعضاء جماعات المقاومة والمثليين جنسيًا والأفراد المنتمين للقبائل التي تحمل اسم روما (وهي مجموعة فرعية من الغجر تستوطن أوروبا الوسطى والشرقية) والمعاقين بدنيًا والمتخلفين عقليًا وأسرى الحرب السوفيت (ربما بلغ عددهم ثلاثة ملايين شخص) والمنتمين للطائفة المسيحية التي أطلق عليها اسم شهود يهوه والمؤمنين بفكرة البعث الثاني للسيد المسيح والوثنيين الجدد وأعضاء النقابات العمالية والمرضى النفسيين.

-- وكان مجمع معسكرات الإبادة الذي يطلق عليه معسكر اعتقال اوشفيتز بيركيناو قالب:بولندية واحدًا من أكبر المراكز التي تتم فيها عمليات القتل الجماعي في ذلك العهد. ولم يقم هتلر أبدًا بزيارة معسكرات الاعتقال، كما لم يتحدث أبدًا علنًا عن عمليات القتل التي تتم فيها بعبارات صريحة.

-- وكان التخطيط للهولوكوست الحل الأخير  (أو الحل النهائي للمشكلة اليهودية) قد تم بمعرفة القادة النازيين, ولعب الدور الرئيسي فيه هاينريش هيلمر.

-- وبينما لم يظهر أي أمر محدد من هتلر بموافقته على القتل الجماعي الذي يتم، توجد بعض الوثائق التي تظهر موافقته على العمل الذي تقوم به إنساتزكروبن ؛ وهي جماعات القتل التي تبعت الجيش الألماني إلى بولندا وروسيا بالإضافة إلى أن هتلر كان يبلغ بدقة بنشاطات تلك الجماعات

-- وتشير الدلائل أيضًا إلى إنه في خريف عام 1941، اتفق هيلمر وهتلر على القيام بعمليات إبادة جماعية عن طريق تسمم الغاز. وفي أثناء التحقيقات التي باشرها ضباط المخابرات السوفيتية والتي تم كشف النقاب عنها بعد مرور ما يقرب من خمسين عامًا، ذكر خادم هتلر - هاينز لينج - ومعاونه العسكري - اوتو جونش - أن هتلر "درس بعناية مخطط غرف الغاز." كذلك، شهدت سكرتيرته الخاصة - تراودل يونج - أن هتلر كان يعرف كل ما يحدث في معسكرات الموت.

-- وفي سبيل تحقيق التعاون في تنفيذ هذا "الحل الأخير"، تم عقد مؤتمر وانسي بالقرب من برلين في العشرين من يناير في 1942. وحضر المؤتمر خمسة عشر من كبار المسئولين. وكان يرأس المؤتمر راينارد هيدريش وأدولف أيشمان. وتعتبر سجلات هذا الاجتماع هي أوضح الأدلة المتاحة على التخطيط للهولوكوست. وفي الثاني والعشرين من فبراير، نقل عن هتلر قوله لرفاقه "سنستعيد عافيتنا فقط بإبادة اليهود".

الحرب العالمية الثانية

-- في فبراير من عام 1938، أنهى هتلر أخيرًا الأزمة التي أصابت السياسة الألمانية فيما يتعلق بالشرق الأقصى؛ والتي تتعلق بالاختيار بين الاستمرار في التحالف الصيني الألماني غير الرسمي والقائم مع الصين منذ العقد الثاني من القرن العشرين أو الدخول في تحالف جديد مع اليابان. وفضل الجيش تمامًا في هذا الوقت استمرار ألمانيا في تحالفها مع الصين. وكان كل من وزير الخارجية، كونستنين فون نيورات، ووزير الحرب، فيرنر فون بلومبرج. الذين كان يطلق عليهما اسم "اللوبي الصيني" يؤيدان الصين، وحاولا توجيه السياسة الخارجية لألمانيا بعيدًا عن الدخول في أي حروب في أوروبا.

-- ولكن، قام هتلر بصرف الوزيرين من الخدمة في بدايات عام 1938. وبناءاً على نصيحة وزير الخارجية الجديد الذي عينه هتلر جواشيم فون ريبنتروب، المؤيد لليابان بقوة، اختار هتلر إنهاء التحالف مع الصين في سبيل الفوز بتحالف مع اليابان الأكثر قوة وتحضرًا. وفي إحدى خطبه أمام "الرايخستاج"، تحدث هتلر عن اعتراف ألمانيا بولاية مانشوكو؛

-- وكانت ولاية في منشوريا احتلتها اليابان وأصبح لها السيادة الاسمية عليها. وتخلى عن المطامع الألمانية في مستعمراتها السابقة في المحيط الهادي وأمر هتلر بوقف إرسال شحنات الأسلحة إلى الصين إلى جانب استدعاء جميع الضباط الألمان المنضمين للجيش الصيني. وانتقامًا من ألمانيا لإنهاء دعمها للصين في حربها ضد اليابان، قام القائد العام الصيني شيانج كاي شيك، بإلغاء الاتفاقيات الاقتصادية بين الصين وألمانيا. وكان نتيجة ذلك أن حرمت ألمانيا من المواد الخام، مثل التنجستين الذي كانت تزودها به الصين في السابق. وأدى إنهاء التحالف الصيني الألماني إلى زيادة مشكلات ألمانيا المتعلقة بإعادة التسلح؛ حيث إن ألمانيا أصبحت الآن مضطرة إلى اللجوء إلى احتياطي العملة الأجنبية المحدود لشراء المواد الخام من السوق المفتوحة.

بداية الحرب العالمية الثانية

-- كانت هناك ضرورة حتمية من وجهة نظر هتلر - من منطلق منهجه في معاداة بريطانيا - لضم بولندا إلى جانب ألمانيا باعتبارها دولة تابعة أو حتى دولة محايدة في هذا الصراع. واعتقد هتلر أن تحقيق ذلك يمثل ضرورة على الصعيد الاستراتيجي من ناحية لأنه يضمن تأمين الجانب الشرقي للرايخ،

 -- وعلى الصعيد الاقتصادي من ناحية أخرى لتجنب الأثر السلبي للحصار البريطانيوكان طموح ألمانيا في المقام الأول ينصب على تحويل بولندا إلى دولة تابعة لها، ولكن مع حلول مارس من عام 1939 وعندما رفضت بولندا المطالب الألمانية ثلاث مرات، عقد هتلر عزمه على تدمير بولندا تنفيذًا للهدف الرئيسي للسياسة الخارجية لألمانيا في عام 1939

-- وفي الثالث من أبريل لعام 1939، أمر هتلر قواته العسكرية ببدء التجهيز للمخطط المعروف باسم غزو بولندا (بالألمانية: Fall Weiss)؛ وهو مخطط يقضي بتنفيذ الغزو الألماني في الخامس والعشرين من أغسطس في عام 1939. وفي أغسطس من عام 1939، تحدث هتلر مع قادته العسكريين عن خطته الرئيسية لعام 1939 فقال: "إقامة علاقة مقبولة بين ألمانيا وبولندا من أجل محاربة الغرب". ولكن نظرًا لأن البولنديين لن يقبلوا بالتعاون مع ألمانيا من أجل إقامة "علاقة مقبولة" (بمعنى أن يوافقوا على أن تصبح بولندا دولة تابعة لألمانيا)، فقد رأى هتلر أنه لن يكون هناك بديل عن محو بولندا من الوجود

-- وقد أوضح المؤرخ جيرهارد فاينبرج أن شعب هتلر كان يشتمل على مجموعة تؤمن بفكرة تدمير بولندا (فقد كانت المشاعر المعادية لبولندا قوية جدًا في الجيش الألماني)، ولكنهم كانوا أقل رضا عن فكرة الدخول في حرب مع بريطانيا وفرنسا. فإذا كان هذا هو الثمن الذي يجب أن تدفعه ألمانيا من أجل تدمير بولندا، سيكون هتلر قد نجح على الأرجح بخطته تلك في التعبير عما يريده شعبه. وفي مناقشاته الخاصة مع أعوانه، كان هتلر دائمًا ما يصف بريطانيا بأنها العدو الأساسي لألمانيا الذي يجب أن تلحق به الهزيمة.

--  ومن وجهة نظره، كان محو بولندا من الوجود مقدمة ضرورية يجب أن تتم حتى يتمكن من تحقيق الهدف الذي يسعى إليه وهو تأمين الجانب الشرقي من بلاده وإضافة المزيد إلى المجال الحيوي لألمانيا. وشعر هتلر بالإهانة البالغة من "الوعد" الإنجليزي بحماية الاستقلال البولندي الذي تم الإعلان عنه في الحادي والثلاثين من شهر مارس في عام 1939، وأخبر معاونيه أنه "سيسقي البريطانيين من مر الكأس حتى يستجيروا،

وفي خطابه الذي ألقاه في مدينة فيلهيلمسهافن) بمناسبة تدشين البارجة "Admiral Tirpitz" في الأول من أبريل من عام 1939، هدد هتلر بإلغاء المعاهدة البحرية بين بريطانيا وألمانيا إذا أصر البريطانيين على "سياسة التطويق" والتي تتمثل في "ضمانهم" للاستقلال البولندي وكجزء من منهجه الجديد، أبدى هتلر تبرمه في خطاب ألقاه أمام الرايخستاج في الثامن والعشرين من أبريل في عام 1939 من "سياسة التطويق" التي تستعملها بريطانيا مع ألمانيا، وأعلن إلغاء كل من المعاهدة البحرية بين بريطانيا وألمانيا ومعاهدة عدم الاعتداء الألمانية البولندية.

-- ولإيجاد ذريعة للاعتداء على بولندا، طالب هتلر بضم مدينة دانزيج (بالألمانية: Danzig) التي تتمتع بالحكم الذاتي، وكذلك بحقه في إنشاء طرق "إقليمية إضافية" عبر الممر البولندي الذي تم اقتطاعه من ألمانيا رغمًا عنها بموجب معاهدة فرساي. وبالنسبة لهتلر، كانت مدينة دانزيج مجرد ذريعة لتبرير اعتدائه على بولندا تمامًا كما فعل في حالة منطقة ستودينتلاند في عام 1938 وطوال عام 1939.

-- وبينما تم تسليط الضوء على قضية Danzig كأحد شكاوى الألمان، كان الألمان عادةً ما يرفضون الدخول في مناقشات حول هذه القضية وهكذا، ظهر تعارض ملحوظ في مخططات هتلر بين منهجه طويل الأجل المعادي لبريطانيا - الذي أعد له العدة بالتوسع لحد كبير في "القوات البحرية الألمانية" "والقوات الجوية الألمانية" والذي كان سيستلزم سنوات عديدة حتى يكتمل - وبين سياسته الخارجية الحالية التي انتهجها على مدار عام 1939 والتي كانت ستؤدي على الأرجح إلى اندلاع حرب عامة إثر القيام بأعمال مثل الاعتداء على بولنداواستطاع هتلر أن يتغلب على التمزق الذي كان يعاني منه بين أهدافه قصيرة الأجل وأهدافه طويلة الأجل بمساعدة وزير الخارجية ريبنتروب، الذي أخبر هتلر بأن فرنسا وبريطانيا لن يلتزما بوعودهما تجاه بولندا، وبالتالي ستكون أي حرب بين ألمانيا وبولندا حربًا إقليمية محدودة.وأرجع ريبنتروب تقديره للموقف بشكل جزئي إلى إحدى العبارات التي زعم أن وزير الخارجية الفرنسي جورج بونيت، قد قالها له في ديسمبر من عام 1938 عندما أخبره أن فرنسا الآن تنظر إلى أوروبا الشرقية باعتبارها منطقة نفوذ تخضع لألمانيا وحدها

-- علاوةً على ذلك، كان منصب ريبنتروب السابق كسفير لألمانيا في لندن سببًا جعل هتلر ينظر إليه باعتباره الخبير النازي الأول في الشئون البريطانية؛ وبالتالي كان لنصيحته عند هتلر وزنها وأهميتها. كذلك، أطلع ريبنتروب هتلر على البرقيات الدبلوماسية التي تدعم تحليله فقط دون غيرها من البرقيات التي لا تساند تحليله

-- كما أن السفير الألماني في لندن هيربرت فون ديركسن، عمد إلى إرسال تقارير من شأنها دعم تحليل ريبنتروب مثل الرسالة التي حملها موفده في أغسطس من عام 1939 والتي ورد فيها أن نيفيل تشامبرلين يعلم أن "الهيكل الاجتماعي لبريطانيا لن يتحمل الفوضى الناجمة عن الحرب حتى وإن انتصر فيها بالرغم من إيمانه بفكرة الإمبراطورية البريطانية" وبالتالي سيتراجع عن فكرة الحرب

-- ويمكن ملاحظة الدرجة التي تأثر بها هتلر بنصيحة ريبنتروب من خلال أوامره التي أصدرها ٍإلى الجيش الألماني في الحادي والعشرين من أغسطس في عام 1939 بإعلان حالة تعبئة محدودة ضد بولندا وحدهاواختار هتلر آخر أغسطس كموعد لتنفيذ مخطط Fall Weiss وذلك للحد من الأثر السلبي لإعلان حالة التعبئة على الإنتاج الزراعي الألماني وكانت المشكلات التي نجمت عن الحاجة لبدء الحملة على بولندا في آخر أغسطس أو بدايات سبتمبر حتى يتم الانتهاء منها قبل موسم هطول الأمطار في شهر أكتوبر،

 -- وكذلك حتى تحصل القوات الألمانية على قدر كافِ من الوقت حتى تستطيع الاحتشاد على الحدود البولندية وقد فرضت على هتلر وضعاً وجد نفسه فيه في أغسطس من عام 1939 في أمس الحاجة لتعاون السوفيت معه إذا كان يريد أن يدخل الحرب في هذا العام.

-- وكانت معاهدة ميونيخ كافية لتبديد آخر أمل تبقى لدى بعض الدوائر السوفيتيية بالاعتقاد في فكرة "معاهدة الأمن الجماعي" وفي الثالث والعشرين من أغسطس في عام 1939، وافق جوزيف ستالين على عرض هتلر لإبرام اتفاقية عدم اعتداء (معاهدة مولتوف-ريبنتروب)؛ وهي المعاهدة التي نصت بنودها السرية على الاتفاق على تقسيم بولندا. وتعتبر الأسباب التي تقف وراء خيارات هتلر في مجال السياسة الخارجية في عام 1939 من أهم الموضوعات التاريخية التي يثور الجدال بشأنها.

-- فهناك رأي يقول بإن الأزمة المتعلقة بالبنية الاقتصادية للبلاد هي التي دفعت هتلر لأن "يهرب منها إلى الحرب"؛ وذلك كما يرى المؤرخ الماركسي تيموثي ماسون. وهناك رأي آخر يقول بإن تصرفات هتلر كانت متأثرة بدرجة أكبر بعوامل غير اقتصادية؛ وهو الرأي الذي يتنباه المؤرخ الاقتصادي ريتشارد أوفري

-- والمؤرخون الذين تجادلوا بهذا الشأن مثل: ويليام كار وجيرهارد فاينبرج وايان كيرشو يعتقدون أن أحد الأسباب غير الاقتصادية التي أدت بهتلر إلى أن يتعجل دخول الحرب هي الخوف المرضي الذي كان يستحوذ عليه من فكرة دنو أجله؛ وبالتالي الشعور بعدم وجود الكثير من الوقت أمامه لتنفيذ طموحاته. وفي آخر أيام السلام، كان هتلر يتأرجح بين التصميم على محاربة القوى الغربية إذا اضطرته الظروف، وبين العديد من المخططات التي كانت تهدف لإبعاد بريطانيا عن دائرة الحرب. ولكن، على أي حال ما كان هتلر ليتراجع عن هدفه بغزو بولندا

 -- وكانت الأسباب التي نجحت في إقناع هتلر بإرجاء الهجوم المقرر على بولندا لفترة قصيرة من تاريخ الخامس والعشرين من أغسطس وحتى لأول من سبتمبر هي تلك الأخبار التي وردت إليه بتوقيع تحالف إنجليزي بولندي في الخامس والعشرين من شهر أغسطس رداً على معاهدة عدم الاعتداء الألمانية الروسية (وذلك بدلاً من توطيد الصلات بين لندن ووارسو كما تنبأ ريبنتروب)، بالإضافة إلى الأخبار التي وردت إليه من إيطاليا بأن موسوليني لن يلتزم بالميثاق المعروف باسم ميثاق الصداقة والتحالف بين ألمانيا وايطاليا (بالإنجليزية: Pact of Steel‏) (بالألمانية: Stahlpakt) (بالإيطالية: Patto d'Acciaio

-- واختار هتلر أن يقضي أيام السلام الأخيرة إما في مراوغة البريطانيين ومحاولة تحييدهم عن طريق "ضمان الحماية وعدم الاعتداء" الذي تقدم به في الخامس والعشرين من شهر أغسطس في عام 1939 إلى الامبراطورية البريطانية أو في إرسال ريبنتروب إلى هندرسون بخطة للسلام في اللحظات الأخيرة قبل نشوب الحرب بشرط زمني يستحيل قبوله حتى يتمكن من إلقاء اللوم على البريطانيين والبولنديين للتسبب في نشوب الحرب

-- وفي الأول من سبتمبر من عام 1939، قامت ألمانيا باجتياح غرب بولندا. وأعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا في الثالث من سبتمبر، ولكن لم تتخذا إجراءات فورية لتفعيل هذا الإعلان. وكان أكثر ما أثار استياء ودهشة هتلر هو تلقيه إعلان الحرب البريطاني في الثالث من سبتمبر من عام 1939، فالتفت إلى ريبنتروب وسأله: "ماذا سنفعل الآن؟"ولم يكن لدى ريبنتروب ما يقوله سوى أن السفير الفرنسي روبرت كولوندر، قد يقوم في وقت لاحق في هذا اليوم بتقديم الإعلان الفرنسي للحرب على ألمانياولم يمر وقت طويل حتى قامت القوات الروسية باجتياح شرق بولندا في السابع عشر من سبتمبر

الطريق إلى الهزيمة

في الثاني والعشرين من شهر يونيو في عام 1941، قام ثلاثة ملايين جندي من القوات الألمانية بمهاجمة الإتحاد السوفيتي ضاربين بمعاهدة عدم الاعتداء التي وقعها هتلر مع ستالين منذ عامين عرض الحائط. وتعتبر الأسباب التي دعت هتلر إلى غزو الإتحاد السوفيتي من الموضوعات التي ثار بشأنها جدلاً تاريخيًا كبيرًا. وقد تم إطلاق اسم رمزي على هذا الغزو وهو عملية بارباروسا.

 -- وقد صرح بعض المؤرخين مثل أندريس هيلجروبر أن هذه العملية لم تكن إلا "خطوة مرحلية" ضمن خطة هتلر التي أطلق عليها اسم "خطة الخطوات المرحلية" (بالألمانية: Stufenplan) والتي كانت تستهدف إخضاع العالم. ويعتقد هيلجروبر أن هتلر قد وضع هذه الخطة في سنوات العشرينات من القرن العشرينوعلى صعيد آخر، يرى مؤرخون آخرون مثل: جون لوكاكس أن هتلر لم يكن لديه أبدًا خطة مرحلية لإخضاع العالم، وأن غزو الإتحاد السوفيتي كان خطوة "قام بها هتلر لغرض معين" بعد أن رفضت بريطانيا الاستسلام

--وقد صرح لوكاكس أن السبب الذي صرح به هتلر في حديث خاص لغزو الإتحاد السوفيتي كان بالتحديد أن وينستون تشرشل قد علق الأمل على اشتراك الإتحاد السوفيتي في الحرب إلى جانب قوات الحلفاء، ومن ثم وجد هتلر أن الطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يجبر بريطانيا على الاستسلام هي القضاء على هذا الأمل.

--وكان ذلك هو السبب الحقيقي الذي دفع هتلر إلى تنفيذ هذه العملية[139]. ومن وجهة نظر لوكاكس، فإن عملية غزو الاتحاد السوفيتي كانت من هذا المنطلق خطوة قام بها هتلر أساسًا ضد بريطانيا لإجبارها على أن تسعى للسلام معه عن طريق تدمير أملها الوحيد في النصر، فلم تكن هذه الخطوة - في حقيقة الأمر - ضد الإتحاد السوفيتي.

--ويعتقد كلاوس هيلدبراند أن كل من ستالين وهتلر كان يخطط منفرداً للهجوم على الآخر في عام 1941. ويرى هيلدبراند أيضًا أن الأخبار التي انتشرت في ربيع عام 1941 عن احتشاد القوات السوفيتية على الحدود أدت إلى اشتراك هتلر في خطة الفرار إلى الأمام (بالألمانية: flucht nach vorn)

 --(وتعني مجابهة الخطر عن طريق الهجوم بدلاً من الانسحاب) وتوجد طائفة أخرى من المؤرخين تضم مجموعة متنوعة منهم مثل: فيكتور سافوروف ويواشيم هوفمان وارنست نولت ودافيد ايرفينج تعتقد أن السبب الرسمي الذي صرح به الألمان لقيامهم بعملية غزو الإتحاد السوفيتي في عام 1941 هو السبب الفعلي وراء هذه العملية؛

--وبهذا تكون هذه العملية "حرب وقائية" وجد هتلر نفسه مجبرًا على الدخول فيها لتفادي هجوم سوفيتي كان سيعوقه عن تحقيق أحلامه؛ ذلك الهجوم الذي كان مقررًا له أن يتم في يوليو من عام 1941. وتعرضت هذه النظرية لهجوم كبير وتم وصفها بإنها خاطئة؛ وقد قام المؤرخ الأمريكي جيرهارد فاينبرج بتشبيه المدافعين عن نظرية الحرب الوقائية بمن يؤمنون في "الحكايات الخرافية"

--واستولت القوات الألمانية في غزوها على أجزاء كبيرة من الأراضي التي شملت، دول البلطيق وروسيا البيضاء وأوكرانيا. كذلك، حاصرت القوات الألمانية الكثير من القوات السوفيتية ودمرتها، وهي القوات التي أصدر ستالين أوامره إليها بعدم الانسحاب. وبالرغم من ذلك، فقد وجدت القوات الألمانية نفسها مجبرة على التوقف قبيل تمكنها من دخول موسكو مباشرةً في ديسمبر من عام 1941 بسبب الشتاء الروسي القارس والمقاومة السوفيتية العنيفة.

 وفشل الغرو في تحقيق النصر السريع الذي كان هتلر يريده. وفي الثامن عشر من شهر ديسمبر من عام 1941، سجل هاينريش هيلمر الذي كان يحمل رتبة Reichsführer-SS في وحدات النخبة النازية في الدفتر الذي كان يدون فيه تفاصيل المقابلات التي يقوم بها سؤاله إلى هتلر، "ماذا سنفعل مع يهود روسيا؟"

--وكانت إجابة هتلر على السؤال: "als Partisanen auszurotten" أو "قم بإبادتهم على أنهم أعضاء القوات غير النظامية التي تزعج القوات الألمانية المحتلة بشن الغارات المتكررة عليها ويعلق المؤرخ الإسرائيلي يهودا باوير على هذا الموضوع بأنه يمكن اعتبار الملحوظة التي سجلها هيلمر في دفترة هي أقوى الدلائل التي يمكن العثور عليها لإثبات الأمر الصريح الصادر من هتلر بإنشاء الهولوكست

العشرون من مارس في عام 1945 (وهو التاريخ الذي عادةً ما يشار إليه على سبيل الخطأ بالعشرين من شهر أبريل).هتلر يمنح وسام الصليب الحديدي لأعضاء المنظمة شبه العسكرية "شباب هتلر" خارج قبوه.

--وقد وضع إعلان هتلر الحرب على الولايات المتحدة في الحادي عشر من ديسمبر في عام 1941 بعد أربعة أيام من قيام الإمبراطورية اليابانية بالهجوم على ميناء بيرل هاربور في هاواي، وبعد ستة أيام من اقتراب القوات النازية الألمانية من موسكو في مواجهة ائتلاف ضم أكبر إمبراطورية في العالم ممثلة في الإمبراطورية البريطانية، وأكبر قوة صناعية ومالية في العالم ممثلة في الولايات المتحدة، وأكبر جيش في العالم ممثلاً في الإتحاد السوفيتي.

--وفي أواخر عام 1942، لحقت الهزيمة بالقوات الألمانية في معركة العلمين الثانية؛ الأمر الذي وضع حدًا لمحاولة هتلر الاستيلاء على قناة السويس والشرق الأوسط. وفي فبراير من عام 1943، انتهت معركة ستالينجراد الهائلة بتدمير الجيش السادس الألماني. وبعد ذلك، وقعت معركة كورسك الهائلة. وأصبحت قرارات هتلر العسكرية غريبة الأطوار بشكل متزايد، وأخذ الوضع العسكري والاقتصادي لألمانيا في التدهور. كذلك، تدهورت حالة هتلر الصحية. فقد كانت يده اليسرى ترتجف. ويعتقد ايان كيرشو الذي كتب السيرة الذاتية لهتلر وآخرون أن هتلر ربما يكون قد عانى من مرض الشلل الرعاش. كما يشتبه في أن يكون مرض الزهري سببًا في بعض الأعراض المرضية التي ظهرت على هتلر بالرغم من أن الدليل المتوافر على صحة هذا الاعتقاد ضعيف

--ويعد اجتياح قوات الحلفاء لصقلية عملية هاسكي في عام 1943، تم عزل موسوليني من قبل بييترو بادوليو الذي أعلن استسلامه لقوات الحلفاء. وطوال عامي 1943 و1944، كانت القوات السوفيتية تجبر جيوش هتلر على الانسحاب بكل ثبات على طول الجبهة الشرقية. وفي السادس من يونيو من عام 1944، تمت عملية إنزال جيوش الحلفاء الغربيون في شمالي فرنسا في واحدة من أكبر العمليات البرمائية التي حدثت في تاريخ العسكرية؛ وهي العملية التي تعرف باسم عملة القائد الأعلى (بالإنجليزية: Operation Overlord‏).

--وكان أصحاب الرؤية الواقعية في الجيش الألماني يعرفون أن الهزيمة حتمية، وخطط البعض منهم لإقصاء هتلر عن السلطة. وفي يوليو من عام 1944، قام كلاوس فون شتاوفينبرج بزرع قنبلة في مركز قيادة الفوهرر هتلر المعروف باسم وكر الذئب (بالألمانية: Wolfsschanze) في رستنبورج (بالألمانية: Rastenburg) ولكن هتلر نجا من الموت بأعجوبة. وأصدر هتلر أوامره بالقيام بعملية انتقام وحشية تم فيها تنفيذ حكم الإعدام في أكثر من أربعة آلاف وتسعمائة شخص[145]. الأمر الذي تم أحيانًا عن طريق التجويع في الحبس الانفرادي الذي يعقبه التعرض البطئ للاختناق. وتم القضاء على حركة المقاومة الرئيسية بالرغم من أن بعض المجموعات المتفرقة الأصغر حجمًا استمرت في محاولاتها. .

الهزيمة والموت

-- وبحلول نهاية عام 1944 كان الجيش الأحمر قد أجبر الألمان على التراجع إلى أوروبا الوسطى، وكانت قوات الحلفاء الغربيون تتقدم صوب ألمانيا. وأدرك هتلر أن ألمانيا قد خسرت الحرب، ولكنه لم يسمح بالانسحاب. وتمنى هتلر أن يقوم بالتفاوض المنفرد من أجل السلام مع الأمريكيين والبريطانيين؛ وهو الأمل الذي دعمه وفاة فرانكلين دي روزفلت في الثاني عشر من أبريل من عام 1945

-- وسمح عناد هتلر واستخفافه بأخذ الحقائق العسكرية في الاعتبار باستمرار الهولوكوست. كما أصدر هتلر أوامره بالتدمير الكامل لكل البنية التحتية الصناعية الألمانية قبل أن تقع في أيدي قوات الحلفاء. وقال أن فشل ألمانيا في الفوز بالحرب أدى إلى خسارتها لحقها في البقاءوهكذا، قرر هتلر أن الأمة بأسرها يجب أن تنتهي معه. وعهد هتلر بتنفيذ خطة الأرض المحروقة (تدمير كل ما يمكن أن ينفع العدو قبل الانسحاب من الأرض) إلى وزير التسلح ألبرت سبير الذي لم يطع أمر قائده.

-- وفي أبريل من عام 1945، هاجمت القوات السوفيتية ضواحي مدينة برلين. ووجد هتلر نفسه في وضع يجبره فيه مطاردوه على الفرار إلى جبال بافاريا ليتمكن من مواجهتهم في جولة أخيرة في المعقل الوطني الذي لجأت إليه الفلول المتبقية من القوات. ولكن هتلر كان مصممًا على أن يعيش في عاصمة بلاده أو يهلك فيها.

-- وفي العشرين من أبريل، احتفل هتلر بعيد ميلاده السادس والخمسين في "قبو الفوهرر" (بالألمانية: Führerbunker) الذي كان موجودًا أسفل مستشارية الرايخ (بالألمانية: Reichskanzlei). وقام قائد الحامية المحاصرة في "حصن بريسلو (بالألمانية: Festung Breslau) الجنرال هيرمان نيهوف، بتوزيع الشيكولاتة على القوات المحاصرة احتفالاً بذكرى ميلاد القائد

-- وفي 21 أبريل من عام 1945، استطاعت قوات جورجي جوكوف؛ قوات جبهة روسيا البيضاء الأولى أن تخترق دفاعات الفرقة العسكرية (بالألمانية: Vistula) التابعة لقوات الدفاع الألمانية بقيادة الجنرال جوتهارد هاينريكي أثناء معركة مرتفعات سي لو. وكان السوفيت في هذا الوقت يتقدمون صوب قبو هتلر دون مقاومة تذكر. ومتجاهلاً الحقائق الواضحة، رأى هتلر أن الخلاص من ورطته قد يكون في الوحدات المتداعية للسقوط بقيادة الجنرال فليكس شتاينر. وأصبحت القوات التي يقودها شتاينر معروفة باسم جيش شتاينر المستقل (بالألمانية: Armeeabteilung Steiner).  

-- ولكن، لم يكن "لجيش شتاينر المستقل" أي وجود إلا فوق الورق الذي تسطر فوقه الخطط العسكرية. وقد كان هذا الجيش أكبر قليلاً من فيلق، ولكنه كان أصغر من أن يطلق عليه جيش. وأصدر هتلر أوامره إلى شتاينر بمهاجمة الجناح الشمالي من الجزء البارز الضخم في الخط الدفاعي الألماني الذي نجحت قوات جبهة روسيا البيضاء الأولى بقيادة جوكوف في اختراقه.

-- وفي هذه الأثناء، صدرت الأوامر إلى الجيش التاسع الألماني (الذي كان قد أجبر على التحرك إلى جنوب الجزء الذي نجحت قوات المعادية في اختراقه) بمهاجمة الشمال في هجوم يمكن وصفه بإنه هجوم كماشة.

-- وفي وقت لاحق في الحادي والعشرين من أبريل، أجرى هاينريكي اتصالاً مع هانز كربس - قائد القيادة العليا للجيش) أو OKH - ليخبره أن خطة هتلر غير قابلة للتنفيذ. وطلب هاينريكي أن يتحدث إلى هتلر، ولكن كربس أخبره أن هتلر مشغول للغاية ولا يستطيع أن يتلقى هذا الاتصال.

-- وفي الثاني والعشرين من أبريل، وأثناء واحدة من مؤتمراته العسكرية الأخيرة قام هتلر بمقاطعة التقرير الذي كان يتلى عليه ليسأل عن مصير خطة الجنرال شتاينر الهجومية. وكان الرد هو فترة من الصمت الطويل خيمت على الاجتماع. وبعدها، أخبروه بإن الهجوم لم يتم تنفيذه وأن انسحاب وحدات عديدة من جيش شتاينر من برلين – بناءً على أوامر هتلر – أدى إلى ضعف الجبهة وبالتالي نجاح الروس في الدخول إلى برلين.

-- عندها طلب هتلر من جميع الحاضرين - عدا فيلهلم كايتل وهانز كربس وألفريد يودل وفيلهلم برجدورف ومارتن بورمان – مغادرة غرفة الاجتماعات ثم انفجر فيمن تبقى من حاضري الاجتماع بخطبة مسهبة وعنيفة مندداً بما اعتبره خيانة متعمدة لأوامره وعدم كفاءة من جانب قادته. واختتم كلامه بأن أقسم على أن يبقى في برلين على رأس القوات المدافعة عن المدينة، ثم يطلق النار على نفسه بعد ذلك

-- يستعين فيها بقوات الجيش الثاني عشر بقيادة الجنرال فالتر فنك وكان الخطة تقتضي أن يقوم فنك بتحويل جيشه – الذي كان يواجه القوات الأمريكية في الغرب حينها – إلى ناحية الشرق لتحرير برلين. وهكذا، يلتحم الجيش الثاني عشر مع الجيش التاسع لاقتحام المدينة

وقام فنك بالفعل بالهجوم، وفي غمار الفوضى استطاع أن يقوم باتصال مؤقت مع حامية بوتسدام. ولكن، لم ينجح بالمرة في الاتصال بالجيش التاسع - كما كان مقررًا في الخطة أصلاً.

-- وفي الثالث والعشرين من أبريل، ألقى جوزيف جوبلز بالبيان التالي أمام أهل برلين:

أدعوكم للقتال من أجل مدينتكم. حاربوا بكل ما أوتيتم من قوة، من أجل زوجاتكم وأطفالكم، وأمهاتكم وآبائكم. إن أسلحتكم تدافع عن كل ما هو عزيز عليكم، إنها تدافع عن الأجيال التي ستخلفنا. كونوا أعزاء شجعان! كونوا مبدعين وماكرين! (غوليتر) بينكم. وسيظل مع رفاقه معكم. إن زوجته وأطفاله معكم أيضا. إن من سيطر على المدينة بمئتي رجل فحسب، سيستخدم اليوم كل وسيلة لتمكني دفاعات المدينة. ‘ن معركة برلين يجب أن تكون إشارة للأمة جمعاء كي تنهض وتقاتل.

 

 

 

                                   

 

 

 

 

 

فلاديمير لينين

فلاديمير ألييتش أوليانوف المعروف ب (لينين) (بالروسية Владимир Ильич Ульянов) (عاش 22 ابريل 1870 إلى 21 يناير 1924 م). ثوري روسي، كان قائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية، كما أسس المذهب اللينيني السياسي. لينين رفع شعار "الأرض والخبز والسلام".

 وُلد في مدينة سيمبيرسك الروسية (تعرف اليوم باسم أوليانوفسك)، لأب يعمل في القطاع العام ويؤمن درجة المحاماة في عام 1891.

حياته الثورية

-- بدلا من ممارسة مهنة المحاماة بعد حصولة على الرخصة القانونية التي تؤهله، انصرف لينين إلى العمل على تفعيل العمل الثوري والانعكاف على دراسة الماركسية في مدينة سانت بيترسبرغ. وفي 7 ديسمبر 1895، تم القاء القبض عليه وتوقيفه لمدة عام كامل ومن ثم نفيه إلى سيبيريا. وفي يوليو من عام 1898، تزوج لينين من الاشتراكية ناديجدا كروبسكايا وفي ابريل من عام 1899 تمكن لينين من اصدار كتابه المعنون بـ "تطور الرأسمالية في روسيا".

 -- ومع نهاية مدة نفيه في سيبيريا عام 1900، انتقل لينين في روسيا وأوروبا وعمل على إنشاء الصحيفة الاشتراكية "إسكرا" كما عمل على نشر الكتب المتعلقة بالعمل الثوري. وكان لينين من الاعضاء النشطين في حزب العمل الاشتراكي الاجتماعي وفي عام 1903، تزعم لينين الحزب البلشفي. وتم اختياره لزعامة حزب العمل الاشتراكي الاجتماعي عام 1906، وانتقل إلى العيش في فنلندا عام 1907 لدواعي أمنية.  

-- ولم يمنع سفر لينين من استمرار الرجل في عقد الاجتماعات الاشتراكية في شتّى أنحاء أوروبا والدعوة للفكر الاشتراكي. وفي 16 ابريل 1917 عاد لينين مرة أخرى إلى روسيا عقب الاطاحة بالقيصر الروسي نيقولا الثاني وتبوأ مكانته من بين البلاشفة في روسيا ونشر في صحيفة الـ "برافدا" "اطروحة ابريل" التي تروي وجهة نظر لينين في كيفية إدارة روسيا سياسياً. وبعد الثورة العمالية الفاشلة في يوليو من نفس العام، اضطر لينين للمغادرة إلى فنلندا مرة أخرى لدواعي أمنية ومن ثم عاود الرجوع إلى روسيا في أكتوبر مدججاً بالسلاح  ليقود الثورة ضد حكومة "كيرينسكي" المؤقتة.

لينين قبل الوصول للحكم

-- واجه لينين تهديد الغزو الألماني فلم يجد مناصاً من قبول معاهدة سلام مع الالمان إلا أن المفاوضين الروس لم يمتثلوا لأوامر لينين وكانت النتيجة ان خسرت روسيا الكثير من أراضيها الغربية. وفي 30 اغسطس 1918 وبعد أن انتهى لينين من أحد الاجتماعات وكان في طريقه إلى سيارته، اقتربت منه "فانيا كابلان" ونادته باسمه فلما التفت إليها لينين أطلقت عليه 3 أعيرة نارية إستقرت واحدة في كتفه والثانية في رئته.

-- ولعل أول محاولة للينين لتصدير الاشتراكية الثورية كان عن طريق غزو بولندا بعدما قامت الثانية بغزو اوكرانيا في الماضي. وتمثل الفكر اللينيني في تصدير الثورة إلى غرب أوروبا إلى فرنسا وألمانيا بالاستعانة بالجيش الاحمر مروراً ببولندا عام 1920. وبسبب الثورات المضادة لم تتم عملية تصدير الثورة إلى أوروبا الغربية، وعمد لينين في مارس 1921 على بعض الإصلاحات الداخلية فشجع الاعمال الزراعية والصناعية الصغيرة إلا أن ثورة البحّارة المدعومة من الإمبريالية في نفس الشهر حالت دون تحقيق امال لينين في الإصلاح الاقتصادي الداخلي.

-- ويذكر ان محاولة الاغتيال وهموم إدارة الدولة أخذت نصيبها من صحة لينين فاصيب بجلطة في مايو عام 1922 شلّت نصف جسمه الايمن وقللت من مشاركاته السياسية. وبحلول شهر ديسمبر من نفس العام، المّت جلطة ثانية بالزعيم لينين وأمرت الإدارة السياسية ان يبقى لينين بعيداً عن الأضواء. وفي مارس 1923، اصيب لينين بجلطة دموية ثالثة ألزمته الفراش وحرمته القدرة على الكلام. وبحلول 24 يناير 1924، اصيب لينين بجلطة رابعة وكانت القاضية.

 

جوزيف فيساريونوفيتش ستالين (بالروسية: Иосиф Виссарионович Сталин) (الكنية الأصلية: جوغاشفيلي) (18 ديسمبر 1878 - 5 مارس 1953) هو القائد الثاني للاتحاد السوفييتي، ويعتبر المؤسس الحقيقي للاتحاد السوفيتي. عرف بقسوته وقوته وأنه قام بنقل الاتحاد السوفييتي من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي مما مكن الاتحاد السوفييتي من الانتصار على دول المحور في الحرب العالمية الثانية والصعود إلى مرتبة القوى العظمى.

طفولته وبداية حياته

وُلد ستالين في مدينة غوري في الإمبراطورية الروسية لإسكافي يدعى "بيسو"، وأم فلاحة تدعى "إيكاترينا". ترك "بيسو" عائلته ورحل وأصبحت أم ستالين بلا عائل. وعندما بلغ ستالين 11 عامًا، أرسلته أمه إلى المدرسة الروسية للمسيحية الأرثوذوكسية ودرس فيها.

 عادت بداية مشاركة ستالين مع الحركة الاشتراكية إلى فترة المدرسة الأرثوذكسية والتي قامت بطرده من على مقاعد الدراسة في العام 1899 لعدم حضوره في الوقت المحدّد لتقديم الاختبارات. وبذلك خاب ظن أمه به التي كانت تتمنى دائما أن يكون كاهنا حتى بعد أن أصبح رئيساً.

بعد تركه للمدرسة الأرثوذوكسية انتظم ستالين ولفترة 10 سنوات في العمل السياسي الخفي وتعرض للاعتقال، بل والإبعاد إلى مدينة سيبيريا بين الأعوام 1902 إلى 1917. اعتنق ستالين المذهب الفكري لفلاديمير لينين، وتأهّل لشغل منصب عضو في اللجنة المركزية للحزب البلشفي في عام 1912. وفي عام 1913، تسمّى بالاسم "ستالين" وتعني "الرجل الفولاذي".

 -- تقول إحدى الحكايات إن فلاديمير لينين أطلق هذا اللقب على جوزيف لأنه قام بإلقاء قنبلة يدوية على القيصر أثناء عمل ستالين في القصر مع مجموعة من العمال الذين كانوا يقومون بعملية طلاء للقصر حيث قام ستالين بإلقاء القنبلة بين قدمي القيصر وتابع عمله كأن شيئًا لم يكن.

 

صعوده إلى السلطة

تقلّد ستالين منصب المفوّض السياسي للجيش الروسي في فترة الحرب الأهلية الروسية وفي فترة الحرب الروسية البولندية، وتقلّد أرفع المناصب في الحزب الشيوعي الحاكم والدوائر المتعددة التابعة للحزب. وفي العام 1922، تقلّد ستالين منصب الأمين العام للحزب الشيوعي وحرص ستالين على أن يتمتع منصب الأمين العام بأوسع أشكال النفوذ والسيطرة

بعد ممات فلاديمير لينين

بعد ممات فلاديمير لينين في يناير 1924، تألّفت الحكومة من الثلاثي: ستالين، وكامينيف، وزينوفيف. وفي فترة الحكومة الثلاثية، نبذ ستالين فكرة الثورة العالمية الشيوعية لصالح الاشتراكية المحلية [1] مما ناقض بفعلته مبادئ "تروتسكي" المنادية بالشيوعية العالمية.

تغلب ستالين على الثنائي كامينيف وزينوفيف بمساعدة التيار الأيمن للحزب المتجسد في بوخارن وريكوف حيث نجحوا في طرد تروتسكي، زينوفيف وكامينيف من اللجنة المركزية في عام 1927 ثم من الحزب الشيوعي. وبعدها بشهور سعى ستالين إلى إضعاف نفوذ بوخارن واستطاع ازاحته من القيادة حتى أصبح هو القائد الأوحد. وتم ذلك بين عام 1928-1929. إلا أن ستالين لم يبلغ السلطة المطلقة الا بعد التصفيات الجسدية التي حدثت في الثلاثينات.

زوجاته وعائلته

تزوج ستالين مرتين، الأولى ماتت بالسل عام 1907 أي قبل قيام الثورة بعشر سنوات ويقال أنه لم يكن لديه المال الكافي لعلاجها بعد أن أنفق كل ما لديه على الحزب كان قد انجب منها ياكوف الابن الأكبر الذي حاول الانتحار مرة ونجا ثم التحق بالجيش وتم أسره على يد القوات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية ورفض ستالين أن يميزه في تبادل الأسرى وقتل أثناء محاولته للهرب.

 زوجته الثانية (ناديا) تزوجها وهي ابنة السابعة عشر عام1917 هي شيوعية متحمسة ابنة أحد أصدقائه المقربين، كانت تدرس الهندسة، انجبت له طفلين. رسميًا توفيت بسبب التهاب الصفاق، لكن يعتقد أنها قتلت نفسها برصاصة في القلب بسبب خلاف مع ستالين.

أثر ستالين في تغيير الاتحاد السوفييتي

استبدل ستالين الانتماء الديني للشعب الروسي بالانتماء الشيوعي ورغم كونه درس بمدرسة أرثوذكسية إلا أنه أمر بحرق الايقونات المسيحية في البيوت وهدم الكنائس ودور العبادة.

الصناعة

بالرغم من المصاعب التي واجهها ستالين في تطبيق الخطة الخمسية للنهوض بالاتحاد السوفييتي، إلا أن الإنجازات الصناعية أخذت بالنمو بالرغم من قلة البنية التحتية الصناعية و لعشرين. تمكّن ستالين من توفير السيولة اللازمة لتمويل مشاريعه الطموحة عن طريق التضييق على المواطن السوفييتي في المواد الغذائية.

الزراعة التعاونية

فرض ستالين على الاتحاد السوفييتي نظرية الزراعة التعاونية. وتقوم النظرية على استبدال الحقول الزراعية البدائية التي تعتمد على الناس والحيوانات في حرث وزراعة الأرض بحقول زراعية ذات تجهيزات حديثة كالجرّارات الميكانيكية وخلافه.

 وكانت الحقول الزراعية في الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين من النوع الأول البدائي. نظرياً، من المفترض أن يكون الرابح الأول من الزراعة التعاونية هو الفلاح، إذ وعدته الحكومة بمردود يساوي مقدار الجهد المبذول. أمّا بالنسبة للإقطاعيين، فكان هلاكهم على يد الزراعية التعاونية.

فكان يفترض بالإقطاعيين بيع غلّاتهم الزراعية إلى الحكومة بسعر تحدده الحكومة نفسها. كان من السهل جداً طرح أي نظرية من النظريات ولكن الزراعة التعاونية ناقضت نمط من أنماط التجارة كان يمارس لقرون مضت. فلاقت الزراعة التعاونية معارضة شديدة من قبل الإقطاعيين والفلاحين ووصلت المعارضة إلى حد المواجهات العنيفة بين السلطة والفلاحين.

حاول ستالين ثني الفلاحين عن عنادهم باستخدام القوات الخاصة في إرغام الفلاحين على الدخول في برنامجه الزراعي التعاوني إلا أن الفلاحين فضّلوا نحر ماشيتهم على أن تؤخذ منهم عنوة لصالح البرنامج الزراعي التعاوني، مما سبب أزمة في عملية الإنتاج الغذائي ووفرة المواد الغذائية.

قام ستالين بتوجيه أصابع الاتهام إلى الفلاحين الذين يملكون حقول زراعية ذات الحجم المتوسط ونعتهم "بالرأسماليين الطفيليين" وانهم سبب شحّ الموارد الغذائية. وأمر ستالين بإطلاق النار على كل من يرفض الانضمام إلى برنامجه الزراعي أو النفي إلى مناطق بعيدة في الإتحاد السوفييتي.

لعل المحزن في عملية الشد والجذب بين الحكومة والفلاحين فيما يتعلق بالبرنامج الزراعي التعاوني هو نتيجته، فقد أجمع الكثير من المؤرّخين أن سبب المجاعة التي ألمّت بالاتحاد السوفييتي بين الأعوام 1932 و 1933 هو نحر الفلاحين لماشيتهم والتي راح ضحيّتها ما يقرب من 5 ملايين روسي في وقت كان فيه الاتحاد السوفييتي يصدّر ملايين الأطنان من الحبوب لشتّى أنحاء العالم!

الخدمات الاجتماعية

حكومة ستالين كان همها التركيز على الجانب التغييري لمجتمع ملئ بالخرافات الدينية لمختلف الطوائف والقوميات فكان من الضروري تحويل المجتمع من زراعي إلى صناعي خدمة للنظرية الشيوعية وأحد أهم أهدافها -يا عمال العالم اتحدوا ضد عدونا المشترك - هذه النظرية التي كانت تصطدم بمصالح الإقطاع والبرجوازية المتحالفة مع المشرعين الدينيين -رجال الدين- حيث كان من أهم إنجازات الشيوعية التحليل العلمي للأحداث ومنح حقوق للعمال كتخفيض عدد الساعات والحوافز.....إلخ حيث أصبحت هذه التغييرات قدوة للعمال على مستوى العالم. بعد كل ذلك كانت من مساوئ التركيز على المدن على حساب الريف مما أدى إلى تدهور اقتصادي في الريف. أن صعوبة إدارة مجتمع متعدد القوميات والأديان ومساحة وعدد سكان هائلين وضعا جوزيف ستالين أمام خيارين أما تنفيذ إرادته أو التنحي للاراء الأخرى المختلفة وقد نفذ خياره الأول ونفذه بقبضة حديدية كان لها بالغ الأثر على الاتحاد السوفيتي والحكام من بعده

التصفيات الجسدية

بوصول ستالين للسلطة في عام 1929، عمل على إبادة المتعاملين مع الأعداء من أعضاء اللجنة المركزية البلشفية وأعقبها بإبادة كل من يعتنق فكر مغاير لفكر ستالين أو من يشك ستالين بمعارضته للشيوعية والتطبيق الصارم للاشتراكية. تفاوتت الأحكام الصادرة لمعارضي فكر ستالين فتارة ينفي العملاء والخونة إلى معسكرات الأعمال الشاقة، وتارة يزجّ بالأعداء الداخليين بالسجون، وأخرى يتم إعدامهم فيها بعد إجراء محاكمات غير عادلة بل وحتى لجأ ستالين للإغتيالات السياسية. تم قتل الآلاف من الأعداء الطبقيين للعمال السوفييت وزج آلاف آخرين في السجون لمجرد الشك في معارضتهم للاشتراكية أو السماع بتعاملهم مع ما سمي بالثورة البيضاء ومبادئه الأيديولوجية أو حتى الشك بتعاونهم مع قوى خارجية مناهضة للاشتراكية.

رتّب ستالين لعقد المحاكمات العادلة في العاصمة موسكو لتكون قدوة لباقي المحاكم السوفييتية. فكانت المحاكم وحدها التي تعطي الحق لتنفيذ أحكام الإبعاد أو الإعدام بحق خصوم الاشتراكية وفق القانون! ولم يسلم "تروتسكي"، رفيق درب ستالين من سلسلة الاغتيالات الستالينية إذ طالته اليد الستالينية في منفاه في المكسيك عام 1940 بعد أن عاش في المنفى منذ عام 1936 ولم يتبق من الحزب البلشفي غير ستالين ووزير خارجيته "مولوتوف" بعد أن أباد ستالين جميع المتخاذلين والانتهازيين من أعضاء اللجنة الأصلية حتى انه لم يميز بين عضو كبير في الحزب وصغير كان همه بقاء الحزب نظيفا.

الترحيل القسري

بعد الحرب العالمية الثانية بقليل، قام ستالين بترحيل مليون ونصف المليون سوفييتي إلى "سيبيريا" وجمهوريات آسيا الوسطى. وكان السبب الرسمي هو إمّا تعاونهم مع القوات النازية الغازية أو معاداتهم للمباديء السوفييتية! ولكن السبب الحقيقي هو ان يخلق ستالين توازناً عرقياً لكي يبتعد الشعب عن النزعات القومية للسلافيين ولكي يتسنّى لستالين إيجاد توازن إثني في الجمهوريات.

 

الحرب العالمية الثانية

بعد توقيع اتفاقية عدم الاعتداء بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا النازية بعامين، قام هتلر بغزو الاتحاد السوفييتي ولم يكن ستالين متوقعًا للغزو الألماني. فكان ستالين توّاقاً لكسب الوقت ليتسنّى له بناء ترسانته العسكرية وتطويرها إلا أن هتلر لم يترك الاتحاد السوفييتي يؤهّل نفسه عسكريًا. وتمكّن الألمان من جني الانتصارات العسكرية في بداية غزوهم للاتحاد السوفييتي نتيجة ضعف خطوط الدفاع السوفييتية الناتجة عن إعدام ستالين لكثير من جنرالات الجيش الأحمر. وتكبّد الاتحاد السوفييتي خسائر بشرية فادحة في الحرب العالمية الثانية، إذ كان الألمان يحرقون القرى السوفييتية عن بكرة أبيها، وتقدّر خسائر الاتحاد السوفييتي البشرية في الحرب العالمية الثانية من 21 إلى 28 مليون نسمة.

لكن صرامة ستالين وقسوته فيما يخص الاشتراكية وقضايا الشيوعية واستبسال المقاتلين في الجيش الأحمر وقوى الأنصار أدت في النهاية إلى النصر التام على النازية وعلى جيوش هتلر في التاسع من مايو/ أيار عام 1945

وفاته

في الأول من مارس 1953، وخلال مأدبة عشاء بحضور وزير الداخلية السوفييتي لافرينتي بيريا و"خوروشوف" وآخرون، تدهورت حالة ستالين الصحية ومات بعدها بأربعة أيام. تجدر الإشارة ان المذكرات السياسية لـ "مولوتوف" والتي نُشرت في عام 1993 تقول أن الوزير "بيريا" تفاخر لـ "مولوتوف" بأنّه عمد إلى دسّ السم لستالين بهدف قتله. وقد ذكرت المصادر الرسمية ان وفاته كانت نتيجة جلطة دماغية.

حنطت جثته ووضعت بجانب لينين في التاسع من مارس وبقيت حتى سنة 1961 عندما حركت جثته ودفنت بالقرب من الكرملين.

 

الباب الرابع

وعلى الباغي تدور الدوائر

-- كل المقاييس التي يعتمد عليها خبراء الإستراتيجيا تشير إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة على سقوط حضاري وسياسي ممّا يمهّد لبروز قوى أخرى ومنها القوّة الإسلامية , وهذه المقاييس في غاية الدقّة إذ تستند إلى مؤشرّات واقعيّة معاصرة , وإلى مؤشرّات تاريخية تتمثّل في إستكمال الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية للدورة الحضاريّة والتي تمتّد بناءا على إستقراء شبه كامل لمدّة خمسة قرون  

-– وقد بدأت النهضة الغربية وتحديدا قبل خمس قرون و مازالت مستمرة إلى يومنا هذا وكل هذه المؤشرّات الواقعيّة والتاريخيّة مردفة بالإجماع الشعبي العربي والإسلامي والبشري المناهض للسياسة الأمريكية القائمة على نظام مختّل يخدم طرفا واحدا وهو الولايات المتحدّة الأمريكية .

     و إذا كانت الولايات المتحدّة الأمريكية تعتمد على إختلال توازن القوى لصالحها فإنّ السقوط الحضاري يكمن دائما في أوج القوّة الحضاريّة كما يذهب إليه أرنولد توينبي صاحب كتاب : تاريخ البشريّة .

سنة الله في الخلق

 ---       إنّ الذي يمعن النظر في حركة التاريخ يتجلّى له بوضوح إنّ أقصى ما تعمرّه أيّ قوة حضاريّة هو خمس قرون , لتنتقل الدورة الحضاريّة إلى بقعة أخرى تكون قد إستجمعت شروط الإنطلاق النهضوي والحضاري . وهذا ما تجسدّ بالفعل في التاريخ البشري إذ أنّ المدرسة المسيحية سيطرت على الساحة الدولية في ذلك الوقت لمدّة خمس قرون وبعد ظهور الإسلام إنقرضت حضارة روما التي قامت على أساس الديّانة المسيحيّة فاسحة المجال أمام المدّ الإسلامي الذي يخضع هو الآخر لقوانين التاريخ وسنن الله في الكون ,

-- وقد تقلصّ هذا المدّ بفعل ظروف تاريخيّة معروفة للباحثين فعاودت التوجهّات الرومانيّة النهوض من جديد , لتتعثرّ مسيرتها بعد فتح الأندلس , ثمّ إنّ التوجهات ذات الموروث الروماني إستعادت أنفاسها لتسقط إلى حين أمام المدّ العثماني الإسلامي . وبعد أن أستكمل هذا المدّ دورته – يجب الإشارة إلى أنّ الخلافة العثمانية بدأت تبسط سيطرتها على الأقاليم الإسلامية في القرن الخامس عشر الميلادي – تساقط لتنبعث من جديد القوة الغربية مشبعة بتراث المسلمين الفكري والسياسي ومشبعة بتجارب مستقاة من واقع التجربة الإنسانية الملئ بالأحداث . و منذ ذلك التاريخ و الحضارة الغربيّة هي المتحكمّة في مجريات الأمور الثقافية والصناعية والسياسية والعسكرية والتقنيّة و الأمنيّة .

وبعد هذه الدورة التامة التي ساد فيها الغرب فستميل هذه الدورة إلى جهة أخرى , خصوصا إذا علمنا أنّ شروط إنتقال هذه الدورة قد بدأت تتوفّر في الجهة التي تنتظر دورها في توجيه الحضارة الإنسانيّة المعاصرة . وقد تمكنّ العديد من المفكرين الغربيين من الوصول إلى هذه النتيجة كروبنسون ؛ وبرتراند رسل ؛  وروني دوبو ؛ و روجي غارودي ؛ وروني جينه وغيرهم .

أمارات الدمار

       -- إنّ أعظم ما أنتاب الولايات المتحدة الأمريكية – والحديث عنها يشمل المتحالفين معها في الكتلة الغربية – هو إنعدام التوازن في مشروعها النهضوي , فبدل أن تهتم بالإنسان كجوهر إهتمّت به كعرض , مما يجعل التقنية المتطورة التي بلغتها تسير في غير هدى حضاري  , وهذا من شأنه أن يعرّض ليس أمريكا فحسب بل الإنسانية بكاملها لعملية الإنقراض الشاملة . وهذا الإنعدام في التوازن ولدّ التخطيط المشوّه , إذ أنّ أمريكا سخرّت آلاف الملايين  من الدولارات لدعم التسلّح والترسانة العسكريّة على حساب المجالات الإجتماعيّة الأخرى وهذا ما أنتج طبقة فقيرة في المجتمع الأمريكي قد تتحوّل مع مرور الأيّام إلى قنبلة موقوتة في وجه الشركات الأمريكية الكبرى ذات النفوذ الواسع في السياسة الأمريكية .

الغباء السياسي

 --     لا شكّ في أنّ السياسة الأمريكية تعتمد على الثوابت والمتغيرات , وفي بعض الأحيان فإنّ الثوابت تؤدّي إلى الإنسداد السياسي ما دامت تعتمد على القوة العسكرية التي هي ضرورة لتقويّة القرار السياسي .

  --      وهذا المنطق وإن كان يفيد في بعض المراحل لكنّه ومع مرور الأيام ومع تغيّر الظروف الدولية يصبح عالة على أصحابه , لأنّه في خاتمة الدرب تجد أمريكا نفسها قويّة في جانب ومخفقة في مئات الجوانب الأخرى , ولا أدلّ على ذلك الإتحاد السوفياتي السابق الذي إعتمد على التسليح العسكري ليجد نفسه بلا خبز في نهاية المطاف , أو مثل الجزائر التي إعتمدت في عهد هواري بومدين على الصناعات الثقيلة مهملة الزراعة لتجد نفسها في نهاية المطاف بلا صناعة ولا زراعة .

 --       وقد يقال هذا قيّاس مع الفارق بإعتبار أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تتسّم خطتها التنموية بالتكامل وهذا ما يجعل كافة المجالات الإقتصادية في وضع متميّز , إلاّ أنّ هذا الكلام يصبح ذا دلالة لو كانت أمريكا تتبع منهاجا غير ذاك المتبّع من قبلها , إذ المعروف أنّ أرباب المزارع يتلفون ملايين الأطنان من الحبوب والحنطة حفاظا على الأسعار المعروفة في السوق , فمادامت مصلحة الكبار هي التي تؤخذ في الحسبان فإنّ الأمور قد تنعكس سلبا على أمريكا .

بوادر السقوط

          عوامل كثيرة داخلية ترشحّ أمريكا للتساقط السريع مستقبلا نوجز منها ما يلي :

الهنود الحمر أصحاب البلاد :

 -- المعروف أنّ الهنود الحمر وإلى يومنا هذا يطالبون بحقوقهم السياسية والإجتماعية , وإذا كان الصراع سابقا بين السكان الأصليين لأمريكا والدخلاء عليها يتم على شكل حرب عصابات وقتل بالجملة من قبل الدخلاء للهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا , إلاّ أنّه اليوم إنتظم في شكل تكتلات سياسية وتنظيمات هندية أمريكية أحرجت أمريكا في الداخل و الخارج , والولايات المتحدة الأمريكية التي تدّعي حماية الأقليات ونصرة حقوق الإنسان – الوجه الأخر للتدخّل الأمريكي في الدول الآمنة  

-– إلاّ أنّها لم تأبه لمطالب الهنود الحمر الذين مازالوا يحتجون على السياسة الأمريكية تجاههم وما زالت تجمعاتهم في أمريكا وتحديدا في الغرب الأمريكي تتناقل حكايات إجرام العصابات الدخيلة في حق أجدادهم . والصراع بين السكان الأصليين و الدخلاء على أمريكا مرشّح للبروز في أي لحظة لأنّ عوامله مازالت قائمة , وقد يؤدّي هذا إلى خلق فجوة كبيرة في التركيبة الإجتماعية الأمريكية وقد تكون الترسانة العسكرية الأمريكية سببا آخر لإبادة أشخاص يحملون الهويّة الأمريكية .

القوة السوداء التي تتحمل البناء والحرب

    -- ما زال السود في القارة المغتصبة ممنوعين من العديد من الحقوق السياسية , ولا يمكن ورغم الديموقراطية الأمريكية التي تحولتّ إلى معزوفة تقبل بوجود شخص أسود في البيت الأبيض الذي إحتكره البيض فقط من رجالات القرار في أمريكا .

      -- و ما زالت القوة السوداء تتعرض إلى إعتداءات من قبل المنظمات العنصرية التي تطالب بضرورة إخراج هؤلاء من أمريكا وإرجاعهم إلى إفريقيا .

--         وتسجّل الدوائر الرسمية بحذر شديد الإعتداءات على السود من قبل البيض والعكس صحيح , وقد أصبح رجال أمن متورطين في قتل شباب سود الأمر الذي فجرّ عشرات التظاهرات السوداء الغاضبة على الإدارة الأمريكية , وهذا التمزق والصراع العرقي واللوني مرشح لمزيد من الإتساع كما يقول علماء إجتماع أمريكيون .

الصراع

--        قلّ من يعرف عن الصراع الشديد والمستتر بين الشركات الجبّارة التي تتحكّم في الإقتصاد الأمريكي وإقتصاديات العالم الثالث , ومصاديق هذا الصراع تكمن في الإنشطار السياسي بين الأمبراطوريات الماليّة , فبعضها يدعم  الحزب الجمهوري والبعض الآخر يدعم الحزب الديموقراطي وأخرى تدعم اللوبي الصهيوني وبينهما علاقة تحالف وثيقة ,  

-- وأمتد هذا الصراع إلى خارج الخارطة الأمريكية وكل أمبراطورية مالية تملك رؤية إستراتيجية في كيفية إدارة السياسات والإقتصادات ولا سيّما في العالم العربي والإسلامي حيث الثروات الهائلة , والمفارقة أنّ كل شركة متعددة الجنسيات تملك مركزا إستراتيجيا يعمل فيه خبراء في الإستراتيجيا والجيوبوليتيكا . وقد تتضارب مصالح الكبار لينعكس ذلك على اللعبة السياسية الرسمية المتداخلة كثيرا مع البترودولار والمال ومصارده بشكل عام .

أمريكا و الجرائم

-- إنّ إنتشار الجريمة بشكل مذهل في الولايات المتحدة الأمريكية يدلّ على الإنكسار الرهيب في المجتمع الأمريكي , وعلى الطبقية في هذا المجتمع المخملي .

-- وبرغم الإجراءات المتخذة للحدّ من ظاهرة الجرائم إلاّ أنّ كل الإجراءات باءت بالفشل , وقد تتفاقم هذه الطبقية لتتّحول إلى ثورة إجتماعية كما حدث في فرنسا أيام الثورة الفرنسية , وقد تمكنّ كارل ماركس من تشخيص منتهى الرأسمالية عندما أشار إلى أنّ المجتمعات الرأسمالية ستثور على الوضع القائم ,  

--إلاّ أنّ كارل ماركس أخطأ النتيجة عندما قال إنّ هذه المجتمعات الرأسمالية وعندما تثور على الرأسمالية ستنتهي إلى الماركسية  والتي ماتت شأنها شأن الرأسمالية الآيلة إلى الموت . وتفاقم الطبقيّة لا يميّز الوضع العام في أمريكا فقط بل بات الهاجس اليومي في أوروبا أيضا , ومثل هذه النتيجة حتمية في مجتمع يفتقد إلى أدنى موازين العدالة , ولا يعترف بالفقراء والمنبوذين , بل إنّ الحياة للأقوى كما قال نيتشه ذات يوم . وقد تتلاقى صيحات المستضعفين في أمريكا وأوروبا والعالم الثالث أيضا وهو مؤشّر على الفصام النكد بين القيادة السياسية في أمريكا والمدعومة من قبل رجال الأعمال وبين الطبقات المسحوقة . وإذا غالطت أمريكا الرأي العام لديها بتوجيه أنظارهم إلى الساحة السياسية الدولية فسوف يأتي اليوم الذي يلتفت فيه المسحوقون في أمريكا إلى واقعهم ويحتجون عليه بقوة .

مؤشرات السقوط الخارجي

-- لئن كانت الحرب العالمية الثانيّة عونا لأمريكا في ضمّ أوروبا إليها , فإنّ الظروف الآن تغيرت بشكل قد يؤدّي إلى حدوث طلاق كامل بين أوروبا وأمريكا حيث بدأت أوروبا ترفع صوتها عاليا منددة بمحاولات السيطرة الأمريكية في المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية , و مشروع أوروبا الموحدة يحمل في طياته إرادة الإنفصال عن أمريكا التي تفردت بصناعة كافة القرارات العالمية ,  

-- وإذا إستطاعت أوروبا أن تؤطّر نفسها فسوف تفقد أمريكا الكثير من حيويتها في أوروبا , كما أن التنافس الإقتصادي بين اليابان وأمريكا مرشّح أن يتحوّل إلى صراع سياسي  لأنّ القوة الإقتصادية اليابانية المتدفقة تملي عليها إستغلال العامل الإقتصادي للتأثير على السياسة العالمية , وللتذكير فقط فإنّ العلاقة بين أمريكا وأوروبا كانت في بداية المطاف إقتصادية ثمّ تحولّت إلى نفوذ سياسي وعسكري .

--    ولم تتمكن الولايات المتحدة لحدّ الآن التغلغل إلى العمق الصيني ومازالت الصين حذرة من النشاط السياسي والإقتصادي والعسكري الأمريكي في القارة الآسيوية .

-- والعالم الإسالامي من جهته تجلى له بوضوح أنّ أمريكا تستهدف إمتصاص خيراته و صياغته من جديد . وما زال هذا العالم يتكبّد الآثار السلبية للتوجهات الأمريكية البراغماتية القائمة على إفراغ العالم الإسلامي من المقومات النهضوية الفكرية والمادية .

أمريكا والصهاينة

-- لقد إستفاد الكيان الصهيوني من اللوبي اليهودي الواسع النفوذ في الولايات المتحدة الأمريكية , وللعلم فإنّ العديد من المنظمات المسيحية الأمريكية بدأت تستشعر الخطر الصهيوني على أمريكا نفسها وعلى العقيدة النصرانية , وبدأت تتحدث عن الأخطار المحدقة بالنصرانية كتوجّه عقائدي وسياسي , وقد تدخل هذه التوجهات المسيحية المستيقظة في صراع سياسي مع اللوبي اليهودي في أمريكا لينعكس ذلك تذبذبا على المسار السياسي الأمريكي.

إنهيار الأسس الإجتماعية

-- لا يمكن للشعوب الهجينة أن يستمر تجانسها خصوصا في ظلّ غيّاب عقيدة واحدة تنصهر فيها كل الفروقات العرقيّة , والولايات المتحدة الأمريكية يسود فيها شعب متباعد الأطراف هذا الشعب الذي تشكل من هجرات متباينة من مختلف المناطق الأوروبية والإفريقية والآسيوية , وهذا التباعد العرقي يصحبه تباعد ديني وعقائدي ,

--  إذ أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تكاد تشبه الهند في عدد الديانات والمذاهب والتيارات الفكرية والفلسفية السائدة فيها , والشيئ الوحيد الذي ما زال يحافظ على التماسك  بين أعراق الشعب الأمريكي هو المصلحة الإقتصادية , وأي ضعف إقتصادي حقيقي في أمريكا قد ينعكس سلبا على تماسك الأعراق فيها .

أمريكا والكوارث

-- يؤكّد خبراء الزلازل والبراكين أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ستتعرّض في السنوات المقبلة إلى بعض الكوارث الطبيعية إذ أنّها تقع في خط طول 40 والأقاليم الواقعة في هذا الخط ستشهد نشاطا زلزاليّا رهيبا في السنوات المقبلة . وإذا أضفنا إلى هذه الكوارث المحتلمة ما يلم بأمريكا من أمراض خطيرة وفتاكة فإنّ أمريكا ستكون مرشحّة إلى ضربات السماء أيضا ,  

--ولا يمكننا إستبعاد الوعود الربانية القاضيّة بنهاية الظلم والإستبداد سواء بسنن الطبيعة أو غيرها من العوامل , ويبيّن القرآن الكريم في قصص الماضين أنّ هناك علاقة طرديّة بين تفاقم الظلم والسقوط الحضاري الأكيد , وكثيرا ما يربط القرآن الكريم بين ظلم الأمراء وسقوط الأمم .

إنها إرادة الله

-- بغضّ النظر عن الإرادة الربانيّة الواعدة بتمكين المستضعفين في الأرض والقاضية بتمهيد الأرضية لهم في خاتمة التكامل الكوني المنتهي إلى الإسلام , فإنّ المؤشرات تدلّ على أنّ هناك مخاضا كبيرا في عالمنا الإسلامي وإرهاصات توحي بقرب قيام العالم الإسلامي بدور كبير على صعيد المنظومة الإنسانية وذلك للعديد من الأسباب أيضا ومنها أنّ الإسلام أصبح مطلبا جماهيريّا لشعوب العالم العربي والإسلامي ,  

--والظروف الداخلية والخارجية هي التي حالت دون أن يتحقق هذا المطلب الفطري والحضاري في نفس الوقت . وعلى صعيد آخر فإنّ كل المدارس الوضعية قد أخفقت في تحقيق أدنى ما يتمناه الإنسان المسلم وهذا الإخفاق هو السمة المميزة لكل القطاعات والمجالات , كما تأكدّ للشعوب العربية والإسلامية بأنّ الإسلام هو الإطار الطبيعي للمنطلقات النهضوية والحضارية , وفي هذا السياق تأكد لهذه الشعوب أنّ التبعية للغرب لم تزدنا إلاّ إنتكاسا وتراجعا , وفي عصر العولمة الظالمة يصبح الإسلام هو الملاذ الذي يقي الشعوب العربية والإسلامية من الذوبان والإنقراض .

نهاية الظالمين : جورج بوش وتوني بلير .

-- ولم يسبق أن تدافع الناس في كل القارات وبهذا الزخم للتعبير عن شيئ واحد : لا للسياسة الأمريكية التي تتخذ من الحرب وسيلة لحلحلة الأزمات الدوليّة , لا لمنطق الشرطي الوحيد الذي يريد أن يدير العالم حسب مصالحه الإستراتيجية , لا لأمريكا الجديدة التي تحتقر الآخرين وتستقدمهم – تركلهم بالقدم –

-- لقد فتحت أمريكا بمنطقها الأعوج كل الجبهات عليها , ولم تجتمع سابقا قوى المجتمع المدني والمنظمات الأهلية والسياسية على شيئ مثلما أجمعت على سقوط جورج بوش وسياسة السوبرمان التي يقودها . لقد هتف العالم بكل لغاته وبكل ثقافاته وبكل دياناته وبكل مذاهبة وبكل أعراقه وبكل أفكاره وبكل مراكزه الدينية ومرجعياته الفقهية والسياسيّة :

-- لا لجورج بوش , لا لإحياء حركة الإستعمار , لا لإستحمار الشعوب , لا لسرقة أقوات الناس ونفطهم بداعي الحفاظ على العالم الذي ستبددّه الترسانة النووية الأمريكية إذا إستمرت أمريكا في قيادة العالم بهذه الطريقة . و هذا الإجماع الدولي ضد الطاغية جورج بوش جعله يغادر البيت الأسود وهو مطئطئ الرأس مكروها ومنبوذا حتى من قبل شعبه الذي لفظه و رفض حزبه , و كل الأحزاب الأمريكية. إنّ صحوة شعوب العالم وإعتراضها على منطق الإستحمار الأمريكي الجديد دليل على أنّ منطق الأحاديّة الأمريكية بدأ يتلاشى .

-- وقد كشفت  التظاهرات العالمية المناوئة لأمريكا وكل سياساتها عن مدى سقوط السياسة الخارجيّة الأمريكية وفقدانها الشرعية و المصداقية , و صدقية أمريكا في العالم  تلاشت وتبددّت بالكامل , ولا يمكن للشطائر الأمريكية الخفيفة المنتشرة عالميا والتي يقبل الناس على أكلها يوميا أن تنسي هؤلاء الناس المجازر الأمريكية في كل مناطق المعمورة , ولذلك خرج الناس زرافات ووحدانا مرددين شعارا واحدا : لعن الله بوش .

-- وقبل سقوط جورج بوش و إنهيار عهدة بأسوأ النتائج , سقط ظله الذليل المستكين , و الذي تحول إلى خادم مطيع للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش , و يجب علينا أن لا نقتل الذاكرة العربية التاريخية و الراهنة , و نظل نكرر بأنّ هؤلاء الطغاة تسببوا في كوارث متعددة الأبعاد في العالم العربي والإسلامي و في العالم الثالث . و السياسي البريطاني رئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير كان من أكثر رجالات بريطانيا إثارة للجدل في الساحة السياسية البريطانية و الأوروبية و حتى العربية و الإسلامية

-- فالرجل الذي تقلدّ رئاسة الحكومة لثلاث فترات متتالية أثار بسياسته الكثير من الجدل الداخلي والخارجي , ويأخذ عليه الكثير من مواطنيه تحالفه المقدّس مع الولايات المتحدة الأمريكية و تنسيقه معها في كل صغيرة وكبيرة وربطه راهن بريطانيا و مستقبلها بمصير الولايات المتحدة الأمريكية إلى درجة أنّ الصحف الشعبية ذات التأثير الواسع في بريطانيا كانت تعتبره مجرّد تابع مطيع للرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن .

-- و الواقع و كما يقول عارفون بالبيت الإنجليزي أنّ بلير  الذي ترأسّ  حزب العمل البريطاني سنة 1994 بعد وفاة رئيسه جون سميث ما كان ليمكث في منصبه كرئيس للحكومة لو جهر منذ بداية ترؤسّه للحكومة بمواقفه الموالية قلبا وقالبا لأمريكا , فالرجل كان يركّز في عهدته الأولى والثانية على القضايا الداخلية و يولي معضلات بلاده الإقتصادية و الإجتماعية إهتماما كبيرا ولذلك نجح في مخادعة الشعب البريطاني و تولى رئاسة الحكومة البريطانية لثلاث فترات متتالية وهو بذلك يعتبر الأعتد في هذا المنصب ولا تضاهيه إلاّ المرأة الحديدية مرغريت تاشر ..

-- غير أنّ بلير وفي عهدته الثالثة ربط وبالكامل مصير بريطانيا بأمريكا و أيدّ بالجملة والمفرّق عسكرة السياسة الدولية و تورطّ مع أمريكا في ملفات أفغانستان و العراق والصومال وغيرها من الملفات التي عولجت من الزاوية الأمريكية بعيدا عن رغبات المجتمع الدولي ..

-- وقد إنكشف توني بلير بالكامل أمام شعبه في الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق حيث ورغم خروج الملايين البريطانيين منددين بهذه الحرب إلاّ أنّه قررّ الذهاب إلى الأخير مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن وأرسل جيشه إلى جنوب العراق وكلف بمهمة عسكرية هناك لحساب أمريكا طبعا .

-- وكان توني بلير يتصوّر كما تصورّت الإدارة الأمريكية أنّ المهمة العسكرية في العراق ستكون سهلة وسرعان ما ينقاد العراق للجيوش الغازية و بالتالي سوف تكون الحصيلة الإقتصادية كبيرة , و كانت حسابات بلير كما بوش تقضي بأنّ تضحي الدولتان ببعض العساكر مقابل نفط لا ينضب أبدا , ولما أختلّت أطراف المعادلة , و تبينّ لاحقا لتوني بلير أنّ المسألة ليست كما تصورّ مع حليفه بوش قررّ التنحي قبل إكمال مهمته ,  

-- و هو بذلك يريد أن يحصنّ نفسه من ملاحقة قضائية حتمية مستقبلا بعد تلكؤ المشروع الأمريكي – البريطاني بالكامل في العراق وبداية إنكشاف الأرقام الحقيقية لخسائر الجيش البريطاني و الأمريكي في العراق , و بداية ظهور حقائق التجاوزات الخطيرة للجيش الأمريكي و البريطاني في حق المدنيين العراقيين..

-- و توني بلير الذي درس القانون في بريطانيا و مارس مهنة المحاماة بين سنتي 1976 و 1983 لم يحكّم أي قاعدة قانونية يوم قررّ هدم أفغانستان و العراق , و يوم قررّ إيجاد تحالف بين السلاح البريطاني و السلاح الأمريكي و توجيه السلاحين إلى الجغرافيا الإسلامية في محاولة لإعادة صياغتها على قاعدة الحلم الأمبراطوري البريطاني القديم ..

-- لقد أخفق توني بلير بالكامل و المحامي الذي كان ناجحا تبينّ أنّه فشل في كل شيئ , فشل داخليا حيث تهاوت مكانته و سمعته وباتت أتعس جريدة بريطانية تعتبره مواليا بالكامل لجورج بوش الإبن , و تدنّت شعبيته حتى وصلت إلى الحضيض , و خارجيا ما فإنّ جيشه المشارك في عملية إحتلال العراق وتدمير دولته  ما فتئ يتلقى الصفعة تلو الصفعة على يد المقاومة العراقية الباسلة .

-- وأتعس ما في حياته السياسية أنّه لاذ بالفرار من دوائر القرار السياسي فيما جنوده صفعوا و يصفعون ويقتلون و يخطفون في العراق .إنّ إنسحابه بتلك الطريقة هو إقرار منه بأنّه فشل في مهمته , و أخفق في مرافعته الأخيرة في الدفاع عن سياسته التي هي نسخة طبق الأصل عن السياسة الأمريكية , و قد يحمل له المستقبل القريب الكثير من المفاجآت بعد بداية إنكشاف الحقائق حيث قد يترك منصة

 

 

 

 

Who said "Rebellion to tyrants is obedience to God"? The idea is implicit in much of the Old Testament, which is full of righteous Hebrews overthrowing tyrants. A bitter conflict ensued, and in 1170 an enraged Henry roared, "Will no one rid me of this pestilential priest?" "All tyrants reach a miserable end," John announced.John of Salisbury lauded the military arts, and described Christian knighthood as an especially holy vocation.Hunting, theatre, gambling, and music were all approved as forms of recreation, provided that they were pursued in moderation.Policraticus drew heavily on Bible stories, and on examples from ancient Rome. John announced "That by the authority of the divine book it is lawful and glorious to kill public tyrants…"

Over the next half-millennium, the right of revolution would be defended by Scholastics such as Thomas Aquinas and Francisco Suárez.     رؤساء أمريكا والعرب

1- هاري ترومان. اعتراف بإسرائيل الصهيونية بعد عشرة دقائق
اما هاري ترومانهاري ترومان الرئيس الأمريكي الثالث و الثلاثون ( 1945- 1953 ) فقد تجاوز مازق الحرب العالمية الثانية بإلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، وكانت القنبلة الأولى المسماة الولد الصغير قد ألقيت في 6 أغسطس 1945، على مدينة هيروشيما.

أما القنبلة الثانية المسماة بالولد السمين فقد ألقيت في 9 أغسطس 1945 على مدينة ناغازاكي الأمر الذي أدى إلى مقتل مائتي ألف قتيل في كلتا المدينتين، وإنهاء الحرب. وقامت في عهد ترومان دولة إسرائيل وقد اعترف بها بعد إعلانها بعشر دقائق يوم 14 أيار 1948. وكان ميالا إلى إنشاء دولة خاصة باليهود، وكان قد دعا للسماح بهجرة مائة ألف يهودي من أوروبا إلى فلسطين، كما كان صديقا حميما لأول رئيس إسرائيلي (حاييم وايزمان). وبلغ نفوذ اللوبي اليهودي في عهده مبلغا كبيرا.
2- دوايت أيزنهاور... وأزمة قناة السويس
وفي عهد أيزنهاور الرئيس الرابع والثلاثون لولايات المتحدة الأمريكية ( 1953- 1961 )، أجتاح الحلفاء أوروبا والذي أفضى في المحصلة إلى هزيمة ألمانيا النازية.وخلال وجوده في البيت الأبيض أنهى أيزنهاور الحرب الكورية. وارتبط اسم إيزنهاور بالشرق الأوسط، والعالم العربي، من خلال المبدأ المعروف باسمه، وهو مبدأ إيزنهاور. يتجسد هذا المبدأ في إعلان الكونغرس عام 1956، في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956،

وتضمن حماية الاستقلال السياسي لأي دولةفي الشرق الأوسط للحيلولة دون سيطرة الشيوعية. وكان أيزنهاور متعاطفا مع رغبة بريطانيا وفرنسا في استعادة شركة قناة السويس، إلا أنه لم يجادل حول حق مصر في الشركة طبقا للقانون الدولي. وسعي أيزنهاور للتفادي صدام عسكري وأن يجد للنزاع حلا دبلوماسيا قبل أن يستغل الاتحاد السوفيتي الوضع من أجل مكاسب سياسية. كما سعى أيزنهاور إلى استقطاب الزعماء العرب للمشاركة في محاولته الدبلوماسية لانهاء الأزمة. ورفض أيزنهاور استخدام القوة من جانب بريطانيا وفرنسا ضد مصر.
3-جون كينيدي.. يزعم أن الرّب يهوه يحمي امريكا
وجون كينيدي الذي يعتبر أصغر رئيس منتخب، وأول كاثوليكي يشغل هذا المنصب، كان مهندس إطلاق برنامج الفضاء الأمريكي. وأدار بكفاءة أخطر الأزمات على الصعيد الدولي في إطار الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، ولا سيما أزمة برلين عام 1961، والتي أدت إلى تقسيم ألمانيا إلى جزئين.

كذلك شهدت هذه الفترة الأزمة الأخطر على صعيد الحرب الباردة، والتي تمثلت فيما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. أنفتح كينيدي في سياسته على الشرق الأوسط، ولا سيما مصر في عهد عبد الناصر، واتسمت سياسة أمريكا في عهده بمحاباة اسرائيل، وهو الذي قال : " ان امريكا التزمت التزامات صريحة بحماية اسرائيل ومن مصلحتنا نحن الامريكيين تنفيذ ما التزمنا به". و كان كينيدي يؤمن بأن الرّب يهوه هو الذي يحمي امريكا ويسهر على امنها، ونظرت إدارته إلى القضية الفلسطينة على انها مشكلة لاجئين ليس أكثر.

4- ليندون جونسون.. ونكسة يونيو 1967
وهو رئيس الولايات المتحدة السادس والثلاثون ( 1963 - 1973 )، وفي عهدة اندلعت نيران الحرب الفيتنامية فدفع بكثير من الجنود الأميركيين إلى الموت، وكانت اهم اشارات المازق الامريكي في الحرب إغراق سفينة عسكرية أميركية بشكل متعمد في خليج "تونكين"، وإلصاق تهمة إغراقها بالثوار الفيتناميين وجعل ذلك ذريعة لشن هجومات كاسحة على فيتنام. وهب جونسون لنصرة إسرائيل في حرب حزيران 1967، باالرغم من انشغاله بالحرب الفيتنامية، وعرف بدفاعه المستميت عن الدولة العبرية منذ أن كان في الكونغرس الأميركي وحين تسلم مقاليد الرئاسة. ولم يبد عهد جونسون اهتماما واضحا بالقضية الفلسطينية، و جرت في سنة 1968 محاولة واهنة لحل مشكلة اللاجئين لم تعط نتيجة. ويعزو البعض ذلك الى افتقار جونسون إلى الاهتمام بالسياسة الخارجية و انشغاله بفيتنام.
5- ريتشارد نيكسون.. أقام جسر جوي الى اسرائيل
وريتشارد ميلهوس نيكسون هو السابع والثلاثون في قائمة رؤساء امريكا، اضطر للتنحي في بداية فترة رئاسته الثانية بسبب فضيحة ووترجيت وهو أول رئيس أميركي يستقيل،وفي فترة حكمه انتهت حرب فيتنام بهزيمة امريكا. ويعد نيكسون أول رئيس أميركي يمنح إسرائيل مساعدة مالية ضخمة قدرها 3 مليارات دولار. وعرف نيكسون بدعوته العرب وإسرائيل لإجراء مفاوضات مباشرة للسلام.

وفي عهده نال الصراع العربي الاسرائيلي اهتماما جديا، واشتهر هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي في عهده برحلاته المكوكية الى منطقة الشرق الاوسط. وفي حرب 1973 قال نيكسون : لقد امرت ببدء جسر جوي ضخم للمعدات والمواد التي تمكن اسرائيل من وقف تقدم سوريا ومصر على الجبهتين. ان التزامنا ببقاء "اسرائيل" أعمق بكثير من مجرد تحالف رسمي... انه التزام معنوي، انه التزام لم يخل به اي رئيس في الماضي وسيفي به كل رئيس في المستقبل باخلاص.
6- جيرالد فورد.. أمر  بالإنسحاب من السويس
وفورد حكم الولايات المتحدة الامريكية في الفترة الواقعة مابين ( 1974- 1977). و هو الرئيس الوحيد الذي لم ينتخب.ويقول عنه جورج بوش انه أرسى الكثير من مبادئ التسامح. واجه فورد الاحباط الامريكي بسبب فضيحة ووترجيت و اثار حرب فيتنام والبطالة والتضخم. وسعى فورد الى منع اندلاع حرب جديدة في الشرق الاوسط، وبالرغم من وقوفه الى جانب أسرائيل في صراعها مع العرب، فانه في عام 1974 هدد وزير خارجيته هنري كيسنجر اسرائيل بإعادة تقييم علاقات بلاده معها ان لم تنسحب من منطقة قناة السويس التي احتلتها بعد حرب اكتوبر 1973.
7- جيمي كارتر..منسق معاهدة السلام
جيمس ايرل كارتر هو الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية( 1977 - 1981 ).تميّزت فترة رئاسته بعودة قناة بنما إلى بنما،. وكان وسيطا للسلام خلال السبعينات ونجح في ضمان عودة الرئيس آريستيد إلى هايتي في تشرين الأول 1994. ورعى كارتر اتفاقية كامب ديفيد حيث تم التوقيع عليها في 17 سبتمبر 1978 بين السادات و مناحيم بيغن بعد 12 يوما من المفاوضات في منتجع كامب ديفيد. ومن أقوال كارتر المشهورة : " ان شيئا لن يؤثر على التزام بلادي نحو اسرائيل، القدس يجب ان تبقى موحدة الى الابد" (...) "اننا نتقاسم نفس التراث التوراتي" (...)  

" العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل فريدة ولا يمكن تحطيمها لانها متأصلة في وجدان واخلاق ودين ومعتقدات الشعب الامريكي". وارتبط اسم كارتر على صعيد الخليج العربي، بما يسمى بـ "مبدأ كارتر"، الذي أعلنته الحكومة الأمريكية في كانون الثاني 1980، وشكل أساس تشكيل قوات للانتشار أو التدخل السريع في المنطقة. وقد عبرت الحكومة الأمريكية في هذا الإعلان، وبصورة رسمية، عن قلقها الشديد إزاء الأخطار التي تهددها هي وحلفاءها في منطقة الخليج العربي، مؤكدة تصميمها على أن تقاوم، وبكل الوسائل الممكنة -بما في ذلك استخدام القوة المسلحة- أية محاولة من جانب أية دولة خارجية للسيطرة على هذه المنطقة.

 أما أخطر الأزمات التي واجهت الرئيس كارتر خلال فترة رئاسته، فتمثلت في الفشل الذريع الذي مني به في انهاء أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، الذين بقوا محتجزين لمدة 444 يوماً، حيث لم يخل الإيرانيون سبيلهم إلا في اليوم الذي غادر به كارتر البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 1981.  

وأثناء مقابلة بين الرئيس كارتر و قرينته وبين الرئيس السادات بادر كارتر بتقبيل السيدة جيهان السادات قرينة الرئيس المصري كنوع من التحية على الطريقة الأمريكية، على الرغم من التنبيه على الرئيس الأمريكي بأن العادات العربية والمصرية لا تسمح بتقبيل الرجل للمرأة. اجتذب هذا المشهد عدسات المصورين وأصبحت مثار حديث وقتها.

 وبالطبع كان تعليق جيهان السادات أنها فوجئت بذلك وأنها تلمست احراج كارتر وعللت ذلك بأن كارتر انساق وراء العرف الأمركي في تحية المرأة. ومنذ مغادرة الرئيس كارتر البيت الأبيض عام 1981م تفرغ للمشاركة في السياسات الدولية ومنح جائزة نوبل للسلام عام 2002م لدأبه في التوصل لحلول في الصراعات الدولية وازدهار الديموقراطية في شتّى بقاع العالم واحترام حقوق الانسان. ويظل الرئيس كارتر اقل رؤساء امر يكا انحيازا لاسرائيل.


8- رونالد ريجان يعلنها "إسرائيل حليف استراتيجي"
رونالد ويلسون ريغان كان الرئيس الأربعين للولايات المتحدة الامريكية (1981 - 1989). وهو ممثل قبل ان يمتهن السياسة. وخلال فترة رئاسته، شهد الاقتصاد الأمريكي دفعة قوية ظهرت في انخفاض نسبة كل من التضخم والبطالة. وارتبط اسم ريغان بإطلاق برنامج حرب النجوم الهادف لإحباط أي هجوم قد تتعرض له الولايات المتحدة أو إحدى حليفاتها بالصواريخ البالستية، فادخل الاتحاد السوفييتي في سباق تسلح مهلك،  

ولهذا يعتبر ريغان مهندس تفكيك الاتحاد السوفييتي. وفي الشرق الاوسط ارتبط اسم ريغان بالتورط الفاشل في حرب لبنان، وهو التورط الذي انتهى بإجبار القوات الأمريكية على الانسحاب بعد تفجير مقر قوات المارينز. واطلق ريغان ايضا مبادرة حملت اسمه لحل القضية الفلسطينية. وكانت ادارته تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية.

ووفقاً لهذا المنظور بادرت إدارة ريغان سريعاً إلى جعل إسرائيل حليفاً استراتيجياً وتجاهلت القضية الفلسطينية على العموم، مصرّة على أن يقوم الملك حسين عاهل الأردن بالتفاوض نيابة عن الفلسطينيين. وفي فترة حكمه كانت فضيحة (إيران جيت)، حين بيعت أسلحة بالسر الى إيران رغم الحظر المعلن على بيع الأسلحة إليها، واستخدمت أرباح تلك الصفقة في مساعدة ثوار نيكاراغوا، وهو ما تم افتضاحه في عام 1986. وكان ريغان، يعاني من مرض "ألزهايمر"، الذي جعله فاقداً للذاكرة بشكل تام تقريباً.
9- جورج بوش الاب.. خدع العرب
وهو الرئيس الواحد والاربعون للولايات المتحدة من عام 1989 الى سنة 1993. وركز بوش الاب خلال فترة حكمه على الشرق الاوسط. وحين غزا صدام حسين الكويت في اوائل التسعينات اعلن بوش انه سيدافع عن السعودية والكويت وهكذا بدأت حرب الخليج التي انتهت بخروج العراق من الكويت. وبرغم هذا الانتصار فانه خسر الانتخابات عام 1992بسبب المشاكل الاقتصادية.

اما بخصوص فلسطين فقد كانت السياسة الأمريكية أكثر توازناً في عهده، بالرغم من انه سهل هجرة اليهود السوفييت. وهو من قال : " ان بلادي قدمت مساعدات مالية وعسكرية لاسرائيل بلغت 4.4 مليار دولار بالاضافة الى 10 مليارات دولار لتوطين اليهود السوفييت سابقا في فلسطين".
10- بيل كلينتون.. لا مبادئ ولا قيم
ويليام جيفرسون كلينتون هو الرئيس الثاني والأربعون ( 1993 - 2001 )، وفي فترة حكمه حدثت الكثير من التغييرات بخصوص القضية الفلسطينية. وكان كلينتون وسيطا مهما في مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية، وفي كتابة (حياتي ) يتحدث بتفاصيل عن لقاء رابين وعرفات وكيف قال عرفات، إننا واليهود كأحفاد للنبي إبراهيم أكثر من أولاد عمومة. ويقول كلينتون "إن تبادل الكلمات بين أعداء الأمس كان رائعا".  

ويرى كلينتون أن تطوير "ثقة شخصية" بين عرفات ورابين كان شيئا غير متصور من قبل، وتحدث كلينتون بتفاصيل أكبر عن محاولات الوصول لاتفاق نهائي بين عرفات ورئيس الوزراء إيهود باراك. وكانت ذكريات كلينتون عن أخر لقاء مع ياسر عرفات انعكاسا وتلخيصا من وجهة نظره لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.  

وكان عدد اعضاء مجلس الامن القومي في عهده 11 عضوا منهم 7 يهود كما ان 55 من كبار موظفي ادارته بمن فيهم وزراء كانوا يهودا، وهو صاحب شعار " لن نخذل اسرائيل أبدا". وفي عهد كلينتون كانت ازمة العلاقة مع العراق على اشدها، وفي عهدة قصفت بغداد ومناطق عراقية اخرى مدة لثلاثة أيام في ديسمبر 1998 في عملية (ثعلب الصحراء)، وكان لفضيحة مونيكا لوينسكي تأثير كبير في حياة كلنتون السياسية.
11- بوش.الابن  اكبر إرهابي في العصر الحديث
جورج دبليو بوش هو الرئيس الثالث والأربعون للولايات المتّحدة الأمريكيّة.وعائلته تضم سياسيين معروفين، فهو إبن الرئيس السابق بوش، والأخ الأكبر لحاكم ولاية فلوريدا جب بوش، وحفيد عضو مجلس شيوخ الولايات المتّحدة مجلس الشيوخ برسكتّ بوش. ويرى كثيرون ان بوش الابن اليميني المحافظ يميل الى استعمال القبضة الحديدية في فض النزاعات.  

وتعد فترة حكمه من أعنف الفترات عالمياً حيث تعرضت نيويورك لهجوم عسكري على برجي التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001 وبعدها أعلن عن الحرب ضد مايسمى بالإرهاب، واطلق عليها حرباً صليبية جديدة، اعتبرت زلة لسان فيما بعد. وفي عهده كانت حرب الخليج الثالثة، ففي مارس 2003 وفي الساعة 02:30 بتوقيت كرنتش اي بعد انقضاء 90 دقيقة على المهلة التي اعطاها جورج و. بوش لصدام حسين و نجليه بمغادرة العراق سمعت دوي انفجارات في بغداد وبعد 45 دقيقة صرح الرئيس الأمريكي انه اصدر اوامره لتوجية "ضربة الفرصة" الذي علم فيما بعد انه كانت ضربة استهدفت منزلا كان يعتقد ان صدام حسين متواجد فيه. وكانت نتيجة الحرب ازاحة صدام حسين عن السلطة بالعراق. وفي خضم الاستعدادات لشن الحرب على العراق قال بوش ان الرب امره " بشن الحرب على العراق من اجل تحرير الشعب العراقي (...) وهذا ما انتقده عليه الرئيس الالماني جوهانز رو مؤكدا انه لا يوجد اي شعب يتلقى الاوامر من الرب لكي يحرر شعبا آخرا، التوراة لا تتحدث عن حروب صليبية وكلام بوش لا يعني المسيحيين

 

 

الباب الخامس

عصابات صهيون

       {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى}

      1- أرييل شارون {1933 حتى الان}

لأجد بداية أبدأ بها الحديث عن شارون إلا قول الله تعالى  (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) وإن كان نكال الآخرة هو النكال الحقيقي الأشد والأبقى ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) فإذا كان هذا ما حدث مع الطاغية فرعون صاحب السلطة والنفوذ والذي قد ملئ الأرض فسادا فكيف بغيره؟  

إنها سنة الله في الطغاة . ولكن لا يدرك هذا إلا من يخشى الله عز وجل. ومن سنة الله مع الطغاة أنه يمهلهم في غيهم وطغيانهم فقال تعالى (وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (الحج:48) فيستدرج الله الطغاة ليزدادوا إثماًفيقول تعالى  (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (القلم:44 ـ 45) فالله سبحانه وتعالى يمهل لهؤلاء الطغاة ويمدهم بأسباب القوة ، والقدرة على الحرب كيداً ومكراً بهم لا حباً لهم ونصراً ، ثم يأخذهم على حين غرة وثبت في الحديث :"إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ". إنها مسألة وقت " ولكنكم تستعجلون"

 

فن هو شارون ؟

 هو صهيوني من الحرس الجديد من مواليد كفار ملال. درس التاريخ وعلوم الاستشراق في الجامعة العبرية في القدس، وأكمل تحصيله الجامعي في كلية الحقوق في تل أبيب،ثم حصل على شهادة جامعية. اسمه الأصلي أريئيل صموئيل مردخاي شرايبر، وهو من يهود بولندا أصلاً، وقد عاش أبوه بعض الوقت في القوقاز أيضاً، ثم هاجر إلى فلسطين وعمل مزارعاً في مزارع الموشاف، وأرسله والده إلى الكلية الزراعية ولكنه لم يكن راغباً في الدراسة. وقد اشترك في الحرب الصهيونية ضد العرب عام 1948 وأصيب في بطنه (بينما كان يحرق أحد الحقول) وكاد يُقتل لولا أن قام جندي شاب بنقله إلى مكان آمن (وقد أصبح ولاؤه أثناء القتال لا يتجه إلى الوطن ككل وإنما إلى المقاتلين معه وحسب. وقد صارت هذه إحدى العقائد الأساسية في الجيش الإسرائيلي).
الجرائم التي صنعت شارون

لم يبرز شارون إلا بعد عام 1948 كضابط في الوحدات الخاصة التي تعمل بإمرة الاستخبارات العسكرية للقيام بالأعمال الإجرامية ضد مخيمات اللاجئين والقرى الفلسطينية الحدودية حيث عهد بهذه الغارات إلى وحدة خاصة أُنشئت في أغسطس 1952 وأطلق عليها اسم «الوحدة 101». وقد جعل شارون أفراد الوحدة  كما كانوا يُدعون) بنفسه من مجرمين وأصحاب سوابق ولصوص وقتلة،

 فاتجه إلى قرية قبية العربية الفلسطينية التي تقع شمال القدس على بُعد كيلو مترين من حدود 1967، ثم طوقت قواته القرية وغمرتها بوابل من نيران المدفعية فدكت القرية دكاً على من فيها، ثم تقدم المشاة وأجهزوا على الباقين على قيد الحياة. وقد دلت مواضع الإصابات في أجسام الضحايا الذين سقطوا قرب أبواب بيوتهم من الداخل على أنهم لم يُعطوا فرصة مغادرتها (كما يقول تقرير قائد مراقبي هيئة الأمم مما يجعل قبية قريبة من قانا). وقد استعمل في هذا الهجوم جميع أسلحة المشاة من بنادق ورشاشات برن وستن وقنابل يدوية وقنابل حارقة ومتفجرات. وأعتبروا هذه المذبحة «نجاحا» لشارون .
الجرائم التي قام بها في تلك القرية.
1 - نسف 41 داراً للسكنى.
2 - قتل 69 شخصاً نصفهم من النساء والأطفال.
3 - قتل 20 رأساً من الماشية بينها بقر وخراف وماعز.

تدري لماذا عزيزي القارئ ؟ لأنه استند إلى نص مزعزم إفتراه بنوا إسرائيل في العهد القديم ألا وهو 10«حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، 11فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. 12وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. 13وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 15هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. 16وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا،
وحتى يقومون بالتغطية قام  بن جوريون - رئيس الوزراء الإسرائيلي آنئذ –  بأنه لاعلم له بالعملية وأكد أنه قام بتحقيق دقيق أسفر بما لا يقبل الشك عن أن جميع وحدات الجيش الإسرائيلي كانت في ثكناتها! وقد تنصل بن جوريون من هذا "النجاح" العسكري نظراً لدمويته، ومما يدل على كذبهم فيما يدعون فرأينا  كتاب المظليين الإسرائيلي الصادر عام 1969 لم يتردد في التباهي بهذه العملية «الناجحة» التي غسلت عار الهزائم التي لحقت بجيش إسرائيل في غاراته الانتقامية السابقة.
ولكن يبدو أن "نجاح" عملية قبية الباهر لم يؤت أُكله إذ أننا نجد أن الجنرال يشترك في حروب "ناجحة" الواحدة تلو الأخرى دون توقف، وكأنه آلة حرب دقيقة الصنع تحرز نجاحات "عديدة متتالية". (ولكن ألا يثير تكرار "الحروب الناجحة" بعض الشك عن مدى نجاحها لأن الحرب "الناجحة" حقاً هي الحرب التي تحقق السلام والطمأنينة والأمن الدائم للمحارب وأهله وشعبه؟).
كيف كافئه الصهاينة آنذاك ؟
من المعلوم أن شارون تخرج من كلية الزراعة إلا أنه حين قام بتلك العملية الإجرامية قام النظام الصهيوني  بتعُيِّن شارون قائد لواء مدرع في العدوان الثلاثي على جبهة سيناء، واحتل ممر متلا مخالفاً بذلك الخطة العامة التي كانت تهدف إلى ترك حامية الممر تسقط من تلقاء نفسها حينما يتم تجاوزها وتصبح قوات العدو خلفها (فمن عادة شارون مخالفة الأوامر). ثم تلقى تعليماً عسكرياً في فرنسا بعد حرب 1956 

-- ثم تم تعيينه قائد لواء مدرع (1962 ـ 1964)

-- ورئيس هيئة أركان المنطقة الشمالية (1964 ـ 1969)

-- وقائد المنطقة الجنوبية (1968 ـ 1973)

--وكان قائد القوات الإسرائيلية التي عبرت في حرب أكتوبر 1973 قناة السويس من سيناء إلى الضفة الغربية للقناة وفتحت ثغرة الدفرسوار وهو ما أكسبه سمعة عالية. وقد وصفه زملاؤه بأنه « شيء هادئ الأعصاب... لا يمكنك أن تعرف إن كنت تحبه أو تكرهه، وإن كنت تُعجب به أم تخاف منه».
--وبعد "نجاح" 1967 (حين "انتصرت" القوات الإسرائيلية على القوات العربية) نجد أن شارون "ينجح" في طرد 600 بدوي من ديارهم في رفح ليحقق بعض الأمن في غزة (فقد كان قائد المنطقة الجنوبية) وتم دمج هذه الوحدة بقوات المظليين.

التحايل لإرتكاب العديد من الجرائم
بعدما كاد ينتهي شارون من الأعمال العسكرية الإجرامية وأوشك على أن  يُحال إلى الاحتياط  حتى سارع إلى استثمار السمعة العسكرية التي جناها من الحرب لدخول الساحة السياسية، شأنه شأن كثير من الجنرالات الإسرائيليين. فشرع يشكل حركة سياسية بزعامته يتقدم بها إلى انتخابات عام 1977، مع ملاحظة أنه كان في شبابه عضواً غير نشيط في حزب الماباي ثم الحزب الليبرالي. وفي ظل صعوبة حصوله على أصوات كثيرة عمد إلى إجراء اتصالات مع جميع القوى السياسية حتى تلك التي تتبنى أفكاراً سياسية مختلفة تماماً مثل يوسي ساريد، وأشار لهم بأنه مستعد لممارسة مرونة كفيلة بأن تدهشهم إذا هم قبلوا الانضواء تحت لواء قائمته. وتشير تجربة الغزو اللبناني إلى أن وزير الدفاع شارون لم يتغير عن قائد الوحدة 101، وأن سفاح صابرا وشاتيلا هو بعينه سفاح قبية، وعليه فإن تلويحه بالمرونة والاعتدال يجب أن يُفهم في سياق المناورة السياسية.

نتائج فوزه بالإنتخاب
وجاءت نتيجة انتخابات 1977 لتفوز قائمة شارون بمقعدين، ثم انضم إلى تكتل الليكود شاغلاً مقعد وزير الزراعة ثم وزير الدفاع.

- وقد كان هو المحرك الرئيسي وراء غزو لبنان عام 1982. وقد اضطر شارون إلى الاستقالة من منصبه كوزير للدفاع عام 1983 إثر تقرير لجنة تحقيق رسمية حملته المسئولية غير المباشرة عن مذبحة صابرا وشاتيلا.

- وقد استمر شارون في الوزارات التي شارك فيها الليكود بعد ذلك، حيث شغل منصب وزير بلا حقيبة (1982 - 1984)، ثم وزير الصناعة والتجارة (1984 - 1988) ووزير البناء والإسكان (1988 - 1992).
ويكشف صعود شارون إلى مراكز السلطة بهذه السرعة، ومكوثه في الوزارة بعد أن تحمل خسائر حرب لبنان، ونجاحه في تثبيت مواقعه داخل الليكود، بل منافسة شامير نفسه على زعامة الحزب، يكشف ذلك عن الشعبية التي يتمتع بها العسكريون المتشددون في الكيان الصهيوني.

 - تولَّى شارون منصب وزير البنية التحتية في حكومة الليكود برئاسة نتنياهو التي تم تشكيلها إثر انتخابات عام 1996، واستمر في السعي من أجل لعب دور أساسي في القضايا الإستراتيجية، حيث ضغط من أجل ضمه إلى المجلس الوزاري المصغر إلى جانب نتنياهو ووزيري الخارجية والدفاع (ديفيد ليفي وإسحق مردخاي)، واعترض الأخيران على ذلك
لقاء شارون  مع أبو مازن
التقى شارون بمحمود عباس (أبو مازن) في يوليه 1997 ليرد على منتقديه الذين رأوا أن دخوله مجلس الوزراء المصغر سوف يعقد المفاوضات مع الفلسطينيين مشيراً إلى أنه الوحيد الذي يعرف كيف يتعامل مع الفلسطينيين. وقد تنازل عن ذلك الذي ظل ينادي به لسنين طويلة، وهو حرمان الدولة الفلسطينية المستقبلية من أي استمرارية جغرافية (يعتقد شارون أن المحافظة على الاستمرارية والاتصال الدائم بين المستوطنات اليهودية داخل الأراضي الفلسطينية يمكن أن تتم خلال بناء الأنفاق تحت الأرض والجسور والطرق الالتفافية بدلاً من البقاء على الاتصال الجغرافي المباشر بين تلك المستوطنات).  

وقد عرض شارون خريطة على أبو مازن في 16 يوليه 1997 لأنه أراد كما قال "أن يعرف الفلسطينيون ولآخر مرة ما هو موقف إسرائيل من اتفاقية الوضعية النهائية، وما الذي يمكنها أن تفعله، وما الذي لا يمكنها أن تفعله أبداً، ولماذا". ومضى شارون ليقول: "هذه أمور لابد للفلسطينيين أن يفهموها لأنني أعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي يسمعونها منا".
- ويُعدُّ شارون من أهم أنصار نظرية الضم التدريجي للضفة الغربية. وفي مقال له بجريدة معاريف في نهاية عام 1981 تحت عنوان "المشكلات الإستراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات" يتطلع شارون إلى وجوب أن تتخطى فكرة المصلحة الإستراتيجية لإسرائيل المجال المتمثل تقليدياً بالدائرة المحيطة بإسرائيل إلى مجالين جغرافيين آخرين لهما تأثيرهما الأمني:
1 - الدولة العربية البعيدة التي يضيف تعاظم قدراتها العسكرية بُعداً بالغ الخطورة للخطر المباشر الذي يتهدد إسرائيل، سواء عن طريق إرسال قوات خاصة إلى منطقة المواجهة، أو عن طريق القيام بعمليات جوية وبحرية مباشرة ضد خطوط المواصلات الجوية والبحرية الإسرائيلية.
2 - تلك الدول التي يؤثر التوجه السياسي الإستراتيجي فيها على الأمن القومي الإسرائيلي مثل إيران وتركيا وباكستان ومناطق الخليج الفارسي وأفريقيا، ولا سيما دول أفريقيا الشمالية والوسطى.
وهذه الإستراتيجية لا ترى في الضفة وغزة إلا خطاً خلفياً يقع في قلب إسرائيل، الأمر الذي يتطلب المزيد من مصادرة الأراضي وتفريغها من السكان العرب.
شارون ورغبته في تحديد مساحة الدولة الفلسطينية ليسهل ابادتها
ومن الواضح أن شارون سيكون له دور حاسم هذه الأيام. فهو مصمم على تقرير الضرورات الأمنية والجغرافية في قطاع غزة والضفة الغربية من خلال المحادثات مع الفلسطينيين. وقد أصبح شارون أهم دعاة المشاركة الإستراتيجية بين إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية ملغياً بذلك الخيار الذي طالما نادى به كثيرون في إسرائيل وهو إقامة دولة فلسطينية في الأردن.  

كذلك قَبل شارون مبدأ السيادة الفلسطينية على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة (من دون القدس بالطبع). والتحدي الذي يراه شارون في التعامل مع الفلسطينيين هو إيجاد إطار سياسي ودبلوماسي ناجح يساعد على تحديد واحتواء صلاحيات الدولة الجديدة ومساحتها الجغرافية.
 
- وتنقل مصادر عن شارون قوله: "يجب على إسرائيل أن تحتفظ في أي تسوية نهائية بمنطقة أمنية في الشرق لا يقل عرضها عن عشرين كيلو متراً وحزام أمني في الأجزاء الغربية من الضفة الغربية يتراوح عرضه بين 7 و10 كيلو مترات". وفوق ذلك يجب أن تبقى القوات الإسرائيلية بصورة دائمة في غور الأردن، وأن تهيمن على جميع الطرق والممرات الجوية والبحرية في الأراضي الفلسطينية.
ومن الواضح أن شارون يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية هي:
أولاً: يريد شارون من الجميع أن يفهموا «الخطوط الإسرائيل الحمراء» مع إبداء رغبة في فهم المطالب الفلسطينية.
ثانياً: إعادة المصداقية والثقة إلى المواقف التفاوضية الإسرائيلية.
ثالثاً: تحقيق تنسيق ناجح بين الموقف الإسرائيلي والموقف الأمريكي.
وقد تم الاتفاق بين نتنياهو وشارون على تسوية مؤقتة يحق بموجبها لنتنياهو التشاور مع شارون في الشئون السياسية والأمنية دون أن يدخل مجلس الوزراء المصغر فعلاً. ورغم هجوم شارون على نتنياهو إلا أنه لم يصعِّد من خلافاته معه، مقابل تزايد دور شارون في الحكومة

أرئيل شارون وُلد في 27 فبراير 1928 لأب بولنبدي و أم روسية في موسكو وليس بفلسطين كما يشاع عنه في وسائل الاعلام الغربية و الشرقية على حد سواء. ويعدّ من السياسيين والعسكريين المخضرمين على الساحة الإسرائيلية. والرئيس الحادي عشر للحكومة الإسرائيلية.

شارون شخصية مثيرة للجدل في داخل وخارج إسرائيل. فيراه البعض كبطل قومي ويراه آخرون عثرة في مسيرة السلام. بل ويذهب البعض الى وصفه كمجرم حرب بالنظر الى دوره العسكري في الإجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982, بالاضافة إلى الكثير من المجازر الفظيعة التي ارتكبها بحق الفلسطينيين طوال حياته.

حياته العسكرية
إنخرط شارون في صفوف منظمة الهاجاناه عام 1942 وكان عمره انذاك 14 سنة. وانتقل للعمل في الجيش الإسرائيلي عقب تأسيس دولة إسرائيل. وبعد فترة إنقطاع عن الجيش قضاها شارون على مقاعد الجامعة العبرية، عاود الجيش الإسرائيلي سؤاله للإنظمام للجيش وترأّس الوحدة 101ذات المهام الخاصّة. وقد أبلت الوحدة 101 بلاءً حسناً في إستعادة الهيبة لدولة إسرائيل بعد خوض الوحدة لمهمّات غاية في الخطورة الا ان وُحدة شارون العسكرية إثارت الجدل بعد مذبحة قبية في خريف 1953 والتي راح ضحيّتها 70 من المدنيين الأردنيين.اقام مجزرة بشعة في اللد عام 1948حصد ارواح426فلسطيني بعد ان اعتقلهم داخل المساجدو قدم لهم اكواب البول بدل الماء ثم نسف المسجد بمن فيةو امر الفلسطينيات بخلع ملابسهن ثم فتح عليهن النار
حياته السياسية
حصل شارون على مقعد في الكنيست الإسرائيلي بين الأعوام 1973 و 1974، وعاود المشاركة في الكنيست من العام 1977 الى الوقت الحاضر. وعمل شارون كمستشار أمني لإسحاق رابين ثم شغل منصب وزير الزراعة بين الأعوام 1977 الى 1981. وفي فترة رئاسة مناحيم بيغن للحكومة الإسرائيلية، عمل شارون كوزير للدفاع.
وفي عام 1982 وخلال تولّي شارون وزارة الدفاع، إرتكبت الميليشيات المسيحية اللبنانية مجزرة فلسطينية في مخيم صبرا وشاتيلا في العاصمة بيروت. وكانت الميليشيات اللبنانية موالية للحكومة الإسرائيلية وأخذت تعليماتها من وزير الدفاع الإسرائيلي لدخول المخيم. وخرج تقرير لجنة التحقيق الإسرائيلية بتنحية وزير الدفاع شارون بسبب الإهمال وليس للتسبب في المجزرة.
في عام 1987، صدرت مجلة "التايم" الأمريكية بمقال يبيّن تورط شارون بمجزرة صبرا وشاتيلا وقام شارون برفع دعوى قضائية على المجلة، ولم يكن بمقدور مجلة التايم تأكيد مزاعمها ضد شارون الا أن المجلة ربحت الدعوى القضائية.
في بداية 2001، أقام أقارب ضحايا مخيم صبرا وشاتيلا دعوى قضائية في بلجيكا ضد شارون لتورطه في أحداث المجزرة الا أن محكمة الإستئناف البلجيكية أسقطت القضية كونها غير مقبولة في القضاء البلجيكي في يونيو 2002.و هو الذي اشعل المواجهة بتدنيسه للمسجد الاقصى .
المعلومات الواردة في هذا المقال مشكوك في صحتها و دقتها العلمية. الرجاء التدقيق في هذا المقال و مناقشته في صفحة النقاش .
تولي رئاسة الوزارة عقب تسلمه رئاسة حزب الليكود بعد بنيامين نتنياهو , و استطاع التغلب يهود باراك في الانتخابات التشريعية ليقود حكومة يمين ليكودية مارست سياسة اغتيالات عنيفة ضد أبرز القيادات الفلسطينية التي تعتبرها اسرائيل إرهابية , كما باشر في بناء الجدار الفاصل لفصل أراضي إسرائيل عن الضفة الغربية و قطاع غزة .
بعد الانتخابات التشريعية الثانية في عهده اضطر شارون لتأليف حكومة ائتلافية مع حزب العمل بقيادة شيمون بيريز , ليتابع ممارسة سياسته لتدعيم امن إسرائيل , و أبرز خططه في هذه الفترة كانت خطة فك الارتباط : بمتابعة بناء السور الفاصل و الانسحاب من قطاع غزة مع تفكيك المستوطنات فيه .
استغل شارون عملية الانسحاب من غزة بشكل بارع إعلاميا ليصور أن اليهود يقدمون تنازلات ضخمة في حين كان يتخلص من عبء القطاع المزدحم سكانيا و النشط بالمقاومة .
في نوفمبر 2005 ينسحب شارون إثر فضائح سياسية من حزب الليكود و يبادر لإنشاء حزب جديد دعاه (كاديما) و يضم إليه بعض الشخصيات البارزة مثل (شيمون بيريز) الذي خسر زعامة حزب العمل مجددا .
في ديسمبر 2005 يصاب شارون بجلطة دماغية خفيفة يدخل إثرها للمشفى بضعة أيام , بعد ذلك بأسبوع يعلن الأطباء حاجة شارون لعمل جراحي في القلب .
شارون والعبرة
أصيب يوم الإربعاء 4 يناير 2006 بجلطه سببها نزيف دماغي حاد وادخل على أثرها مستشفى هداسا حيث أجريت له عملية أولى دامت 6 ساعات، لكن الأطباء اضطروا إلى اعادته لغرفة العمليات مرة ثانية بعد أن اكتشفوا وجود مناطق أخرى في الدماغ تعاني من النزيف. وقال الأطباء ان حالته خطيرة جداً.  إنشاء الله  لن يموت بسهولة ولكنه سيظل مقعد {ياتيه الموت من كل مكان وما هو بميت }  لعله يكون عبرة لغيره من الطغاة ويصدق فيه قول ربنا سبحانه وتعالى  {لتكون لمن خلفك آية }
أقواله
"جميعنا يجب أن يتحرّك، أن يركض، يجب أن نستولي على مزيد من التلال، يجب أن نوسّع بقعة الأرض التي نعيش عليها. فكل ما بين أيدينا لنا، وما ليس بأيدينا يصبح لهم" - أرئيل شارون، وزير الخارجية الإسرائيلي في خطاب عبر الإذاعة الإسرائيلية. 5 نوفمبر 1998.
شارون.. نهاية سفاح في مملكة الدم
ولقد كتب هاني زايد عن شارون فقال : دخل جزار صبرا وشاتيلا، قاتل الأسري المصريين السفاح آرييل شارون في حالة غيبوبة أو ما يسمي الموت السريري بعد أن أجريت له جراحة في الدماغ علي إثر نزيف حاد في المخ، حيث أشار الأطباء إلي استحالة عودته للحالة الطبيعية وإصابته بشلل نصفي وهو ما يعني عمليا انتهاء دوره في الحياة السياسية.
ومن المؤكد أن هذا السفاح ذا التاريخ الدموي مع العرب والمسلمين، قد أثر بلا شك في وضع أسس الصراع العربي ­ الإسرائيلي وأعطي انطباعا لدي الشارع العربي بأن حقيقة الصراع مع الكيان الصهيوني تدور حول الوجود وليس الحدود.
وعلي الرغم من مسيرة عقود من التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني دفع خلالها الطرف العربي أنهارا من الدماء والمرارة، إلا أن العواصم العربية المعنية بالتسوية أذعنت تحت ضغوط دولية وإقليمية معقدة ومتشابكة إلي الدرجة التي تعاملت فيها مع هذا الجزار.

 إلا أن نبض الشارع مازال يلفظ التسوية بكل مراحلها، مدركا أن كل قيادات العدو الصهيوني ما هم إلا 'شارون' بأشكال أخري، فالصراع مستمر ما دام يوجد خنزير صهيوني علي أي شبر من الأرض العربية.
الهروب من الموت في مذبحة .. شيء.. أما الهروب من ذكراها فهو شيء آخر.. وإذا كان قدر العرب علي مدي نصف القرن الماضي الهروب من مذبحة إلي مذبحة ومن مقصلة إلي مقصلة فإن قدر ذكرياتهم عن تلك الأعوام الدموية أن تختزن في جزء كبير منها ذكريات لا تنتهي عن السفاح إرييل شارون بكل ما تحمله حياته من ماض قذر وتاريخ أسود .

 جعل من المستحيل أن يرد ذكر نزيف الدم العربي دون ارتباطه ارتباطا وثيقا باسم شارون الذي تحكي قصته أن اسمه بالكامل هو إرييل صموئيل مردخاي شرايير.. أما ميلاده فكان عام 1928 بقرية ميلان الفلسطينية لأسرة بولندية نزحت إلي فلسطين هربا من المذابح النازية علي حد زعمهم وعندما بلغ شارون من العمر '17' عاما انضم إلي عصابة الهاجاناه الصهيونية الإرهابية حيث تتلمذ علي يد عتاة الإرهاب: بن جوريون وشامير ورابين.
            المذابح التى قام بها شارون
وفي عام 1952 انتقل شارون رسميا من قائمة أشبال مملكة الدم إلي قائمة عتاة السفاحين حيث شارك في مذبحة قرية الله شمالي غرب مدينة القدس. وهي المذبحة التي شهدت ببشاعتها تقارير هيئة الصليب الأحمر التي جاء من ضمن ما جاء فيها أنه

'بعد احتلال اليهود لقرية الله جمعوا حوالي 400 مسلم وسجنوهم بمسجد المدينة لمدة يومين بدون طعام أو شراب.. وبعد إلحاح مسئولي الصليب الأحمر وافق اليهود علي تقديم البول بدلا من الماء لهؤلاء السجناء.. كما أنهم ساقوا النساء عاريات إلي الحي اليهودي حيث اغتصبوهن ثم فتحوا نيران رشاشاتهم عليهن.. كما أخرجوا الرجال من القرية في ثلاث مصفحات.. وبعد إنزالهم منها داستهم المصفحات وتركتهم قتلي.
ولم تكن مشاركة شارون في مذبحة قرية الله سوي محاولة منه للانتقام من العرب الذين أصابتهم رصاصاته في أعز ما يملك أثناء مشاركته في حرب 48 بصورة أدت إلي فقدانه لإحدي خصيتيه.. وفي عام 1953 تقدم شارون بطلب إلي جنرالاته في الجيش الصهيوني طالبهم فيه بالسماح له بتكوين سرية عسكرية من اليهود المحكوم عليهم في جرائم قتل والذين يمضون أحكاما طويلة في السجون الإسرائيلية.. وهي السرية التي عرفت بالوحدة '101' كوحدة مسئولة عن عمليات الحدود وارتكاب المذابح ضد المدنيين العرب العزل.. وحسب اعتراف الخنزير شارون نفسه فإن 'هذه الوحدة نفذت أكثر من خمس مذابح ضد المدنيين العرب العزل في الفترة من 1953 وحتي عام 1956'..

 المذبحة الأولي:  كان مسرحها قرية قبية الواقعة علي الحدود الأردنية.. واستهدفت المذبحة نساء القرية من خلال نصب كمائن لهن عند بئر الماء مما أدي لاستشهاد سيدتين.. وهو ما دفع قوات المدفعية الأردنية الموجودة علي الحدود للرد.. وهنا أصدر السفاح شارون أوامره بدك القرية بمدافع الهاون.. واتضح بعد ذلك أن شارون هو الذي رتب لقتل نساء عربيات علي اعتبار أن قتلهن سيجبر رجال المدفعية الأردنية علي الرد.. وبالتالي يعطيه مبررا لدك القرية إرضاء لساديته وعشقه لمص دماء الأبرياء.. وأدت هذه المذبحة لسقوط '69' شهيدا نصفهم من الأطفال والنساء..

 وكانت الحجة التي تذرع بها الخنزير وأساتذته بن جوريون ولافون وديان أن القرية تعد معقلا للفدائيين الفلسطينيين.. حيث أصدر شارون أوامره للوحدة 101 بتطويق القرية ليلا وإمطارها بوابل من المدفعية مما أدي لانهيار بيوتها الفقيرة علي رءوس أصحابها قبل أن يقوم شارون ومعه '103' من أفراد الوحدة '101' بقتل من بقي حيا من أفراد القرية.
وحسب ما أشارت إليه شهادة أحد المشاركين في المذبحة فإن 'شارون كان يضحك كلما شاهد جنديا إسرائيليا يتفنن في تعذيب مواطن فلسطيني طفلا كان أو كهلا أو امرأة قبل أن يطلق نيران رشاشه علي قلبه أو صدره'..

مذبحة بدو العزازمة

 كما قاد شارون مذبحة بدو العزازمة التي استشهد فيها العشرات من المدنيين الأبرياء ومذبحة البريج التي استشهد فيها 15 فلسطينيا ثم مذبحة قلقلية التي انتهت باستشهاد 88 فلسطينيا.. وفي عام 1956 أصدر شارون أوامره لجنوده بمواصلة مذابحهم بقطاع غزة وخان يونس حيث اعتقل الصهاينة 1500 فلسطيني اتبعوا معهم سياسة القتل البطيء.. وهو نفس السيناريو القذر الذي تكرر في مذابح رفح مما أدي لاستشهاد 750 فلسطينيا تراوحت أعمارهم ما بين 16 و40 عاما.
وفي فترة ما بعد نكسة 67

وحتي منتصف عام 1972 تولي شارون منصب قائد المنطقة الجنوبية.. وانتهج السفاح طوال تلك السنوات سياسة دموية قامت علي تفريغ منطقة رفح من المصريين مما أدي لتشريد سبعة آلاف مصري في حين أدت سياساته القمعية لاستشهاد عدد كبير من المصريين وهي السياسة التي وصفها عوزي هوفمان كاتب سيرة شارون بقوله: 'لقد نفذ شارون عملية الإخلاء بمنتهي الوحشية.. وتفنن هو وجنوده في مصادرة أملاك بدو سيناء وطرد أكثر من سبعة آلاف فلسطيني من أماكن إقامتهم وأجبر المصريين علي الرحيل من رفح.. وكل من قاوم كان نصيبه القتل ذبحا كالنعاج'.
مذابح الأسري المصريين
وبلغت دموية شارون مداها في المذابح التي ارتكبها ضد الأسري المصريين سواء أثناء حرب 56 أو حرب 67 مما أدي لاستشهاد حوالي ثلاثة آلاف أسير مصري ما بين عسكري ومدني أجبرهم الخنزير شارون علي حفر قبورهم بأيديهم.. وهي المذابح التي كشف النقاب عنها كل من إرييه بيرو ومردخاي براون في اعترافات لم يكن الهدف منها تبرئة نفس أو إرضاء ضمير أو اعتراف بذنب وإنما كان الهدف منها التباهي والتفاخر وارتداء ثوب البطولة في مملكة بني صهيون الدموية وهو ما عكسته تصريحاتهما والتي قالا فيها:
'لسنا نادمين علي ما فعلنا.. ولا نشعر بوخز. الضمير.. بل نحن فخوران بقتل الأسري المصريين.. ولو عادت عقارب الساعة للوراء لفعلنا أكثر من ذلك'.. وحسب اعترافات السفاحين 'بيرو وبراون' فإن شارون وديان كانا يجريان مسابقات لقتل الأسري المصريين كان يخصصان جوائز ونياشين لكل من يبتكر أسلوبا جديدا في التعذيب أو يقتل عددا أكثر من الأسري المصريين.
وحسب ما أوردته شهادات شهود العيان من بدو سيناء علي تلك المذابح فقد كان جنود شارون يأمرون الأسري المصريين ­عسكريين ومدنيين بالوقوف في طوابير طويلة ثم يطلقون الرصاص عليهم دفعة واحدة ثم يأمرون الأسري الأحياء بدفن زملائهم في حفر عميقة.

 كما أشارت شهادات بدو سيناء إلي أنه من بين مذابح الأسري مذبحة أتت فيها الحافلات الإسرائيلية بثلاثين جنديا مصريا وفتح اليهود رشاشاتهم عليهم علي بعد أمتار من طريق الأسفلت بوادي الميدان وتركوا جثثهم بدون دفن حيث تولي البدو دفن تلك الجثث التي عثر علي بقاياها العظمية وجماجمها..  

كما أشارت الشهادات إلي أن ما فعله جنود السفاح شارون بحق الأسري المصريين فاق أي تصور حيث كان الجنود الصهاينة يجمعون الأسري المصريين في عربات نقل ويوهمونهم بأنهم سينقلونهم في أتوبيسات للتوجه إلي منطقة القناة ويأمرونهم بالوقوف صفوفا ووجوههم متجهة إلي البحر ثم يطلقون عليهم الرصاص ويتركونهم قتلي ثم يغادرون المناطق المطلة علي البحر مثل منطقة أبو صقل..  

وحسب ما أكدته شهادات بدو سيناء فإن جثث هؤلاء الأسري كانت تظل علي سطح الأرض لأيام طويلة قبل أن يتمكنوا من دفنها.

 وحتي إمام المسجد الموجود بمنطقة أبوصقل بالعريش الشيخ عبد القادر عثمان لم يسلم منهم حيث تم قتله برصاص جنود شارون أثناء ذهابه إلي المسجد لأداء الصلاة دون مراعاة لكبر سنه البالغ من العمر أكثر من 80 عاما.. وسرعان ما توالي الكشف عن مقابر الدفن الجماعي لجثث الأسري المصريين في عريف الجمال وقرية الميدان وذقبه ومشرة والختمية وشرقي قناة السويس والمراشدة وهمسة والرنا ومطار تمادة..

 وكلها مقابر كشفت الوجه القبيح للسفاح شارون وكانت الواحدة منها كفيلة بمحاكمته كمجرم حرب لو كان هناك حقا مجتمع دولي يحترم حقوق الإنسان.. أو اتفاقيات جنيف أو يمتلك من العدالة قدرا ولو ضئيلا يمكنه من ملاحقة مرتكبي الجرائم المعادية للإنسانية!!
أوهام الثغرة
وفي حرب السادس من أكتوبر كان علي السفاح شارون تذوق مرارة الهزيمة وخزيها وذلها وعارها مثله مثل أباطرة الجيش الصهيوني والذين راحوا يخففون علي أنفسهم من وقع الهزيمة من خلال الترويج لأكذوبة الثغرة وتصوير السفاح شارون علي أنه بطل اليهود الذي استطاع بمساعدة صور أقمار التجسس الأمريكية فتح ثغرة في الدفاعات المصرية بصورة أفسدت علي المصريين فرحتهم..  

وهي الأكذوبة التي فضحها تعنت السلطات الصهيونية تجاه عدد من الأفلام الوثائقية 'الإسرائيلية' ومن بينها الفيلم الوثائقي 'معركة المزرعة الصينية القصة المسكوت عنها وخواطر المحاربين'.

 وهو الفيلم الذي أعده مخرج الأفلام الوثائقية 'الإسرائيلي'، 'نير طويف'.. ويحكي الفيلم قصة هزيمة القوات الإسرائيلية علي يد الجيشين الثاني والثالث المصريين..

 وحسب ما ورد في هذا الفيلم فإن الجيش المصري لقن جيش العدو وقائد اللواء '143' المتغطرس شارون هزيمة قاسية في معارك الدبابات الكبري وكيف أن الفرقة 211 المصرية كبدت قوات شارون خسائر ضخمة في الأسلحة التي زودت بها الولايات المتحدة الأمريكية 'إسرائيل' ومن بينها الأسلحة المضادة للدبابات..

 كما فضح الفيلم تواطؤ قادة الكيان الصهيوني مع شارون حفاظا علي سمعة الجيش الذي لا يقهر إضافة إلي حصولهم علي فرص اجتماعية أكبر.. كما كشف الفيلم فضيحة إصدار القادة الإسرائيليين أوامرهم لجنودهم بالانسحاب وترك زملائهم من الجنود الجرحي وراءهم.. لكن هذا الفيلم وغيره من الأفلام الوثائقية الأخري تم التعتيم عليها وإجهاضها لصالح بطولة السفاح شارون الوهمية.. فهي البطولة التي داست 'إسرائيل' من أجلها علي كل شيء بما فيها غض الطرف عن الفساد المالي لشارون ونجله والتي جعلت من شارون 'أبا للمفسدين جميعا في إسرائيل'!!
صبرا وشاتيلا
صباح يوم الخميس الموافق السادس عشر من سبتمبر عام 1982، وبعد فترة قصيرة من تولي شارون منصب وزير الدفاع عفوا وزير الدم قاد شارون سفاحيه لتنفيذ مذبحة صبرا وشاتيلا.. ففي تمام الساعة السادسة من مساء هذا اليوم فتح شارون الطريق أمام عملائه وأشبال مملكته الدموية لاجتياح مخيمات اللاجئين ببيروت في مذبحة استمرت لأكثر من 49 ساعة دون انقطاع مما أدي لاستشهاد ألفين من المدنيين.. وطوال تلك الساعات كان عملاء شارون يتفننون في إطلاق نيرانهم علي كل من يتحرك داخل أزقة المخيمات دون تمييز بين طفل أو رجل أو امرأة أو كهل حتي إنه عثر علي جثث لأطفال دون سن الثالثة.. وكانت أوامر السفاح لعملائه وسفاحيه هي 'ابتروا أعضاء ضحاياكم قبل القضاء عليهم.. واسحقوا رءوس الأطفال والرضع علي الجدران.. واغتصبوا النساء قبل ذبحهن واعدموا الرجال بالبلط والسكاكين'..  

ولم يكن غريبا أمام تلك الدموية والتلذذ بها أن تلتقط عدسات التليفزيون تفاصيل المذبحة وأن تعرض بالصوت والصورة الأيادي المبتورة والسيقان المحطمة والوجوه المحترقة.. كما لم يكن غريبا أن يطلق قادة العدو الصهيوني علي هذه المذبحة 'حرب شارون' والذي أرضي ساديته بكل هذه المشاهد البشعة قبل أن يخرج علي الجميع بعبارته الشهيرة الباردة 'غرباء قتلوا غرباء' رغم أنه مهندسها وصانع مشاهدها التي لم تترك في المكان سوي صرخات العويل علي الموتي وأكوام جثث لرجال ونساء وأطفال قتلوا بإطلاق الرصاص عليهم من مسافات قريبة وآخرين نحروا من حلوقهم كالخراف..

 ورجال بترت أعضاؤهم التناسلية ونساء في منتصف العمر وبنات لا تتجاوز أعمارهن الثلاث سنوات ربطت أياديهن وأرجلهن من خلاف ورءوس فجرت بالرصاص وجثة لامرأة مزق الرصاص صدرها المحتضن لطفلة رضيع لم ترحمها سادية الانتقام وعشق شارون للدم.
وزير استيطان
وعندما تولي شارون وزارة الإسكان راح يتبني سياسة مفادها قتل الفلسطينيين جوعا وعطشا من خلال تطبيق خطة شيطانية تقضي بتقسيم الضفة الغربية لمناطق حكم ذاتي فلسطيني معزولة وسط بحر من المستوطنات اليهودية مثلما قاد حملة لتوسيع المستوطنات اليهودية في قطاع غزة والضفة الغربية معلنا صراحة أن حملته تلك الهدف منها فرض أمر واقع لتصبح عملية التسوية مع الفلسطينيين أكثر صعوبة..

 وهو نفس المنطق الذي أدار به وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد أن تولي حقيبتها في حكومة رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق بنيامين نتنياهو حيث لم تمنعه سترته الدبلوماسية من وصف الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأنه 'مجرم حرب'..  

وهو نفس المنطق الذي أدار به حكومته فيما بعد ليدوس علي كل المقدسات والحقائق التاريخية والجغرافية زاعما بأن القدس 'عاصمة إسرائيل الأبدية' وبأن ساحة المسجد الأقصي الشريف 'لابد أن تهدم' رافعا شعار مؤسس الصهيونية تيودور هيرتزل بأن فلسطين وحائط المبكي لا يؤخذان بالدمع والعويل وإنما بالدماء والجماجم' فهنيئا لزبانية جهنم بالإبليس الأكبر.

 ولا عزاء للزعماء العرب الذين سيضطرون بحكم تنازلاتهم وهرولتهم المتصلة وإدمانهم تجرع كئوس الذل والمهانة والخضوع والخنوع لتقديم العزاء في صاحب أنتن رائحة علي وجه الأرض

2- موشى ديان صهيوني من طراز خاص!!
شارك موشيه ديان في معظم الحروب العربية الإسرائيلية، فبدأ حياته عضوا في الهاغاناه قبل إنشاء الدولة العبرية، ثم قائدا للقوات التي احتلت اللد عام 1948، وقاد الجيش الإسرائيلي عام 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر، ثم ذاع صيته بعد هزيمة العرب في حرب 1967 إذ كان وقتها وزيرا للدفاع، واختتم حياته بعد أن شارك بفاعلية في مفاوضات السلام التي انتهت بالتوقيع على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979.
ولد موشيه صمويل ديان في مستوطنة "ديجانيا" بفلسطين عام 1915 لأبوين يهوديين هاجرا من أوكرانيا واستقر بهما المقام في فلسطين.
تلقى ديان تعليمه الابتدائي في مستوطنة "نحلال" التي انتقلت أسرته إليها بعد أن ضاقت بالعيش على أسلوب الحياة الاشتراكية القاسي في مستوطنة ديجانيا والتي كان كل شيء فيها مشاعا عاما لساكني المستوطنة حتى المتعلقات الشخصية كالأمتعة والملابس.
وبعد أن فرغ من تعليمه الأولي التحق بمدرسة الزراعة للبنات التي أنشئت خصيصا لتعليم المهاجرات الزراعة، فكان بذلك أول صبي يلتحق بتلك المدرسة.
تزوج وهو في العشرين من عمره من روث شوارتز ابنة زفي شوارتز أحد المحامين الأغنياء في القدس وأنجب منها يائيل التي أصبحت فيما بعد كاتبة معروفة داخل المجتمع الإسرائيلي.
يؤمن موشيه ديان بأن الدولة العبرية لم تقم على أنقاض فلسطين، ويعتبر الحدود بين دول الشرق الأوسط ليست شيئا مقدسا ويدعو إلى تعديلها بما يخدم المصالح الإسرائيلية ويخلق أمرا واقعا يصعب تغييره .
وفي ذلك يقول" الحديث عن قداسة الحدود في هذه المنطقة مجرد هراء.. فلم تحدد الحدود بين فلسطين وسوريا إلا عام 1921، ولم تضم الضفة الغربية للأردن إلا بعد مؤتمر أريحا عام 1948، ولم تصبح سيناء ملكا لمصر إلا بعد الحرب العالمية الأولى، فالحدود في منطقتنا ليست شيئا مقدسا بل هي دائمة التغيير والتعديل".
وينظر ديان إلى العرب نظرة سلبية ويرى أنهم يعيشون في عالم من الأوهام وأنهم كثيرو الحديث عن أمجاد الماضي لأنهم لا يجدون في حاضرهم عظماء يتحدثون عنهم.
ويقول "يميل العرب إلى خداع أنفسهم وخداع غيرهم.. وهم يقومون بذلك عن غير عمد.. إنهم يعيشون في عالم من الأوهام كالذي يتعاطى الحشيش ليوهم نفسه بأنه يعيش في الفردوس... ويميل العرب إلى التحدث عن أمجاد الأجداد مثل صلاح الدين ومعارك حطين واليرموك.. وحينما يفعلون ذلك فإننا نبتسم لأنهم يرون أنفسهم في مرآة الماضي أما نحن فإننا نراهم في مرآة الحاضر.. ليتهم يسألون أنفسهم لماذا يتحدثون دوما عن عظماء ماضيهم ولا يجدون في حاضرهم أحدا من العظماء يتحدثون عنه؟
انضم موشيه ديان في مطلع شبابه إلى "الهاغاناه" العصبة اليهودية المسلحة) وسرعان ما أصبح نائبا لقائد فصائل الميدان التي كان يقودها "إسحق صاديه" والتي تخصصت في الهجوم المفاجئ على الفلسطينيين، كما اشتهرت بإقامة المستوطنات اليهودية متحدية أوامر سلطات الانتداب.
وقد ابتدع ديان - آنذاك - طريقة أطلق عليها "البرج والسور" إذ تستولي مجموعته على قطعة من الأرض تحت جنح الظلام وتنشئ عليها برجا للمراقبة وتنصب بعض الخيام وتحفر حولها الخنادق قبل أن تحيط كل ذلك بالأسلاك الشائكة.
انضم ديان كذلك إلى جماعة "شباب ونجت" التي أنشأها ضابط المخابرات البريطاني أورد وينجت والتي تميزت بخفة الحركة والانقضاض السريع على المراكز العربية ليلا.
في بداية الحرب العالمية الثانية انضم ديان إلى "البالماخ" وقبضت عليه سلطات الانتداب البريطاني وهو يدرب بعض الشبان اليهود تدريبا عسكريا، وهو ما كانت تعتبره عملا غير مشروع فحكمت عليه بالسجن خمس سنوات قضى بعضها في سجن قلعة عكا القديمة.
أفرجت السلطات البريطانية عنه بعد أن قررت هي وفرنسا الحرة تحرير لبنان وسوريا من قوات حكومة فيشي بالتعاون مع بعض القوات اليهودية. فاستدعي ديان لقيادة إحدى الفصائل اليهودية، وفي إحدى العمليات العسكرية بلبنان عام 1941 فقد عينه اليسرى فاضطر إلى وضع العصابة السوداء التي اشتهر بها.
اشترك موشيه ديان في حرب 1948 التي انتهت بإقامة دولة إسرائيل، فكان قائدا للقوات اليهودية التي احتلت اللد عقب انسحاب القوات العراقية والأردنية منها دون قتال، ثم عهد إليه بعد ذلك بقيادة قوات القدس، وقام أثناء ذلك بمفاوضات سرية مع الملك عبد الله الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وبعد انتهاء الحرب كان ديان عضوا بالوفد الإسرائيلي في مفاوضات رودس أصدر ديفيد بن غوريون قرارا بتعيين موشيه ديان رئيسا لأركان حرب جيش الدفاع عام 1953 واستمر في هذا المنصب حتى تقاعده عن الخدمة بالجيش عام 1958. وإبان تلك الفترة أنشأ فرعين جديدين تابعين للجيش هما فرع المخابرات وفرع التدريب، وأبدى اهتماما خاصا كذلك بالقوات الجوية وقوات المظلات.
وكان ديان بالاشتراك مع شمعون بيريز وراء صفقات الأسلحة الكبيرة التي حصلت عليها إسرائيل من فرنسا في تلك الفترة، كما قاد بنفسه الاتصالات التي تمت بين إسرائيل وكل من بريطانيا وفرنسا وكان الموجه الفعلي لها خاصة في النواحي العسكرية. وفي تلك الفترة تولى قيادة القوات الإسرائيلية المهاجمة لسيناء في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقد أكسبته هذه الحرب شهرته الواسعة داخل العالم العربي.
ترك ديان مؤقتا الجيش في عام 1958 والتحق بمدرسة القانون والاقتصاد في تل أبيب لدراسة الاقتصاد، ثم التحق بالجامعة العبرية في القدس حيث كانت ابنته يائيل تدرس بها.
عمل موشي ديان بالسياسة بعد أن ترك الخدمة في الجيش، فالتحق بحزب ماباي عام 1959 وأصبح واحدا من أشهر أعضائه، ثم اختير وزيرا للزراعة في حكومة بن غوريون، وكان يتبع الأسلوب نفسه الذي كان يتبعه في وزارة الدفاع

فأكثر من حركته بين المزارع والحقول وكان مما فعله آنذاك إسراعه بتنفيذ مشروع تحويل مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب فأضاف آلاف الأفدنة إلى الرقعة الزراعية بإسرائيل.
وبعد أن قدم بن غوريون استقالته آثر ديان الابتعاد قليلا عن المسرح السياسي، ثم عاد إليه مرة ثانية عضوا في حزب رافي الذي انشق بقيادة بن غوريون عن ماباي عام 1965.
تصاعدت وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط وتأزمت الأوضاع السياسية خاصة بعد أن أغلقت مصر مضايق تيران في البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية وطلبت من قوات حفظ السلام الدولية مغادرة سيناء في محاولة من الرئيس جمال عبد الناصر تخفيف الضغط على الجبهة السورية التي جاءته أنباء من الاتحاد السوفياتي بتوجه حشود عسكرية إليها.
وأثناء ذلك رضخ رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول لمطالب الجيش وقطاعات واسعة من الرأي العام الإسرائيلي الذين طالبوا باختيار موشيه ديان وزيرا للدفاع، ولم تمض أيام قليلة على الوزارة حتى كان العدوان قد بدأ وانتهى بنكسة عام 1967 وجنى ديان ثمار الانتصار رغم أن الاستعدادات العسكرية كانت مكتملة قبل توليه الوزارة.
وقع اختيار صحيفة معاريف على موشيه ديان للذهاب إلى فيتنام عام 1965 لتغطية أحداث الحرب الأميركية هناك، وقد انتقده الكثيرون لقبول هذا العرض واعتبروا عمله مراسلا حربيا يحط من شأن الجيش الإسرائيلي الذي كان ديان في يوم من الأيام رئيسا لأركان حربه.
فرد عليهم ديان موضحا أن سبب قبوله هو رغبته في الاطلاع على استخدام أحدث أنواع الأسلحة في ميدان القتال ليطور من معارفه العسكرية. وقبل السفر إلى هناك آثر الذهاب إلى باريس ولندن وواشنطن لمقابلة كبار القادة العسكريين والسياسيين والتحدث إليهم للإحاطة بأكبر قدر ممكن من المعلومات والخلفيات السياسية والعسكرية قبل السفر إلى فيتنام، وكان ممن قابلهم وأجرى حوارات مطولة معهم دي كاستري ومونتغومري ومكنمارا وماكسويل تايلور.
تعرض موشيه ديان للوم الشديد في حرب 1973 بعد الانتصارات السريعة والمفاجئة التي حققها الجيش المصري، وتحت هذا الضغط قدم هو ورئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير استقالتيهما عام 1974.
لم يطل بقاء موشيه ديان خارج السلطة فقد اختاره رئيس الوزراء مناحيم بيغن عام 1977 وزيرا للخارجية، وحقق لإسرائيل انتصارات دبلوماسية لا تقل أثرا عن الانتصارات العسكرية التي شارك فيها من قبل وذلك كما وصفها هو بنفسه، فبعد عام واحد من توليه المنصب الجديد دخل في مفاوضات مباشرة مع إدارة الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات في كامب ديفد انتهت بالتوقيع على أول اتفاقية للسلام بين إسرائيل ودولة عربية عام 1979.
بعد عامين من تحقيق موشيه ديان نصرا دبلوماسيا بالتوقيع على اتفاقية سلام مع مصر جاءته المنية بعد إصابته بسرطان في القولون فمات في عام 1981 عن عمر يناهز 74 عاما.
و بعد أن استعرضنا سيرة هذا الزعيم الصهيوني ، يجدر بنا هنا أن نتطرق إلى ما كتبه هذا الصقر اليهودي وزير الدفاع الإسرائيلى أثناء حرب أكتوبر في مذكراته عنها .
قال موشى ديان فى مذكراته ( نقلا عن النص الحرفى الكامل الذى قدمه مكتب وزير الدفاع الإسرائيلى إلى اللجنة الخاصة بالتحقيق ، ثم إلى لجنة الدفاع بالكنيست، وأخيرا إلى رؤساء تحرير جميع الصحف الإسرائيلية لشرح الموقف العسكرى لهم – وهو ما رفضه الرقيب العسكرى على الإطلاق – وأعطى تعليمات صارمة بعدم نشر أى كلمة قالها ديان).
قال ديان : " إنى أريد أن أصرح بمنتهى الوضوح بأننا لا نملك الآن القوة الكافية لإعادة المصريين إلى الخلف عبر قناة السويس مرة أخرى..إن المصريين يملكون سلاحا متقدما، وهم يعرفون كيفية استخدام هذا السلاح ضد قواتنا، ولا أعرف مكانا آخر فى العالم كله محميا بكل هذه الصواريخ كما هو فى مصر.. إن المصريين يستخدمون الصواريخ المضادة للدبابات وللطائرات بدقة ونجاح تام.. فكل دبابة إسرائيلية تتقدم نحو المواقع المصرية تصاب وتصبح غير صالحة للحرب.
ويستطرد ديان ويقول: الموقف الآن هو أن المصريين قد نجحوا فى أن يعبروا إلى الشرق بأعداد من الدبابات والمدرعات تفوق ما لدينا فى سيناء.. والدبابات والمدرعات المصرية تؤيدها المدافع بعيدة المدى وبطاريات الصواريخ والمشاة المسلحون بالصواريخ المضادة للدبابات.. وعن السلاح الجوى الإسرائيلى يقول ديان" أن السلاح الجوى يواجه الكثير من المصاعب، وأن الخسائر فيه كانت الكثير من الطائرات والطيارين وذلك بسبب بطاريات الصواريخ والسلاح الجوى المصرى.
ويضيف ديان: أننى أقول بمنتهى الصراحة بأننا لو كنا استمرينا فى محاولاتنا لدفع المصريين عبر القناة مرة أخرى لكانت الخسائر فى العتاد والرجال جسيمة لدرجة إن إسرائيل كانت ستبقى بلا أية قوة عسكرية تذكر..

ويستمر ديان فى الحديث قائلا إن المصريين يملكون الكثير من المدرعات وهم أقوياء.. وقد ركزوا قواهم طوال السنوات الماضية فى إعداد رجالهم لحرب طويلة شاقة بأسلحة متطورة تدربوا عليها واستوعبوها تماما.. ولهذا فإننا تخلينا عن خططنا الخاصة بدفع المصريين للخلف عبر قناة السويس، كما إننا تخلينا عن خطط الهجوم فى الجبهة المصرية مركزين قواتنا فى خطوط دفاعية جديدة..مؤكدا بذلك تخليه التام عن النقاط الحصينة فى خط بارليف الذى إنتهى كخط دفاعى للإسرائيليين .
موشى ديان يعترف " بأننا لسنا أقوى من المصريين "
* أن الأهم بالنسبة للإسرائيليين والعالم الاعتراف بأننا لسنا أقوى من المصريين، وأن حالة التفوق العسكرى الإسرائيلى قد زالت وانتهت إلى الأبد، وبالتالى فإن النظرية التى تؤكد هزيمة العرب (فى ساعات) إذا ما حاربوا إسرائيل فهى خاطئة .
*
المعنى الأهم هو انتهاء نظرية الأمن الإسرائيلى بالنسبة لسيناء.. وعلينا أن نعيد دراساتنا وأن نعمل على التمركز فى أماكن دفاعية جديدة، لأن التفوق العسكرى المصرى فى سيناء لا يمكن مواجهته، وأنا لا أستطيع أن أقدم صورة وردية للموقف على الجبهة المصرية لأن الموقف بعيدا كل البعد عن الصور الوردية . نحن أمام مهمتين "الأولى" هى بناء خطوط دفاعية جديدة، و"الثانية" هى إعادة استراتيجيتنا وبناء قوتنا العسكرية على أسس جديدة..لأننا الآن ندفع ثمنا باهظا كل يوم فى هذه الحرب.. فنحن نخسر يوميا عشرات الطائرات والطيارين والمعدات والدبابات والمدفعية بأطقمها .. فيكفى أننا على مدى الأيام الثلاثة الأولى من الحرب خسرنا أكثر من خمسين طائرة ومئات الدبابات.
وينهى ديان كلامه بالقول "علينا أن نفهم أننا لا يمكننا الاستمرار فى الاعتقاد بأننا القوة الوحيدة العسكرية فى الشرق الأوسط.. فإن هناك حقائق جديدة علينا أن نتعايش معها..
و من أغرب ما يروى عن ديان هو ماكشفت عنه روت ديان ، أرملة وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق من أن سبب طلاقها الحقيقي منه هو زيارتها لأسيرات من حركة فتح.
وقالت روت ديان ، وفق المذكرات التي أوردها محرر نشرة "المشهد الإسرائيلي"، "زرت مدينة نابلس بعد احتلالها في العام 1967 وقدمت الألعاب لمؤسسة عربية كانت ترعى الأولاد المعاقين والأيتام".
وأضافت : "فور وصولي إلى نابلس عام 1970 بسيارة محملة بالألعاب زرت مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي وتناولت وجبة الغداء هناك وزرت سجينات فلسطينيات انتمين إلى حركة فتح.
ولما عدت للبيت أعددت لموشيه الطعام في المساء وأخبرته أنني عازمة على مرافقة صديقتي لمشاهدة مسرحية في يافا وعندها أجاب غاضبا بعد أن علم بزيارتي لنابلس بواسطة الجيش: كيف تقدمين على زيارة "مخربات" فلسطينيات قمت بنفسي بإصدار التعليمات باعتقالهن؟".
وتابعت : "عندها نشب نقاش بيننا وبشكل عفوي دعوته إلى تقديم طلب للطلاق إذا لم تعجبه تصرفاتي، ولما عدت من يافا وجدته قد طلب إلى محاميه الشروع في إجراءات الطلاق وانفصلنا. هذه هي الحقيقة خلافا لما اعتقده الجمهور الواسع الذي ظن أن الطلاق وقع على خلفية معاقرته النساء علما أنني كنت أعلم بعلاقاته الغرامية وكنت أتعامل مع الموضوع بتسامح".
وروت ديان أنها تجاوزت الثمانين من عمرها و لا تزال نشيطة في تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين أمضى زوجها عقودا في محاربتهم.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت نادمة أجابت بالنفي، مؤكدة على أهمية الحرية بالنسبة لها، لافتة إلى أنه هو أيضًا غيّر توجهاته السياسية في آخر أيامه. وأضافت "في كتابه "محطات على الطريق" كتب موشيه أنه يؤيد إعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة وقد تميّز بقدرته على تغيير أفكاره كما تجلى في موقفه من منطقة شرم الشيخ التي أوضح تغيير موقفه حيالها بالقول "حمار من لا يغير رأيه" بعدما صرح مرات عديدة أن شرم الشيخ بدون سلام أفضل من السلام بدون شرم الشيخ"، وذلك في إشارة واضحة إلى معارضته للانسحاب من تلك المنطقة وإعادتها لمصر

3- جولدا مائير
لا تزال في الأذهان دعوتها المجرمة عندما قالت : " كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلاً فلسطينياً واحداً على قيد الحياة    
هى أخطر امرأة في تاريخ الصهيونية بلا منازع .. ، و واحدة من أكثر رموز هذه الحركة تطرفاً .. يلقبها الغربيون بـ " أم إسرئيل الحديثة " .. هذه " المرأة الرجل " – كما يلقبها بعض المؤرخين - هي جولدا مائير زعيمة حزب العمل الإسرائيلي ، ورئيسة الحكومة الإسرائيلية في الفترة من 1969 وحتى 1974.
ولدت جولدا مائير في الثالث من مايو عام 1898 لأبوين يهوديين ، في مدينة " كييف" بروسيا . كان أبوها نجاراً بسيطاً اضطرته الحاجة ومتطلبات الحياة إلى السفر إلى أمريكا عام 1903 ، للبحث عن عمل يتكسب منه ، ويكفل للأسرة في روسيا حياة كريمة .
استقرَّ الأب في مدينة "ميلواكي" بولاية "ويس كونسن" . وبعد فترة من العمل اضطر إلى استدعاء الأسرة للإقامة معه ، فالزوجة لم تعد تستطيع مواجهة الحياة وحدها، والقيام بواجبات الأطفال ، فانتقلت الأسرة كلها إلى "ميلواكي" عام 1906.
التحقت الطفلة جولدا مائير بإحدى المدارس الابتدائية في "ميلواكي"، وكانت دراستها الثانوية في المدينة نفسها، وأثناء المرحلة الثانوية بدأت تظهر عليها ملامح وعلامات الدهاء و الخبث ، و القدرة على شق طريقها بين الآخرين ، و السيطرة عليهم ، فنجحت في جعل زميلاتها يلتففن حولها ، ويجعلنها مستشارتهن الخاصة
تخرجت جولدا مائير في معهد المعلمات بـ"ميلواكي" ، وعملت في التدريس العام بالمدينة نفسها، وأثناء هذه الفترة انضمت إلى إحدى الجماعات الصهيونية النشطة ، ومن خلال تواجدها في هذه الجماعة تعرفت على زوجها " موريس ميرسون " الذي كان من الأعضاء البارزين في الحركة ، ومن المنظِّرين لها.. كانت العلاقة بينهما تكاملية ، فهو يسعى إلى التنظير والتقعيد ، بينما هي تسعى إلى إحياء هذه النظريات على أرض الواقع !!
في عام 1917 تمَّ زواج جولدا من " ميرسون " ذلك الرجل الهادئ ، صاحب النظريات ، الذي كان ينقاد غالباً إليها وينزل على آرائها ، واستطاعت هي ـ من خلال شخصيتها التسلطية إحكام قبضتها على "ميرسون " لدرجة أنها نجحت في إقناعه بترك كل شيء في أمريكا و السفر إلى فلسطين ، بالرغم من رؤيته الخاصة بعدم جدوى السفر !!
بعد وصولها وزوجها " ميرسون " إلى فلسطين ، وقيام دولة إسرائيل ، انخرطت هي في العمل العام ، وأصبحت ناشطة معروفة ، يعهد إليها بالأعمال المهمة ، بينما زوجها خفتت عنه الأضواء ، نظراً لطبيعته الخاصة ، التي لم تجعله يحظى بالحضور الاجتماعي كزوجته .
أنجبت جولدا مائير ولداً وبنتاً، طوَّعت حياتهما ليسيرا معها في ركاب دعوتها الصهيونية ، واستطاعت هي أن تغرس بداخلها قناعة خاصة ، مفادها أنَّها ليست امرأة عادية، وأنهما ليسا ولديين عاديين ، فأمهما تسعى لبناء دولة ، وهذا أوْلى من مكوثها إلى جوارهما.
زادت المهام وتتابعت الأعباء ، وكلما تتابعت المسؤوليات اتسعت الهوة بين الزوجين ، وكان كل منهما ينزع إلى عالمه الخاص ، حتى جاء اليوم الذي غابت فيه جولدا ـ أو كادت ـ عن حياة موريس ، ولم تعد تملك أن تمنحه شيئاً من وقتها ، ، وشعر هو بذلك ، فكان الانفصال عام 1945 ، وهو انفصال مبني على قناعات مسبقة عند الطرفين ، وكان من توصيات جولدا لميرسون أثناء الانفصال أنهما لا بد أن يظلا صديقين ، وأن يعملا سوياً لرفعة إسرائيل وتثبيت أركان الدولة .
انطلقت مائير تبشِّر بالدولة الجديدة ، وتعمل بهمة عالية ، وحرية أكثر ، وراحت تسعى لتذليل كل العقبات أمام المستوطنين القادمين من بقاع الأرض ، فتقول في مذكراتها عنهم : " كان الرواد الأوائل من حركة العمل الصهيوني هم المؤمنين الوحيدين الذين يستطيعون تحويل تلك المستنقعات أو السبخات إلى أرض مروية صالحة للزراعة، فقد كانوا على استعداد دائم للتضحية والعمل مهما كان الثمن مادياً أو معنوياً ".
في الوقت نفسه ، كانت تدرك أن التعبئة المعنوية وحدها لا تبني ولا تعمر ، ولا بدَّ من تقديم الأسباب المادية ، فتقول في موضع آخر

من المذكرات نفسها : " لقد كانت فلسطين هي السبب ، لقد كنت شغوفة بشرح طبيعة الحياة في إسرائيل لليهود القادمين ، وأوضح لهم كيف استطعت التغلب على الصعاب التي واجهتني عندما دخلت فلسطين لأول مرة ، ولكن حسب خبرتي المريرة التي مارستها ، كنت أعتبر أنَّ الكلام عن الأوضاع وكيفية مجابهتها نوع من الوعظ أو الدعاية .
وتبقى الحقيقة المجرَّدة ، هي وجوب إقامة المهاجرين ، وممارستهم للحياة عملياً. لم تكن الدولة الإسرائيلية قد أنشئت بعد ، ولم تكن هناك وزارة تعنى بشؤون المهاجرين الجدد ، ولا حتى من يقوم على مساعدتنا لتعلم اللغة العبرية ، أو إيجاد مكان للسكن ، لقد كان علينا الاعتماد على أنفسنا ، ومجابهة أي طارئ بروح بطولية مسؤولة ".
لقد أعمى حلم إقامة الدولة عيون جولدا مائير عمَّا سواه من حقائق ، فآمنت ـ إيماناً منحرفاً ـ وأقنعت الكثيرين بأنَّ فلسطين لهم ، وبأنَّ العرب ليسوا موجودين أصلاً ، وإن كانت لهم بقايا أو ظلال ،فهي أضعف من أن تصمد أمام الزحف الصهيوني العنيد .
وهناك قصة معروفة قيلت خلال اجتماعها بعدد من الكتاب الإسرائيليين عام 1970 ، حينما عرض عليها كاتب بولندي انطباعه عن فلسطين بعد زيارته لها قائلاً : " العروس جميلة ولكن لديها عريس" فأجابته بغطرسة: "وأنا أشكر الله كل ليلة ، لأنَّ العريس كان ضعيفاً ، وكان من الممكن أخذ العروس منه" !!
ويحملها طموحها الجموح ونظرتها التوسعية أقصاهما حين وقفت على شاطيء خليج العقبة ، وأخذت تستنشق الهواء وتقول: " إني أشم رائحة أجدادي في خيبر".
عاشت مائير حياتها وسط أجواء صاخبة ، محشودة بالعداوات والصداقات ، فبقدر ما كسبت مؤيدين متعصبين لها ،كسبت معارضين ناصبوها العداء ، حتى من بني جلدتها، وخصوصاً أصحاب خندق السلام !
ومن بين هؤلاء الكاتب الإسرائيلي " بوعز أبل باوم " الذي أعدَّ دراسة تحمل عنوان " دليل رؤساء حكومات إسرائيل " يصف فيها جولدا مائير بأنَّها : " كانت منافقة ، تجيد التلون كالحرباء " .

ويقول : إنَّها بوقوفها ضد السلام أدت إلى اندلاع حرب أكتوبر التي راح ضحيتها 2600 شاب إسرائيلي ، ورغم أنَّ الملك حسين حذَّرها قبل اندلاع الحرب بثلاثة أيام ، إلا أنَّها تجاهلت تحذيراته ، إضافة إلى أنَّ فترة حكمها اتسمت بالجمود ورفضت أية مبادرة للسلام ، فقد كانت امرأة متصلبة فظَّة ، تفتقر للمرونة وتميل إلى الوحشية ، فحينما كانت تمر في طرقات وزارة الخارجية ، وتلقي تحية الصباح باللكنة الأمريكية الثقيلة ، تجد جميع العاملين وقد فروا للاختفاء في غرفهم هرباً منها " !!
ويضيف المؤلف قائلاً: " إنه على الرغم من أن جولدا كانت تتصف بالبلاهة في بعض الأحيان ، وتخلط بين ما هو مسموح وما هو ممنوع ، غير أنها تظل واحدة من ثلاثة رؤساء وزراء تمتعوا بالكاريزما ، كما بن غوريون وبيغين ، وخطبها السياسية كانت تجذب المستمعين ، ومعظمها كانت خطبا عدوانية شرسة ، وقد وصفها بن غوريون بأنها الرجل الوحيد في الحكومة الإسرائيلية "

وفي عام 1978 ، ماتت جولدا مائير عن ثمانين عاماً، قضتها في عداء و صراع مع الحق .. فقد كانت طيلة حياتها الطويلة تخشى المستقبل وترهب المجهول ، وكانت تنظر إلى الأطفال الفلسطينيين على أنهم بذور شقاء الشعب الإسرائيلي ، فكانت تقول: " كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلاً فلسطينياً واحداً على قيد الحياة ".
كانت جولدا مائير تدرك أنَّ هؤلاء الأطفال هم قنابل الغد ، ولا سبيل لإفساد مفعول هذه القنابل إلا بوأد هؤلاء الأطفال ؟

جولدا مائير تصرخ أنقذوا إسرائيل
و من هنا كانت جولدا مائير من ألد أعداء السلام مع العرب ، و لم يكسرها في حياتها شيء سوى حرب السادس من أكتوبر المجيدة ، و انهيار أسطورة جيش إسرائيل الذي لا يقهر " .. و رغم اعتراف جولدا مائير بانتصار أكتوبر الساحق ، و هزيمة إسرائيل النكراء ، التي يجسدها بوضوح نص رسالة الاستغاثة العاجلة التى بعثت بها إلى وزارة الخارجية الأمريكية فى التاسع من أكتوبر عام 1973 ، و كانت من كلمتين فقط هما " أنقذوا إسرائيل ".. رغم ذلك إلا أنها رغم ذلك كانت تفضل الموت على ترجمة هذا الاعتراف - كرئيسة وزراء - على أرض الواقع بقبول وقف إطلاق النار
و قد كشفت ذلك وثيقة شهيرة من وثائق حرب أكتوبر السرية الأمريكية هى محضر اجتماع سري بين كيسنجر ورئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير ليلة صدور قرار مجلس الأمن رقم 338 لوقف إطلاق النار .
جزء من الاجتماع كان سريا بدرجة أكبر حتى لم يسجل له محضر ولا نعرف بالضبط الذي تناقشا فيه ، غير أن المحضر الذي بين أيدينا يكشف بلا رتوش طبيعة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية ، وكيف تتدهور الأمور إذا كان رجل في منصب وزير الخارجية الأمريكية ولاؤه لإسرائيل مقدم على ولائه للولايات المتحدة.
و قد استغرق كيسنجر وقتا طويلا في الدفاع عن قبوله لذكر القرار القديم رقم 242 (لعام 1967) والذي ينص على ضرورة انسحاب إسرائيل من أراض محتلة. وهون كيسنجر من شأن ذلك القرار ووصفه بأنه شعارات فكاهية لا معنى لها.
وأخذ كيسنجر يطمئن مائير عدة مرات أنه يرى أن مصر لم تكسب الحرب ، وأن العرب فهموا الآن أنهم يحتاجون الولايات المتحدة لحل مشاكلهم حتى لو كانوا يكرهونها.
لقد كذب كيسنجر في تصريحاته العلنية فيما بعد عندما قال إنه ضغط على مائير لقبول وقف إطلاق النار ، ومحضر الإجتماع يكاد – كما قال فيه – يجعل من كيسنجر الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية.
جولدا مائير لم تترك طلبا إلا وعرضته على كيسنجر بداية من موضوع الأسرى إلى الجسر الجوي الأمريكي وموقف السادات ونوايا الروس .. إلخ.
وقد تعمد كيسنجر التأكيد على مائير أن بإمكانها خرق وقف إطلاق النار ، وأنه لن تثور في الولايات المتحدة احتجاجات على هذا الخرق لحين وصوله إلى واشنطن. لقد كان الزعيم السوفييتي بريجينيف محقا في اليوم التالي عندما قال "أشعر أن اتفاقا سريا بخرق وقف إطلاق النار تم في تل أبيب بين كيسنجر وإسرائيل".
لقد ندم كيسنجر فيما بعد أنه فعل هذا ، ولكن في تلك اللحظة الحرجة كادت المنطقة كلها أن تخرج عن السيطرة.
لقد حاول كيسنجر شحن مشاعر الإسرائيليين ضد العرب أكثر بقوله إن الروس يزدرون العرب ويعاملونهم بصلف وسخف برغم أنهم حلفاؤهم.يلاحظ أيضا أن السفير الأمريكي في تل أبيب كيتنج ، لم يعلم بمحادثات كيسنجر ولا خططه ، ولم يُدع لحضور هذا الاجتماع المهم. وقد تفضل عليه كيسنجر بأن طلب من مائير أن تعطه فكرة عما حدث. لقد كان كيسنجر منفردا بخيوط السياسة الأمريكية الخارجية.

                     بين جولدا مائير وكسينجر
سري ..البيت الأبيض - واشنطن --سري للغاية – حساس
                                      محضر اجتماع
الحضور :رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير --موردخاي جازيت – مدير مكتب رئيسة الوزراء--  هنري كيسنجر وزير الخارجية --بيتر رودمان – هيئة الأمن القومي
التاريخ والوقت : الإثنين 22 أكتوبر 1973 .. من الساعة 1:35 إلى الساعة 2:15 بعد الظهر المكان : بيت الضيافة – هيرزيليا بالقرب من تل أبيب
عقد كيسنجر وجولدا مائير اجتماعا منفرداً لمدة 15 دقيقة بعد وصول كيسنجر ثم بعد ذلك استدعي رودمان وجازيت للالتحاق بهما وكتابة محضر الإجتماع.
رئيسة الوزراء : هذا بيت الضيافة للضيوف المميزين إنني دائماً هنا أو في مزرعة ابنتي.
كيسنجر: رئيسة الوزراء أود أن تتفهمي الموقف بخصوص ذكر القرار 242. أولاً أثناء اجتماعي مع السوفيت كان ذكر القرار 242 وسيلة للاتفاق بيننا وعليكِ أن تتذكري أن الرئيس يرى أن ذكر القرار 242 يعتبر نجاحاً وأن الناس في الولايات المتحدة لا ينظرون إلى الحرب بنفس الطريقة. ثانياً إن الرئيس تعرض لضغوط شديدة من العرب ومن رجال البترول للعودة إلى حدود 1967. ولمدة أسبوعين صرفت الرئيس ببساطة بذكر القرار 242.
لهذا لو رفضنا أي ذكر للقرار 242 سيكون هذا مستحيلاً في ظل الظروف الحالية بينما في الحقيقة هذا القرار القديم يعطي إسرائيل حدوداً آمنه ومعترف بها ، وأريد أن أؤكد لكِ أنه لا توجد أي تفاهمات جانبية بخصوص القرار 242. إنكِ إذا قارنتِ الموقف المصري يوم الثلاثاء الماضي ...

رئيسة الوزراء: السادات
كيسنجر: مطالب السادات ، بالإضافة إلى أننا كنا نتلقى رسالة كل يومين من حافظ إسماعيل بالإضافة إلى رسائل السعوديين.
عندما اجتمعت على الغذاء مع الدبلوماسيين العرب في نيويورك قلت لهم إن لغة القرار 242 عبارة عن نكتة. إن القرار يتحدث عن سلام عادل ودائم وحدود آمنه ومعترف بها. إنني حقيقة أعتقد هذا وأن هذه العبارات لا تعني شيئاً وإنما تعني فقط أن ما نتفاوض عليه هو الذي سيكون. وحتى في مداولات مجلس الأمن في شهر يوليو الماضي رفض العرب القرار 242. وفي المحادثات التي أجريتها قبل ذلك مع وزير الخارجية السوفيتي جروميكو ظلوا يرفضون اقتراحاتنا والتي تستند إلى القرار 242 بما فيها الإقتراحات التي أخذناها منكم.
لهذا من المستحيل أن نرفض ذكر القرار 242. إن الرئيس يرى أن كل شيء يبدأ من هذا.
إنني أعتقد أن مشكلتك ليست في القرار 242 ولكن في شيء آخر سأتكلم معك في خصوصه على إنفراد. ولكن أرى أن عندك نقطة وجيهة وهي إعطاء الأراضي والمفاوضات المباشرة. إن الزعيم السوفيتي بريجينيف كان يصرخ ويريد أكثر من القرار 242 إنه كان يطالب بالتنفيذ الكامل لجميع قرارات الأمم المتحدة.
رئيسة الوزراء: ولكن القرار لا يتحدث عن مفاوضات مباشرة ( بدأت تقرأ ) مفاوضات بين الأطراف المعنية بهدف التوصل إلى سلام عادل ودائم. هذا ما يضايقنا ماذا يعني هذا؟
كيسنجر: لا شيء حتى تبدأ المفاوضات.
رئيسة الوزراء: لكن ما هي العلاقة بين الفقرتين 2، 3. إن القرار يذكر التنفيذ الكامل للقرار 242.
كيسنجر: هذا سيكون موضوعاً للتفاوض.
رئيسة الوزراء: هل يعرف الروس أن هذه هي ترجمتك للقرار؟
كيسنجر: نعم إنني في الحقيقة أردت ذكر هذا في نص القرار ولكن الروس قالوا إن هذا موجود بالفعل.
رئيسة الوزراء: "إسكالي" قال هذا أيضاً وهذا حسن.
كيسنجر: أنا الذي كتبت مسودة القرار.
رئيسة الوزراء : أنا اعتقدت هذا.
كيسنجر: سأعقد مؤتمر صحفياً عند عودتي يوم الأربعاء.
رئيسة الوزراء : سنعقد اجتماعا لجميع الأحزاب غداً في الكنيسيت وسنسأل عن كل هذا.
كيسنجر: سأعطيك تأكيدات رسمية وسأعلن هذا علانية أنه لا توجد أي تفاهمات جانبية حول القرار 242.
رئيسة الوزراء : إنني أحتاج إلى هذه التأكيدات. إنني أصدقك. مسألة أخرى لا يمكننا تحملها وهي أسرى الحرب ومسألة أخرى أيضاً وهي ما قاله " مالك " عندما قال "الوفاء العملي" للقرار 242.
كيسنجر: دعيني أشرح هذه النقطة. لقد قال الروس أنه لا توجد ترجمة روسية لكلمة التنفيذ فقلنا له يمكنكم استخدام الوفاء العملي باللغة الروسية.
رئيسة الوزراء: بالنسبة لأسرى الحرب إننا عندنا 1000 أسير مصري وسوري منهم طيارون وضباط.
كيسنجر: لقد أعطاني بريجينيف كلمة شرف - وهي في الحقيقة لا تساوي شيئاً – ولكن سنستطيع استخدامها وقلت له بوضوح إننا لن نستطيع أن ننفذ موضوع أسرى الحرب بدون كلمته. وقد قال بريجينيف إنه لا يمكنه ترتيب اتفاق على أسرى الحرب في 12 ساعة ولكنه أعطاني كلمته كزعيم للإتحاد السوفيتي أن تبادل الأسرى سيتم. قلت له هل يمكننا تنفيذها في 72 ساعة فقال إنه سيستخدم أقصى نفوذه.
ولقد تناولت الإفطار هذا الصباح مع جروميكو وأردت أن أحصل منه على تأكيد كتابي ولكنه رفض وقال إن المكتب السياسي الشيوعي لابد أن يوافق على هذا أولا ولكنه أيضاً أعطاني كلمتهم. إذا لم ينفذوا وعودهم فسنعلن هذا على الملأ.
رئيسة الوزراء: إن هذا يعني الكثير لنا وليس لأحد خبرة أكبر من خبرتك في موضوع أسرى الحرب.
كيسنجر: لو كنت مكانك – وأنا لا أقدم لكِ النصيحة – لن أبدأ أي مفاوضات حتى يتم إطلاق سراح الأسرى.
رئيسة الوزراء: إنني لا أستطيع أن أتحمل هذا. كيف يمكنني مواجهة أمهات وزوجات هؤلاء الأسرى؟ لقد اتفقنا في مجلس الوزراء أن نجعل هذا شرطاً لأي وقف لإطلاق النار. إن العرب لا يبالون بهذا. لقد أعطيناهم قائمة بالأسرى لدينا ولكنهم لم يعطونا أي شيء إنهم لا يبالون بالحياة الإنسانية. السادات ليس ملزماً أن يقابل زوجات الأسرى لكنني أنا ملزمة بهذا.
كيسنجر: إن سياستي في هذه الأزمة كما شرحت هذا مراراً لدينيتز (السفير الإسرائيلي في واشنطن) هو أن نجعل الدور العربي والدور الروسي محدوداً.
رئيسة الوزراء: أعرف هذا. ولا أعرف كيف كنا سنتصرف بدونك. لقد ذهبت إلى مطار عسكري وشاهدت الطائرات عند عودتها وكانت أكثر مما كنت أحلم به.
كيسنجر: لقد أجريت عدة مراسلات مع المصريين وأعتقد أنهم مهزوزون شيئاً ما.
رئيسة الوزراء: المصريون ؟
كيسنجر: نعم في البداية أرسلوا لنا رسالة تحدد السقف الأعلى لمطالبهم وسألتهم وقتها عن وضعهم في تلك اللحظة فأجابوا إنها نفس هذه المطالب القصوى. لقد قلت لمحمد حسن الزيات إنكم بعد أيام قليلة ستفكرون في العودة إلى خطوط التماس لبداية الحرب.
رئيسة الوزراء: إننا كنا سنكون في وضع أفضل خلال أيام قليلة ولكن لا يهم الآن. إننا نعاني من عقدة بخصوص وقف إطلاق النار لأنه في أغسطس 1970 وافقنا على الالتزام بعدم إطلاق النار ولكنهم قاموا بتحريك الصواريخ.
كيسنجر: هل وصلتك رسالتي أنكم إذا احتجتم لعدة ساعات.... هل وصلتك الرسالة؟
جازيت: نعم تلقيناها ولكن كانت في سياق الكلام على قرار مجلس الأمن وفهمنا أنك لم تعني هذا المعنى.
كيسنجر: إنني قصدت معنى الرسالة ولكن تعمدت أن أقولها بعناية لأننا كنا نستخدم اتصالات وزارة الخارجية ثم حدث فيها خلل...
رئيسة الوزراء : ما المقصود بوقف إطلاق النار ووقف التحركات؟
كيسنجر: بصراحة لم نفكر في هذا.
رئيسة الوزراء: السوفييت سيعطون السادات كل المعدات التي يحتاجونها والتي لا يحتاجونها.
كيسنجر: لقد سألت جروميكو بعد انتهاء الحرب ما الذي يفكر فيه السادات فقال " لا يهم إنه مجرد جمل حامل للأوراق "
رئيسة الوزراء: ولكنه لا يعيش في عالم الواقع. إنه يعتقد أنه كسب الحرب لدينا مصدر أخبرنا بأن السادات يقول إنه على استعداد لإسترداد الأراضي المحتلة حتى لو كلفه هذا مليون رجل.
كيسنجر: كيف يعتقد أنه كسب الحرب.
رئيسة الوزراء: لقد قال لي الجنرال بارليف أنه لا داعي للقلق.
كيسنجر: دعيني أبين ما اعتقده. لقد كسبتم الحرب حتى لو قلنا بثمن باهظ جداً. إن الحقيقة أنه - ولستة سنوات - كان المصريون يحصلون على أحدث الأسلحة ووسائل الاتصالات وكل شيء ولكن لم يحققوا شيئاً. إنكم الآن عبرتم إلى الجانب الغربي من القناة وخسر المصريون والسوريون آلاف الصواريخ.
رئيسة الوزراء: الروس سيمدونهم بصواريخ جديدة.
كيسنجر: ولكن هذا لا يغير من الوضع شيئاً.
رئيسة الوزراء: إن الطريق إلى دمشق مفتوح أمامنا ولكننا لا نريد كما قلت لك.
كيسنجر: نعم وأنا لم أبلغ هذا لأي أحد.
رئيسة الوزراء: إن المصريين والسوريين يقولون إن القتال مستمر.

كيسنجر: لن تحدث احتجاجات عنيفة في واشنطن لو حدث شيء من طرفكم أثناء هذه الليلة أثناء عودتي بالطيران. لن يحدث شيء قبل ظهر الغد في واشنطن.
رئيسة الوزراء: إذا لم يتوقفوا فلن نتوقف.
كيسنجر: وحتى لو توقفوا ...
رئيسة الوزراء: هناك موضوع آخر أريد طلبه منك. يوجد حوالي 4000 يهودي في دمشق يعيشون في ظروف فظيعة ونريد أن يقوم الصليب الأحمر بإخراجهم وإحضارهم إلينا.
كيسنجر: سأتكلم عن هذا الموضوع علانية.
رئيسة الوزراء: يقول "إسكالي" إن وقف إطلاق النار لا يلزم مصر وسوريا فقط ولكن جميع الدول الأخرى.
كيسنجر: نعم لقد اتفقنا على هذا مع الروس وسأتكلم عن هذا علانية. سأتكلم مع الروس عن أسرى الحرب وعن هذه النقطة.
رئيسة الوزراء: عندما بدأت الحرب قاموا بإغلاق مضيق باب المندب وتوجد هناك مدمرات مصرية ولكن تحت قيادة يمنية.
كيسنجر: سأتكلم في هذا مع السوفييت ، إنني لم أكن أعرف هذا. يمكنك المطالبة بهذا علانية إنه من الضروري ألا أظهر وكأنني المتحدث الرسمي لكم.
رئيسة الوزراء: الآن دعنا نتكلم عن شيء أساسي ماذا سيحدث لجسر الإمداد الجوي.
كيسنجر: لقد أعطيت أوامري كي يستمر ويمكننا تبرير هذا بما يقوم به السوفيت من مواصلة الإمدادات.
يجري الآن تحميل 20 سفينة عليها 40 طائرة A-4 وهذه بالتأكيد ستصل وقد طلبت أيضاً 44 فانتوم. الجسر الجوي مستمر. سأتعرض لضغوط شديدة ولكن طالما يستمر السوفيت سنقوم بنفس الشيء.
لقد أعلن الرئيس يوم الخميس الماضي أن الإمدادات البحرية ستتصاعد وقدمنا طلباً يوم الجمعة بإمدادات قدرها 2.2 بليون دولار والتي أعطتنا قوة دفع.
رئيسة الوزراء: ولكن هناك عبارة تقول: إذا توقفت الحرب فإن المعونات لن يتم زيادتها.
كيسنجر: ولكن لدينا تعهد الرئيس بتعويضكم عن كل خسائركم. إنني من الصعب علي أن أتحدث مع الرئيس في هذا إنهم سيقررون هذا مع الرئيس ، الجنرال هيج والجنرال شكروفت والنواب. وطالما أن هؤلاء النواب المجانين لن يهاجموني فسيمكننا تنفيذ طلباتكم. إن سفيرنا كيتينج كان غير راض عن استبعاده من المناقشات وأقترح أن تتحدثي إليه على إنفراد أثناء محادثاتي مع موشى ديان.
رئيسة الوزراء: سأتحدث معه . إنه من المثير أننا لم نسمع شيئاً من مصر وسوريا. ماذا يقول الروس.
كيسنجر: كان الروس سخفاء مع العرب .. لقد قالوا إنهم قد تحدثوا فقط مع القاهرة. لقد كان بريجينيف دائماً يتكلم بطريقة سخيفة إذا ذكر العرب لدرجة أن أحد المعاونين لي قال لي في مرة كيف سيكون الأمر لو كان الروس حلفاءنا.
كلمة أخرى عن الأوضاع الراهنة إنني أعتقد أنكم كسبتم الحرب وأعتقد أننا كسبنا أيضاً . إن العرب يدركون الآن أنهم إذا احتاجوا شيئاً فعليهم الاتصال بنا. إن السوفيت يستطيعون إعطاءهم المعدات ولكن لن يعطوهم تسوية فسواء كرهنا العرب أم لا فإنهم يحتاجون للحديث معنا. سأتصل يوم الخميس بالدول المنتجة للبترول وأخبرهم أننا لا نتفاوض تحت الضغط وأنهم إن لم يعيدوا إمدادات البترول فلن نفعل شيئاً. إن السادات لن يستطيع أن ينجو.
رئيسة الوزراء: ولكن المشكلة أنه يشعر أنه البطل. إن قياداته على الأرض لا تبلغه بالحقائق مثلما كان يحدث مع عبد الناصر لذلك في مصر يعتقدون أنهم كسبوا الحرب.
كيسنجر: لقد أخبرني جروميكو أن الخطر الوحيد على مصر هو الشعور بالذعر لأن القوات الإسرائيلية التي عبرت القناة قوات بسيطة وأنه إذا انتظمت الأمور سوف تنهار القوات الإسرائيلية غرب القناة.
رئيسة الوزراء: إن القوات المصرية لم تنهار ولكنها فقدت نظامها.
إلى هنا انتهى نص وثيقة محضر الاجتماع .

جولدا مائير تعترف
و قد كشف مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية في حرب أكتوبر " ايلي زعيرا " والذي يصفونه في إسرائيل بأنه "مهندس الهزيمة " وأنه السبب الرئيسي فيما لحق بالجيش الإسرائيلي ، نشر مؤخرا كتابا يحمل اسم " حرب أكتوبر الأسطورة أمام الواقع " اعترف فيه بأن المخابرات المصرية دست معلومات مضللة على جولدا مائير ، مشيرا إلى أن السبب الرئيسي في الهزيمة هو وصول معلومات تم نقلها مباشرة إلى رئيسة الوزراء ، وبدون تحليل من الموساد ، على أساس أنها موثوق بها ، وكانت هذه المعلومات هي السبب الأساسي وراء التقديرات الخاطئة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية .
وأضاف زعيرا أيضا في كتابه أن تلك المعلومات المضللة هي من تخطيط المخابرات المصرية وأنها كانت جزءا من خطة الخداع والتمويه المصرية التي تم تنفيذها استعدادا للمعركة أما جولدا مائير نفسها - رئيسة وزراء إسرائيل وقت الحرب - فتقول في اعترافاتها التي أوردتها – على مضض - في كتابها " قصة حياتي " ..
تقول : " لا شىء أقسى على نفسى من كتابة ما حدث فى أكتوبر ، فلم يكن ذلك حدثا عسكريا رهيبا فقط ، وانما مأساة عاشت وستعيش معى حتى الموت ، فلقد وجدت نفسى فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ إنشائها . ولم تكن الصدمة فقط فى الطريقة التى كانوا يحاربوننا بها .. ولكن أيضا لأن عددا من المعتقدات الأساسية التى آمنا بها قد أنهارت أمامنا ، فلقد آمنا باستحالة وقوع حرب فى شهر أكتوبر
وآمنا بأننا سوف نتلقى إنذارا مبكرا لكل تحركات المصريين والسوريين قبل نشوب الحرب ، ثم إيماننا المطلق بقدرتنا على منع المصريين من عبور قناة السويس ….إننى استعيد الآن هذه الأيام .. إنه شىء لا يمكن وصفه.. يكفى أن أقول إننى لم أستطع البكاء ، وكنت أمشى معظم الوقت فى مكتبى وأحيانا أذهب إلى غرفة العمليات ، وكانت هناك اجتماعات متواصلة وتليفونات من أمريكا وأخبار مروعة من الجبهة وخسائرنا تمزق قلبى " !!
وتقول جولدا : " أذكر أنه فى يوم الأحد عاد ديان من الجبهة المصرية ، وطلب مقابلتى على الفور وأخبرنى أن الموقف سىء جدا وانه لابد من اتخاذ موقف الدفاع وان تنسحب القوات الإسرائيلية إلى خط دفاع جديد واستمعت إليه فى فزع ، لقد عبر المصريون القناة " !!
كما كشفت وثائق جديدة النقاب عن أزمة الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون مع جولدا مائير بسبب مخاوفه من استخدامها للسلاح النووي ضد العرب .و كشفت الوثائق أيضاً عن اللقاء الشهير الذي جمع بين نيكسون و مائير ، حين كان مستشار الأمن القومي وقتها " هنري كيسنجر "، وهو تلك الشخصية التي ذاع صيتها في الشرق الأوسط فيما بعد.
ومن بين الوثائق يتبين انه في شهر يوليو من عام 1969 حين كان العالم بأسره منشغلا بالعديد من الأحدث العلمية، كان الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون " يهتم بموضوع آخر تماما، وهو إلى أي مدى من الممكن أن تستخدم حليفته إسرائيل السلاح النووي

في حروبها ضد العرب ؟. حيث كشفت المكتبة الرئاسية المركزية النقاب عن أكبر عدد من الوثائق السرية التي تتحدث عن فترة حكم الرئيس الأمريكي نيكسون في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط.

وتؤكد بعض الوثائق التي يبلغ عددها عشرة آلاف وثيقة أن مستشار الأمن القومي السابق "هنري كيسنجر" قال في 19يونيو 1969 للرئيس الأمريكي نيكسون أن الإسرائيليين هم الشعب الوحيد الذي يواجه خطر الابادة دائما، لذا فعليهم استخدام السلاح النووي.
كما أن هناك دلائل تشير إلى أن مواد نووية تم تهريبها بشكل غير شرعي من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1965، وأنها وجدت في إسرائيل، كما أن "كيسنجر" أضاف في الوثيقة أنه من الصعب الإشراف على البرنامج النووي الإسرائيلي بسبب وجود غموض في العديد من المواقع النووية هناك ( إنه الشئ الذي خدعتنا فيه إسرائيل، وربما تمت سرقته من بلادنا) يقول كيسنجر.

وقالت مصادر صحفية أمريكية اقتبستها صحيفة يديعوت أحرونوت اليوم أن الوثيقة التي كتبها كيسنجر بعد عامين من حرب الأيام الستة، تظهر أن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها، غير أن مسألة السلاح النووي تثير أزمة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قال كيسنجر حين تطرق لموضوع بيع بلاده لطائرات فانتوم لإسرائيل، أن إسرائيل لن تطلعنا على برنامجها النووي بجدية إلا حين تدرك إننا مستعدون لفعل أشياء كثيرة من أجلها.
ولكنه من جانب آخر يضيف ( حين نرسل إليهم الفانتوم، ثم يقومون بتحويل البرنامج النووي السري إلى برنامج علني، وان الأمر سيفتح علينا أبوابا من العواصف السياسية، وسوف نكون في موقف ضعيف إذا لم نستطع الإعلان بأننا نعطل تسليم طائرات الفانتوم، ومع ذلك إذا عطلنا الأمر فإننا نجبر إسرائيل على الإعلان عن برنامجها النووي، لتحقيق قوة الردع).
وقالت صحيفة يديعوت آحرونوت أن الوثيقة أعدت قبيل لقاء الرئيس الأمريكي نيكسون مع رئيسة الحكومة الإسرائيلية جولدا مائير، وأثناء اللقاء تم الاتفاق على أن تحصل إسرائيل على طائرات الفانتوم.
ويرى الباحث الإسرائيلي " أفنير كوهين " في كتابه الذي يحمل اسم (إسرائيل والقنبلة)، أن مائير ونيكسون اتفقا على إخفاء إسرائيل ما لديها من سلاح نووي، وإخفاء ما تقوم به من تجارب نووية، مقابل عدم قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط عليها في هذا الشأن.

على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء
باحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب وباحبها وهي مرميه جريحة حرب
باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء
واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب
والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب

4- مناحم بيجين ..إرهابي من الدرجة الأولى
في كتابه " الثورة " كتب المجرم - متباهياً بجريمته - يقول : " إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من العرب .. وأضاف يقول بمنتهى الوقاحة : لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل " !!
هو إرهابي مع سبق الإصرار و الترصد .. بل هو أحد كبار عتاة الإرهاب الصهيونى .. تشهد عليه مذابحه الدموية في فلسطين .. و عصاباته الوحشية التي كان يتزعمها لتصفية الوجود الفلسطيني على الأرض في الأربعينيات من القرن الماضي .
و على الرغم من محاولاته تجميل صورته ، بعد ارتدائه عباءة السياسيين كرئيس الوزراء السادس في تاريخ الكيان الصهيوني ، و فوزه بجائزة نوبل للسلام ، بعد توقيعه معاهدة سلام مع مصر في كامب ديفيد ، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل ، حيث لم تنجح في إخفاء صورة الإرهابي الكامنة داخله !!
وقد أورد أ. هابر مؤلف كتاب : " مناحيم بيغن .. الرجل والأسطورة " الصادر في نيويورك عام 1979 في الصفحة 385 على لسان بن جوريون : إن بيجن ينتمي دون شك إلى النمط الهتلري ، فهو عنصري على استعداد لإبادة كل العرب " لتحقيق حلمه بتوحيد إسرائيل ، وهو مستعد لإنجاز هذا الهدف المقدس بكل الوسائل " !!

ولد مناحم بيجين عام 1913 في مدينة بريست لتوفيسك في روسيا, وبعد أن أكمل تعليمه الأول سافر إلى بولندا والتحق بجامعة وارسو؛ حيث حصل فيها على شهادة عليا في الحقوق, وفي ذلك الوقت انضم إلى حركة البيتار الصهيونية في بولندا.
وفي عام 1940 اعتقلته السلطات السوفييتية بتهمة التجسس, ثم أُطلق سراحه والتحق بالجيش البولندي العامل في الاتحاد السوفييتي.
سافر إلى فلسطين عام 1942 وتولى قيادة فرع المنظمة هناك، وفي العام التالي أصبح رئيسًا لحركة الأرجون (إحدى المنظمات الإرهابية الصهيونية).
في عام 1944 أعلنت الأرجون معارضتها لسياسة الانتداب البريطاني في فلسطين؛ لأنها كانت تفرض شروطًا على الهجرة اليهودية إليها.

مذبحة  دير ياسين
في 9 أبريل عام 1948- قبل شهر وبضعة أيام من إعلان قيام إسرائيل- أقدمت منظمة الأرجون برئاسة مناحم بيجين بالاشتراك مع منظمة شتيرن ليحي برئاسة إسحق شامير على القيام بمذبحة في قرية دير ياسين؛ من أجل السيطرة على الأوضاع في فلسطين؛ تمهيدًا لإقامة الدولة اليهودية.
وكان العرب في ذلك الوقت يحرزون الانتصارات المتوالية على اليهود بزعامة البطل الفلسطيني عبد القادر الحسيني؛ لذلك فقد كان اليهود في حاجة لانتصار "من أجل كسر الروح المعنوية لدى العرب ورفع الروح المعنوية لدى اليهود" على حد قول أحد ضباط اليهود.
دخلت القوات اليهودية في فجر ذلك اليوم إلى قرية دير ياسين- وهي قرية صغيرة تقع على بُعد بضعة كيلو مترات من القدس يقطنها 400 شخص ولا يملكون إلا أسلحةً قديمةً يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الأولى؛ حيث دخلت قوات الأرجون من شرق وجنوب القرية، بينما دخلت قوات شتيرن من الشمال ليحاصروا القرية من كل جانب باستثناء الجانب الغربي وليفاجئوا السكان وهم نائمون، وقد لاقى الهجوم مقاومة من سكان القرية في البداية وأدى إلى مصرع 4 وجرح 40 من المهاجمين.
ولمواجهة صمود أهل القرية تم قصفها بمدافع الهاون لتسهيل مهمة المهاجمين, ومع حلول الظهيرة أصبحت القرية خاليةً تمامًا من أي مقاومة, ثم قامت قوات الأرجون وشتيرن "باستخدام الأسلوب الوحيد الذي يعرفونه جيدًا وهو الديناميت" على حد قول الكاتب الفرنسي باتريك ميرسييون، وتم تفجير القرية بيتًا بيتًا, وبعد نفاذ المتفجرات قاموا "بتنظيف المكان" من العناصر المتبقية من المقاومة عن طريق القنابل والمدافع الرشاشة؛ حيث كان يتم إطلاق النيران على كل من يتحرك داخل المنازل من رجال أو نساء أو أطفال أو شيوخ، وتم إيقاف العشرات إلى الحوائط وإطلاق النار عليهم بلا رحمة.

وعلى مدى يومين متتاليين قامت القوات اليهودية بأعمال تعذيب سادية، وتم منع مبعوث الصليب الأحمر من دخول القرية لأكثر من يوم، وقام أفراد الهاجاناه الذين احتلوا القرية بتفجير الجثث لتضليل الهيئات الدولية والإيحاء بأن الضحايا لقو حتفهم في صدامات مسلحة
وأرسل مناحم بيجين برقية تهنئة إلى رعنان قائد الأرجون المحلي, قال فيها: تهنئتي لكم على هذا الانتصار العظيم.. قل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ في إسرائيل، وفي كتابه (الثورة) كتب بيجين: إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي، وأضاف: لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل.
كما قامت قوات الأرجون برئاسة بيجين بنسف فندق الملك داود- مقر قيادة القوات البريطانية- عام 1946، واشتركت مع منظمة شتيرن في اغتيال الكونت السويدي فولك برنادوت من العائلة السويدية المالكة ورئيس الصليب الأحمر السويدي الذي اختارته الأمم المتحدة ليكون وسيطًا للسلام بين العرب والإسرائيليين.
و تعد عملية نسف الفندق من العمليات الخطيرة ، التي نفذها بيجين و عصاباته لأسباب تتعلق بخطة تستهدف الإسراع باغتصاب فلسطين ، بعد دفع الانجليز بالخروج منها . و تفاصيل الهجوم ، و من قبلها توقيته تدل على ذلك .
فقد اهتزت مدينة القدس اهتزازا عنيفا ومدويا عندما انفجرت شحنات ناسفة في فندق الملك داود‏ ،‏ بعد ظهر أحد أيام صيف عام ‏1946..‏ وتم تدمير جناح كامل من الفندق‏ ،‏ ولقي ‏91‏ شخصا مصرعهم‏ ،‏ وأصيب‏46‏ آخرون‏ في تلك العملية الإرهابية التي خطط لها مناحم بيجين زعيم عصابة أرجون الصهيونية‏.‏
وانفرجت أسارير بيجين لنجاح عمليته الإرهابية‏ ، ولوح بقبضة يده‏,‏ وهو يصرخ قائلا‏:‏ أنا أقاتل‏..‏ فأنا إذن موجود‏..‏ ثم كتب بخط يده المخضبة بالدماء تفاصيل عملية نسف الفندق في كتابه الشهير الثورة‏..‏ وأسهب في وصف جريمته‏ ، عندما ذكر أن قطع الحجارة تطايرت لقتل المارة‏,‏ وأصابتهم بإصابات بالغة‏..‏ وقذفت الأنقاض المتطايرة أحد المسئولين البريطانيين‏,‏ فارتطم بحائط المبني المقابل للفندق‏..‏
وكان مناحم بيجين قد خطط ودبر عملية نسف فندق الملك داود‏,‏ ليوجه ضربة لسلطة الانتداب البريطاني في فلسطين‏,‏ ذلك أن المسئولين البريطانيين كانوا يتخذون من جناح بالفندق مركزا إداريا لهم‏..‏ وقد استهدف بيجين دفع سلطة الانتداب لكي تغادر فلسطين‏,‏ وتتركها فريسة للصهاينة‏..‏ وهو ما حدث بعد نحو عامين من ذلك الحادث المروع‏ .ولم يتردد مناحم بيجين في ارتكاب هذه الجريمة الإرهابية‏,‏ التي أزعجت بريطانيا‏..‏ برغم أنها صاحبة وعد بلفور الصادر عام ‏1917 ،‏ والذي يعد أول تآمر وتواطؤ من جانب دولة أوروبية وغربية كبري بمنح وطن لليهود في فلسطين‏!.
ولكن بيجين لم يطق صبرا علي ما كان يعتبره مماطلة في رحيل سلطة الانتداب البريطاني‏..‏ ولذلك دبر عملية نسف الفندق‏..‏ وهي تكشف عن منهج العنف الدموي لزعماء الصهيونية‏..‏ وهو عنف كان يجاهر به فلاديمير جابوتنسكي‏..‏ ويحض عليه صباح مساء‏,‏ وهو صاحب القول الشائع‏:‏ إن التوراة والسيف أنزلا علينا من السماء‏.
أما تزعم بيجين لعملية اغتيال الوسيط الدولي للأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت و تنفيذ عصاباته للعملية بالاشتراك مع عصابات الهاغاناه فقد جاءت بسبب اقتراح برنادوت وضع حد للهجرة اليهودية ووضع القدس بأكملها تحت السيادة الفلسطينية ، فكان مصيره القتل على يد بيجين وعصابة أرغون التي يتزعمها !!
و كان الكونت برنادوت -وهو من العائلة المالكة في السويد- قد ترأس الصليب الأحمر السويدي، واكتسب سمعة طيبة داخل القارة الأوروبية أهلته لأن يقوم بمهمة نقل عرض الاستسلام الألماني إلى الحلفاء عام 1945، وشارك في عمليات تبادل الأسرى في الحرب العالمية الثانية.
واختارته منظمة الأمم المتحدة بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وسيطاً بين العرب واليهود، واستطاع أن يحقق الهدنة الأولى في فلسطين في 11يونيو عام 1948، وتمكن بعد مساع لدى الجانبين العربي والإسرائيلي من الدعوة إلى مفاوضات رودس التي جرت نهاية عام 1948. وقدم عدة اقتراحات للأمم المتحدة في 27يونيو 1948 أغضبت اليهود وكان من أهمها:

* ينشأ في فلسطين بحدودها التي كانت قائمة أيام الانتداب البريطاني الأصلي عام 1922 (وفيها شرق الأردن) اتحاد من عضوين أحدهما عربي والآخر يهودي، وذلك بعد موافقة الطرفين اللذين يعنيهما الأمر.
*
تجرى مفاوضات يساهم فيها الوسيط لتخطيط الحدود بين العضوين على أساس ما يعرضه هذا الوسيط من مقترحات، وحين يتم الاتفاق على النقاط الرئيسية تتولى لجنة خاصة تخطيط الحدود نهائياً.
*
يعمل الاتحاد على تدعيم المصالح الاقتصادية المشتركة وإدارة المنشآت المشتركة وصياغتها بما في ذلك الضرائب والجمارك، وكذا الإشراف على المشروعات الإنشائية وتنسيق السياسة الخارجية والدفاعية.
*
يكون للاتحاد مجلس مركزي وغير ذلك من الهيئات اللازمة لتصريف شؤونه حسبما يتفق على ذلك عضوا الاتحاد.
*
لكل عضو حق الإشراف على شؤونه الخاصة بما فيها السياسة الخارجية وفقاً لشروط الاتفاقية العامة للاتحاد.
*
تكون الهجرة إلى أراضي كل عضو محدودة بطاقة ذلك العضو على استيعاب المهاجرين، ولأي عضو بعد عامين من إنشاء الاتحاد الحق في أن يطلب من مجلس الاتحاد إعادة النظر في سياسة الهجرة التي يسير عليها العضو الآخر، ووضع نظام يتمشى والمصالح المشتركة للاتحاد.
وفي إحالة المشكلة إذا لزم الأمر إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، ويجب أن يكون قرار هذا المجلس مستنداً إلى مبدأ الطاقة الاستيعابية وملزماً للعضو الذي تسبب في المشكلة.

كل عضو مسؤول عن حماية الحقوق المدنية وحقوق الأقليات، على أن تضمن الأمم المتحدة هذه الحقوق.
*
تقع على عاتق كل عضو مسؤولية حماية الأماكن المقدسة والأبنية والمراكز الدينية، وضمان الحقوق القائمة في هذا الصدد.
*
لسكان فلسطين إذا غادروها بسبب الظروف المترتبة على النزاع القائم الحق في العودة إلى بلادهم دون قيد، واسترجاع ممتلكاتهم.
*
وضع الهجرة اليهودية تحت تنظيم دولي حتى لا تتسبب في زيادة المخاوف العربية.
*
بقاء القدس بأكملها تحت السيادة العربية مع منح الطائفة اليهودية في القدس استقلالا ذاتيا في إدارة شؤونها الدينية.

إضافة بعض التعديلات الحدودية بين العرب واليهود، منها ضم النقب إلى الحدود العربية والجليل إلى الدولة الإسرائيلية.
وقد أثارت تلك الاقتراحات حفيظة اليهود فاتفقت منظمتا أرغون التي يرأسها مناحيم بيغن وشتيرن برئاسة إسحق شامير على اغتياله، ونفذت بالفعل عملية الاغتيال في 17 سبتمبر 1948، فمات عن عمر يناهز الـ 53 عاماً  
وقد سار بيجين علي درب جابوتنسكي‏..‏ واتخذ منه معلما وزعيما‏..‏ ولذلك هرع فور فوزه في انتخابات عام ‏1977,‏ ووصول حزب الليكود اليميني المتطرف للسلطة لأول مرة‏..‏ لزيارة قبر جابوتنسكي‏..‏ وكان الجنرال أرييل شارون سعيدا ومبهورا بهذه الزيارة‏.‏
فبعد صدور وعد بلفور في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1917 كانت استراتيجية الصهيونية الرئيسية هي خلق إنسان يهودي جديد يكون البذرة الرئيسية للدولة اليهودية في فلسطين، ويواجه كلا من البريطانيين والعرب بالقوة، ليرهب أعداء اليهود أنى وجدوا. وأنشأ جابوتنسكي تنظيمين عسكريين عملا سراً في فلسطين قبل وخلال وبعد الحرب العالمية الثانية، وهما الهاجاناه «الدفاع»، والأرجون تسفاي ليومي «المنظمة العسكرية الوطنية».
وضمت قوة الهاجاناه بقايا الفيلق اليهودي الذي شكله جابوتنسكي بنفسه ليحارب في صفوف البريطانيين في الحرب العالمية الأولى ضد العثمانيين في الشرق الأوسط بعد أن أعادت الوكالة اليهودية في فلسطين تنظيمه وتسليحه لحماية المستوطنات الاستعمارية والتوسع فيها.
أما الأرجون تسفاي ليومي فهي عصابة إرهابية صرفة تمثل الجناح المسلح للحركة الصهيونية المتشددة، وكرس رئيسها (مناحم بيجين) جهوده لتكون قوة ضاربة لترويع الفلسطينيين وشن حرب نفسية ضدهم تقترن باجتياح قراهم واغتيال المئات من سكانها دون تفرقة بين رجل أو امرأة أو طفل، ونسف وتدمير منازلهم، والتهجير الجماعي للآلاف من الفلسطينيين إلى خارج وطنهم بحدوده التاريخية المتعارف عليها منذ ما قبل بدء الحكم العثماني في القرن السادس عشر الميلادي.
وشكل مناحم بيجين قوة ضاربة للاغتيالات الفردية والقتل الجماعي والتدمير بقيادة (إسحاق شامير) تحت اسم شتيرن، وهي التي نسفت فندق الملك داوود في القدس واغتالت لورد موين في القاهرة.
واستلهم اليمين السياسي في إسرائيل أفكار وأساليب جابوتنسكي ومناحم بيجين وشامير، وحافظ عليها وتطرف فيها حتى اليوم .
ويقول شاهد عيان إن شارون إثر عودته من إحدى زياراته لواشنطن هرع إلي قبر مناحم بيجين‏,‏ ووضع علي ضريحه سيفا وتذكارات قديمة من فندق الملك داود‏!‏
وكشف كتاب صدر أخيرا في إسرائيل‏,‏ النقاب عن أن الغزو الإسرائيلي للبنان ، الذي قاده السفاح شارون ،كان نتيجة حالة اكتئاب مزمنة عاناها رئيس الوزراء مناحم بيجين في ذلك الوقت‏,‏ مما أدي إلي نشوء حالة فراغ ملأها وزير دفاعه أرييل شارون‏.‏ وأكد عوفر جروز برد الطبيب النفسي‏,‏ ومؤلف كتاب مناحم بيجين‏..‏ سيرة قائد أن القابلة التي استقبلت ميلاد بيجين هي جدة شارون‏.‏
في عام 1949 وبعد قيام إسرائيل شكَّل بيجين حزب حيروت الذي ورث شعارات بيتار والأرجون وليحي، وفحواها أن الحد الأدنى لأرض إسرائيل هو ضفتا نهر الأردن, وأن القوة العسكرية هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الحد الأدنى؛ لأنها اللغة الوحيدة التي يفهمها العرب، وأصبح بيجين عضوًا في الكنيست الإسرائيلي.
وأتيح لبيجين دخول الوزارة الائتلافية برئاسة ليفي أشكول عشية اندلاع حرب 1967 كوزير بلا حقيبة "بدون وزارة", ثم انضم ثانيةً إلى حكومة جولدا مائير الائتلافية عام 1969 ليشغل منصب وزير الدولة، واستقال من الحكومة عام 1970 ورأَس حزب الليكود كائتلاف بين عدد من الأحزاب والحركات، وقاده حتى فاز برئاسة الوزراء في العشرين من يونية عام 1977.
وحضر بيجين مباحثات مع الرئيس المصري أنور السادات والرئيس الأمريكي جيمي كارتر في منتجع كامب ديفيد في سبتمبر 1978, ووُصفت المفاوضات بأنها شاقة ومتعبة وكادت تفشل أكثر من مرة، وأعلن الرؤساء الثلاثة اتفاقهم على وثيقتين أساسيتَين معلنتَين: الأولى "إطار عمل للسلام في الشرق الأوسط", والثانية "إطار عمل لعقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل"، ووقَّع على الوثيقتين كلٌّ من* بيجين والسادات كطرفين وكارتر كشاهد وفي نفس العام حصل بيجين على جائزة نوبل للسلام مناصفةً مع أنور السادات.
وفي واشنطن في مارس من عام 1979 وقَّع بيجين مع السادات معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل، وفي عام 1981 قامت حكومتُه بضرب المفاعل النووي العراقي, وأشاد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان بهذه العملية ووصفها بأنها اتسمت بالجسارة والمهارة!!
وفي عام 1982 قام باجتياح لبنان بحجة ضرب قواعد المقاومة الفلسطينية، ثم وقعت مذبحة صابرا وشاتيلا التي ارتكبتها الكتائب اللبنانية اليمينية، ووقف بيجين أمام الكنيست ليعلن في استهانة: جوييم قتلوا جوييم (غرباء قتلوا غرباء), فماذا نفعل؟! وثبتت مسئولية بيجين وأعضاء حكومته ووزير دفاعه أرئيل شارون عن هذه المذبحة.
قدم بيجين استقالته في سبتمبر من عام 1983 بعد أن توفيت زوجته وتدهورت حالته الصحية وأصيب بالإكتئاب وعاش بقية حياته منعزلاً في شقته حتى وفاته عام 1992
وكشفت وثائق مخابراتية سرية بريطانية أفرج عنها مؤخراً عن ان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيجن كان إرهابيا حاول تضليل أجهزة الأمن البريطانية باللجوء الى عملية جراحة تجميلية لتغيير هويته هربا من المطاردة الأمنية.
وكشفت تلك الوثائق كيف تلقت وكالة المخابرات الداخلية البريطانية (ام اي 5) معلومات عن ان بيجن (الذي حاز فيما بعد على جائزة نوبل للسلام إثر مفاوضات كامب ديفيد للسلام مع مصر) كاد ان يقضى عليه في نهاية الأربعينيات.

وبحسب تلك الوثائق فقد عارض بيجن الدور البريطاني في فلسطين وانضم الى منظمة (ايرجن) المسلحة التي شنت حملة من أعمال العنف ضد قوات الانتداب البريطانية في فلسطين.
كما كشفت تلك الوثائق التي حفظت في الارشيف الوطني البريطاني كيف كانت تنظر أجهزة الأمن البريطانية لبيجن اذ كانت تشتبه بانه ربما كان عميلا للاتحاد السوفييتي السابق.
وذكرت إحدى الوثائق المؤرخة في عام 1949 ان بيجين كان يصف نفسه بالعدو رقم واحد للحكومة البريطانية.
وكشفت الوثائق السرية البريطانية النقاب أيضا بان الإرهابيين اليهود خططوا في الأربعينيات من القرن الماضي لاغتيال وزراء بريطانيين في حكومة رئيس الوزراء الأسبق كليمنت اتيلي وعدد من الشخصيات البارزة في لندن.
وأشارت إلى أن شن عمليات اغتيال جماعية في فلسطين وإرسال عدد من المتطرفين الى العاصمة البريطانية لندن لتنفيذ عمليات كانت تشكل قلقا كبيرا لأجهزة الأمن البريطانية.
وقالت إن العمليات المسلحة التي تستهدف الانتداب البريطاني في فلسطين شملت اغتيال الوزير البريطاني المقيم في القاهرة اللورد موين في 1944 علي أيدي عصابات منظمة (شتيرن) اليهودية المتطرفة

5- لورد روتشيلد ..المال و دولة
استطاع هذا الزعيم الصهيوني المجرم عبور كل الحواجز و الموانع بماله و نفوذه لينفذ المشروع الشيطاني الصهيوني !!
"
وزارة الخارجية
2
من نوفمبر 1917
عزيزي اللورد " روتشلد "
يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته:
"
إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.
وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علمًا بهذا التصريح."
المخلص
آرثر بلفور
كان هذا هو نص الرسالة المشئومة ، التي أرسلها وزير خارجية بريطانيا أرثر بلفور في الثاني من نوفمبر1917 إلى الأخطبوط اليهودي اللورد روتشيلد ، الذي دفع مقابله أشهر رشوة في التاريخ تقدم لعائلة مالكة ، و حكومة انتهازية ، و التي أصطلح على تسميتها - تاريخياً - بـ " وعد بلفور " ، و اتخذت منه الحركة الصهونية العالمية مستنداً قانونيا ، تدعم به مطالبها بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .. فمن هو روتشيلد الذى تلقى الرسالة ؟
لورد روتشيلد هو جزء من عائلة صهيونية عتيدة .. تبدأ قصة هذه العائلة بمؤسسها " إسحق إكانان " ، ولقَب "روتشيلد" يعني "الدرع الأحمر"، في إشارة إلى "الدرع" الذي ميز باب قصر مؤسس العائلة في فرانكفورت في القرن 16،
وكان والده "ماجيراشيل روتشيلد" يعمل تاجراً للعملات القديمة- وعمل على تنظيم العائلة ونشرها في مجموعة دو ل ، وتأسيس كل فرع من العائلة لمؤسسة مالية ، وتتواصل هذه الفروع وتترابط بشكل يحقق أقصى درجات النفع والربح على جميع الجالية اليهودية فى العالم كله . وكانت بيوت روتشيلد تنضم مع سياسة البلاد ، التى تسكنها أثناء الحروب النابليونية في أوروبا ، حتى كان الفرع الفرنسي يدعم نابليون ضد النمسا وإنجلترا وغيرها، بينما فروع روتشيلد تدعم الحرب ضد نابليون في هذه الدول ، ولكنها فى النهاية تهتم بمصلحة اليهود , وهذا يدل على ما تأصل في الشخصية اليهودية من دهاء و مكر و خديعة !!
لذا فقد أرسل أولاده الخمسة إلى إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، والنمسا، وكان الرجال لا يتزوجون إلا من يهوديات حسب عادة اليهود ، ولا بد أن يكنَّ من بيوتات ذات ثراء ومكانة.
فمثلاً تزوج مؤسس الفرع الإنجليزي "نيثان ماير روتشيلد" من أخت زوجة "موسى مونتفيوري" الثري والمالي اليهودي ، وزعيم الطائفة اليهودية في إنجلترا. بينما تسمح القواعد بزواج البنات من غير اليهود لزيادة أعداد اليهود وإنتشارهم ، لأن الديانة في اليهودية تنتقل عن طريق الأم،، ووضع "ماجيراشيل روتشيلد" قواعد لـ"تبادل المعلومات في سرعة، ونقل الخبرات المكتسبة" من التعاملات والاستثمارات بين الفروع.
و قد استثمرت بيوت روتشيلد ظروف الحروب النابليونية في أوروبا، وذلك بدعم آلة الحرب في دولها، واستطاعت من خلال ذلك تهريب البضائع بين الدول وتحقيق مكاسب هائلة.
وحدث أن انتهت موقعة "ووترلو" بانتصار إنجلترا على فرنسا، وعلم الفرع الإنجليزي من خلال شبكة المعلومات بهذا قبل أي شخص في إنجلترا كلها، فما كان من "نيثان" إلا أن جمع أوراق سنداته وعقاراته في حقيبة ضخمة، ووقف بها مرتديًا ملابس رثة أمام أبواب البورصة في لندن قبل أن تفتح أبوابها، ورآه أصحاب الأموال، فسألوه عن حاله، فلم يجب بشيء.
وما إن فتحت البورصة أبوابها حتى دخل مسرعًا راغبًا في بيع كل سنداته وعقاراته، ولعلم الجميع بشبكة المعلومات الخاصة بمؤسسته، ظنوا أن معلومات وصلته بهزيمة إنجلترا، ومن ثَم أسرع الجميع يريدون بيع سنداتهم وعقاراتهم، وأسرع "نيثان" من خلال عملائه السريين بشراء أكثر ما عرض من سندات وعقارات بأسعار زهيدة،
وقبل الظهر وصلت أخبار انتصار إنجلترا على فرنسا، وعادت الأسعار إلى الارتفاع؛ فبدأ يبيع من جديد، وحقق بذلك ثروة طائلة، وبين مشاعر النصر لم يلتفت الكثيرون لهذه اللعبة الخبيثة.
أما في جانب تبادل الخبرات، فقد كانت مؤسسات روتشيلد -على عادة المؤسسات اليهودية- تعمل بصورة أساسية في مجال التجارة والسمسرة، ولكن تجربة بناء سكة حديد في إنجلترا أثبتت فاعليتها وفائدتها الكبيرة لنقل التجارة من ناحية، وكمشروع استثماري في ذاته من جانب آخر، وبالتالي بدأت الفروع الأوروبية في إنشاء شركات لبناء سكك حديدية في كافة أنحاء أوروبا، ثم بنائها على طرق التجارة العالمية؛ لذا كان حثهم لحكام مصر على قبول قرض لبناء سكك حديدية من الإسكندرية إلى السويس.
ومن ثم بدأت مؤسسات روتشيلد تعمل في مجال الاستثمارات الثابتة، مثل: السكك الحديدية، مصانع الأسلحة والسفن، مصانع الأدوية، ومن ثم كانت مشاركتها في تأسيس شركات مثل شركة الهند الشرقية، وشركة الهند الغربية، وهي التي كانت ترسم خطوط امتداد الاستعمار البريطاني، أو الفرنسي أو الهولندي أو غيره.
وذلك على أساس أن مصانع الأسلحة هي التي تمد هذه الجيوش بالسلاح، ثم شركات الأدوية ترسل بالأدوية لجرحى الحرب، ثم خطوط السكك الحديدية هي التي تنشر العمران والحضارة، أو تعيد بناء ما هدمته الحرب
و هكذا سنجد لآل روتشيلد باع طويل في الاستثمار في الحروب ، ومشوار أطول في دعم الكيان الصهيوني
و حسب القاعدة التي اتبعها لورد روتشيلد و إخوته : فلنشعل الحروب و نجنى الملايين " ، كانت الحروب بالنسبة لهم استثمارا " تجارة السلاح " ، وديون الدول نتيجة للحرب استثمارًا " قروضًا " ، وإعادة البناء والعمران استثمارا " السكك الحديدية والمشروعات الزراعية والصناعية " !!
ولذلك ، دبرت 100 مليون جنيه للحروب النابليونية، ومن ثم موّل الفرع الإنجليزي الحكومة الإنجليزية بمبلغ 16 مليون جنيه إسترليني لحرب القرم (هذا السيناريو تكرر في الحرب العالمية الثانية).
كما قدمت هذه المؤسسات تمويلاً لرئيس الحكومة " ديزرائيلي " لشراء أسهم قناة السويس من الحكومة المصرية عام 1875 ، وفي نفس الوقت كانت ترسل مندوبيها إلى البلاد الشرقية مثل: مصر وتونس وتركيا لتشجيعها على الاقتراض للقيام بمشروعات تخدم بالدرجة الأولى استثماراتهم ومشروعاتهم وتجارتهم.
ولحماية استثماراتهم بشكل فعال، تقدموا للحياة السياسية في كافة البلاد التي لهم بها فروع رئيسة، وصاروا من أصحاب الألقاب الكبرى بها (بارونات، لوردات .. إلخ).
كما كان للأسرة شبكة علاقات قوية مع الملوك ورؤساء الحكومات؛ فكانوا على علاقة وطيدة مع البيت الملكي البريطاني، وكذلك مع رؤساء الحكومات، مثل: "ديزرائيلي"، و"لويد جورج"، وكذلك مع ملوك فرنسا، سواء ملوك البوربون، أو الملوك التاليون للثورة الفرنسية، وصار بعضهم عضوًا في مجلس النواب الفرنسي، وهكذا في سائر الدول، ثم نأتي إلى جانب آخر، وهو علاقتهم بإقامة دولة يهودية في فلسطين.
لم يكن بيت روتشيلد مقتنعًا بمسألة الوطن القومي لليهود عند بدايتها على يد "هرتزل"، ولكن أمران حدثا غيّرا من توجه آل روتشيلد.
أولاً: هجرة مجموعات كبيرة من اليهود إلى بلاد الغرب الأوروبي، وهذه المجموعات رفضت الاندماج في مجتمعاتها الجديدة، وبالتالي بدأت تتولد مجموعة من المشاكل تجاه اليهود، وبين اليهود أنفسهم؛ فكان لا بد من حل لدفع هذه المجموعات بعيدًا عن مناطق المصالح الاستثمارية لبيت روتشيلد.
ثانيًا: ظهور التقرير النهائي لمؤتمرات الدول الاستعمارية الكبرى في عام 1907، والمعروف باسم تقرير "بازمان" -وهو رئيس وزراء بريطانيا حينئذ-، الذي يقرر أن منطقة شمال أفريقيا وشرق البحر المتوسط هي الوريث المحتمل للحضارة الحديثة -حضارة الرجل الأبيض-، ولكن هذه المنطقة تتسم بالعداء للحضارة الغربية، ومن ثم يجب العمل على:

تقسيمها.
-
عدم نقل التكنولوجيا الحديثة إليها.
-
إثارة العداوة بين طوائفها.
-
زرع جسم غريب عنها يفصل بين شرق البحر المتوسط والشمال الأفريقي.
ومن هذا البند الأخير، ظهر فائدة ظهور دولة يهودية في فلسطين، وهو الأمر الذي استثمره دعاة الصهيونية.. وعلى ذلك تبنى آل روتشيلد هذا الأمر؛ حيث وجدوا فيه حلاً مثاليًا لمشاكل يهود أوربا.
وكان "ليونيل روتشيلد" (1868- 1937 ) هو المسئول عن فروع إنجلترا، وزعيم الطائفة اليهودية في إنجلترا في هذا الوقت، وتقرب إليه كل من "حاييم وايزمان" -أول رئيس لإسرائيل فيما بعد- و"ناحوم سوكولوف"،

- ونجحا في إقناعه في السعي لدى حكومة بريطانيا لمساعدة اليهود في بناء وطن قومي لهم في فلسطين، وإمعانًا في توريطه تم تنصيبه رئيسًا شرفيًا للاتحاد الصهيوني في بريطانيا وأيرلندا.
ولم يتردد "ليونيل"، بل سعى -بالإضافة لاستصدار التعهد البريطاني المعروف باسم وعد بلفور- إلى إنشاء فيلق يهودي داخل الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، وتولى مسئولية الدعوة إلى هذا الفيلق، وجمع المتطوعين له "جيمس أرماند روتشيلد" (1878-1957).
كما تولى هذا الأخير رئاسة هيئة الاستيطان اليهودي في فلسطين، وتولّى والده تمويل بناء المستوطنات والمشاريع المساعدة لاستقرار اليهود في فلسطين، ومن أهم المشروعات القائمة حتى اليوم مبنى الكنيست الإسرائيلي في القدس.
و يعتبر إدمونــد دي روتشـــيلد زعيم الفرع الفرنسي لعائلة روتشيلد المالية اليهودية، وهو أحد الأبناء الخمسة لجيمس ماير دي روتشيلد (1792 ـ 1868) مؤسس فرع العائلة في فرنسا. و ترجع أهميته لمساهمته الكبيرة في المشاريع الاستيطانية اليهودية في فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
و يلقب بعض المؤرخين البارون أدموند جيمس دي - روتشيلد بأنه " أبو السكان اليهود في أرض فلسطين " في أيام ما يسمونه بـ " الهجرة الأولى ".
بدأ اهتمام إدموند جيمس روتشيلد بقضية يهود اليديشية وبعملية توطين اليهود في فلسطين في الثمانينيات من القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي شهدت هجرة أعداد كبيرة من يهود شرق أوربا إلى غـربها وإلى الولايات المتحـدة وغـيرها من الدول الاستيطانية، عقب تعثُّر عملية التحديث في شرق أوربا ثم توقُّفها. وقد تحمَّس روتشيلد وغيره من أثرياء اليهود المندمجين في أوربا للمشروع الصهيوني نظراً لتخوفهم مما قد يخلقه تدفُّق هذه الأعداد الكبيرة من يهود شرق أوربا ذوي الثقافة اليديشية الشرق أوربية المتميِّزة (والمتخلفة في نظرهم) والتقاليد الدينية المحافظة ذات الطابع اليهودي الواضح على غرب ووسط أوربا.
فوصول مثل هذه الجماعات من يهود اليديشية كان يمثل تهديداً لمكانتهم الاجتماعية ومواقعهم الطبقية، وبالتالي فقد تبنوا ما نسميه بـ " الصهيونية التوطينية " ، أي محاولة يهود العالم الغربي المندمجين توطين يهود آخرين (عادةً من شرق أوربا) في فلسطين. وقد عبَّر روتشيلد نفسه عن هذه المفارقة في ملاحظة طريفة ذكية، إذ سُئل مرة عن الوظيفة التي يود أن يشغلها عند تأسيس الدولة الصهيونية فقال: "سفيرها في باريس بالطبع".
ولم يكـن روتشـيلد مؤيـداً أول الأمر لصــهيونية هرتزل السياسية، وقد اتسمت أول مقابلة بينهما في باريس عام 1896 بالفتور الشديد، بل كان يرى أن هرتزل ليس إلا " شنورر " أي متسولاً مثل آلاف المتسولين من شرق أوربا الذين كانوا يتدفقون على وسطها وغربها. كما أن روتشـيلد كان يذهـب إلى أن المشـروع الصهيوني برمتـه مشروع غير عملي، وأن فلسطين لن تستطيع استيعاب هجرة جماعية ضخمة. وكان يرى أنه بالرغم من حاجة السلطان العثماني إلى النقود إلا أنه لن يمنح فلسطين للصهاينة لتأسيس دولة فيها، وأنه سيكتفي بإعطاء بعض الوعود الغامضة التي لا قيمة لها.
كما كان يخشى من أن تثير إقامة دولة يهودية مشاعر معادية لليهود وتؤدي إلى المطالبة بطـرد اليهــود من البـلاد التي يعيـشون فيها. لكـل هذا، كان روتشيلد يفضل أن تتم عملية الاستيطان في فلسطين بشكل هـادئ وتدريجـي. إلا أنـه مع توسُّع الاستيطان اليهودي في فلسطين، والذي تم تحت رعايته، ونجاح المشاريع المختلفة التي أسسها هناك، توطدت علاقته بالمنظمة الصهيونية، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى، حيث استخدم نفوذه للحصول على موافقة فرنسا على وعد بلفور وعلى إدخال فلسطين تحت الانتداب البريطاني. كما أن عملية توطين اليهود في فلسطين كان لها بعدها السياسي، فروتشيلد كان مرتبطاً بالمصالح الرأسمالية الإمبريالية الفرنسية التي كانت تريد توسيع رقعة نفوذها في الشرق وكانت تفكر بحماس شديد في التركة التي سيتركها رجل أوربا المريض (الدولة العثمانية). والمشروع الصهيوني هو في نهاية الأمر جزء من المخطط الإمبريالي لاقتسام الإمبراطورية العثمانية.
وقد بدأ روتشيلد اهتمامه بأعمال الاستيطان اليهودي في فلسطين بعد أن توجهت إليه حركة أحباء صهيون التي كانت تتولى أعمال الاستيطان في فلسطين في تلك الفترة، كما توجه إليه زعماء

مستوطنة ريشون لتسيون التي كانت تعاني أزمة مالية حادة مطالبين إياه بتقديم دعمه المالي لنشاطهم في فلسطين. وبالفعل، ما كان بوسع المستوطنات الأولى التي أقيمت في فلسطين الاستمرار لولا معونات روتشيلد.
وقد وصل إنفاقه على المستوطنين خلال الفترة بين 1883 و 1899 نحو 1.600.000 جنيه إسترليني في حين كان إسهام حركة أحباء صهيون 87.000 جنيه إسترليني فقط.
وقد اشترى روتشيلد أرضاً في فلسطين أواخر عام 1883 لإقامة مستوطنة زراعية نموذجية لحسابه الخاص أطلق عليها اسم والدته. كما أسس عدة صناعات للمستوطنين الصهاينة مثل صناعة الزجاج وزيت الزيتون، وعدداً من المطاحن في حيفا، وملاحات في عتليت .
كما ساهم في تأسيس هيئة كهرباء فلسطين عام 1921. إلا أن أهم الصناعات التي أقامها وأوسعها نطاقاً كانت صناعة النبيذ التي كان يسعى روتشيلد إلى ربطها بصناعة النبيذ المملوكة لعائلة روتشيلد في فرنسا.
وقد وصل حجم رعاية روتشيلد ودعمه للمستوطنات إلى الحد الذي أكسبه لقب «أبو اليشوف» أي أبو المُستوطَن الصهيوني. وحينما اختلف المستوطنون الصهاينة، حذَّرهم ليو بنسكر، أحد زعماء ومفكري حركة أحباء صهيون، قائلاً "إن مفاتيح المُستوطَن الصهيوني توجد في باريس".
وكان روتشيلد يحكم المستوطنات من خلال جهاز بيروقراطي يشغله موظفون فرنسيون من اليهود وغير اليهود يراقب عمليات إنفاق أموال روتشيلد واستثمارها ويقدم الخبرات للمستوطنين في المجال الزراعي. وقد كانت هذه الرعاية البيروقراطية للمستوطنات مصدر مشاكل كثيرة ومثاراً للانتقادات الحادة نظراً لما كانت تثيره من خلافات بين المستوطنين من ناحية والموظفين الفرنسيين من ناحية أخرى. وقد دفع ذلك زعماء أحباء صهيون وزعماء المستوطنات إلى مطالبة روتشيلد بإنهاء هذا النظام عام 1901.

موكان روتشيلد قد حوَّل إدارة مشاريعه في فلسطين عام 1899 إلى جمعية الاسـتيطان اليهودي وقدَّم لها منحة قدرها 4000.000 فرنك من أجـل أن تموِّل نفســها ذاتياً.
وفي عام 1924، أسس جمعية الاستيطان اليهودي في فلسطين والتي ترأسها ابنه جيمس أرماند (1878 ـ 1957). وقد أسَّس روتشيلد من خلال هذه الهيئة أكثر من 30 مستوطنة في جميع أنحاء فلسطين، ووصل حجم إنفاقه على هـذه المشـاريع بعد عام 1900 نحو 7.000.000فرنك ذهبي.
وإلى جانب المشاريع الاقتصادية، امتد نشاط روتشيلد إلى مجال التعليم حيث قدَّم دعماً مالياً عام 1923 للمدارس الصهيونية في المُستوطَن الصهيوني والتي كانت تواجه أزمة مالية، كما أمد حاييم وايزمان بالمعونة اللازمة لإنشاء الجامعة العبرية في القدس.
وفي عام 1929، عُيِّن روتشيلد رئيساً فخرياً للوكالة اليهودية التي كانت قد أُنشئت قبل ذلك بسنوات قليلة. ولا شك في أن دعم روتشيلد وغيره من الأثرياء اليهود للحركة الصهيونية، بصرف النظر عن النوايا أو المصالح الذاتية، كانت مسألة أساسية، لولاها ما قامت للحركة قائمة

ولما اسـتطاعت أن تضـرب بجـذورها في أرض فلســطين.
ويُعتبر روتشيلد نمطاً متكرراً له دلالة عميقة:
*
فهو من يهود العالم الغربي الذين حققوا حراكاً اجتماعياً ووصلوا إلى قمة المجتمع، ثم جاءت أفواج يهود اليديشية من شرق أوربا فهددوا مواقعهم الطبقية، ومن ثم تحوَّل يهود العالم الغربي إلى صهاينة توطينيين. --
* تأييد روتشيلد للمشروع الصهيوني لم يكن تعبيراً عن هويته اليهودية أو جوهره اليهودي وإنما هو تعبير عن انتمائه الكامل للحضارة الغربية وللتشكيل الاستعماري الغربي. كما أن صهيونيته هي تعبير عن انتمائه الغربي وعن اندماجه في الحضارة الغربية، فالمشروع الصهيوني لا يمثل أيَّ تحدٍّ للمشروع الاستعماري الغربي، فالأول هو الجزء الأصغر أما الثاني فهو الكل الأكبر.
ويُلاحَظ أن روتشيلد كان يعارض المشروع الصهيوني في بادئ الأمر ثم أيده بعد ذلك. والواقع أنه، في معارضته ثم في تأييده، ينطلق من انتمائه للتشكيل الحضاري الغربي ومن محاولة خدمة المصالح الغربية.
*
قام روتشيلد بدعم المشروع الصهيوني، ولكنه دعم لم يكن يهدف إلى تأكيد استقلالية هذا المشروع إذ ظلت المفاتيح في باريس ولندن، بل يُلاحَظ تزايد اعتماد المشروع على الغرب ثم انتقال مفاتيحه إلى واشنطن.
وهنـاك بعـض النـوادر التي تعبِّر عن مــوقف الصهاينة التوطينيين. فقد عرَّف أحدهم الصهيوني التوطيني (مقابل الاستيطاني) بأنه يهودي يأخذ تبرعات من يهودي آخر ويرسل بيهودي ثالث إلى أرض الميعاد. واليهوديان الأول والثاني من يهود العالم الغربي، أما الثالث فهو من يهود اليديشية. ولا يزال هذا هو النمط السائد في العالم، فيهود الاتحاد السوفيتي هم الذين يهاجرون إلى إسرائيل، أما يهود العالم الغربي فيكتفون بالتصفيق والدعم المالي والسياسي ويلزمون بيوتهم مكيفة الهواء...

فأعتبروا يأولي الأبصار

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

God, Man, and Tyrants المراجع

1-             القرآن الكريم

2-             الجامع لاحكام القرآن – أبو عبد الله محمد بن أحمد الانصاري القرطبي – دار الفكر للطباعة والنشر 1991

3-             مختصر الطبري للامام محمد بن جرير الطبري

4-             البخاري

5-             الموطأ للامام مالك

6-             المسند للامام أحمد

7-             الترمذي

8-             رياض الصالحين للامام شرف الدين النووي الدمشقي – دار المنار للطباعة والنشر

9-             نور القبس المختصر من المقتبس للحافظ اليغموري

10-        أسرار اللغة – د - ابراهيم أنيس – القاهرة 1966

11-        الرحيق المختوم – صفي الرحمن المباركفوري

12-        الجامع لأحداث الراوي وآداب السامع – الخطيب البغدادي

13-        ديوان ألفية محمد – د. -  صلاح القوسي

14-        ديوان هاشم الرفاعي

15-        اظهار الحق – رحمت الله الهندي

16-الاحتلال الصليبى والعالم الاسلامى- محمد المقدسى                                  

17- الاحتلال الصليبى والعالم الاسلامى د. منقذ بن محمود السقار

18- كشف الأثار فى قصص أنبياء بنى إسرائيل  القسيس مزبك

19- صدق الإخبارات عن الحوادث المستقبلية                            

20-هداية الحيارى – ابن قيم الجوزية

21-قصة الحضارة . ويل ديورانت – ترجمة محمد بدران

22- أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها. ط1. دار القلم. بيروت. دمشق، 1395هـ.

23- الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي. هنري كلود و اندريه برينان و ايف لاكوست. ترجمة : محمد عيتاني مكتبة المعارف. بيروت.

24- الاستعمار. أحقاد وأطماع. محمد الغزالي. ط2. الدار السعودية للنشر. جدة، 1389هـ.

25- الإسلام والتحدي التنصيري. عمر بابكور. معهد البحث العلمي. جامعة أم القرى، 1407هـ.

26-التبشير والاستشراق، محمد عزت الطهطاوي، ط1، الزهراء للإعلام العربي، 1411هـ.

27- التبشير والاستعمار في البلاد العربية، مصطفى خالدي وعمر فروخ، منشورات المكتبة العصرية، صيدا، 1983م.

28- حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر. أحمد عبد الوهاب. ط1. مكتبة وهبة، 1401هـ.

29- رسالة الطريق إلى ثقافتنا، محمود شاكر، دار المدني، جدة، مكتبة الخانجي، مصر، 1407هـ.

30- العالم الإسلامي والاستعمار السياسي والإجتماعي والثقافي، أنور الجندي ط1، دار المعرفة، 1970م..

31-الاسلام وتحديات  الانحطاط المعاصر /منير شفيق 

32-لماذا تاخر الاسلام  /المير شكيب ارسلان

33-وثائق الحروب الصليبية والغزو المغولى للعالم الاسلامى  /د/محمد ماهر حمادة 

34-قادة الغرب يقولون / جلال العالم

35-الغارة على العالم الاسلامى /محب الدين الخطيب

36-تاريخ افريقيا الحديث والمعاصر

37-حاضر العالم الاسلامى وقضاياه المعاصرة د/ جميل عبد الله محمد المصرى

38- قصة الحضارة . ويل ديورانت – ترجمة محمد بدران

39-بروتوكولات حكماء صهيون ترجمة د / أحمد السقا

40-تاريخ الأقباط  -- زكى شنودة

41-سفر  التكوين

42-سفر الخروج

43-سفر التثنية

44-سفر اللاوين

 

 

 

 



[1]-صحيح مسلم (2577)-رياض الصالحين –باب المجاهدة 11/111

 

وماذا عليهم لو آمنوا بالله

Download

About the book

Author :

أحمد إسماعيل زيد

Publisher :

www.islamland.com

Category :

Biographies & Scholars