الحمد لله الذي خلق الإنسان من آدم وحواء ابتداءً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الإنسان في أحسن تقويم فأبدع صنعاً، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله تزوج فكان له ولداً ونسلاً، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين أصلاً وفرعاً، وبعد:
لنتأمل في أصناف النساء التى أُحِلَ لرسول الله ﷺ الزواج منهن، واللآتي ذُكرن مفصلاتٍ في قوله تعالى:﴿ يَٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾([1])، وتحديداً فيما ورد في تخصيص بنات الأقارب من أعمام وعمات، وأخوال وخالات.
والسؤال الذي قد أن يتبادر إلى الأذهان، لماذا وردت كلمتا العم والخال بصيغة الإفراد بينما كلمتي العمات والخالات قد وردتا بصيغة الجمع؟!
وللإجابة على هذا التساؤل سنستعرض أولاً ما أوردته أمهات التفاسير في تفسير هذا الجزء من الآية الكريمة، وهو قوله تعالى: ﴿ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ ﴾، كما يلي:
ثانياً: بعد التأمل أجد أن الله هداني إلى حكمةٍ في ذلك ولله الحمد والمنة، وهي أن الأعمام أصلهم واحد من جهة الوالد والعائلة والقبيلة، وهذا يسري على ذريتهم من بنات، وعليه جُمِع لفظ البنات لتنوعهن وأفرد لفظ الأعمام لوحدة أصلهم في قوله تعالى: ﴿ وَبَنَاتِ عَمِّكَ ﴾، وأما العمات وإن كان أصلهن واحد مثل الأعمام، لكن هذا لا ينطبق على نسلهن من البنات، لأن البنت تتبع أصل أبيها لا أمها، وهنا جاء التنوع، وعليه تم ذكرهن بصيغة الجمع لتنوعهن وإختلاف أصولهن في قوله تعالى: ﴿ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ ﴾. وهذا الحال ينطبق كذلك على بنات الأخوال والخالات، لذا تم ذكرهن في الآية بنفس النسق ﴿ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ ﴾. وهذا التأمل والاستنتاج متسق كذلك مع قوله تعالى: ﴿ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ ﴾([6])، إذ أن تلك البيوت مختلفة عن بعضها البعض في الصفة والكيفية والمكان، ومختلفة كذلك من جهة الملاك، بغض النظر عن كون الملاك من أصل واحد، وعليه وجب جمع اللفظ للبيوت والملاك معاً، هذا والله أعلم.
وفيما تقدم من قول وتأويل أجل الحِكَم ِمن جهة البلاغة وملاءمة الحال، وعموم تطبيق الحكم على الأمة كافةً في كل زمان ومكان.
أسأل الله أن يفقهنا في دينه وأن يمن علينا بحسن التدبر والفهم عنه وعن رسوله ﷺ.
آمــــــــــــــــــين.
السيد / حكم زَمُّو العَقِيلي ( ١٤٤2 - ٢٠٢1 )
(1) سورة الأحزاب آية 50.
(2) سورة النحل آية 48.
(3) سورة البقرة آية 257.
(4) سورة الأنعام آية 1.
(5) قد يكون فيما أورده المفسر غفر الله له خروجاً بالمعنى لغير ما قُصِد منه، حيث أورد المفسر ثلاث أيآت على سبيـل المثال: أولهن قــوله تعالى: ﴿ عن اليمين والشمائل ﴾ وهنا طريق اليمين هو طريق الحق والإيمان طريقه واحد لا يتعدد، أما طرق الشمائل فهي طرق الغواية والضلال وهي طرق شتى، لذا أورد اليمين مفرداً والشمائل بصيغة الجمع*، وثانيهن قوله تعالى: ﴿ يخرجهم من الظلمات إلى النور ﴾، كذلك الظلمات والغوايات متعددة، أما نور الحق وبلجته فهو واحد، وثالثهن قوله تعالى: ﴿ وجعل الظلمات والنور ﴾، فإن الظلمات متعددة من ظلمة الليل والبحر وغيرها من الظلمات الحسية، أما النور (نور الشمس) فيأتي كفلق الصبح يعم الدنيا بضيائه ونفعه. كما أنه عز وجل ذكر في كتابه في أكثر من موضع المؤمين والمؤمنات وكذلك المسلمين والمسلمات وغيرها من صفاتهم بصيغ الجمع لكلا الجنسين على التساوي، ولم يَعُدَّ نقص جنس عن الآخر معياراً في التفضيل، هذا والله أعلم.
* ذكره الدكتور فاضل السمرائي ضمن برنامج "روائع البيان القرآني".
(6) سورة النور آية 61.
© Copyright Islam land أرض الإسلام . All Rights Reserved 2017