About the article

Author :

Hakam A. Zummo Al-Aqily

Date :

Thu, Oct 30 2025

Category :

Morals & Ethics

Download

تأملات في بعض الآيات – 2

تأملات في بعض الآيات – 2

﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ﴾

 

 الحمد لله الذي عمنا بالنعم منه عطاءً وفضلاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وجب له على نعمائه حمداً وشكراً، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أكمل الناس ثناءً على ربه جزلاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الحامدين الشاكرين لله قولاً وفعلاً، وبعد:

قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾([1])، حيث أوصانا الله عز وجل بوالدينا حُسناً وإحساناً، وذكر سبحانه في مستهل ذلك على سبيل المثال لمحة عابرة عما عانته الأم الرؤوم من آلام الحمل والوضع، ثم متاعب الرعاية والرضاعة والتربية، أوصانا بهما إحساناً بالمعاشرة والطاعة بالمعروف ما لم يأمرونا بمعصية أو كفر، قال تعالى: ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾([2])، وإحساناً لهـما بالبر وخـفض جـناح الذل مـن الرحمة قـال تعـالى﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾([3])، وأعقبه الأمر بالدعاء لهما أن يرحمهما جزاء رعايتهما لنا وتربيتهما إيانا حال الصغر والعجز قال تعالى: ﴿ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾([4]). وأعقب الوصية الأمر منه سبحانه أن نطلب منه أعانتنا على شكر نعمه وآلائه علينا، وخاصة حين اكتمال النضج والعقل والقوة والاستواء حين بلوغنا الأربعين مع العمر، حيث قال تعالى: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾، وسن الأربعين حين تكاملت حجة الله على العبد، وسير عنه جهالة شبابه وعرفه الواجب عليه لله من طاعة وعبادة ولوالدية من الحق البر والإحسان ولذريته من التربية والرعاية والإرشاد والإصلاح، وأمره جزاءً لوالديه بإشراكهما بالدعاء معه، براً بهما واعترافاً بفضلهما عليه وطاعة لمولاه قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾، وثنى بالطلب أن يلهمه مولاه العمل الصالح المتقبل وفق منهاج الشرع وعلى سنة النبي ﷺ، وكذلك أن يقر عينه بصلاح ذريته من بعده، والالتجاء لله بالتوبة النصوح عما سلف وما سيأتي من تقصير أو خطئ أو جهالة في حق خالقه ومولاه، وأخيراً إقرارٌ من العبد بأنه من المسلمين لله، المستسلمين له بالطاعة والعبودية والانقياد والتسليم لشرعه وأقداره.

ولكن لِمَ خُص الدعاء بطلب الإعانة على شكر نعمة الله على العبد وعلى والديه فقط؟!، ولم يذكر نعمته على ذريته كذلك!، مع أن النعم تشمل كافة الخلق من أباء وأبناء وأحفاد، والعلم في ذلك عند الله بعد توفيقه سبحانه، أن نعمة الله على الوالدين حاصلة وسابقة، ومنها رزقه لهما من الخيرات والذرية التي من ضمنها العبد نفسه، فوجوده بحد ذاته نعمة عظيمة على والديه وعلى نفسه وجب شكرها، ومن نعم الله على العبد كذلك الرزق والصحة ووجود الذرية، ومن المعلوم أن ذرية الرجل إمتداد له وبقاء لصالح عمله قال رسول الله ﷺ: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، وذكر منهم أو ولد صالح يدعو له )([5])،  وكسب ذرية العبد من كسبه كذلك، حيث جاء رجل إلى النبي ﷺ وقال له: ( يا رسولَ اللهِ إنَّ لي مالًا وولدًا وإنَّ والدي يجتاحُ مالي، قال: أنتَ ومالُكَ لأبيكَ إنَّ أولادَكم من كَسْبِكُمْ فَكُلُوا من كَسْبِ أولادِكم )([6]). وعلى ذلك فكل نعمة تكون للعبد أو لأحدٍ من ذريته فهي له وعليه، لذا فهي واقعة ضمن سؤال العبد ربه أن يعينه على شكرها إبتداءً. وبذا تكون سلسلة الشكر لله ممتدة عبر الأجيال، تنتقل من جيل بعد جيل، من جيل الأجداد إلى الآباء والأحفاد، سلسة لا تنقطع ولا تنقضي إلى يوم الدين، بفضل الله وتوفيقه للعبد المؤمن الصالح التقي النقي، وكماله واستمرار ثمرته الدعاء بصلاح الأبناء والذرية، فهو دعاء صادق ممتد من عبر الأجيال، فكل جيل يدعو لمن يليه من أبنائه وذريته، دعاءً صادقاً متقبلاً إن شاء الله. 

أسأل الله أن يوزعنا جميعاً شكر نعمه علينا وعلى والدينا، وأن يصلح نياتنا وأعمالنا وذرياتنا إنه جواد كريم، وصلِ اللهم وسلم على عبدك ونبيك محمد ﷺ.

آمــــــــــــــــــين.

السيد / حكم زَمُّو العَقِيلي    ( ١٤٤6 - ٢٠٢5 )

 

(1) سورة الأحقاف آية 15.

(2) سورة لقمان آية 15.

(3) سورة الإسراء آية 24.

(4) سورة الإسراء آية 24.

(6) رواه مسلم في الوصايا (1631)، أبو داود فيه (2880)، الترمذي في الأحكام (1376) والنسائي في الوصايا (3651).

(7) صحيح، رواه أبو داود في البيوع (3530) واللفظ له، وأحمد (2/214)، وابن الجارود في المنتقى (1/249) باختلاف يسير.