تفسير أسماء الله الحسنى للشيخ عبد الرحمن السعدي

تفسير أسماء الله الحسنى  للشيخ عبد الرحمن السعدي

 


تفسير أسماء الله الحسنى
للشيخ عبد الرحمن السعدي

جمعا ودراسة إعداد:
د. عبيد بن علي العبيد
الأستاذ المساعد في كلية القرآن الكريم في الجامعة الإسلامية

 

 
 
المقدمة
 
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}( ).
 
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}( ).
 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}( ) ( ).
 
أما بعد:
 
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار.
 
اعلم - وفقني الله وإياك - أنّ الله أمر المؤمنين بالإيمان به في غير موضع في كتابه، فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}( ).
 
وإنّ من أهم مايتضمنّه الإيمان بالله تعالى -الذي هو أول أركان الإيمان- التعرف عليه سبحانه بأسمائه وصفاته معرفة تثمر الخشية والعمل بآثارها على منهاج أهل السنة والجماعة.
 
وإن مما يبين أهمّيّة موضوع أسماء الله الحسنى أموراً كثيرة منها:
 
1-إنّ العلم بالله، وأسمائه، وصفاته أشرف العلوم، وأجلها على الإطلاق لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه، وتعالى بأسمائه، وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهم هذا العلم اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب ( ).
 
2-إن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته، وخشيته، وخوفه، ورجائه، ومراقبته، وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه الحسنى، والتفقه في معانيها.
 
3-إن معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسني مما يزيد الإيمان كما قال الشيّخ ابن سعدي رحمه الله: "أنّ الإيمان بأسماء الله الحسنى، ومعرفتها يتضمّن أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبيّة، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء، والصفات، وهذه الأنواع هي رَوح الإيمان وروحه ( )، وأصله وغايته فكلّما ازداد العبد معرفة بأسماء الله، وصفاته ازداد إيمانه، وقوي يقينه ( ).
 
  أهم أسباب اختيار الموضوع:
 
1- عظم أمر الإيمان بأسماء الله الحسنى إذ إن معرفتها هو أصل الإيمان، والإيمان يرجع إليها. وذلك لشرف متعلقها، وعظمته، ووجوب معرفته تعالى كما وصف نفسه ووصفه نبيه صلى الله عليه وسلم  كما سبق.
 
2- ندرة الكتابة في هذا الموضوع على منهج سلف الأمة.
 
3- لما يتّسم به شرح الأسماء الحسنى للسّعديّ من شمول، ودقة في الفهم على منهج سلف الأمة، مع غوص في بيان المعاني الإيمانيّة للأسماء الحسنى، وبيان آثار الإيمان بها، قلّ أن تجده عند غيره رحمه الله تعالى.
 
4- من خلال مطالعتي لتفسير السعدي رحمه الله، وجدته عقد فصلاً في شرح الأسماء الحسنى بعد تفسيره لسورة النحل.
 
ووجدت في نفسي رغبة في إخراجه، وطباعته مستقلاً عن التفسير لتعمّ الفائدة ويسهل حصوله لمريده، حيث إن موضعه في التفسير ليس مظنّة لقاصده، وبعد العزم، والتصميم على ذلك، استشرت بعض المشايخ، والزملاء، فوجدت منهم استحساناً للأمر، وأشاروا عليَّ بأن أزيد على هذا الفصل كل ما يتعلق بشرح الأسماء الحسنى من كتب الشيخ عبد الرحمن السّعديّ - رحمه الله - وجمعها، وترتيبها، وإخراجها.
 
وكان ممن له أثر كبير في ذلك الأخ الدكتور/ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد وفقه الله تعالى، حيث أتحفني بفهرس لمواطن الأسماء الحسنى من كتب ابن سعدي رحمه الله تعالى فجزاه الله خير الجزاء.
 
ولهذه الأسباب وغيرها رغبت في إخراج هذا المجموع، والله الهادي لسواء السبيل.
   
خطة البحث:

وتشتمل على مقدمة وقسمين:
المقدمة: وذكرت فيها:
1-أهمية الموضوع.
2-أسباب اختيار الموضوع.
3-خطة البحث.
4-منهجي في البحث.

القسم الأول: الدراسة وتشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: ترجمة موجزة للشيّخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.
المبحث الثاني: منهج الشيخ ابن السعدي - رحمه الله تعالى - في الأسماء الحسنى.
المبحث الثالث: أسماء الله تعالى توقيفية.
المبحث الرابع: حديث لله  تسعة وتسعون اسما  والكلام عليه.

القسم الثاني: عرض شرح أسماء الله الحسنى للسعدي جمعاً ودراسة.
منهجي في البحث:
أولاً: جمع المادة العلمية من كتب الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله وهى من الكتب الآتية:
1-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
2-تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، وقد أشرت إليه في العزو باسم الخلاصة.
3-توضيح الكافية الشافية.
4-الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية.
5-المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
6-بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار.
7-مجموع الفوائد واقتناص الأوابد.

ثانياً: النظر فيما قاله عن كل اسم من أسماء الله الحسنى، وتأليفه، وترتيبه، وحذف ما تكرر منه.

ثالثاً: ترتيب الأسماء الحسنى حسب حروف الهجاء مع ترقيمها ترقيماً تسلسلياً ثم عرض ما قاله الشيخ عن الاسم وجعله بين علامتي تنصيص.

رابعاً: الاستدلال للاسم الذي لم يستدل له الشيخ من الكتاب أو السنة إن وجد، وأجعله في الحاشية.

خامساً: أعلق على ما يحتاج إلى تعليق.

سادساً: عزو الآيات إلى سورها وأرقامها.

سابعاً: تخريج الأحاديث.

ثامناً: جعلت في خاتمة البحث ملخّصاً يبيّن أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث.

تاسعاً: وضع الفهارس اللازمة للبحث.

هذا وإن الحمد لله تعالى على التمام، وله الشكر على كل حال أحمده سبحانه أن يسر لي إخراج هذا المجموع عسى الله أن ينفع به جامعه، وقارئه، وكل من سمعه.

كما أسأله سبحانه أن يكون هذا العمل متقبلاً عنده وسائر أعمالي إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
 
 
القسم الأول: الدراسة وتشتمل على:
 
المبحث الأول
ترجمة موجزة عن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله ( )
 
أولاً: اسمه ونسبه:
 هو الشيخ العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي، من بني تميم.
 
ثانياً: مولده:
 ولد في عنيزة في القصيم في الثاني عشر من محرم سنة ألف وثلاثمائة وسبع من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم.
 
ثالثاً: نشأته:
 نشأ الشيخ يتيماً فقد توفيت أمه وله أربع سنين، وتوفى والده وله سبع سنين، ولكنه نشأ نشأة صالحة وقد أثار الإعجاب فقد اشتهر منذ حداثته بفطنته، وذكائه، ورغبته الشديدة في طلب العلم وتحصيله، فحفظ القرآن عن ظهر قلب وعمره أحد عشر سنة ثم اشتغل بالعلم على يد علماء بلده فاجتهد في طلب العلم وجَدّ فيه وسهر الليالي وواصل الأيام حتى نال الحظ الأوفر من كل فن من فنون العلم ولما بلغ من العمر ثلاثاً وعشرين سنة جلس للتدريس فكان يَتَعلم ويُعلِّم.
 
رابعاً: نبذة من أخلاقه:
كان على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة، متواضعاً للصغير، والكبير، والغني، والفقير، وكان يقضي بعض وقته بالاجتماع بمن يرغب حضوره فيكون مجلسهم مجلساً علمياً حيث إنه يحرص على أن يحتوي على البحوث العلمية، والاجتماعية، ويحصل لأهل المجلس فوائد عظمى من هذه البحوث، وكان يتكلم مع كل فرد بما يناسبه، وكان ذا شفقة على الفقراء، والمساكين، والغرباء مادًّا يد المساعدة لهم بحسب قدرته، ويستعطف لهم المحسنين ممن يُعْرف عنهم حب الخير في المناسبات.
 
وكان على جانب كبير من الأدب، والعفّة، والنّزاهة، والحزم في كل أعماله، وكان من أحسن الناس تعليماً، وأبلغهم تفهيماً.
 
خامساً: مكانته العلميّة:
 كان رحمه الله ذا معرفة فائقة في الفقه وأصوله، وكان أول أمره متمسكاً بالمذهب الحنبليّ تبعاً لمشايخه، وحفظ بعض المتون من ذلك.
 
وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وحصل له خير كثير بسببيهما في علم الأصول والتوحيد، والتفسير، ولغته، وغيرها من العلوم النافعة. وبسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين صار لا يتقيد بالمذهب الحنبلي، بل يرجح ما تَرَجّح عنده بالدليل الشرعي، ولا يطعن في علماء المذاهب. وله مكانة مرموقة في علم التفسير إذ قرأ عدة تفاسير وبرع فيه وألف تفسيراً جليلاً، في ثمان مجلدات، فسره بالبديهية من غير أن يكون عنده وقت لتصنيف كتاب تفسير ولا غيره.
 
دائماً يقرأ تلاميذه في القرآن الكريم ويفسره ارتجالاً، ويستطرد، ويبين من معاني القرآن، وفوائده، ويستنبط منه الفوائد البديعة والمعاني الجليلة، حتى أن سامعه يودّ أن لا يسكت، لفصاحته، وجزالة لفظه، وتوسعه في سياق الأدلة، والقصص، ومن اجتمع به وقرأ عليه وبحث معه عرف مكانته العلمية، وكذلك من قرأ مصنفاته وفتاويه.
 
سادساً: مصنفاته:
 كان رحمه الله تعالى ذا عناية بالغة بالتأليف فشارك في كثير من فنون العلم فألّف في التوحيد، والتفسير، والفقه، والحديث، والأصول، والآداب، وغيرها، وأغلب مؤلفاته مطبوعة إلا اليسير منها، وإليك سرد لهذه المؤلفات:
 
1-الأدلة والقواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين.
 2-الإرشاد إلى معرفة الأحكام.
 3-انتصار الحق.
 4-بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخيار.
 5-التعليق وكشف النقاب على نظم قواعد الإعراب.
 6-توضيح الكافية الشافية.
 7-التوضيح والبيان لشجرة الإيمان.
 8-التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة.
 9-تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله.
 10-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
 11-تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن.
 12-الجمع بين الإنصاف ونظم ابن عبد القوي.
 13-الجهاد في سبيل الله، أو واجب المسلمين وما فرضه الله عليهم في كتابه نحو دينهم وهيئتهم الاجتماعية.
 14-الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية.
 15-حكم شرب الدخان.
 16-الخطب المنبرية على المناسبات.
 17-الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية.
 18-الدرة المختصرة في معان دين الإسلام.
 19-الدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي.
 20-الدين الصحيح يحل جميع المشاكل.
 21-رسالة في القواعد الفقهية.
 22-رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة.
 23-الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة.
 24-سؤال وجواب في أهم المهمات.
 25-طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول.
 26-الفتاوى السعدية.
 27-فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد.
 28-فوائد مستنبطة من قصة يوسف.
 29-الفواكه الشهية في الخطب المنبرية.
 30-القواعد الحسان لتفسير القرآن.
 31-القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة.
 32-القول السديد في مقاصد التوحيد.
 33-مجموع الخطب في المواضيع النافعة.
 34-مجموع الفوائد واقتناص الأوابد.
 35-المختارات الجلية من المسائل الفقهية.
 36-المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
 37-منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين.
 38-المناظرات الفقهية.
 39-منظومة في أحكام الفقه.
 40-منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة.
 41-وجوب التعاون بين المسلمين وموضوع الجهاد الديني وبيان كليات من براهين الدين.
 42-الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
 43-يأجوج ومأجوج. طبع دار لينا، مصر، دمنهور، الطبعة الأولى 1418هـ.
 
سابعاً: وبعد عمر دام تسعاً وستين سنة قضاها في التعلم والتعليم والتأليف وخدمة الأمة الإسلامية وافاه الأجل المحتوم فتوفى سنة 1376هـ في مدينة عنيزة من بلاد القصيم رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
 
 
المبحث الثاني: منهج الشيخ ابن السعدي رحمه الله في الأسماء الحسنى
 
من خلال مطالعتي، وجمعي للأسماء الحسنى للسعدي - رحمه الله - تبين لي من منهجه ما يأتي:
 
أولاً: بالنسبة لمنهجه في الأسماء الحسنى فإن السعدي - رحمه الله - لم يتقيّد بمن سبقه ممن ألف في الأسماء الحسنى. لأنني وجدت بعض الأسماء التي أوردها لا توجد في هذه الكتب فأحياناً يزيد عليها، وأحياناً ينقص عنها في بعض الأسماء.
 
كما أنه لم يعتمد على حديث أبي هريرة في سرد الأسماء الحسنى فمثلاً أورد اسم الله تعالى «الستار» وهذا الاسم لم يرد في حديث أبي هريرة ولا في أي رواية من رواياته الواردة، والله أعلم.
 
فقد يكون - رحمه الله - اعتمد على ما ظهر له أنها أسماء الله تعالى من نصوص الكتاب، والسنة، والله أعلم.
 
ثانياً: من الأمور الذي تميز بها هذا المجموع ما ظهر لي من منهج الشيخ - رحمه الله تعالى - من العناية، والاهتمام بقواعد الأسماء، والصفات كما يتبين ذلك من خلال إيراده لهذه القواعد في هذا المجموع ومن ذلك:
 
القاعدة الأولى: أسماء الله كلها حسنى ( ).
 
القاعدة الثانية: الإيمان بأسماء الله، وصفاته، وأحكام الصفات ( ).
 
القاعدة الثالثة: دلالة الأسماء على الذات، والصفات تكون بالمطابقة، والتضمن، والالتزام ( ).
 
القاعدة الرابعة: من أسماء الله ما يرد مفرداً، ومنها ما يرد مقروناً مع غيره لأن الكمال الحقيقي من اجتماعهما( ).
 
ثالثاً: من منهج الشيخ رحمه الله أنه أدخل في الأسماء الحسنى الأسماء المضافة مثل «بديع السموات والأرض» و «ذو الجلال والإكرام» و«الفعال لما يريد» وغيرها.
 
وكذلك ما أخذ بطريق الإشتقاق ولم أقف على نص ينص على تسميته لله مثل «الستار» و«الهادي» و «الرشيد» وغيرها. وقد بينت في الدراسة ما ترجّح لي في الأسماء المضافة، والاشتقاق ( ).
 
رابعاً: اتسم منهج الشّيخ - رحمه الله تعالى - لشرحه أسماء الله الحسنى ببيان المعنى الظاهر للاسم مع الغوص في بيان المعاني الإيمانية للأسماء الحسنى، وبيان آثار الإيمان بها.
 
وهذه السمة مما ميّزت شرحه على كثير من شروح الأسماء الحسنى مع إغفاله للأوجه اللغوية للاسم، وهذا ظاهر في أغلب الأسماء التي شرحها رحمه الله تعالى.
 
 
المبحث الثالث: أسماء الله تعالى توقيفية
 
مذهب جمهور أهل السنة والجماعة أن أسماء الله تعالى توقيفية، فلا يجوز تسميته سبحانه بما لم يرد به السمع.
 
وذلك أن أسماء الله تعالى من الأمور الغيبية التي لا يمكن لنا معرفة شيء منها إلا عن طريق الرسل الذين يطلعهم الله على ما يشاء من الغيب ثم هم يبلغونه للناس فلا يجوز القياس فيها أو الإجتهاد لأن هذا الباب ليس من أبواب الاجتهاد.

قال أبو إسحاق الزجاج: "لا ينبغي لأحد أن يدعو الله بما لم يصف به نفسه"( ).

وقال أبو إسحاق القشيري( ): "الأسماء تؤخذ توقيفياً من الكتاب، والسنة، والإجماع، فكل اسم ورد فيهما وجب اطلاقه في وصفه، وما لم يرد لا يجوز ولو صح معناه".

وقال أبو سليمان الخطابي: "ومن علم هذا الباب؛ أعني الأسماء، والصفات، ومما يدخل في أحكامه، ويتعلق به من شرائط أنه لا يتجاوز فيها التوقيف، ولا يستعمل فيها القياس، فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر، وضع اللغة، ومتعارف الكلام، فالجواد: لا يجوز أن يقاس عليه السخي، وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام، وذلك أن السخي لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد، ثم إن السخاوة موضوعة في باب الرخاوة واللين، يقال: أرض سخية وسخاوية إذا كان فيها لين ورخاوة، وكذلك لا يقاس عليه السمح لما يدخل السماحة من معنى اللين، والسهولة.
 
وأما الجود فإنما هو سعة العطاء من قولك جاد السحاب إذا أمطر فأغزر، وفرس جواد إذا بذل ما في وسعه من الجري.

وقد جاء في الأسماء القوى، ولا يقاس عليه الجلد، وإن كان يتقاربان في نعوت الأدميين لأن باب التجلد يدخله التكلف، والإجتهاد.

ولا يقاس على القادر المطيق، ولا المستطيع لأن الطاقة، والاستطاعة إنما تطلقان على معنى قوة البنية، وتركيب الخلقة.

وفي أسمائه العليم، ومن صفته العلم فلا يجوز قياساً عليه أن يسمى عارفاً لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك لا يوصف بالعاقل.

وهذا الباب يجب أن يراعى، ولا يغفل فإن عائدته عظيمة، والجهل به ضار، وبالله التوفيق.اهـ ( ).
 
وقال السفاريني في نظمه للعقيدة:

لكنها في الحق توقيفية
 لنا بذا أدلة وفية
 
ثم شرح البيت فقال:
 
لكنها: أي الأسماء الحسنى، في القول الحق المعتمد عند أهل الحق توقيفية بنص الشرع، وورود السمع بها.
 
ومما يجب أن يُعلم أنّ علماء السنة اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء الحسنى، والصفات العلى على الباري جل وعلا إذا ورد بها الإذن من الشارع، وعلى امتناعه على ما ورد المنع عنه. اهـ( ).
 
فالحق أن: أسماء الله تعالى توقيفية؛ لأنها من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
 
فلا مجال للقياس، وإعمال العقل فيها إثباتاً أو نفياً لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله من الأسماء لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نحصى ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"( ).

فإذا تبين أنّ أسماء الله تعالى توقيفية فلا يجوز أن يشتق من الفعل أو من الصفة اسماً لله تعالى.

فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء ( ).

وما ورد مقيداً أو مضافاً من الأسماء في القرآن أو السنة فلا يكون اسماً بهذا الورد مثل اسم (المنتقم) فلم يرد إلا مقيداً في قوله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}( ).

وما ورد مضافاً مثل: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}( ).

فلا يؤخذ هذا الاسم من هذا الورود المضاف لكن يؤخذ من آيات أُخر.

وإذا ورد في الكتاب، والسنة اسم فاعل يدل على نوع من الأفعال ليس بعام شامل فهذا لا يكون من الأسماء الحسنى لأن الأسماء الحسنى معانيها كاملة الحسن تدل على الذات، ولا تدل على معنى خاص مثل مجرى السحاب، هازم الأحزاب، الزارع، الذاري( ).
 
 
المبحث الرابع: حديث "لله تسعة وتسعون اسماً"
 
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا واحدة لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر"
 
 وفي رواية: "من أحصاها( ) دخل الجنة" وهذا الحديث متفق على صحته( ).
 
وقد وردت روايات أخرى للحديث بطرق أخرى مختلفة تزيد على الحديث السابق بذكر أسماء من أسماء الله تعالى، والحديث ورد بثلاث طرق عند الترمذي( ) وابن ماجه( ) والحاكم( ) ( )، وهذه الطرق ضعفت من جهة الإسناد، ومن جهة المتن كما بينه جمع من العلماء، والمحققين، وإليك أقوالهم.
 
قال البيهقي رحمه الله في حديثه عن رواية عبد العزيز بن الحصين: يحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة، وكذلك في حديث الوليد ابن مسلم ( ).
 
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين - يعني روايتي الترمذي من طريق الوليد وابن ماجه من طريق عبد الملك بن محمد - ليستا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كل منهما من كلام بعض السلف"( ).
 
وقال أيضاً: أن التسعة والتسعين اسماً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث وفيها حديث ثان أضعف من هذا، رواه ابن ماجه، وقد روى في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف ( ).
 
وقال ابن كثير رحمه الله: "الذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث - أي حديث الوليد عند الترمذي - مدرج فيه وإنما ذلك كما رواه الوليد بن سلم، وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك أي أنهم جمعوها من القرآن..."( ).
 
وقال ابن حجر رحمه الله: "والتحقيق إنّ سردها إدراج من الرواة"( ).
 
ونقل ابن حجر عن ابن عطية رحمهما الله قوله: "حديث الترمذي ليس بالمتواتر وبعض الأسماء التي فيه شذوذ"( ) والله أعلم.