Về bài viết
سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 391
الشيخ : ... لأن تقسيم الإسلام إلى أصول وفروع أولا يحتاج إلى علم واسع بالكتاب والسنة ، وهذا كما ترون مع الأسف الشديد أهله في هذا العصر قليل وقليل جدا ؛ لأن أكثر من يظن أنهم من أهل العلم إنما هم أهل علم بالمذهب أو بالمذاهب ؛ أما القرآن والسنة ، و السنة الصحيحة بخاصة فقليل جدا من علماء العصر الحاضر من يتصفون بهذا العلم الصحيح ؛ أقول لتقسيم أو لتحقيق إسلام وجعله أصولا وفروعا يحتاج إلى هذا العلم الواسع بالكتاب والسنة ؛ وثانيا هل يمكن للمسلمين لو اجتمعوا على صعيد واحد وفي مكان واحد كل أهل العلم بحق لو اجتمعوا على صعيد واحد هل يمكنهم أن يجعلوا الإسلام قسمين أصولا يتفقون عليها وفروعا يتفقون عليها ؟ أم سيبقى هناك بعض المسائل ممكن بعضهم يدخلها في القسم الأول وبعضهم يدخلها في القسم الآخر ؛ فحينئذ ما حال عامة المسلمين ؟إذا كان أهل العلم يختلفون ، وهو كما ترون حتى الآن صدق الله العظيم (( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم )) فإذا الخلاف من طبيعة البشر فلو اجتمعوا على صعيد واحد وأرادوا أن يبينوا للناس ما يجوز أن يكون من القسم الأول وما يجوز أن يكون من القسم الآخر لما تمكنوا من الاتفاق على ذلك بل سيظلون مختلفين ؛ لذلك فاعتقادي الجازم أنه لا يجوز التفريق بين شرع وشرع فيقال هذا أصل لا يجوز التهاون به وهذا فرع يجوز التهاون به ، نعم إذا كان المقصود بالفرع والأصل هو ما يقابل الفرض ويقابل السنة ، هذا لاشك أمر ممكن ؛ لكن ليس هذا هو المقصود ، المقصود هو ما يتعلق بالعقيدة وما يتعلق بالعبادة وما كان متعلقا بالعقيدة فهو الأصل وهو الذي يجب الاعتماد والتمسك به وعدم الإخلال بشيء منه ، وما يتعلق بالعبادات فالخطب سهل وبخاصة أنهم جاءوا بمعول " من قلد عالما لقي الله سالما "، وهذا الشهرة هذه الجملة يتوهم كثير من الناس أنها حديث عن الرسول عليه السلام ، ولا أصل له حتى في الأحاديث الموضوعة ، لا أصل لهذه الجملة " من قلد عالما لقي الله سالما " حتى في الأحاديث الموضوعة ، ونستطيع أن نقول هذا حديث موضوع طازج يعني حديث في العصر الحاضر ، وهذا من مشاكل هذا العصر أنه تروج هناك عبارات لم نجدها حتى في الأحاديث الموضوعة ؛ من أين جاءت ؟ من ذاك المنبع الذي جاءت الأحاديث الموضوعة القديمة التي وضعت لها كتب الموضوعات ؛ والشاهد يستدل أولئك الذين أشرنا إليهم على معنى هذه الجملة " من قلد عالما لقي الله سالما " بحديث صحيح واستدلالهم هذا يشبه تماما من حيث الانحراف عن معناه الصحيح كاستدلال المبتدعة بقولهم إن في الإسلام بدعة حسنة بحديث ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) ما هو هذا الحديث الصحيح الذي ركن إليه أولئك الذين يقررون الخلاف ولا يريدون أبدا حمل المسلمين إلى قول رب العالمين (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) تأملوا معي هذه الآية (( في شيء )) (( فإن تنازعتم في شيء )) ما قال عقيدة وغير عقيدة ، ما قال أصلا وفرعا وإنما في أي شي من أحكام الشريعة (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )) الآية، هؤلاء الذين لا يريدون ولا ينطلقون معنا لإصلاح ما أفسد الناس من قبلنا يقولون حجتنا في ذلك حديث بني قريظة لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من أصحابه إلى بني قريظة قال لهم : ( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة ) وانطلقوا وهم مسرعون ثم داركهم وقت العصر فتفرقوا إلى قسمين ، إلى قولين منهم من قال لا بد أن نصلي العصر قبل خروج وقتها ، ومنهم من قال لا ، نبينا قال ( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة ) ؛ فاختلفوا ، ناس منهم فعلا صلوا العصر في الوقت المعتاد قبل غروب الشمس وناس أخروا الصلاة ؛ لما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا له الخلاف الذي وقع بينهم ، الخطأ الآن من أولئك الناس أنهم يروون الحديث خطأ عمدا أو سهوا ربهم أعلم بهم لكن الواقع أنهم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم أقر كلا من الفريقين على عملهم ، وهذا خطأ رواية ودراية ؛ أما الرواية لأن الحديث في الصحيحين كما ذكرنا من رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فهو قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع اختلافهم قال ابن عمر" فلم يعنف طائفة منهم " ، لم يعنف طائفة منهم ، ليس أقرهم جميعا وإنما لم يعنف ، وهذا هو مقتضى الشريعة بقواعده العامة كما تعلمون جميعا إن شاء الله من قوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد )، إذا الذي يكون مأجورا لا يعنف ومن هنا ينبغي أن نأخذ أدبا ، هذه جملة معترضة قد تطول قليلا فمعذرة ، من هذا الحديث ينبغي أن نأخذ أننا إذا رأينا إماما من أئمة المسلمين قد خالف سنة من السنن الصحيحة لا ينبغي أن نحط عليه وأن نطعن فيه وإنما أن نلتمس له عذرا ، ذلك أنه كان مجتهدا فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ومن الأعذار التي شرحها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " شرح من هذه الأسباب أن السنة لم تكن قد تجمعت يومئذ فقد كانت السنة متفرقة في البلاد الإسلامية التي تفرق إليها الأصحاب الأولون من أصحاب الرسول عليه السلام ، وبذلك تفرقت السنة ولم يتمكن المسلمون علماءهم فيما بعد أن يجمعوا هذه السنة إلا في القرن الثاني أخيرا ، والقرن الثالث وهكذا ... .
الشيخ : ... ولذلك كان من مزية من تأخر من علماء المسلمين يتميز بأنه جمع من السنة أكثر من الإمام الذي قبله ، ولذلك نجد الواقع يشهد أن أكثرهم جمعا هو آخرهم عصرا ، فأكثر الأئمة الأربعة سنة وجمعا للحديث الإمام أحمد ثم شيخه الشافعي ثم شيخه هو الإمام مالك ، أخيرا يأتي الإمام الأول من حيث العصر وهو أبو حنيفة ، فهو أقلهم حديث بسبب أنه لم يخرج من الكوفة التي نشأ فيها وترعرع فيها وتعلم فيها إلا نادرا جدا بمناسبة حج أو عمرة ، فلم يطوف البلاد ليجمع السنة كما فعل الشافعي في رحلته إلى مصر وكما فعل تلميذه الإمام أحمد حيث طاف البلاد ، الشاهد فقوله في الحديث "لم يعنف طائفة منهم " ينسجم تماما مع ملاحظة أنهم كانوا مجتهدين ؛ أما أقرهم على ذلك ؟ لا ؛ لأن هذه المسألة السر فيها أنه لم يبين ، هنا يرد سؤال تقليدي أو كما يقولون اليوم يطرح نفسه بنفسه لماذا لم يبين الرسول عليه السلام الطائفة التي أصابت والطائفة التي أخطأت ؟ بينما نجد خلاف ذلك تماما في مسألة أخرى جاء في سنن أبي داوود وغيره أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا مسافرين ثم حضرتهم الصلاة ولم يجدا الماء فتيمما صعيدا طيبا وصليا ، ثم وجدا الماء ، أحدهما أعادة الصلاة والآخر لم يعد ؛ فلما عادا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي أعاد الصلاة ( لك أجرك مرتين ) ، وللذي لم يعد ( أصبت السنة ) ؛ أيضا هذا الحديث والحديث ذو شجون ؛ تُرى هل الأفضل الذي أعاد ؟ أم الذي لم يعد ؟ أو بعبارة أخرى إذا وقعت هذه القصة لبعض الناس فيما بعد ، وهذا طبعا يقع كثيرا وهنا الشاهد هل السنة أو هل الأصح أن يعيد من صلى متيمما بعد أن يجد الماء أم يقتصر على الصلاة التي صلاها ولا يعيد ؟ إن وقفنا دون تأمل ما في الحديث السابق قد يتبادر إلى الذهن لا الأفضل أن يعيد ؛ لأن الرسول عليه السلام قال ( لك أجرك مرتين ) لكن هذا الجواب خطأ ، نحن نقول قال له لك أجرك مرتين لأنه اجتهد ، ولأنه لم يكن بين يديه السنة ؛ أما وواقعنا اليوم أننا عرفنا السنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي لم يعد أصبت السنة ، فإذا من ابتلي بمثل ما ابتلي الذي أعاد فلا يعيد اليوم ؛ لأن ذلك كان معذورا مجتهدا ولا اجتهاد في مورد النص ولا يجوز مخالفة السنة وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ( فمن رغب عن سنتي فليس مني )، فإذا في هذه الحادثة نفهم أنه من صلى متيمما ثم وجد الماء أنه لا يعيد لأنه خلاف السنة ، الشاهد من هذه الحادثة أن الرسول قال لفلان لك أجرك مرتين ولفلان أصبت السنة ، ولماذا لم يقل أنتم أصبتم السنة ؟ وأنتم لكم أجركم مرتين ؟ الجواب لأن هذه الحادثة لم تتكرر ، حادثة مخالفة الصلاة نظام الصلاة ( لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ) ومن أدرك العصر ومن لم يدرك فلا صلاة له ، هذه الحادثة لم تتكرر ، ولذلك اكتفى عليه السلام بأنه لم يعنف ؛ لماذا لا تتكرر ؟ افترضوا الآن مثل هذه الحادثة تماما يقع فيها الخليفة الأول الخليفة الراشد يقول لمن يرسلهم إلى مكان ما " لا تصلوا العصر إلا في ذلك المكان " سوف لا يختلف هؤلاء المسلمون إذا تدراكهم الوقت ؛ لأنهم يعلمون أن الإسلام قد تمّ كما قال تعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) فإذا كان من الممكن أن تتغير الأحكام في زمن الرسول عليه السلام لأن الوحي كان لا يزال ينزل عليه تترى ، فذلك لا سبيل إليه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلو أن خليفة مسلما بل قرشيا راشدا قال لطائفة منهم لا تصلوا العصر إلا في مكان كذا ، ثم ضاق عليهم العصر لوجب عليهم جميعا ولما وقع بينهم أي اختلاف إطلاقا لأنهم يصلون الآن أو يصلون في ذلك المكان ، السبب أن في حادثة بني قريظة كان في هناك شبهة لدى بعضهم أن هذا حكم جديد ، الرسول قال ( لا يصلين أحدكم إلا في بني قريظة ) أما لو وقع مثل ذلك بعد الرسول عليه السلام فليس لأحد أن يدخل تخصيصا وتقييدا في نص عام وفي مبدأ عام بعد وفاة الرسول عليه الصلاة و السلام لأن الإسلام قد تم فلا مجال للاستدراك عليه .
السائل : سؤال حول أو يتمم هذا الموضوع ولو من بعد يقول فيه السائل يقول البعض لابد من التمذهب في أول طريق العلم دون تعصب حتى ينضبط لك الأمر وتنضبط لك الألفاظ الاصطلاحية عند أهل العلم ، ثم بعد ذلك تنظر وتبحث بالترجيح والبرهان والدليل ؛ فما هو رأيكم ؟
الشيخ : هذا هو الرأي مع قيد ، نحن دائما نؤكد بأن واجب الدعاة الإسلاميين حقا أن يعودوا بمجتمعتهم إلى هدي المجتمع الأول ؛ كيف كان المجتمع الأول ؟ هل كان هناك مذاهب ؟ هل كان هناك مذهب لبعض الصحابة ؟ مذهب يسمى بكري وآخر يسمى عمري وثالث عثماني ورابع علوي ؟ الجواب لا ، وإنما كانوا فعلا أمة واحدة ولاشك أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا كلهم علماء بل كما نفهم من كتب أهل العلم أقلهم كان من أهل العلم ؛ أما جمهورهم فكان كما أشار القرآن (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) فالجمهور كانوا يسألون يتقصدون في سؤالهم رجلا منهم يتعصبون له دون الآخرين ؟ الجواب لا ، من تيسر لهم من أهل العلم من الصحابة سألوه دون تحيز إلى واحد منهم ، يجب كما يقال التاريخ يعيد نفسه لكن التاريخ يعيد نفسه بفعل أهل التاريخ ؛ فأريد أن أقول القيد هو صحيح ما جاء في السؤال في العصر الحاضر ينبغي الإنسان أن يدرس دراسة نظامية مذهبية لكن القيد الذي أريد أن أقوله هذا في المجتمعات العامة المعروفة اليوم بالتمذهب ، أما إذا قيد لرجل ما أنه يعيش في بلد أو في قرية فيها أفراد من أهل العلم الذين لا يتعصبون لمذهب من المذاهب الأربعة وإنما منهجهم الكتاب والسنة ، فهذا البعض المقيم في هذا البلد ليس له أن يدرس هذه الدراسة التي قلنا عنها إنها هي اليوم وإنما عليه أن يدرس على هؤلاء العلماء دراسة على الكتاب والسنة في كل أحكام الشريعة ؛ أما إذا كان لا يوجد كما هو الواقع مع الأسف في أكثر بلاد الإسلام إلا علماء مذهبيين فلا يسعه إلا أن يدرس على أحد ثم بعد ذلك يتوسع في دراسة السنة ودراسة تفاصيل الأئمة ليتعرف على أدلة الشريعة وعلى ما ذهب إليه كل مذهب من الاستنباط فيعمل الترجيح حينما يصل إلى هذه المنزلة ، هذا القيد هو الذي أردت أن أضمه إلى ذاك السؤال الذي أقررته لكن مع هذه الضميمة وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين .
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ؛ أما بعد فالرجاء من إخواننا الحاضرين الذين انتقلوا من مخيم إلى هذا المخيم أن يفسحوا الفرصة لأهل هذا المخيم أن يوجهوا أسئلتهم حتى نجيب عليها لأنهم أحق بذلك من غيرهم ولاسيما أننا قضينا ساعات كثيرة في مخيمنا هناك ، ولذلك فأرجو أن لا يعتدي الحاضرون من هناك على الحاضرين هنا وأن يفسحوا المجال لأسئلتهم ، فإذا ما أفلسوا من أسئلتهم جاء دوركم ولعلهم أغنياء إن شاء الله ، أغنياء بأسئلتهم فهاتوا ما عندكم يا معشر المخيم ؟
أبو ليلى : يا دكتور حتى أنت تلقي الأسئلة يعني اكتبوا يا إخوة الأسئلة على الأوراق .
الشيخ : أنت تفسح المجال للاعتداء ؟
أبو ليلى : وهو يا شيخنا المعنيين أهل المخيم هذا .
الشيخ : ترقيعة حلوه هذه ، بس بدك من يفهمها أول من استجاب لدعوتك غير أهل المخيم اهتبلوها فرصة .
السائل : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد : فإننا نهتبل هذه الفرصة المناسبة لوجود فضيلة الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني وهو رجل معروف ولولا أنه لا يجوز التمادح للمسلم أمام أخيه لوصفنا الشيخ بما هو أهل له ، ولكن هذا لا يجوز كما أن الشيخ لا يرضى بذلك إلا أننا نقول إن الشيخ قد قضى أكثر من نصف قرن في خدمة السنة النبوية وفي تحقيق الأحاديث ولا نظن إلا أن الشيخ من مجددي هذه الأمة أمر دينها في علم الحديث فنسأل الله عز وجل أن يجيزه بذلك ويجزيه الثواب العظيم والأجر الكبير لما يقدمه وما قدمه لطلاب العلم وللأمة كافية ، وقبل أن نجيب على الأسئلة التي سوف يسأل فيها إخواننا الشيخ عما يتعلق في أمورهم سواء فيما يتعلق بمسائل الحج أو المسائل العامة نريد كلمة من الشيخ يختارها هو إما نصيحة لطلاب العلم أو للناس كافة كما يرى فليتقدم مشكورا .
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) ... .
الشيخ : ... أما بعد ! فقبل أن ألقي كلمتي التي يفتح الله تبارك وتعالى لي فيها أريد أن أعلق على كلمة المفتتح للجلسة وحسن ظنه بي فأقول اقتداء بالخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه " اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون " ؛ أما كلمتي فهي تتعلق بإيجاز لكي نفرغ الوقت للإجابة عن الأسئلة تتعلق بالعلم النافع والعمل الصالح ؛ أما العلم النافع فيشترط فيه أمران اثنان ، أما الأمر الأول فأن يكون مستقا من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والكتاب والسنة أمران معروفان لدى جميع المسلمين قاطبة على ما بينهم من اختلاف كبير أو صغير في فهم بعض نصوصهما إلى أن الذي أريد أن أدندن حوله فيما يتعلق بالكتاب والسنة إنما هما أمران اثنان أحدهما يتعلق بالقرآن ، والآخر يتعلق بالسنة ؛ أما الأول فهو أن يكون من طابع طالب العلم أن يكون ديدنه أن يفهم القرآن على ضوء السنة ، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خاطبه الله عز وجل في القرآن الكريم بقوله : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) ومعذرة نقف قليلا ، وعلى ذلك فلا بد لطالب العلم النافع أن يعتمد في فهمه للقرآن على السنة ، هذه نقطة متفق عليها والحمد لله بين المسلمين قاطبة على ما بينهم من اختلاف في طريقة إثبات السنة ، ولسنا الآن في هذا الصدد فإذا كان من المتفق عليه بين المسلمين كافة أن القرآن يجب تفسيره بالسنة فمن تمام العلم النافع أن نتحرى السنة الصحيحة وهذه نقطة أو هذا أمر يخل به جماهير العلماء في العصر الحاضر ، ذلك أنهم ينقلون من السّنة ما وقفوا عليه دون تنبه أو دون أن يأخذوا حذرهم من أن يكون ما ينقلونه من الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تصح نسبته إليه ، وحينئذ يقعون في محظورين اثنين ، أحدهما أثر الآخر ، المحظور الأول هو التقول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد قال في الحديث المتواتر ( من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) وفي رواية أخرى ( من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ) ولذلك يجب على كل من كان حريصا على العلم النافع سواء كان من أهل العلم المشار إليهم بالبنان أو كان من طلاب العلم البادئين في طلب هذا العلم أنه لا يجوز لهم أن ينقلوا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن يثبت لديهم صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحينئذ يكون طالب العلم على المنهج الصحيح في طلبه للعلم لأنه أولا يعتمد على الكتاب والسنة ثم هو يفسر القرآن بالسنة وأخيرا يعتمد على السنة الصحيحة فقط دون ما لم يصح منها ؛ وثانيا يكون مسؤولا عما ينشره بين الناس من الأحاديث التي لا تكون في واقعها صحيحة النسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا هو العلم النافع ولكننا نضيف عادة إلى المصدرين السابقين الكتاب والسنة نضيف شيئا ثالثا وهو ضروري جدا في زماننا هذا لاختلاف وجوه الأنظار والاستنباط والاقتباس والفهم من الكتاب والسنة ، فليكون العالم أو طالب العلم في منجاة في تفسيره للكتاب والسنة أن يميل يمينا أو يسارا وأن يقع في الضلال من حيث لا يريد ولا يشعر لابد له من أن يضم إلى اعتماده على الكتاب والسنة شيئا ثالثا ألا وهو الاعتماد على ما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم ، ذلك لأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم حينما سئل في حديث الفرق الذي فيه أن المسلمين سيفترقون ثلاثا وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الفرقة الناجية من النار ، قال ( هي الجماعة ) ، هذه رواية ، الفرقة الناجية هي الجماعة ، وفي رواية قال ( هي التي على ما أنا عليه وأصحابي ) ؛ فنجد في كل من الروايتين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على قوله الكتاب والسنة وإنما قال أولا ( الجماعة ) ثم قال ( ما أنا عليه وأصحابي ) ، فلماذا ذكر وأصحابي ؟ ولم يكتف على قوله ( ما أنا عليه ) ؟ والحقيقة أن هذا يكفي لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في الحديث الصحيح ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ) فإذا من تمسك بالكتاب والسنة لن يضل ولكن ألا تعلمون معي أن كل الفرق الإسلامية ما كان منها قديما واندثر بعضها وما كان منها قديما واستمرت حتى زماننا هذا ، وما قد جد منها في زمننا هذا تحت أسماء ونسب كثيرة ، ألا تعتقدون معي أن كل هذه الفرق لا يوجد منها فرقة تتبرأ من الكتاب والسنة ؟ لا يوجد والحمد لله ، من يعلنها صراحة أو صريحة بأنه ليس على الكتاب والسنة ، وإلا حينئذ لم يعتبر من الفرق الإسلامية ... .
الشيخ : ... وإنما كل الفرق مهما كانت عريقة في الضلال سواء ما كان منها من الفرق القديمة أو الحديثة على التفصيل الذي ذكرته آنفا لا يوجد فيها إلا من يدعي دعوانا وهي أنهم على الكتاب والسنة وخذوا مثلا الفرقة لعلها الفرقة الأخيرة كفرقة انحرفت عن الكتاب والسنة من الفرق المعاصرة والحديثة ألا وهي الطائفة القاديانية التي كان أصلها من قرية الهند اسمها قاديان وخرج منها ذلك الرجل الذي كان يسمى ميرزا غلام أحمد القادياني ، ثم حرف اسمه لغرض في نفسه لسنا الآن في صدد بيان ذلك ، فسمى نفسه بأحمد لكي يحمل على اسمه قول الله عز وجل على لسان عيسى (( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )) أي أحمد القادياني ، وهو إنما كان اسمه ميرزا غلام أحمد القادياني ، ميرزا لقب ، أما اسمه غلام أحمد أي خادم أحمد ، فحذف كلمة خادم أي غلام واحتفظ باسم أحمد ليحمل على نفسه تلك الآية ، وشتان ما بينها وبينه ، فإنه من الدجالين الكذبة الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لا تقوم الساعة حتى يكون ثلاثون دجالا كلهم يزعم أنه نبي ولا نبي بعدي ) ، واستطاع هذا الرجل بسبب أو بآخر أن يحمل كثيرا من الناس ليس فقط من الأعاجم بل ومن العرب أيضا أن ينحرف بهم عن الكتاب والسنة ، فآمنوا به وصدقوه واتبعوه ، وجاؤوا بعقائد مخالفة لإجماع المسلمين ، ولسنا أيضا في هذا الصدد وإنما الشاهد هؤلاء يقولون أيضا معنا الكتاب والسنة فهل أفادهم شيء دعواهم الكتاب والسنة وهم قد خالفوا الكتاب والسنة في كثير من نصوصها ؟ والشاهد ها هنا الآن كيف يجمعون اتباعهم لنبيهم المزعوم وبين قول رب العالمين (( ولكن رسول الله وخاتم النبيين )) ؟ هنا يظهر لكم أهمية شيئين اثنين ، السنة وتفسير السنة والقرآن على ما كان عليه السلف الصالح ، تفسير القرآن بالسنة وتفسير السنة بما كان عليه السلف الصالح ، لم يكفر هؤلاء القاديانيون بقوله تعالى : (( ولكن رسول الله وخاتم النبيين )) بل آمنوا بالآية كما نؤمن ، كذلك لم ينكروا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) أيضا آمنوا بهذا الحديث الصحيح ؛ لكنهم كفروا بمعنى الآية والحديث لأنهم تأولوهما بغير تأويلهما وفسروهما بخلاف ما كان عليه سلفنا الصالح ومن تبعهم إلى هذا اليوم ؛ ... تأويلهم للآية (( ولكن رسول الله وخاتم النبيين )) قالوا نحن نعتقد معكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال في القرآن (( خاتم النبيين )) ولكننا نخالفكم في تفسيركم للآية ونفهم أن معناها خاتم النبيين أي زينة النبيين كما أن الخاتم زينة الأصبع كذلك الرسول عليه السلام هو زينة الأنبياء ؛ فإذا هم آمنوا باللفظ القرآني وكفروا بمعناه فلم يفدهم إيمانهم بالقرآن شيئا ؛ ولذلك فهم أشبه ما يكونون في تأويل هذه الآية أو ذاك الحديث كالكفار من النصارى الذين يحاولون أن يستخرجوا من القرآن أدلة تؤيد ضلالهم وإيمانهم بأن عيسى عليه السلام هو ابن الله ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، ها أنتم عرفتم تأويلهم بل تعطيلهم لدلالة الآية على أنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف فسروا الحديث الصحيح ؟ ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ) قالوا لا نبي معي أي بعد أن فسروا الحديث بهذا التفسير الباطل قالوا فمفهوم الحديث أنه يوجد بعدي نبي فعطلوا بذلك أيضا أحاديث أخرى صريحة ولم يجدوا لها تأويلا إلا بإنكارها مثل قوله عليه السلام : ( ألا إن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبي ولا رسول بعدي ) هذا الحديث أنكروه لأنه مع براعتهم في التأويل بل في التعطيل لم يجدوا لهم مساغا لتأويل هذا النص ، فماذا فعلوا به ؟ أطاحوا به ولم يؤمنوا به ؛ الشاهد من هذا المثال كل الفرق الإسلامية قديمها وحديثها تشترك معنا في القول بالإيمان بالكتاب والسنة ولكنها تختلف عنا في عدم تقييدهم بطريق المسلمين الذي ذكره رب العالمين في قوله : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) كما أنهم لم يرفعوا رؤوسهم إلى ما سبق من الحديث في وصف النبي صلى الله عليه وسلم للفرقة الناجية لأنها التي تكون على ما كان عليه الرسول وأصحابه فهم لم يلتفتوا إلى أصحابه عليه السلام ولم يهتدوا بهديهم وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون الذين قرنهم الرسول عليه السلام فذكرهم مع اسمه وذكر سنتهم مع سنته في حديث العرباض بن سارية الذي فيه ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ... ) إلى آخر الحديث، الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أمته أن من سيعيش من بعده فسيرى اختلافا كثيرا ؛ فما هو الضمان ؟ وما هو المخرج من الخلاف الكثير الذي كان ولا يزال الآن يشتد في هذا الزمان ؟ العصمة وضعها الرسول عليه السلام بين أعيننا في هذا الحديث بقوله : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ... ) إلى آخر الحديث، إذا العصمة تمام العصمة ليس هو التمسك فقط بالسنة بل وبما كان عليه السلف الصالح ، لو نظرنا اليوم إلى كل الفرق الإسلامية القائمة اليوم على الأرض الإسلامية كما قلت آنفا قديمها وحديثها لوجدناهم جميعا يجمعون على الكتاب والسنة ولكنهم يخالفوننا في الرجوع إلى السلف الصالح ، إذا هذا هو الحكم الفصل بين من كان على السنة حقيقة وبين من كان منحرفا عنها ، ولو أنه كان يدعيها ذلك أن العصمة عند الاختلاف كما هو صريح هذا الحديث إنما الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة بعامة والخلفاء الراشدون بخاصة ، هذا هو العلم النافع ؛ خلاصة ذلك أنه لا يكون علما نافعا إلا إذا كان معتمدا على الكتاب وكان تفسير الكتاب على السنة ، وكانت السنة صحيحة غير ضعيفة ، وأخيرا اعتمادا في فهمهما الكتاب والسنة على ما كان عليه سلفنا الصالح ولذلك نجد الفرق القائمة اليوم كلها نجدها لا صلة بينها وبين سلفها الأول مهما كان سلفهم لأنهم ليس عندهم من الكتب ما يروي لهم الأحاديث الصحيحة أو بعبارة موجزة ما يروي لهم هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل شؤون حياته كما قال عليه السلام : ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به وما تركت شيئا يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) هذا العلم ، هذا العلم الجامع النافع لا يوجد عند كل الفرق الإسلامية فضلا عن أن يوجد عندهم من الكتب والآثار ما يصلهم بالسلف الصالح وما يدلهم على ما كانوا عليه لكي يقتدوا بهم تنفيذا لقوله تعالى المذكور آنفا (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ... ))، فالله عز وجل في هذه الآية يأمر باتباع سبيل المؤمنين ويحذر من مخالفة سبيل المؤمنين ويعتبر مشاققة ومخالفة سبيل المؤمنين مشاقة للرسول عليه الصلاة والسلام كل الفرق لا سبيل لها أن تعود في فقهها للكتاب وللسنة إلى ما كان عليه السلف الصالح ؛ إذا العلم النافع هو القرآن المفسر بالسّنة والسّنة الصحيحة وكلاهما مفسر بما طبقه سلفنا الصالح ولكي نعرف ما كان عليه السلف الصالح فيجب أن يكون عندنا كتب تروي لنا آثار السلف كما تروي لنا أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ، ... .
الشيخ : ... هذا فيما يتعلق بالعلم النافع وبقي علينا وبقي عليّ أن أتكلم ولعلها تكون كلمة موجزة في العمل الصالح وما هو ؟ العمل الصالح يشترط فيه أمران اثنان ، الأمر الأول أن يكون على سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد ذكرنا آنفا ما يكفي حولها وقد أشار ربنا عز وجل إلى هذا الشرط ؛ والشرط الآخر وهو أن يكون العمل الصالح خالصا لوجه الله ، في قوله تبارك وتعالى : (( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ))، قال المفسرون في قوله عز وجل (( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا )) العمل الصالح ما وافق السّنة ، (( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) أي ليخلص لله عز وجل وحده ، في هذه العبارة التي وافق فيها السنة فإذا أختل أحد هذين الشرطين لا يكون العمل صالحا ، الشرط الأول أن يكون العمل موافقا للسّنة فإذا لم يكن كذلك كان مردودا على صاحبه ولو كان مخلصا فيه لربه كما قال عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ... .