تقديم كتاب التحرير والتنوير

هذا الكتاب يعتبر كمقدمة تعريفية لكتاب التحرير والتنوير للإمام محمد الطاهر ابن عاشور - رحمه الله -، وقد سلط المؤلف الضوء فى هذا البحث على الحقبة التاريخية والظروف السياسية والفكرية والاجتماعية التي نشأ فيها الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وكتب فيها تفسيره لربط الحركة الإسلامية المعاصرة بالحركة الإصلاحية الأم ومد جسور التواصل الفكري والأدبي والسياسي معها.


 
تقديم كتاب
 
 » التحرير والتنوير «




لفضيلة الإمام  :
الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور
 
 
 
 
 
إعداد : المهدي بن حميدة
 
 
 
 
 
 
2001م /1422هـ
 
 
 
 
 
مقدمة :
 
لقد كانت لي رغبة في تصفح » التحرير والتنوير « هذا التفسير الضخم الذي يقع في ثلاثين جزءا، ولم أسمع بأن هناك تفسيرا اسمه » التحرير والتنوير « إلا في سنة 1985 منذ ذلك الزمن وأنا أتطلع إلى معرفة ما فيه وأتكشف إلى مطالعة طريقته في التفسير بعد أن سطعت في الآفاق كتابات الشهيد سيد قطب وتفسيره " في ظلال القرآن " وحالت السياسة دون وقوفي على تراثنا العلمي والثقافي والحضاري لرجالات تونس. منذ ذلك الوقت لم أجد من متسع للاطلاع على هذا التفسير وتذوق ألفاظه وكلماته، بعد أن سمعت عنه ورأيته عند أبي الذي اقتناه ولم يكمل قراءته وهو الذي عاش مع مؤلفه في جنبات جامع الزيتونة وتخرج منه.
رغبة شديدة ملكتني في اقتفاء آثار "جامع الزيتونة " بعد أن طمست معالمه ومسحت آثاره ولم يبق منه سوى الحمَام المغرد - ويا ليتنا نفهم تغريده - وما أحسب إلا أنه يشكو وينعى للأجيال القادمة ما أصاب هذه المنارة المشرقة وما لحق بها. أكتب هذه الكلمات ولم يكن لي من نصيب من هذا الجامع العريق سوى ركعتين أديتهما هربا إذ فررت منهم لما خفتهم، وشاء القدر أن أكفكف دموعي وأغسل آثار تلك الغازات التي علقت بي من أعوان "الخليفة" الذي يجلس في القصر بماء الجامع الذي ساقني القدر إليه و"الميضة" [1] التي تتابع واغتسل من ينابيعها أمم، أبطال وقادة وجيوش تعاقبوا على هذا المكان ليفتحوا جنوب إيطاليا ويرسموا على صفحات التاريخ أروع البطولات وأزكي أنواع الانتصارات، فكانوا قادة فاتحين وعلماء متفقهين وحكاما عادلين، ولولا قبورهم التي تشهد لاجترأ هؤلاء المتربصون على أن يقولوا قولتهم اللعينة: متى كانت تونس عربية أو إسلامية ؟ حتى تطالبونا بفتح المساجد وعلى رأسهم جامع الزيتونة!
بهذه الكلمات أفتتح مقدمتي هذه  ليكون للقارئ وقع في نفسه ومبرر لاختياري لهذا الموضوع الذي قدم لي من طرف المعهد -ضمن قائمة تحتوي على ثمانية عشرة عنوانا- وهو : "تقديم كتاب التحرير والتنوير لمحمد الطاهر ابن عاشور مع ترجمة لمؤلفه" .
اخترت هذا الموضوع لقلة ما وجدت وما سمعت عن هذا العالِم الفذ والبحر الواسع الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في هذه البلاد، ولئن كتب عنه الكثير في تونس وتحديدا في الجامعة الزيتونية إبان إغلاق جامع الزيتونة، إلا أن ذلك يبقى رهينة من ينقله إلى المكتبات والجامعات خارج تونس في ظل الطلاق البائن الذي حصل بين حكام البلاد والعلم الشرعي والتراث الزيتوني والفكر العربي والإسلامي بصفة عامة. كما أني تصفحت » التحرير والتنوير « ولم أجد ما يعرِّف بالشيخ محمد الطاهر ابن عاشور فأردت أن تكون هذه المحاولة البسيطة مادة لتقديم هذا الكتاب لمن أراد أن يعرف عن هذا العالم الفذ شيئا عن آراءه وإصلاحاته.
وسلطت الضوء في بحثي على الحقبة التاريخية والظروف السياسية والفكرية والاجتماعية التي نشأ فيها الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وكتب فيها تفسيره لربط الحركة الإسلامية المعاصرة بالحركة الإصلاحية الأم - منذ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني - ومد جسور التواصل الفكري والأدبي والسياسي معها. لأنه لم يكن تفسيرا عاديا وإنما كان تعبيرة من صاحبه وشهادة حية على تلك الحقبة التاريخية التي وقفت فيها الأمة على مفترق طرق الخلافة الإسلامية المتساقطة والحقبة الاستعمارية الوارثة وما نتج عنها من دول "حديثة" حكمت كافة الأقطار الإسلامية، وهو كذلك رسالة إلى من يرث هذا العلم ويتداوله بين الناس.
ثم إني تصفحت كتب التفسير وعلوم القرآن فلم أجد لهذا التفسير » التحرير والتنوير «  كبير اعتناء ولا اطلاع من طرف الكتاب والباحثين – عدى الكلية الأوروبية في بعض مراجعها - ما حملني على التعريف بهذا التفسير العصري والجامع لتراث الأمة من المأثور والمنقول والبلاغة والبيان وفي شتى العلوم. فإنك قليلا ما تجد التفاسير تجمع بين كل هذه المواصفات، وخاصة الجمع بين العصرية وعلوم اللغة العربية التي هي من كنوز تراثنا الأدبي والفكري وتتطلب من الاختصاص والتمكن في كل العلوم ما تتطلبه.
قسمت بحثي إلى ثلاثة أبواب، جعلت الأول تمهيدا تحدثت فيه عن تاريخ تونس وتعريفا بجامعها، والثاني تعريفا بمؤلف » التحرير والتنوير «  ومناقبه وإصلاحاته وعصره، والثالث تناولت فيه تقديم كتاب » التحرير والتنوير «  في مقدماته العشر التي صدّرها كتابه. لخصتها قدر المستطاع وما تسمح لي به الأمانة في نقل قواعده التي جعلها منهاجا وهديا لتفسيره.
أسأل الله أن أكون قد وفقت إلى ذلك حسب ما أوتيت من الفهم.
كما نسأل الله أن يبوأ لتونس والعالم الإسلامي من يرجع للدين كرامته وللأمة مجدها وحضارتها بإعطاء قيمة للعلم الشرعي والعلماء، وأن يرفع عنا الغمة ويزيل عنا النقمة إنه نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
                                     سويسرا في                                    
4 جوان 2001
الموافق لـ 12 3 1422
 


 
 



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

1-    1-       التعريف بكتاب " التحرير والتنوير "
 
يقع كتاب " التحرير والتنوير " في ثلاثين جزءا طبع عن دار الكتب الشرقية،  وأخرى للدار التونسية للنشر، وهذه الأخيرة طبعة جيدة وورقها من النوع الرقيق والرفيع [2].
ألفه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور طيلة أيام حياته، وسماه » تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد، من تفسير الكتاب المجيد «. اختصره في اسم  » التحرير والتنوير من التفسير «. وتداول باسم » التحرير والتنوير «. 
 
2-    2-       تأليف " التحرير والتنوير"
 
عقد الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور العزم على تناول كتاب الله بالتفسير بعد أن راودته الفكرة مرات ومرات وفي كل مرة يثني عزمه على ذلك مخافة أن يعتريه من هذا الطريق ما يعتري كل مقدم على كتاب الله من تأول ألفاظه والكشف عن مراده، يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في هذا الصدد :" كنت على كلفي بذلك أتجهم التقحّم على هذا المجال، وأحجم من الزج بِسيَةِ قوسي في هذا المجال اتقاء ما عسى أن يعرِّض له المرء نفسه من متاعب تنوء بالقوة، أو فلتات سهام الفهم وإن بلغ ساعد الذهن الفُتوّة." كما كان رحمه الله يتحرّى من نفسه ثبات عزمه على تفسير القرآن قبل أن يبدأ فيه، فلم تكن فكرة تفسيره للقرآن الكريم هكذا مجرد إرادة عابرة أو فكرة خاطفة أو فراغ أو ترف فكري أو أدبي  أراد الشيخ ابن عاشور أن تطرب له نفسه به، وإنما راودته هذه الأمنية منذ بعيد كما يقول هو وهو لم يتجاوز الـ30 سنة، ولكنه انشغل عن مشروعه هذا بإسناده خطة القضاء في 26 رمضان 1331هـ. ومن تصميمه على الفكرة – فكرة التفسير- عقد العزم على تحقيق أمنيته بمجرد تفرغه بنقله إلى خطة الفتيا في 26 رجب 1341هـ، ويذكرك تصميم الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على صغر سنه بالآية الكريمة التي فيها : )  يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ  بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيًّا(  مريم 12 إذ يقول :" هنالك عقدت العزم على ما كنت أضمرته، واستعنت بالله تعالى واستخرته؟ وعلمت أن ما يَهُولُ من توقع كلل أو غلط، لا ينبغي أن يحول بيني وبين نسيج هذا النمط، إذا بذلت الوسع من الاجتهاد، وتوخيت طرق الصواب والسداد. أقدمت على هذا المهم إقدام الشجاع، على وادي السباع …". كما يفهم من كلامه هذا تصريحا أو تلميحا تواضع العالم القدير وتخوف الورع الزاهد أمام بحر عميق أمواجه كالجبال الشاهقات مصداقا لقوله تعال : )  إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ ( فاطر 28. مستحضرا في ذلك قول الصدّيق y :" أيّ سماء تظلّني ؟ وأيّ أرض تقلّني ؟ إذا قلت في كلام الله ما لا أعلم "  [3].
ومن مواصفات العالم، الثقة والثبات والعزم وقد تمثلت كل هذه المواصفات وغيرها لا يحصى في كلام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في كتابه هذا، أسوق بعض عباراته " وأصبحت الهمة مصروفة إلى ما تنصرف إليه الهمم العليا " متحدثا عن نفسه، ويضيف فيقول :" وطمعت أن أكون ممن أوتي الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس". ويقول في موضع آخر :" فجعلت حقا عليّ أن أبدي في تفسير القرآن نكتا لم أر من سبقني إليها، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وتارة عليها"،  ويقول أيضا " فإني بذلت الجهد في الكشف عن نكت من معاني القرآن وإعجازه خلت عنها التفاسير، ومن أساليب الاستعمال الفصيح ما تصبو إليه همم النحارير". وبعد أسلوب في الإقناع ومنهجية في التقديم تجد نفسك وكأنك أمامه رحمه الله وهو يقول لك مخبرا عن تفسيره :" ففيه أحسن ما في التفاسير، وفيه أحسن مما في التفاسير". ثقة وثبات وتواضع يذكرك بسلفه من عظماء الأمة أمثال المجدد ابن قيم الجوزية، والإمام مالك وغيرهم كثير…
 
3-    3-       إضافاته في " التحرير والتنوير "
 
كما سبق وأشرت فقد تميز كتاب " التحرير والتنوير " عن غيره من التفاسير وكما صرح به هو متحدثا عن تفسيره، ولأن كان الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله معجبا بتفسير " الكشاف" للزمخشري [4] باعتماد فن من فنون القرآن ألا وهي البلاغة [5]، فقد زاد على ذلك باعتماده على "فن دقائق البلاغة الذي لم يخصه أحد من المفسرين بكتاب كما خصّوا الأفانين الأخرى" والكلام إلى محمد الطاهر ابن عاشور. وقد اعتنى في تفسيره ببيان :
-    -   وجوه الإعجاز ونكت البلاغة العربية، فيقول :" فإني بذلت الجهد في الكشف عن نكت من معاني القرآن وإعجازه خلت عنها التفاسير".
-    -    تناسب اتصال الآى بعضها ببعض، مع إعراضه عن تناسب مواقع السور بعضها إثر بعض، قبل أن يبيّن أغراض كل سورة من سور القرآن.
-    -       بيان مفردات اللغة العربية بالضبط والتحقيق مما خلت عن ضبط كثير منه قواميس اللغة.
ولم ينس الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور فضل السلف من علماء الأمة وما أفضوا به في شتى العلوم والمعارف وبالأخص التفاسير وبدا منحنيا متواضعا أمام ما وصلنا وما لم يصلنا من مجهوداتهم ونعمهم علينا، فقال :" ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون، وفي كلتا الحالتين ضر كثير، وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده، عالما بأن غمض فظلهم كفران للنعمة، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة".
 
4-    4-       الفكر العقدي عند ابن عاشور من خلال " التحرير والتنوير"
 
لم يفرد الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور العقيدة الإسلامية بمؤلف يتناولها فيه بالشرح والتحليل والبيان وإنما تُعرف آراؤه العقدية من خلال تفسيره "التحرير والتنوير". فكتابه منبع ثري لدراسة العقائد بأصنافها، من ذلك قوله عند حديث عن صفة الوحدانية " أن الله واحد في إلهيته لا يشاركه فيها غيره إبطالا للشرك الذي عند العرب وللتثليث الذي عند النصارى وللثانوية عند المجوس وللتعدد الذي لا يحصى عند البراهمة. وقد اصطلح أهل العلوم العالية في أصول الدين على جعل وصف أحد لله تعالى وصفا يرمز إلى كمال معنى الوحدة الموصوف بها تعالى وهي وحدة الذات بالتنزه عن الشريك وعن التركيب وعن الحلول ووحدة الصفات بأنها متناهية في كمال حقائقها وآثارها".
وهناك اعتقادات شائعة منحرفة قد تتبعها الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وليست هذه الاعتقادات المنحرفة خاصة بالمجتمع التونسي، بل هي شأن عام من شؤون الأمم في جهالتها الأولى فتنتحل لأنفسها معارف مخلوطة بين الحق والباطل تعلل بها تعايشها إلى العالم، ومن هذه المعتقدات المنحرفة التشاؤم ببعض المظاهر أو المخلوقات أو الأوقات، فيقول في هذا الصدد :" ولأهل تونس حظ عظيم من اعتقاد التشاؤم بصفر [6] لا سيما النساء وضعاف النفوس، ومنهم من يعتقد أن يوم الأربعاء الأخير من صفر هو أنحس أيام العام" [7]. وهكذا يتتبع الشيخ عقائد قومه فينهاهم على مواطن الزلل ويقاوم البدع التي سيطرت على العقل المسلم في ذلك القرن.
وله في الملائكة أقوال عصرية بأنها مخلوقات نورانية سماوية مجبولة على الخير قادرة على التشكل في خرق العادة لأن النور قابل للتشكل في كيفيات ولأن أجزاءه لا تتزاحم ونورها لا شعاع له. فلذلك لا تضيء إذا اتصلت بالعالم الأرضي وإنما تتشكل إذا أراد الله أن يظهر بعضهم لبعض رسله وأنبيائه على وجه خرق العادة.
 
5-    5-       منهجيته في التفسير
 
جعل الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور لكتابه " التحرير والتنوير" عشر مقدمات تناول في كل مقدمة علما من العلوم التي جعلها هديه ومنهجه في التفسير، وهي :
1-    1-           في التفسير والتأويل وكون التفسير علما
2-    2-           في استمداد علم التفسير
3-    3-           في صحة التفسير بغير المأثور ومعنى التفسير بالرأي ونحوه
4-    4-           فيما يحق أن يكون غرض المفسر
5-    5-           في أسباب النزول
6-    6-           في القراءات
7-    7-           قصص القرآن
8-    8-           في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها
9-    9-           في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن، تعتبر مُرادها بها
10-    10-      في إعجاز القرآن، مبتكرات القرآن، وعادات القرآن.
 
سوف أتناولها بالتفصيل والتلخيص دون المساس بفحواها العلمي والمنهجي قدر ما استطعت إلى ذلك سبيلا إن شاء الله والله الموفق إلى سواء السبيل.
 
6-  مقدمة الكتاب :
 
I-    I-    المقدمة الأولى : في التفسير والتأويل وكون التفسير علما
 
أسهب الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في شرح اللفظ اللغوي لمعنى فسر وفسّر، وهو ما معناه الإبانة والكشف لمدلول كلام أو لفظ بكلام آخر هو أوضح لمعنى المفسَّر عند السامع.
والتفسير في الاصطلاح هو اسم للعِلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسّع.  وموضوع التفسير ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه. 
ويعتبر ابن عاشور علم التفسير ليس علما بذاته لولا اعتباره علما من طرف المفسرين وعلماء الأمة فيقول :" أحببت أن أتابعهم في عده علما"، وعدّ اعتباره علما تسامح. وأرجع اعتبار تفسير ألفاظ القرآن علما مستقلا إلى ستة وجوه هي :
1-    1-     كون مباحثه تؤدي إلى استنباط علوم كثيرة وقواعد كلية، وكل ما تستخرج منه القواعد الكلية والعلوم أجدر بأن يعد علما من عد فروعه علما.
2-    2-             يكفي أن تكون العلوم الشرعية والأدبية مباحثها مفيدة كمالا علميا لمزاولها، والتفسير أعلاها.
3-    3-             تقوم التعاريف اللفظية مقام البرهان على المسائل، حيث تنزيل مباحث التفسير منزلة المسائل.
4-    4-      إن علم التفسير لا يخلو من قواعد كلية، مثل تقرير قواعد النسخ وقواعد التأويل وقواعد المحكم فسمي مجموع ذلك وما معه علما تغليبا.
5-    5-            حق التفسير أن يشتمل على بيان أصول التشريع وكلياته.
6-    6-            أن التفسير كان أول ما اشتغل به العلماء قبل الاشتغال بتدوين بقية العلوم، وهو الفصل.
والتفسير كما يراه الشيخ ابن عاشور " هو شرح مراد الله تعالى من القرآن ليفهمه من لم يصل ذوقه وإدراكه إلى فهم دقائق العربية وليعتاد بممارسة ذلك فهم كلام العرب وأساليبهم من تلقاء نفسه" [8].  وتتميز رؤيته لعلم التفسير في كونها تتحرر من أسباب الجمود والتقليد والدعوة إلى عدم تقييد فهم القرآن وتضييق معناه، ضمن ما كان يقوله السلف فيه : " إنه لا تنقضي عجائبه ولا تنفد معانيه" ضمن مراد الله تعالى دائما. وذلك بإعمال الرأي والاجتهاد في الآيات التي تحتمل ذلك حسب قواعد العلوم والمواصفات التي حددها لنفسه وأجمع عليها جمهور علماء الأمة. وبما أن التفسير أول العلوم الإسلامية ظهورا، فقد ظهر الخوض فيه منذ عصر النبي r ثم اشتهر فيه بعد ذلك من الصحابة علي وابن عباس وهما أكثر الصحابة قولا في التفسير، وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص y، وشاع الخوض في بيان معاني القرآن عن التابعين وأشهرهم في ذلك مجاهد وابن جبير.
وأول من صنف في التفسير عبد الملك بن جريج المكي [9] وأكثر روايته عن أصحاب ابن عباس مثل عطاء ومجاهد، هناك روايات واهية منسوبة إلى ابن عباس فهناك رواية مقاتل ورواية الضحاك، ورواية علي بن أبي طلحة الهاشمي كلها عن ابن عباس، وأصحها رواية علي بن أبي طلحة، وهي التي اعتمدها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه. وهنالك روايات تسند لعليy، أكثرها من الموضوعات إلا ما روي بسند صحيح، مثل ما في صحيح البخاري. وكتب علماء كثيرون في تفسير القرآن كل حسب اتجاهه وما اعتمد عليه، منهم من سلك النقل بالمأثور عن السلف، وأول من صنف فيه الإمام مالك ابن أنس، وأشهرهم محمد بن جرير الطبري. ومنهم من سلك مسلك النظر ( التفسير بالرأي ) كأبي إسحاق الزجاج، والعلامة الزمخشري، والشيخ بن عطية في الأندلس.
وتكلم الشيخ ابن عاشور عن الفرق الجاري بين العلماء بين التفسير والتأويل، وخلص إلى أن جماع القول في ذلك أن من العلماء من جعلهما متساويين كابن الأعرابي وأبو عبيدة، ومنهم من جعل التفسير للمعنى الظاهر والتأويل للمتشابه. ورجح الشيخ ابن عاشور الرأي الأول القائل بتساوي المعنيين.     
 
II-    II-         المقدمة الثانية : في استمداد علم التفسير
 
الاستمداد في الاصطلاح هو احتياج علم لمعلومات بطلب المدد، والمدد العون والغُواث. فكأنما علم التفسير أو المفسر بصدد طلب الغوث والمددِ لاستعمالها في التفسير، يقول العلامة ابن عاشور:" أما ما يورد في العلم من مسائل علوم أخرى فلا يعد مددا للعلم، فاستمداد علم التفسير للمفسر العربي والمولّد، من المجموع الملتئم من علم العربية وعلم الآثار، ومن أخبار العرب وأصول الفقه قيل وعلم الكلام وعلم القراءات". حيث اعتبر زيادات فخر الدين الرازي في » مفاتيح الغيب« إفاضة في البيان وليست مددا للعلم.
يعرف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور العلوم العربية التي هي أول المدد بقوله :" تبحث عن أسلوب التكلم، ومادته النحو والصرف والبلاغة والإنشاء وهي العلوم المدروسة لتحصيل النطق العربي الفصيح" [10] والمراد من العربية عنده معرفة مقاصد العرب من كلامهم وأدب لغتهم. وبما أن القرآن الكريم كلام عربي فاعتبر قواعد العربية طريقا لفهم معانيه، وبدون ذلك يقع الغلط وسوء الفهم، لمن ليس بعربي السليقة. وقواعد اللغة العربية أو اللسان العربي هي: متن اللغة، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان. ومن وراء ذلك أساليب العرب وخطبهم وأشعارهم وأمثالهم وعوائدهم ومحادثاتهم وتراكيب بلغائهم.
واعتب الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أن لعلمي البيان والمعاني مزيد اختصاص بعلم التفسير لأنهما وسيلة لإظهار خصائص البلاغة القرآنية، فكانا يسميان في القديم " علم دلائل الإعجاز". وأما علم البلاغة قال :"فيه يحصل انكشاف بعض المعاني واطمئنان النفس لها، وبه يترجح أحد الاحتمالين على الآخر في معاني القرآن". مثال ذلك، روى أئمة الأدب أن عمر بن الخطابy  قرأ على المنبر قوله تعالى:" أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ" ثم قال ما تقولون فيها أي في معنى التخوف، فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا، التخوف التنقص، فقال عمر: وهل تعرف العرب ذلك في كلامها؟ قال نعم قال أبو كبير الهذلي :
        تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا        كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ [11]
فقال عمر:" عليكم بديوانكم لا تضلوا، هو شعر العرب فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم"، وعن ابن عباس " الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن، الذي أنزله الله بلغتهم رجعنا إلى ديوانهم فالتمسنا معرفة ذلك منهم". قال القرطبي سئل ابن عباس عن السِّنَةِ في قوله تعالى :) لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ  (فقال النعاس وأنشد قول زهير :
        لا سِنَةَ في طُوال الليل تأخذه        ولا ينام ولا في أمره فَنَدُ
كما يدخل في مادة الاستعمال العربي كل ما يؤثر عن بعض السلف في فهمهم لبعض معاني الآيات كما فهمت عائشة y  وجوب الطواف بين الصفا والمروة من الآية)   فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ( .
والآثار، المعني بها ما نقل عن النبي r من بيان المراد من بعض القرآن في مواضع الإشكال، كما في تأويل)  الخَيْطِ الأبْيَضِ مِنَ الأَسْوَدِ (  بسواد الليل وبياض النهار [12]، وكل ما نقل عن الصحابة الذين شاهدوا نزول الوحي، كما تشمل إجماع الأمة على تفسير معنى كإجماعهم على أن المراد من الأخت في آية الكلالة الأولى هي الأخت للأم، وأن المراد من الصلاة في سورة الجمعة صلاة الجمعة.
وأما القراءات فلا يحتاج إليها إلا في حين الاستدلال بالقراءة على تفسير غيرها، وهو يقوم في مقام الترجيح لأحد المعاني.
وأما أخبار العرب فهي من جملة أدبهم، يستعان بها على فهم ما أوجزه القرآن في سَوقها كقوله تعالى : )   وَلاَ تَكُونُوا كَالتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا (  وقوله : )  قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ( كل ذلك مما يتوقف على معرفة أخبارهم عند العرب.
ولم يعد أصول الفقه من مادة التفسير، وحصل أن بعض أصول الفقه عد من التفسير لوجهين :
1-    1-            أن علم أصول الفقه فيه الكثير من طرق استعمال كلام العرب وفهم موارد اللغة.
2-    2-            أن علم الأصول يضبط قواعد الاستنباط ويفصح عنها وهو بالتالي آلة للمفسر.
وليس الفقه مادة لعلم التفسير كما ذهب إلى ذلك السيوطي.

 
III-    III-     المقدمة الثالثة : في صحة التفسير بغير المأثور ومعنى التفسير بالرأي ونحوه
 
التفسير بالمأثور هو ما أثر عن النبي  r  أو الصحابة أو كبار التابعين من تفسير القرآن بالقرآن أو بالسنة التي جاءت مبينة لكتاب الله مصداقا لقوله تعالى :)   لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (.
علّق الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على هذه الطريقة في التفسير متوخيا الدليل العلمي وإرجاع المصطلحات إلى معناها وإثبات الحجة على من قال بالتفسير بالمأثور هو التفسير الذي يجب أن يكون على أن لا يكون غيره. ولا نستغرب ذهابه هذا المذهب في التفسير عندما نتفحص بالدليل والحجة والمنطق المعنى الذي حدده في التفسير بالرأي.
وقبل البداية نسوق التعريف الذي اعتمده أغلب العلماء القدامى وبعض الجدد في التفسير بالرأي :" هو ما يعتمد فيه المفسر في بيان المعنى على فهمه الخاص واستنباطه بالرأي المجرد – وليس منه الفهم الذي يتفق مع روح الشريعة، ويستند إلى نصوصها – فالرأي المجرد الذي لا شاهد له مدعاة للشطط في كتاب الله  [13].
وقبل أن يستغرق الشيخ ابن عاشور في الرد على هذا التعريف السائد، ساق الأحاديث الواردة عن النبي r في القول في القرآن بغير علم وما ورد عن أبي بكر y في القول في القرآن برأيه، ثم أثبت بالحجة أن تفسير القرآن الكريم بما أثر عن النبي r أو الصحابة وبعض التابعين لم يكن تفسيرا لكل الكتاب، وأن ما ورد من مدلولات الألفاظ والمفردات العربية في القرآن لا يعدوا أن يكون بضع الكلمات والمصطلحات وأن باقي القرآن هو من آراء المجتهدين من علماء الأمة.
فكيف السبيل إلى التوفيق إذن بين ما أقره ابن عاشور من الأحاديث النبوية الصحيحة ونهي أبي بكر y عن القول في القرآن برأيه، وأنه في نفس الوقت يعتمد التفسير بالرأي حسب وجهة نظره [14] ؟
الجواب أن تعريفه للتفسير بالرأي ليس كما اعتمده المحققون وكما أشرتُ سابقا، وأرجعَ الشبه التي نشأت من الآثار المروية في التحذير من التفسير بالرأي إلى خمسة وجوه :
1-    1-     " أن المراد بالرأي هو القول عن مجرد خاطر دون استناد إلى نظر في أدلة العربية ومقاصد الشريعة وتصاريفها، وما لابد منه من معرفة الناسخ والمنسوخ وسبب النزول"، [15] ولم يفت الشيخ ابن عاشور التعليق على قولة أبي بكر الصديق  y  [16]، فقال :"فذلك من الورع خشية الوقوع في الخطأ في كل ما لم يقم له فيه دليل أو في مواضع لم تدع الحاجة إلى التفسير فيها"، وكذلك فيما ذهب إليه الشعبي وسعيد بن المسيب من إحجامهما عن ذلك أضاف ابن عاشور " مبالغة في الورع ودفعا للاحتمال الضعيف".
وتأتي اجتهادات ابن عاشور في هذا السياق التفسيري من باب بذل الوسع مع ظن الإصابة.
2-    2-     أن لا يتدبر المفسر القرآن حق تدبره، فيفسره بما يخطر له من بادئ الرأي دون إحاطة بجوانب الآية ومواد التفسير مقتصرا على بعض الأدلة دون بعض وهو من الرأي المذموم لفساده.
3-    3-     أن يكون له ميل إلى نزعة أو مذهب أو نحلة فيتأول القرآن على وفق رأيه ويصرفه عن المراد ويرغمه على تحمله ما لا يساعد عليه المعنى المتعارف.
4-    4-            أن يفسر القرآن برأي مستند إلى ما يقتضيه اللفظ ثم يزعم أن ذلك هو المراد دون غيره.
5-    5-     أن يكون القصد من التحذير - من التفسير بالرأي - أخذ الحيطة في التدبر والتأويل ونبذ التسرع إلى ذلك، ويضيف ابن عاشور " والحق أن الله ما كلفنا في غير أصول الاعتقاد بأكثر من حصول الظن المستند إلى الأدلة، والأدلة متنوعة على حسب أنواع المستنَد فيه".
ثم في الرد على من قالوا بأن لا يعدو التفسير أن يكون إلا بما هو مأثور، أرجع ذلك إلى المراد بالمأثور عمن يؤثر، فإن كان المأثور ما روى النبي r من تفسير بعض الآيات – إن كان مرويا بسند مقبول من صحيح أو حسن – فقد ضيقوا سعة معاني القرآن وينابيع ما يستنبط من علومه، وأن الصحابة رضوان الله عليهم لم يقصروا أنفسهم على أن يرووا ما بلغهم من تفسير عن النبي  r. وإن كان المأثور ما روي عن النبي r والصحابة y خاصة، لم يتسع ذلك المضيق إلا قليلا. وإن كان المأثور ما كان مرويا قبل تدوين التفاسير الأُول مثل ما روي عن ابن عباس وأصحاب ابن مسعود، فقد أخذ أصحاب هذا الرأي يفتحون الباب من شَقِّه، ويقربون ما بعد من الشُّقَّة. وقد التزم الطبري في تفسيره أن يقتصر على ما هو مروي عن الصحابة والتابعين، لكنه لا يلبث في كل آية أن يتخطى ذلك إلى اختياره منها وترجيح بعضها على بعض بشواهد من كلام العرب، وشاكل الطبري في تفسيره معاصروه.
كما أشار ابن عاشور إلى أصحاب التفسير بالرأي المذموم متخذا في ذلك عديد الأمثلة من غلاة الشيعة والباطنية والصوفية وكثير من الفرق المتعددة التي حملت معاني القرآن ما لم تحتمله وأولوه على حسب أهواءهم ومعتقداتهم وخالفوا بذلك رأي الأمة. متخذا في ذلك دور الناصح من هذه التأويلات والإشارات التي لم يستند فيها أصحابها إلى دليل ولا اعتمدوا على علم يخول لهم ما أباحوه لأنفسهم، فقال :" وإن سكوت العلماء على ذلك زيادة في الورطة، وإفحاش لأهل هذه الغلطة، فمن يركب متن عمياء، ويخبط خبط عشواء، فحق على أساطين العلم تقوية اعوجاجه، وتمييز حلوه من أجاجه".              
IV-    IV-      المقدمة الرابعة : فيما يحق أن يكون غرض المفسر
 
قال تعالى : )   وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ  شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ( يقول، فكان المقصد الأعلى منه صلاح الأحوال الفردية، والجماعية، والعمرانية، ورأس الأمر فيه صلاح الاعتقاد لأن الاعتقاد مصدر الآداب والتفكير، ثم صلاح السريرة الخاصة، وهي العبادات الظاهرة كالصلاة، والباطنة كالتخلق. وأما الصلاح الجماعي فيرجعه الشيخ ابن عاشور أولا إلى الصلاح الفردي، ولا يصلح الكل إلا بصلاح أجزائه ويتمثل ذلك في ضبط تصرف الناس بعضهم مع بعض، وهو علم المعاملات، ويعبَّر عنه - كما يقول ابن عاشور- عند الحكماء بالسياسة المدنية.
وأما الصلاح العمراني، فهو ضبط تصرف الجماعات والأقاليم بعضهم مع بعض لإعمار الأرض على وجه يحفظ مصالح الجميع، وحفظ المصلحة الجامعة عند معارضة المصلحة القاصرة لها، وأطلق عليه –نسبة إلى بن خلدون- علم العمران وعلم الاجتماع.
ويرى الشيخ ابن عاشور مراد الله من كتابه ما به يقوم حفظ مقاصد الدين، قال تعالى :) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ                                إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ (  وإن كان الاطلاع على مراد الله موضوع خلاف طويل فلا مانع من التكليف باستقصاء البحث عنه بحسب الطاقة ومبلغ العلم مع تعذر الاطلاع على تمامه. وعلى الآخذ في هذا الفن أن يعلم المقاصد الأصلية التي جاء القرآن لتبيانها وهي ثمانية أمور :
1-    1-            إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح.
2-    2-     تهذيب الأخلاق قال تعالى :  )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( وفسرت عائشة y لما سئلت عن خلقه r فقالت كان خلقه القرآن.
3-    3-     التشريع وهو الأحكام خاصة وعامة، قال تعالى : ) إِنَّا   أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ                   النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ -  وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا             عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ (
4-    4-     سياسة الأمة وهو القصد منه صلاح الأمة وحفظ نظامها بقوله :)  وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ( وقوله : )  وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ (
5-    5-     القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بمصالح أحوالهم، قال تعالى : )  نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ     أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ (
6-    6-     التعليم وما يؤهل أفراد الأمة إلى تلقي الشريعة ونشرها، وقد زاد القرآن تعليم حكمة ميزان العقول فقال :  ) يُؤْتِي  الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (  وقد لحق به التنبيه المتكرر على فائدة العلم، وذلك شيء لم يطرق أسماع العرب من قبل.
7-    7-            المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير، وكذلك المحاجة والمجادلة للمعاندين.
8-    8-            الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول r .
 
فغرض المفسر بيان ما يصل إليه أو ما يقصده من مراد الله تعالى في كتابه بأتم بيان يحتمله المعنى ولا يأباه اللفظ مع إقامة الحجة على ذلك.
 وطرق المفسر للقرآن كما يراها ابن عاشور ثلاث :
I-    I-              إما الاقتصار على الظاهر من المعنى الأصلي للتركيب – وهذا هو الأصل- مع بيانه وإيضاحه.
II-    II-     وإما استنباط معان من وراء الظاهر تقتضيها دلالة اللفظ أو المقام ولا يجافيها الاستعمال، وهي من خصائص اللغة العربية، ككون التأكيد يدل على إنكار المخاطب أو تردده. كما أن يفسر ما حكاه الله تعالى في قصة موسى مع الخضر بكثير من آداب المعلم والمتعلم كما فعل الغزالي في كتاب الإحياء.
III-    III-    وإما أن يجلب المسائل ويبسطها لمناسبة بينها وبين المعنى، أو للتوفيق بين المعنى القرآني وبين بعض العلوم، أو لرد مطاعن من يزعم أنه ينافيه لا على أنها مما هو مراد الله من تلك الآية بل لقصد التوسع. كما يفسر أحد قوله تعالى : )  وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (  فيذكر تقسيم علوم الحكمة ومنافعها مدخلا ذلك تحت قوله : ) خَيْرًا كَثِيرًا ( . كذلك أن نأخذ من قوله تعالى : )  كَيْلاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ( تفاصيل من علم الاقتصاد السياسي وتوزيع الثروة العامة على أن ذلك تومئ إليه الآية إيماء. وشرط كون ذلك مقبولا أن يسلك فيه مسلك الإيجاز فلا يجلب إلا الخلاصة من ذلك العلم ولا يصير الاستطراد كالغرض المقصود له.
وللعلماء في سلوك هذه الطريقة الثالثة على الإجمال آراء : فأما جماعة منهم فيرون من الحسن التوفيق بين العلوم غير الدينية وآلاتها وبين المعاني القرآنية، ويرون القرآن مشيرا إلى كثير منها.
ولا شك أن الكلام الصادر عن علام الغيوب تعالى وتقدس لا تبنى معانيه على فهم طائفة واحدة ولكن معانيه تطابق الحقائق، وكل ما كان من الحقيقة في علم من العلوم وكانت الآية لها اعتلاق بذلك فالحقيقة العلمية مرادة بمقدار ما بلغت إليه أفهام البشر وبمقدار ما ستبلغ إليه. وأما أبو إسحاق الشاطبي فقال في الفصل الثالث من المسألة الرابعة :" لا يصح في مسلك الفهم والإفهام إلا ما يكون عاما لجميع العرب، فلا يُتكلف فوق ما يقدرون عليه".
ورد على الشاطبي في اعتباره الشريعة أمية [17]من ستة وجوه :
الأول اعتباره أن القرآن لم يقصد منه انتقال العرب من حال إلى حال على عكس ما قدمه بان عاشور، قال تعالى : ) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءُ الغَيْبِ نُوحِيهَا  إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا (. الثاني أن القرآن معجزة باقية فلا بد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس في عصور انتشار العلوم في الأمة.
الثالث أن القرآن لا تنقضي عجائبه يعنون معانيه.
الرابع أن مقدار أفهام المخاطبين به ابتداء لا يقضي إلا أن يكون المعنى الأصلي مفهوما لديهم فما زاد على المعاني الأساسية فقد يتهيأ لفهمه أقوام، وتحجب عنه أقوام، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. السادس أن السلف قد بينوا وفصلوا في علوم عُنُوا بها، ولا يمنعنا ذلك أن نقّفى على آثارهم في علوم أخرى راجعة لخدمة المقاصد القرآنية أو لبيان سعة العلوم الإسلامية.
وختم هذه المقدمة بأن علاقة العلوم بالقرآن حسب رأيه  على أربع مراتب :
•    •  الأولى: علوم تضمنها القرآن كأخبار الأنبياء والأمم، وتهذيب الأخلاق والفقه والتشريع والاعتقاد وأصول العربية والبلاغة.
•    •   الثانية: علوم تزيد المفسر علما كالحكمة والهيأة وخواص المخلوقات.
•    •   الثالثة: علوم أشار إليها أو جاءت مؤيدة له كعلم طبقات الأرض والطب والمنطق.
•    •  الرابعة: علوم لا علاقة لها به إما لبطلانها كالزجر والعيافة والميثيولوجيا، وإما لأنها لا تعين على خدمته كعلم العروض والقوافي.
 
V-    V-         المقدمة الخامسة : في أسباب النزول
 
يرى الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أن أسباب نزول القرآن كان دائرا بين القصد والإسراف، فدعاه ذلك إلى تمحيصه أثناء التفسير. وبرغم عذره للمتقدمين الذين ألفوا في أسباب النزول واستكثروا منه، إلا أنه لا يرى عذرا لأساطين المفسرين الذين تلقفوا الروايات الضعيفة فأثبتوها في كتبهم ولم ينبهوا على مراتبها قوة وضعفا، حتى أوهموا كثيرا من الناس أن القرآن لا تنزل آياته إلا لأجل حوادث تدعوا إليها. ونوه بالقاعدة الأصولية التي تقول " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، فجاءت مستجيبة لمعتقده في أسباب النزول التي غالبا ما وقفت عرضة أمام معاني التفسير.
ثم ذكر أن من أسباب النزول ما ليس المفسر بغنى عن علمه لأن فيها بيان مجمل أو إيضاح خفي وموجز، ومنها ما يكون وحده تفسيرا، وذكر أمثلة على ذلك معروفة [18].
وقسم أسباب النزول إلى خمسة أقسام :
-    -   الأول : هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد منها على علمه فلا بد من البحث عنه للمفسر، منه تفسير مبهمات القرآن مثل قوله تعالى: )   قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ التِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ ( وغيرها.
-    -   الثاني : حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام وصور تلك الحوادث لا تبيّن مجملا ولا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد، ولكنها إذا ذكرت أمثالها وُجدت مساوية لمدلولات الآيات النازلة عند حدوثها. مثل قول أم سلمة رضي الله عنها للنبي r : يغزو الرجال ولا نغزو، فنزل قوله تعالى : ) وَلاَ تَتَمَـنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ( الآية.  إذ قد اتفق العلماء – أو كادوا – على أن سبب النزول في مثل هذا لا يخصص، واتفقوا على أن أصل التشريع أن لا يكون خاصا.
-    -   الثالث : حوادث تكثر أمثالها تختص بشخص واحد فنزلت الآية لإعلانها وبيان أحكامها وزجر من يرتكبها. ففي كتاب الأيمان من صحيح البخاري في باب قوله تعالى : )  إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً ( أن عبد الله بن مسعود قال :" قال رسول الله من حلف على يمين صَبْرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان" فأنزل الله تصديق ذلك : ) إِنَّ الذِينَ     يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً (.
-    -   الرابع : حوادث حدثت وفي القرآن آيات تناسب معانيها سابقة أو لاحقة. ففي صحيح البخاري في سورة النساء أن ابن عباس قرأ قوله تعالى : ) وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا(. بألف بعد لام وقال كان رجل في غنيمة له ( تصغير غنم ) فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه ( أي ظنوه مشركا يريد أن يتقي منهم بالسلام ) وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك : ) وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ ( الآية. فالآية ليست نازلة في القصة بخصوصها ولكن نزلت في أحكام الجهاد بدليل ما قبلها وما بعدها فإن قبلها : )  يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ( وبعدها )  فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ( . قال السيوطي في الإتقان عن الزركشي قد عُرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها.
-    -   الخامس : قسم يبين مجملات، ويدفع متشابهات مثل قوله تعالى : ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الكَافِرُونَ (  إذا عُلم أن سبب النزول هم النصارى علم أن "من" موصولة وعلم أن الذين تركوا الحكم بالإنجيل لا يتعجب منهم أن يكفروا بمحمد. ومن هذا القسم مالا يبين مجملا ولا يؤول متشابها ولكنه يبين وجه تناسب الآى بعضها مع بعض كما في قوله تعالى ( في سورة النساء ): )  وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا  مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ (  الآية، يبينها ما في الصحيح، عن عائشة y أن عروة ابن الزبير سألها عنها فقالت :" هذه اليتيمة تكون في حجر ولييها تَشْرَكه في ماله فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فنُهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في الصداق. فأمروا أن ينكحوا ما طاب من النساء سواهن ".
هذا وأن القرآن قد جاء بكليات تشريعية وتهذيبية، والحكمة في ذلك أن يكون وعي الأمة لدينها سهلا عليها، ولذلك قال تعالى : )  وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ( ، فكما لا يجوز حمل كلماته على خصوصيات جزئية لأن ذلك يبطل مراد الله، كذلك لا يجوز تعميم ما قصد منه الخصوص ولا إطلاق ما قصد منه التقييد، لأن ذلك قد يفضي إلى التخليط في المراد أو إلى إبطاله من أصله.
والفائدة العظيمة الأخرى لأسباب النزول وهي أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا انه أساطير الأولين.
 
VI-    VI-      المقدمة السادسة :  في القراءات
 
يرى الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أن علم القراءات علم جليل مستقل قد خص بالتدوين والتأليف، ولولا أن المفسرين أولوه العناية بذكر اختلاف القراءات لكان اختار أن لا يخوض في هذا الباب، ولكن من باب الاضطرار – كما يقول هو- أن يكتب في هذا الغرض، متخذا ذلك حجة -لقراء تفسيره - في إعراضه عن ذكر بعض القراءات في كتابه.
ودون ذكر التفصيل الذي ساقه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في اختلاف القراءات وشروط قبول القراءة، ذكر أن هناك عشرة قراء انحصرت بتوفر الشروط فيهم وهم : نافع بن أبي نعيم المدني، وعبد الله بن كثير المكي، وأبو عمرو المازني البصري وعبد الله بن عامر الدمشقي، وعاصم بن أبي النَّجود الكوفي، وحمزة بن حبيب الكوفي، والكسائي علي بن حمزة الكوفي، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، وخلف البزار الكوفي.
وأن أسانيد القراءات العشر هذه انتهت إلى ثمانية من الصحابة وهم : عمر بن الخطاب ، وعثمان ابن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وزيد ابن ثابت ، وأبو موسى الأشعري.
واقتصر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره على التعرض لاختلاف القراءات العشر المشهورة، بانيا أول تفسيره على قراءة نافع برواية عيسى ابن مينا المدني الملقب بقالون لأنها القراءة المدنية إماما وراويا ولأنها التي يقرأ بها معظم أهل تونس، مع ذكر خلاف بقية القراء العشرة خاصة [19].
 
VII-    VII-  المقدمة السابعة : قصص القرآن
 
قال تعالى لرسوله على وجه الامتنان : )  نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ ( .
القصة : الخبر عن حادثة غائبة عن المخبَر بها، وجمع القصة، قِصص، وأما القَصص فهو اسم للخبر المقصود، وهو مصدر سمي به المفعول، يقال قص على فلان إذا أخبره بخبر.
إن القصص في القرآن لم تأت متتالية متعاقبة في سورة أو سور كما يكون كتاب التاريخ، لأن معظم الفوائد الحاصلة منها لها علاقة بذلك التوزيع، وهو بالخطابة أشبه. لأن سوق القصة في القرآن في مناسباتها يكسبها صفتين: صفة البرهان وصفة التبيان، كما نجد من مميزات قصص القرآن نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص، مثل قوله تعالى : )  فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ  بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلَ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ ( فقد حكيت مقالته هذه هنا في موقع التذكير ولم تحك أثناء قوله : ) إِذْ أَقْسَمُوا  لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ  ( وقوله : ) فَتَنَادَوْا        مُصْبِحِينَ أَنِ اِغْدُوا عَلَى حَرِثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ  ( .
كذلك من مميزات القصص القرآني طي ما يقتضيه الكلام الوارد كما في قوله تعالى في سورة يوسف : ) وَاِسْتَبَقَا البَابَ ( ، إذ طوي ذكر حضور سيدها وطرقه الباب وإسراعهما إليه لفتحه، فإسراعهما جميعا للباب لقطع الشبهة من جهة يوسف u والسبق للشكاية من جهة امرأة العزيز يدل عليه ما بعده من قوله تعالى : )   وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى البَابَ قَالَتْ مَا جَزَاءُ  مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا ( .
فالقصص القرآني جاء بأسلوب بديع في مظان الاتعاظ به مع المحافظة على الغرض الأصلي الذي جاء به القرآن من تشريع وتفريع ، وقد جمع من ذلك عشر فوائد :
•    •      الفائدة الأولى : أن قصارى علم أهل الكتاب في ذلك العصر كان معرفة أخبار الأنبياء وأيامهم وأخبار من جاورهم من الأمم، فكان اشتمال القرآن على تلك القصص التي لا يعلمها إلا الراسخون في العلم من أهل الكتاب تحديا عظيما لأهل الكتاب ، وتعجيزا لهم بقطع حجتهم على المسلمين.
•    •      الفائدة الثانية : من أدب الشريعة معرفة تاريخ سلفها من التشريع من الأنبياء بشرائعهم فكان اشتمال القرآن على قصص الأنبياء وأقوامهم تكليلا لهامة التشريع الإسلامي بذكر تاريخ المشرعين، وهي من فتوحات الله لنا. والقصص القرآني لا يدخل في التفاصيل من ذكر أسماء أو بيان أنساب أو تعديد بلدان إذ العبرة برسوخ الإيمان وضعفه وأثر العناية الإلهية أو الخذلان. فمواضع العبرة في قدرة الله تعالى في قصة أصحاب الكهف خير دليل فلم يذكر أية مدينة عند قوله:  ) فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى المَدِينَةِ ( لأن موضع العبرة هو انبعاثهم ووصول رسولهم إلى المدينة. على عكس ما ذهبت إليه الكتب السماوية الأخرى – التوراة والإنجيل- من ذكر الأسماء وتفصيل الأنساب والأماكن والبلدان مما ليس له حاجة وتعلق بأحداث القصة.
•    •      الفائدة الثالثة : فائدة تاريخية في معرفة ترتب المسببات على أسبابها في الخير والشر والتعمير والتخريب لتقتدي الأمة وتحذر، قال تعالى :  ) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةٌ بِمَا ظَلَمُوا ( وما فيها من فائدة ظهور المثل العليا في الفضيلة وتزكية النفوس.
•    •      الفائدة الرابعة : فيها موعظة المشركين بما لحق الأمم التي عاندت رسلها، وعصت أوامر ربها حتى يرعوا غلوائهم، ويتعظوا بمصارع نظرائهم وآبائهم قال تعالى : )  لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ (  .
•    •      الفائدة الخامسة : في حكاية القصص أسلوب التوصيف والمحاورة وذلك أسلوب لم يكن معهودا للعرب فكان مجيئه في القرآن ابتكار أسلوب جديد في البلاغة العربية شديد التأثير في نفوس أهل اللسان، وهو من إعجاز القرآن.
•    •      الفائدة السادسة : العرب بتوغل الأمية والجهل فيهم أصبحوا لا تهتدي عقولهم إلا بما يقع تحت الحس، فكان في ذكر قصص الأمم توسيع لعلم المسلمين بإحاطتهم بوجود الأمم ومعظم أحوالها، قال تعالى : )  وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ  الذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ (.
•    •      الفائدة السابعة : تعويد المسلمين على معرفة سعة العالَم وعظمة الأمم والاعتراف لها بمزاياها حتى تُدفع عنهم وصمة الغرور كما وعظهم قوله تعالى في قوم عاد )  وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ( .
•    •             الفائدة الثامنة : أن ينشئ في المسلمين همة السعي إلى سيادة العالم كما ساده أمم من قبلهم .
•    •      الفائدة التاسعة : معرفة أن قوة الله تعالى فوق كل قوة، وأن الله ينصر من ينصره، وأنهم إن أخذوا بوسيلتي البقاء : من الاستعداد والاعتماد، سلموا من تسلط غيرهم عليهم.
•    •      الفائدة العاشرة : يحصل منها بالتبع فوائد في تاريخ التشريع والحضارة وذلك يفتق أذهان المسلمين للإلمام بفوائد المدنية.
وذكر الفوائد التي تحصل بتكرار القصة في القرآن، فقال فوائد القصص تجلبها المناسبات فتذكر القصة كالبرهان على الغرض المسوقة هي معه، فلا يعد ذكرها مع غرضها تكريرا لها لأن سبق ذكرها إنما كان في مناسبات أخرى. وتحصل معه مقاصد أخرى :
1-    1-            رسوخها في الأذهان بتكريرها.
2-    2-     ظهور البلاغة لأن تكرير الكلام في الغرض الواحد من شأنه أن يَثقل على البليغ فإذا جاء اللاحق منه إثر السابق مع تفنن في المعاني باختلاف طرق أدائها من مجاز أو استعارات أو كناية.
3-    3-     أن يسمع اللاحقون من المؤمنين في وقت نزول القرآن ذكر القصة التي كانت فاتتهم مماثلتها قبل الإسلام أو في مدة مغيبهم، لأن تلقي القرآن عند نزوله أوقع في النفوس من تطلبه من حافظيه.
4-    4-     أن جمعَ المؤمنين جميع القرآن حفظا كان نادرا بل تجد البعض يحفظ بعض السور فيكون الذي حفظ إحدى السور التي ذُكرت فيها قصة معينة عالما بتلك القصة.
5-    5-     تختلف حكاية القصة الواحدة منها بأساليب مختلفة ويذكر في بعض حكاية القصة الواحدة ما لم يذكر في بعضها الآخر وهو لأسباب : منها تجنب التطويل في الحكاية الواحدة فيُقتصر على موضع العبرة منها في موضع ويذكر آخر في موضع آخر فيحصل من متفرق مواضعها في القرآن كمال القصة أو كمال المقصود منها، وفي بعضها ما هو شرح لبعض.
        ومنها أن يكون بعض القصة المذكور في موضع مناسبا للحالة المقصود من سامعيها.
ومنها أنه قد يقصد تارة التنبيه على خطأ المخاطبين فيما ينقلونه من تلك القصة، وتارة لا يقصد ذلك.        
 
VIII-    VIII-                   المقدمة الثامنة : في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها
 
القرآن : هو الكلام الذي أوحاه الله تعالى كلاما عربيا إلى محمدr  بواسطة جبريل على أن يبلغه الرسول إلى الأمة باللفظ الذي أوحي به إليه للعمل به ولقراءة ما تيسر لهم أن يقرؤوه منه في صلواتهم وجعل قراءته عبادة.
وجعله كذلك آية على صدق الرسول في دعواه الرسالة عن الله إلى الخلق كافة بأن تحدى منكريه والمترددين فيه من العرب وهم المخاطبون الأولون بأنهم لا يستطيعون معارضته، ودعاهم إليه فلم يفعلوا. وقد أفاد النبي r  ذلك بقوله :" ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".
فالقرآن اسم للكلام الموحى به إلى النبي r ، وهو جملة المكتوب في المصاحف المشتمل على مائة وأربع عشرة سورة، أولاها الفاتحة وأخراها سورة الناس. وهو على وزن فُعْلان وهي زنة وردت في أسماء المصادر مثل غُفْران، وشُكْران وبُهْتان، ووردت زيادة النون في أسماء أعلام مثل عثمان وحسان وعدنان. واسم قرآن صالح للاعتبارين لأنه مشتق من القراءة لأن أول ما بدئ به الرسول من الوحي )  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ( . وقال تعالى : ) وَقُرْآنًا  فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً (  فهمزة قرآن أصلية ووزنه فعلان. وقيل هو قُران بوزن فُعال، من القرن بين الأشياء أي الجمع بينها لأنه قرنت سوره بعضها ببعض وكذلك آياته وحروفه. ومن الناس من زعم أن قُران جمع قرينة على وزن فُعال في التكثير، والقرينة العلامة، قالوا لأن آياته يصدِّق بعضها بعضا فهي قرائن على الصدق.
فاسم القرآن هو الاسم الذي جعل علما على الوحي المنزل على محمدr   ولم يُسبق أن أطلق على غيره قبله، وهو أشهر أسمائه وأكثرها ورودا في آياته وأشهرها دورانا على ألسنة السلف.
وله أسماء أخرى في الأصل أوصاف أو أجناس عدت إلى نيف وعشرين. والذي اشتهر إطلاقه عليه منها ستة : التنزيل، والكتاب، والفرقان، والذِّكْر، والوحي وكلام الله.
وأن أبا بكر y لما أمر بجمع القرآن وكتابته، كتبوه على الورق فقال للصحابة: التمسوا اسما، فقال بعضهم سموه إنجيلا فكرهوا ذلك من أجل النصارى، وقال بعضهم سموه السِّفر فكرهوه من أجل أن اليهود يسمون التوراة السِّفر. فقال عبد الله ابن مسعود : رأيت بالحبشة كتابا [20] يدعونه المُصْحَف فسمُّوه مصحفا.
الآية : هي مقدار من القرآن مركب ولو تقديرا أو إلحاقا.
تقديرا : مثل ما في قوله تعالى : ) مُدْهَامَّتَانِ (  إذ التقدير هما مدهامتان، ونحو ) وَالفَجْرِ ( والتقدير أُقسم بالفجر. وإلحاقا : لإدخال بعض فواتح السور من الحروف المقطعة فقد عد أكثرها في المصاحف آيات ما عدا : الـر، المـر، طـس، وذلك أمر توقيفي وسنة متبعة. وتسمية هذه الأجزاء آيات هو من مبتكرات القرآن، قال تعالى :)   هُوَ الذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ( وقال :      ) كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ  ثُمَّ فُصِّلَتْ ( .
سميت آية لأنها دليل على أنها موحى بها من عند الله إلى النبي r لأنها تشتمل على ما هو من الحد الأعلى في بلاغة نظم الكلام، ودليلا على أن القرآن منزل من عند الله وليس من تأليف البشر. لذا لا يحق لجمل التوراة والإنجيل أن تسمى آيات إذ ليست فيها هذه الخصوصية. وأما ما ورد في حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من قول الراوي " فوضع الذي نشر التوراة يده على آية الرجم" قال ابن عاشور فذلك تعبير غلب على لسان الراوي على وجه المشاكلة التقديرية تشبيها بجمل القرآن، إذ لم يجد لها اسما يعبر به عنها.
وتحديد مقادير الآيات مروي عن النبي r، وفي الحديث :" من قرأ العشر الخواتم من آخر آل عمران" الحديث. وكان المسلمون في عصر النبوة وما بعده يقدِّرون تارة بعض الأوقات بمقدار الآيات كما ورد في حديث سُحور النبي r أنه كان بينه وبين طلوع الفجر مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية. ويقول ابن عاشور في هذا الصدد لا يبعد أن يكون تعيين مقدار الآية تبعا لانتهاء نزولها وأمارته وقوع الفاصلة. والذي استخلَصه أن الفواصل هي الكلمات التي تتماثل في أواخر حروفها أو تتقارب، مع تماثل أو تقارب صيغ النطق بها. وأن تلك الفواصل كلها منتهى آيات ولو كان الكلام الذي تقع فيه لم يتم الغرض المسوق إليه. واعتبر أن هذه الفواصل من جملة المقصود من الإعجاز لأنها ترجع إلى محسنات الكلام، فينبغي الوقوف عندما يجب الوقف. وقال ألا ترى أن من الإضاعة لدقائق الشعر أن يلقيه ملقيه على مسامع الناس دون وقف عند قوافيه فإن ذلك إضاعة لجهود الشعراء، وتغطية على محاسن الشعر، وإلحاق للشعر بالنثر. ومن السذاجة أن ينصرف ملقي الكلام عن محافظة هذه الدقائق فيكون مضيعا لأمر نفيس أجهد فيه قائله نفسه وعنايته.
ترتيب الآي : وأما ترتيب الآي بعضها عقب بعض فهو بتوقيف النبي r حسب نزول الوحي، وذلك الترتيب مما يدخل في وجوه الإعجاز من بداعة أسلوبه. على أن الغرض الأكبر للقرآن هو إصلاح الأمة بأسرها. فإصلاح كفارها بدعوتهم إلى الإيمان والإسلام، وإصلاح المؤمنين بتقوية أخلاقهم وتثبيتهم على هداهم وإرشادهم إلى طرق النجاح وتزكية نفوسهم ولذلك كانت أغراضه مرتبطة بأحوال المجتمع في مدة الدعوة، فكانت آيات القرآن مستقلا بعضها عن بعض، لأن كل آية منه ترجع إلى غرض الإصلاح والاستدلال عليه، وتكميله وتخليصه من تسرب الضلالات إليه فلم يلزم أن تكون آياته متسلسلة، ولكن حال القرآن كحال الخطيب يتطرق إلى معالجة الأحوال الحاضرة على اختلافها وينتقل من حال إلى حال بالمناسبة ولذلك تكثر في القرآن الجمل المعترضة لأسباب اقتضت نزولها أو بدون ذلك، فإن كل جملة تشتمل على حكمة وإرشاد أو تقويم معوج.
وقوف القرآن : الوقف هو قطع الصوت عن الكلمة حصة يتنفس في مثلها المتنفس عادة، وعلى كل حال لا تجد في القرآن مكانا يجب الوقف فيه ولا يحرم الوقف فيه كما قال ابن الجزري في أرجوزته، ولكن الوقف ينقسم إلى أكيد حسن ودونه وكل ذلك تقسيم بحسب المعنى. وبعضهم استحسن أن يكون الوقف عند نهاية الكلام وأن يكون ما يتطلب المعنى الوقف عليه قبل تمام المعنى ساكتا وهو قطع الصوت حصة أقل من حصة قطعه عند الوقف، فاللغة العربية وسياق الكلام حارس من الفهم المخطئ، مثل ما في قوله تعالى :  ) يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ ( فلو وقف القارئ على قوله  )الرَّسُولَ ( لا يخطر ببال العارف باللغة أن قوله   )وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ ( تحذير من الإيمان بالله، وكيف يخطر ذلك وهو موصوف بقوله  )رَبِّكُمْ (  فهل يحذر أحد من الإيمان بربه.
سور القرآن : السورة قطعة من القرآن معينة بمبدأ ونهاية لا يتغيران، مسماة باسم مخصوص، تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام ترتكز عليه معاني آيات تلك السورة، ناشئ عن أسباب النزول، أو عن مقتضيات ما تشتمل عليه من المعاني المتناسبة. وجمع سورة سُوَر كغُرَف، وتسوير القرآن من السنة في زمن النبي r ، فقد كان القرآن مقسما إلى مائة وأربع عشرة سورة بأسمائها، ولم يخالف في ذلك إلا عبد الله بن مسعود فإنه لم يثبت المعوذتين. ولم يحفظ عن جمهور الصحابة حين جمعوا القرآن أنهم ترددوا ولا اختلفوا في عدد سوره وأنها 114 سورة، روى أصحاب السنن عن ابن عباس أن رسول الله r كان إذا نزلت الآية يقول : ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا، فترتيب الآيات في السور هو بتوقيف من النبي r .
أما ترتيب السور بعضها إثر بعض، قال أبو بكر الباقلاني : يحتمل أن النبي r  هو الذي أمر بترتيبها كذلك، ويحتمل أن يكون ذلك من اجتهاد الصحابة، وقال الداني كان جبريل يوقف رسول الله على موضع الآية وعلى موضع السورة.
وأما أسماء السور فقد جعلت لها من عهد نزول الوحي، والمقصود من تسميتها تيسير المراجعة والمذاكرة. وقد دل حديث ابن عباس أن رسول الله r كان إذا نزلت الآية يقول :" ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا"، فسورة البقرة مثلا كانت تلقب بالسورة التي تذكر فيها البقرة. وفائدة التسمية أن تكون بما يميز السورة عن غيرها، وأصل أسماء السور أن تكون بالوصف كقولهم السورة التي يذكر فيها كذا، ثم شاع فحذفوا الموصول وعوضوا عنه الإضافة فقالوا سورة ذكر البقرة مثلا، ثم حذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه فقالوا سورة البقرة. وقد ثبت في صحيح البخاري قول عائشة y :" لما نزلت الآيات من آخر البقرة" الحديث. وفيه عن ابن مسعود قال قرأ رسول الله النجم. وعن ابن عباس أن رسول الله سجد بالنجم. وما روي من حديث أنس مرفوعا " لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذلك القرآن كله ولكن قولوا السورة التي يذكر فيها آل عمران - وكذا القرآن كله"، أنكره أحمد وذكره ابن الجوزي في الموضوعات ولكن ابن حجر أثبت صحته.
وأسماء السور إما أن تكون بأوصافها مثل الفاتحة وسورة الحمد، وإما أن تكون بالإضافة لشيء اختصت بذكره نحو سورة لقمان وسورة يوسف وسورة البقرة، وإما بالإضافة لما كان ذكره فيها أوفى نحو سورة هود وسورة إبراهيم، وإما بالإضافة لكلمات تقع في السورة نحو سورة براءة، وسورة حـم عسق، وسورة  حـم السجدة كما سماها بعض السلف، وسورة فاطر. وأن الصحابة لم يثبتوا في المصحف أسماء السور بل اكتفوا بإثبات البسملة في مبدأ كل سورة علامة على الفصل بين السورتين. وكتبت أسماء السور في المصاحف باطراد في عصر التابعين ولم ينكر عليهم ذلك. وأما ترتيب آيات السورة فإن التنجيم في النزول من المعلوم كما تقدم آنفا وذلك في آياته وسوره.
وقد جمع من الصحابة القرآن كله في حياة رسول الله زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وعبد الله ابن عمر، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب، وسعد بن عبيد، ومجمع بن جارية، وأبو موسى الأشعري، وحفظ كثير من الصحابة أكثر القرآن على تفاوت بينهم.    
 
IX-    IX-      المقدمة التاسعة : في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن، تعتبر مُرادة بها
 
إن العرب أمة جبلت على ذكاء القرائح وفطنة الأفهام، لذلك كان الإيجاز عمود بلاغتهم وكثر في كلامهم : المجاز، والاستعارة، والتمثيل، والكناية، والتعريض، والاشتراك والتسامح في الاستعمال كالمبالغة، والاستطراد ومستتبعات التراكيب، والأمثال، والتلميح، والتمليح، واستعمال الجملة الخبرية في غير إفادة النسبة الخبرية، واستعمال الاستفهام في التقرير أو الإنكار، ونحو ذلك.
فجاء القرآن على أسلوب أبدع مما كانوا يعهدون وأعجب، وهو كونه كتاب تشريع وتأديب وتعليم كان حقيقا بأن يودع فيه من المعاني والمقاصد أكثر ما تحتمله الألفاظ، في أقل ما يمكن من المقدار، ليحصل تمام المقصود من الإرشاد الذي جاء لأجله في جميع نواحي الهدى، فمعتاد البلغاء إيداع المتكلم معنى يدعوه إليه غرض كلامه وترك غيره. والقرآن أودع من المعاني ما يحتاج السامعون إلى علمه وكل ما له حظ في البلاغة سواء كانت متساوية أم متفاوتة، إذا كان المعنى الأعلى مقصودا وكان ما هو أدنى منه مرادا معه لا مرادا دونه سواء كانت دلالة التركيب عليها متساوية في الاحتمال والظهور أم كانت متفاوتة بعضها أظهر من بعض ولو أن تبلغ حد التأويل وهو حمل اللفظ على المعنى المحتمل المرجوح، أما إذا تساوى المعنيان فالأمر أظهر، مثل قوله تعالى: ) وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( أي ما تيقنوا قتله ولكن توهموه، أو ما أيقن النصارى – الذين اختلفوا في قتل عيسى u - علم ذلك يقينا بل فهموه خطأ ففي اللفظ معنيان. وقد تكثر المعاني بإنزال لفظ الآية على وجهين أو أكثر تكثيرا للمعاني مع إيجاز اللفظ وهو من وجوه الإعجاز، ومثال ذلك قوله تعالى: )  إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ (  وقرأ الحسن البصري وعدها أباه، فنشأ احتمال فيمن هو الواعد.
وقد جعل الله القرآن كتاب الأمة كلها وفيه هديها، ودعاهم إلى تدبره، وبذل الجهد في استخراج معانيه في غير ما آية كقوله تعالى: )  فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (  وقوله: )  وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ     الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ  مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (  وقوله: )   بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الذِينَ أُوتُوا العِلْمَ (  وغير ذلك.
ويدل على هذا كما يقول الشيخ ابن عاشور ما وقع إلينا من تفسيرات مروية عن النبي r لآيات، فنرى منها ما نوقن بأنه ليس هو المعنى الأسبق من التركيب، ولكنا بالتأمل نعلم أن الرسولr  ما أراد بتفسيره إلا إيقاظ الأذهان إلى أخذ أقصى المعاني من ألفاظ القرآن [21]، مثال ذلك ما رواه أبو سعيد بن المعلى قال: دعاني رسول الله r وأنا في الصلاة فلم أجبه فلما فرغت أقبلت إليه فقال :" ما منعك أن تجيبني؟ فقلت: يا رسول الله كنت أصلي، فقال :" ألم يقل الله تعالى: )  اِسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ  (؟  يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إن لفظ الاستجابة لما كان صالحا للحمل على المعنى الحقيقي، وهو إجابة النداء حمل النبي r الآية على ذلك في المقام الصالح له [22]، بقطع النظر عن المتعلق وهو قوله ) لِمَا يُحْيِيكُمْ  (.
وكذلك قوله تعالى:   )إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ( فقال عمر بن الخطاب للنبي r لما أراد الصلاة على رأس المنافقين :"كيف تصل على عبد الله ابن أبي بن سلول المنافق الذي فعل كذا وقال يوم كذا ما قال، فقال النبي r :" خيرني ربي وسأزيد على السبعين". فحمل قوله تعالى:   )  اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ( على التخيير مع أن ظاهره أنه مستعمل في التسوية، وحمل اسم العدد على دلالته الصريحة دون كونه كناية عن الكثرة كما هو قرينة السياق… ثم جاء القرآن مصداقا لكلام عمر   )لاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ (، وذكر أمثلة أخرى تغنينا هذه عن ذكرها.
وكذلك ما ورد عن أصحاب النبي r ومن بعدهم من الأئمة مثل ما روي أن عمرو بن العاص أصبح جنبا في غزوة في يوم بارد فتيمم وصلى بالناس ولما اشتكوا إلى النبي r  قال له :" أصليت بالناس وأنت جنب؟" قال : الله تعالى يقول:    )وَلاَ تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ( استدل بها لما خاف على نفسه من البرد، فسكت عنه النبي r مع أن مورد الآية أصله في النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضا.
ومن ذلك أن عمر لما فتحت العراق لم يقسم الأرض السواد بين المسلمين، واستدل بالآية  )وَالذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ( وقال :" إن قسمتها بينكم لم يجد المسلمون الذين يأتون بعدكم من البلاد المفتوحة مثل ما وجدتم" فجعلها خراجا على أهل الأرض يقسم على المسلمين كل موسم، وغيرها من الأمثلة.
وكذلك القراءات المتواترة إذا اختلفت في قراءة ألفاظ القرآن اختلافا يفضي إلى اختلاف المعاني، فهو يرجع إلى هذا الأصل.
ثم إن معاني التركيب المحتمل معنيين فصاعدا قد يكون بينهما العموم والخصوص، وقد يكون ثاني المعنيين متولدا من المعنى الأول، مثل الكناية والتعريض والتهكم مع معانيها الصريحة، كما فهم ابن عباس أجل رسول الله r من سورة النصر [23].
فمختلف المحامل التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه وإعرابه ودلالته، من اشتراك وحقيقة ومجاز، وصريح وكناية، وبديع، ووصل، ووقف، إذا لم تفض إلى خلاف المقصود من السياق، يجب حمل الكلام على جميعها كالوصل والوقف في قوله تعالى: ) لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (، إذا وقف على ريب أو على فيه.
ومن أدق ذلك وأجدره التنبيه على استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه دفعة. واستعمال اللفظ في معناه الحقيقي ومعناه المجازي معا : إرادة المعاني المكنى عنها مع المعاني المصرح بها، وإرادة المعاني المستتبَعات من التراكيب المسستتبِعة.
وقد نبه علماء العربية الذين اشتغلوا بعلم المعاني والبيان على هذا الأخير. وبقي المبحثان الأولان -استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه -، واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، محل تردد بين المتصدين لاستخراج معاني القرآن تفسيرا وتشريعا، سببه أنه غير وارد في كلام العرب أو واقع بندرة.
والذي يجب اعتماده -بحسب ابن عاشور- أن يحمل المشترك في القرآن على ما يحتمله من المعاني سواء في ذلك اللفظ المفرد المشترك، والتركيب المشترك بين مختلف الاستعمالات، سواء كانت المعاني حقيقية أو مجازية، محضة أو مختلفة. وذكر أمثلة على ذلك.
ويختم ابن عاشور هذه المقدمة بقوله أن هذا القانون يجمع بين المعاني التي يذكرها المفسرون، أو ترجيح بعضها على بعض. ورغم اعتماد المفسرين على ترجيح معنى من المعاني مما يجعل غير ذلك المعنى ملغى، إلا أن ابن عاشور يرى أن المعاني المتعددة التي يحتملها اللفظ – بدون خروج عن معين الكلام العربي البليغ- معاني في تفسير الآية، واعتمد ذلك في تفسيره لبعض الآيات.  
 
X-    X-         المقدمة العاشرة : في إعجاز القرآن، مبتكرات القرآن، وعادات القرآن
 
فأما أنا فأردت في هذه المقدمة أن ألم بك أيها المتأمل إلمامة ليست كخطرة طيف. ولا هي كإقامة المنتجع في المَرْبَع حتى يظله الصيف. وإنما هي لمحة ترى منها كيف كان القرآن معجزا وتتبصر منها نواحي إعجازه وما أنا بمستقص دلائل الإعجاز في آحاد الآيات والسور، فذلك له مصنفاته وكل صغير وكبير مستطر. بهذه الكلمات افتتح الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور مقدمته العاشرة والتي جعلها في إعجاز القرآن ومبتكراته وعاداته.
ويفرق الشيخ ابن عاشور بين البلاغة والأدب ويعيب على من خلط بينهما، ليبدأ حديثه حول أصول ونكت أغفلها من تقدموا ممن تكلموا في إعجاز القرآن وتبيين علاقة هذه المقدمة بالتفسير فيقول أن مفسر القرآن لا يعد تفسيره لمعاني القرآن بالغا حد الكمال في غرضه ما لم يكن مشتملا على بيان دقائق من وجوه البلاغة في آيه المفسرة. فالمفسر بحاجة إلى بيان ما في آي القرآن من طرق الاستعمال العربي وخصائص بلاغته لألا يعتبر المعرض عن ذلك بمنزلة المترجم لا بمنزلة المفسر.
يقول فمن أعجب ما نراه خلو معظم التفاسير عن الاهتمام بالوصول إلى هذا الغرض الأسمى – خصائص البلاغة وطرق الاستعمال العربي-  إلا عيون التفاسير، واعتبر المقل في ذلك أمثال " معاني القرآن" لأبي إسحاق الزجاج، و"المحرر الوجيز" للشيخ عبد الحق بن عطية الأندلسي، والمكثر فيه كما هو معروف عند تفسير "الكشاف" للزمخشري. ولم يعذر التفاسير الخالية من هذه المعاني إلا من نحا ناحية خاصة من معاني القرآن مثل أحكام القرآن، ووصف أصحاب بعض التفاسير ممن لم يغفلوا عن الاهتمام بهذه الفنون بأصحاب الهمم العالية أمثال "أحكام القرآن" لإسماعيل بن إسحاق بن حماد المالكي البغدادي، وفي مواضع من "أحكام القرآن" لأبي بكر بن العربي.
واعتبر العناية بما هو بصدده من بيان وجوه إعجاز القرآن إنما نبعت من مختزل أصل كبير من أصول الإسلام وهو كونه المعجزة الكبرى للنبي r ، وكونه المعجزة الباقية، وهو المعجزة التي تحدى بها الرسول معانديه تحديا صريحا. فهو معجزة عامة، ولزوم الحجة به باق من أول ورودها إلى يوم القيامة، وإن كان يعلم وجه إعجازه من عجز أهل العصر الأول عن الإتيان بمثله فيغني ذلك عن نظر مجدد، فكذلك عجز أهل كل عصر من العصور التالية عن النظر في حال عجز أهل العصر الأول، ودليل ذلك متواتر من نص القرآن في عدة آيات تتحدى العرب بأن يأتوا بسورة مثله، وبعشر سور مثله مما هو معلوم، نحو قوله تعالى: )   وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا                    شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ (، وقد اختلف العلماء في تعليل عجزهم عن ذلك فذهبت طائفة قليلة إلى تعليله بأن الله صرفهم عن معارضة القرآن فسلبهم المقدرة أو سلبهم الداعي، لتقوم الحجة عليهم بمرأى ومسمع من جميع العرب. وذهبت طائفة بالتعليل لعجز المتحدَّيْن به بأنه بلوغ القرآن في درجات البلاغة والفصاحة مبلغا تعجز قدرةُ بلغاء العرب عن الإتيان بمثله.
يقول الشيخ ابن عاشور وإذ قد كان تفصيل وجوه الإعجاز لا يحصره المتأمل كان علينا أن نضبط معاقدها التي هي ملاكها، فنرى ملاك وجوه الإعجاز راجعا إلى ثلاث جهات :
الجهة الأولى : بلوغه الغاية القصوى مما يمكن أن يبلغه الكلام العربي البليغ من حصول كيفيات في نظمه مفيدة معاني دقيقة ونكتا من أغراض الخاصة من بلغاء العرب مما لا يفيده أصل وضع اللغة، بحيث يكثر فيه ذلك كثرة لا يدانيها شيء من كلام البلغاء من شعرائهم وخطبائهم.
الجهة الثانية : ما أبدعه القرآن من أفانين التصرف في نظم الكلام مما لم يكن معهودا في أساليب العرب، ولكنه غير خارج عما تسمح به اللغة.
الجهة الثالثة : ما أودِع فيه من المعاني الحكيمة والإشارات إلى الحقائق العقلية والعلمية مما لم تبلغ إليه عقول البشر في عصر نزول القرآن وفي عصور بعده متفاوتة.
وقد عد كثير من العلماء من وجوه إعجاز القرآن ما يعد جهة رابعة هي ما انطوى عليه من الأخبار عن المغيَّبات مما دل على أنه منزل من علام الغيوب، وهو معجز للعرب الأميين خاصة وليس معجزا لأهل الكتاب.
فإعجاز القرآن من الجهة الأولى والثانية متوجه إلى العرب، ثم قد يشارك خاصةَ العرب في إدراك إعجازه كل من تعلم لغتهم ومارس بليغ كلامهم وآدابهم من أئمة العربية في مختلف العصور.
والقرآن معجز من الجهة الثالثة للبشر قاطبة إعجازا مستمرا على ممر العصور، لأنه قد يدرك إعجازه العقلاء من غير الأمة العربية بواسطة ترجمة معانيه التشريعية والحِكمية والعلمية والأخلاقية، وهو دليل تفصيلي لأهل تلك المعاني وإجمالي لمن تبلغه شهادتهم بذلك.
وهو من الجهة الرابعة – عند من اعتبروها زائدة عن الجهات الثلاث- معجز لأهل عصر نزوله إعجازا تفصيليا، ومعجز لمن يجيء بعدهم ممن يبلغه ذلك بسبب تواتر نقل القرآن، وتعيّن صرف الآيات المشتملة على هذا الإخبار إلى ما أُريد منها.
هذا ما انتهى إليه استقراء الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إلى وجوه الإعجاز التي سيتناولها بالتفصيل كلها الواحدة تلو الأخرى.
←  فأما الجهة الأولى فمرجعها إلى ما يسمى بالطرف الأعلى من البلاغة والفصاحة، وهو المصطلح على تسميته حدَّ الإعجاز، فلقد كان منتهى التنافس عند العرب التفوق في البلاغة والفصاحة، ولقد تصدى علماء البلاغة في هذا الصدد إلى الموازنة بين ما ورد في القرآن من ضروب البلاغة وبين أبلغ ما حفظ عن العرب من ذلك مما عُدّ في أقصى درجاتها. والدليل الإجمالي على ذلك هو أن الله تعالى تحدى بلغاءهم أن يأتوا بسورة من مثله، فلم يتعرض واحد إلى معارضته، ولما سمع الوليد بن المغيرة قوله تعالى:    )إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ( الآية، قال:" والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وما هو بكلام بشر" . وذكر أبو عبيدة أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ:   )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرْ( فسجد وقال: سجدت لفصاحته، يقول ابن عاشور موضع التأثير في هذه الآية هو كلمة اصدع في إبانتها عن الدعوة والجهر بها والشجاعة فيها، وكلمة بما تؤمر في إيجازها وجمعها. وسمع آخر رجلا يقرأ:     )فَلَمَّا اِسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ( فقال أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام.
وحسن التقسيم من المحسنات البديعة، ففي نظم فاتحة الكتاب من خصوصية التقسيم إذ قسم الفاتحة إلى ثلاثة أقسام [24] مع ما تضمنه ذلك التقسيم من محسن التخلص في قوله " فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين، قال " هذا بيني وبين عبدي" إذ كان ذلك مزيجا من القسمين الذي قبله والذي بعده.
وفي القرآن مراعاة التجنيس من غير ما آية، والتجنيس من المحسنات، ومنه قوله تعالى:  )وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ( . وفيه التنبيه على محسّن المطابقة كقوله:   )فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ( ، والتنبيه على ما فيه من تمثيل كقوله تعالى:    )وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ – لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ( .
ثم شرح الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور مطولا وجوه الإعجاز في القرآن وأتى على أمثلة متعددة، سوف نأتي عليها قدر المستطاع:
من أفانين الكلام الالتفات وهو نقل الكلام من أحد طرق التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى طريق آخر منها. لأن ذلك التغيير يجدد نشاط السامع إذا انظم إليه اعتبار لطيف يناسب الانتقال إلى ما انتقل إليه صار من أفانين البلاغة، وقد جاء منه في القرآن ما لا يحصى.
وكان للتشبيه والاستعارة عند القوم المكانُ القصى والقدر العلى في باب البلاغة، وقد جاء في القرآن من التشبيه والاستعارة ما أعجز العرب كقوله:   )وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ( ، وقوله:   )وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ( ، وقوله:    )وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ( ، وقوله تعالى:  )اِبْلَعِي مَاءَكِ( ، إلى غير ذلك من وجوه البديع. ومن محاسن التشبيه كمال التشبيه والاحتراس، كقوله تعالى:  )فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ   مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ  مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ  وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ( ، احتراس عن كراهة الطعام )  وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى( ، احتراس عن أن تتخلله أقذاء من بقايا نحله.
وكذلك التمثيلية في قوله تعالى:    )أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ  وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ (  الآية، ففيه إتمام كمال جهات كمال تحسين التشبيه لإظهار أن الحسرة على تلفها أشد.
يضيف ابن عاشور فيقول قد تشتمل آية من القرآن على خصوصيات [25] تتساءل نفس المفسِّر عن دواعيها وما يقتضيها فيتصدى لتطلب مقتضيات لها ربما جاء بها متكلفة أو مغصوبة، ذلك لأنه لم يلتفت إلا إلى مواقع ألفاظ الآية، في حال أن مقتضياتها في الواقع منوطة بالمقامات التي نزلت فيها الآية، مثال ذلك قوله تعالى:    )أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الخَاسِرُونَ ( سورة المجادلة، ثم قوله:    )أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ المُفْلِحُونَ (.        
وكان مما يعرض لشعراء العرب وخطبائهم ألفاظ ولهجات لها بعض الثقل على اللسان، فأما ما يعرض للألفاظ فهو ما يسمى في علم الفصاحة بتنافر حروف الكلمة أو تنافر حروف الكلمات عند اجتماعها مثل: مستشِزرات والكَنَهْبَل في معلقة امرئ القيس، وسَفَنَّجَة والخَفَيْدَد في معلقة طرفة، وقول القائل "وليس قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ".
وقد سلم القرآن من هذا كله مع تفننه في مختلف الأغراض وما تقتضيه من تكاثر الألفاظ، وبعض العلماء أورد قوله تعالى:   )أُلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ( وقوله:   )وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ( وتصدى للجواب، والصواب أن ذلك غير وارد كما قاله المحققون لعدم بلوغه حد الثقل، ولأن حسن دِلالة اللفظ على المعنى بحيث لا يخلفه فيها غيره مقدم على مراعاة خفة لفظه.
وأما ما يعرض للهجات العرب فذلك شيء تفاوتت في مضماره جياد ألسنتهم وكان المجلى فيها لسانَ قريش ومن حولها من القبائل، وهو مما فُسّر به حديث :" أنزل القرآن على سبعة أحرف"، ولذلك جاء القرآن بأحسن اللهجات وأخفّها وتجنب المكروه من اللهجات، وهذا من أسباب تيسير تلقي الأسماع له ورسوخه فيها، قال تعالى:    )وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ (.
←  وأما الجهة الثانية هي ما أبدعه القرآن من أفانين التصرف في أساليب الكلام البليغ. وأن أدب العرب إما شعر وإما نثر، وأن من أعظم الأساليب التي خالف بها القرآن العرب أنه جاء في نظمه بأسلوب جامع بين مقصدي :   الموعظة والتشريع، فكان نظمه يمنح السامعين ما يحتاجون أن يعلموه وهو في هذا النوع يشبه خطبهم، وكان في مطاوي معانيه ما يَستخرج منه العالم الخبير أحكاما كثيرة في التشريع والآداب وغيرها.
ومن أساليبه التفنن وهو بداعة تنقلاته من فن إلى فن بطرائق الاعتراض والتنظير والتذييل والإتيان بالمترادفات عند التكرير تجنبا لثقل تكرير الكلِم، وكذلك الإكثار من أسلوب الالتفات المعدود من أعظم أساليب التفنن عند بلغاء العربية، وهو في القرآن كثير، ثم الرجوع إلى المقصود فيكون السامعون في نشاط متجدد بسماعهم وإقبالهم عليه. وفي هذا التفنن والتنقل مناسبات بين المنتقَل منه والمنتقَل إليه هي في منتهى الرقة والبداعة بحيث لا يشعر سامعه وقارئه بانتقاله إلا عند حصوله. وفي تناسب أقواله وتفنن أغراضه مجابة للتيسير المصرح به في الآية:  )   وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ (. وقوله :    )عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ( فقوله ما تيسر يقتضي الاستكثار بقدر التيسُّر.
ومن الكيفيات التي تؤدى بها التراكيب، سكوت المتكلم البليغ في جملة سكوتا خفيفا قد يفيد من التشويق إلى ما يأتي بعده ما يفيد إبهام بعض كلامه ثم تعقيبه ببيانه. وفي القرآن نجد وقوف الشيخ ابن عاشور عند قوله تعالى:    )ذُلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ( أنك إن وقفت على كلمة  )رَيْبْ ( كان من قبيل إيجاز الحذف أي لا ريب في أنه الكتاب فكانت جملة: )   فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ( ابتداء كلام وكان مفاد حرف  )فِي ( استنـزال طائر المعاندين أي إن لم يكن كله هدى فإن فيه هدى. وإن وصلت )فِيهِ ( كان من قبيل الإطناب وكان ما بعده مفيدا أن هذا الكتاب كله هدى.
فجاء القرآن بأسلوب في الأدب غض جديد صالح لكل العقول، متفنن إلى أفانين أغراض الحياة كلها معط لكل فن ما يليق به من المعاني والألفاظ واللهجة : فتضمن المحاورة والخطابة والجدل والأمثال والقصص والتوصيف والرواية. وكان لبلاغته وتناسقه نافذ الوصول إلى القلوب حتى وصفوه بالسِّحر والشِّعر.
مبتكرات القرآن
منها أنه جاء بأسلوب يخالف الشعر لا محالة وقد نبه عليه العلماء المتقدمون. ويضيف ابن عاشور على ذلك أن أسلوبه يخالف أسلوب الخطابة بعض المخالفة، وجاء بطريقة كتابٍ يُقصد حفظه وتلاوته، وهو من وجوه إعجازه من ذلك :
-    -       أنه جاء بالجمل الدالة على معان مفيدة
-    -       أن جاء على أسلوب التقسيم والتسوير (سورة) وهي سنة جديدة في الكلام العربي
-    -   الأسلوب القصصي في حكاية أحوال النعيم والعذاب في الآخرة، وقد كان لذلك تأثير عظيم في نفوس العرب إذ كان فن القصص مفقودا من أدب العربية إلا نادرا. وإذا حكى أقوالا غير عربية صاغ مدلولها في صيغة تبلغ حد الإعجاز بالعربية، وإذا حكى أقوالا عربية تصرف فيها تصرفا يناسب أسلوب المعبر، فالإعجاز الثابت للأقوال المحكية في القرآن هو إعجاز للقرآن لا للأقوال المحكية. ومن هذا القبيل حكاية الأسماء الواقعة في القصص، فإن القرآن يغيرها إلى ما يناسب حسن مواقعها في الكلام من الفصاحة مثل تغيير شاول إلى طالوت، وتغيير اسم تارح أبي إبراهيم إلى آزر.
-    -   التمثيل حيث كان في أدب العرب الأمثال وهي حكاية أحوال مرموز لها، إلا أنها لما تداولتها الألسن وطال عليها الأمد نسيت. أما القرآن فقد أوضح الأمثلة وأبدع تركيبها والأمثلة في القرآن عديدة .
-    -   لم يلتزم القرآن أسلوبا واحدا، واختلفت سوره وتفننت، وكذلك فواتحها وهي قريب مما يعبر عنه في العربية بالمقدِّمات.
-    -   الإيجاز، وكان الإيجاز في كلام العرب متنافسهم وهو غاية تتبارى إليها فصحاؤهم، وقد جاء القرآن بأبدع من ذلك كله. ولولا إيجاز القرآن لكان أداء ما يتضمنه من المعاني في أضعاف مقدار القرآن.
-    -       إنك تجد في كثير من تراكيب القرآن حذفا ولكنك لا تعثر على حذف يخلو الكلام من دليل عليه.
-    -   سلك القرآن مسلك الإطناب لأغراض من البلاغة، ومن أهم مقامات الإطناب مقام توصيف الأحوال لإدخال الروع في قلب السامع وهي طريقة عربية.
-    -       استعمال اللفظ المشترك في معنيين أو معان، إذا صلح المقام بحسب اللغة العربية [26]
 
عادات القرآن
يتعرف المفسر على عادات القرآن من نظمه وكلِمه. عن ابن عباس y : كل كأس في القرآن المراد بها الخمر، وفي صحيح البخاري: المطر في القرآن العذاب. وعن ابن عباس y : أن كل ما جاء من يا أيها الناس المقصود به أهل مكة المشركون. وزاد ابن عاشور عادات كثيرة في اصطلاح القرآن منها كلمة هؤلاء إذا لم يرد بعدها عطف بيان يبين المشار إليهم فإنها يراد بها المشركون من أهل مكة كقوله: ) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَءِ وَآبَاءَهُمْ(  وقوله: )    فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (.
ومنها إذا حكى المحاورات والمجاوبات حكاها بلفظ "قال" دون حرف عطف، وقوله تعالى: ) وَإِذْ قَالَ  رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا(   إلى قوله : ) أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ (.  
←  وأما الجهة الثالثة من جهات الإعجاز هي ما أودعه من المعاني الحِكمية والإشارات العلمية فاعلموا أن العرب لم يكن لهم علم سوى الشعر وما تضمنه من أخبار: قال عمر " كان الشعر عِلم القوم ولم يكن لهم علم أصح منه".
والعلم نوعان كما يقول ابن عاشور، علم اصطلاحي وعلم حقيقي، فأما الاصطلاحي فهو ما تواضع الناس في عصر من الأعصار على أن صاحبه يعد في صف العلماء، وهذا قد يتغير بتغير العصور [27]ويختلف باختلاف الأمم والأقطار، وهذا النوع لا تخلو عنه أمة.
وأما العلم الحقيقي فهو معرفة ما بمعرفته كمال الإنسان، وما به يبلغ إلى ذروة المعارف وإدراك الحقائق النافعة عاجلا وآجلا. وكلا العلمين كما يقول ابن عاشور كمال إنساني ووسيلة لسيادة أصحابه على أهل زمانهم [28]. وقد اشتمل القرآن على العِلمين، فأما النوع الأول فهو لا يحتار إلى كبير عناء وفكر فإن مبلغ العلم عند العرب وقتذاك هو علوم أهل الكتاب ومعرفة الشرائع والأحكام وقصص الأنبياء والأمم وأخبار العالم، وقد أشار إلى هذا القرآن بقوله : )   وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا   إِنَّمَا أُنْزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى   مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ( وقال : ) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ  الغَيْبِ نُوحِيهَا  إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا (..ونحوه من محاجة أهل الكتاب.
وعد ذكر أخبار القرون السالفة في نسق وجوه الإعجاز، أن العرب لم يكن أدبهم مشتملا على التاريخ إلا بإشارات نادرة فجاء القرآن بالكثير من ذلك ( خبر موسى مع الخضر، يوسف واخوته، أصحاب الكهف، وذي القرنين ولقمان وغيره…). فمن أخبار العرب قوله: )   وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ  (وقوله: )   فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (.
وأما النوع الثاني من إعجازه العلمي فهو ينقسم إلى قسمين: قسم يكفي لإدراكه فهمه وسمعه، وقسم يحتاج إدراك وجه إعجازه إلى العلم بقواعد العلوم فينبلج للناس شيئا فشيئا انبلاج أضواء الفجر على حسب مبالغ الفهوم وتطورات العلوم، وكلاهما دليل على أنه من عند الله لأنه جاء به أمي، والجائي به ثاوٍ بينهم لم يفارقهم. فمن طرق إعجازه العلمية أنه دعا إلى النظر والاستدلال، كقوله: )  لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا( وقوله: )   أَوَ لَيْسَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ( [29].  ولقد فتح القرآن الأعين إلى فضائل العلوم، فشبه العلم بالنور والحياة كقوله:  )  لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا( وقوله: )  يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ(  وذكر العلماء في قوله:  )  وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ (  وقال: )   هَلْ يَسْتَوْي الذِينَ يَعْلَمُونَ والذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ(.
وهذا النوع من الإعجاز هو الذي خالف به القرآن أساليب الشعر وأغراضه مخالفة واضحة، إذ لا قبل لهم بتلك العلوم كما قال تعالى:) مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا (.
 
 
خاتمة
» التحرير والتنوير «  شهادة على قطيعة "إبستيمولوجية" صارخة وهوة نفسية وسلوكية شاسعة       – أتحدث هنا على بلد المفسر على الأقل- بين موروث الأمة وتاريخها وبين ما عهد إلى أبناء المسلمين من مناهج وتيارات فكرية هدامة مفادها أن الإسلام والفكر الإسلامي والشريعة كانت وراء تخلف المسلمين وتقدم غيرهم.
في خضم تلك المعركة الحاقدة  حاول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ومن معه من المصلحين دحض الموجة الاستعمارية وما روجت له -عن طريق  أتباعها فيما بعد- من اللحاق بركب الحضارة الغربية واقتفاء آثار تقدمها ونهج منهجها، وذلك بإصلاح مناهج التعليم الزيتوني والتركيز على النهوض بالعلم والتربية كطريق للمقاومة والنهضة، ولكن الهجمة كانت أكبر من تفسير » التحرير والتنوير «.
وما حاول أن يكمله رجالات الحركة الإسلامية الحديثة اليوم من حمل المشعل بعيد عن أن يكون من نفس النوع والقيمة التي خطها الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور. ولئن قدمت الحركة الإسلامية في تونس ومن قبلها حركة صوت الطالب الزيتوني الشهداء على اغتيال الإسلام في أقدس معالمه "جامع الزيتونة"، إلا أن مداد العلماء يظل خيرا وأبقى من دماء الشهداء، والحال أن المعركة في تونس اليوم معركة علوم وبدائل وليست معركة سياسية لأنه لم يعد هناك مجال للسياسة في وطننا العربي بصفة عامة.
ولئن كانت ردة فعل الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس –الوريث الوحيد للزيتونة ورجالها- هو السياسة والنهج التغييري عبر المقاومة الميدانية وتحريك الشارع، في مقاومة العلمانية والتيارات اليسارية التي دفنت الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور-كتراث - ودفنت تفسيره، فقد سلك الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الطريق الوسط جامعا بين الإثنين، بين التحرك السياسي والميداني في مقاومة المستعمر ومن بعده النظام البورقيبي، والتحرك والتحريك والتحرير العلمي والتربوي والثقافي وما » التحرير والتنوير «  إلا شهادة حية على ذلك .
ولئن كان هذا التفسير لكتاب الله U هو ثمرة قرون من التواصل والتوارث العلمي والحضاري  للأمة الإسلامية والعقيدة الإسلامية عبر أربعة عشر قرنا، فإن جامع الزيتونة هو الذي خرج مثل الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ليكتب » التحرير والتنوير «، وحضن شباب تونس وشمال إفريقيا عموما ليتوارثوا هذا العلم وينتجوا لنا جيلا من المتخرجين تربينا في أكناف لغتهم العربية ومناهجهم الزيتونية. وأن هذه المنارة اليوم لم يعد لها أثر فمن يحمي عقيدة البلاد والأمة إذا اختفت هذه المنارات، وماذا عسى الأمة والشعوب الإسلامية عموما أن تتوارث إذا لم تنتج وتتبادل العلم الشرعي وتعنى بعلمائها. وماذا عسى عقيدة الشباب الإسلامي وشباب تونس خاصة أن تكون إذا مسح الغبار على ثماثيل » حنبعل« وأحيي تراث » عليسا« وأغلقت المساجد ونقيت المناهج التربوية في المدارس من كل أثر إسلامي.
لقد كان الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور يمد يده للأجيال اللاحقة عبر هذا التفسير والفكر المستنير ودعوته للإصلاح والجمع بين العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية، فكان بمثابة صيحة فزع ورد على كل الأفكار التي روج لها المستعمر زمن ابن عاشور وأذناب المستعمر في عصرنا اليوم.
أبطل صاحب » التحرير والتنوير «  مقولة التواكل والانهزام والتسليم للقضاء والقدر الذي ساد عصر التخلف والجمود بين المسلمين في عصره بانخراطه الواعي والمستميت في طرد المستعمر ورفض أفكاره والأخذ بكل أسباب النهوض والتقدم والاستئناف، ورد على البدائل الغربية بالمثل فوقف على أسباب تقدمها، بدعوته للأخذ بالعلوم والاعتناء بالمناهج التربوية جاعلا "جامع الزيتونة" المحضن لكل تلك الدعوات، وليس المهم أن تكون مدرسة أو زاوية أو حتى نزلا سياحا على شواطئ الوطن القبلي لتحقيق ما دعا إليه ابن عاشور - الذي بدوره أسس وساهم في تأسيس العديد من تلك المدارس الحديثة كما رأينا -، وإنما قصدنا "بجامع الزيتونة" مناهجه، وعدم التخلي عن العلوم الأصلية التي كان يدرسها وهو ما ثبت عليه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وتمسك به طوال حياته، ورفض كل محاولة للتخلي عن التعليم الزيتوني أو تبديله وإنما الذي دعا إليه هو تطويره وإصلاحه، رافضا كل أشكال "العلمنة" [30] بالمصطلح الحديث الذي يفهمه أبناء جلدتنا اليوم .
كما أثبت صاحب » التحرير والتنوير «  والفكر الذي يحمله في كتاباته وبالدليل المحسوس أنه من دعاة الأخذ بأسباب المدنية الحديثة وليس "الحداثة" كما يفهمها أصحاب "Montesqieu"  و "Jean-jaques Rousseau" أو غيره في بلادنا. فكتب كتابه » أليس الصبح بقريب«   وضمنه رؤيته لإصلاح التعليم وزيادة كل المواد التي لم يدرسها وزير التربية والتعليم في تونس نفسه اليوم.
والأكثر من ذلك كله والأهم هو » التحرير والتنوير «  نفسه وما حمله في صفحاته، إنه حجة ستظل تدافع عن كل » زيتوني « أو حامل لفكر الزيتونة. ورسالة إلى الفكر الإسلامي ودعاته على مدى العصور وفي كل الأقطار مفادها أن إعمال الرأي في هذا الدين ليس كفرا أو حجرا حتى وإن كان حول كلام الله ومراده. ولكن ليس كما يراه أصحاب الهوى والمنسلخون من الدين باسم حرية التفكير والتعبير.
لقد أعطانا الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور تفسيرا ومنهجا في التفسير - باعتماده أسلوب الحجة والبرهان - بإرساء قواعد البحث والقول في كلام الله، خالق الكون والبشر.
لقد تميز هذا المنهج في التفسير برفضه الطرق السابقة والمعتمدة على المنقول دون غيره، من دون أن يصنف في إعداد التفاسير بالرأي. لأن التفاسير الموصوفة بذلك اعتمدت آراء أصحابها والذي ربما أشارت إليه الأحاديث الواردة في هذا السياق. ولكن الرأي الذي اعتمده الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور هو استعمال فن وعلوم اللغة العربية وليس برأيه الشخصي.
بما أن اللغة العربية هي لغة القرآن ولسان حاله فكل كلام حول اللغة وما تفيده المعاني المستخرجة منه، فهي تبقى من القرآن ومن اللغة وليس من رأي الكاتب مع زيادة تضلع هذا الأخير في مجاله وتمكنه من اختصاصه –اللغة العربية-، وهو ما دعا إليه الشيخ ابن عاشور. لكي يبقى القرآن غنيا يزيد ولا ينقص ويحتمل كل عصر ليس له حدا لمعانيه، لأن الذي يوقف القرآن على معنى لا يزيد بعده  – طبعا سوى الآيات الواضحة التي لا تحتمل معنيين مهما اختلف الزمان وتقدمت اللغة - فهو ليس من أصحاب اللغة العربية وبالتالي ليس من أصحاب القرآن.
كما أن من خصائص القرآن الإعجاز فإن لم يكن في كل عصر من يظهر هذا الإعجاز لأهله فكيف يمكن القول بإعجاز القرآن ؟ وإن كنا بعيدين عما يطرحه ابن عاشور من وجوه البلاغة والبيان، فإن ذلك من ضعف ملكة اللغة العربية وتذوقها عندنا، ومن آثار الهجمة الشرسة على اللغة العربية ومعالمها ومحاصرة اللغات الأجنبية لها في بلادنا.
والقرآن معجز في عصرنا بتفاسير علماء هذا العصر، فمن أين للعلماء أن يجددوا الإعجاز في كل عصر إن لم يعن باللغة العربية (البيان والبلاغة والخطابة وغيرها مما تحدث عنه الشيخ ابن عاشور). ولئن أعجز القرآن جهابذة اللغة وأصحاب الشعر في العصر الجاهلي، فأين المتمكنون من اللغة اليوم أمثال الشيخ ابن عاشور ليعجزوا أصحاب المناهج والمذاهب والتيارات التي يعج بها عالمنا اليوم ؟
إننا لسنا بحاجة إلى من يُعجِز الآخرين باللغة وإنما الذي نحن بصدده هو من يمتلك هذه اللغة [31] ( وسيلة للإعجاز ) لفهم القرآن الكريم ويُخوَّل له أن يعجز الآخرين بغيرها ( العلوم الحديثة والاكتشافات العصرية، والأفكار المتجددة والمعتقدات المختلفة،… ) ؟ ولا شك فإن هذا أسهل وأبسط بكثير ممن تحملوا مشاق الرد والإعجاز حول اللسان العربي ( كمادة للإعجاز ).
ليس الإسلام فقط يحاصر في كل مكان، وإنما اللغة العربية المعجِزة كذلك تكاد تذهب من أيدينا، ولا يمكن للأمة أن تتجدد ما لم تمتلك وسائل التجديد في كل عصر وأولها العربية.
نسأل الله أن يحفظ هذه الأمة ويحفظ أبناء المسلمين، ويمكَّن لهذا الدين حتى تُنشر تعاليمه وتقام معالمه.
 
آمين والسلام       
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 -       فهرس الموضوعات
مقدمة…………………………………..…………………………………    3
الباب الأول :
الظروف التاريخية والسياسية والعلمية لمدينة تونس…………………………    5   
فتح مدينة تونس وتأسيس جامع "الزيتونة"…………………………………….    7   
مكانة جامع مدينة تونس "الزيتونة" في شمال أفريقيا…………………………..    7   
الحركة الفكرية والعلمية بتونس "أفريقية"  ……………………………………    8
الظروف السياسية والاجتماعية لمدينة تونس …………………………………    9
الحركة الإصلاحية في تونس أواسط القرن التاسع عشر ………………………    10
 
الباب الثاني :
من هو الشيخ محمد الطاهر بن عاشور؟……………………………………    13
آل عاشور  ………………………………………………………………    15
مولده ونشأته  (1879/1973)…………………………………..………..    15
مسيرته الدراسية والعلمية…………………………………..……………..    16
شيوخه……………………………………………………………………    16
تأثره بمفكري عصره……………………………………………………...    17
إصلاحاته ورؤيته للإصلاح………………………………………………..    18
-    -         تطوير العلوم …………………………………………………………    19
-    -         المسيرة النضالية………………………………………………………    20
كتاباته ومؤلفاته……………………………………………………………    21
 
الباب الثالث :
مقدمات التفسير في كتابه " التحرير والتنوير "………………………………    25
التعريف بكتاب " التحرير والتنوير "…………………………………………    27
تأليف " التحرير والتنوير"………..…………………………………………    27
إضافاته في " التحرير والتنوير " ……………………………………………    28
الفكر العقدي عند ابن عاشور من خلال " التحرير والتنوير"……………………    29
منهجيته في التفسير…………………………………………………………    30
مقدمة الكتاب ……………………………………………………………..    30
-    -         المقدمة الأولى : في التفسير والتأويل وكون التفسير علما…………………    30   
-    -         المقدمة الثانية : في استمداد علم التفسير…………………………………    32
-    -         المقدمة الثالثة : في صحة التفسير بغير المأثور ومعنى التفسير بالرأي……..    33
-    -         المقدمة الرابعة : فيما يحق أن يكون غرض المفسر………………………    35
-    -         المقدمة الخامسة : في أسباب النزول…………………………………….    37
-    -         المقدمة السادسة :  في القراءات…………………………………………    39
-    -         المقدمة السابعة : قصص القرآن..……………………………………….    40
-    -         المقدمة الثامنة : في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها.………….    42
-    -         المقدمة التاسعة : في المعاني التي تتحملها جمل القرآن، تعتبر مُراده بها……    45
-    -         المقدمة العاشرة : في إعجاز القرآن، مبتكرات القرآن، وعادات القرآن.…….    48
خاتمة……………………………………………………………………    55
الفهارس…………………………………………………………………    59
-    -       فهرس الآيات
 
الآيات                                        الصفحة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
)     وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي (                            33
)     وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ
       وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (              40
)     وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى البَابَ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا (        34
)     وَلاَ تَكُونُوا كَالتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا (                 27
)     إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ  (                        34
)     إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ (                          40
)     إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً (                32
)     إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً (                32
)     إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ (                         44
)     إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (                40
   ) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ - 
      وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
      فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ (                            30
   ) أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ (                                47
)    إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ ( فاطر 28                    21
)    أَوَ لَيْسَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ(        48
)    أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الخَاسِرُونَ (             45
)    اِسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ (                        40
)    اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (                                 36
)    الخَيْطِ الأبْيَضِ مِنَ الأَسْوَدِ (                             27
)    بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَءِ وَآبَاءَهُمْ(                             47
)    بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الذِينَ أُوتُوا العِلْمَ (                40
)    تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءُ الغَيْبِ نُوحِيهَا  إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا(    31
)    تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا  إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا(   48
)    عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ (                46
)    فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (            47
)    فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى المَدِينَةِ (                    35
)    فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (                              40
)    فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةٌ بِمَا ظَلَمُوا (                        35
  )  فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اِغْدُوا عَلَى حَرِثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ  (            34
)    فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ (                    32
)    فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (                  48
)    فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا (                          27
)    فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ
      أَقُلَ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ (                            34 
)    قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (                            27
)    قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ التِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ (            32
)    كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ (                        37
)    كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ اُولُوا الأَلْبَابِ (            29
   ) كَيْلاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ (                     30
)    لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ      (                         26
   ) لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (                            41
)    لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (                            27
   ) لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا(                             48
)    لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ (                    35
   ) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا(                         48
)    مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا (                48
)    مُدْهَامَّتَانِ (                                  37
)    نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
      هَذَا القُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ (                    30
)    نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
      هَذَا القُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ (                    34
   ) هَلْ يَسْتَوْي الذِينَ يَعْلَمُونَ والذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ(                    48
   ) هُوَ الذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ (                 37
)    وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ
      فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا(                                47
)    وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ (        33
   ) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
      شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ (    43
)    وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (     29
)    وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى(                             45
)    وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ (                         45
)    وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ  (                    48
)    وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا (                             44
)    وَالفَجْرِ (                                     37
)    وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ (              48
)    وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً (                            35
   ) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً (            36
 )   وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ (                32
)    وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا(                32
)    وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ( وقوله : ) وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ (    30
)    وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ (                    45
)    وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (                                40
)    وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الكَافِرُونَ (                33
)    وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبَعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزْلَ
      الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ
      عَلَيْنَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ (     48
)    وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ – لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(        44
)    يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (        30
   ) يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا (                32
)    يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ(                         48
)    يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ (                38
    )أُلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ (                                 45
    )أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ المُفْلِحُونَ (                45
    )أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ (    45
    )اِبْلَعِي مَاءَكِ(                                 45
    )اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ (                        41
 )   ذُلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (                    46
   )فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (                     44
   )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرْ(                                 44
)   فَلَمَّا اِسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا (                         44
   )فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ
     وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ(                         45
   )لاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ (                41
   )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (                            30
   )وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ (                             45
   )وَالذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ (                            41
 )  وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ (                            45
   )وَلاَ تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (                    41
 )   وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ (                    46
    )وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ(                         44
 
 
-    -       فهرس الأحاديث
 
الحديث                                    الصفحة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- قول الصدّيق y :" أيّ سماء تظلّني ؟ وأيّ أرض تقلّني ؟
إذا قلت في كلام الله ما لا أعلم "                         21
2-روى أئمة الأدب أن عمر بن الخطابy قرأ على المنبر قوله
تعالى :" أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ" ثم قال ما تقولون فيها أي في
معنى التخوف، فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا، التخوف التنقص،
فقال عمر: وهل تعرف العرب ذلك في كلامها؟ قال نعم قال أبو كبير الهذلي :
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا        كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ
فقال عمر " عليكم بديوانكم لا تضلوا، هو شعر العرب فيه تفسير
كتابكم ومعاني كلامكم"                          26
3- قول أم سلمة رضي الله عنها للنبي r : يغزو الرجال ولا نغزو        32
4-أن عبد الله بن مسعود قال :" قال رسول الله من حلف على يمين
صَبْرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان".            32
5-ففي صحيح البخاري في سورة النساء أن ابن عباس قرأ قوله
تعالى : ) وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا(.
فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته
فأنزل الله في ذلك : ) وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ (.            32
6-    6-            في الصحيح، عن عائشة y أن عروة ابن الزبير سألها عنها
فقالت :" هذه اليتيمة تكون في حجر ولييها تَشْرَكه في ماله فيريد أن
يتزوجها بغير أن يقسط فس صداقها فنُهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا
لهن في الصداق. فأمروا أن ينكحوا ما طاب من النساء سواهن ".        33
7-    7-            قال النبي r ذلك بقوله :" ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات
ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي،
فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".                     36
8-    8-            ما ورد في حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من قول الراوي "
فوضع الذي نشر التوراة يده على آية الرجم"                37
9- عن النبي r، وفي الحديث :" من قرأ العشر الخواتم من آخر آل عمران"      37
10- روى أصحاب السنن عن ابن عباس أن رسول الله r كان إذا نزلت
الآية يقول : ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا،                38
11- حديث ابن عباس أن رسول الله r كان إذا نزلت الآية
يقول :" ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا"                39
12- حديث أنس مرفوعا " لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة
آل عمران ولا سورة النساء وكذلك القرآن كله ولكن قولوا
السورة التي يذكر فيها آل عمران-وكذا القرآن كله"،
أنكره أحمد وذكره ابن الجوزي في الموضوعات
ولكن ابن حجر أثبت صحته                        39
13- ما رواه أبو سعيد بن المعلى قال: دعاني رسول الله r وأنا
في الصلاة فلم أجبه فلما فرغت أقبلت إليه فقال :" ما منعك أن تجيبني ؟
فقلت: يا رسول الله كنت أصلي، فقال :" ألم يقل الله تعالى :
 ) اِسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ  (                    40
14- فقال النبي r لعمر بن الخطاب لما كيف تصل على عبد الله ابن
أبي بن سلول المنافق الذي فعل كذا وقال يوم كذا ما قال، فقال النبي
r :" خيرني ربي وسأزيد على السبعين"                    41
15- ورد عن أصحاب النبي r ومن بعدهم من الأئمة مثل ما روي
أن عمرو بن العاص أصبح جنبا في غزوة في يوم بارد فتيمم وصلى بالناس
ولما اشتكوا إلى النبي r  قال له :" أصليت بالناس وأنت جنب؟"
قال : الله تعالى يقول:  )وَلاَ تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (    41
 
 

تقديم كتاب التحرير والتنوير

Download

About the book

Author :

المهدي بن حميدة

Publisher :

www.islamland.com

Category :

About Quran & Hadith