About the fatwa
أثر عمر : " إنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله " !!
Answer
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الأثر لا يصح عن عمر رضي الله عنه ، ولا نعلم له إسنادا ، وإنما ذكره ابن عبد ربه رحمه الله في " العقد الفريد " (1/ 117) بلا إسناد فقال :
كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنهما- ومن معه من الأجناد:
" أما بعد؛ فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدوّ ، وأقوى المكيدة في الحرب .
وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراسا من المعاصي ، منكم من عدوّكم ، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوّهم ، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله ، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ؛ لأن عددنا ليس كعددهم ، ولا عدّتنا كعدّتهم ، فإذا استوينا في المعصية ، كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإلا ننصر عليهم بفضلنا ، لم نغلبهم بقوتنا.
واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله ، يعلمون ما تفعلون ، فاستحيوا منهم ، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله ؛ ولا تقولوا إن عدوّنا شر منا فلن يسلّط علينا ، وإن أسأنا ؛ فربّ قوم سلّط عليهم شر منهم ، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفّار المجوس ، فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا ... ".
وقد رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (5/ 302) بمعناه عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، فقال أبو نعيم :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَهِدَ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: "عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فِي كُلِّ حَالٍ يَنْزِلُ بِكَ ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ أَفْضَلُ الْعُدَّةِ ، وَأَبْلَغُ الْمَكِيدَةِ ، وَأَقْوَى الْقُوَّةِ ، وَلَا تَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَدَاوَةِ عَدُوِّكَ أَشَدَّ احْتِرَاسًا لِنَفْسِكَ وَمَنْ مَعَكَ مِنْ مَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّ الذُّنُوبَ أَخْوَفُ عِنْدِي عَلَى النَّاسِ مِنْ مَكِيدَةِ عَدُوِّهِمْ ، وَإِنَّمَا نُعَادِي عَدُوَّنَا وَنَسْتَنْصِرُ عَلَيْهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لَنَا قُوَّةٌ بِهِمْ ، لِأَنَّ عَدَدَنَا لَيْسَ كَعَدَدِهِمْ ، وَلَا قُوَّتُنَا كَقُوَّتِهِمْ ، فَإِنْ لَا نُنْصَرْ عَلَيْهِمْ بِمَقْتِنَا لَا نَغْلِبْهُمْ بِقُوَّتِنَا ، وَلَا تَكُونُنَّ لِعَدَاوَةِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَحْذَرَ مِنْكُمْ لِذُنُوبِكُمْ ، وَلَا أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْكُمْ لِذُنُوبِكُمْ ... " .
وهذا إسناد ضعيف ؛ لجهالة الرجل من قريش راويه عن عمر بن عبد العزيز .
ومسلمة بن أبي بكر لم نجد له ترجمة .
وقال ابن عبد الحكم رحمه الله في "فتوح مصر" (ص 102):
حدثنا يحيى بن خالد ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال: " لما أبطأ على عمر بن الخطّاب فتح مصر، كتب إلى عمرو بن العاص: أمّا بعد، فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر؛ إنكم تقاتلونهم منذ سنتين؛ وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحبّ عدوّكم ، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قوما إلا بصدق نيّاتهم ، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل ، على ما كنت أعرف ، إلا أن يكونوا غيّرهم ما غيّر غيرهم؛ فإذا أتاك كتابى هذا، فاخطب الناس ، وحضّهم على قتال عدوّهم ، ورغبهم فى الصبر والنيّة ، وقدّم أولئك الأربعة فى صدور الناس ، ومر الناس جميعا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد ، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة ، فإنها ساعة تنزّل الرحمة ووقت الإجابة، وليعجّ الناس إلى الله ، ويسألوه النصر على عّدوهم .
فلما أتى عمرا الكتاب ، جمع الناس، وقرأ عليهم كتاب عمر، ثم دعا أولئك النفر، فقدّمهم أمام الناس ، وأمر الناس أن يتطهّروا، ويصلّوا ركعتين، ثم يرغبوا الى الله عزّ وجلّ ويسألوه النصر، ففعلوا ففتح الله عليهم " .
وهذا إسناد ضعيف جدا :
يحيى بن خالد، وهو العدوي؛ لم نجد له ترجمة .
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم متروك الحديث ، قال الحاكم وأبو نعيم : روى عن أبيه أحاديث موضوعة . وقال ابن الجوزي : أجمعوا على ضعفه .
"تهذيب التهذيب" (6 /162) .
مع أن لفظه مختلف كثيرا عن المذكور في السؤال .
ثانيا :
ليس صحيحا أن يستوي المسلم والكافر في مقامهما عند الله ، من الطاعة والمعصية ؛ بل بينهما من التفاوت ما ذكره الله في كتابه ، وإن عصى المؤمن ربه ما عصى ، فأين من قضى الله بعداوته في الدنيا ، وحكم عليه بالخلود في نار جهنم ، ممن أخبر الله بولايته له في الدنيا ، وقضى ألا يخلد أحد منهم في النار ، وإن عذبه بمعصيته ما عذبه .
قال الله تعالى: ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ ) غافر/58 .
قال الإمام الطبري رحمه الله في "تفسيره" (20/350) :
" يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يَسْتَوِي أَيْضًا كَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، الْمُطِيعُونَ لِرَبِّهِمْ، وَلَا الْمُسِيءُ، وَهُوَ الْكَافِرُ بِرَبِّهِ ، الْعَاصِي لَهُ، الْمُخَالِفُ أَمْرَهُ " انتهى .
وروى ابن حبان في صحيحه (7432) ـ وصححه الألباني ـ عن صَالِح بْن أَبِي طَرِيفٍ ، قَالَ: " قُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمَيْنَ} [الحجر: 2]؟
فَقَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ، يَقُولُ:
( يُخْرِجُ اللَّهُ أُنَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا يَأْخُذُ نِقْمَتَهُ مِنْهُمْ ، قَالَ: لَمَّا أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ النَّارَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: أَلَيْسَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ فَمَا لَكُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ ؟!
فَإِذَا سَمِعَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ ، فَيَتَشَفَّعُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ حَتَّى يَخْرُجُوا بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَلَمَّا أُخْرِجُوا، قَالُوا: يَا لَيْتَنَا كُنَّا مَثَلَهُمْ، فَتُدْرِكُنَا الشَّفَاعَةُ ، فَنُخْرَجُ مِنَ النَّارِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمَيْنِ} [الحجر: 2]، قَالَ: فَيُسَمَّوْنَ فِي الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ مِنْ أَجْلِ سَوَادٍ فِي وُجُوهِهِمْ ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَذْهِبْ عَنَّا هَذَا الِاسْمَ ، قَالَ: فَيَأْمُرُهُمْ فَيَغْتَسِلُونَ فِي نَهْرٍ فِي الْجَنَّةِ فَيَذْهَبُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ) .
فانظر : كيف ظن أهل النار من الكفار ، أن من يعذب فيها من المؤمنين : قد استوى حاله بحالهم ، وظنوا أن ولايتهم لله في الدنيا ، لم تنفعهم يومئذ ، فغضب الله لذلك ، وأخرجهم بمنه وكرمه ، وكبت المشركين ، ولم يشمتهم بأوليائه .
ثالثا :
ضعف هذه الرواية المذكورة ، لا يعني أن المعصية ليس لها أثر في ضعف العبد ، وهزيمته ؛ لا بل هذا أمر معروف مقرر ، ومن يراجع درس غزوة أحد ، يفهم ذلك جيدا ، وقد قال الله تعالى : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) آل عمران/ 165 .
وقد روى البخاري في صحيحه (2896) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : " رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ؟ ) .
ورواه النسائي (3178) ولفظه : ( إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا ، بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ ) .
فدل ذلك على أن لمعاصي العباد أثرا ، أي أثر في تسليط عدوهم عليهم ، ونيلهم منهم ؛ وأن أعظم ما ينصر به المؤمنون على عدوهم : صلاتهم ، ودعاؤهم ، وإخلاصهم لله جل جلاله .
ولأجل ذلك : بوب الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد من صحيحه :
" بَابٌ: عَمَلٌ صَالِحٌ قَبْلَ القِتَالِ" ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: " إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ " وَقَوْلُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا، كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 3] " انتهى من "صحيح البخاري" (2/20) ط طوق النجاة .
والله تعالى أعلم .