عن المقال

المؤلف :

صلاح الدين بن علي بن عبد الموجود

التاريخ :

Thu, Oct 02 2014

التصنيف :

الأداب والأخلاق

تحميل

التحزب آفة في طريق العبودية

التحزب آفة في طريق العبودية

 


قد كثرت الجماعات, واتسعت دائرة الخلاف بين المسلمين؛ بسبب قلة العلم, وشهوة التصدر, وغلبة الهوى, والتحزب على أفراد أو جماعات فتَّتَ كيان الأمة, حتى عظمت الفرقة بين المسلمين, وأصبح الغالب لا يدعو إلى الدين الخالص, وعظمت المنافسة في تكثير الأتباع, حتى أصبح بعضهم يرمي بعضا ربما بالمروق من الإسلام - وإلى الله المشتكى، وتمثّـل ذلك في استنادهم واستدلالهم لصحّةِ مذهبهم ـ زعموا ـ على الكتاب والسنّة, والاستدلال بالطرق الكلاميّةِ, والحجج العقليّة، والقصص غير الواقعية, حتى إن السامع ليغترّ بحلاوة كلامهم, وقوّةِ حججهم، ويظنُّ أن الحقّ معهم, حتى نرى الأمة كل يوم في انشطار, فكلما وقع خلاف بين فريق انشطر إلى فرقٍ وجماعات.
لذا فلا يتعجّـب إنسانٌ من كــثرةِ سوادهم, وتهافت أتباعهم، فإنّ العبرة ليست بالكثرة وتكثير السواد، بل ولا يصح لنا أن نجعلها ميزاناً للحق؛ كيف؟ وقد قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)}، وقال أيضاً: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)} وقــال أيضاً: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)} .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: الجماعة, ما وافق الحق, ولو كنت وحدك.(1) 
وقال الفضيل ابن عياض ـ رحمه الله ـ: عليك بطريق الهدى وإن قلّ السّالكون, واجتنب طريق الرّدى وإن كثر الهالكون.(2) 
ولهذا نجد أنّ الحقّ ـ عند الكثير من الناس ـ غير مألوف، وقَدْ فَهِم هذا الأمر الإمامُ الأوزاعي ـ رحمه الله ـ حين قال: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس, وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم(3), وذلك لمّا علم بأن الحقّ في غُربة، وهو مستنكرٌ لدى الكثير من الناس.
وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة(4): وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة, فالمراد به لزوم الحق واتباعه, وإن كان المتمسك به قليلا, والمخالف له كثيرا, لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم, ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم. قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذا باليمن, فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام, ثم صحبت بعده أفقه الناس, عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, فسمعته يقول: عليكم بالجماعة, فإن يد الله على الجماعة, ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها, فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة, وصلوا معهم فإنها لكم نافلة. قال: قلت: يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثونا؟ قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة, وتحضني عليها, ثم تقول: صل الصلاة وحدك وهي الفريضة, وصل مع الجماعة وهي نافلة؟! قال: يا عمرو بن ميمون, قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية, تدري ما الجماعة؟ قلت: لا, قال: إن جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة.
الجماعة ما وافق الحق, وإن كنت وحدك. وفي طريق أخرى, فضرب على فخذي, وقال: ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة, وإن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل.
قال نعيم بن حماد: يعني, إذا فسدت الجماعة, فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد, وإن كنت وحدك؛ فإنك أنت الجماعة حينئذ. ذكره البيهقي وغيره.
وقال ابن شامة: عن مبارك, عن الحسن البصري, قال: السنة والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي, فاصبروا عليها رحمكم الله, فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى, وهم أقل الناس فيما بقي, الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف(5) في أترافهم, ولا مع أهل البدع في بدعهم, وصبروا على سنتهم, حتى لقوا ربهم, فكذلك إن شاء الله, فكونوا.
وكان محمد بن أسلم الطوسي, الإمام المتفق على إمامته, مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه, حتى قال: ما بلغني سنة عن رسول الله إلا عملت بها, ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك, فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس (فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ) فقال: محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم, وصدق والله, فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة، داع إليها، فهو الحجة, وهو الإجماع, وهو السواد الأعظم, وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها؛ ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا. أهـ
فالأصل في المسلم أنه لا يعرفُ بلقبٍ, أو رمزٍ يميّزه عن غيره, سوى الإسلام، قال تعالى {هُوَ سَمَّاكُمُ المسْلِمِين} .
وقال صلى الله عليه وسلم: (وَلَكِنْ تَسَمَّوْا بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ عِبَادَ اللَّهِ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ)(6).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: من أقرّ باسم من هذه الأسماء المحدثة؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه(7).
وجاء رجلٌ إلى مالك، فقال: يا أبا عبد الله، أسألك عن مسألةٍ أجعلك حجّة فيما بيني وبين الله عزَّ وجل، قال مالك: ما شاء الله لاقوّة إلاّ بالله، سل، قال: مَنْ أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقبٌ يُعرفون به، لا جهمي، ولا قدري, ولا رافضي(8). 
وقال ميمون بن مهران: إيّاكم وكل اسم يسمّى بغير الإسلام(9).
وقال مالك بن مغول: إذا تسمّى الرجل بغير الإسلام والسنة, فألحقه بأيّ دين شئت(10).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ..والواجب على المسلم إذا سئل عن ذلك, أن يقول: لا أنا شكيلي, ولا قرفندي؛ بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله.. - إلى أن قال: .. فلا نعدل عن الأسماء التي سمّانا الله بها إلى أسماء أحدثها قوم ـ وسموها هم وآباؤهم ـ ما أنزل الله بها من سلطان.(11)
ولكن ما إن ظهرت البدع في الأمة الإسلاميّة، وتكاثرت الفرق المنتسبة إلى الإسلام بشكلٍ عظيمٍ؛ حيث الشعارات الزائفة, والدعوات المشبوهة، واجتهد في الدين من ليس من أهله، وأُدخل فيه ما ليس منه، وظهرت نبوءة النبيّ صلى الله عليه وسلم بافتراق الأمة؛ كان لزاماً على أهل الحقّ، والمنهج الصحيح, وأصحاب العقيدة الصحيحة؛ أن تكون لهم سمةٌ يُعرفون بها, في إطار عام لا في قوالب ضيقة كالحزبيات والجماعات التي حكرت الحق عليهم, وعقدوا عليها الحب والبغض, وهذا منا, وهذا ليس منا.
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله(12):
لا طائفية ولا حزبية يعقد الولاء والبراء عليها.
أهل الإسلام ليس لهم سمة سوى الإسلام, والسلام.
فيا طالب العلم! بارك الله فيك وفي علمك؛ اطلب العلم، واطلب العمل، وادع إلى الله تعالى على طريقة السلف.
ولا تكن خراجاً ولاجاً في الجماعات، فتخرج من السعة إلى القوالب الضيقة، فالإسلام كله لك جادة ومنهجاً، والمسلمون جميعهم هم الجماعة، وإن يد الله مع الجماعة، فلا طائفية ولا حزبية في الإسلام.
وأعيذك بالله أن تتصدع، فتكون نهاباً بين الفرق والطوائف والمذاهب الباطلة والأحزاب الغالية، تعقد سلطان الولاء والبراء عليها. 
فكن طالب علم على الجادة؛ تقفو الأثر، وتتبع السنن، تدعو إلى الله على بصيرة، عارفاً لأهل الفضل فضلهم وسابقتهم.
وإن الحزبية ذات المسارات والقوالب المستحدثة التي لم يعهدها السلف من أعظم العوائق عن العلم، والتفريق عن الجماعة، فكم أوهنت حبل الاتحاد الإسلامي، وغشيت المسلمين بسببها الغواشي.
فاحذر رحمك الله أحزاباً, وطوائف طاف طائفها، ونجم بالشر ناجمها، فما هي إلا كالميازيب؛ تجمع الماء كدراً، وتفرقه هدراً؛ إلا من رحمه ربك, فصار على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
قال ابن القيم: العلامة الثانية -عند علامة أهل العبودية- قوله: ولم يُنْسَبُوا إلى اسم أي: \"لم يشتهروا باسم يعرفون به عند الناس\", من الأسماء التي صارت أعلاما لأهل الطريق, وأيضا فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد يجري عليهم اسمه فيعرفون به دون غيره من الأعمال, فإن هذا آفة في العبودية, وهي عبودية مقيدة, وأما العبودية المطلقة, فلا يعرف صاحبها باسم معين من معاني أسمائها, فإنه مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها؛ فله مع كل أهل عبودية نصيب يضرب معهم بسهم, فلا يتقيد برسم ولا إشارة ولا اسم, ولا بزي, ولا طريق وضعي اصطلاحي, بل إن سُئل عن شيخه, قال: الرسول صلى الله عليه وسلم, وعن طريقه, قال: الإتباع, وعن خرقته قال: لباس التقوى, وعن مذهبه قال: تحكيم السنة, وعن مقصوده ومطلبه, قال: يريدون وجهه, وعن رباطه وعن خانكاه, قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} , وعن نسبه قال:

أَبِي الإِسْلَامُ لَا أَبَ لِي سِوَاهُ  

إِذَا افْتَخَروا بِقَيْسٍ أَوْ تَمِيمِ 

 


وعن مأكله ومشربه؟! قال: ما لك ولها! معها حذاؤها وسقاؤها, ترد الماء، وترعى الشجر، حتى تلقى ربها.

واحَسْرَتَاهُ تَقْضِي العُمْرَ وَانْصَرَمَتْ 

سَاعَاتُهُ بَيْنَ ذُلِّ العَجْزِ وَالكَسَلِ 

 

والقَوْمُ قَدْ أَخَذُوا دَرْبَ النَّجَاةِ وَقَدْ 

سَارُوا إلى المطْلَبِ الأَعْلَى عَلَى مَهَلِ 


ثم قال ابن القيم رحمه الله: قوله أولئك ذخائر الله حيث كانوا, ذخائر الْمَلِك ما يخبأ عنده, ويَذْخُره لمهماته, ولا يبذله لكل أحد, وكذلك ذخيرة الرجل ما يذخره لحوائجه ومهماته, وهؤلاء لما كانوا مستورين عن الناس بأسبابهم, غير مشار إليهم ولا متميزين برسم دون الناس, ولا منتسبين إلى اسم طريق أو مذهب أو شيخ أو زي, كانوا بمنزلة الذخائر المخبوءة, وهؤلاء أبعد الخلق عن الآفات, فإن الآفات كلها تحت الرسوم والتقيد بها, ولزوم الطرق الاصطلاحية, والأوضاع المتداولة الحادثة هذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن الله وهم لا يشعرون, والعجب أن أهلها هم المعروفون بالطلب والإرادة والسير إلى الله, وهم إلا الواحد بعد الواحد المقطوعون عن الله بتلك الرسوم والقيود, وقد سئل بعض الأئمة عن السنة؟ فقال: مالا اسم له سوى \"السنة\" _يعني _ أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها, فمن الناس من يتقيد بلباس لا يلبس غيره, أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره, أو مشية لا يمشي غيرها, أو بزي وهيئة لا يخرج عنهما, أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها وإن كانت أعلى منها, أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه, فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى, مصدودون عنه، قد قيدتهم العوائد والرسوم والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة؛ فأضحوا عنها بمعزل, ومنزلتهم منها أبعد منزل, فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة وتفريغ القلب, ويعد العلم قاطعا له عن الطريق.
فإذا ذكر له الموالاة في الله والمعاداة فيه, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, عدَّ ذلك فضولا وشرا, وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك أخرجوه من بينهم؛ وعدوه غَيْرا عليهم, فهؤلاء أبعد الناس عن الله وإن كانوا أكثر إشارة - والله أعلم.أهـ
أخي الحبيب: إن سُعار الحزبية محرق, وسمها قاتل؛ كم مكر أخٌ بأخيه حتى أرداه في لجج الفتن, وكم عُطل من أمر بمعروف أو نهي عن المنكر؛ فما شتت القلوب, وفرق بين الجموع, إلا الحزبية, ولذا يجب لأهل السنة أن يعلنوا عن هُويتهم, ويبينوا منهجهم, ويحذروا من الحزبية والعصبية, لهذا نجد أن العلماء رحمهم الله, كانوا يهتمّون بتمحيص رجال الحديث، فنراهم يميّزون السني من المبتدع، قال محمد بن سيرين رحمه الله(13): لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم.
وكان حال السلف في وضع العلم, لا يضعونه إلا عند من يحسن استعماله.
عن أبي داود الطيالسي قال: جهد وكيع أن يسمع من زائدة بن قدامة(14) حديثا واحدا؛ فلم يسمع حتى خرج من الدنيا، فقيل لأبي داود: وكيف سمعت أنت؟ قال: كان يستشهد رجلين عدلين على أن هذا صاحب جماعة؛ وليس بصاحب بدعة، فإذا شهد عدلان؛ حدّثه، قال أبو داود: وكنت بمنى, وحضر سفيان الثوري، فكان يُكرمني ويقول: ذاكرني بحديث أبى بسطام(15) فقلت لسفيان: أُحب أن تكلِّم زائدة في أمري حتى يحدثني، فجاء إلى زائدة فقال: يا أبا الصَّلت! حَدِّث صاحبي هذا؛ فإنه صاحب سنة وجماعة، فقال: نعم يا أبا عبد الله.(16) وبعد هذه النقول؛ فإنه لحريٌّ بمن كانت هذه همّته, وهي: \"حفظ بيضة الإسلام من الدخلاءِ\"؛ أن يكون له منهجٌ مباينٌ لكلّ المناهج المخترعة, المضاهية لمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم في العقيدة والإتباع. 
وحريٌ أيضاً أن يكون أصحابها هم المعنيّون بالفرقة الناجية, والطائفة المنصورة كما جاء في بعض الأحاديث، وكما فسّرها غير واحدٍ من الأئمة المعتبرين.
كما جاء في الحديث عن أَبَي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ؛ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ رَأْسِهِ, وَمَنْ دَعَا دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ جُثَاءُ جَهَنَّمَ), قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى؟ قَالَ: (نَعَمْ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى, وَلَكِنْ تَسَمَّوْا بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ عِبَادَ اللَّهِ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ). (17) 
كذلك ما جاء في الحديث المعروف, عن جَابِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا, وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ, فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا؛ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا, وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ, وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ, فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: (مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ), ثُمَّ قَالَ: (مَا شَأْنُهُمْ), فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ, قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ).(18) 
مع أنهما اسمان شرعيان, المهاجري والأنصاري, لكن لما كان هناك موالاة ومعاداة عليهما, ونصرة في هذين الاسمين، وخرجت النصرة عن اسم الإسلام بعامة؛ صارت دعوى الجاهلية، ولهذا ينبغي على أهل السنة والجماعة, وحملة المنهج السلفي؛ التنبيه على هذا الأمر الخطير بالطريقة المثلى, حتى يكون هناك اهتداء إلى طريق أهل السنة والجماعة, وإلى منهج السلف الصالح.
كما يجب الانضباط بضوابط الشرع في مسائل الخلاف, والرجوع إلى فهم السلف فيها, لا كما نرى من البعض, بإعلان الحرب والهجر وغيره, دون سابق بيان أو حجة أو برهان, كما يجب نبذ التقليد, وأن لا تعود الدعوة إلى حقبة التعصب المذهبي, الذي ضرب بجرانه في كل أطراف أمة الإسلام, حتى بين العلماء والمتبوعين.
وهذا كما قيل في بعض أتباع الإمام مالك, ومن ضربت إليه أكباد الإبل.

عُذَيْرِي مِنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ كُلَّمَا 

طَلَبْتُ دَلِيلاً هَكَذَا قَالَ مَالِكُ 

 

فَإِنْ عُدْتُ قَالُوا هَكَذا قَالَ أَشْعَبُ 

وَقَدْ كَانَ لا تَخْفَى عَلَيْهِ الْمَسَالِكُ 

 

فَإِنْ عُدْتُ قَالُوا قَالَ سُحْنُونُ مِثْلَهُ 

وَمَنْ لَمْ يَقُلْ مِثْلَهُ فَهُوَ آفِكُ 

 

فَإِنْ قُلْتُ قَالَ الله ضَجُّوا وأَعْوَلُوا 

وَصَاحُوا وَقَالُوا أَنْتَ قَرْنٌ مُمَاحِكُ 

 

وَإِنْ قُلْتُ قَدْ قَالَ الرَّسُولُ فَقَوْلُهُم 

أَتَتْ مَالِكٌ فِي تَرْكِ ذَلِكَ الْمَسَالِكُ 

[HR]

(1) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعه(1/122) رقم(160).
(2) ذكره الشاطبي في الإعتصام (1/83)، والنووي في المجموع (8/275).
(3) رواه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص26 والآجرّي في الشريعه ص58.
(4) كتاب \"الحوادث والبدع (26)\".
(5) أي رؤساء الشر.
(6) صحيح: وهو جزء من حديث سيأتي رواه أحمد في المسند (5/344) ابن منده \"الإيمان\" (1/375) صححه الألباني \"صحيح الجامع\" (1724).
(7) الإبانة الصغرى لابن بطة ص137.
(8) الإنتقاء لابن عبدالبرّ ص72.
(9) الإبانة الصغرى لابن بطة ص137 ، والكبرى (1/342،345).
(10) المصدر السابق.
(11) مجموع الفتاوى (3/415).
(12) حلية طالب العلم (61).
(13) صحيح مسلم (1/44 نووي ) ، والدارمي في سننه (1/112).
(14) قال الحافظ في التقريب(1982) : زائدة بن قدامة : ثقة , صاحب سُنَّة.
(15) شعبة ابن الحجاج.
(16) الخطيب \"الجامع لأخلاق الراوي\" (1/133).
(17) صحيح: رواه أخمد (5/344) تقدم.
(18) البخاري (3518).