عن المقال

المؤلف :

Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee

التاريخ :

Sat, Sep 20 2014

التصنيف :

فتوى

تحميل

سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 430

الشيخ : فما هي السّبل الّتي شرعها الشّارع الحكيم على لسان نبيّه الكريم ؟ أوّل ذلك الزّكاة كما قال تعالى (( خذ من أموالهم صدقة تطهرّهم و تزكّيهم بها )) الأموال الّتي يفرض عليها الزّكاة تنقسم إلى قسمين قسم لم يكلّف الشّارع الحكيم الدّولة بجمعها و تحصيلها وهي النّقدان الذّهب و الفضّة زكاة هذين النّقدين يعود إخراجها إلى المكلّفين و لا يجب بل لا يجوز للدّولة أن تفاتش و تحقّق في أموال الأغنياء و تطّلع على دخائل ما عندهم من الألوف أو الملايين من الأموال لكي تأخذ منهم زكاتها , ما دام الأموال هي من النّقدين القسم الثّاني وكّل الشّارع الحكيم أمر جبياتها إلى الدّولة وهي زكاة المواشي و زكاة الحبوب و الثّمار على تفصيل معروف في كتب الفقه . فالآن ماذا تفعل أكثر الدّول الإسلاميّة , لقد أهدرت طريقة جمع الأموال ووضعها في خزينة الدّولة الطّريقة المشروعة في كتاب الله و سنّة رسول الله و طريقة المسلمين ولذلك فالدّولة لا تستطيع بطبيعة الحال أن تعيش دون مال و ما دام أنّها لا تجمع الأموال بالطّريق الّذي شرعه الله عزّ و جلّ هي إذن ستضطرّ أن تستعيض و تستبدل الطّريق المشروع بطريق غير مشروع و هي ضرب الضّرائب و هذه من الأمور الّتي تحقّق مصلحة للدّولة و لكن على طريقة مخالفة لطريقة الرّسول صلّى الله عليه و آله و سلّم فحقّ على هؤلاء الّذين تركوا الطّريق المشروع المعروف عند المسلمين قاطبة في جلب الأموال إلى خزينة الدّولة إلى طريق غير مشروع حقّ فيهم قوله تبارك و تعالى لليهود الّذين نزعم نحن أنّنا نريد محاربتهم ثمّ نفعل فعلهم , ماذا فعلوا ؟ لم يقنعوا بالمنّ و السّلوى بل طلبوا من الله تبارك و تعالى أن يرزقهم الثّوم و البصل كما جاء في القرآن الكريم فقال ربّ العالمين (( أتستبدلون الّذي هو أدنى بالّذي هو خير )) هكذا حينما نعرض عن هدي الرّسول عليه السّلام في جمع الأموال لخزينة الدّولة يضطرّ هؤلاء الحكّام أن يجمعوا الأموال بطريقة أخرى تخالف طريقة الرّسول عليه السّلام و هي فرض الضّرائب . هذه الطّريقة طريقة فرض الضّرائب تليق بأمّة لا شريعة لها , لا كتاب لها و هم الكفّار من اليهود و النّصارى . صحيح هؤلاء في الأصل أهل كتاب لكن كتابهم أوّلا في أصله لم يكن كتابا يصلح للعمل به إلى قيام السّاعة لأنّ الله عزّ و جلّ حينما أنزل تلك الكتب قبل القرآن الكريم أنزلها ليحكم بها في زمن معيّن و في بلاد معيّنة فلو أراد اليهود و النّصارى اليوم أن يستبدلوا الضّرائب بشريعة عندهم لا يجدونها لسببين اثنين , السّبب الأوّل ما ذكرته آنفا أنّ التّوراة و الإنجيل ليس فيها من التّشاريع الّتي تحقّق أهدافا للأمّة في هذا الزّمان كما يوجد في الإسلام و لذلك فالنّصارى و اليهود بحكم كونهم لا شريعة عندهم و لا نظام لديهم يجمع لهم الأموال للدّولة فهم يضطرّون أن يفرضوا على شعوبهم تلك الضّرائب و تلك الجبايات أمّا المسلمون فقد أغناهم الله عزّ و جلّ بنظام لا مثيل له في العالم حتّى لقد ألّفت كتب في الشّريعة الإسلاميّة اسمها كتاب الأموال , كتب خاصّة في طريقة جمع الأموال لخزينة الدّولة و هذا ليس عجيبا أن يتفرّد به الإسلام لأنّ الأمر كما قال عليه السّلام ( ما تركت شيئا يقرّبكم إلى الله و إلاّ و أمرتكم به ) فحينما يتبنّى بعض الدّول الإسلاميّة نظام فرض الضّرائب فإنّما يقلّدون الشّعوب الكافرة الفقيرة في تشريعها لأنّه لا شريعة لديها فأولئك يليق بهم أن يفرضوا نظاما هو نظام الضّرائب , أمّا المسلمون فقد أغناهم الله عزّ و جلّ بما شرع لهم في الكتاب و السّنّة من وسائل تحقّق مصلحة الدّولة أّوّلا و بالتّالي مصلحة الأمّة أو الشّعب ثانيا . لذلك لا يجوز فرض الضّرائب في الوقت الّذي يهملون فيه تطبيق نظام الإسلام في جلب الأموال بالطّرق المشروعة . قلت في أوّل الجواب أنّ فرض الضّرائب لا يجوز و قد يجوز الآن بيّنت الطّرف الأوّل من الجواب أنّه لا يجوز لأنّه يصدق كما قلنا آنفا على هؤلاء الّذين هجروا تطبيق الكتاب و السّنّة إلى فرض الضّرائب قوله تعالى (( أتستبدلون الّذي هو أدنى بالذّي هو خير )) يجوز أحيانا و لا يكون ذلك نظاما مستمرّا و ذلك كأن يفاجأ المسلمون بحالة طارئة , قلنا آنفا مثلا يغزى المسلمون في عقر دارهم من بعض الكفّار و المال المتوفّر بالطّريقة الإسلاميّة الّتي أشرنا إليها آنفا , المتوفّر في خزينة الدّولة لا يكفي لردّ غائلة العدوّ أو مثلا لا سمح الله أصاب البلاد قحط و تعرّض بسبب هذا القحط كثير من المسلمين للتّعرّض للموت جوعا و ما يوجد في خزينة الدّولة من الأموال لا يكفي لإغاثة هؤلاء النّاس فتفرض الدّولة و الحالة هذه ضريبة مؤقّتة و لا يصحّ أن تكون ضريبة أبديّة مستمرّة إلى أن تزول هذه الغائلة أو هذه المصيبة الّتي حلّت بالمسلمين . هذه مصلحة تحقّق بوسيلة جديدة لأنّنا نحن ما قصّرنا في اتّخاذ الوسائل المشروعة من هنا نتوصّل إلى ما ذكره بعض العلماء أنّ السّبب الّذي حدث بعد النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و يحقّق مصلحة شرعيّة يجب أن ندرس هذا السّبب هل هو سبب نحن لسنا بسبب تقصيرنا في تطبيق شريعة ربّنا , تقصيرنا هذا هو الّذي أدّانا إلى الأخذ بهذا السّبب أو ليس الأمر كذلك فإذا كان نحن سبب تقصيرنا هو السّبب في الأخذ بهذه الوسيلة فلا يجوز الأخذ بها لأنّ الشّرع يقول لنا عودوا إلى ما شرعت لكم من الوسائل و ستستغنون بعد ذلك عن تشريعات من عند أنفسكم أمّا إذا كان الواقع الّذي يفرض علينا أن نتّخذ وسيلة لم تكن من قبل لسنا نحن السّبب كما ضربت لكم مثلا في هجوم كافر على بلاد المسلمين أو نزول قحط أو بلاء على طائفة من بلاد المسلمين ثمّ لم يوجد في خزينة الدّولة ما يكفي لدفع هذه الغائلة أو المفسدة فحينئذ يجوز للحاكم المسلم أن يفرض ضريبة مع ملاحظة العدل في تطبيق هذه الضّرائب و لا تكون أيضا كهذه النّظم الّتي لا تفرّق بين غنيّ و فقير فكلّ من عنده دار مثلا لابدّ أن يدفع ضريبة سنويّة مستمرّة دائما و أبدا هذه الضّرائب كما قلنا آنفا ما كانوا بحاجة إليها لو أنّهم جمعوا أموال الزّكاة و التّركات الّتي لا وارث لها و الوصايا و الأوقاف و إلى آخره ووضعت في خزينة الدّولة لاستغنت بذلك عن جعل نظام اسمه نظام الضّرائب فإذن باختصار نقول أنّ الوسيلة الّتي يراد تحقيق مصلحة بها إمّا أن تكون قائمة في عهد النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم هذه الوسيلة فلم يأخذ بها فلا يجوز لنا أن نأخذ بها و الحالة الثّانية أنّ هذه الوسيلة ما كانت معروفة في عهد الرّسول عليه السّلام لكن حدثت الآن فإذا كان الدّافع على الأخذ بها تقصير المسلمين في تطبيق بعض الأحكام الشّرعيّة فأيضا لا يجوز الأخذ بها أمّا إذا لم يكن هناك تقصير و تحقّق مصلحة شرعيّة فعلا جاز الأخذ بها و هذه هي المصلحة المرسلة و من الّذي يحكم بهذا ؟ قلنا سابقا هم أهل العلم , أهل المعرفة بالكتاب و السّنّة بعد هذا لابدّ لي من إضافة كلمة قد يبدو أنّها خارجة عن الموضوع لكن لها صلة وثقى بالموضوع وهو قلت آنفا أنّ الوسيلة إما أن تكون حدثت أو كانت من قبل موجودة من الّذي يحكم بأنّها كانت موجودة من قبل أو لم تكن ؟ هو الّذي يتتبّع سيرة الرّسول صلّى الله عليه و سلّم و يعرف حياة السّلف الصّالح و كيف كانوا يطبّقون شريعة الله تبارك و تعالى هذا الّذي بإمكانه أن يقول هذا أمر كان و لم يفعل أو كان و فعل , أمّا من كان بعيدا عن معرفة السّنّة بتفاصيلها فهذا لا سبيل له إلى أن يعلم أنّ هذا الأمر كان في الزّمن الأوّل أو لم يكن. الآن و لا أريد أن أطيل في هذا البيان حينما يقال عن شيء ما أنّه بدعة و بغضّ النّظر عن الاختلاف في كونه بدعة حسنة أو سيّئة لسنا الآن في هذا الصّدد إيش معنى هذا الشّيء بدعة يعني لم يكن في زمان الرّسول عليه السّلام , من الّذي يستطيع أن يقول أنّ هذا الشّيء لم يكن في زمن الرّسول ؟ هو الّذي قرأ كتيّب في الحديث أو كتاب كبير في الحديث أو كتابين ثلاثة ؟ لا هذا ينبغي أن يكون يكاد أن يكون يصدق عليه و هذا مستحيل طبعا أحاط بكّل شيء علما ممّا ألّف في سيرة الرّسول عليه السّلام هذا مستحيل لكن يقارب ذلك , أمّا إنسان يمكن قرأ له كتابا من كتب السّنّة ثمّ قنع بذلك و انصرف إلى شيء آخر فهذا لا يستطيع أن يقول أنّ هذا الشّيء بدعة و بغضّ النّظر كما قلت و أكرّر أنّ هذا بدعة حسنة أو سيّئة هذا يدخل في علم أصول الفقه كما ذكرنا آنفا , هذا ما عندي جوابا عن السّؤال المتعلّق بالمصلحة المرسلة .

السائل : ... الأحاديث الصّحيحة, يقولون إنّما أثبتم صحّتها بتعديل الرّجال الّذين نقلوها , ثمّ كيف نأخذ ديننا من رجال يعني من أفواه الرّجال يعني تعديل المعدّلين فهل نثق بتعديلهم ؟ كيف يجاب عليهم هؤلاء ؟

الشيخ : هؤلاء الّذين يقولون مثل هذا الكلام , يعني ما هم ؟ يعني هم علماء ؟ جهّال ؟ من عامّة المسلمين وإلا ماذا ؟

السائل : علماء

الشيخ : علماء

السائل : و لكن ليسوا من أهل السّنّة كالإباضيّة ... .

الشيخ : الحقيقة أنّ هذا النّوع من البشر يجب الرّجوع بهم إلى الأصل الأوّل . كيف تلقّى المسلمون الأوّلون أركان الإسلام ؟ لا شكّ أنّ الجواب ما يختلف فيه مسلمان اثنان آمنوا بالله و رسوله ثمّ صدّقوا الرّسول صلّى الله عليه و سلّم في كلّ ما يأتيهم به من ربّه فإذن هم تلقّوا العلم من النّبيّ مباشرة ولكنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم بعد أن أدّى الرّسالة و بلّغ الأمانة ونزل قوله تبارك وتعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا )) رفعه الله عزّ و جلّ إليه و قال تعالى قبل ذلك حتّى لا يفجع النّاس بما ليس في حسبانهم قال له (( إنّك ميّت و إنّهم ميّتون )) فبعد أن مات الرّسول صلّى الله عليه و آله و سلّم , هل انتهت شريعة الإسلام أم هي باقية ما بقي الزّمان أو ما بقيت الدّنيا . أيضا نقطة اتّفاق بين المسلمين قاطبة أنّ الإسلام بقي حيّا محكما و لو أنّ من جاء به عن الله تبارك و تعالى وهو محمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم قد فارق الدّنيا بقي الإسلام و لذلك قال عليه السّلام منبّأ عن مثل هذه الحقيقة ( تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما كتاب الله و سنّتي ) الآن انتهى دور الرّسول عليه السّلام بوفاته بعد أن أدّى للنّاس رسالة ربّه و جاء دور واسطة أخرى , هذه الواسطة الأخرى من هم ؟ لا شكّ أنّهم العلماء و لهذا .

الشيخ : قال تعالى (( فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون )) فأهل الذّكر هم أهل المعرفة بالقرآن و السّنّة (( فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون )) هل يجوز لمن كان في قيد حياته عليه الصّلاة و السّلام إذا عرضت له مسألة ما و كان باستطاعته أن يسأل النّبيّ صلّى الله عليه و آله وسلّم مباشرة هل يجوز له أن يسأل غيره و هو معه صلّى الله عليه و سلّم هل يجوز له أن يستفيد من علم الآخرين وبوسعه أن يستفيد منه عليه الصّلاة و السّلام مباشرة ؟ الجواب لا . لا يجوز لمن كان في حياته عليه الصّلاة والسّلام و كان باستطاعته أن يتوجّه بالسّؤال إلى الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أن يسأل غيره و السّبب في ذلك أنّه معصوم و أنّه إذا أفتاه أفتاه بالحقّ يقينا أمّا الآخر فيمكن أن يصيب و يمكن أن يخطئ و ما دام أننا تسلسلنا في الحديث و قلنا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم بعد أن لحق بالرفيق الأعلى و أنّ الإسلام بقي حيّا فمن هم الّذين يستفاد منهم ؟

الشيخ : قال تعالى (( فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون )) أهل الذّكر هم أهل القرآن كما جاء في قوله تعالى في القرآن (( إنّا نحن نزّلنا الذّكر و إنّا له لحافظون )) و كما قال عليه الصّلاة و السّلام ( إنّ أهل القرآن أهل الله وخاصّته ) فإذن حينما قال (( فاسألوا أهل الذّكر )) أي اسألوا أهل العلم بالذّكر الّذي هو القرآن و إذا انتهينا إلى هذه النّقطة الثّانية , النّقطة الأولى أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم هو منبع العلم , النّقطة الثّانية أنّ الّذين خلفوه عليه السّلام من بعده في العلم فمنهم يستقى العلم , وهؤلاء هم أهل القرآن أهل الله و خاصّته . و أهل القرآن لا يمكن أن يكونوا هم الّذين فقط عنوا بحفظ القرآن و دراسته دون أن يستعينوا على ذلك بسنّة النّبيّ صلّى الله و آله وسلّم و بيانه ذلك لأنّ الله عزّ و جلّ قال في كتابه (( و أنزلنا إليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم )) فهذه الآية تدلّنا على أنّ هناك في الشّرع أو في الإسلام شيئين اثنين , الشّيء الأوّل هو القرآن و اسمه بنصّ الآية السّابقة مبيّن (( و أنزلنا إليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم )) فهذا القرآن المنزّل مبيّن و من هو المبيّن هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم , إذن اذا كان رسول الله  صلّى الله عليه وسلّم قد رفعه الله إلى الرّفيق الأعلى فبقيت سنّته و هي الّتي بها عليه الصّلاة و السّلام بيّن كتاب ربّه . فإذن من كان عالما بالكتاب و بالبيان الّذي هو السّنة فهو العالم و هو المقصود بالآية السّابقة (( فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون )) إذن لا يمكن أن يكون نزاع بين عالمين اثنين أنّ الإسلام بعد وفاته عليه السّلام بقي حيّا كم كان و بقي في مصدريه الكتاب و السّنّة فمن كان عالما بهما فهو الّذي يسأل و هكذا جرى العمل من المسلمين فقد كان أصحابه عليه السّلام يسألون النّاس إذا كانوا بعيدين عن منبع العلم ألا و هو الرّسول صلّى الله عليه و آله و سلّم كما جاء في سنن أبي داود و غيره من كتب السّنّة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم كان أرسل سريّة للجهاد في سبيل الله فقاتلوا المشركين ثمّ لمّا أمسى المساء و أرخى اللّيل سدوله على النّاس و ناموا أصبح أحدهم محتلما و كان جريحا فسأل من حوله " هل تجدون لي رخصة في أن لا أغتسل " لما به من الجراحات قالوا لا لابدّ لك من الاغتسال فاغتسل فكان حتفه في هذا الغسل . فلمّا وصل خبره إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم غضب غضبا شديدا و دعا على الّذين أفتوه بهذه الفتوى الجائرة و كانوا سبب هلاكه دعا عليهم قائلا ( قتلوه قاتلهم الله ألا سألوا حين جهلوا فإنّما شفاء العيّ السّؤال ) إذن هذا الحديث كتفصيل أو كمثال للآية السّابقة (( فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون )) اسألوا العالمين بالكتاب و السّنّة هذه نقطة الآن ننتقل إلى صلب السّؤال فكيف يتلقّى العلم بعد وفاة الرّسول صلّى الله عليه و سلّم أليس بطريق هؤلاء العلماء و لنسمّي هؤلاء العلماء روّاة فما معنى قول القائل الّذي نقلت عنه آنفا نأخذ العلم عن من قلت ؟

السائل : عن أفواه الرّجال .

الشيخ : عن أفواه الرّجال , إذن نأخذه من ماذا ؟ لا وحي بعد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم , فحينئذ لابدّ من أن نأخذ ممّن أخذ من المعين الأوّل هم أصحاب الرّسول صلّى الله عليه و سلّم أخذوا عنه مباشرة , ثمّ جاء دور التّابعين , بل قبل أن أقول دور التّابعين نفس أصحاب الرّسول صلّى الله عليه و سلّم وهذه نقطة لعلّ من الضّروريّ أن أتوسّع فيها قليلا لأنّها في الحقيقة من العلم الّذي لا يسطّر عادة و إنّما يستقرّ في صدور أهل العلم . هل كان أصحاب الرّسول عليه السّلام الّذين يعدّون الألوف المؤلّفة هل كانوا كلّهم علماء ؟ أي كلّ واحد كان ما يحتاج إلى أن يسأل غيره من الصّحابة فهو يفتي نفسه بنفسه أم الأمر كما يذكر العلماء و في مقدّمتهم ابن القيّم الجوزيّة رحمه الله في كتابه العظيم " إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين " كان في الصّحابة الّذين يعدّون بالألوف المؤلّفة كما ذكرنا نحو مائتين من أصحاب الرّسول هم أهل الفتوى , إذن قبل مجيء الجيل الثّاني الّذين ما التقوا مع الرّسول صلّى الله عليه و آله و سلّم و لا أخذوا منه العلم مباشرة الجيل الأوّل نفسه ما كان كلّهم يتلقّى العلم من النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم مباشرة و إنّما كان يأخذ عن من أخذ عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم مباشرة لعلّه يحسن هنا أن نذكر مثلين اثنين يذكران عادة في غير هذه المناسبة الّتي أنا في صدد التّحدّث عنها , المثل الأوّل حينما يترجمون أبا هريرة رضي الله عنه و المثل الثّاني ابن عبّاس حينما يترجمون لهما يقولون ابن عبّاس عندما مات رسول الله صلّى الله عليه و سلّم مات و بن عبّاس صغير كاد أن يبلغ سنّ التّكليف و أبو هريرة مات رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و لم يصحبه إلاّ نحو سنتين و نصف فلماذا كان أبو هريرة أكثر أصحاب النّبيّ حديثا كما تشهد كتب الحديث بذلك و لماذا كان عبد الله بن عبّاس كثير الحديث مع أنّه كان صبيّا حينما مات النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم السّبب و هنا الشّاهد أنّ الصّحابة كان يأخذ بعضهم من بعض فأبو هريرة هذه الأحاديث الّتي نقرؤها عنه الآن في كتب الحديث لم يسمعها كلّها من فم النبي صلى الله عليه وسلم بأذنه و إنّما بعضها من هذا النّوع و البعض الآخر ممّا تلقّاه من بعض الصّحابة الّذين سمعوا تلك الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كذلك ابن عبّاس كان حريصا على أن يتّصل بكبار الصّحابة ليأخذ منهم ما سمعوه من النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و لذلك كان كثير الحديث . من أجل هذا و هذا نلاحظ و لاحظوا معي حينما تقرأون في كتب السّنّة في الصّحيحين فضلا عن غيرهما نادرا ما تجدون أو تقراون بالسّند الصّحيح إلى أبي هريرة قال سمعت رسول الله نادر , و إنّما تجدونه يقول قال رسول الله . سعيد بن المسيّب مثلا قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم نادرا جدّا بالنّسبة للمجموعة الطّيّبة من الألوف المؤلّفة الّتي تروى عنه و بالأسانيد الصّحيحة نادر جدّا أن تجدوه يقول سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أو حضرت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أو ما يؤدّي هذا المعنى , هذا النّوع موجود في أحاديثه لكنّها قلّة بالنّسبة للكثرة من الأحاديث الّتي يرويها عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و هذا الواقع أي كون أبي هريرة لم يسمع كلّ احاديثه عن الرّسول عليه السّلام مباشرة يكون سببا لجدل فقهي بين بعض العلماء في عهد الصّحابة أو من بعدهم , مثلا لقد بلغ أحد الصّحابة أنّ أبا هريرة يفتي بأنّه من أصبح صائما جنبا فلا صوم له . أدركه الفجر و هو صائم و لكنّه مازال جنبا فلا صيام له لمّا جوبه و عورض بأنّ الرّسول عليه السّلام كان يصبح من جماع و هو صائم فيغتسل و يصلّي بالنّاس إماما قال أنا سمعت هذا الحديث من الفضل ابن عبّاس هو ما سمعه من الرّسول عليه السّلام , هذا وقع . وقع فيما بعد في كتب الأحناف خلاف فقهي في مسألة الكلام في الصّلاة ساهيا اتّفق علماء الفقه كلّهم على أنّ من تعمّد الكلام في الصّلاة فصلاته باطلة و اختلفوا في من تكلّم ساهيا أو ناسيا هل تبطل صلاته أم لا ؟ الأحناف يقولون ببطلانها و الحالة هذه الشّافعيّة و جماهير علماء الحديث يقولون لا , يحتجّ هؤلاء بحديث أبي هريرة المرويّ في الصّحيحين و هو الحديث المعروف بحديث ذي اليدين و خلاصته أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم صلّى بالنّاس يوما صلاة العصر ركعتين و سلّم ثمّ انتحى ناحية من المسجد و استلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى ليستريح في النّاس رجل يعرف بذي اليدين قال " يا رسول الله " من بين النّاس كلّهم وهذه تحتاج كما تسمعون معي إلى جرأة دبيّة أبو بكر موجود , عمر موجود , كبار الصّحابة تتمّة العشرة المبشّرين بالجنّة موجودين ما أحد يتكلّم .ذو اليدين يقول " يا رسول الله أقصرت الصّلاة أم نسيت " قال ( كلّ ذلك لم يكن ) تمام الجرأة " بلى قد كان ذلك يا رسول الله " فنظر إلى من حوله ( أ صدق ذو اليدين ؟ ) قالوا " نعم " فانتقل إلى مكان الصّلاة و أنا أتعمّد أن أقول إلى مقامه و ليس إلى محرابه لأنّه لم يكن ثمّة محراب في زمان الرّسول عليه السّلام , والمحاريب من البدع الّتي تسرّبت إلى المساجد من الكنائس مع الأسف الشّديد , فالرّسول عليه السّلام عاد إلى مصلاّه إلى مكانه فصلّى ركعتين ثمّ سجد أي أن ّالرّسول أتمّ الصّلاة بالرّغم من كلّ هذا الكلام و كلام أخذ و عطاء , سين جيم , فالأحناف يقولون لا هذا يعني لا يحتجّ بهذا الحديث . لماذا ؟ يقولون لأنّ ذا اليدين هذا مات في بدر فإذن هذه حادثة قديمة و قوله تعالى (( و قوموا لله قانتين )) أي صامتين نزل بعد ذلك . ردّ الشّافعيّة فقالوا ذو اليدين ما يدريكم أنّه مات في زمن بدر قالوا قال الزّهريّ بأنّ ذا اليدين مات في واقعة بدر , مناقشات كثيرة تجري هنا و لسنا في صددها و من ذلك أن يقال الزّهريّ تابعيّ صغير لم يدرك واقعة بدر فأين الواسطة بينه و بين هذه الواقعة الّتي شهدها و شهد وفاة ذي اليدين حتّى نبطل بمثل هذه الرّواية المعضلة دلالة حديث متّفق على صحّته من الشّيخين , و أتمّوا حجّتهم في زعمهم بعد تلك الحجّة الداحضة أي المدحوضة بأنّ أبا هريرة و هنا الشّاهد حديث عهد بالإسلام فهو مات في غزوة حنين يمكن يعني قبل وفاة الرّسول بسنتين و نصف فإذن هو متأخّر و حادثة ذي اليدين متقدّمة كثيرا , فكان الرّد و هنا الشّاهد , لا . أبو هريرة كان شاهدا لهذه القصّة لأنّه فيه رواية في صحيح مسلم بالسّند الصّحيح طبعا " بينما نحن نصلّي وراء النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم " ... ركعتين و ذكر القصّة إذن هذه القصّة ليست كأكثر أحاديث الرّسول الّتي سمعها بالواسطة , لا . هذه شهدها , الشّاهد أن الصّحابة إذا كان يأخذ بعضهم من بعض فالّذين جاءوا من بعدهم و اتّبعوهم بإحسان من أين يأخذون العلم ؟ إذا كان أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم الّذين لم يتح لهم أن يتلقّوا كلّ ما علمه الآخرون من النّبيّ مباشرة و إنّما أخذوه ممّن ؟ أخذوه من الرّسول عليه السّلام . التّابعون لا سبيل لهم لأخذ العلم إلاّ من هؤلاء الصّحابة و هكذا دواليك التّابعون يجب أن نتصوّر هذه الحقيقة و هي أيضا مهمّة جدّا , العلم الّذي جاء به الرّسول عليه السّلام عن الله محصورا في كتاب الله و في سنّة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم هذا العلم كلّه انتقل إلى القرن الأوّل و هم صحابة الرّسول عليه السّلام , ما ضاع منه شيئا إطلاقا لكن ضاع شيء منه بالنّسبة لبعضهم أمّا بالنّسبة لمجموعتهم يستحيل أن يضيع شيء من هذا العلم و هذا من معاني قوله تعالى (( إنّا نحن نزّلنا الذّكر و إنّا له لحافظون )) و إذا حفظتم هذا الكلام و ما سيأتي فسوف تتمكّنون من ردّ شبهات كثيرة جدّا فيما يتعلّق بالسّنّة و إنّه فيها أحاديث صحيحة و فيها أحاديث ضعيفة و يستحيل على أيّ مسلم أن يعتقد خلاف الّذي أنا أقوله مهما كانت المذاهب مختلفة لسنا الآن في التّفاصيل , لكن هذا الإجمال بمعنى أنّ العلم الّذي جاء به رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كتابا و بيانا للكتاب هذا يستحيل أن يضيع منه شيء عن الأمّة كلّها و إنّما قد يضيع شيء من هذا العلم عن بعضها و ليس عن مجموعها . هذه الطّبقة الأولى الّتي تلقّت العلم كاملا من فم رسول الله صلّى الله عليه و سلّم نقلوه بدورهم إلى القرن الثّاني و هم التّابعون , نقلوه بحذافيره لم يضيّعوا منه شيئا إطلاقا لا كتابا و لا سنّة و لكن قد يذهب بعض هذا على بعض التّابعين و ليس على كلّ التّابعين و هكذا حتّى يصل العلم إلى زمننا هذا فقد يذهب عليّ شيء بل أشياء كثيرة و يذهب على هذا و على هذا لكن لا يمكن أن يضيع شيء عن مجموعة الأمّة لأنّ الله عزّ و جلّ تعهّد بالحفظ فقال (( إنّا نحن نزّلنا الذّكر و إنّا له لحافظون )) إذا كان هذا هو العلم فحينئذ كيف يقال و كيف يسوغ لمسلم أو يتصوّر أن نسمع أنّ مسلما مؤمنا بالله و رسوله حقّا أنّه كيف تأخذون العلم من أفواه الرّجال ؟ إذن ما هو السّبيل هكذا تلقّى العلم الصّحابة بعضهم عن بعض , التّابعون عن الصّحابة , أتباع التّابعين عن التّابعين و هكذا ... فإذا كان ذلك معيبا عند البعض فيا ترى ما هو سبيل تلقّي العلم عندهم ؟ نحن نريد ان نسمع البديل حتّى نردّ أو نتمّم الرّدّ عليهم . فماذا يقولون ؟

السائل : ... لكن هم خاصّة اخواننا  الإباضيّة بل المناسبة نقول إخواننا لأنّهم مسلمون ؟

الشيخ : نعم .

السائل : فهم عندهم مستند الرّجال يسمّونها سلاسل الذّهب في مسندهم مسند الرّبيع , فغيرهم من الرّجال فيهم تجريح و فيهم تعديل , هذا التّجريح و هذا التّعديل في الرجال ايضا احتمال الخطأ فيهم كبير فيوهنون حجّتنا يعني باعتمادنا على سند ما بهذا الاحتمال .

الشيخ : عش رجبا ترى عجبا أو تسمع عجبا , ليه الرّبيع هذا نبيّ ؟ طبعا الجواب لا .

السائل : نعم .

الشيخ : طيّب , أليس رجلا ؟

السائل : نعم .

الشيخ : كيف يأخذون العلم من أفواه الرّجال ؟ ثمّ هو ما سطّره في كتابه المسند و الّذي سمّوه بالمسند الصّحيح و لا أصل لهذه التّسمية عندهم فضلا عن عند غيرهم و إنّما هذه صفة ألصقت بالكتاب إلصاقا مضاهاة لما عند أهل السّنّة من صحيح البخاري و صحيح مسلم . لكن ما لنا و لهذا و إنّما اقول الرّبيع هو مؤلّف الكتاب و ليس مؤلّفا للكتاب و لا يستطيع هؤلاء الّذين تقول عنهم إنّهم إخواننا و هم إخواننا في الإسلام العامّ هذا أمّا في التّفصيل فقد يكونون أعداء للسّنة و لسنا الآن في هذا الصّدد إنّما المهمّ هذا الكتاب إذا افترضنا أنّه ألّفه الرّبيع نفسه و هذه فرضيّة , هل أخذ ما في هذا الكتاب من أحاديث عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم مباشرة ؟ الجواب لا . بينه و بين النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم على الأقلّ ثلاثة وسائط , الواسطة العليا بن عبّاس و الرّاوي عنه جابر بن زيد أي نعم و الواسطة الثّالثة وهو شيخ الرّبيع ما اسمه ؟

سائل آخر : أبو عبيدة .

الشيخ : أبو عبيد , هؤلاء أخذوا العلم كما نحن نأخذه تماما من أفواه الرّجال , فبماذا تميّزوا هم على أهل السّنّة ؟ لا العكس تماما أهل السّنّة تميّزوا عليهم بالعلم الّذي هم لا علم عندهم به إطلاقا . و هذه فرصة يجب أن أغتنمها و أبيّن الفرق بين أهل السّنّة قاطبة و بين المذاهب الأخرى الّذين يخالفون أهل السّنّة . أهل السّنّة يتميّزون عن كلّ الجماعات الأخرى سواء كانوا خوارج أو إباضيّة أو شيعة أو رافضة أو زيديّة أو أو إلى آخره . أنّه ليس عندهم شيء اسمه علم أصول الحديث , وليس عندهم كتب الجرح و التّعديل و لئن وجد شيء من ذلك فهي مقطوعة الصّلة بينهم و بين الّذين يوفّقون أي الموفّق كان في القرن الثّاني مثلا أو الثّالث مثل هذا الرّبيع و مثل هذا أبو إيش ؟

سائل آخر : أبو عبيدة .

الشيخ : أبو عبيدة أي نعم , ويوجد رجال آخرون لكن أكثر أحاديث هذا المسند تدور على هذا الإسناد , أين ترجمة أبو عبيدة هذا ؟ لا يجدون كتابا يمكن يكون الموثّق له معاصرا له , بل بينه و بينه قرن من الزّمان, مائة سنة , بل و بينه و بينه مائتا سنة لا شيء أبدا من هذه الكتب فهم فقراء في مادّة علم الجرح و التّعديل و لا يستطيعون إن جرحوا أو عدّلوا إلاّ أن يعتمدوا على أهل السّنّة . هذه خسارة كبيرة جدّا و تجعل مذهبهم معرّضا ليصبح هباء منثورا لأقّل مناقشة علميّة لو جرت بين رجل من أهل السّنّة عالما بأصول العلم الصّحيح و بين واحد من أولئك الّذين يتبجّحون و يتشبّعون بما لم يعطوا . لو أردنا أن نبحث في فقههم في شرح كتابهم الّذي هو الكتاب الوحيد عندهم و هو مسند الرّبيع , تجد الشّارح منهم و فيهم يعتمد على كتب أهل السّنّة لماذا ؟ لأنّهم فقراء لا كتب عندهم و لذلك فأنا أعجب ما أتعجّب منه أنّهم يظلّون يتعصّبون لمذهبهم ضدّ مذهب أهل السّنّة و هم يشعرون من قرارة نفوسهم أنّهم لا يستغنون أبدا عن كتب أهل السّنّة , و لكنّهم يستغنون كلّما رأوا حديثا في صحيح البخاري يوافق ما عندهم من فقه أو رأي أو عقيدة عضّوا عليه بالنّواجذ أمّا إذا وجدوا فيه عشرات الأحاديث تخالف ما عندهم و ليس هذا الّذي عندهم أخذوه من كتاب الله أو من حديث رسول الله و إنّما هكذا توارثوه كمذهب نسفوا تلك الأحاديث الصّحيحة من صحيح البخاري نسفا , مع أنّهم يتظاهرون على أنّهم يعتمدون على كتب أهل السّنّة , على صحيح البخاري و مسلم و لكنّهم هم كسائر أهل الأهواء بل و لا مؤاخذة و التّشبيه لا يستلزم التّشبيه من كلّ ناحية فإذا قلت أنّهم كالنّصارى فما مثلي إلاّ كمثل إذا قلت زيد أسد فإنّي لا أعني أنّه صاحب ذنب و إنّما أشبّهه في خصلة واحدة و هي بالشّجاعة زيد أسد يعني في الشّجاعة , فأقول هم كالنّصارى من هذه الحيثيّة أنّهم يدرسون القرآن و يدرسون السّنّة ثمّ يأخذون من هذين المصدرين الإسلاميّين ما يوافق هواهم و ما سوى ذلك لا يهتمّون به و لا يلتفتون إليه بل يصدّون عنه صدودا . ليس هكذا ينبغي أن يكون المسلم , المسلم يجب أن يضع طريقا منهجا يسلكه ليصل إلى العلم , نحن نقول الآن بصراحة ليس لنا سبيل إلى معرفة ما كان عليه النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم إلاّ بملاحظة هذا التّسلسل المنطقي العلمي الّذي ذكرته آنفا . أصحاب الرّسول تلقّوا العلم عن الرّسول ثمّ نقلوه عن الجيل الّذين بعدهم و هم التّابعون , هؤلاء التّابعون بدورهم نقلوه إلى أتباعهم ثمّ بدأ تدوين هذا المنقول بالرّواية بحدّثني فلان , سمعت فلانا يقول كذا سطّرت الكتب و طاف علماء المسلمين الأوّلين أهل السّنّة و ليس الخوارج و لا الإباضيّة و لا الشّيعة و لا الرّافضة و لا الزّيديّة ليس هم الّذين طافوا أقاصي البلاد و أدانيها و جمعوا الحديث من مختلف الرّواة , وهنا لابدّ لي من وقفة . نحن نعلم بضرورة ما يحدّثنا التّاريخ الّذي لا شكّ و لا ريب فيه أنّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يكونوا كلّهم في المدينة فمنهم من كان يعيش في مكّة ومنهم من كان يعيش في الطّائف و منهم أهل البوادي جاء فلان و بايع الرّسول عليه السّلام ثمّ رجع إلى قومه فأصحاب الرّسول في عهد الرّسول ما كانوا كلّهم مجتمعين في مسجد الرّسول في مدينة الرّسول و إنّما كانوا متفرّقين في البلاد الّتي هي الجزيرة العربيّة و بعد ذلك لمّا بدأت الفتوحات الإسلاميّة تتّسع دائرتها تفرّق أصحاب الرّسول عليه السّلام في هذه البلاد القاصية و البعيدة و تعلمون أنّهم وصلوا ما شاء الله إلى فارس و فيما بعد وصلوا إلى الصّين وصلوا إلى المغرب إلى الأندلس الّتي اسمها اسبانيا الآن , إذن هذا العلم الذي كان محصورا في أصحاب الرّسول عليه السّلام ماذا صار به تفرّق بتفرّق هؤلاء الأصحاب في البلاد , من هم الّذين اتّصلوا مع هؤلاء الصّحابة أعطونا واحد من هؤلاء الّذين يدّعون أنّهم على الحقّ و أهل السّنّة على الباطل سمّوا لنا رجلا من التّابعين أو أتباع التّابعين أو من بعدهم طاف البلاد هذه كلّها ليجمع الأحاديث الّتي تفرّقت بتفرّق حملتها من الصّحابة و التّابعين . الّذي صار و الّذي وقع لمّا تفرّق أصحاب الرّسول عليه السّلام بسبب الفتوحات الإسلاميّة جاء دور التّابعين ليجمعوا العلم فمنهم من كان في المدينة فيتلقّى العلم عن الصّحابة في المدينة , منهم من كان في مكّة لكن يأتي القليل من هؤلاء الّذين رحل من مكّة إلى المدينة ليتلقّى العلم من أهل المدينة فضلا عن البلاد الأخرى كالبلاد الشّاميّة و غيرها , هؤلاء التّابعون ثمّ ... .