عن المقال

المؤلف :

Hakam A. Zummo Al-Aqily

التاريخ :

Tue, Mar 26 2024

التصنيف :

الأداب والأخلاق

تحميل

فاز من في حياته إنجاز

فاز من في حياته إنجاز([1])

 

لكل منا هدف في حياته يسعى إليه، ولأجل تحقيقه يبذل الغالي والنفيس، وعند تحقيقه وإنجازه يعتقد أنه قد فاز في حياته، وهذا لابأس به إذا لم يصرفنا عن الفوز الحقيقي.

الفوز الحقيقي!! ما هو الفوز الحقيقي؟؟

نعم فالحياة في هذه الدنيا مهما طالت فلا بد لها أن تنقضي، وينقضي معها أشخاصنا وفي الغالب إنجازاتنا، وبعدها تفنى الدنيا بما فيها.

إذاً فهذه الدنيا ليست بدار الإقامة ومهما حققنا فيها من إنجاز فهو زائل، قال تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾([2])

إذاً فإن الفوز الحقيقي ليس في الدنيا بل هو في الأخرة قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ  ﴾([3])

ولتحقيق ذلك يجب معرفة ثلاثة أمور والعمل على إدراكها في حياة كل منا. 

أولها: ما اسمك عند الله؟

أسمي عن الله، ماذا تعني؟ أليس أسماؤنا عبد الله وأحمد وعمر وحسن وفاطمة ومريم؟

لتوضيح ذلك أروي لكم هذا الحديث، لما صعد الرسول ﷺ وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جبل أحد رجف بهم فهل قال له الرسول ﷺ:( أثبت أحد فإنما عليك محمد وأبو بكر وعمر وعثمان )؟، 

لا لم يقل ذلك، وإنما قال ﷺ: ( أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )([4]).

إذاً لقد ذكر الرسول ﷺ أسماء أخرى غير أسماء الذوات، والأن قلي ما اسمك عند الله؟

هل يقال لك يوم القيامة أو ساعة الوفاة حين تصعد روحك إلى بارئها هذه روح الشهيد فلان بن فلان أو الصديق فلان بن فلان أو العابد أو الزاهد أو المتصدق...

أم يقال لك والعياذ بالله هذه روح المنافق أو المشرك أو الكذاب فلان بن فلان.

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً )([5])

فانظروا إلى تسمية الله، إنه سمى الصادق صديقاً والكاذب كذباً.

هل أنت واحد ممن وصفهم الله في كتابه: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾([6])  

فاحرص على اسمك عند الله، قد لا تعلمه في الدنيا ولكن بإمكانك بناء ذلك الأسم وتنميته.

ثنيها: ما منزلتك عند الله؟

إعلم رعاك الله أن منزلتك عند الله هي انعكاس لمنزلة الله في قلبك. فمن عظم شعائر الله وأوامره كانت منزلته عظمة عند الله والعكس بالعكس.

ألم تسمع لقول الله جل جلاله في الحديث القدسي: ( أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم )([7])

وإليك موقف أخر، كان على عهد الرسول ﷺ أمة سوداء تقم([8]) المسجد فافتقدها الرسول ﷺ فترة فسأل عنها فقالوا: لقد ماتت يا رسول الله، قال لهم هلا أذنتموني أي ( أعلمتموني بموتها ) دلوني على قبرها. فذهب فصلى عليها واستغفر لها.

أنظر أخي إلى منزله تلك الصحابية الأمية الفقيرة التي لا يؤبه لها، ما أعظم منزلتها عند الله ورسوله ﷺ.

فاعمل أن تكون منزلتك عظيمة عند الله.

ثلثها: ما رصيدك عند الله؟

إذا أدخلت بطاقة الصراف في الألة وأردت سحب كمية من النقود، فإن كان لديك رصيد في البنك فإنك بلا شك تستطيع السحب وإلا فإنك لن تستطيع، وكذلك عدد مرات السحب وكميات النقود تعتمد على كمية رصيدك لدى البنك، وهكذا.

ورصيدنا عند الله هو مقدار ما لدينا من أعمال صالحة عند الله. وليتضح ذلك نسوق مثالين أثنين:

قصة نبي الله يونس عليه السلام لما التقمه الحوت وهو مليم، لماذا أنجاه الله من كربته، لنستمع لقــوله تعــالى: ﴿ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) ﴾([9])

إذاً لولا أعماله الصالحة وعباداته وتسبيحه في أيامه الخالية لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة.

والقصة الأخرى قصة الثلاثة الذين أحصروا في الغار، فإنهم دعوا الله بصالح أعمالهم التي عملوها خالصة لوجهه تعالى، أما أحدهم فكان باراً بوالديه، وأما الأخر فعف عن الزنى مع تمكنه منه خوفاً من الله عز وجل والثالث عامل أجيره بالكرم والشهامة فنمى له ماله ابتغاء ما عند الله.

تخيل أنك معهم في ذلك الموقف العصيب وجاء دورك، هل تستطيع أو هل لدك عمل لوجه الله تستطيع أن تدعو الله به فيفرج لك كربتك؟.

 

إذا فالنحرص جميعاً من الأن أن نخلص لله العبادة وأن نراجع نياتنا، عسى أن يكون لنا عند الله رصيد يفرج الله به كربنا في الدنيا والأخرة.         

 

السيد / حكم زَمُّو العَقِيلي    (1431-2010)

 

([1]) بتصرف من كلمة للشيخ صلاح الفاخر في ملتقى ركاز بمركز المثنى التجاري بدولة الكويت عام 2009.

([2]) سورة العنكبوت آية 64.

([3]) سورة آل عمران آية 185.

([4]) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي ﷺ (3675).

([5]) رواه مسلم في البر والصلة والأدب (6582)، الترمذي فيه (1971) وأبو داود في الأدب (4989)، البر: إسم جامع لكل صفات الخير.

([6]) سورة الأحزاب آية 35.

([7]) متفق عليه: رواه البخاري في التوحيد (7405) ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2675).

([8]) تقم: أي تنظف وتميط الأذى

([9]) سورة الصافات