الكسوف بين أهل الإيمان وأهل الغفلة

الكسوف بين أهل الإيمان وأهل الغفلة

الكسوف بين أهل الإيمان وأهل الغفلة

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
آيات ومشاهد من يوم القيامة.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ سورة لقمان 33. وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ سورة البقرة 281. فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ سورة القيامة 7-13. بَرِقَ الْبَصَرُ أي: حار، نتيجة للفزع، لم يعد يستقر للناس بصر على شيء من شدة الرعب وَخَسَفَ الْقَمَرُ أي: ذهب ضوؤه وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ كورا فجمع بينهما، وكما قال الله سبحانه وتعالى في السورة الأخرى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ سورة التكوير 1-2. إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ يعني: أظلمت، واضمحلت، وذهبت، وغورت، وألقيت، ونكست، ورمي بها فوقعت، فجمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ سورة التكوير 1-2.انتثرت، وانصبت، فوقعت وطاحت، وانفرط عقدها، تلك من مشاهد القيامة، التي أخبرنا الله سبحانه وتعالى عنها في كتابه، ومن رحمته وحكمته أنه جعل لنا في دنيانا هذه آيات يخوفنا بها، ويذكرنا ماذا سيكون عليه الحال يوم القيامة، فيرينا الكسوف والخسوف في الدنيا، تذكيراً لنا بحال الشمس والقمر يوم القيامة، إذا خسف القمر إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فيذهب الضوء، تكور، وتلف، وتجمع، وهكذا يرى الإنسان في الدنيا اختفاء قرص الشمس أو جزء منه، فيذهب ضوء الشمس أو جزء منه؛ نتيجة للكسوف، وكذلك الحال في الخسوف، تذكرة من الله عز وجل، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حصل الكسوف خرج فزعاً يخشى أن تكون الساعة.
كيف نصلي صلاة الكسوف؟ وماهو حكمها؟ وماذا نعمل عند حدوث ذلك؟

أورد البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، في كتاب الكسوف عدة أحاديث في هذا الموضوع فقال: باب الصلاة في كسوف الشمس، عن أبي بكرة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يجر رداءه مستجعلاً، حتى دخل المسجد وثاب الناس إليه، فدخلنا فصلى بنا ركعتين، حتى انجلت الشمس، ثم أقبل علينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان لموت أحد، وإذا كان ذاك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم) وذاك أن ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم مات يقال له إبراهيم فقال الناس في ذاك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فصلوا). وفي رواية: (فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي). ثم قال رحمه الله: باب الصدقة في الكسوف، ثم قال رحمه الله: باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف، لما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي إن الصلاة جامعة . ثم قال: باب خطبة الإمام في الكسوف، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المسجد، فبعث منادياً: الصلاة جامعة فتقدم . فصف الناس وراءه . وفي طريق أخرى: أن يهودية جاءت تسأل عائشة، فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر. فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذاً بالله من ذلك . ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة مركباً فخسفت الشمس فرجع ضحىً، فمر بين ظهراني الحُجر، -أي: حجرات نسائه- ثم قام يصلي . فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، فقام -وهو دون القيام الأول- ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، -استفتح بسورة أخرى- ثم كبر وركع ركوعاً طويلاً، وهو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ثم سجد، -سجدتين- ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعات -في ركعتين أي: أربع ركوعات في ركعتين- في أربع سجدات، -الأول والأول أطول- وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام -فخطب الناس فحمد الله- فأثنى على الله بما هو أهله . ثم قال: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله، يريهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة). وفي رواية: (فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا). (فصلوا حتى يفرج عنكم لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدته، حتى لقد رأيت أريد أن آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم، يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها عمرو بن لحي يجر قصبه – يعني أمعاءه –وهو أول من سيب السوائب). ثم قال: (يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً). ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر . وقال: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يخوف الله عباده بالكسوف، وقال: باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف، وقال: باب طول السجود في الكسوف، وقال: باب صلاة الكسوف جماعة، وقال: باب من أحب العتاقة في كسوف الشمس، وصلاة كسوف الشمس في المسجد، والذكر في الكسوف، وساق حديث أبي موسى رضي الله عنه: خسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله، وقال: (هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله به عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره). وكذلك فإن هذه الصلاة وهي صلاة الكسوف هي ما يفعله المسلم عندما يرى هذه الآية من آيات الله عز وجل، قال الله: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا سورة الإسراء 59. فيخوفنا الله بهذه الآية، العلامة البينة، التي نراها في السماء، يخوفنا عذابه، ويذكرنا بيوم القيامة الذي تكور فيه الشمس ويخسف القمر، ويذهب النور، هذا الكسوف لأجل التخويف، وعند ذلك يفزع أصحاب البصائر الحية، والقلوب المستنيرة، أصحاب الخشية لله إلى المساجد، ليس يركنون إلى بيوتهم، ولا ينزوون فيها، وإنما يفزعون إلى الصلاة في المساجد
 

العلامة البينة، التي نراها في السماء، يخوفنا عذابه، ويذكرنا بيوم القيامة الذي تكور فيه الشمس ويخسف القمر، ويذهب النور، هذا الكسوف لأجل التخويف، وعند ذلك يفزع أصحاب البصائر الحية، والقلوب المستنيرة، أصحاب الخشية لله إلى المساجد، ليس يركنون إلى بيوتهم، ولا ينزوون فيها، وإنما يفزعون إلى الصلاة في المساجد
 

، يحضرون هذه الشعيرة العظيمة، التي لا تتكرر كثيراً، ليقوموا بهذه العبادة العظيمة في وقتها، ووقت الكسوف من ابتداء نقصان قرص الشمس إلى تجلي الكسوف، وعودتها كما كانت، كل ذلك وقت لها، فإذا ذهب الكسوف وانجلى خرج الوقت، ولم تعد الصلاة مشروعة، آيتان من آيات الله الدالة على وحدانيته، وعظيم قدرته، كيف يخفي هذا وراء هذا، كيف يذهب الضوء، ويعيش الناس لحظات عصيبة في أمر مهيب، وجو يذكر بالآخرة، وخصوصاً عندما يكون كلياً أو بعض كلي، يكون جزءاً من كل أو كلياً، إنه يخيف أصحاب الإيمان بما سيكون يوم الدين (يخوف الله بهما عباده) وقد جاء في حديث رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه، قال ابن حجر: وأثبته غير واحد من أهل العلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، وإن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له). قال: وهو ثابت من حيث المعنى؛ لأن النورية والإضاءة من عالم الجمال الحسي، فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته، ويؤيده قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا سورة الأعراف 143. ولما كسفت الشمس قال طاووس رحمه الله: "نظر إليها وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت، وقال: هي أخوف لله منا" ولا مانع أن يكون هناك سبب طبيعي لذهاب ضوئها من اختفاء قرصها خلف القرص الآخر، وأن يكون هناك سبب خفي غيبي، وهو تجلي الرب عز وجل، فإذا تجلى انطمست الأنوار، أو خفتت كما يشاء سبحانه لما تجلى عز وجل.

وحكم صلاة الكسوف سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، قام إليها النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً مستعجلاً حتى كان شق ردائه على الأرض مستعجلاً لأجل الصلاة، ومَد الصلاة وطوّلها صلى الله عليه وسلم، فإذا انتهت الصلاة، ولم ينته الكسوف أكمل الناس ذلك بالدعاء والاستغفار.

وإذا حدث ما حسبوه من كون الكسوف قبل صلاة العصر في هذه المنطقة، صلى الناس الكسوف إذا رأوا قرص الشمس قد اختفى أو بعضه قد اختفى إذا ظهر الكسوف، إذا ظهر النقصان في قرص الشمس فزعوا إلى الصلاة، فإذا انتهت الصلاة قبل أذان العصر أو على أذان العصر أو بعده، أذن المؤذن لصلاة العصر ثم أقيمت صلاة العصر بعد ذلك؛ لأن الوقت لا يتضايق حينئذٍ، وهناك مجال لصلاة العصر، الوقت متسع لذلك في هذه الحالة.
الكسوف وإبطال العقائد الجاهلية.

لقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إبطال عقائد الجاهلية، والذين يعتقدون بتأثير الشمس والقمر والنجوم، في الحوادث الأرضية، وأنها تنكسف إذا ولد عظيم، أو مات عظيم، أبطل ذلك عليه الصلاة والسلام، وإنما تنكسف لأمر الرب عز وجل، وهو الذي جعل في الكون نواميس طبيعية، فتأتي النواميس على حسب أوامر الرب أولاً وآخراً، وهذا تذكير لعباد الكواكب وتوبيخ لهم، الكسوف والخسوف، وكثير منهم الصابئة الموجودون ولا يزالون في أرض بابل، التي سيحدث فوقها كسوف كلي كما يحسبه الحساب اليوم، الصائبة عباد النجوم، الطائفة الضالة في أرض بابل التي سيحدث فوقها الكسوف الكلي توبيخ لعابدي الكواكب، قال الله تعالى: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ سورة فصلت 37. فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ سورة الأنعام 76. فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ سورة الأنعام 78. فعندما تأفل الكواكب تذكر بأنها ليست رباً، وإنما هي مربوبة ومأمورة (قوموا فصلوا) أمرهم بالقيام في الصلاة وللصلاة.
هل حدث الكسوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وماذا فعل؟

لقد وقع الكسوف في العهد النبوي على ما قيل في السنة العاشرة من الهجرة، في ربيع أو في رمضان، وقال لهم: (افزعوا) أي: التجئوا وتوجهوا إلى الله سبحانه وتعالى، هذا ما يجب علينا أن نفعله خوفاً وفزعاً إلى الله، ففروا إلى الله، ودعاءً واستغفاراً نرجوا به محو ما فرطنا من معصية الله، وأن تزول المخاوف والذنوب التي هي سبب البلايا والعقوبات العاجلة والآجلة، لقد قام عليه الصلاة والسلام من قوة حسه وإيمانه بالآخرة فزعاً يخشى أن تكون الساعة، مع أن هناك علامات قبلها، لكن من قوة إيمانه وخوفه لربه قام يخشى أن تكون الساعة، وأمرنا بالصدقة إذا حصل الكسوف فهي سنة، أمر بأمور مرتبة بالصلاة، والصدقة، والذكر، والدعاء، وقدَّم الأهم فالأهم، وكذلك أمر خامس وهو التعوذ من عذاب القبر، خمسة أمور نفعلها إذا صار الكسوف أو الخسوف: الصلاة، والصدقة، والذكر، والدعاء، وبالذات التعوذ من عذاب القبر، لقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة طويلة بقدر سورة البقرة، وقرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحواً من آل عمران، لقد كان قياماً طويلاً، وكانت هذه الصلاة على صفة مخصوصة تذكرنا بأن الله يشرع ما يشاء، وهذه الصفة غير المعهودة ركعة فيها قراءة، وركوع، ورفع من الركوع، وقراءة الفاتحة وسورة مرة أخرى، ثم ركوع ثانٍ، ثم رفع للركوع، ثم قراءة، الأولى والثانية بعدهما ركوعان، ثم السجود بعد ذلك بسجدتين، وهكذا تنتهي الركعة الأولى، وبهذا يتبين أنه لا قياس في العبادات في هذه الجهة، وأنه كما أعطانا صلاة العيد تتميز بكثرة التكبيرات، وصلاة الجنازة بترك الركوع والسجود، وصلاة الخوف بزيادة الأفعال الكثيرة، واستدبار القبلة إذا دعت الحاجة، فكذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة ركوع وقراءة، والله عز وجل يشرع ما يشاء، ويحكم ما يشاء سبحانه وتعالى، وقد رجح الحافظ رحمه الله تطويل الركوع، والرفع من الركوع، وقول: سمع الله لمن حمده بعد الركوع الأول، وبعد الركوع الثاني، وبعد سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد في الركوع الأول، يشرع في القراءة، وكذلك تطويل الرفع من الركوع الثاني، وتطويل الجلسة بين السجدتين، وأما بالنسبة لطول الركعات فكل قيام أقصر من الذي قبله، فالقيام الأول أطول، ويليه في الطول القيام الثاني، ثم القيام الثالث في الركعة الثانية، ثم القيام الرابع فيها.

لقد جاءت هذه الكيفيات في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووعظهم بعد صلاته، وخوفهم وقال: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً) لغلبة الخوف والاستيلاء والحزن لو تعلمون ما أعلم، وذكرهم عليه الصلاة والسلام بقضية خطيرة جداً، وهي غيرة الله تعالى (ما من أحد أغير من الله، والله ما من أحد أغير من الله)، وحلف على ذلك ثم قال: (أن يزني عبده أو تزني أمته) فذكرهم في صلاة الكسوف في خطبتها بفاحشة الزنا، وعظمها، وخطورتها، وبغيرة الرب عز وجل، والله يغار كما ينبغي له سبحانه وتعالى، وكما يليق بجلاله وعظمته، ولذلك ينبغي البعد عن سخط الجبار، وما يوجب دخول النار، وترك الفواحش، والإقبال على الله، والمسألة كلها بالنسبة إلينا تذكير، وموعظة من ربكم.

اللهم اجعلنا ممن يخافك ويتقيك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا نخشاك كأنا نراك، وأسعدنا بتقواك، ولا تذلنا بمعصيتك، إنك رحيم ودود.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الواحد القهار، مكور الليل على النهار، ومكور النهار على الليل وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ سورة إبراهيم 33. أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، خلق الخلق وهو الواحد القهار، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، وقائد الغر المحجلين الأبرار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله:

لقد صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والكسوف يطول زمنه تارة، ويقصر أخرى بحسب ما يكسف منه، فقد تكسف كلها، وقد يكسف نصفها، أو ثلثها، فإذا عظم الكسوف طوَّل الصلاة حتى يقرأ بالبقرة ونحوها في أول ركعة، وبعد الركعة والثاني يقرأ بدون ذلك، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا، وشرع تخفيفها لزوال السبب، أي: إذا زال الكسوف أثناء الصلاة، وكذا إذا علم أنه لا يطول، هذه الصلاة التي صلاها صلى الله عليه وسلم، ووعظ الناس بعدها، صلاة تشرع فيها الجماعة، ولكن لو صلاها الإنسان بمفرده، أو صلتها المرأة في بيتها، أو كان إنسان في طريق السفر فرآها فنزل على جانب الطريق فصلى فإن ذلك كله صحيح، والحمد لله، والأفضل أن تصلى جماعة في المسجد
 

إذا زال الكسوف أثناء الصلاة، وكذا إذا علم أنه لا يطول، هذه الصلاة التي صلاها صلى الله عليه وسلم، ووعظ الناس بعدها، صلاة تشرع فيها الجماعة، ولكن لو صلاها الإنسان بمفرده، أو صلتها المرأة في بيتها، أو كان إنسان في طريق السفر فرآها فنزل على جانب الطريق فصلى فإن ذلك كله صحيح، والحمد لله، والأفضل أن تصلى جماعة في المسجد
 

، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما رجع من موت إبراهيم وكسفت الشمس نزل من مركوبه فأتى المسجد فصلى بالناس، والنساء خلف الرجال، ولا تخرج المرأة متزينة أبداً.
ماذا قال الناس من أهل الغفلة في الكسوف؟

وكذلك فإن هذا الكسوف قال فيه الناس أموراً، وقال الشرع أموراً، فقد ذكرنا ما قال الشرع فماذا قال الناس؟ ماذا قال أهل الغفلة؟ اسمعوا إلى ما قالوا: قال باحث علمي اسمه من أسماء المسلمين: إن الكسوف ظاهرة طبيعية يجب التعامل معها بدون رعب، يجب التعامل معها بدون رعب!!! إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام خرج فزعاً إلى الصلاة خائفاً مستغفراً داعياً متضرعاً وطوَّل الصلاة، فنحن نتعامل معها دون خوف ورعب، ألا يخفينا ذلك قيام الساعة، وأن نصاب بالرعب لا من أجل خوف دنيوي ولكن من أجل خوف الله عز وجل، ماذا قالوا؟ ماذا قال أهل الغفلة؟ سيتم توفير النظارات الطبية للناس ليتمتعوا بهذه اللحظات الممتعة، وفي إحدى البلدان يقول الخبر: تمت استيراد خمسين ألف نظارة خاصة لاستخدامها في مشاهدة الكسوف في الأربعاء المقبل، وسيتجمع الناس عند أجهزة التلسكوبات المخصصة لإفساح المجال لهم لمشاهدة الكسوف بوسائل علمية متطورة، فإذن نظارات وتلسكوبات، واجتماع، وآلات، وكاميرات، وقالوا، البشر هؤلاء الذين يعيشون في غفلة، تخلف عن أمر الآخرة يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ سورة الروم 7.

ستنظم الخطوط الجوية البريطانية رحلتين بطائرتي كونكورد لمراقبة كسوف الشمس الأربعاء المقبل من مطار هيثرو، وتتجهان غرباً عبر الأطلسي حتى منتصف المسافة، ثم تعودان ليتمكن مائتا راكب من مشاهدة الكسوف على ارتفاع ثمانية وخمسين ألف قدم، وبضعف سرعة الصوت، وقد بيعت جميع تذاكر الطائرتين في وقت قليل، هذا الذي يعرفونه، هذا الذي يفعلونه، أما المسلم الذي يعرف ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام فهو أمر آخر، وفي مكان آخر، النصيحة بلزوم البيوت وعدم الخروج منها إطلاقاً! كيف عدم الخروج منها إطلاقاً والنبي عليه الصلاة والسلام قد خرج إلى المسجد، وخرج المسلمون لصلاة الكسوف؟ قالوا: الشمس حينئذٍ تطلق أشعة ضارة، حسناً يمكن أن نجمع بين الأمرين، أن نذهب للصلاة في المسجد، وأن لا نحدق في الشمس، ومن الذي قال: حدقوا في الشمس، وأطيلوا النظر إليها، الناس يخشون من أخطار الأشعة تحت الحمراء، أو فوق البنفسجية؛ لأجل المضاعفات الخطيرة المحتملة، التي تهدد بحروق في شبكة العين، وتدمير خلايا هذه الشبكة، وفقدان شفافية العدسة، والأشعة تحت الحمراء تحرق الشبكية دون أن يحس الشخص، ليتنا نخاف من الله واليوم الآخر مثل خوفنا على الشبكية، فإذا ثبت طبياً ذلك الضرر، فما هو موقف المسلم؟ من الحكمة إذن أن لا نحدق في الشمس وقت الكسوف، إذا ثبت طبياً أن ذلك أمر مضر، ولا بأس أن يحضر بعض الأطباء في العيادات والمستشفيات لمعالجة الحالات الطارئة، لكن أن يترك الناس العبادة العظيمة، وهي صلاة الكسوف التي يخوف الله بها عباده؛ لأجل الاستمتاع بالنظر إلى الكسوف بالنظارات الخاصة، وحمل المناظير، وآلات التصوير، فهذا قمة الغفلة في هذه المناسبة.

اللهم لا تجعلنا عن دعائك غافلين، اللهم لا تجعلنا عن ذكرك غافلين، اللهم أحي قلوبنا بالإيمان بك، اللهم اجعلنا ممن يعبدك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من الذاكرين، التائبين، العابدين، الخاشعين، المنيبين، اجعلنا لك توابين، لك أواهين منيبين، اللهم اقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وكفِّر ذنوبنا وخطايانا، اللهم إنا تبنا إليك فاقبل توبتنا، واغفر ذنوبنا، وارفع درجاتنا في جنات النعيم، اللهم آمنا في أوطاننا وسائر المسلمين، واجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم اهزم عدونا، أللهم اهزم عدونا، اللهم اجعل بأسك ونقمتك على اليهود والنصارى والمشركين، وأذلهم يا رب العالمين، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وقوموا إلى صلاتكم.
1 - رواه البخاري 1063.
2 - رواه البخاري 3201.
3 - رواه البخاري 1060.
4 - رواه البخاري 1045.
5 - رواه البخاري 1066.
6 - رواه البخاري 1046.
7 - رواه البخاري 1049.
8 - رواه البخاري 1050.
9 - رواه البخاري 1046.
10 - رواه البخاري 1058.
11 - رواه البخاري 1044.
12 - رواه البخاري 1212.
13 - رواه البخاري 1044.
14 - رواه البخاري 1050.
15 - رواه البخاري 1059.
16 - رواه أحمد 18351.

 

الكسوف بين أهل الإيمان وأهل الغفلة

تحميل

عن الكتاب

المؤلف :

Muhammad Salih Al-Munajjid

الناشر :

www.almunajjid.com

التصنيف :

عقيدة وفرق