مداراة الناس

مكارم الأخلاق
أبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي
محققة من قبل: مجدي السيد إبراهيم
الناشر: مكتبة القرآن


تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)

الكتاب : مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا
مصدر الكتاب : موقع جامع الحديث
http://www.alsunnah.com
[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]
مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا
(1/1)
________________________________________
1 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان ابن أبي الدنيا القرشي ، قال : حدثنا علي بن الجعد الجوهري ، نا مسلم بن خالد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كرم المرء دينه ، ومروءته عقله ، وحسبه خلقه »
(1/2)
________________________________________
2 - حدثنا أبو خيثمة ، نا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن عمر ، قال : أخبرني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله من أكرم الناس ؟ قال : « أتقاهم »
(1/3)
________________________________________
3 - حدثنا سعيد بن يحيى القرشي ، نا أبي ، عن مالك بن مغول ، عن معلى ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة ، فجاءه رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ، من أكيس الناس ، وأكرم الناس ؟ قال : « أكثرهم ذكرا للموت ، وأشدهم استعدادا له ، أولئك هم الأكياس ، ذهبوا بشرف الدنيا ، وكرامة الآخرة »
(1/4)
________________________________________
4 - حدثنا أبو خيثمة ، وسعيد بن سليمان الأحول ، نا يونس بن محمد ، عن سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الحسب المال ، والكرم التقوى »
(1/5)
________________________________________
5 - حدثني محمد بن الربيع أبو عبد الرحمن الأسدي ، نا عبد الرحيم بن زيد يعني العمي ، عن أبيه ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل ، ومن سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله عز وجل ، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يدي الله أوثق منه بما في يديه »
(1/6)
________________________________________
6 - حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري ، نا أحمد بن يونس ، نا فضيل بن عياض ، عن محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق ، ويبغض سفسافها » حدثنا خالد بن خداش ، نا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، قال : حدثني طلحة بن عبيد الله يعني ابن كريز عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
(1/7)
________________________________________
7 - حدثنا إبراهيم بن سعيد ، نا أبو معاوية ، عن خالد بن إلياس ، عن مهاجر بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله كريم يحب الكرم ، جواد (1) يحب الجود (2) ، ويحب معالي الأخلاق ، ويكره سفسافها »
__________
(1) جاد : بذل وسخا وتكرم
(2) الجود : الكرم
(1/8)
________________________________________
8 - حدثنا داود بن عمرو الضبي ، نا يوسف بن يعقوب الماجشون ، عن أبيه ، عن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه : « اللهم اهدني لأحسن الأخلاق ، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت »
(1/9)
________________________________________
9 - حدثنا محمد بن شعبة بن جوان ، نا يونس بن عبيد الله العميري ، نا مبارك بن فضالة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله تعالى يحب مكارم الأخلاق ، ويبغض سفسافها »
(1/10)
________________________________________
10 - حدثنا سليمان بن داود أبو داود المباركي ، نا أبو شهاب ، عن سفيان ، عن الحجاج بن فرافصة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « المؤمن غر (1) كريم ، والفاجر خب (2) لئيم »
__________
(1) الغر : غير المجرب للأمور وحَسَنُ الأخلاق السمح الذي لا يفطن إلى الشر لسلامة صدره
(2) الخب : الخداع
(1/11)
________________________________________
11 - حدثنا محمد بن عبد الله أبو الحسن الحنظلي ، نا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ، نا طلق بن السمح ، عن يحيى بن أيوب ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن مكارم الأخلاق من أعمال أهل الجنة »
(1/12)
________________________________________
12 - حدثنا محمد بن سليم ، نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي وكان قاضيا ببغداد ، عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بعثت لأتمم صالح الأخلاق »
(1/13)
________________________________________
13 - حدثنا محمد بن الحسين ، وعبد الله بن أبي بدر قالا : ثنا يزيد بن هارون ، نا عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين ، عن مكحول ، عن شهر بن حوشب قال : لا أعلمه إلا عن عبد الرحمن بن غنم ، عن معاذ بن جبل قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني رجل أحب أن أحمد - كأنه يخاف على نفسه - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وما يمنعك أن تعيش حميدا وتموت فقيدا ؟ وإنما بعثت على تمام محاسن الأخلاق »
(1/14)
________________________________________
14 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، قال : حدثني يحيى بن معين ، قال : حدثني الهيثم بن عبيد الصيد ، عن أبيه ، قال : قلت لزيد بن أسلم : الرجل يعمل بشيء من الخير ، فيسمع الذاكر له فيسره ، هل يحبط ذلك شيئا من عمله ؟ قال : « لا ، ومن ذا الذي يحب أن يكون له لسان سوء ؟ حتى إن إبراهيم خليل الرحمن قال : ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين (1) ) »
__________
(1) سورة : الشعراء آية رقم : 84
(1/15)
________________________________________
15 - حدثنا يوسف بن موسى قال : نا وكيع ، نا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين (1) ) ، قال : « الثناء الحسن »
__________
(1) سورة : الشعراء آية رقم : 84
(1/16)
________________________________________
16 - حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، نا الحسين الجعفي ، عن شيبان ، عن قتادة : ( وتركنا عليه في الآخرين (1) ) قال : « أبقى له ثناء حسنا »
__________
(1) سورة : الصافات آية رقم : 78
(1/17)
________________________________________
17 - حدثنا عبد الرحمن ، نا الحسين الجعفي ، عن ابن عيينة ، أن عكرمة ، سئل عن قوله تعالى : ( وآتيناه أجره في الدنيا (1) ) قال : « لقد غصت عليها في بحر عميق فمن أنت ؟ » قال : سعيد بن جبير ، قال : لقد علمت ، ثم قال : « أبقى له ثناء حسنا »
__________
(1) سورة : العنكبوت آية رقم : 27
(1/18)
________________________________________
18 - حدثنا أبو بكر التميمي ، نا ابن أبي مريم ، نا يحيى بن أيوب قال : حدثني عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن عقبة بن عامر قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فبدرته ، فأخذت بيده ، أو بدأني فأخذ بيدي ، فقال : « يا عقبة ، ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا وأهل الآخرة ؟ تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك »
(1/19)
________________________________________
19 - حدثنا داود بن عمرو الضبي ، نا إسماعيل بن عياش ، عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي ، عن فروة بن مجاهد اللخمي ، عن عقبة بن عامر الجهني قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : « يا عقبة ، صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، واعف عمن ظلمك »
(1/20)
________________________________________
20 - حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، عن سليمان بن داود اليمامي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا ، وأدخله الجنة برحمته : تعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك »
(1/21)
________________________________________
21 - حدثنا يعقوب بن عبيد ، قال : حدثني هشام بن عمار ، قال : حدثني يحيى بن حمزة ، نا الحكم بن عبد الله بن سعد : أنه سمع عياض بن عبد الله بن أبي سرح ، يحدث عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لن ينال عبد صريح الإيمان حتى يصل من قطعه ، ويعفو عمن ظلمه ، ويغفر لمن شتمه ، ويحسن إلى من أساء إليه »
(1/22)
________________________________________
22 - حدثنا إدريس بن الحكم العنزي ، نا محمد بن عمر ، نا عبد الملك بن الحسن ، عن عبد الله بن أبي سفيان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ابتغوا الرفعة عند الله » . قالوا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : « تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتحلم عمن جهل عليك »
(1/23)
________________________________________
23 - حدثنا يعقوب بن عبيد ، قال : نا أبو مسهر ، نا سهل بن هاشم ، عن إبراهيم بن أدهم قال : لما أنزل الله تبارك وتعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف (1) ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أمرت أن آخذ العفو من أخلاق الناس »
__________
(1) سورة : الأعراف آية رقم : 199
(1/24)
________________________________________
24 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، قال : ثنا سفيان ، نا أمي الصيرفي ، قال : جاءه جبريل عليه السلام فقال : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (1) ) فقال : « يا جبريل أي شيء هذا ؟ » قال : ما أدري حتى أسأل العالم . ثم جاءه فقال : يا محمد إن الله عز وجل يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك «
__________
(1) سورة : الأعراف آية رقم : 199
(1/25)
________________________________________
25 - حدثنا خلف بن هشام ، نا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن أبي الحسين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ من عفا عمن ظلمه ، وأعطى من حرمه ، ووصل من قطعه »
(1/26)
________________________________________
26 - حدثنا الفضل بن الصباح ، نا أبو عبيدة الحداد ، قال : ثنا عبد الواحد بن زيد ، حدثني عبد الله بن راشد ، حدثني مولاي عثمان بن عفان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لله عز وجل مائة وسبعة عشر خلقا ، من جاء بخلق منها أدخله الله عز وجل الجنة »
(1/27)
________________________________________
27 - حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أبو جعفر النفيلي ، نا أبو الدهماء البصري ، عن أبي ظلال القسملي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله عز وجل لوحا من زمردة خضراء جعله تحت العرش ، وكتب فيه : إني أنا الله لا إله إلا أنا ، أرحم وأترحم ، خلقت بضعة عشر وثلاثمائة خلق ، من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة »
(1/28)
________________________________________
28 - حدثنا الفضل بن الصباح ، نا عمر بن يونس اليمامي ، قال : ثنا صدقة بن ميمون ، عن سليمان بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خصال الخير ثلاثمائة وستون خصلة ، إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا جعل فيه خصلة منها يدخله بها الجنة » ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله أفي منها شيء ؟ قال : « نعم ، جمعاء من كل شيء »
(1/29)
________________________________________
29 - حدثنا أبو خيثمة ، نا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا الأوزاعي ، حدثني حسان بن عطية ، قال : حدثني أبو كبشة السلولي ، أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدثه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « أربعون خصلة أعلاها منحة العنز (1) ، لا يعمل عبد بخصلة منها رجاء ثوابها ، وتصديق موعودها إلا أدخله الله عز وجل بها الجنة »
__________
(1) العنز : الأنثى من المعز والظباء
(1/30)
________________________________________
30 - حدثني الحسن بن الصباح ، نا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي المنهال قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل له عكر من إبل وغنم وبقر ، فاستضافه فلم يضفه ، ومر بامرأة لها شويهات فاستضافها فأضافته ، وذبحت له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألم تروا إلى فلان مررنا به وله عكر من إبل وغنم وبقر ، فاستضفناه فلم يضفنا ، ومررنا بهذه ولها شويهات ، فاستضفناها فأضافتنا ، وذبحت لنا ، إن هذه الأخلاق بيد الله عز وجل ، من شاء أن يمنحه منها خلقا حسنا فعل »
(1/31)
________________________________________
31 - حدثنا مفضل بن غسان ، حدثني أبي ، عن ابن عيينة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : « إن هذه الأخلاق منائح يمنحها الله عز وجل من يشاء من عباده ، فإذا أراد الله الله عز وجل بعبد خيرا منحه منها خلقا صالحا »
(1/32)
________________________________________
32 - قال سفيان : « لو أن رجلا عمل عمره كله ليقع عليه اسم من هذه الأسماء ، أن يقال حليم ، أو يقال كريم »
(1/33)
________________________________________
33 - حدثني علي بن شعيب ، نا ابن أبي فديك ، عن بعض أشياخه رفعه قال : « إن محاسن الأخلاق مخزونة عند الله عز وجل ، فإذا أحب عبدا منحه منها خلقا حسنا ، أو خلقا صالحا »
(1/34)
________________________________________
34 - حدثني المفضل بن غسان ، نا محمد بن كثير المصيصي ، عن ابن أبي الرجال ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « لقد جاء الإسلام وفي العرب بضع وستون خصلة كلها زادها الإسلام شدة ، منها قرى (1) الضيف ، وحسن الجوار ، والوفاء بالعهد »
__________
(1) القِرَى : ما يقدم إلى الضيف
(1/35)
________________________________________
35 - حدثنا أبو صالح المروزي أحمد بن منصور بن راشد الحنظلي ، نا النضر بن شميل ، نا الهرماس بن حبيب ، عن أبيه ، عن جده ، أنه سمع عائشة رضي الله عنها قالت : « إن مكارم الأخلاق عشرة : صدق الحديث ، وصدق البأس في طاعة الله ، وإعطاء السائل ، ومكافأة الصنيع ، وصلة الرحم ، وأداء الأمانة ، والتذمم للجار ، والتذمم للصاحب ، وقرى الضيف ، ورأسهن الحياء »
(1/36)
________________________________________
36 - حدثني أبو عمر حفص بن عمر المقرئ ، وأحمد بن عبد الأعلى الشيباني قالا : نا إسماعيل بن عياش ، وحدثني سليمان بن منصور الخزاعي ، قال : حدثني يحيى بن سعيد الأموي ، وحدثني هاشم بن القاسم الحراني ، قال : ثنا محمد بن سلمة ، عن بكر بن خنيس ، عن زيد بن أبي أنيسة ، كلهم عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن يزيد بن أبي منصور ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « مكارم الأخلاق عشرة تكون في الرجل ولا تكون في ابنه ، وتكون في ابنه ولا تكون فيه ، وتكون في السيد ولا تكون في عبده ، وتكون في العبد ولا تكون في سيده » وذكر هذه الخصال بعينها قال أبو بكر بن أبي الدنيا : « ونحن ذاكرون في كتابنا هذا في كل خصلة من الخصال التي ذكرت أم المؤمنين رضوان الله عليها بعض ما انتهى إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ، ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان ، وأهل الفضل والذكر من العلماء ليزداد ذو البصيرة في بصيرته ، وينتبه المقصر عن ذلك من طول غفلته ، فيرغب في الأخلاق الكريمة ، وينافس في الأفعال الجميلة التي جعلها الله عز وجل حلية لدينه وزينة لأوليائه ، وقد كان يقال : ليس من خلق كريم ، ولا فعل جميل إلا وقد وصله الله بالدين »
(1/37)
________________________________________
37 - أخبرني العباس بن هشام بن محمد ، عن أبيه ، قال : أخبرني رجل من حضرموت ، « أن بعض الملوك قال لوزير له : عظني ، قال : أيها الملك إنما الدنيا حديث ، فإن استطعت أن تكون منها حديثا حسنا فافعل »
(1/38)
________________________________________
38 - حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن بسام ، نا عامر بن يساف ، عن حوشب ، عن الحسن قال : « ابن آدم ، اصحب الناس بمكارم أخلاقك ، فإن الثواء فيهم قليل »
(1/39)
________________________________________
39 - وأخبرني محمد بن الحسين ، نا الأصمعي ، قال : لما حضرت جدي علي بن أصمع الوفاة جمع بنيه ، فقال : « يا بني ، عاشروا الناس معاشرة إن غبتم حنوا إليكم ، وإن متم بكوا عليكم »
(1/40)
________________________________________
40 - وحدثني هارون بن عبد الله ، نا سيار ، عن عبيد الله بن شميط بن عجلان ، قال : قال أيوب السختياني : « لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان : العفة عما في أيدي الناس ، والتجاوز عما يكون منهم » وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : « وليس ينبغي لذي الفهم إن قصر به في هذه الخصال عن جمعها أن ينافس في بعضها ويتمسك بصالح ما وهب له منها » ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا أحب الله عبدا منحه منها خلقا »
(1/41)
________________________________________
41 - وحدثت عن ابن عائشة التيمي ، قال : قال رجل لحماد بن سلمة : الرجل تحبب إليه الصلاة ، وآخر يحبب إليه الصيام ، وآخر يحبب إليه الجهاد ، وعدد خصالا من خصال الخير ، فقال : « هذه كلها طرق إلى الله عز وجل أحب أن تعمر » ، قال أبو بكر : فليغتنم مغتنم بقية أيام مهلته ، ولينافس فيما له فيه الحظ في دنياه وآخرته قبل انقضاء مدته ، والحلول بعقوته ، وليحذر أن يخرج من هذه الدار بكره الموت وحسرة الفوت ، وما التوفيق إلا بالله عز وجل «
(1/42)
________________________________________
42 - قال أبو بكر : وبلغني أن رجلا قال : لميمون بن مهران : كيف أصبحت ؟ قال : « أصبحت مستوحشا ، كم من خلق كريم ، وفعل جميل ، قد درس تحت التراب »
(1/43)
________________________________________
43 - قال أبو بكر : وحدثني بعض أهل العلم ، قال : قال بعض الحكماء : « كما أن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما »
(1/44)
________________________________________
44 - وحدثني أزهر بن مروان ، قال : نا كهمس بن المنهال ، أنه سمع رجلا يقص ، يقول لصاحب له : « أي أخي ، إنما الليل والنهار خزانتان من أودعهما شيئا وجده فيهما »
(1/45)
________________________________________
45 - أنشدني أبو عبد الله التميمي : « لعمرك ما الأيام إلا معارة فما استطعت من معروفها فتزود »
(1/46)
________________________________________
46 - حدثني محمد بن بكر بن خالد ، نا عبيد الله بن العباس بن الربيع الحارثي ، من أهل نجران اليمن بعرفات ، عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خصلتان من أخلاق العرب وهما من عمود الدين ، توشكون أن تدعوهما » . قيل : وما هما يا رسول الله ؟ قال : « الحياء ، والأخلاق الكريمة »
(1/47)
________________________________________
47 - حدثني عبد الرحمن بن يحيى الدبيلي ، نا عثمان بن عمارة أبو سعيد ، عن المبارك بن فضالة ، عن حميد بن هلال ، قال : دخلت الكوفة وجلست إلى الربيع بن خثيم ، فقال : « يا أخا بني عدي ، عليك بمكارم الأخلاق ، فكن بها عاملا ، ولها صاحبا ، واعلم أن الذي خلق مكارم الأخلاق ، لم يخلقها ، ولم يدل عليها ، حتى أحبها وحببها إلى أهلها »
(1/48)
________________________________________
48 - وحدثني أبو جعفر مولى بني هاشم ، قال : حدثني أبو بكر المديني ، قال : قال سعيد بن العاص : « يا بني ، إن المكارم لو كانت سهلة يسيرة لسابقكم إليها اللئام ، ولكنها كريهة مرة لا يصبر عليها إلا من عرف فضلها ، ورجا ثوابها »
(1/49)
________________________________________
49 - قال أبو بكر : وأنشدني بعضهم : « ليس دنيا إلا بدين وليس الد ين إلا مكارم الأخلاق »
(1/50)
________________________________________
50 - وحدثني أحمد بن إبراهيم بن كثير ، قال : حدثني عمارة بن يحيى أبو حمزة ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، قال : قال لي بشر بن منصور : « إني لأدعو إلى طعامي من لو نبذته (1) إلى الكلب لكان أحب إلي من أن يأكله »
__________
(1) النبذ : الرمي والطرح
(1/51)
________________________________________
51 - قال عبد الرحمن : « فليتق الرجل دناءة الأخلاق ، كما يتقي الحرام ، فإن الكرم من الدين »
(1/52)
________________________________________
52 - وحدثنا أحمد بن إبراهيم ، قال : ثنا يحيى بن المثنى الحلبي قال : سمعت سفيان بن عيينة قال : « عمل رجل منأهل الكوفة بخلق دني (1) ، فأعتق جار له جارية شكرا لله إذ عافاه من ذلك الخلق »
__________
(1) الدني : الخسيس الحقير
(1/53)
________________________________________
53 - قال أبو بكر : وأنشدني أبو جعفر القرشي : « كل الأمور تزول عنك وتنقضي إلا الثناء فإنه لك باق ولو أنني خيرت كل فضيلة ما اخترت غير محاسن الأخلاق »
(1/54)
________________________________________
54 - قال : وأنشدني الحسين بن عبد الرحمن : « أحب مكارم الأخلاق جهدي وأكره أن أعيب وأن أعابا وأعرض عن سباب الناس جهدي وشر الناس من بحث السبابا »
(1/55)
________________________________________
55 - حدثنا أبو كريب ، نا عبد الله بن نمير ، عن حجاج بن دينار ، عن شهر بن حوشب ، عن عمرو بن عبسة قال : قلت : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ قال : « الصبر والسماحة » . قلت : فأي الإيمان أفضل ؟ قال : « خلق حسن »
(1/56)
________________________________________
56 - حدثني إسماعيل بن أسد ، قال حدثني عبيد بن جناد ، نا يوسف بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان ، قال : « الصبر والسماحة »
(1/57)
________________________________________
57 - حدثني بعض أهل العلم ، عن خلف بن خليفة ، نا الحجاج بن دينار ، عن محمد بن ذكوان ، عن عبيد بن عمير ، عن عمرو بن عبسة : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما الإيمان ؟ قال : « الصبر والسماحة ، وحسن الخلق ، يعني بالصبر عن محارم الله عز وجل ، والسماحة أداء ما افترض الله عز وجل عليه ، وحسن الخلق مكارم الأخلاق والأعمال »
(1/58)
________________________________________
58 - حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السكن البزار ، قال : نا ريحان بن سعيد ، عن عرعرة بن البرند ، قال : حدثني المثنى أبو حاتم ، عن عبيد الله بن العيزار ، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أقيلوا الكرام عثراتهم (1) »
__________
(1) العثرة : الزلة والسقطة
(1/59)
________________________________________
59 - حدثني محمد بن الحسين ، قال حدثني محمد بن عبد العزيز ، قال : حدثني أبي ، قال : قال مالك بن دينار : « المؤمن كريم في كل حالة ، لا يحب أن يؤذى جاره ، ولا يفتقر أحد من أقربائه » . قال : ثم يبكي مالك ويقول : « وهو والله مع ذلك غني القلب لا يملك من الدنيا شيئا ، إن أزلته عن دينه لم يزل ، وإن خدعته عن ماله انخدع ، لا يرى الدنيا من الآخرة عوضا ، ولا يرى البخل من الجود حظا ، منكسر القلب ، ذو هموم قد تفرد بها ، مكتئب محزون ليس له في فرح الدنيا نصيب ، إن أتاه منها شيء فرقه ، وإن زوي عنه كل شيء فيها لم يطلبه » ، قال : ثم يبكي ويقول : « هذا والله الكرم هذا والله الكرم »
(1/60)
________________________________________
60 - حدثني أبو جعفر الكندي ، نا محمد بن بكر السعدي ، عن الهيثم بن جماز ، عن يحيى بن أبي كثير قال : « كان يقال : ما أكرم العباد أنفسهم بمثل طاعة الله عز وجل ، ولا أهان العباد أنفسهم بمثل معصية الله عز وجل »
(1/61)
________________________________________
61 - حدثني محمد بن إدريس الحنظلي ، نا عبدة بن سليمان ، عن إسحاق بن عيسى ، عن يزيد بن زريع ، عن زيد بن أسلم قال : « خلتان (1) من أخبرك أن الكرم إلا فيهما فكذبه ، إكرامك نفسك بطاعة الله عز وجل ، وإكرامك نفسك عن معاصي الله عز وجل »
__________
(1) الخلة : السمة والخصلة والصفة
(1/62)
________________________________________
62 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني العمري ، نا حفص بن سليمان المقرئ ، قال : قال رجل لحاتم طيئ : كيف تجد البخل من قلبك ؟ قال : « إني لأجد منه ما يجد الرجل المسيك ، ولكني أحمل نفسي على خطط الكرام »
(1/63)
________________________________________
63 - حدثني محمد بن أبي رجاء القرشي ، قال : « قال رجل لأبي العتاهية وسأله حاجة : إن المكارم موصولة بالمكاره ، فمن أراد مكرمة صبر على مكروهها . فأعجبه ذاك ، وقضى حاجته »
(1/64)
________________________________________
64 - حدثني خالد بن مرداس السراج ، نا أبو عقيل ، عن حفص بن عثمان ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « تعلموا من الشعر ما يكون لكم حكما ، ويدلكم على مكارم الأخلاق »
(1/65)
________________________________________
65 - حدثنا عبد الرحمن بن واقد ، نا المبارك بن سعيد ، عن عبد الله بن الوليد ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : « تعلموا الشعر فإن فيه محاسن تبتغى ، ومساوئ تتقى »
(1/66)
________________________________________
66 - حدثني هارون بن سفيان ، نا يحيى بن غيلان ، عن يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاري ، قال : سمعت عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وسمع رجلا يقول لرجل : اقضني يا مفلس ، فقال : « هذا داء الكرام »
(1/67)
________________________________________
67 - حدثني إبراهيم بن راشد ، نا مسلم بن إبراهيم ، نا عون بن عمرو القيسي أخو رياح ، نا سعيد الجريري ، عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، عن جرير بن عبد الله البجلي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعض بيوته فامتلأ ، فجاء جرير فقعد من خارج الباب ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه ، فلفه ، فرمى به إليه ، وقال : « اجلس على هذا » . فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبله ، وقال : أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني ، فقال صلى الله عليه وسلم : « إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه »
(1/68)
________________________________________
باب ذكر الحياء وما جاء فيه قال أبو بكر : « بدأنا بذكر الحياء وما جاء في فضله لقول أم المؤمنين رضي الله عنها : رأس مكارم الأخلاق الحياء »
(1/69)
________________________________________
68 - حدثني سعيد بن سليمان الواسطي ، ومحمد بن أبي غالب ، عن هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء (1) من الجفاء ، والجفاء في النار »
__________
(1) البذاء : الفحش في القول
(1/70)
________________________________________
69 - حدثنا علي بن الجعد الجوهري ، أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعظ أخاه في الحياء ، يقول : إنك لتستحيي حتى كأنك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « دعه ، فإن الحياء من الإيمان »
(1/71)
________________________________________
70 - حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني أبو غسان ، عن حسان بن عطية ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الحياء والعي (1) شعبتان من شعب الإيمان ، والبذاء (2) والبيان (3) شعبتان من شعب النفاق »
__________
(1) العي : المقصود به عي اللسان وهو عجزه وتعبه عن الكلام عند المخاصمة
(2) البذاء : الفحش في القول
(3) البيان : إظهار الفصاحة والتعمق في إظهار البلاغة بلا داع
(1/72)
________________________________________
71 - حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس ، نا يزيد بن هارون ، نا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الحياء من الإيمان »
(1/73)
________________________________________
72 - حدثنا أبو خيثمة ، نا يزيد بن هارون ، نا خالد بن رباح ، عن أبي السوار ، عن عمران بن حصين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الحياء خير كله » . قال : فقال رجل : إن منه ضعفا ، وإن منه عجزا ، قال : فقال عمران : « أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن الصحف »
(1/74)
________________________________________
73 - حدثنا الحسن بن داود بن محمد بن المنكدر القرشي ، نا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما كان الحياء في شيء قط (1) إلا زانه ، ولا كان الفحش في شيء قط إلا شانه (2) »
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(2) شانه : عابه
(1/75)
________________________________________
74 - حدثنا محمد بن سليمان الأسدي ، نا حبان بن علي ، عن حارثة بن محمد الأنصاري ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : قالوا : يا رسول الله ، إن حارثة بن النعمان أفسده الحياء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يفسد الحياء ، ولكن لو قلتم : أصلحه الحياء لصدقتم »
(1/76)
________________________________________
75 - حدثنا أبو خيثمة ، ثنا وكيع ، نا خالد بن رباح الهذلي ، عن أبي السوار العدوي ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الحياء خير كله »
(1/77)
________________________________________
76 - حدثنا الحسن بن حماد الضبي ، نا أبو يحيى الحماني ، عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل : لم قلت كذا وكذا ؟ ولكنه يعم فيقول : « ما بال أقوام »
(1/78)
________________________________________
77 - حدثنا علي بن الجعد ، نا شعبة ، عن قتادة ، عن عبد الله أو عبيد الله بن عتبة مولى أنس بن مالك ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها (1) ، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه »
__________
(1) الخدْر : ناحية في البيت يُتْرك عليها سِتْرٌ فتكون فيه الجارية البكر ، وقد يراد به الستر مطلقا
(1/79)
________________________________________
78 - حدثنا خالد بن خداش المهلبي ، نا حماد بن زيد ، عن سلم العلوي ، عن أنس بن مالك قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بما يكره »
(1/80)
________________________________________
79 - حدثنا علي بن الجعد ، نا شعبة ، عن منصور بن المعتمر ، قال : سمعت ربعيا ، يحدث عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت »
(1/81)
________________________________________
80 - حدثنا يحيى بن أيوب ، قال : حدثني الهذيل بن ميمون ، عن الأحوص بن حكيم ، عن ابن عون ، عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قلة الحياء كفر »
(1/82)
________________________________________
81 - حدثنا أحمد بن جميل ، نا عبد الله يعني ابن المبارك ، قال : نا جرير بن حازم ، عن حميد بن هلال ، قال : قال عمران بن حصين : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الحياء خير كله » فقال العلاء بن زياد : إنا لنجد في الكتب أن منه ضعفا ، فغضب غضبا شديدا ، وقال : « أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأتيني بكتبك » . فقال القوم : إن العلاء رجل صالح ، وإنه ، وإنه
(1/83)
________________________________________
82 - حدثنا شجاع بن الأشرس ، نا ليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن حفص بن عمر ، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعروة بن مسعود : « يا عروة إن الله عز وجل يحب العيي الحيي العفيف المتعفف ، ويبغض البذي الفاحش السائل الملحف (1) »
__________
(1) الملحف : الملح في المسألة
(1/84)
________________________________________
83 - حدثني أبو عبد الرحمن الخزاعي ، نا محمد بن أبي السري العسقلاني ، نا بكر بن بشر السلمي ، نا عبد الحميد بن السوار ، حدثني إياس بن معاوية بن قرة ، قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر عنده الحياء ، فقالوا : الحياء من الدين ، فقال عمر : بل هو الدين كله ، قال إياس : فقلت : حدثني أبي ، عن جدي قرة قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر عنده الحياء ، فقالوا : يا رسول الله ، الحياء من الدين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بل هو الدين كله » ثم قال صلى الله عليه وسلم : « إن الحياء والعفاف والعي (1) ، عي اللسان لا عي القلب ، والعفة من الإيمان ، فإنهن يزدن في الآخرة ، وينقصن من الدنيا ، وإن الشح والعجز والبذاء (2) من النفاق ، وإنهن يزدن في الدنيا ، وينقصن من الآخرة ، وما ينقصن من الآخرة أكثر مما يزدن في الدنيا » قال إياس : « فأمرني عمر فأمليتها عليه ، وكتبها بخطه ثم صلى بنا الظهر والعصر وإنها لفي كفه »
__________
(1) عي اللسان : المراد أن عجز اللسان وتعبه عن الكلام عند المخاصمة - لا عدم الفهم في الدين وعدم المعرفة بالله - من الإيمان
(2) البذاء : الفحش في القول
(1/85)
________________________________________
84 - حدثنا أبو خيثمة ، نا يزيد بن هارون ، قال : نا أبو نعامة العدوي ، عن حميد بن هلال ، عن بشير بن كعب ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الحياء خير كله » . فقلت : إن منه ضعفا ، وإن منه لعجزا ، فقال : « أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجيء بالمعاريض لا أحدثك بحديث ما عرفتك » ، فقالوا : يا أبا نجيد ، إنه طيب الهوى ، وإنه وإنه ، فلم يزالوا به حتى سكن
(1/86)
________________________________________
85 - حدثنا إبراهيم بن سعيد ، نا عبيد بن أبي قرة ، عن ابن لهيعة ، عن أبي النضر ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا ، ولو كان الفحش رجلا لكان رجل سوء »
(1/87)
________________________________________
86 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا يعلى بن عبيد ، نا أبان بن إسحاق ، عن الصباح بن محمد ، عن مرة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأناس من أصحابه : « استحيوا من الله حق الحياء » . قالوا : يا رسول الله ، إنا لنفعل ذلك . قال : « ليس ذلك الحياء من الله ، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وليذكر الموت والبلى (1) ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء »
__________
(1) البلى : الفناء والتفتت والمعنى : أن يتذكر الإنسان صيرورته في القبر عظاما بالية
(1/88)
________________________________________
87 - حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ، نا هشام بن عبد الملك ، نا ليث بن سعد ، قال حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، أنه سمع سعيد بن يزيد يقول : إن رجلا قال : يا رسول الله ، أوصني . قال : « أوصيك أن تستحيي من الله عز وجل ، كما تستحي رجلا صالحا من قومك »
(1/89)
________________________________________
88 - حدثني أحمد بن جميل ، نا عبد الله بن المبارك ، نا يونس ، عن الزهري ، أخبرني عروة بن الزبير ، عن أبيه ، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال وهو يخطب الناس : « يا معشر المسلمين ، استحيوا من الله ، فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب الغائط (1) في الفضاء متقنعا بثوبي استحياء من ربي عز وجل »
__________
(1) الغائط : مكان قضاء الحاجة
(1/90)
________________________________________
89 - حدثنا أسد بن عمار ، نا معلى بن أسد ، نا دريد بن مجاشع ، نا غالب القطان ، عن مالك بن دينار ، أن عمر بن الخطاب ، رضوان الله عليه قال : « من قل حياؤه قل ورعه (1) ، ومن قل ورعه مات قلبه »
__________
(1) الورع : في الأصْل : الكَفُّ عن المَحارِم والتَّحَرُّج مِنْه، ثم اسْتُعِير للكفّ عن المُباح والحلال .
(1/91)
________________________________________
90 - حدثني محمد بن عمران بن عبد الرحمن الأنصاري ، نا عبد الله بن قسيم الجعفري ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بعض طرق المدينة ، فسمع امرأة تقول : دعتني النفس بعد خروج عمرو إلى اللذات فاطلع التلاعا فقلت لها عجلت فلن تطاعي ولو طالت إقامته رباعا أحاذر إن أطيعك سب نفسي ومخزاة تجللني (1) قناعا فقال عمر ، وأتي بالمرأة : « أي شيء منعك ؟ » قالت : الحياء وإكرام عرضي . فقال عمر رضي الله عنه : إن الحياء ليدل على هنات (2) ذات ألوان ، من استحيا استخفى ، ومن استخفى اتقى ، ومن اتقى وقي « ، وكتب عمر إلى صاحب زوجها فأقفله إليها
__________
(1) تجلل : تغطى
(2) الهنات : الشرور والفساد ، والشدائد والأمور العظام
(1/92)
________________________________________
91 - سمعت أعرابيا من طيئ ينشد : « فلا وأبيك ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء »
(1/93)
________________________________________
92 - حدثنا عبد الرحمن بن يونس ، نا عبد الله بن إدريس ، نا ليث ، عن مجاهد قال : « لو أن المسلم ، لم يصب من أخيه ، إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي »
(1/94)
________________________________________
93 - حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة ، عن عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن الثوري ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن وهب بن منبه قال : « الإيمان عريان ، ولباسه التقوى ، وزينته الحياء ، وماله العفة »
(1/95)
________________________________________
94 - حدثني القاسم بن هاشم ، قال : حدثني أبو عتبة الحسن بن علي بن مسلم البراد الحمصي ، - وكان من خيار المسلمين - ، نا معاوية بن يحيى ، عن محمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن لأهل كل دين خلقا ، وإن خلق الإسلام الحياء »
(1/96)
________________________________________
95 - حدثنا أبو كريب الهمداني ، نا زيد بن الحباب العكلي ، نا شعبة ، عن قتادة ، عن أبي السوار العدوي ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الحياء لا يأتي إلا بخير » فقال له ابن كعب يعني بشيرا : مكتوب في التوراة : إن من الحياء وقارا ، ومن الحياء سكينة . فقال عمران : « أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحدثني عن صحفك »
(1/97)
________________________________________
96 - حدثنا إبراهيم بن بركة البلخي ، نا فاضل بن إبراهيم البخاري ، نا إسماعيل بن نوح ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : سمعت رسول الله يقول : « من لم يكن له حياء فلا دين له ، ومن لم يكن له حياء في الدنيا لم يدخل الجنة »
(1/98)
________________________________________
97 - حدثني القاسم بن هاشم بن سعيد ، نا داود بن المحبر ، عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي ، نا يوسف بن أيوب ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا إيمان لمن لا حياء له »
(1/99)
________________________________________
98 - حدثنا يونس بن عبد الرحيم العسقلاني ، نا رواد بن الجراح بن معدان التميمي ، نا أبو سعد ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة (1) له »
__________
(1) الغيبة : أن تذكر أخاك من ورائه بما فيه من عيوب يسترها ويسوءه ذكرها
(1/100)
________________________________________
99 - حدثنا أبو كريب الهمداني ، نا محمد بن الصلت ، نا يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن أبي الزعراء قال : قال عبد الله : « الإيمان عريان ، وزينته التقوى ، ولباسه الحياء »
(1/101)
________________________________________
100 - حدثنا زياد بن أيوب ، نا محمد بن يزيد ، نا زياد بن أبي زياد ، عن معاوية بن قرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أرجو للمنافق ما دام يستحيي »
(1/102)
________________________________________
101 - حدثني أبي رحمه الله ، عن هشام بن محمد ، عن عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل ، قال : « وفد الحزين الكناني واسمه سليمان إلى عبد العزيز بن مروان بمصر ، وكان عبد العزيز من أجمل الناس ، وقد هيأ له قصيدة مدحه بها ، فلما نظر إلى بهائه وجماله أرتج عليه ، فمكث طويلا لا ينطق ، فأكب عبد العزيز بقضيبه (1) في الأرض ، فارتجل الحزين وهو قائم بين يديه فقال : بكفه خيزران ريحها عبق بكف أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم فقال عبد العزيز : لو كنت قلت هذا لقد كنت فرغت ، فأمر له بوصيفين »
__________
(1) القضيب : العود
(1/103)
________________________________________
102 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا روح بن عبادة ، نا ابن جريح ، قال : قال عمر بن عبد العزيز ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من لم يستحي فهو كافر »
(1/104)
________________________________________
103 - حدثنا أبو عبد الله بن الأعرابي ، قال : قال بعض العرب : « إني لاستر ما ذو العقل ساتره من حاجة وأميت السر كتمانا وحاجة دون أخرى قد سمحت بها جعلتها للتي أخفيت عنوانا إني كأني أرى من لا حياء له ولا أمانة وسط القوم عريانا »
(1/105)
________________________________________
104 - حدثني محمد بن الحسين ، نا جعفر بن عون ، نا عفان بن جبير الطائي ، يرفع الحديث إلى كعب قال : « لم يكن الحياء في رجل قط (1) فتطعمه النار أبدا »
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/106)
________________________________________
105 - حدثني محمد بن الحسين ، نا أبو إسحاق الضرير ، نا أبو عبيدة الناجي ، قال : سمعت الحسن يقول : « الحياء والتكرم خصلتان من خصال الخير ، لم يكونا في عبد إلا رفعه الله عز وجل بهما »
(1/107)
________________________________________
106 - حدثني محمد بن الحسين ، نا الفضل بن دكين ، نا الحسن بن صالح ، عن بعض أصحابه قال : قال سعيد بن جبير : رأيت رجلا يصنع شيئا يكره ، فقيل له : ألا نهيته ؟ قال : « استحييت منه »
(1/108)
________________________________________
107 - كتب إلينا محمد بن سليم يخبرنا : أن الحسين بن بسطام الكوفي صاحب أبي بكر بن عياش حدثهم ، قال : حدثني بشر بن غالب الأسدي ، عن الزهري ، عن مجمع بن فلان بن جارية ، عن عمه مجمع بن جارية ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الحياء شعبة من شعب الإيمان ، ولا إيمان لمن لا حياء له ، وإنما يدرك الخير كله بالعقل ، ولا دين لمن لا عقل له »
(1/109)
________________________________________
108 - حدثني إسحاق بن حاتم ، نا ابن أبي فديك ، عن محمد بن سليمان الأحمسي ، عن قطن ، أو فطر بن وهب القرظي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثلاث من كن فيه اتقي بهن في الدنيا ، وعذب بهن في الآخرة ، الفحش ، والبذاء (1) ، وقلة الحياء »
__________
(1) البذاء : الفحش في القول
(1/110)
________________________________________
109 - حدثنا خلف بن هشام البزار ، نا أبو شهاب ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عثمان ، عن زاذان ، عن سلمان قال : « إذا أراد الله بعبد هلاكا نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا (1) ممقتا »
__________
(1) المقت : أشد البغض
(1/111)
________________________________________
110 - حدثنا خلف ، نا أبو شهاب ، عن عوف ، عن معبد بن كعب الجهني قال : « لباس التقوى الحياء »
(1/112)
________________________________________
باب في الصدق وما جاء في فضله وذم الكذب
(1/113)
________________________________________
111 - حدثنا أبو خيثمة ، نا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا »
(1/114)
________________________________________
112 - حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ، حدثني خالد بن مخلد البجلي ، حدثني سليمان بن بلال ، قال : حدثني عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب بن حنطب ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدوا إذا ائتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم »
(1/115)
________________________________________
113 - حدثنا زهير بن حرب ، نا وكيع ، نا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا وعد أخلف ، وإذا حدث كذب ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر »
(1/116)
________________________________________
114 - حدثنا يحيى بن أيوب ، نا إسماعيل بن جعفر ، أخبرني سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان »
(1/117)
________________________________________
115 - حدثنا هارون بن عمر القرشي ، نا يحيى بن حسان ، نا ابن لهيعة ، نا الحارث بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن حجيرة ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاث إذا كن فيك لم يضرك ما فاتك من الدنيا : صدق حديث ، وحفظ أمانة ، وعفة في طعمة »
(1/118)
________________________________________
116 - حدثنا علي بن الجعد ، نا شعبة ، عن يزيد بن خمير ، قال : سمعت سليم بن عامر يحدث ، عن أوسط بن إسماعيل بن أوسط ، أنه سمع أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعدما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة ، فقال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول مقامي هذا ، ثم بكى أبو بكر رضي الله عنه ، ثم قال : « عليكم بالصدق ، فإنه مع البر ، وهما في الجنة ، وإياكم والكذب فإنه مع الفجور ، وهما في النار ، واسألوا الله عز وجل المعافاة ، فإنه لم يؤت أحد شيئا بعد اليقين خيرا من المعافاة ، ولا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا »
(1/119)
________________________________________
117 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، وبيان ، سمعا قيس بن أبي حازم ، سمع أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول : « أيها الناس إياكم والكذب ، فإنه مجانب للإيمان »
(1/120)
________________________________________
118 - حدثنا الهيثم بن خارجة ، نا الهيثم بن عمران ، قال : سمعت إسماعيل بن عبيد الله المخزومي يقول : « أمرني عبد الملك بن مروان أن أعلم بنيه الصدق كما أعلمهم القرآن ، وأن أجنبهم الكذب وإن كان فيه » يعني القتل
(1/121)
________________________________________
119 - حدثني سفيان بن وكيع ، ومحمد بن أبي عمر ، قالا : نا ابن عيينة ، عن الماجشون ، وقال ابن أبي عمر ، عن رجل قال : كلم عمر بن عبد العزيز الوليد بن عبد الملك في شيء ، فقال له : كذبت ، فقال عمر رحمه الله : « ما كذبت مذ علمت أن الكذب يشين صاحبه »
(1/122)
________________________________________
120 - حدثني محمد بن أبي عمر ، نا سفيان ، حدثني رجل ، قال : حدثت سليمان بن علي بحديث ، فقال لي : كذبت ، فقلت : « ما يسرني أني كذبت ، وأن لي ملء بهوك هذا ذهبا » ، قال : « فانكسر عني »
(1/123)
________________________________________
121 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، نا سفيان ، قال : قال مطرف بن طريف : « ما أحب أني كذبت ، وأن لي الدنيا وما فيها »
(1/124)
________________________________________
122 - حدثنا عبيد الله بن جرير ، نا حجاج بن منهال ، نا عبد الله بن عمر النميري ، عن يونس بن يزيد قال : ، حدثني الحكم بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من يهود : « اتق أن تكذب على الله وعلى كتابه ، فإنه من يكذب على الله عز وجل وعلى كتابه ورسله يتبوأ مقعده من النار » . فقال اليهودي : يا أبا القاسم ، شهادتي أنك لتقول الحق ، إنا لنجد في التوراة أن الكذب باب السوآت ، ومفتاح السيئات
(1/125)
________________________________________
123 - حدثنا سريج بن يونس ، نا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله تعالى : ( منكرا من القول وزورا (1) ) قال : « الزور : الكذب »
__________
(1) سورة : المجادلة آية رقم : 2
(1/126)
________________________________________
124 - حدثنا سريج بن يونس ، نا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله تعالى : ( قتل الخراصون (1) ) قال : « الكذابون »
__________
(1) سورة : الذاريات آية رقم : 10
(1/127)
________________________________________
125 - حدثنا أحمد بن عمران بن عبد الملك ، نا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن شقيق بن سلمة ، قال : قال أخي عبد الرحمن بن سلمة : « ما كذبت منذ أسلمت إلا أن الرجل يدعوني إلى طعامه فأقول : ما أشتهيه فعسى أن يكتب »
(1/128)
________________________________________
126 - حدثنا أحمد بن إبراهيم العبدي ، نا محمد بن عبيد ، قال : حدثني داود العطار ، قال : « أقفل قتيبة بن مسلم بكر بن ماعز من خراسان ، فصحبه رجل فقال له : يا بكر ، كذبت قط (1) ؟ فسكت عنه . قال : يا بكر ، كذبت قط ؟ فسكت عنه . حتى انتهى إلى حمام عمر أو حمام أعين فقال : يا بكر ، كذبت قط ؟ فقال : » إنك قد أكثرت علي ، وإني لم أكذب كذبة قط إلا واحدة ، فإن قتيبة أخذنا بالسلاح ، فاستعرت رمحا ، فلما مررت به ، قال : يا بكر هذا السلاح لك ؟ فقلت : نعم ، وكان الرمح ليس لي «
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/129)
________________________________________
127 - حدثنا داود بن عمرو الضبي ، نا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، نا سلامة بن منيح التميمي قال : قال الأحنف بن قيس : « ما كذبت منذ أسلمت إلا مرة واحدة »
(1/130)
________________________________________
128 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا غسان بن المفضل ، قال حدثني رجل ، من قريش قال : قال إياس بن معاوية : « ما يسرني أني كذبت كذبة ، فغفرها الله عز وجل لي ، وأعطى عليها عشرة آلاف درهم ، ويعلم بها أبي معاوية بن قرة » « يعني إجلالا لأبيه لا يطلع عليه »
(1/131)
________________________________________
129 - حدثنا الحسين بن عبد الرحمن ، قال : قال يحيى بن حمزة قاضي دمشق : « إني لفي مجلس يزيد بن الوليد الناقص ، إذ حدثه رجل بحديث علم أنه قد كذبه ، فقال له : يا هذا ، إنك تكذب نفسك قبل أن تكذب جليسك . قال : فوالله ما زلنا نعرف ذلك الرجل بالتوقي بعدها »
(1/132)
________________________________________
130 - حدثنا الحسين بن عبد الرحمن ، عن بعض أشياخه ، عن العلاء بن المنهال قال : « أتى خاقان رجل من غني في وفد أتوه من العرب ، وبوجه الرجل ضربة منكرة ، فقال له خاقان : أي يوم ضربت هذه ؟ يعني الضربة ، وهو يرى أنها ضربة سيف ، فقال الرجل : ضربني فرس لي ، فقال خاقان : لصدقه أعجب إلي مما ظننت ، ما أحسن الحق فأضعف له الجائزة »
(1/133)
________________________________________
131 - حدثنا عمر بن بكير ، نا أبو عبد الرحمن الطائي ، قال : نا أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة قال : « كان يقال : إن ربعي بن حراش لم يكذب كذبا قط (1) ، قال : فأقبل ابناه من خراسان وهما عاصيان قد تأجلا ، فجاء العريف إلى الحجاج ، فقال : أيها الأمير ، إن الناس يزعمون أن ربعي بن حراش لم يكذب كذبة قط ، وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان ، فقال الحجاج : علي به ، فلما جاء قال : أيها الشيخ قال : ما تشاء ؟ قال : ما فعل ابناك ؟ قال : المستعان الله عز وجل خلفتهما في البيت . قال : لا جرم ، والله لا أسوؤك فيهما ، هما لك »
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/134)
________________________________________
132 - حدثني أبي رحمه الله ، قال : أخبرني بعض أصحابنا ، قال : كان عبد الملك بن مروان ، إذا دخل عليه رجل من أفق من الآفاق قال : « اعفني من أربع ، وقل بعد ما شئت ، لا تكذبني ، فإن المكذوب لا رأي له ، ولا تجبني بما لا أسألك عنه ، فإن في الذي أسألك عنه شغلا عما سواه ، ولا تطرني (1) فإني أعلم بنفسي منك ، ولا تحملني على الرعية ، فإني إلى معدلتي ورأفتي أحوج »
__________
(1) الإطراء : الإفراط في المديح ومجاوزة الحد فيه ، وقيل : هو المديح بالباطل والكذب فيه
(1/135)
________________________________________
133 - حدثني أحمد بن منيع ، نا مروان بن معاوية ، عن مجمع بن يحيى الأنصاري ، عن منصور بن المعتمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة ، فإن فيه النجاة ، واجتنبوا الكذب وإن رأيتم أن فيه النجاة ، فإن فيه الهلكة »
(1/136)
________________________________________
134 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا روح بن عبادة ، نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، نا منصور بن آذين ، عن مكحول ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يؤثر الصدق ، وحتى يترك الكذب في المزاحة والمراء (1) ، وإن كان صادقا »
__________
(1) المراء : المجادلة على مذهب الشك والريبة
(1/137)
________________________________________
135 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم ، أخبرني روح بن القاسم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « ما كان من خلق أبغض عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، وما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء منه من أحد فيخرج له من نفسه حتى يعلم أن قد أحدث توبة »
(1/138)
________________________________________
136 - حدثنا إسماعيل بن خالد ، نا يعلى بن الأشدق ، قال نا عبد الله بن جراد ، قال : قال أبو الدرداء : « يا رسول الله ، هل يكذب المؤمن ؟ قال : » لا ، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر من حدث فكذب «
(1/139)
________________________________________
137 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم الباهلي الصواف ، نا عبد الله بن بكر السهمي ، نا الحجاج بن فرافصة ، قال : « كان رجلان يتبايعان عند عبد الله بن عمر ، فكان أحدهما يكثر الحلف ، فمر عليهما رجل ، فقام عليهما فقال للذي يكثر الحلف : يا عبد الله ، اتق الله ولا تكثر الحلف ، فإنه لا يزيد في رزقك إن حلفت ، ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف . قال : امض لما يعنيك . قال : إن ذا مما يعنيني . فلما أخذ لينصرف عنهما ، قال : اعلم أن من آية الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ، وأن لا يكون في قولك فضل على عملك ، واحذر الكذب في حديث غيرك ، ثم انصرف . فقال عبد الله بن عمر لاحد الرجلين : الحقه فاستكتبه هؤلاء الكلمات . فقام فأدركه ، فقال : أكتبني هؤلاء الكلمات رحمك الله ، قال : ما يقدر الله عز وجل من أمر يكن . قال : فأعادهن عليه حتى حفظهن . ثم مشى معه حتى إذا وضع رجليه في المسجد فقده . قال : فكأنهم كانوا يرون أنه الخضر أو إلياس عليهما السلام »
(1/140)
________________________________________
138 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا أبو داود ، عن شعبة ، قال : أخبرني عمارة بن أبي حفصة ، سمع أبا مجلز يقول : « قال رجل لقومه : عليكم بالصدق ، فإنه نجاة »
(1/141)
________________________________________
139 - حدثني عبد العزيز بن بحر ، نا أبو عقيل ، عن محمد بن نعيم ، مولى عمر بن الخطاب ، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن جده علي رضي الله عنه أنه قال : « زين الحديث الصدق ، وأعظم الخطايا عند الله عز وجل اللسان الكذوب ، وشر العذيلة عذيلة أحدكم نفسه عند الموت ، وشر الندامة ندامة يوم القيامة »
(1/142)
________________________________________
140 - حدثنا داود بن رشيد ، نا علي بن هاشم ، قال : سمعت الأعمش ذكره ، عن أبي إسحاق ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « على كل خلة يطبع - أو يطوى - المؤمن إلا الخيانة والكذب »
(1/143)
________________________________________
141 - حدثنا علي بن الجعد ، قال : أخبرني نصر بن طريف الباهلي ، نا إبراهيم بن ميسرة ، عن عبيد بن سعد ، عن عائشة قالت : « ما كان من خلق أشد عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع على الرجل من أصحابه على الكذب ، فما ينحل من صدره حتى يعلم أنه قد أحدث لله عز وجل منها توبة »
(1/144)
________________________________________
142 - حدثني عبد الله بن أيوب ، حدثنا عبد الرحيم بن هارون أبو هشام الغساني ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد منه الملك ميلا أو ميلين مما جاء به »
(1/145)
________________________________________
143 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا روح بن عبادة ، نا مالك ، عن صفوان بن سليم قال : قيل : يا رسول الله ، أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : « نعم » ، قيل : أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : « نعم » ، قيل : أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : « لا »
(1/146)
________________________________________
144 - حدثنا أحمد بن جميل ، نا المعتمر بن سليمان ، عن عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن موسى بن شيبة ، « أن النبي صلى الله عليه وسلم رد شهادة رجل في كذبة »
(1/147)
________________________________________
145 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا عثمان بن عمر ، نا يونس يعني ابن يزيد ، عن أبي شداد ، عن مجاهد ، أن أسماء بنت عميس قالت : كنت صاحبة عائشة - رحمها الله - التي هيأتها وأدخلتها على النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة ، قالت : فوالله ما وجدنا عنده قرى (1) إلا قدحا من لبن ، فشرب منه ، ثم ناوله عائشة رحمها الله . قالت : فاستحيت الجارية . قالت : فقلت : لا تردي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خذي منه . قالت : فأخذته منه على حياء فشربت منه ، ثم قال : « ناولي صواحبك » فقلنا : لا نشتهيه ، فقال : « لا تجمعن جوعا وكذبا » قالت : فقلت : يا رسول الله ، إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه : لا أشتهيه أيعد ذاك كذبا ؟ فقال : « إن الكذب يكتب كذبا حتى الكذيبة كذيبة »
__________
(1) القِرَى : ما يقدم إلى الضيف
(1/148)
________________________________________
146 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا أبو النضر ، نا الليث يعني ابن سعد ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قال لصبي : هاء أعطك ، فلم يعطه شيئا ، كتبت كذبة »
(1/149)
________________________________________
147 - حدثنا أبو حفص عمرو بن علي ، عن أبي داود ، نا شعبة ، أخبرني منصور قال : سمعت أبا وائل ، عن عبد الله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان »
(1/150)
________________________________________
148 - حدثنا عمرو بن علي الباهلي ، نا يحيى بن محمد بن قيس ، نا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان »
(1/151)
________________________________________
149 - حدثنا سعدويه ، عن أنس بن عياض ، عن صالح بن حسان ، عن محمد بن كعب قال : « إنما يكذب الكاذب من مهانة نفسه عليه »
(1/152)
________________________________________
باب في صدق البأس ، وما جاء فيه
(1/153)
________________________________________
150 - حدثنا علي بن الجعد الجوهري ، نا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي رضي الله عنه قال : « كنا إذا احمر البأس ، ولقي القوم القوم ، اتقينا (1) برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى القوم منه »
__________
(1) الاتقاء : الوقاية والاحتماء والتجنب
(1/154)
________________________________________
151 - حدثنا علي بن الجعد ، نا زهير ، عن أبي إسحاق ، قال : قال رجل للبراء : يا أبا عمارة ، أكنتم وليتم يوم حنين ؟ قال : لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنا لقينا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم (1) ، جمع هوازن . قال : فرشقونا (2) رشقا ما يكادون يخطئون ، فمال من هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به . قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستنصر ، ثم قال : « أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب » قال : ثم صفهم صفا
__________
(1) السهم : النصيب
(2) الرشق : الرمي بالسهام دفعة واحدة
(1/155)
________________________________________
152 - حدثنا سويد بن سعيد ، نا محمد بن مروان البصري ، عن عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، قال : قال علي رضي الله عنه : « لما كان يوم أحد نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتلى فلم أجده ، فقلت : والله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفر ، والله إني لأرى الله عز وجل غضب علينا لما صنعنا فرفعه إليه » . قال : « فكسرت جفن سيفي ، وحملت على القوم فأفرجوا لي ، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم »
(1/156)
________________________________________
153 - حدثنا محمد بن جعفر الوركاني ، نا أيوب بن جابر ، عن صدقة بن سعيد ، عن مصعب بن شيبة ، عن أبيه ، قال : « التقى المسلمون يوم حنين فقتل من قتل ، ثم أقبل عمر رضي الله عنه آخذا باللجام (1) ، والعباس آخذ باللبد ، فينادي العباس : أين المهاجرون ؟ أين أصحاب سورة البقرة ؟ بصوت عال ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأقبل الناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قدماها ، » أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب « فأقبل المسلمون ، فاصطكوا بالسيوف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » الآن حمي الوطيس «
__________
(1) اللجام : الحديدة التي توضع في فم الفرس وما يتصل بها من سيور
(1/157)
________________________________________
154 - حدثني أبي رحمه الله ، ومحمد بن صالح ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر قال علي رضي الله عنه للمقداد : أعطني فرسك أركبه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « أنت راجلا خير منك فارسا » . قال : فركبه ثم وتر (1) قوسه ، فرمى ، فأصاب أذن الفرس ، فشب الفرس فصرعه (2) ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أمسك على فيه ، فغضب علي رضي الله عنه ، وسل سيفه ، ثم شد على المشركين ، فقتل ثمانية قبل أن يرجع ، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أصابني شر من هذا كنت أهله حين تقول : « أنت راجلا خير منك فارسا » ، فعصيتك
__________
(1) الوتر : الخيط المشدود بين طرفي القوس
(2) الصرع : السقوط والوقوع
(1/158)
________________________________________
155 - حدثنا المفضل بن غسان ، قال : حدثني أبي ، قال : نا معاذ بن معاذ ، عن عبيد الله بن الحسن ، عن عمرو بن دينار قال : « كان يقال : أشجع الناس الزبير ، وأبسلهم علي رضي الله عنهما ، قال : والباسل فوق الشجاع »
(1/159)
________________________________________
156 - حدثني سريج بن يونس ، نا وكيع ، قال : نا الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن عبد الله بن سنان الأسدي ، قال : رأيت عليا رضي الله عنه بصفين ومعه سيف رسول الله ذو الفقار ، يحمل عليهم ، فنضبطه فينفلت منا ، فيحمل عليهم فيضرب بسيفه حتى يجيء به قد تثنى ، فيقول : « إن هذا يعتذر إليكم »
(1/160)
________________________________________
157 - حدثنا يوسف بن موسى ، نا عبد الله بن داود ، وأبو أسامة ، وأبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : « كان الزبير رضي الله عنه أول من سل سيفه في الله عز وجل ، نفخت نفخة من الشيطان : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة والزبير بأسفل مكة ، فخرج الزبير يسبق الناس بسيفه ، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : » ما لك يا زبير ؟ « قال : أخبرت أنك أخذت ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له ولسيفه
(1/161)
________________________________________
158 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا سفيان ، عن قعنب ، قال : بارز الزبير رضي الله عنه رجلا على أكمة فتدهديا ، فعلاه الزبير فقتله ، فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم فقبل ما بين عينيه ، وقال : « فداك عم وخال »
(1/162)
________________________________________
159 - حدثنا يوسف بن موسى ، نا حجاج من المنهال ، نا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد قال : أخبرني من ، رأى الزبير : « وإن في صدره أمثال العيون من الطعن والرمي »
(1/163)
________________________________________
160 - حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، نا وكيع ، عن موسى بن عبد الله بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله ، قال : سمعت موسى بن طلحة يقول لجدنا : « جرح طلحة رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم بضعا وعشرين جراحة »
(1/164)
________________________________________
161 - حدثني المفضل بن عبيد الله ، نا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن جدي ، عن موسى بن طلحة ، قال : سمعت أختي أم إسحاق بنت طلحة تقول : سمعت أبي طلحة بن عبيد الله وهو يقول لأمي : « لقد جرحت يوم أحد في جميع جسدي حتى جرحت في ذكري »
(1/165)
________________________________________
162 - حدثني محمد بن عباد بن موسى ، نا أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : قاتل الزبير بمكة وهو غلام رجلا ، فدق يده وضربه ضربا شديدا . قال : فمر بالرجل على صفية وهو يحمل فقالت : ما شأنه ؟ قالوا : قاتل الزبير ، فقالت له : « كيف رأيت زبرا أأقطا حسبته أم تمرا أم مشمعلا صقرا »
(1/166)
________________________________________
163 - حدثنا علي بن الجعد ، نا ابن عيينة ، عن أبي الزعراء ، عن رجل أتى عليا رضي الله عنه ، فقال : « دخل علينا اللصوص فما تركوا لنا شيئا حتى نزعوا حجلي امرأتي . فقال علي رضي الله عنه : » وأنت تنظر ؟ « قال : نعم . قال : » لكن ابن صفية ما كان اللصوص لينزعوا حجلي امرأته وهو ينظر « ، يعني الزبير رضي الله عنه
(1/167)
________________________________________
164 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا سفيان ، عن عمرو بن دينار قال : جاء رجل حتى وقف عليهم في المسجد ، فقال : يا شربة السويق (1) أنا حدياكم صراعا ، فقال طلحة رضي الله عنه : « ليقومن إليه رجل منكم أو لأقومن إليه »
__________
(1) السويق : طعام يصنع من دقيق القمح أو الشعير بخلطه بالسمن والعسل
(1/168)
________________________________________
165 - حدثنا هارون بن عبد الله ، نا سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء ، عن نافع ، أن الزبير بن العوام رضي الله عنه لقي العدو في جيش ، فقالوا : يا أبا عبد الله ، احمل ، قال : « دعوني ، فإني لو رأيت محملا حملت » . قالوا : يا أبا عبد الله ، احمل ونحمل معك . قال : « لكأني بكم قد حملت وحملتم ، فأقدمت وكذبتم ، فأخذت سلما » . قالوا : كلا والله لا يكون ذاك أبدا ، لئن حملت لنحملن ، ولئن أقدمت لنقدمن . قال : فحمل الزبير وحملوا ، فأقدم وكذبوا . قال : قال الزبير : « فهاجت غبرة فما شعرت إلا وأنا بين علجين قد اكتنفاني قد أخذا بعنان دابتي ، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري » ، قال نافع : فكيف ترى أبا عبد الله صنع ؟ وجدوه والله غير طائش الفؤاد ، أدخل السيف في العنان ، والعذار فقطعهما ، ثم بطن الفرس برجليه . قال : فنجا أبو عبد الله وبقي اللجام في يد العلجين «
(1/169)
________________________________________
166 - حدثني محمد بن الحسين ، نا يزيد بن هارون ، قال : نا مسعر ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن عمر قال : « ما رأيت أحدا أجود ، ولا أنجد ، ولا أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم »
(1/170)
________________________________________
167 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا سعيد بن عامر ، نا أبو الأسود ، عن ابن عون ، قال : « بينا نحن يوما في بلاد الروم ، إذا أنا بوجوه الناس قد تغيرت ، فقلت لرجل إلى جنبي : ما هذا الذي أرى في وجوه الناس ؟ » قال : أما ترى العدو ؟ فنظرت ، فإذا الجبل مسود من الأعلاج . قال ابن عون : « نعلم أن الموت كريه ، وإلى جنبي رجل لا أرى في وجهه ما أرى في وجوه القوم ، في يده تفاحتان يقلبهما ، إذ خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز ، فبرز له رجل من المسلمين ، فحمل عليه العلج (1) فطعنه ، فألقى صاحب التفاحتين تفاحتيه ، ثم برز له فحمل عليه فطعنه ، وعاد إلى تفاحتيه فأخذهما فجعل يقلبهما . فقلت لرجل إلى جنبي : من هذا ؟ قال : هذا البطال »
__________
(1) العلج : الرجل من كفار العجم
(1/171)
________________________________________
168 - حدثني علي بن الحسن ، قال : ثنا أبو بحر السكوني فرات بن محبوب ، عن أبي بكر بن عياش قال : قيل للبطال : ما الشجاعة ؟ قال : « صبر ساعة »
(1/172)
________________________________________
169 - حدثني أبو جعفر التميمي محمد بن عبد المجيد ، نا إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن المهاجر ، عن أبيه ، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية ، « شهدت اليرموك مع الناس ، فقتلت سبعة من الروم بعمود فسطاطها (1) »
__________
(1) الفسطاط : بيت من شعر ، وضرب من الأبنية ، والجماعة من الناس
(1/173)
________________________________________
170 - حدثنا أحمد بن عمران بن عبد الملك ، قال : حدثني محمد بن فضيل ، قال حدثني يونس بن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث ، قال : قال خالد بن الوليد : « والله ما أدري من أي يومي أفر ، من يوم أراد الله عز وجل أن يرزقني فيه شهادة ، أم من يوم أراد الله عز وجل أن يهدي لي فيه كرامة »
(1/174)
________________________________________
171 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا أبو معاوية ، عن إسماعيل ، عن قيس قال : قال خالد بن الوليد : « لقد رأيتني يوم مؤتة تقطعت في يدي تسعة أسياف ، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية »
(1/175)
________________________________________
172 - حدثنا علي بن الجعد ، نا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، عن قيس ، قال : قال خالد بن الوليد : « ما ليلة أبشر فيها بغلام ، أو تهدى إلي فيها عروس ، أحب إلي من ليلة قرة باردة في سبيل الله عز وجل »
(1/176)
________________________________________
173 - حدثنا أحمد بن جميل ، نا عبد الله ، نا حماد بن زيد ، عن عبد الله بن المختار ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل - ثم شك حماد بعد في أبي وائل - قال : لما احتضر خالد بن الوليد قال : « لقد طلبت القتل مظانه ، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي ، وما من عملي شيء أرجى عندي بعد لا إله إلا الله ، من ليلة بتها وأنا متترس بترسي ، والسماء تهلبني ، ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار » . ثم قال : « إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله عز وجل »
(1/177)
________________________________________
174 - حدثنا أبو إسحاق إسماعيل بن أبي الحارث ، نا معاوية بن عمرو ، عن أبي إسحاق ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيهم ابن رواحة وخالد ، فلما صافوا المشركين أقبل رجل منهم يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل من المسلمين : أنا فلان بن فلان ، وأمي فلانة ، فسبني وسب أمي وكف عن سب رسول الله ، فلم يزده ذلك إلا إغراء ، فأعاد مثل ذلك ، وأعاد الرجل مثل ذلك ، فقال : لئن عدت الثالثة لأرحلنك بسيفي . فعاد ، فحمل عليه الرجل فولى الرجل مدبرا ، فاتبعه الرجل حتى خرق صف المشركين فضربه بسيفه ، فأحاط به المشركون فقتلوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أعجبتم من رجل نصر الله ورسوله ؟ » . ثم إن الرجل برئ من جراحته فأسلم ، وكان يسمى الرحيل
(1/178)
________________________________________
175 - حدثنا أبو إسحاق إسماعيل بن أبي الحارث ، قال : نا معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير قال : « لما كان يوم جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم : وجهي أحق بالكلوم من وجهك . ثم تقدم فقال : يا معشر الشباب ، من جشم ، من يرد الموت معي »
(1/179)
________________________________________
176 - حدثنا خالد بن خداش ، نا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم أحد ، قال : كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد : « ارم فداك أبي وأمي » قال : فنزعت بسهم ليس فيه نصل (1) ، فأصبت جنبه ، فوقع وانكشفت عورته ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه
__________
(1) النصل : هو حديدة السهم والرمح
(1/180)
________________________________________
177 - حدثنا أبو إسحاق ، نا معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من أهل المدينة ، عن محمد بن المنكدر ، قال : لما كان يوم أحد صعد المشركون على أحد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد : « احتتهم يا سعد يقول ارددهم » قال : وكيف أحتتهم يا رسول الله وحدي ؟ قال : ثم عاد فقال مثل ذلك ، فقال سعد مثل ذلك ، ثم قال سعد : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتتهم وأنا أقول ما أقول ، لئن أعاد الثالثة لأفعلن . فقال : « احتتهم يا سعد فداك أبي وأمي » قال : فأخذت سهما من كنانتي (1) فرميت به رجلا منهم فقتلته ، فرميت بسهمي فأخذته أعرفه ، ثم رميت به رجلا آخر فقتلته ، ثم رميت بسهمي أعرفه فأخذته ، ثم رميت آخر فقتلته ، ورميت بسهمي فأخذته أعرفه فهبطوا من مكانهم ، فقلت : هذا سهم مبارك بدمي فحملته في كنانتي ، فكان عند سعد حتى مات ، ثم عند بنيه ، ثم هلك بعد
__________
(1) الكنانة : جعبة صغيرة من جلد تحمل فيها السهام
(1/181)
________________________________________
178 - حدثنا الحسن بن حماد الضبي ، أخبرني عثام بن علي ، عن الأعمش ، عن أبي خالد الوالبي ، عن جابر بن سمرة قال : « خرجت أنا وسعد في سرية (1) فانهزمنا ، فالتفت سعد ، فإذا رجل رجل خارجة من غرز الرحل ، فرماه بسهم ، فكأني أنظر إلى الدم كأنه شراك ، فقال : أخ أخ ، وكان أول من رمى بسهم في الإسلام »
__________
(1) السرية : هي طائفةٌ من الجَيش يبلغُ أقصاها أربَعمائة تُبْعث سرا إلى العَدوّ، وجمعُها السَّرَايا، وقد يراد بها الجنود مطلقا
(1/182)
________________________________________
179 - حدثنا إسماعيل ، نا معاوية بن عمرو ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن هشام ، عن محمد ، قال : « بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأحنف بن قيس على جيش قبل خراسان ، فبيتهم العدو ليلا ، ففرقوا جيوشهم أربعة جيوش ، وأقبلوا معهم الطبول ففزع الناس ، وكان أول من ركب الأحنف فأخذ سيفه فتقلده ، ثم مضى نحو الصوت وهو يقول : إن على كل رئيس حقا أن يخضب القناة أو تندقا ثم حمل على صاحب الطبل فقتله ، فلما فقد أصحابه الصوت انهزموا ، ثم حمل على الكردوس الآخر ففعل مثل ذلك ، ثم حمل على الآخر ففعل مثل ذلك ، ثم حمل على الآخر ففعل مثل ذلك وهو وحده ، ثم جاء الناس وقد انهزم العدو ، فاتبعهم الناس يقتلون ، ثم مضوا حتى فتحوا مدينة يقال لها مرو الروذ »
(1/183)
________________________________________
180 - حدثني محمد بن صالح القرشي ، قال : حدثني سحيم بن حفص ، حدثني وضاح بن خيثمة ، قال : حدثني عبيد الله بن عبيد الله بن معمر قال : « غزا المسلمون كابل وعليهم عبد الرحمن بن سمرة ، فانتهوا إلى ثلمة لا يقوم عليها إلا رجل واحد ، فقال : انظروا من يقوم عليها ، فقالوا : عمر بن عبيد الله بن معمر ، فدعوه فقالوا : قم عليها ، فقام عليها ، ثم إنه أصابته رمية فسقط فحمل إلى أهله ، فقالوا : من يقوم عليها ؟ فقالوا : عباد بن الحصين ، فدعوه فقام عليها ، فما رأينا مثله قط ، ما زالوا يقاتلونه ويرمونه ويقاتلهم ، ويكبر حتى إذا كان في بعض الليل خمد صوته ، فلم نسمعه ، قلنا : إنا لله ، قتل عباد . فلما أصبحنا وجدناه قد شد عليهم واقتحم الثلمة عليهم ، فولوا وكانت الهزيمة ، وإذا قد صحل (1) حلقه من الصياح ، وانقطع صوته قال : وكان الحسن بن أبي الحسن شهدها ، فقال : ما رأيت فارسا خيرا من ألف حتى رأيت عباد بن الحصين »
__________
(1) صحل : بح صوته وأصبح غليظًا
(1/184)
________________________________________
181 - حدثني أبو زيد ، نا الأصمعي قال : نا يوسف بن عبدة ، قال : قال الحسن : « إني لأرجو أن لا تمس النار عباد بن الحصين »
(1/185)
________________________________________
182 - حدثني محمد بن صالح ، نا علي بن محمد القرشي ، عن مسلمة بن محارب ، قال : سمعت عوفا الأعرابي يقول : قال الحسن : « ما رأيت أحدا أشد بأسا من عباد بن الحصين ، وعبد الله بن خازم ، أما عباد فبات ليلة على ثلمة ثلمها المسلمون في حائط كابل يطاعن المشركين عنها ليله حتى أصبح ومنعهم من سدها ، فأصبح وهو على الحال التي كان عليها أول الليل ، ثم جاء ابن خازم ، فجاء رجل مثله في البأس أحسن توقيا منه فقاتلهم عليها حتى افتتحها المسلمون ، فقاتلوهم من بين حائط المدينة والحائط الذي ثلموه ، فاضطروهم إلى باب المدينة ومعهم فيل ، فقدموه ليدخل المدينة ، فضرب ابن خازم الفيل ، فعقره فسقط على الباب ، فمنعهم من إغلاقه ، وهرب المشركون ، ودخل المسلمون المدينة فغلبوا عليها »
(1/186)
________________________________________
183 - حدثني محمد بن صالح ، قال : حدثني علي بن محمد ، عن القاسم بن الفضل الحداني ، عن جلهمة اليحمدي ، قال : ذكر المهلب يوما أهل البأس ، فقال : « أشد الناس : أحمر قريش ، وابن الكلبية ، وصاحب البغلة » ، فقال شيخ منهم يقال له الحتات : ما نعرف هؤلاء الذين ذكرت ، فقال : « أما ابن الكلبية : فمصعب بن الزبير أفردوه فبقي في سبعة فعرضوا عليه الأمان فأبى (1) ، ومضى على أمره فقتل ، وأما أحمر قريش : فعمر بن عبيد الله بن معمر ، لم تلقنا سرعان خيل قط (2) إلا ردها عنا ، وأما صاحب البغلة فهذا الحمار من بني تميم عباد بن الحصين ، لم نكن في كربة قط إلا فرجها عنا » قال : فقال له الفرزدق بن غالب : ما رأينا كاليوم شيخا أضل ، فأين ابن خازم وعبد الله بن الزبير ؟ فقال : « يا أبا فراس ، إنما جرى الحديث بالإنس ، فليس هذان من الإنس »
__________
(1) أبى : رفض وامتنع
(2) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/187)
________________________________________
184 - حدثني المفضل بن غسان ، قال : نا غسان بن مالك السلمي ، قال : سمعت يونس بن حبيب يقول : « ما كانت الشجعان لتستحيي أن تفر من عبد الله بن خازم ، وكان يقاتل على دين »
(1/188)
________________________________________
185 - أخبرنا العباس بن هشام ، عن أبيه ، عن زياد بن عبد الله ، عن محمد بن إسحاق قال : سأل الحجاج بن يوسف ابنا لعمرو بن أمية الضمري عن عبد الله بن الزبير فقال : « ما أدري كيف أصفه لك ، إلا أني لم أر جلدا على لحم ، ولا لحما على عظم ، ولا عظما على قلب مثل عبد الله بن الزبير » رضي الله عنه
(1/189)
________________________________________
186 - حدثني محمد بن صالح ، قال : حدثني أبو اليقظان ، عن غسان بن عبد الحميد ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن عربي ، وكان شاهد الأمر ، قال : « ترك الناس مصعب بن الزبير حتى بقي في سبعة ، فقعد على وسادة شاذر ، فجعل يشد على الناس فيكشفهم وحده ، ثم يرجع فيقعد على الوسادة ، حتى فعل ذلك مرارا »
(1/190)
________________________________________
187 - أخبرني العباس بن هشام ، عن أبيه ، قال : نظر إليه عبد الملك وهو يشد على الناس وحده ، فقال : « هذا والله كما قال الأول : ومدجج كره الكماة نزاله لا ممعن هربا ولا مستسلم هذا الذي لا يجيبنا إلى أماننا ولا يهرب عنا »
(1/191)
________________________________________
188 - حدثني محمد بن صالح ، عن أبي اليقظان ، عن جويرية بن أسماء ، قال : قال عبد الملك بن مروان : « ما خلق الله عز وجل أحدا أشد من هذا الحي من قريش ، إن الرجل منهم يحمل على مائة ألف »
(1/192)
________________________________________
189 - أخبرني العباس بن هشام ، عن أبيه ، عن عوانة بن الحكم قال : قال عبد الملك بن مروان لجلسائه : « من كان أشجع العرب ؟ » فقالوا : عمير ، شبث ، فعدوا فرسانا من فرسان العرب ، فقال عبد الملك : « أشجع العرب رجل جمع بين سكينة بنت الحسين ، وعائشة وأمه : أحمد بنت سيد كلب ، ولي العراق فأصاب ألف ألف ، وألف ألف ، وألف ألف ، فخذله أهل العراق ، وعرضنا عليه الأمان فأبى (1) أن يقبله ، ومضى حتى قتل ، مصعب بن الزبير ، لا من قطع الجسور هاهنا مرة ، وهاهنا مرة » ، ثم قال : « متى تغذو حواضن قريش مثل مصعب ؟ »
__________
(1) أبى : رفض وامتنع
(1/193)
________________________________________
190 - حدثني أبي رحمه الله عن هشام بن محمد ، عن أبيه ، قال : سمعت عبد الله بن أبي عقيل الثقفي ، عم أبي الحجاج بن يوسف ، وكان عالما بالعرب ، يقول : « فرسان العرب أربعة : بشر بن عمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة ، وعتيبة بن الحارث اليربوعي ، وصخر بن عمرو بن الحارث بن الشريد السلمي ، وعامر بن الطفيل » ، فقال له رجل من بني أسد كان عنده : أفرس والله من هؤلاء من قتل بشرا وصخرا وعتيبة ، وطعن عامرا في استه (1) فعقر (2) منها . فسكت عبد الله وكان قتلة هؤلاء من بني أسد
__________
(1) الاست : العجز والمؤخرة ويطلق على حلقة الدبر
(2) عقر : قتل
(1/194)
________________________________________
191 - حدثنا أحمد ، قال : حدثني محمد بن عباد بن موسى العكلي ، نا كثير بن هشام ، نا عيسى بن يونس ، عن معروف ، قال : قال سعيد بن المسيب : قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه أربعة نفر من صناديد (1) قريش أحدهم طلحة بن أبي طلحة ، ثم جاء بالسيف إلى فاطمة عليها السلام ، فقال : « أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديد ولا بلئيم لعمري لقد جاهدت في نصر أحمد ومرضاة رب بالعباد عليم أريد ثواب الله - لا شيء غيره - ورضوانه في جنة ونعيم أممت ابن عبد الدار كي أعرفنه بذي رونق يفري العظام صميم وكنت امرأ أسمو إذا الحرب شمرت وقامت على ساق لكل مليم فغادرته بالجر وارفض جمعه عباديد من ذي فائظ وكليم » قال : ولما كان يوم الأحزاب قطع عليهم عمرو بن عبد ود الخندق ، فقيل له : انصرف ، قال : لا أنصرف حتى أقتل محمدا ، فخرج إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : « يا عمرو ، إني سمعتك تقول عند الكعبة : لا ينصفني أحد إلا قتلت ، وإني أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله » ، فأبى (2) عليه . قال : فإني أدعوك أن تنزل فتبارزني . قال : « أنصفت » ، قال : وقد قال عمرو قبل ذلك : ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز ووقفت إذ جبن الشجاع لموقف البطل المناجز وكذاك أني لم أزل متسرعا نحو الهزاهز إن الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز فأجابه علي بن أبي طالب رضي الله عنه : « لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز ذو نية وبصيرة والصدق منجى كل فائز إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز من ضربة فوهاء يبقى أثرها عند الهزاهز ولقد دعوت إلى البراز فما تجيب إلى المبارز » فنزل فعقر (3) فرسه ، وركز عنزته (4) ، وكان أعرج ، ومشى إليه علي رضوان الله عليه ، وهاجت عجاجة (5) فحالت بينهما وبين الناس ، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه يدعو فانفرجت وعلي يمسح سيفه بثيابه ، ورجع علي رضوان الله عليه يقول : « أعلي ، تقتحم الفوارس هكذا عني وعنهم أخروا أصحابي اليوم يمنعني الفرار حفيظتي ومصمم في الرأس ليس بنابي أدى عمير حين أخلص صنعه صافي الحديدة يستنض ثوابي فغدوت ألتمس القراع بمرهف عضب مع البتراء في الأقراب آلى (6) ابن عبد حين شد ألية وحلفت فاستمعوا من الكذاب ألا يصد ولا يهلل فالتقى فتيان يضطربان كل ضراب فصددت حين تركته متجدلا كالجذع بين دكادك وروابي وعففت عن أثوابه ولو أنني كنت المقطر بزني أثوابي » وزادني عبد الرحمن بن صالح ، عن يونس بن بكير : « عبد الحجارة من سفاهة رأيه وعبدت رب محمد بصواب »
__________
(1) الصناديد : سادة الناس ، وزعماؤهم ، وعظماؤهم ، وأشرافهم
(2) أبى : رفض وامتنع
(3) عقر : قتل
(4) العَنَزَة : عصا شِبْه العُكَّازة
(5) العجاجة : الغبار
(6) آلى : حلف وأقسم
(1/195)
________________________________________
192 - وحدثنا عبد الرحمن بن صالح ، نا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، قال : « لما قتل علي رضي الله عنه عمرا أقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يتهلل ، فقال له عمر رضي الله عنه : هلا سلبت درعه (1) ، فإنه ليس للعرب درع مثلها ، قال : ضربته فاتقاني بسوءته فاستحييت يا ابن عمي أن أسلبه »
__________
(1) الدِّرْع : الزَّرَدِيَّة وهي قميص من حلقات من الحديد متشابكة يُلْبَس وقايةً من السلاح
(1/196)
________________________________________
193 - وحدثني أبي رحمه الله عن هشام بن محمد ، عن أبيه قال : حدثني رجل من قريش قال : « وجدت جمجمة عمرو بن عبد ود ، فكيل فيها كيلجة فاستوعبته »
(1/197)
________________________________________
194 - حدثني العباس بن محمد ، قال : نا روح بن عبادة ، عن عوف ، عن أبي رجاء قال : « رأيت رجلا قد اصطلمت أذنه ، فقلت : ما هذا ؟ أخلقة أو شيء أصابك ؟ قال : أحدثك بينا أنا أمشي في القتلى يوم الجمل إذا رجل يفحص برجله ، ويقول : لقد أوردتنا حومة الموت أمنا فلم ننصرف إلا ونحن رواء أطعنا قريشا ضلة من حلومنا ونصرتنا أهل الحجاز عناء قال : فقلت : يا عبد الله ، قل لا إله إلا الله . قال : ادن مني ولقني . قال : فدنوت منه ، فقال لي : ممن أنت ؟ قلت : رجل من أهل الكوفة ، قال : فوثب علي فصنع بأذني ما ترى ، وقال : إذا لقيت أمك فأخبرها أن عمير بن الأهلب الضبي فعل بي ما ترين » . قال غير العباس : « ثم مات وإن أذني لفي فيه »
(1/198)
________________________________________
195 - حدثني محمد بن حسان بن فيروز ، نا حجاج بن محمد ، نا السري بن يحيى ، عن ابن سيرين ، « أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين ، فجلس البراء بن مالك على ترس (1) ، وقال : ارفعوني برماحكم ، فألقوني إليهم ، فرفعوه برماحهم من وراء الحائط ، فأدركوه وقد قتل منهم عشرة »
__________
(1) الترس : الدرع الذي يحمي المقاتل ويتقي به ضربات العدو
(1/199)
________________________________________
196 - حدثنا أبو بكر بن أسلم ، نا النضر بن شميل ، قال : نا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت حسان بن فائد قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : « الجبن والشجاعة غرائز في الناس ، تلقى الرجل يقاتل عمن لا يعرف ، وتلقى الرجل يفر عن أبيه »
(1/200)
________________________________________
197 - حدثني الحسن بن الصباح ، نا عبد الله بن وهب ، عن عبد الله بن عمر ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : « رأيت عمر بن الخطاب يمسك أذن فرسه بإحدى يديه ، ويمسك أذنه الأخرى ، ثم يثب حتى يقعد عليه »
(1/201)
________________________________________
198 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا أبو أسامة ، قال : سمعت الأعمش ، يذكر عن أبي إسحاق ، قال : لما أسلم عكرمة بن أبي جهل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : « يا رسول الله ، لا أترك مقاما قمته لأصد به عن سبيل الله إلا قمت مثله في سبيل الله ، ولا نفقة أنفقتها لأصد بها عن سبيل الله إلا أنفقت مثلها في سبيل الله » ، فلما كان يوم اليرموك - أو غيره - قاتل قتالا شديدا ، فوجدوا به بضعا وسبعين ضربة من بين طعنة ورمية وضربة «
(1/202)
________________________________________
باب ما جاء في صلة الرحم
(1/203)
________________________________________
199 - حدثنا علي بن الجعد ، وغيره ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، قال : قال عبد الرحمن بن عوف : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الله عز وجل يقول : أنا الله ، وأنا الرحمن ، خلقت الرحم فشققت لها من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها بتته (1) » حدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله بن المبارك ، قال : نا معمر ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن رداد الليثي ، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله حدثنا أبو خيثمة ، نا يزيد بن هارون قال : نا هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ ، أن أباه حدثه ، أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يعوده ، فقال له عبد الرحمن : « وصلتك رحم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول » فذكر نحوه
__________
(1) البت : القطع المستأصل
(1/204)
________________________________________
200 - حدثني محمد بن يزيد الآدمي ، وغيره ، أخبرني أبو اليمان ، نا شعيب بن أبي حمزة قال : نا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين قال : نا نوفل بن مساحق ، عن سعيد بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الرحم شجنة (1) من الرحمن ، فمن قطعها حرم الله عز وجل عليه الجنة »
__________
(1) الشجنة : الشعبة والجزء من الشيء والمراد صلة وقرابة متصلة ومتشابكة
(1/205)
________________________________________
201 - حدثنا بشر بن معاذ العقدي ، نا عمر بن علي ، قال : سمعت مجمع بن يحيى بن زيد قال : سمعت أحد عمومتي سويد بن عامر الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بلوا أرحامكم ولو بالسلام »
(1/206)
________________________________________
202 - حدثنا علي بن الجعد ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي ، عن يحيى بن سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « البر والصلة ، وحسن الجوار عمارة في الدنيا ، وزيادة في الأعمار »
(1/207)
________________________________________
203 - حدثنا أبو محمد العتكي ، نا الربيع بن سهل الفزاري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : « إن أهل البيت ليتبارون فينمي الله عز وجل أموالهم ، وإنهم لفجرة »
(1/208)
________________________________________
204 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال : نا إسماعيل بن علية ، عن أسماء بن عبيد ، عن يونس بن عبيد قال : « كانوا يرجون للرهق بالبر الجنة ، ويخافون على المتأله بالعقوق النار »
(1/209)
________________________________________
205 - حدثنا علي بن الجعد قال : نا شعبة ، عن عيينة بن عبد الرحمن ، قال : سمعت أبي يحدث ، عن أبي بكرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا ، مع ما يدخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والبغي (1) »
__________
(1) البغي : الظلم والتعدي
(1/210)
________________________________________
206 - حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، نا أبو عاصم النبيل ، عن جعفر بن يحيى بن ثوبان ، عن عمه عمارة بن ثوبان ، قال : حدثني أبو الطفيل قال : « رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة ، فأتت امرأة فبسط لها رداءه ، فقلت : من هذه ؟ قالوا : أمه التي أرضعته »
(1/211)
________________________________________
207 - حدثنا أبو عبد الله العجلي الحسين بن علي ، نا عبد الله بن نمير ، نا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن المنكدر ، قال : استأذنت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد كانت أرضعته ، فلما دخلت عليه قال : « أمي ، أمي » ثم بسط لها رداءه فقعدت عليه
(1/212)
________________________________________
208 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا سفيان ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتت خالته من الرضاعة ، فنزع رداءه عن ظهره فبسطه لها وقال : « مرحبا بأمي »
(1/213)
________________________________________
209 - حدثنا الحسن بن يوسف بن يزيد ، نا بقية بن الوليد ، عن عمار بن عبد الملك ، عن بحر السقاء ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من رجل بار ينظر إلى والديه أو والدته نظرة رحمة ، إلا كتب الله عز وجل تلك النظرة حجة متقبلة مبرورة » قالوا : يا رسول الله ، وإن نظر في اليوم مائة مرة ؟ قال : « الله أكبر من ذلك »
(1/214)
________________________________________
210 - حدثني أبو بكر التميمي ، نا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، قال : حدثني إبراهيم بن أعين العجلي البصري ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا نظر الوالد إلى ولده فسره كان للولد عتق نسمة » قيل : يا رسول الله ، وإن نظر في اليوم ثلاثمائة وستين نظرة ؟ قال : « الله أكبر » . قال عبد الله بن صالح : وحدثني به إبراهيم بن أعين
(1/215)
________________________________________
211 - حدثني أحمد بن بجير ، نا شعيب بن حرب ، عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نظرك إليهما ، ونظرهما إليك ، وضحكك إليهما ، وضحكهما إليك ، أفضل من تحطم السيوف في سبيل الله عز وجل »
(1/216)
________________________________________
212 - حدثنا أحمد بن جميل ، قال : أخبرنا عبد الله قال : أخبرني الفزاري ، قال : سمعت هشاما ، يذكر عن الحسن ، أن رجلا قال له : إني قد حججت ، وقد أذنت لي والدتي في الحج ، قال : « لقعدة تقعدها معها على مائدتها أحب إلي من حجك »
(1/217)
________________________________________
213 - حدثنا علي بن الجعد ، قال : أخبرني حماد بن سلمة ، عن أبي حازم ، « أن أبا هريرة ، لم يحج حتى ماتت أمه »
(1/218)
________________________________________
214 - حدثنا خلف بن هشام ، نا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : « إن العبد ليرفع بدعاء ولده من بعده »
(1/219)
________________________________________
215 - حدثنا عبد الرحمن بن واقد ، نا فرج بن فضالة ، نا معاوية بن صالح ، قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين ، أمي عجوز كبيرة ، أنا مطيتها (1) ، أجعلها على ظهري ، وأنحني عليها بيدي ، وألي منها مثل ما كانت تلي مني ، أو أديت شكرها ؟ قال : « لا » ، قال : لم يا أمير المؤمنين ؟ قال : « إنك تفعل ذلك بها وأنت تدعو الله عز وجل أن يميتها ، وكانت تفعل ذلك بك وهي تدعو الله عز وجل أن يطيل عمرك »
__________
(1) المطية : الدابة التي يركب مطاها أي ظهرها ، أو هي التي تمط في سيرها أي تمدُّ
(1/220)
________________________________________
216 - حدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله ، قال : نا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة (1) ) قال : « لا تمتنع من شيء أحباه »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 24
(1/221)
________________________________________
217 - حدثني هارون بن سفيان ، نا محمد بن عمر ، عن أبي يحيى عبد الله بن ميمون ، سمع عبد الله بن دينار ، عن أبي عمرو ذكوان ، قال : سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : « رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا أبر من كان في هذه الأمة بأمهما » ، فيقال لها : من هما ؟ فتقول : « عثمان بن عفان ، وحارثة بن النعمان رضي الله عنهما ، فأما عثمان فإنه قال : ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت ، وأما حارثة فإنه كان يفلي رأس أمه ويطعمها بيده ، ولم يستفهمها كلاما قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن تخرج : ما قالت أمي ؟ »
(1/222)
________________________________________
218 - حدثنا علي بن الجعد وغيره ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة القرآن ، فقلت : من هذا ؟ فقيل : حارثة بن النعمان . قال : كذلكم البر ، كذلكم البر »
(1/223)
________________________________________
219 - حدثني أبو همام ، نا حجاج بن نصير ، عن قرة ، عن محمد قال : كانت النخلة تبلغ بالمدينة ألفا ، فعمد أسامة بن زيد إلى نخلة فقطعها من أجل جمارها (1) ، فقيل له في ذلك فقال : « إن أمي اشتهته علي ، وليس شيء من الدنيا تطلبه أمي أقدر عليه إلا فعلته »
__________
(1) الجُمَّارَة : قَلْبُ النَّخْلة وشَحْمَتها يقطع من رءوس النخل، ويؤكل
(1/224)
________________________________________
220 - حدثني أبو همام قال : حدثني إبراهيم بن أعين ، عن السري بن يحيى ، عن عبد الكريم بن رشيد قال : « كان حجر بن عدي بن الأدبر الكندي يلمس فراش أمه بيده فيتهم غلظ يده ، فيتقلب عليه على ظهره ، فإذا أمن أن يكون عليه شيء أضجعها (1) »
__________
(1) أضجعه : أماله على جانبه
(1/225)
________________________________________
221 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : نا أبو النضر ، نا المبارك بن سعيد ، نا نسير بن ذعلوق ، عن ظبيان بن علي الثوري ، وكان من أبر الناس ، قال : « لقد باتت أمه وفي صدرها عليه شيء ، فقام على رجليه قائما يكره أن يوقظها ويكره أن يقعد ، حتى إذا ضعف جاء غلامان من غلمانه فما زال معتمدا عليهما حتى استيقظت من قبل نفسها ، وإن كان ليبتاع الدستجة من البقل فينقيها لها طاقة طاقة حتى يضعها بين يديها ، وكان يسافر بها إلى مكة ، فإذا كان يوم حار حفر بئرا ثم جاء بنطع (1) فصب فيه الماء ، ثم قال لها : » ادخلي تبردي في هذا « ، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن
__________
(1) النطع : بساط من جلد ، والخوان والوعاء
(1/226)
________________________________________
222 - حدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله ، قال : نا داود بن قيس قال : ، حدثني رجل ، أن أبا هريرة كان إذا غدا من منزله لبس ثيابه ، ثم وقف على باب أمه ، فيقول : « السلام عليك ، يا أمتاه ، ورحمة الله وبركاته » ، فترد عليه مثل ذلك ، فيقول : « جزاك الله عني خيرا كما ربيتني صغيرا » ، فتقول : وأنت يا ابني ، فجزاك الله عني خيرا كما بررتني كبيرة ، ثم يخرج ، فإذا رجع قال مثل ذلك
(1/227)
________________________________________
223 - حدثنا المثنى بن معاذ ، نا أبي ، عن ابن عون ، قال : « كان محمد بن سيرين إذا كان عند أمه ، خفض من صوته ، وتكلم رويدا »
(1/228)
________________________________________
224 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا موسى بن إسماعيل ، عن جعفر بن سليمان قال : « كان محمد بن المنكدر يضع خده بالأرض ثم يقول لأمه : » ضعي قدمك عليه «
(1/229)
________________________________________
225 - حدثنا أبو بكر بن أبي النضر ، نا أبو النضر ، عن الأشجعي قال : « استسقت أم مسعر منه ماء في الليل فقام فجاءها به وقد نامت ، وكره أن يذهب فتطلبه ولا تجده ، وكره أن يوقظها فلم يزل قائما والإناء معه حتى أصبح »
(1/230)
________________________________________
226 - حدثني محمد بن الحسين ، نا علي بن عبد الله ، عن سفيان بن عيينة قال : « قدم رجل من سفر فصادف أمه قائمة تصلي ، فكره أن يقعد وهي قائمة ، فعلمت ما أراد فطولت ليؤجر »
(1/231)
________________________________________
227 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثني معن بن عيسى ، قال : حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة قال : بينما عمر يطوف بالكعبة إذا رجل يحمل أمه وهو يقول : أحمل أمي وهي الحماله ترضعني الدرة والعلاله هل يجزين والدا فعاله فقال عمر رضي الله عنه : « لا ، ولا رضعة واحدة »
(1/232)
________________________________________
228 - وحدثنا إسحاق ، قال : حدثني معن ، نا ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة : « أن رجلا رئي وهو يطوف بالكعبة وقد حمل أمه وهو يقول : إني لها مطية لا أنكر إذا الركاب نفرت لا أنفر ما حملت وأرضعتني أكثر »
(1/233)
________________________________________
229 - حدثنا ابن جميل ، نا عبد الله ، قال : نا شعبة ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه قال : كان ابن عمر يطوف بالبيت ، فرأى رجلا يطوف حاملا أمه وهو يقول : إني لها بعيرها المذلل إن ذعرت ركابها لم أذعر أحملها وما حملتني أكثر أو قال : أطول . أتراني جزيتها ، يا ابن عمر ؟ فقال : « لا ، ولا زفرة (1) واحدة »
__________
(1) زفرت النار : سُمِعَ لاتقادها صوت
(1/234)
________________________________________
230 - حدثنا إبراهيم بن سعيد ، قال : حدثني موسى بن أيوب ، نا ابن المبارك ، عن معمر ، عمن سمع عبد الله بن عبيد ، قال : جاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت : خلوا الطريق يا عباد الرحمان أخبر أمير المؤمنين بالشان الحمل حول (1) والرضاع حولان ثم جلست فقالت : « إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وفخذي له حواء ، وثديي له سقاء ، فلما بلغ منفعته وأدرك خيره أراد أبوه أن ينتزعه مني ، » فنظر فإذا هو كأنه قد شب فخيره «
__________
(1) الحول : العام أو السنة
(1/235)
________________________________________
231 - أخبرني العباس بن هشام بن محمد ، عن أبيه ، عن يحيى بن ثعلبة الأنصاري ، قال : قدم زمان عمر رضي الله عنه شاب من اليمن يقال له المراجل ، فبدأ بأمه فخيرها ثوبا ، ثم ثنى بامرأته فأخذت ثوبا حسنا ، ثم إن الأم تتبعت ثوب المرأة فقالت له : أعطنيه فأبى (1) ، وقال لها : قد بدأت بك ، فغضبت عليه وأعرضت عنه ، ثم أتت عمر رضي الله عنه فاستعدت عليه ، فأرسل إليه عمر فقال : « أغضبتها حتى استعدت » . فقص عليه القصة ، فقال عمر : « لقد جشعت (2) نفسك فبأي حق ؟ » فقالت : يأيها ذا الرجل المسائل بأي حق آخذ المراجل بتسعة حملته كوامل في البطن لم يحمله عني حامل حتى إذا ما اقترب القوابل وحصحص الحق وزاح الباطل زوجته هاتي التي تناضل وسقت من مالي له الأماثل من أعبد كانوا لنا وجامل فذاك حقي وبه أناضل فهملت عينا عمر رضي الله عنه ، وأمره بالرد عليها
__________
(1) أبى : رفض وامتنع
(2) جشعت : طمعت
(1/236)
________________________________________
232 - حدثنا علي بن الجعد ، قال : نا أبو يوسف ، عن محمد بن عبيد الله ، عن أبي الحسن ، عن أبي المثنى قال : جاء رجل إلى علي رضي الله عنه يخاصم أباه ، فقال : يا أيها الحاكم هذا والدي حقا أتاني وهو محتاج فما كنت به عقا بذلت المال في رفق وما كنت به نزقا فلما خف من مالي وقد أوليته رفقا تولى معرضا عني ولما يعطني حقا فقال علي رضي الله عنه : « ما يقول ابنك هذا ؟ » فقال : قد قال ابني ما ترى فصدقه ربيته في صغر أفنقه طورا (1) أفديه وطورا أونقه حتى إذا شب وسوي مفرقه (2) أقرضني مالا فكنت أنفقه ولم أكن بماله لأسبقه لولا الصبا منه ولولا رهقه اقض القضا والله ربي يرزقه فقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : « قد سمع القاضي ومن الله الفهم المال للشيخ جزاء بالنعم وقد تسلفت بتفضيل القدم من قال قولا غير ذا فقد ظلم وجار في الحكم وبئس ما حكم »
__________
(1) طورا : مرةً وتارةً
(2) المفرق : مكان فرق الشعر من الرأس
(1/237)
________________________________________
233 - حدثنا داود بن عمرو الضبي ، نا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن الثقة ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد رجلا على أبيه في الغزو ، وكان أبوه يبكي عليه ، ويذكره في الشعر ، فكان فيما يقول : أتاه مهاجران فزلجاه عباد الله قد عقا وخابا أبرا بعد ضيعة والديه فلا وأبي كلاب ما أصابا فقال عمر رضي الله عنه : « أجل ، لا ، وأبي كلاب ، ما أصابا تركت أباك مرعشة يداه وأمك ما تسيغ لها شرابا إذا دعت الحمامة ساق حر على بيضاتها دعوا كلابا تنفض مهده شفقا عليه وتجنبه أباعرنا الصعابا »
(1/238)
________________________________________
234 - حدثنا سويد بن سعيد ، نا علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : كان أمية بن الأسكر الجندعي أدرك الإسلام وهو شيخ كبير ، وله امرأة عجوز كبيرة ، وله منها بنون ، فبينا هو يمشي في موسم من مواسم العرب وأحد بنيه يقوده ، إذ جذب يده منه ، فلحق بالجهاد ، ولحقه أخوه ، فقال أمية : إذا دعت الحمامة ساق حر على بيضاتها دعوا كلابا تركت أباك مرعشة يداه وأمك ما تسيغ لها شرابا أتاه مسلمان فزلجاه لترك عجوزه عقا وحابا أرادا أن يفارقها فقالا كتاب الله لو قبل الكتابا وقال : أصاحبتني حتى إذا ما رأيتني أرى الشخص كالشخصين وهو قريب وأني حنى ظهري حوان تركنه شجارا فمشيي في الرجال دبيب تحدث في الأقوام أن لم تعقني بلى حين إذ فارقتني وتحوب وقال : يا ابني أمية إني عنكما غان وما الغنى غير أني مرعش فان يا ابني أمية إلا تشهدا كبري فإن فقدكما والموت عدلان فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه ، فأرسل إليهما ، فقال : « والله لا تفارقانه حتى يموت »
(1/239)
________________________________________
235 - وأخبرني العباس بن هشام ، عن أبيه ، عن محرر بن جعفر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : قال أمية أيضا : « أعاذل قد عذلت بغير قدر وهل تدرين ويحك ما ألاقي وإما كنت عاذلتي فردي كلابا إذ توجه للعراق ولم أقض اللبانة من كلاب غداة غدا وآذن بالفراق فتى الفتيان في عسر ويسر شديد الركن في يوم التلاقي فلا وأبيك ما باليت (1) وجدي ولا شفقي عليك ولا اشتياقي وإلطافي عليك إذا شتونا وضمك تحت نحري (2) واعتناقي فلو فلق الفراق نياط قلب لهم سواد قلبي بانفلاق سأستعدي على الفاروق ربا له دفع الحجيج إلى بساق وأدعو الله مجتهدا عليه ببطن الأخشبين (3) إلى دفاق إن الفاروق لم يردد كلابا إلى شيخين هامهما زواقي »
__________
(1) باليت : اهتممت
(2) النحر : الصدر وأسفل العنق
(3) الأخشبان : الجبلان المُطِيفان بمكة ، وهما أبو قُبَيْس والأحمر ، سُمِّيا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما
(1/240)
________________________________________
236 - حدثنا خلف بن هشام ، نا حماد بن زيد ، عن عبد الله بن المختار ، عن هشام بن عروة : أن كلاب ابن أمية ، غزا في خلافة عمر رضي الله عنه ، فأنشأ أبوه يقول : إذا بكت الحمامة ساق حر على بيضاتها دعوا كلابا تركت أباك مرعشة يداه وأمك ما تسيغ لها شرابا فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه ، فكتب فجيء به ، فلما أن دخل عليه علاه بالدرة (1) ضربا ، وقال : « أجهاد أفضل من أبويك ؟ أجهاد أفضل من أبويك ؟ »
__________
(1) الدرة : السوط يُضرب به
(1/241)
________________________________________
237 - حدثنا إسماعيل بن زكريا ، قال : نا فضيل بن عياض ، عن فطر بن خليفة ، عن حماد ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليس المكافئ بالواصل ، إنما الواصل الذي إذا قطعته رحمه وصلها »
(1/242)
________________________________________
238 - حدثنا أحمد بن المقدام العجلي ، وغيره ، قالوا : نا حزم بن أبي حزم ، نا ميمون بن سياه ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحب أن يمد الله في عمره ، ويزيد في رزقه فليبر والديه ، وليصل رحمه »
(1/243)
________________________________________
239 - حدثنا أبو كريب ، نا محمد بن فضيل ، نا أبو يحيى الفراء ، عن عمرو بن دينار قال : « تعلموا أنه ما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجرا من خطوة إلى ذي رحم »
(1/244)
________________________________________
240 - حدثنا علي بن الجعد ، قال : أخبرني أبو الأشهب ، عن الحسن قال : بينا رجل يطوف بأمه قد حملها على عنقه رفع رأسه إليها ، فقال : يا أمه ، تريني جزيتك ؟ وابن عمر قريب منه ، فقال : « أي لكع (1) ، لا والله ، ولا طلقة واحدة »
__________
(1) اللكع : اللئيم الصغير في العلم والعقل
(1/245)
________________________________________
241 - حدثني عبد الله بن أبي بدر ، قال : نا يزيد بن هارون ، قال : نا عمر بن حفص القرشي ، قال : سمعت عطاء يقول : « لدرهم أضعه في قرابة أحب إلي من ألف أضعها في فاقة (1) ، قال : قلت : يا أبا محمد ، وإن كان قرابتي مثلي في الغنى ؟ قال : » وإن كان أغنى منك «
__________
(1) الفاقة : الفقر والحاجة
(1/246)
________________________________________
242 - قال : وحدثني عبد الله ، قال : حدثني يزيد بن هارون ، قال : نا عبد الله بن مروان ، قال : قلت لمجاهد : إن لي قرابة مشركا ، ولي عليه دين ، أفأتركه له ؟ قال : « نعم ، وصله »
(1/247)
________________________________________
243 - حدثني هاشم بن الحارث ، قال : نا عبد الله بن بكر السهمي ، قال : حدثني محمد بن النعمان ، رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من زار قبر والديه ، أو أحدهما ، في كل جمعة مرة ، غفر له وكتب برا »
(1/248)
________________________________________
244 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا حسين الجعفي ، عن مزاحم بن ذواد بن علبة قال : « مات أخ لي وكان برا بأبيه ، فرأيته فيما يرى النائم ، فقلت له : » أي أخي ، إن أباك يحب أن يعلم إلى أي شيء صرت ؟ فقال : إني ( في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب (1) ) «
__________
(1) سورة : الواقعة آية رقم : 28
(1/249)
________________________________________
245 - أخبرني أبو القاسم السلمي هارون بن أبي يحيى ، عن بعض أهل العلم ، قال : « حضرت رجلا الوفاة ، يقال له : هردان على ماء ، يقال له الرمادة ، فقيل له : يا هردان ، قل : لا إله إلا الله . فقال : قد كنت ذا شغب على الخصم الألد قيل له : قل : لا إله إلا الله . قال : قد كنت أحيانا شديد المعتمد قيل له : قل : لا إله إلا الله . قال : قد صدرت نفسي وما كادت ترد قيل له : قل : لا إله إلا الله . قال : فاليوم قد لاقيت قرنا لا يرد ثم خفت . فقلت : والله لا أشهد رجلا لم يلقن لا إله إلا الله قال : فأتيت في منامي ، فقيل لي : اشهد هردانا ، فإنه من أهل الجنة . قلت : بم ؟ قيل : ببره والدته »
(1/250)
________________________________________
246 - حدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله ، قال : نا عبد الملك بن عيسى الثقفي ، عن يزيد ، مولى المنبعث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة (1) في المال ، منسأة في الأثر »
__________
(1) مثراة : مسببة للغنى وزيادة المال
(1/251)
________________________________________
247 - حدثني عبد الله بن أبي بدر ، قال : نا شعيب بن حرب ، عن سلام بن مسكين ، عن عمران بن عبد الله الخزاعي ، قال : قال رجل يا رسول الله ، من أبر ؟ قال : « والديك » ، قال : ليس لي والدان ، قال : « بر ولدك »
(1/252)
________________________________________
248 - حدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله ، قال : نا عاصم بن سليمان ، عن مسلم أبي عبد الله الحنفي قال : « بر ولدك ، فإنه أجدر أن يبرك ، فإنه من ساء عقه ولده »
(1/253)
________________________________________
249 - قال أبو بكر : بلغني عن أبي همام السكوني ، قال : سمعت الأشجعي ، قال : كنا عند سفيان الثوري ، فأقبل ابنه سعيد ، فقال : « ترون هذا ، ما جفوته قط (1) ، وإنه ليدعوني وأنا في الصلاة غير المكتوبة فأقطعها له »
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/254)
________________________________________
250 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا جرير ، عن برد بن سنان ، عن سليمان بن موسى قال : « قيل لابن محيريز : ما حق الرحم ؟ قال : » تستقبل إذا أقبلت ، وتتبع إذا أدبرت «
(1/255)
________________________________________
251 - حدثنا علي بن الجعد ، نا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون قال : « لما تعجل موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل رأى في ظل العرش رجلا فغبطه بمكانه ، فقال : إن هذا لكريم على ربه عز وجل ، فسأل ربه عز وجل أن يخبره باسمه ، فلم يخبره ، وقال : أحدثك من عمله بثلاث : كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، وكان لا يعق والديه ، ولا يمشي بالنميمة »
(1/256)
________________________________________
252 - حدثنا الحسين بن علي بن يزيد الصدائي ، نا أبي قال : نا سعد بن سلمان البصري أبو حبيب ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دعوة الوالد لولده مثل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، ودعوة الولد لوالده مثل ذلك »
(1/257)
________________________________________
253 - حدثني يعقوب بن عبيد ، قال : حدثني علي بن عاصم ، عن داود بن أبي هند ، قال : سمعت الشعبي يقول : « ما أورثني أبواي مالا أصلهما منه ، ولا استفدت بعدهما مالا أصلهما به ، ولكني أصبر على الغيظ الشديد ، أكظمه ألتمس به برهما (1) »
__________
(1) بر الوالدين : الإحسان إليهما ووصلهما
(1/258)
________________________________________
254 - حدثني إسماعيل بن أسد ، نا إسحاق بن منصور ، عن الربيع بن المنذر الثوري ، عن طريف قال : « رأيت الربيع بن خثيم يحمل غرفة إلى بيت عمته »
(1/259)
________________________________________
255 - حدثنا عقبة بن مكرم ، نا عبد الرحمن بن عثمان ، عن شعبة ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن لي قرابة أحلم عنهم ، ويجهلون علي ، وأصلهم ويقطعون ، وأحسن إليهم ويسيئون ، قال : « إن كنت كما تقول لا تزال تسفهم المل (1) ، ولا يزال معك من الله عز وجل ظهير »
__________
(1) المل : الرماد الحار
(1/260)
________________________________________
256 - حدثنا علي بن محمد بن إبراهيم ، نا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني ، ثنا صدقة بن خالد قال : حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : حدثني مكحول قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من الأشعريين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أمنكم كانت وحرة ؟ » قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : « فإن الله عز وجل أدخلها الجنة ببرها لوالدتها ، ووالدتها مشركة ، أغير على حيها وتركوها وأمها ، فحملتها تشتد بها في الرمضاء (1) ، فإذا احترقت قدماها أجلستها في حجرها ، وبسطت رجليها ، وجعلت رجلي أمها على رجليها ، ثم حنت عليها تظلها من الشمس ، فإذا راحت حملتها ، فلم تزل كذلك حتى نجتها ، فأدخلها الله تبارك وتعالى بذلك الجنة » . قال ابن جابر : ولقد أدركت ، وإنه ليقال : « لو كنت أبر من وحرة » قال أبو مسهر : وقال رجل من الأشعريين في الجاهلية : « ألا أبلغن أيها المغتدي بني جميعا وبلغ بناتي بأن وصاتي بتقوى الإله فاحفظوا ما بقيتم وصاتي وكونوا كوحرة في برها تنالوا الكرامة بعد الممات وقت أمها بشواها الرميض وقد ألهب القيظ نار الفلاة فظلت مطيتها في الرمال حافية من حذار العداة لترضي ربا شديد القوى وتظفر من ناره بالنجاة فهذي وصاتي فكونوا لها طوال الحياة رعاة الرعاة »
__________
(1) الرمضاء : الرمل الذي اشتدت حرارته في الظهيرة
(1/261)
________________________________________
257 - حدثني الحسن بن علي بن مالك ، نا أحمد بن عمرو بن السرح ، قال : نا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن بكر بن سوادة ، عن أبي سالم الجيشاني ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن امرأة من عك ظعنوا (1) في يوم شديد الحر ومعها ابنها وأم لها ، فانطلقت إلى ابنها فأعطته رجلا من قومها ، وجعلت أمها على فخذيها بينها وبين الأرض ، فغفر الله عز وجل لها »
__________
(1) الظعن : الارتحال
(1/262)
________________________________________
258 - حدثنا الحسن بن علي بن مالك ، نا أحمد بن عمرو بن السرح ، قال : نا ابن وهب ، أخبرني حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال : « كنت جالسا مع عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، ورجل من أهل اليمن يطوف بأمه يحملها بين كتفيه ، حتى إذا قضى طوافه بالبيت وضعها بالأرض ، فدعاه ابن عمر ، فقال : » ما هذه المرأة منك ؟ « قال : هي والدتي . فقال عبد الله : » لوددت أني أدركت أمي فطفت بها كما طفت بأمك ، وليس لي من الدنيا إلا هذه النعلان
(1/263)
________________________________________
باب ما جاء في الأمانة
(1/264)
________________________________________
259 - حدثني أزهر بن مروان الرقاشي ، نا قزعة بن سويد ، قال : نا داود بن أبي هند ، قال : مررت على أعرابي بالجديلة ، فقال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « أول ما يرفع من هذه الأمة الحياء والأمانة ، فسلوهما الله عز وجل »
(1/265)
________________________________________
260 - حدثني القاسم بن هاشم أبو محمد البزاز ، نا مسلم بن إبراهيم ، نا الحسن بن أبي جعفر ، نا أبو جعفر الأنصاري ، عن الحارث بن الفضل ، أو ابن الفضيل ، عن عبد الرحمن بن أبي قراد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من سره أن يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدث ، وليؤد أمانته إذا ائتمن ، وليحسن جواره إذا جاور »
(1/266)
________________________________________
261 - حدثنا أبو هشام ، نا ابن فضيل ، نا الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن عبد الله بن هانئ أبي الزعراء ، عن عبد الله قال : « أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخر ما تفقدون الصلاة ، وليصلين قوم لا دين لهم »
(1/267)
________________________________________
262 - حدثني أبو عبد الله العجلي الحسين بن علي ، نا أبو أسامة ، نا سفيان ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني ، عن ابن الديلمي ، عن كعب الأحبار قال : « يأتي على الناس زمان ترفع فيه الأمانة ، وتنزع فيه الرحمة ، وترسل فيه المسألة ، فمن سأل فأعطي لم يبارك له »
(1/268)
________________________________________
263 - حدثنا علي بن شعيب ، نا عبد المجيد قال : حدثني يزيد بن حيان ، أخو مقاتل بن حيان ، قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : « لا تغرنكم طنطنة الرجل بالليل - يعني صلاته - فإن الرجل كل الرجل من أدى الأمانة إلى من ائتمنه ، ومن سلم المسلمون من لسانه ويده »
(1/269)
________________________________________
264 - حدثني يعقوب بن إسماعيل ، نا حبان بن موسى ، نا عبد الله ، قال : نا ليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن ابن أبي هلال ، عن عبد العزيز بن عمر ، عن عبيد بن أم كلاب ، أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : « أيها الناس لا تعجبنكم من الرجل طنطنته ، ولكن من أدى الأمانة ، وكف عن أعراض الناس فهو الرجل »
(1/270)
________________________________________
265 - حدثنا هارون بن عمر القرشي ، نا يحيى بن حسان ، نا ابن لهيعة ، نا الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن عبد الرحمن بن حجيرة ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاث إذا كن فيك لم يضرك ما فاتك من الدنيا : صدق الحديث ، وحفظ أمانة ، وعفة في طعمة »
(1/271)
________________________________________
266 - حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي ، نا يحيى بن حسان ، نا محمد بن أبان الجعفي ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من ادان دينا وهو ينوي ألا يؤديه لصاحبه فهو سارق »
(1/272)
________________________________________
267 - حدثني عبد الله بن أبي بدر ، نا الوليد بن مسلم ، نا الأوزاعي ، عن الزهري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحب أن يحبه الله عز وجل ورسوله فليصدق حديثه ، وليؤد أمانته ، ولا يؤذ جاره »
(1/273)
________________________________________
268 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن شداد بن معقل ، قال : قال ابن مسعود : « أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخر ما يبقى الصلاة ، وليصلين قوم لا دين لهم »
(1/274)
________________________________________
269 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا جرير ، عن ليث ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال : « أول ما خلق الله عز وجل من الإنسان فرجه ، ثم قال : هذه أمانتي عندك فلا تضعها إلا في حقها . فالفرج أمانة ، والسمع أمانة ، والبصر أمانة »
(1/275)
________________________________________
270 - حدثنا سويد بن سعيد ، نا صالح بن موسى ، عن أبي خازم ، عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لعبد الله بن عمرو : « كيف بك إذا بقيت في حثالة (1) من الناس قد مرجت (2) عهودهم وأماناتهم ، واختلفوا فصاروا هكذا » - وشبك بين أصابعه - ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : « اعمل بما تعرف ، ودع ما تنكر ، وإياك والتلون في دين الله ، وعليك بخاصة نفسك ، ودع أمر العامة »
__________
(1) الحثالة : الرديء من كل شيء
(2) مرجت : اختلفت وفسدت
(1/276)
________________________________________
271 - حدثنا الحسن بن حماد الضبي ، نا أبو يحيى الحماني ، عمن ، أخبره ، عن الأعمش ، عن المعلى الكندي ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من اؤتمن على أمانة فأداها وهو قادر على ألا يؤديها زوجه الله عز وجل بها زوجة من الحور العين ، ابنة نبي »
(1/277)
________________________________________
272 - حدثنا أبو خيثمة ، نا الحسن بن موسى ، قال : نا أبو هلال ، عن قتادة ، عن أنس قال : قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال : « لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له »
(1/278)
________________________________________
273 - حدثني سلم بن جنادة ، نا وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : « ما نقصت أمانة عبد إلا نقص إيمانه »
(1/279)
________________________________________
274 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، عن زياد بن الربيع ، عن إسماعيل ، عن مسلم البطين ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الأمانة غنى »
(1/280)
________________________________________
باب ما جاء في التذمم للصاحب
(1/281)
________________________________________
275 - حدثنا أحمد بن جميل المروزي ، قال : نا عبد الله بن المبارك ، قال : نا حيوة بن شريح قال : حدثني شرحبيل بن شريك ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « إن خير الأصحاب عند الله عز وجل خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله عز وجل خيرهم لجاره »
(1/282)
________________________________________
276 - وحدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله قال : نا سفيان ، عن الأعمش ، « أن سعد بن عبيدة خرج عليه جعل مائتي درهم ، فحبس بها ، فمر عليه عمارة بن عمير فسأل ، فأخبروه ، فعمد إلى مكاتب له فصالحه على مائتي درهم يعجلها ، فأعطاها فأخرج ولم يعلمه ، فلما خرج قال : من أخرجني ؟ قالوا : عمارة »
(1/283)
________________________________________
277 - حدثنا ابن جميل قال : نا عبد الله قال : نا سفيان ، عن العلاء بن المسيب قال : « كان خيثمة يحمل صررا ، وكان موسرا ، فيجلس في المسجد ، فإذا رأى رجلا من أصحابه في ثيابه رثاثة (1) اعترض له فأعطاه »
__________
(1) الرث : القديم الهالك البالي ، والمراد سيئ الهيئة
(1/284)
________________________________________
278 - حدثنا ابن عباد المكي ، نا سفيان بن عيينة قال : سمعت مساورا الوراق يقول : « ما كنت لأقول لرجل إني أحبك في الله عز وجل ، فأمنعه شيئا من الدنيا »
(1/285)
________________________________________
279 - وحدثت ، عن ضمرة بن ربيعة ، عن عمرو بن عبد الرحمن ، قال : جاءت يزيد بن عبد الملك بن مروان غلة من عملته ، فجعل يصررها ، ويبعث بها إلى إخوانه ، وقال : « إني أستحيي من الله عز وجل أن أسأل الجنة لأخ من إخواني ، وأبخل عنه بدينار أو درهم »
(1/286)
________________________________________
280 - حدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله ، نا سعد بن عمرو ، عن أبي منصور ، عن إبراهيم : أنه انتهى معه إلى زقاق ، فقال له إبراهيم : « تقدم » ، فأبى (1) أن يتقدم ، فتقدم إبراهيم ، ثم قال : « لو كنت أعلم أنك أكبر مني بيوم ما تقدمتك »
__________
(1) أبى : رفض وامتنع
(1/287)
________________________________________
281 - حدثنا إبراهيم بن سعيد ، نا روح بن عبادة ، عن المثنى بن سعيد ، عن أبي إياس ، قال : « إذا اصطحب الرجلان فتقدم أحدهما صاحبه فقد أساء الصحبة »
(1/288)
________________________________________
282 - حدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله ، قال : نا مالك بن مغول ، عن طلحة ، قال : أخذت معه في زقاق (1) ، فقال طلحة : « لو كنت أعلم أنك أكبر مني بيوم ما تقدمتك »
__________
(1) الزقاق : الطريق الضيقة
(1/289)
________________________________________
283 - حدثني عبد الله بن أبي بدر ، نا عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن عثمان بن الأسود ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عبد الله بن قيس ، قال : « من حق الصاحب على صاحبه إذا بالت دابته أن يقف له »
(1/290)
________________________________________
284 - حدثني أبو محمد القاسم بن هاشم البزاز ، قال : حدثني سليمان بن سلمة ، قال : نا ضمرة ، عن إبراهيم بن أبي عبلة قال : « رأيت سالم بن عبد الله ، وعمر بن عبد العزيز يتسايران في أرض الروم ، فبالت دابة أحدهما فانتظره صاحبه »
(1/291)
________________________________________
285 - حدثني أبو عبد الرحمن الخزاعي عبد الله بن أحمد قال : قال محمد بن مناذر : « كنت أمشي مع الخليل بن أحمد فانقطع شسعي (1) فخلع نعله ، فقلت : ما تصنع ؟ قال : أواسيك في الحفاء »
__________
(1) الشسع : سير يمسك النعل بأصابع القدم
(1/292)
________________________________________
286 - حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، قال : نا أبو عبيدة الحداد ، عن عبد الله بن أبي داود ، قال : سمعت بكر بن عبد الله يقول : « إذا كنت مع صاحب لك يمشي ، فتخلف يبول ، فلم تقم عليه حتى يقضي بوله ، فلست له بصاحب ، وإذا ما انقطع شسعه (1) ، فقام يصلحه فلم تقم عليه فلست له بصاحب »
__________
(1) الشسع : سير يمسك النعل بأصابع القدم
(1/293)
________________________________________
287 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : نا الأسود بن عامر ، قال : نا حبان بن علي ، عن الحسن بن كثير قال : شكوت إلى محمد بن علي الحاجة وجفاء إخواني ، فقال : « بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ، ويقطعك فقيرا » ، ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم ، فقال : « استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني »
(1/294)
________________________________________
288 - حدثني محمد ، قال : نا محمد بن القاسم الأسدي ، نا الفضل بن دلهم ، قال : كان الحسن إذا فقد الرجل من إخوانه أتى منزله ، فإن كان غائبا وصل أهله وعياله ، وإن كان شاهدا سأله عن أمره وحاله ، ثم دعا بعض ولده من الأصاغر فأعطاهم الدراهم ووهب لهم ، وقال : « أبا فلان ، إن الصبيان يفرحون بهذا »
(1/295)
________________________________________
289 - حدثني محمد بن الحسين قال : نا يحيى بن أبي بكير ، عن عباد بن الوليد القرشي قال : كان الحسن إذا فقد الرجل من إخوانه أتاه فسلم عليه ، وسأله عن حاله ، فإذا خرج من عنده دعا الخادم ، فأعطاها صرة (1) فيها دراهم ، فقال : « ادفعيها إلى مولاتك فقولي : استنفقيها ولا تعلمي سيدك بها »
__________
(1) الصرة : ما يجمع فيه الشيء ويُشدُّ
(1/296)
________________________________________
290 - حدثني محمد بن الحسين ، نا حبان بن هلال ، عن حماد بن زيد ، عن جميل بن مرة قال : مستنا حاجة شديدة ، فكان مورق العجلي يأتينا بالصرة ، فيقول : « أمسكوا لي هذه عندكم » ، ثم يمضي غير بعيد ، فيقول : « إن احتجتم إليها فأنفقوها »
(1/297)
________________________________________
291 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا سفيان ، قال : قيل لمحمد بن المنكدر : ما بقي مما تستلذ ؟ قال : « الإفضال على الإخوان »
(1/298)
________________________________________
292 - حدثني محمد بن الحسين ، نا زكريا بن عدي ، نا الصلت بن بسطام التيمي ، عن أبيه قال : كان حماد بن أبي سليمان يزورني ويقيم عندي سائر نهاره ، ولا يطعم شيئا ، فإذا أراد أن ينصرف قال : « انظر الذي تحت الوسادة فمرهم ينتفعون به » ، قال : فأجد الدراهم الكثيرة
(1/299)
________________________________________
293 - وحدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني الصلت بن حكيم ، عن الصلت بن بسطام قال : « كان حماد بن أبي سليمان يفطر في كل ليلة من شهر رمضان خمسين إنسانا ، فإذا كان ليلة الفطر كساهم ثوبا ثوبا »
(1/300)
________________________________________
294 - وحدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني الصلت بن حكيم ، قال : حدثني النضر بن إسماعيل ، عن ابن أبي الرجال ، « أن زبيدا ، قدم من سفر فأهدى له طلحة سلال خبيص ، فجمع عليها إخوانه ، فأكلوا ، وكساهم ثوبا ثوبا »
(1/301)
________________________________________
295 - حدثني محمد ، قال : حدثني محمد بن يزيد بن خنيس ، قال : نا سلام بن النجاشي ، قال : لقي الحسن بن أبي الحسن البصري بعض إخوانه ، فلما أراد أن يفارقه خلع عمامته وألبسها إياه ، وقال : « إذا أتيت أهلك فبعها واستنفق ثمنها »
(1/302)
________________________________________
296 - حدثني محمد بن الحسين ، نا أبو عمر الضرير ، نا فضالة الشحام ، قال : كان الحسن إذا دخل عليه إخوانه أتاهم بما يكون عنده ، ولربما قال لبعضهم : « أخرج السلة من تحت السرير » ، فيخرجها ، فإذا فيها رطب ، فيقول : « ادخرته لكم »
(1/303)
________________________________________
297 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : نا الفضل بن دكين ، نا أبو خلدة ، قال : دخلنا على محمد بن سيرين أنا وعبد الله بن عون ، فرحب بنا ، وقال : « ما أدري ما أتحفكم ، كل رجل منكم في بيته خبز ولحم ، ولكن سأطعمكم شيئا لا أراه في بيوتكم » ، فجاء بشهدة ، فكان يقطع بالسكين ويلقمنا
(1/304)
________________________________________
298 - حدثنا محمد ، نا علي بن عاصم ، قال : حدثني يزيد بن أبي زياد قال : « ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى قط (1) إلا حدثني بحديث حسن ، وأطعمني طعاما طيبا »
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/305)
________________________________________
299 - حدثنا محمد بن الحسين ، نا أبو إسحاق الطالقاني ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب قال : « كان أبان بن أبي عياش يدعو إخوانه فيصنع لهم الطعام ويجيزهم بالدراهم »
(1/306)
________________________________________
300 - حدثني المفضل بن غسان قال : نا أبو مسهر الدمشقي ، نا هشام بن يحيى بن يحيى الغساني ، قال : حدثني أبي ، قال : خرج عبد الملك بن مروان من الصخرة وأدرك سليمان بن قيس الغساني وابن هبيرة الكندي وهما يمشيان في صحن بيت المقدس ، قال : فما علما حتى وضع يده على منكب (1) سليمان ، ويده الأخرى على منكب ابن هبيرة ، ثم قال : افرجا لملك ليس كملك غسان ولا كندة . قال : والتفتا فإذا بأمير المؤمنين ، فأرادا أن يفتخرا بملكهما ، فقال : « على رسلكما أليس ما كان في الإسلام خير مما كان في الجاهلية ؟ » قالا : بلى . قال : « فملكي خير من ملككما » . قال : ثم مشيا معه حتى أتى منزله ، فدخل وأذن لهما ، فقال لهما : « إن الشاعر قال : جاءت لتصرعني فقلت لها ارفقي فعلى الرفيق من الرفيق ذمام وقد صحبتماني من حيث رأيتما ولكما بذلك علي حق وذمام (2) ، فإن أحببتما أن ترفعا ما كانت لكما من حاجة الساعة ، وإن أحببتما أن تنصرفا ، فتذكرا على مهلكما فعلتما » . قالا : ننصرف يا أمير المؤمنين . قال : « فما رفعا إليه حاجة إلا قضاها »
__________
(1) المنكب : مُجْتَمَع رأس الكتف والعضد
(2) الذمة والذمام : العَهْد، والأمَانِ، والضَّمان، والحُرمَة، والحقِّ
(1/307)
________________________________________
301 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الرحمن الطائي ، عن عبد الله بن عياش ، قال : حدثني الأبرش بن الوليد الكلبي قال : دخلت على هشام بن عبد الملك فسألته حاجة ، فامتنع علي ، فقلت : « يا أمير المؤمنين ، لا بد منها فإنا قد ثنينا عليها رجلا » . قال : ذاك أضعف لك أن تثني رجلك على ما ليس عندك فقلت : « يا أمير المؤمنين ، ما كنت أظن أني أمد يدي إلى شيء مما قبلك إلا نلته » ، قال : ولم ؟ قلت : « لأني رأيتك لذلك أهلا ، ورأيتني مستحقه منك » قال : يا أبرش ، ما أكثر من يرى أنه يستحق أمرا وليس له بأهل . فقلت : « أف لك ، إنك والله ما علمت قليل الخير نكده ، والله إن نصيب منك الشيء إلا بعد مسألة ، فإذا وصل إلينا مننت به ، والله إن أصبنا منك خيرا قط (1) » . قال : لا والله ، ولكنا وجدنا الأعرابي أقل شيء شكرا . قلت : « والله إني لأكره للرجل أن يحصي ما يعطي » ، ودخل عليه أخوه سعيد بن عبد الملك ونحن في ذلك ، فقال لي : مه يا أبا مجاشع ، لا تقل ذاك لأمير المؤمنين . قال : فقال هشام : أترضى بأبي عثمان بيني وبينك ؟ قلت : « نعم » ، قال سعيد : ما تقول يا أبا مجاشع ؟ فقلت : « لا تعجل ، صحبت والله هذا ، وهو أنذل بني أمية وأنا يومئذ سيد قومي ، أكثرهم مالا وأوجههم جاها ، أدعى إلى الأمور العظام من قبل الخلفاء وما يطمع هذا يومئذ فيما صار إليه ، حتى إذا صار إلى البحر الأخضر غرف لنا منه غرفة » ، ثم قال : حسب . فقال هشام : يا أبرش ، اغفرها لي ، فوالله لا أعود لشيء تكرهه أبدا . صدق يا أبا عثمان . قال : « فوالله ، ما زال مكرما لي حتى مات »
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/308)
________________________________________
302 - حدثنا أحمد بن إبراهيم العبدي ، نا غسان بن المفضل قال : « كنت أرى بشر بن منصور إذا زاره الرجل من إخوانه قام معه حتى يأخذ بركابه » ، قال : « وفعل ذاك بي كثيرا »
(1/309)
________________________________________
303 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني يحيى بن أبي بكير ، عن عباد بن الوليد القرشي ، قال : كان عمرو بن عبيد يصل إخوانه بالدنانير والدراهم ، حتى ربما نزع ثوبه فيدفعه إلى بعضهم ، ويقول : « ما أعدل ببركم شيئا »
(1/310)
________________________________________
304 - حدثني محمد بن الحسين ، نا محمد بن القاسم ، عن سفيان ، عن يونس ، عن الحسن قال : « إن كان الرجل ليخلف أخاه في أهله بعد موته أربعين سنة »
(1/311)
________________________________________
305 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني إسحاق بن منصور ، نا هريم بن سفيان ، قال : « كان عمرو بن قيس الملائي يمر بنا في كل جمعة ومعه هدية قد حملها ، يأتي بها منزل منصور بن المعتمر » ، قال : « وذاك بعد موت منصور بما شاء الله ، فلم يزل على ذلك حتى مات » ، قال : فبلغني أن أهله كانت تعاهدهم بنحو من ذلك بعدما مات عمرو «
(1/312)
________________________________________
306 - حدثني محمد ، قال : نا زكريا بن عدي ، قال : نا الصلت بن بسطام التيمي ، عن أبيه ، قال : « رأيت طلحة بن مصرف يخرج من زقاق (1) ضيق في التيم » ، فقلت : من أين يجيء طلحة ؟ قالوا : « يأتي أم عمارة بن عمير يبرها (2) بالنفقة والكسوة والصلة ، قال : وذاك بعد موت عمارة ببضع عشرة سنة » ، قال : « وكانت أم عمارة أعجمية »
__________
(1) الزقاق : الطريق الضيقة
(2) البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
(1/313)
________________________________________
307 - حدثني محمد بن الحسين ، نا زيد بن الحباب ، عن مندل ، عن سلمى مولاة لأبي جعفر ، قالت : « كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطيب ، ويكسوهم الثياب الحسنة ، ويهب لهم الدراهم » ، قالت : « فأقول له : بعض ما تصنع قال : فيقول : يا سلمى ، ما نؤمل في الدنيا بعد المعارف والإخوان »
(1/314)
________________________________________
308 - حدثني محمد بن الحسين ، نا إسحاق بن منصور الأسدي ، نا حماد بن أبي حنيفة قال : « كان أبو جعفر محمد بن علي يدعو نفرا من إخوانه كل جمعة ، فيطعمهم الطعام الطيب ، ويطيبهم ، ويجمرهم ، ويروحون إلى المسجد من منزله »
(1/315)
________________________________________
309 - حدثني محمد بن الحسين ، نا زكريا بن عدي ، نا هشيم ، عن منصور قال : قال رجل للحسن : يا أبا سعيد ، الرجل يشتري الشاة ، فيصنعها ، ويدعو عليها نفرا من إخوانه . قال : « وأين أولئك ؟ ذهب أولئك »
(1/316)
________________________________________
310 - حدثنا علي بن الجعد ، قال : نا شريك ، عن أبي المحجل ، عن الحسن قال : قال عمر رضي الله عنه : « إن مما يصفي لك ود أخيك ثلاثا : تبدأه بالسلام إذا لقيته ، وتدعوه بأحب أسمائه إليه ، وتوسع له في المجلس »
(1/317)
________________________________________
311 - حدثنا يحيى بن عبدويه ، عن شريك ، عن أبي المحجل ، عن الحسن قال : قال عمر رضي الله عنه : « ثلاث من الشقاء : أن يجد الرجل على أخيه فيما يأتي ، أو يذكر من أخيه ما يعرف من نفسه ، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه »
(1/318)
________________________________________
312 - حدثنا علي بن الجعد ، قال : أخبرني شعبة ، عن عبد الله بن عمران ، قال : سمعت مجاهدا يقول : « صحبت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه ، فكان هو الذي يخدمني »
(1/319)
________________________________________
313 - وحدثني علي بن داود ، نا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني ابن لهيعة ، عن عقيل ، عن الزهري ، قال : قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله : ما الكرم ؟ قال : « صدق الإخاء في الشدة والرخاء »
(1/320)
________________________________________
باب التذمم للجار
(1/321)
________________________________________
314 - حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني محمد بن طلحة ، عن زبيد ، عن مجاهد ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه »
(1/322)
________________________________________
315 - حدثنا ابن جميل ، نا عبد الله ، نا بشير بن سلمان ، عن مجاهد ، قال : كنا عند عبد الله بن عمرو ، وغلام له يسلخ شاة ، فقال : يا غلام ، إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي ، حتى قالها ثلاث مرار ، فقال له رجل من القوم : كم تذكر اليهودي ؟ فقال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى حسبنا أو رأينا أنه سيورثه »
(1/323)
________________________________________
316 - حدثنا شجاع بن الأشرس ، نا ليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن أبي بكر بن حزم ، أن عمرة بنت عبد الرحمن أخبرته ، أن عائشة رضي الله عنها أخبرتها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه »
(1/324)
________________________________________
317 - حدثنا أبو إسحاق ، نا عبيد الله بن موسى ، عن موسى بن عبيدة ، عن زيد بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حرمة الجار على الجار كحرمة أبيه »
(1/325)
________________________________________
318 - حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، نا سفيان بن حمزة ، عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره »
(1/326)
________________________________________
319 - حدثنا شجاع بن الأشرس ، نا ليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي شريح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره »
(1/327)
________________________________________
320 - حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني سلام بن مسكين ، نا شهر بن حوشب ، عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، آذاني جاري . قال : « اصبر » . ثم عاد ، فقال : يا رسول الله ، آذاني جاري . قال : « اصبر » . ثم عاد إليه ، فقال : يا رسول الله ، آذاني جاري . قال : « اعمد إلى متاعك فاقذفه في السكة ، فإذا أتى عليك آت فقل : آذاني جاري ، فتحق عليه اللعنة » ، ثم قال : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت »
(1/328)
________________________________________
321 - حدثني الفضل بن جعفر ، نا محمد بن المصفى ، نا بقية ، حدثني عيسى بن إبراهيم ، عن الأسود بن شيبان ، قال : سمعت أبا العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير يحدث ، عن مطرف ، أنه سمع أبا ذر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل يحب الرجل له الجار السوء ، يؤذيه فيصبر على أذاه ، ويحتسبه حتى يكفيه الله بحياة أو موت »
(1/329)
________________________________________
322 - حدثنا ابن جميل ، أنا عبد الله ، أنا رشدين بن سعد ، أخبرني أبو هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه جاره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كف أذاك عنه واصبر لأذاه ، فكفى بالموت مفرقا »
(1/330)
________________________________________
323 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، نا عبد الصمد بن عبد الوارث ، نا محمد بن مهزم الشعاب ، نا عبد الرحمن بن القاسم ، نا القاسم ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حسن الجوار ، وصلة الرحم ، وحسن الخلق يعمرن الديار ويزدن في الأعمار »
(1/331)
________________________________________
324 - حدثنا ابن جميل ، أنا عبد الله ، نا حيوة بن شريح ، حدثني شرحبيل بن شريك ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خير الجيران عند الله عز وجل خيرهم لجاره »
(1/332)
________________________________________
325 - حدثني عبد الله بن أبي بدر ، نا يزيد بن هارون ، نا عبد الملك بن قدامة ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « قوموا ولا يقومن معي أحد آذى جاره » . فقال رجل : يا رسول الله ، إني بلت في أصل جدار جاري ، قال : « لا تتبعنا »
(1/333)
________________________________________
326 - حدثني أبو يحيى الجحدري ، نا أبو هلال الراسبي ، عن الحسن ، قال : « كان الرجل في الجاهلية يقول : والله لا يؤذى كلب جاري »
(1/334)
________________________________________
327 - حدثني أبو إسحاق الرياحي ، حدثني داود بن أبي عبد الرحمن ، - جار مالك بن دينار - وكان ثقة قال : كان لبعض جيران مالك بن دينار كلب ضعيف ، فكان مالك « يخرج له كل يوم طعاما ، فيلقيه إليه »
(1/335)
________________________________________
328 - حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري ، نا موسى بن أيوب ، نا مخلد ، عن هشام قال : كان حسان بن أبي سنان بن ثابت ، تدخل العنز إلى منزله فتأخذ الشيء ، فإذا طردت قال لهم : « لا تطردوا عنز جاري ، دعوها تأخذ حاجتها »
(1/336)
________________________________________
329 - حدثنا ابن جميل ، أنا عبد الله ، أنا عبيد الله بن الشميط ، قال : « جاءت امرأة إلى الحسن تشكو الحاجة ، فقالت : إني جارتك ، قال : » كم بيني وبينك ؟ « قالت : سبع دور ، أو قالت : عشر ، فنظر تحت الفراش فإذا ستة دراهم أو سبعة ، فأعطاها إياها وقال : » كدنا نهلك «
(1/337)
________________________________________
330 - حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني شعبة ، عن أبي عمران الجوني قال : سمعت طلحة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال : « إلى أقربهما منك بابا »
(1/338)
________________________________________
331 - حدثنا داود بن رشيد ، نا بقية بن الوليد ، عن إبراهيم بن أدهم ، عمن حدثه ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : « إذا دخل عليك صبي جارك فضعي في يده شيئا ، فإن ذلك يجر مودة »
(1/339)
________________________________________
332 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني الصلت بن حكيم ، عن الصلت بن بسطام قال : كان حماد بن أبي سليمان « يفطر كل ليلة في شهر رمضان خمسين إنسانا ، فإذا كان ليلة الفطر كساهم ثوبا ثوبا ، وأعطاهم مائة مائة »
(1/340)
________________________________________
333 - حدثني محمد بن الحسين ، نا إسحاق بن منصور ، قال : سمعت داود الطائي قال : كان حماد بن أبي سليمان « سخيا على الطعام ، جوادا بالدنانير والدراهم »
(1/341)
________________________________________
334 - حدثنا زيد بن أخزم الطائي ، نا عبد الصمد بن عبد الوارث ، نا محمد بن مهزم ، نا عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاث يعمرن الديار ، ويزدن في الأعمار : حسن الجوار ، وصلة الأرحام ، وحسن الخلق »
(1/342)
________________________________________
335 - حدثنا شجاع بن الأشرس ، نا ليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - إن كان قاله - : « الجيران ثلاثة : فجار له ثلاثة حقوق ، وجار له حقان ، وجار له حق . فجارك ذو الثلاثة الحقوق : جارك المسلم الذي بينك وبينه قرابة ، فللإسلام حق وللقرابة حق وللجوار حق . وجارك ذو الحقين : جارك المسلم ، فللإسلام حق وللجوار حق . وجارك ذو الحق : جارك الذي ليس على دينك ، فللجوار حق »
(1/343)
________________________________________
336 - حدثنا أبو نصر التمار ، نا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، وحميد ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه (1) »
__________
(1) بوائقه : ظلمه وشروره ومصائبه
(1/344)
________________________________________
337 - حدثني عمرو الناقد ، نا زيد بن الحباب ، نا علي بن مسعدة الباهلي ، نا قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه (1) »
__________
(1) بوائقه : ظلمه وشروره ومصائبه
(1/345)
________________________________________
338 - حدثنا أبو حفص الصفار ، نا جعفر بن سليمان ، نا أسماء بن عبيد ، قال : قال عائذ بن عمرو المزني : « لأن يصب طستي (1) في حجلتي أحب إلي من أن يصب في طريق المسلمين » . وكان لا يخرج إلى الطريق من داره ماء ولا ماء السماء . قال : « فرئي له أنه من أهل الجنة ، فقيل : بم ؟ فقيل : بكفه أذاه عن المسلمين »
__________
(1) الطست : إناء كبير مستدير من نحاس أو نحوه
(1/346)
________________________________________
339 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا جرير ، عن أبي حيان التيمي ، عن أبيه قال : « كانت مرازيب شريح في داره ، وكان إذا مات له سنور (1) دفنه في داره كراهية أن يؤذي به أحدا »
__________
(1) السِّنَّوْر : الهِرُّ والهرّة
(1/347)
________________________________________
340 - حدثني محمد بن المغيرة المازني ، نا سعيد بن سليمان ، نا موسى بن خلف العمي ، نا أبان ، عن عطاء ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كم من جار متعلق بجاره ، يقول : يا رب ، سل هذا بما أغلق عني بابه ، ومنعني معروفه »
(1/348)
________________________________________
341 - حدثني محمد بن الحسين ، نا الفضل بن دكين ، نا سفيان ، عن عبد الملك بن أبي بشير ، عن عبد الله بن مساور قال : قال ابن عباس وهو يبخل ابن الزبير : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع »
(1/349)
________________________________________
342 - وأخبرني محمد ، قال : سمعت أبا العتاهية يقول : « ومن الجهالة بالمكارم أن ترى جارا يجوع وجاره شبعان »
(1/350)
________________________________________
343 - حدثني إبراهيم بن سعيد ، نا موسى بن إسماعيل ، عن جويرية بن أسماء قال : « كان أبي يقول : الجار قبل الدار »
(1/351)
________________________________________
344 - وأخبرني أبو زيد النميري ، نا موسى بن إسماعيل ، نا نوح بن قيس ، نا عبد الواحد بن نافع ، قال : قال أبو الأسود الدؤلي : « ألا من يشتري دارا برخص كراهة بعض جيرتها تباع »
(1/352)
________________________________________
345 - حدثنا سعدويه ، عن محمد بن طلحة ، عن سلم بن عطية ، عن الحسن ، قال : « قال لقمان لابنه : يا بني ، حملت الجندل (1) والحديد وكل حمل ثقيل ، فلم أجد شيئا أثقل من جار السوء »
__________
(1) الجندل : الصخر الصلب
(1/353)
________________________________________
346 - أخبرني أبو زيد النميري ، أخبرني أيوب بن عمر بن أبي عمرو ، قال : أخبرني عبد الله بن محمد الفروي قال : اشترى عبد الله بن عامر بن كريز من خالد بن عقبة بن أبي معيط داره التي في السوق ، ليشرع بها بابه على السوق بثمانين أو تسعين ألفا ، فلما كان من الليل سمع بكاء ، فقال لأهله : « ما لهؤلاء يبكون ؟ » ، قالوا : على دارهم ، قال : « يا غلام ، ايتهم (1) وأعلمهم أن الدار والمال لهم »
__________
(1) ائت كذا : اذهب إليه
(1/354)
________________________________________
347 - وأخبرني أبو زيد قال : حدثني محمد بن يحيى الكناني ، قال : اشترى سعيد بن العاص دارا من قوم من الأنصار يقال لهم : آل أبي المعلى من بني زريق بمائة ألف ، وهي الدار التي فيها اليوم السجن ، قال : فندموا فاستقالوه ، فأقالهم ، ثم ندموا فاستعادوه ، فقبل الدار ، وبعث إليهم بمائة ألف أخرى
(1/355)
________________________________________
348 - حدثنا محمد بن سليمان الأسدي أن أبا عقيل يحيى بن المتوكل حدثهم ، عن عمر بن حمزة ، عن عمر بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أشراط الساعة : سوء الجوار ، وقطيعة الأرحام ، وتعطيل السيف من الجهاد ، وأن تختل الدنيا بالدين »
(1/356)
________________________________________
349 - حدثنا سوار بن عبد الله ، نا مرحوم بن عبد العزيز ، نا القعقاع بن عمرو قال : صعد الأحنف بن قيس فوق بيته فأشرف على جاره ، فقال : « سوءة سوءة دخلت على جاري بغير إذن ، لا صعدت فوق هذا البيت أبدا »
(1/357)
________________________________________
باب ما جاء في المكافأة بالصنائع
(1/358)
________________________________________
350 - حدثني مهدي بن حفص ، وأبو مسلم ، وإسحاق بن إسماعيل ، قالوا : نا عيسى بن يونس ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها »
(1/359)
________________________________________
351 - حدثنا محمد بن حميد ، نا إبراهيم بن المختار ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ، قالت : « بعثني معوذ بن عفراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقناع (1) من رطب ، عليه أجر من قثاء زغب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القثاء (2) ، وكان عنده حلبة قد قدمت إليه من البحرين ، فملأ يده منها فأعطانيها ، صلى الله عليه وسلم »
__________
(1) القناع : الطبق الذي يؤكل عليه
(2) القثاء : ثمر من الخضر وهو ما يعرف بالخيار
(1/360)
________________________________________
352 - حدثنا أحمد بن جميل ، قال : أخبرنا عبد الله ، قال : حدثنا موسى بن علي بن رباح ، قال : سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الهدية رزق من الله عز وجل ، فمن أهدي له شيء فليقبله ، وليعط خيرا منه »
(1/361)
________________________________________
353 - حدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله ، قال : نا أبو معشر ، قال : سمعت سعيدا يحدث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « تهادوا ، فإن الهدية تذهب وحر الصدر (1) ، ولا تحقرن جارة لجارتها وإن كان شق فرسن شاة »
__________
(1) الوحر : الغش والوساوس ، وقيل الحقد والغيظ ، وقيل العداوة ، وقيل أشد الغضب
(1/362)
________________________________________
354 - حدثنا أبو نصر التمار ، حدثني كوثر بن حكيم ، عن مكحول ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تهادوا ، فإن الهدية تذهب السخيمة »
(1/363)
________________________________________
355 - حدثنا أبو كريب الهمداني ، نا عبد الله بن نمير ، عن مالك بن مغول ، عن الشعبي ، قال : حدثني شيخ ، قال : قال علي رضوان الله عليه : « تهادوا تحابوا ، ولا تماروا (1) فتباغضوا »
__________
(1) المراء : المجادلة على مذهب الشك والريبة
(1/364)
________________________________________
356 - حدثني أبو إسحاق إسماعيل بن أبي الحارث ، نا شبابة ، نا خارجة بن مصعب ، عن الضحاك بن عثمان ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الهدية تأخذ بالسمع والبصر والقلب »
(1/365)
________________________________________
357 - حدثني أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السكن ، نا ريحان بن سعيد ، قال : نا عرعرة بن البرند ، قال : حدثني المثنى أبو حاتم ، عن عبيد الله بن العيزار ، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تهادوا تحاببوا ، وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا »
(1/366)
________________________________________
358 - حدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله ، قال : نا حيوة بن شريح قال : أخبرني عقيل ، عن ابن شهاب ، أن أم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : « إني لأهدي الهدية على ثلاث : هدية مكافأة ، فإنا لا نحب أن يفضلنا أحد ، ومن أهدى بقدر ما يجد فقد كافأ ، وهدية أريد بها وجه الله عز وجل لا أريد بها جزاء ولا شكورا ، وهدية أريد بها اتقاء ، فإني لا أحب أن يقال في إلا خير »
(1/367)
________________________________________
359 - حدثني محمود بن الحسن المروالروذي ، وإسحاق بن إبراهيم ، قالا : نا عبد الرزاق ، عن بكار بن عبد الله قال : سمعت وهب بن منبه يقول : « ترك المكافأة من التطفيف »
(1/368)
________________________________________
360 - حدثنا ابن جميل ، قال : نا عبد الله ، نا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أولي معروفا فليكافئ به ، فإن لم يستطع فليذكره ، فمن ذكره فقد شكره ، ومن تشبع بما لم ينل كان كلابس ثوبي زور »
(1/369)
________________________________________
361 - حدثني أبو بكر بن سهل التميمي ، قال : حدثني علي بن الحسن النسائي ، نا العلاء بن هلال الرقي ، نا طلحة بن زيد الرقي ، نا الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي قتادة قال : لما قدم وفد النجاشي على النبي صلى الله عليه وسلم قام يخدمهم بنفسه ، فقلنا : تكفى ذاك يا رسول الله ، قال : « إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين »
(1/370)
________________________________________
362 - حدثني موسى بن محمد بن حيان البصري ، نا موسى بن إسماعيل قال : نا حبابة بنت عجلان ، عن أمها أم حفص ، عن صفية بنت جرير ، عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « تهادوا ، فإنها تضعف الحب ، وتذهب بالغوائل »
(1/371)
________________________________________
363 - حدثنا أبو عمار المروزي ، نا الفضل بن موسى ، عن عائذ بن شريح ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تهادوا ، فإن الهدية قلت أو كثرت تذهب بالسخيمة وتورث المودة »
(1/372)
________________________________________
364 - حدثني القاسم بن هشام ، نا شاذان ، عن إسرائيل ، عن ليث ، عن مجاهد قال : كان شريح « إذا أهديت له هدية لم يرد الطبق إلا وعليه شيء »
(1/373)
________________________________________
365 - حدثني محمد بن هارون ، نا عمرو بن حفص ، نا أبو علي البيروتي قال : « أهديت إلى إبراهيم بن أدهم هدية فلم يكن عنده شيء يكافئه ، فنزع فروه ، فجعله في الطبق ، وبعث به إليه »
(1/374)
________________________________________
366 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا إسماعيل بن إبراهيم ، عن يونس بن عبيد قال : كان زياد الأعلم يهدي إلى ثابت البناني وإلى يزيد الرقاشي ، وإلى يزيد الضبي ، قال : « فيهدي إلى قوم محتاجين لا يقدرون على مكافأته » ، فلما ظهر الحسن جعل يهدي له ، ويهدي له الحسن ، فقال زياد الأعلم : « أتعبنا الشيخ »
(1/375)
________________________________________
367 - حدثني عبيد الله العتكي ، نا محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد ، نا محمد بن مروان ، عن هشام قال : كان بكر بن عبد الله المزني يهدي لمحمد بن سيرين ، فيقبل منه ، فقال لمحمد أهل بيته : هذا الرجل يهدي لك ولا تكافئه ، قال محمد : « ما يمنعني أن أكافئه إلا نظرا له ، هذا كذا يهدي لنا ، ولا يهدى له ، فلو أهدينا إليه اجتهد »
(1/376)
________________________________________
368 - أخبرني أبو زيد النميري ، قال : نا أبو سلمة الغفاري قال : أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله ، أحد بني عدي بن كعب قال : أقبل سعيد بن العاص يوما يمشي وحده في المسجد ، فقام إليه رجل من قريش ، فمشى عن يمينه ، فلما بلغا دار سعيد التفت إليه سعيد فقال : « ما حاجتك ؟ » قال : لا حاجة لي رأيتك تمشي وحدك فوصلتك ، فقال سعيد لقهرمانه أبي كعب : « ماذا لنا عندك ؟ » قال : ثلاثون ألفا ، قال : « ادفعها إليه »
(1/377)
________________________________________
369 - وحدثني عمر بن أبي معاذ ، قال : أخبرني أبو غسان محمد بن يحيى ، قال : أخبرني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز قال : « خرجت لأبي جائزته ، فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته ، ففعلت ، فقال لي : » تذكر هل بقي أحد أغفلناه ؟ « قلت : لا . قال : » بلى ، رجل لقيني فسلم علي سلاما جميلا صفته كذا وكذا ، اكتب له عشرة دنانير «
(1/378)
________________________________________
370 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، نا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثني محمد بن الصمة المهلبي ، قال : خرج أبو عيينة بن المهلب ذات يوم فتبعه مروان بن الحكم الأسيدي بكوز من ماء ، فلما فرغ من وضوئه التفت ، فإذا هو برجل قائم . قال : « ما حاجتك ؟ » قال : جئتك بكوز من ماء . قال : « سبحان الله » فأمر له بثلاثمائة جريب
(1/379)
________________________________________
باب الجود وإعطاء السائل
(1/380)
________________________________________
371 - حدثنا زهير بن حرب العامري ، نا سفيان بن عيينة ، ونا خلف بن هشام ، نا منكدر بن محمد بن المنكدر ، ونا أحمد بن جميل ، نا عبد الله بن المبارك ، عن سفيان الثوري ، كلهم عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قط (1) ، فقال : « لا »
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/381)
________________________________________
372 - حدثنا خالد بن خداش بن عجلان ، نا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد ، قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ببردة (1) ، قال سهل : هل تدرون ما البردة ؟ قالوا : هي الشملة (2) منسوج فيها حاشيتاها (3) . قالت : يا رسول الله نسجت هذه بيدي ، جئت أكسوكها ، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها ، فخرج علينا وإنها لإزاره (4) . فجسها رجل من القوم ، فقال : اكسنيها يا رسول الله ؟ قال : « نعم » . فجلس ما شاء في المجلس ، ثم رجع فطواها ، ثم أرسل بها إليه ، فقال القوم : ما أحسنت ، سألته إياها وقد علمت أنه لا يرد سائلا ، فقال الرجل : إي والله ما سألتها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لتكون كفني يوم أموت . قال سهل : « فكانت كفنه »
__________
(1) البْرُدُ والبُرْدة : الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ
(2) الشملة : كساء يُتَغَطَّى به ويُتَلفَّف فيه
(3) حاشية الثوب : طرفه
(4) الإزار : ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن
(1/382)
________________________________________
373 - حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، قال : نا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : علقت الأعراب برسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه منصرفه عن حنين ، حتى ألجئوه إلى شجرة عظيمة ، فخطفت رداءه ، فقال : « ردوا علي ردائي ، فوالذي نفس محمد بيده ، لو كان عدد هذه العضاة نعما لقسمته بينكم ، ولا تجدوني كذوبا ، ولا جبانا ، ولا بخيلا »
(1/383)
________________________________________
374 - حدثنا أبو خيثمة ، قال : نا عمر بن يونس ، نا عكرمة بن عمار ، قال إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، حدثني أنس بن مالك قال : بينما نحن قعود في المسجد ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ دخل من باب المسجد مرتديا ببرد نجراني على إزاره (1) ، إذ لحقه أعرابي من ورائه ، فقبض بمجامع البرد ، ثم جبذه (2) إليه جبذة ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر (3) الأعرابي ، فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيا محمد ، مر لي من المال الذي عندك ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر له بشيء
__________
(1) الإزار : ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن
(2) الجبذ : الشد والجذب بقوة
(3) النحر : الرقبة
(1/384)
________________________________________
375 - حدثني الفضل بن إسحاق بن حيان قال : نا أبو قتيبة ، عن محمد بن هلال المديني قال : حدثني أبي ، قال : سمعت أبا هريرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلينا ، فيتحدث إلينا في المسجد ، فخرج يوما فتحدث ، ثم قام إلى منزله فلحقه أعرابي ، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم برد خشن ، فجذبه من خلفه ، حتى احمرت عنق النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، احمل لي على بعيري هذين ، على بعير تمرا ، وعلى بعير شعيرا ، فإنك لا تحملني من مالك ، ولا من مال أبيك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا ، وأحمد الله ، حتى تقيدني مما صنعت بي » فلما رأينا الأعرابي ، وما صنع بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وثبنا إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « عزمت على كل رجل منكم ، إلا لم يبرح مكانه » فبقينا كأنا حبل بعضنا في أثر بعض ، قال : وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل فقال : « اذهب فاحمل له على بعير تمرا ، وعلى بعير شعيرا ، وقد تركنا لك ما صنعت بنا »
(1/385)
________________________________________
376 - حدثنا خالد بن خداش ، نا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ، وكان أجود (1) الناس ، وكان أشجع الناس . ولقد فزع أهل المدينة ، فانطلقوا قبل الصوت ، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سبقهم وهو على فرس لأبي طلحة عري (2) ، ما عليه سرج (3) ، وفي عنقه السيف ، وهو يقول : « لم تراعوا لم تراعوا » ثم قال : « وجدناه بحرا ، أو إنه لبحر » . وكان يبطأ ، فما سبق بعد يومئذ
__________
(1) أجود : أكثر كرما وسخاء
(2) عُري : أي ليس عليه سرج
(3) السرج : ما يوضع على ظهر الدابة للركوب
(1/386)
________________________________________
377 - حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، نا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو ، أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة ، وقد أسلموا فقالوا : يا رسول الله ، إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك ، فامنن علينا من الله عليك . وقام رجل منهم من أحد بني سعد بن بكر وكان بنو سعد بن بكر هم أرضعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له : زهير بن صرد ويكنى بأبي صرد ، فقال : يا رسول الله ، إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر ، أو للنعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل ما نزلت به ، رجونا عطفه وعائدته (1) علينا ، وأنت خير المكفولين ، ثم قال : امنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وندخر امنن على بيضة اعتاقها قدر ممزق شملها في دهرها غير أبقت لنا الحرب تهتافا على حزن على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركهم نعماء تنشرها يا أرجح الناس حلما حين يختبر امنن على بيضة قد كنت ترضعها إذ فوك يملؤه من محضها درر لا تجعلنا كمن شالت نعامته واستبق منا فإنا معشر زهر إنا لنشكر آلاء وإن كفرت وعندنا بعد هذا اليوم مدكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ » قالوا : يا رسول الله ، خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فلترد علينا نساؤنا وأبناؤنا فهم أحب إلينا . فقال لهم : « أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، وإذا صليت للناس الظهر فقوموا فقولوا : إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم » فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر قاموا ، فتكلموا بالذي أمرهم به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم » قال المهاجرون : وما كان لنا يا رسول الله فهو لك ، وقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الأقرع بن حابس : أما أنا وبنو تميم فلا ، وقال عيينة بن حصن : أما أنا وبنو فزارة فلا ، وقال عباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم فلا . فقالت بنو سليم : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : يقول العباس لبني سليم : وهنتموني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي (2) ، فله بكل إنسان ست فرائض (3) من أول سبي نصيبه ، فردوا على الناس أبناءهم ونساءهم »
__________
(1) العائدة : الإحسان
(2) السبي : الأسرى من النساء والأطفال
(3) الفريضة : البعير المأخوذ في الزكاة
(1/387)
________________________________________
378 - حدثني سويد بن سعيد قال : حدثني علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : أسر زوج ابنة خديجة يوم بدر ، فأرسلت بقلادة خديجة لتفك بها زوجها ، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة خديجة ، فقال : « ردوا عليها قلادتها ، وأطلقوا لها زوجها »
(1/388)
________________________________________
379 - حدثني أبو علي عبد الرحمن بن زبان الطائي ، قال : نا مصعب بن المقدام ، عن سفيان ، قال : سمعت محمد بن المنكدر ، يقول : سمعت جابر بن عبد الله يقول : ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط (1) فقال : « لا » ، وما ضرب بيده شيئا قط
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/389)
________________________________________
380 - حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، نا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود (1) الناس ، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان ، إن جبريل عليه السلام كان يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ (2) ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة »
__________
(1) أجود : أكثر كرما وسخاء
(2) ينسلخ : ينتهي
(1/390)
________________________________________
381 - حدثنا يوسف بن موسى ، قال : نا أسباط بن محمد ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير ، وأعطى كل سائل ، والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود (1) بالخير من الريح الهابة »
__________
(1) أجود : أكثر كرما وسخاء
(1/391)
________________________________________
382 - حدثني محمد بن الحسين ، نا عبد الله بن بكر السهمي ، نا حميد ، عن موسى بن أنس ، عن أنس بن مالك قال : « لقلما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الدنيا على الإسلام إلا أعطاه » ، فسأله رجل ، « فأمر له بغنم بين جبلين » ، فرجع إلى قومه فقال : يا قوم ، أسلموا ، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء لا يخشى الفاقة (1)
__________
(1) الفاقة : الفقر والحاجة
(1/392)
________________________________________
383 - حدثني محمد بن الحسين ، نا عبد الله بن بكر ، نا حميد ، عن أنس بن مالك قال : « أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين عيينة مائة من الإبل ، والأقرع بن حابس مائة من الإبل »
(1/393)
________________________________________
384 - حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة الفروي قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « ما عندي شيء ، ولكن ابتع (1) علي ، فإذا جاءني شيء قضيته » فقال عمر : يا رسول الله ، قد أعطيته ، فما كلفك الله مالا تقدر عليه ، فكره النبي صلى الله عليه وسلم قول عمر ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرف البشر في وجهه لقول الأنصاري ، ثم قال : « بهذا أمرت »
__________
(1) ابتع : اشتر وهو أمر بالابتياع أي الشراء
(1/394)
________________________________________
385 - حدثنا علي بن الجعد قال : نا زهير بن معاوية ، قال : حدثني مولى لفاطمة بنت الحسين ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « للسائل حق ، وإن جاء على فرس » قال أبو بكر : قال لي الحسن بن عبد العزيز الجروي معنى هذا الحديث : « السائل يسأل في الحمالة »
(1/395)
________________________________________
386 - حدثنا يحيى الحماني ، نا ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن صفوان بن أمية قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أبغض (1) الناس إلي ، فأعطاني ، ثم أعطاني ، ثم أعطاني ، فلهو أحب الناس إلي
__________
(1) البغض : عكس الحب وهو الكُرْهُ والمقت
(1/396)
________________________________________
387 - حدثنا أحمد بن جميل المروزي قال : نا عبد الله بن المبارك قال : نا يونس ، عن الزهري قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود (1) الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلة من ليالي ، رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة » . حدثنا أبو خيثمة ، نا عثمان بن عمر ، نا يونس ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، نحوه
__________
(1) أجود : أكثر كرما وسخاء
(1/397)
________________________________________
388 - حدثنا يوسف بن موسى ، نا يعلى بن عبيد ، نا محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض الكتاب على جبريل عليه السلام كل رمضان ، فإذا أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من ليلته التي يعرض فيها أصبح وهو أجود (1) من الريح المرسلة ، لا يسأل شيئا إلا أعطاه »
__________
(1) أجود : أكثر كرما وسخاء
(1/398)
________________________________________
389 - حدثنا محمد بن إسماعيل الواسطي ، ومحمد بن الحسين ، ويعقوب بن عبيد ، قالوا : نا يزيد بن هارون قال : نا مسعر بن كدام ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن عمر قال : « ما رأيت أحدا أجود (1) ، ولا أنجد ، ولا أشجع ، ولا أوفى من رسول الله صلى الله عليه وسلم »
__________
(1) أجود : أكرم الناس وأسخاهم
(1/399)
________________________________________
390 - حدثنا يوسف بن موسى ، نا عبد الله بن نمير ، عن حارثة بن محمد ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألين الناس ، وأكرم الناس ، وكان رجلا من رجالكم إلا أنه كان ضحاكا بساما »
(1/400)
________________________________________
391 - حدثنا أحمد بن عمران ، ومحمد بن سليم ، قالا : نا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، عن عمر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، إن فلانا يثني عليك ، قال : « إني أعطيته دينارين لكن فلانا قد أعطيته ما بين العشرين إلى المائة فما يثني » قال : قلت : فلم تعطيهم ؟ قال : « يسألوني ويريدون أن أبخل ، ويأبى الله عز وجل لي إلا السخاء » هذا لفظ ابن سليم
(1/401)
________________________________________
392 - حدثنا يوسف بن موسى ، نا جرير ، عن الأعمش ، عن عطية بن سعد ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « يأبون إلا أن يسألوني ، ويأبى الله عز وجل لي البخل »
(1/402)
________________________________________
393 - حدثنا محمد بن حميد ، نا سلمة بن الفضل قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن عيسى بن معمر ، عن عبد الله بن علقمة بن أبي الفغواء الخزاعي ، عن أبيه ، قال : « بعثني النبي صلى الله عليه وسلم بمال إلى أبي سفيان بن حرب يقسمه في فقراء قريش وهم مشركون يتألفهم » ، فلما قدمت مكة ، دفعت المال إلى أبي سفيان ، فجعل أبو سفيان يقول : ما رأيت أبر من هذا ، ولا أوصل يعني النبي صلى الله عليه وسلم إنا نجاهده ونطلب دمه ، وهو يبعث إلينا بالصلات يبرنا بها «
(1/403)
________________________________________
394 - حدثني محمد بن الحسين ، نا يزيد بن هارون ، قال : نا عبد الله بن جعفر قال : نا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، أن قريشا ، أصابتهم سنة شديدة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بحمل نوى من ذهب ، فقال : « اقسمه في قومك » ، فلما قدم على أبي سفيان قال : أبى (1) محمد إلا صلة الرحم ، قال مصعب : « بعث به إليهم وهم أشد ما كانوا عليه »
__________
(1) أبى : رفض وامتنع
(1/404)
________________________________________
395 - حدثنا أبو يحيى محمد بن سعيد ، نا عبد الصمد بن عبد الوارث ، نا عمر بن فروخ ، عن حبيب بن الزبير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، « أن النبي صلى الله عليه وسلم ، احتجم (1) ، وأعطى الحجام (2) دينارا »
__________
(1) احتجم : تداوى بالحجامة وهي تشريط موضع الألم وتسخينه لإخراج الدم الفاسد منه
(2) الحجام : من يعالج بالحجامة وهي تشريط موضع الألم وتسخينه لإخراج الدم الفاسد من البدن
(1/405)
________________________________________
396 - حدثنا سليمان بن عبد الجبار ، نا ثابت العابد ، نا أبو بكر بن عياش ، عن الشيباني ، عن حبيب ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قسمة ، قال : ففر من الناس ، فتبعه الناس ، فعلق ثوبه بشجرة ، فقال : « ردوا علي ثوبي ، أتخافون بخلي ؟ لو كان ما بينهما مال لقسمته »
(1/406)
________________________________________
397 - حدثني يعقوب بن عبيد قال : نا إسحاق بن سليمان الرازي ، نا مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي سعيد الخدري ، أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ، ثم سألوه فأعطاهم ، ثم قال : « ما يكون عندي فلن أدخره عنكم »
(1/407)
________________________________________
398 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن سائلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أعطني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من عنده سلف ؟ » قال رجل من الأنصار : عندي قال : « أعطه أربعة أوسق (1) » . ثم إن الأنصاري احتاج إلى سلفه ، فرجع مرارا كلما احتاج إليه أتاه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يكون إن شاء الله » . فلما كان في الثالثة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من عنده سلف ؟ » فقال رجل : أنا . قال : « كم ؟ » قال : ما شئت . قال : « أعطه ثمانية أوسق » فقال الرجل : إنما لي أربعة أوسق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وأربعة أيضا »
__________
(1) الوسق : مكيال مقداره ستون صاعا والصاع أربعة أمداد، والمُدُّ مقدار ما يملأ الكفين
(1/408)
________________________________________
399 - حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي ، قال : لما انتهي بالشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله ، إني أختك ، قال : « فما علامة ذلك ؟ » قالت : عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك ، قال : فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة ، فبسط لها رداءه ، ثم قال : « هاهنا » وأجلسها عليه وخيرها ، وقال : « إن أحببت فعندي محبة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك » قالت : بل تمتعني وتردني إلى قومي : فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها ، فزعمت بنو سعد بن بكر أنه أعطاها غلاما له يقال له : مكحول وجارية ، فزوجت أحدهما الآخر ، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية بعد
(1/409)
________________________________________
400 - حدثني يعقوب بن عبيد قال : نا هشام بن عمار ، نا يحيى بن حمزة ، نا الحكم بن عبد الله ، عن القاسم ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذن الأسود بن وهب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبسط له رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه ، فقال : « اجلس يا خال ، فإن الخال والد » قالت : وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه باسمه إلا يا خال
(1/410)
________________________________________
401 - حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، نا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر : أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد معه حنينا قال : إني والله لأسير إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة لي ، وفي رجلي نعل لي غليظة (1) إذ زحمت ناقتي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوجعه . قال : فقرع قدمي بالسوط ، وقال : « أوجعتني فأخر عني » قال : فانصرفت . فلما كان من الغد إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسني . قال : قلت : هذا والله لما كنت أصبت من رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمس . قال : فجئته وأنا أتوقع ، فقال لي : « إنك قد كنت أصبت رجلي أمس بنعلك فأوجعتني ، فقرعت (2) قدمك بالسوط ، فدعوتك لأعوضك » قال : فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين نعجة بالضربة التي ضربني
__________
(1) غليظة : سميكة
(2) القرع : المراد الضرب
(1/411)
________________________________________
402 - حدثنا أحمد بن محمد ، نا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن : « ما فعل مالك بن عوف ؟ » قالوا : هو بالطائف مع ثقيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أخبروا مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت إليه أهله وماله ، وأعطيته مائة من الإبل » فأتى مالك بذلك فخرج من الطائف فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأدركه بالجعرانة أو بمكة فرد عليه أهله وماله ، وأعطاه مائة من الإبل وأسلم ، فحسن إسلامه . فقال مالك بن عوف : ما إن رأيت ولا سمعت بواحد في الناس كلهم بمثل محمد أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي ومتى تشأ يخبرك عما في غد وإذا الكتيبة عردت أبناؤها بالمشرفي وضرب كل مهند فكأنه ليث على أشباله وسط الهباءة خادر في مرصد (1)
__________
(1) المرصد : الموضع الذي يُرْقَبُ فيه العدو
(1/412)
________________________________________
403 - حدثني الحسن بن الصباح قال : حدثني أحمد بن محمد بن حنبل ، قال : حدثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، أن قوما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه حاجة ، فلما رآهم وأحس بهم ولم يكن عنده شيء قام ليدخل ، فلحقه لاحق منهم ، فتعلق بثوبه فشقه ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما كان بعد أتوه وقد جاءه شيء فسألوه فأمر لهم ، قالوا : يا رسول الله ، اجعلنا في حل من تخريق ثوبك ، قال : « هو بفزتي منكم »
(1/413)
________________________________________
404 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، نا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، أن نفرا من البادية جاءوا ، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قد طلعوا من باب المسجد بادرهم ليدخل ، ولم يكن عنده شيء ، فلحقه بعضهم فجبذه (1) ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء فأعطاهم ، فأتوه ، فقالوا له : اقتص منا ، قال : « هي بفزتي منكم »
__________
(1) الجبذ : الشد والجذب بقوة
(1/414)
________________________________________
405 - حدثنا الحسن بن الصباح ، نا يحيى بن أبي بكير ، عن العلاء بن صالح ، عن المنهال بن عمرو ، قال : أرسلت امرأة ابنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ايته فأقره السلام وقل له : إن أمي تقول لك : اكسني ، فإن قال لك : حتى يأتينا شيء ، فقل له : إنها تقول لك اكسني قميصك ، فأتاه فقال : « حتى يأتينا شيء » ، فقال له : إنها تقول لك : اكسني قميصك ، فنزع قميصه فدفعه إليه ، فأنزل الله تعالى : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط (1) ) «
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 29
(1/415)
________________________________________
406 - حدثنا الحسن بن داود بن محمد بن المنكدر التيمي ، نا الحسن بن حبيب بن ندبة ، نا روح بن القاسم ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : أتيت أبا بكر رضي الله عنه أسأله فمنعني ، ثم أتيته أسأله فمنعني ، فقلت : إما أن تعطيني ، وإما أن تبخل علي ، فقال : « وأي داء شر من البخل ؟ ما من مرة تسألني إلا وأنا أريد أن أعطيك ألفا ، فعد لي ثلاثة آلاف »
(1/416)
________________________________________
407 - حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، نا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : مر أبو بكر رضي الله عنه ببلال وهو يعذب ، وكانت دار أبي بكر في بني جمح ، فقال أبو بكر رضي الله عنه لأمية بن خلف : « ألا تتقي الله عز وجل في هذا المسكين ؟ حتى متى ؟ » قال : أنت أفسدته فأنقذه ، فقال أبو بكر : « أفعل ، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك ، أعطيكه به » ، قال : قبلت ، قال : « هو لك » . فأعطاه أبو بكر رضي الله عنه غلامه ذلك ، وأخذ بلالا فأعتقه . ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر من مكة ست رقاب ، بلال سابعهم : عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا ، وقتل يوم بئر معونة شهيدا ، وأم عبيس ، وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية من بني مؤمل ، حي من بني عدي بن كعب «
(1/417)
________________________________________
408 - حدثنا أحمد بن محمد ، نا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن بعض أهله ، قال : « قال أبو قحافة لابنه أبي بكر رضي الله عنه : يا بني ، إني أراك تعتق رقابا ضعافا ، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلداء يمنعونك ويقومون دونك ، قال : فقال أبو بكر رضي الله عنه : » يا أبه ، إنما أريد ما أريد « ، قال : » فيتحدث أنه ما نزلت هؤلاء الآيات إلا فيه وفيما قال لأبيه : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى (1) ) إلى آخر السورة «
__________
(1) سورة : الليل آية رقم : 5
(1/418)
________________________________________
409 - حدثني أبي رحمه الله نا إسماعيل ابن علية ، نا أيوب ، عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن رجلا بينه وبين عمر رضي الله عنه قرابة ، سأله فزبره (1) وأخرجه ، فكلم فيه ، فقيل : يا أمير المؤمنين فلان سألك فزبرته وأخرجته ، قال : « إنه سألني من مال الله عز وجل ، فما معذرتي إن لقيته ملكا خائنا ؟ فلولا سألني من مالي ؟ فأرسل إليه بعشرة آلاف »
__________
(1) زبره : انتهره وزجره
(1/419)
________________________________________
410 - حدثنا هارون بن معروف ، نا ضمرة بن ربيعة ، نا عبد الله بن شوذب ، عن عبد الله بن القاسم ، عن كثير ، مولى عبد الرحمن بن سمرة ، قال : جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة (1) ، فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول : « ما ضر عثمان ما فعل بعد هذا » يردد ذلك مرارا
__________
(1) العسرة : الشدة والضيق
(1/420)
________________________________________
411 - حدثني عبيد الله بن جرير العتكي ، نا عمرو بن مرزوق ، قال : نا السكن بن المغيرة ، مولى لآل عثمان ، عن الوليد بن أبي هشام ، عن فرقد أبي طلحة ، عن عبد الرحمن بن خباب قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحث على جيش العسرة (1) ، فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله ، علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها (2) في سبيل الله ، ثم حض (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيش ، فقام عثمان ، فقال : علي يا رسول الله مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيش ، فقام عثمان ، فقال : علي يا رسول الله مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، قال عبد الرحمن : وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : « ما على عثمان ما عمل بعد هذه أو بعد اليوم »
__________
(1) العسرة : الشدة والضيق والمقصود بجيش العسرة الجيش الذي خرج لغزوة تبوك
(2) القتب : هو الرحل الذي يوضع حول سنام البعير تحت الراكب
(3) الحض : الحثُّ بقوة
(1/421)
________________________________________
412 - حدثنا محمد بن الحسين ، وهارون بن سفيان ، قالا : نا عبيد الله بن محمد القرشي ، نا عثمان بن عثمان ، قال : نا عثمان بن نائل ، عن أبيه قال : خرجت مع مولاي عثمان في سفرة سافرها في عمرة أو حجة ، قال : وكل القوم بعير زاده بعير رحله ، إلا ما كان من عثمان ، فإني كنت على بعير عليه زاده ، وكان على بعير عليه رحله (1) ، قال : فجاءهم سائل فسألهم ، ثم قال : « إني والله ما كنت لأنزل حاجتي هذه بقوم أولى أن يصنعوا بي معروفا منكم » ، فدعاني عثمان ، فحول الزاد على بعير رحله ، ووطأ لي خلفه ، وأردفني واستحمد الله عز وجل ، ودفع البعير إلى السائل
__________
(1) الرحل : ما يوضع على ظهر الدواب للركوب
(1/422)
________________________________________
413 - حدثنا الحارث بن محمد التيمي ، وأبو جعفر المديني ، عن علي بن محمد القرشي ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة ، عن موسى بن طلحة قال : « كان لعثمان بن عفان رضي الله عنه على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفا ، فخرج عثمان إلى المسجد ، فقال له طلحة : قد تهيأ مالك فاقبضه قال : » هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروتك «
(1/423)
________________________________________
414 - حدثني إبراهيم بن سعيد ، نا أبو نعيم ، عن قيس ، عن أبي حصين ، « أن عثمان رضي الله عنه أجاز الزبير بن العوام رضي الله عنه بستمائة ألف ، فمر على أخواله بني كاهل ، فقال : أي المال أجود ؟ قالوا : مال أصبهان ، قال : أعطوني من مال أصبهان »
(1/424)
________________________________________
415 - حدثني إبراهيم بن سعيد قال : حدثني الحسين بن محمد ، نا قيس بن الربيع ، عن عبد الله بن عطاء ، عن أبي جعفر قال : « ما مات علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى بلغت غلته مائة ألف ، ولقد مات يوم مات وعليه سبعون ألفا دينا » ، فقلت : من أين كان عليه هذا الدين ؟ قال : « كان تأتيه حامته من أصهاره ومعارفه ممن لا يرى لهم في الفيء (1) نصيبا فيعطيهم ، فلما قام الحسن بن علي باع وأخذ من حواشي (2) ماله حتى قضى عنه ، ثم كان يعتق عنه كل عام خمسين نسمة حتى هلك ، ثم كان الحسين يعتق عنه خمسين نسمة حتى قتل ، ثم لم يفعله أحد بعدهما »
__________
(1) الفيء : ما يؤخذ من العدو من مال ومتاع بغير حرب
(2) حَواشي أمْوَالهم : هي صِغار الإبل ، كابن المخَاض ، وابن اللَّبون ، واحِدُها حاشِية ، وحاشية كل شيء : جانبه وطَرَفُه
(1/425)
________________________________________
416 - حدثني هارون بن عبد الله ، قال : نا سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء ، قال : قطع برجل بالمدينة ، فقيل له : عليك بحكيم بن حزام ، فأتاه وهو في المسجد ، فذكر له حاجته ، فقام معه ، فانطلق إلى أهله ، فمر بقطعة كساء أو قال : خرقة مطروحة - في كساحة - ، فأخذها بيده - ثم نفضها ، ثم علقها بيده - قال : فقال الرجل في نفسه : ما أرى عند هذا خيرا ، فلما دخل داره رأى غلمانا له يعالجون أداة من أداة الإبل ، فرمى بها إليهم ، فقال : استعينوا بهذه على بعض ما تعالجون « ، ثم أمر له براحلة (1) مقتبة محقبة ، وأحسبه ذكر زادا »
__________
(1) الراحلة : البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى
(1/426)
________________________________________
417 - حدثنا أبو محمد التميمي ، عن علي بن محمد القرشي ، عن يزيد بن يزيد قال : قال حكيم بن حزام : « ما أصبحت صباحا قط (1) ، فرأيت بفنائي طالب حاجة قد ضاق بها ذرعا فقضيتها ، إلا كانت من النعم التي أحمد الله عليها ، ولا أصبحت صباحا لم أر بفنائي طالب حاجة إلا كان ذلك من المصائب التي أسأل الله عز وجل الأجر عليها »
__________
(1) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(1/427)
________________________________________
418 - حدثني محمد بن الحسين ، نا داود بن المحبر ، عن سوادة بن أبي الأسود ، عن شهر بن حوشب ، أن رجلا عطبت (1) راحلته ، فأتى أمير المدينة فسأله فلم يحمله ، فقيل له : ايت أبا جعفر ، فأتاه فقال : أبا جعفر إن الحجيج ترحلوا وليس لرحلي فاعلمن بعير أبا جعفر من أهل بيت نبوة صلاتهم للمسلمين طهور أبا جعفر ضن الأمير بماله وأنت على ما في يديك أمير « فأمر له براحلة (2) ونفقة وكسوة سابغة »
__________
(1) عطب : هلك أو قارب الهلاك
(2) الراحلة : البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى
(1/428)
________________________________________
419 - حدثني أحمد بن عبد الأعلى الشيباني ، وأحمد بن عبيد العنبري : أن عبد الله بن جعفر ، كان في سفر له ، فمر بفتيان يوقدون تحت قدر لهم ، فقام إليه أحدهم فقال : أقول له حين ألفيته عليك السلام أبا جعفر فوقف وقال : « السلام عليك ورحمة الله » . وقال : وهذي ثيابي قد أخلقت وقد عضني زمن منكر قال : « فهذي ثيابي مكانها ، وعليه جبة خز (1) ، وعمامة خز ، ومطرف خز ، وتعينك على زمنك المنكر » . قال : وأنت كريم بني هاشم وفي البيت منها الذي يذكر قال : « يا ابن أخي ، ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم » قال أبو بكر : قال مصعب الزبيري : « الذي أنشده هذا الشعر الحزين الكناني »
__________
(1) الخز : ثياب تنسج من صوف وحرير
(1/429)
________________________________________
420 - حدثني محمد بن الحسين ، نا الحميدي قال : سمعت القداح ، يذكر أن رجلا عرض (1) لعبد الله وقد خرج من باب بني شيبة ، فقال : يا ابن الطيار في الجنة ، صلني بنفقة أتبلغ بها إلى أهلي ، كرم الله وجهك . قال : « فرمى إليه برمانة من ذهب كانت في يده ، فوزنها الرجل فإذا فيها ثلاثمائة مثقال »
__________
(1) عرض : برز وظهر
(1/430)
________________________________________
421 - حدثني محمد بن الحسين ، نا الصلت بن حكيم ، قال : نا خالد بن نافع الأشعري ، عن علي بن عبيد الله الغطفاني ، قال : سمعت الشعبي ، قال : كان لعبد الله بن جعفر على رجل من أهل المدينة خمسون ألفا ، فاستعان عليه بعبيد الله بن عباس في ذلك ، فقال : « قد حططت عنه شطرها (1) ، وأخرته بالشطر الآخر إلى ميسوره » . قال : فجزاه عبيد الله خيرا وانصرف ، فأتبعه ابن جعفر رسولا : « إني قد طيبت له النصف الآخر »
__________
(1) الشطر : النصف
(1/431)
________________________________________
422 - حدثني محمد بن الحسين ، نا داود بن المحبر ، قال : سمعت أبي يذكر عن شهر بن حوشب : أن رجلا أتى عبد الله بن جعفر فسأله ، وبين يديه جارية له تعاطيه بعض حوائجه ، فقال عبد الله للسائل : « خذ بيدها فهي لك » ، فقالت الجارية : أمتني يا سيدي ، قال : « ويحك وكيف ذاك ؟ » ، قالت : وهبتني لرجل بلغت به الحاجة إلى المسألة ، فقال له عبد الله بن جعفر : « بعنيها إن شئت » ، فقال له الرجل : خذها أصلحك الله بما أحببت ، قال : « إنما اشتريتها بمائة دينار ، فلك مائتا دينار » ، قال : فهي لك ، أصلحك الله ، قال : فأعطاه عبد الله مائتي دينار ، وقال : « إذا نفدت فعد إلي » ، قالت له الجارية : يا سيدي ، عظمت مؤونتي (1) عليك ، فقال عبد الله : « حرمتك أعظم من مؤونتك »
__________
(1) المؤنة أو المئونة : القوت أو النفقة أو الكفاية أو المسئولية
(1/432)
________________________________________
423 - قال : وحدثني محمد بن الحسين ، نا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثني رجل ، من أهل المدينة : أن عبد الله بن جعفر كان إذا أتاه الرجل يسأله أعطاه ، فإن لم يكن عنده قال له : « اذهب فخذ علي ، إلى العطاء (1) أو إلى الجذاذ ، وائتني بهم أضمن لهم »
__________
(1) العطاء : الهبة أو نصيب الفرد من بيت المال
(1/433)
________________________________________
424 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : نا إسحاق بن منصور السلولي ، نا عبيد بن أبي الوسيم الجمال ، قال : « أتينا عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله نسأله في دين على رجل من أصحابنا ، فأمر بالموائد فنصبت ، ثم قال : » لا حتى تصيبوا من طعامنا ، فيجب علينا حقكم وذمامكم « ، قال : فأصبنا من طعامه ، فأمر لنا بعشرة آلاف درهم في قضاء دينه وخمسة آلاف درهم نفقة لعياله
(1/434)
________________________________________
425 - حدثني محمد ، نا داود بن المحبر ، نا سوادة بن أبي الأسود ، عن أبيه قال : دخل على الحسن بن علي رضي الله عنهما نفر من أهل الكوفة وهو يأكل طعاما ، فسلموا عليه وقعدوا ، فقال لهم الحسن : « الطعام أيسر من أن يقسم عليه الناس ، فإذا دخلتم على رجل منزله ، فقرب طعامه ، فكلوا من طعامه ، ولا تنتظروا أن يقول لكم هلموا ، فإنما يوضع الطعام ليؤكل » ، قال : فتقدم القوم فأكلوا ، ثم سألوه حاجتهم ، فقضاها لهم
(1/435)
________________________________________
426 - حدثني محمد بن صالح القرشي قال : حدثني أبو اليقظان ، قال : حدثني جويرية بن أسماء ، عن إسماعيل بن يسار ، قال : لقي الفرزدق حسينا رضي الله عنه بالصفاح ، فأمر له الحسين بأربعمائة دينار ، فقيل : يا أبا عبد الله أعطيت شاعرا مبتهرا أربعمائة دينار ، فقال : « إن من خير مالك ما وقيت به عرضك »
(1/436)
________________________________________
427 - قال أبو عبد الله العجلي : نا يونس بن بكير ، نا محمد بن إسحاق ، نا سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة قال : حدثني ظئر ، كان لنا قال : قدمت بأباعر لي عشرين أو ثلاثين بعيرا ذا المروة ، أريد الميرة من التمر ، فقيل لي : إن عمرو بن عثمان في ماله ، والحسين بن علي رضي الله عنهما في ماله ، قال : فجئت عمرو بن عثمان فأمر لي ببعيرين ، أن يحمل لي عليهما ، فقال لي قائل : ويلك ائت الحسين بن علي ، فجئته ولم أكن أعرفه ، فإذا رجل جالس بالأرض حوله عبيده ، بين يديه جفنة (1) عظيمة فيها خبز غليظ ولحم ، فهو يأكل وهم يأكلون معه ، فسلمت فقلت : والله ، ما أرى أن يعطيني هذا شيئا . فقال : هلم فكل ، فأكلت معه ، ثم قام إلى ربيع الماء - مجراه - فجعل يشرب بيده ، ثم غسلهما ، وقال : « ما حاجتك ؟ » فقلت : أمتع الله بك ، قدمت بأباعر لي أريد الميرة من هذه القرية ، فذكرت لي فأتيتك لتعطيني مما أعطاك الله ، قال : « اذهب فأتني بأباعرك » ، فجئت بها ، فقال : « دونك هذا المربد (2) فأوقرها من هذا التمر » ، فأوقرتها والله ما حملت ، ثم انطلقت فقلت : بأبي وأمي ، هذا والله الكرم
__________
(1) الجفان : جمع جفنة وهي القصعة أو البئر الصغيرة
(2) المربد : مأوى الأبل والغنم ومحبسها
(1/437)
________________________________________
428 - أخبرني العباس بن هشام ، عن أبيه ، عن أبي محمد عبد الله بن سفيان ، مولى لمعاوية بن أبي سفيان ، عن أبيه ، عن جده قال : « كنا عند هشام بن عبد الملك ، فقدم عليه خطباء أهل الحجاز من قريش وغيرها . قال : فحضرت كلامهم رجلا رجلا ، حتى قام ابن أبي جهم بن حذيفة العدوي من قريش ، وكان أعظم القوم قدرا ، وأكبرهم سنا ، فقال : أصلح الله أمير المؤمنين ، إن خطباء قريش قد قالت فيك فاحتفلت ، وأثنت فأطنبت ، فوالله ما بلغ قائلهم قدرك ، ولا أحصى مطنبهم فضلك ، أفأطيل أم أوجز ؟ قال : » بل أوجز « قال : تولاك الله بالحسنى ، وزينك بالتقوى ، وجمع لك خير الآخرة والأولى ، إن لي حوائج أفأذكرها ؟ قال : » اذكرها « . قال : كبرت سني ، ورق عظمي ، ونال الدهر مني ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجبر كسري ، وأن ينفي فقري فعل . قال : » وما الذي يجبر كسرك ، وينفي فقرك « ، قال : ألف دينار ، وألف دينار ، وألف دينار . قال : » هيهات يا ابن أبي جهم رمت مراما صعبا . بيت المال لا يحتمل ما سألت « . ثم أطرق هشام طويلا ، ثم قال : » هيه (1) « . قال : ما هيه والله لكأنك آليت لا تقضي لي حاجة في موقفي هذا ، أما والله إن الأمر لواحد ، ولكن الله عز وجل آثرك بمجلسك هذا ، فإن تعط فحقا أديت ، وإن تمنع فإني أسأل الذي بيده ما حويت . إن الله جعل العطاء محبة ، والمنع مبغضة ، والله لأن أحبك أحب إلي من أن أبغضك . قال : » وألف دينار لماذا ؟ « قال : أقضي بها دينا قد أحم قضاؤه ، وقد فدحني حمله ، وأضر بي أهله . قال هشام : » فلا بأس تنفس كربة مع أداء أمانة « . » وألف دينار لماذا ؟ « قال : أزوج بها من بلغ من ولدي . قال : » نعم المسلك سلكت ، أغضضت بصرا ، وأعففت فرجا ، ورجوت نسلا . وألف دينار لماذا ؟ « قال : أشتري بها أرضا يعيش فيها ولدي ، وتكون أصلا لمن بعدي . قال : » فإنا قد أمرنا لك بما سألت « . قال : فالمحمود على ذلك الله عز وجل قال : ثم أدبر فأتبعه هشام بصره قال : » إذا كان القرشي فليكن مثل هذا . ما رأيت رجلا أبلغ وأوجز في مقاله ، ولا أبلغ في ثناء منه . أما والله إنا لنعرف الحق إذا نزل ، ونكره الإسراف والبخل ، فما نعطي تبذيرا ، ولا نمنع تقترا ، وما نحن إلا خزان الله عز وجل في بلاده ، وأمناؤه على عباده ، فإذا شاء أعطينا ، وإذا منع أبينا ، ولو أن كل قائل يصدق ، وكل سائل يستحق ، ما جبهنا قائلا ، ولا رددنا سائلا ، فسلوا الذي بيده ما استحفظنا أن نجريه لكم على أيدينا ، فإنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، إنه بعباده خبير بصير « . قالوا : والله يا أمير المؤمنين ، لقد أبلغت ، وما بلغ في قدر عجبك به ما كان منك في الرد عليه ، وذكر نعمة الله عليه . قال : » إنه المبتدي وليس المبتدي كالمقتدي «
__________
(1) هيه : معناها : طلب الاستزادة من الحديث
(1/438)
________________________________________
429 - أخبرني أبو زيد النميري قال : حدثني عمر بن محمد بن أقيصر السلمي قال : حدثني يحيى بن عروة بن أذينة قال : أتى أبي وجماعة من الشعراء هشام بن عبد الملك فأنشدوه فنسبهم ، فلما عرف أبي قال : « ألست القائل : لقد علمت وما الإشراف في طمعي أن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى له فيعنيني تطلبه ولو قعدت أتاني لا يعنيني فهلا جلست حتى يأتيك ؟ » ، فلما خرجوا من عنده جلس أبي على راحلته (1) حتى أتى المدينة ، وتنبه هشام عليهم ، فأمر بجوائزهم ، ففقد أبي ، فسأل عنه ، فأخبر بانصرافه ، فقال : « لا جرم ، والله ليعلمن أن ذلك سيأتيه في بيته » ، ثم أضعف له ما أعطى واحدا من أصحابه ، وكتب له فريضتين ، فكنت أنا آخذهما
__________
(1) الراحلة : البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى
(1/439)
________________________________________
430 - حدثني محمد بن صالح القرشي قال : حدثني محمد بن عمر الأسلمي ، قال : نا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : أنا بالرصافة حين قدم ابن أذينة على هشام ، فلما دخل عليه قال له : « ألست الذي يقول : ولو قعدت أتاني لا يعنيني ؟ » فقال : قد خرجت وأنا أعلم أن ذلك كذاك ، قال محمد بن عمر : قال بعضهم : أتبعه هشام حين انصرف أربعمائة دينار ، وقالوا : أقل ، واختلفوا في ذلك
(1/440)
________________________________________
431 - أخبرني أبو زيد النميري قال : حدثني عبد الملك الماجشون قال : نا أبو السائب قال : أرسلت إلى محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أسأله لقحة (1) لبعض أهلنا ، فإني لجالس إذا بإبل تدخل ، ثم إذا بعبد أسود معتم ، فقلت : يا صاحب الإبل ، ليس هذا طريقك ، قال : فناولني كتابا ، فإذا فيه : « إنك سألتنا لقحة فجمعت لك ما حضرني ، فإذا تسع عشرة وراعيها ، وهي بدن (2) إن رددت منها شيئا » . قال : فبعت منها ثماني عشرة ، وتأثلت منها مالا
__________
(1) اللقحة : ذات اللبن من النوق وغيرها
(2) البُدْن والبَدَنَة : تقع على الجمل والناقة والبقرة، وهي بالإبل أشبه، وسميت بدَنةً لِعِظَمِها وسِمْنَها.
(1/441)
________________________________________
432 - وحدثني أبو زيد ، نا أبو عاصم قال : حدثني أبي ، قال : سأل سائل عبد الأعلى بن عبد الله بن عبد الله بن عامر بن كريز ، وليس عليه إلا إزار (1) ، فقال : « الزم بطرف الإزار ، ثم اجذبه إليك » ، ففعل ، وتوارى عبد الأعلى بباب بيته ، وأغلقه على نفسه
__________
(1) الإزار : ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن
(1/442)
________________________________________
433 - وحدثنا أبو زيد ، نا أبو عاصم قال : أخبرني أبي ، قال : أخذ عبد الأعلى عطاءه ومعه غلام له وعليه مطرف (1) ، فعدل إلى بيت امرأة من بني غدانة فبال في بيتها ، فقال : « يا غلام ، ادفع إليها عطاءنا » . قالت : والمطرف جعلني الله فداءك ؟ قال : « والمطرف »
__________
(1) المطرف : الثوب من الخز والحرير وعليه أعلام ورسوم
(1/443)
________________________________________
434 - وحدثني أبو زيد قال : حدثني أبو غسان محمد بن يحيى بن علي قال : أخبرني إسماعيل بن الحسن بن زيد قال : كان أبي يغلس (1) بصلاة الفجر ، فأتاه مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وابنه عبد الله بن مصعب يوما حين انصرف من صلاة الغداة (2) وهو يريد الركوب إلى الغابة إلى ماله ، فقال : اسمع مني شعرا . قال : « ليست هذه ساعة ذاك ، أهذه ساعة شعر ؟ » فقال : أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سمعته ، قال : « فأنشده لنفسه » : يا ابن بنت النبي وابن علي أنت أنت المجير من ذا الزمان من زمان ألح ليس بناج منه من لم يجرهم الخافقان من ديون حفزننا معضلات بيد الشيخ من بني ثوبان في صكاك مكتبات علينا بمئين إذا عددن ثمان بأبي أنت إن أخذن وأمي ضاق عيش النسوان والصبيان قال : فأرسل إلى ابن ثوبان فسأله ، فقال : لي على الشيخ سبعمائة وعلى ابنه مائة ، فقضى عنهما وأعطاهما مائتي دينار سوى ذلك
__________
(1) الغلس : ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح
(2) الغداة : الصبح
(1/444)
________________________________________
435 - وحدثني محمد بن الحسين ، ومحمد بن عباد العكلي ، قالا : نا إسحاق بن سليمان الرازي ، قال : سمعت أبا سنان يذكر عن حبيب بن أبي ثابت قال : قدم أبو أيوب الأنصاري البصرة ، ونزل على ابن عباس ففرغ له بيته الذي كان فيه ، وقال : « لأصنعن بك كما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم » ، وقال : « كم عليك من الدين ؟ » قال : عشرون ألفا ، قال : فأعطاه أربعين ألفا ، وعشرين مملوكا ، وقال : « لك ما في البيت كله »
(1/445)
________________________________________
436 - حدثني محمد بن الحسين ، نا سليمان بن حرب ، قال : نا أبو هلال الراسبي ، عن حميد بن هلال قال : تفاخر رجلان من قريش : رجل من بني هاشم ، ورجل من بني أمية ، فقال هذا : قومي أسخى من قومك ، وقال هذا : قومي أسخى من قومك ، قال : سل في قومك ، حتى أسأل في قومي ، فافترقا على ذلك . فسأل الأموي عشرة من قومه ، فأعطوه مائة ألف عشرة آلاف عشرة آلاف . قال : وجاء الهاشمي إلى عبيد الله بن العباس ، فسأله ، فأعطاه مائة ألف ، ثم أتى الحسن بن علي رضوان الله عليهما ، فسأله فقال له : « هل أتيت أحدا من قومي ؟ » قال : نعم ، عبيد الله بن العباس فأعطاني مائة ألف ، فأعطاه الحسن بن علي مائة ألف وثلاثين ألفا ، ثم أتى الحسين بن علي رضوان الله عليهما ، فسأله فقال : هل أتيت أحدا قبل أن تأتيني ؟ قال : نعم ، أخاك الحسن بن علي ، فأعطاني مائة ألف وثلاثين ألفا ، قال : « لو أتيتني قبل أن تأتيه لأعطيتك أكثر من ذلك ، ولكن لم أكن لأزيد على سيدي » ، فأعطاه مائة ألف وثلاثين ألفا . قال : فجاء الأموي بمائة ألف من عشرة ، وجاء الهاشمي بثلاثمائة ألف وستين ألفا من ثلاثة ، فقال الأموي : سألت عشرة من قومي فأعطوني مائة ألف ، وقال الهاشمي : سألت ثلاثة من قومي فأعطوني ثلاثمائة ألف وستين ألفا ، ففخر الهاشمي الأموي . قال : فرجع الأموي إلى قومه ، فأخبرهم الخبر ورد عليهم المال فقبلوه ، ورجع الهاشمي إلى قومه ، فأخبرهم الخبر ورد عليهم المال ، فأبوا أن يقبلوه ، وقالوا : « لم نكن لنأخذ شيئا قد أعطيناه »
(1/446)
________________________________________
437 - حدثني سليمان بن منصور الخزاعي ، نا أبو سفيان الحميري ، عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري ، قال : قدم أعرابي المدينة يطلب في أربع ديات حملها ، فقيل له : عليك بالحسن بن علي رضوان الله عليهما ، عليك بعبد الله بن جعفر رضي الله عنهما ، عليك بسعيد بن العاص رضي الله عنه ، عليك بعبيد الله بن العباس رضي الله عنهما ، فدخل المسجد فرأى رجلا يخرج معه جماعة ، فقال : من هذا ؟ فقيل : سعيد بن العاص ، قال : هذا أحد أصحابي الذين ذكروا لي ، فمشى معه فأخبره بالذي قدم له ، ومن ذكر له ، وأنه أحدهم وهو ساكت عنه لا يجيبه ، فلما بلغ باب منزله قال لخازنه : « قل لهذا الأعرابي فليأت بمن يحمل له » ، فقيل له : ائت بمن يحمل لك ، قال : عافا الله سعيدا ، إنما سألناه ورقا ، ولم نسأله تمرا ، قال : « ويحك ، ائت بمن يحمل لك » ، فأخرج إليه أربعين ألفا ، فاحتملها الأعرابي ، فمضى إلى البادية ولم يلق غيره
(1/447)
________________________________________
438 - حدثني سليمان ، نا يحيى بن سعيد الأموي ، عن أبيه ، قال : دخل قوم من بني أسد على عيسى بن علي يتكلمون في حمالات ، وكان خطيبهم عون بن جابر ، وكان له لسان جيد ، فتكلم عون وذكر بني أسد وقرابتهم من قريش ، فقال له الحسن بن زيد بن الحسن ، وكان عند عيسى : يا بني أسد ، إنكم لتكلمون كأنكم نزلتم من السماء ، فأقبل عليه عون بن جابر فقال : « لو نزل قوم من السماء جودا أو كرما لكنا النازلين من السماء ، نحن بنو خزيمة ، ونحن بنو برة يعني ابنة مر وهي أم أسد وإن كنت لجديرا أن تكون معنا في حاجتنا ، فألا - إذ لم تفعل - تركتنا والأمير » ؟ قال : وجعل عيسى يسر بما يوبخ به الحسن ويكلمه ، ثم أمر لهم عيسى بالمال الذي طلبوه للحمالات ، وكان أربعين ألفا «
(1/448)
________________________________________
439 - وحدثني سليمان بن منصور ، قال : حدثني محمد بن الحكم ، عن عوانة بن الحكم ، قال : دخل سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص على سليمان بن عبد الملك ، فلما رآه داخلا تمثل سليمان : « إني سمعت مع الصباح مناديا يا من يعين على الفتى المعوان ، هذا والله الفتى فمن يعين عليه ، ثم قال : » حاجتك يا أبا خالد ؟ « قال : ديني تقضيه عني ، قال : » وكم دينك ؟ « قال : علي ثلاثون ألف دينار ، قال : » فقد قضيتها عنك « ، قال : وكان سعيد بن خالد تصيبه موتة نصف السنة ، فيكون فيها مطروحا ، ويصح نصف السنة ، فإذا صح أعطى وأطعم ، فإن لم يكن عنده وأتاه من يطلب نيله ، قال له : ليس عندي ، ولكن اكتب علي صكا بكذا وكذا ، فيكتب عليه الرجل ويشهد له ، فدخل بنو سعيد على هشام بن عبد الملك وهو خليفة ، فقالوا له : إن أبانا يتلف ماله ، فإذا لم يكن عنده كتب على نفسه الصكاك لمن يسأله ، فاحجر عليه ، فحجر عليه ، وقال لبنيه : » اجعلوا له شيئا لمائدته « ، فجعلوا له شاة في كل يوم وما يصلحها ، فجعل يقول لبنيه : يا بني ، إنما هي شاة في اليوم ويستقلها ، وقبل ذلك ما أرادوا أن يعالجوه ، فعزموا عليه ، فتكلمت امرأة على لسانه فقالت : أنا رقية بنت ملحان سيد الجن ، والله لئن عالجتموه لأقتلنه ، فإني لو وجدت من الإنس أكرم منه لعلقته
(1/449)
________________________________________
440 - حدثني سليمان قال : حدثني محمد بن عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب ، قال : بعث مروان وهو على المدينة ابنه عبد الملك إلى معاوية ، فدخل عليه فقال : إن لنا مالا إلى جنب مالك بموضع كذا وكذا من الحجاز ، لا يصلح مالنا إلا بمالك ، ومالك إلا بمالنا ، فإما تركت لنا مالك فأصلحنا به مالنا ، وإما تركنا لك مالنا فأصلحت به مالك ، فقال له : « يا ابن مروان إني لا أخدع عن القليل ، ولا يتعاظمني ترك الكثير ، وقد تركنا لكم مالنا فأصلحوا به مالكم »
(1/450)
________________________________________
441 - قال سليمان : وحدثني محمد بن الحكم ، عن عوانة بن الحكم ، قال : دخل الوليد بن عقبة على معاوية فجلس معه على السرير ، ثم سأله فأعطاه مائة ألف درهم ، ثم قال له معاوية : عف عني ، فقال الوليد : « أعف وأستغني كما قد أمرتني فأعط إذا ما مت بعدي أو ابخل فإني امرؤ في الدار مني ثروة وليس شبا عجز علي بمقفل سأصرف عنك العيس إن سجيتي إذا رابها (1) ريب كسلة منصل »
__________
(1) رابها : ساءها
(1/451)
________________________________________
442 - قال : قال سليمان : وحدثنا محمد بن الحكم ، عن عوانة ، قال : أقام الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بباب عبد الملك بن مروان سنة ، ثم انصرف وهو يقول : تبعتك إذ عيني عليها غباوة فلما انجلت قطعت نفسي ألومها رددت عليك النفس حتى كأنما بكفيك بؤسي أو لديك نعيمها فما بي وإن أقصيتني من ضراعة ولا افتقرت نفسي إلى من يسومها فأرسل عبد الملك رسولا يرده ، وقال : « اتبعه حتى ترده علي ، وإن بلغت مكة » ، فلما دخل على عبد الملك قال : « أنفت من المقام ببابي ؟ » قال : لا والله يا أمير المؤمنين ، ما أنفت من المقام ببابك ، وما عنك مرغب ، ولكني أطلت المقام ولي ضيعة وعلي دين ، قال : « كم دينك ؟ » قال : ثلاثون ألف دينار ، قال : « إن شئت قضيت دينك ، وإن شئت استعملتك على مكة سنة » ، قال : استعملني على مكة سنة فاستعمله ثم عزله
(1/452)
________________________________________
443 - حدثني سليمان بن أبي شيخ ، نا أحمد بن بشير ، قال : قدم على عمر بن عبد العزيز رحمه الله رجل من حضرموت ، فناداه : دعوت حران ملهوفا ليأتيكم فقد أتاك بعيد الدار مظلوم قال : « من ظلمك ؟ » قال : الوليد بن سليمان ، أخذ أرضا لي باليمن ، فقال : « اكتبوا له إلى عامل اليمن إن أقام عندك شاهدين ذوي عدل فاردد عليه أرضه » ، ثم قال له : « إني أراك قد كلفت في وجهك هذا » ، قال : كلفت زادا وراحلة ، فأمر له بثلاثين دينارا
(1/453)
________________________________________
444 - حدثني سليمان ، نا أبو سفيان ، عن هشيم ، قال : قدم الزبير الكوفة وعليها سعيد بن العاص عاملا لعثمان ، فبعث إلى الزبير بسبعمائة ألف ، فقال : « لو كان في بيت المال أكثر من هذا بعثت به إليك » ، فقبلها قال سليمان : فحدثت به مصعبا الزبيري ، فقال : « ما كنا نرى الذي أعطاه المال إلا الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وكنا نقول : خمسمائة ألف وهشيم أعلم »
(1/454)
________________________________________
445 - قال : قال أبو عبد الله العجلي ، نا يونس بن بكير ، نا ابن إسحاق ، قال : حدثني والدي إسحاق بن يسار ، قال : أخبرني شيخ من بني سعد بن بكر ، قال : قدم علي ابن عم لي من أهل البادية ، فقال : إن ابن أخ لي أصاب دما عمدا ، فطلبت إلى أهل الدم أن يقبلوا مني العقل (1) ففعلوا ، فأسلمتني عشيرتي وأبوا أن يحملوا معي ، وقالوا : إنما نحمل الخطأ ، فأما العمد فلا ، فقدمت ألتمس المعونة من هذا الحي من قريش ، فأمرت له بخزيرة (2) فصنعت فغديناه منها ، ثم قلت له : انطلق بنا إلى خير القوم وسيدهم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي رضوان الله عليهما فخرجنا نلتمسه في بيته فلم نجده ، فخرجنا فلقيناه بالبلاط ، فقلت : عندك الرجل ، فاستوقفناه ، فوقف واستند إلى الجدار ، فقلت : يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابن أخ لي أصاب دما - فقص قصته - وقدمت أستعين هذا الحي من قريش على ديته ، فرأيت أن أبدأ بك ، فقال : « والله الذي نفس حسين بيده ، ما أصبح في بيتي دينار ولا درهم ، وما غدوت إلى السوق إلا لألتمس العينة في بعض نفقاتنا وما لا بد منه ، ولكني أراك رجلا جلدا وقد حان حصاد مالي بذي المروة عين يحنس ، فاخرج إليها ، فقم عليها بعمالها ، ثم احصد ودق وبع ، فإنها مودية عنك ، ولا تسأل أحدا شيئا » . فقال : أفعل بأبي وأمي ، وكتب إلى قيمه : « انظر فلان بن فلان فخل بينه وبين حصاد أرضك ، فإني قد أعطيته إياه » ، فخرج فحصدها ، فباع منها بعشرين ألف درهم ، فأدى اثني عشر ألفا ، واستفضل ثمانية آلاف
__________
(1) العقل : الدية
(2) الخزير : لحم يقطع ثم يطبخ بماء كثير وملح فإذا نضج يذر عليه الدقيق ويعصد به
(1/455)
________________________________________
446 - فقال المقنع مقنع الأنصاري يبكي حسينا عليه السلام حين قتل : « كان إذا شب له ناره يرفعها بالسند الماثل ، كيما يراها قابس مرمل أو فرد قوم ليس بالآهل ، مفارغ الشيزى (1) على بابه مثل حياض النعم الناهل ، لا تستري شفرا على مثله في الناس من حاف ولا ناعل ، ابن النبي المرسل المصطفى وابن ابن عم المصطفى الفاضل »
__________
(1) الشيزى : شجر يتخذ منه الجفان وهي الأواني الخشبية وأرادَ بالجِفان أرْبابَها الذين كانوا يُطْعِمُون فيها وقُتِلوا ببَدْر وأُلْقُوا في القليب
(1/456)
________________________________________
447 - حدثني عبد الرحمن بن صالح ، نا يحيى بن يعلى ، عن يونس بن خباب ، عن مجاهد ، قال : جاء رجل إلى الحسن والحسين رضي الله عنهما فسألهما فقالا : « إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة : حاجة مجحفة ، أو حمالة مثقلة ، أو دين فادح » ، وأعطياه ، ثم أتى ابن عمر رضي الله عنه فأعطاه ولم يسأله عن شيء ، فقال : أتيت ابني عمك ، وهما أصغر سنا منك ، فسألاني وقالا لي ، وأنت لم تسألني عن شيء ، فقال : ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنهما كانا يغران بالعلم غرا
(1/457)
________________________________________
448 - حدثني أبو حفص الصيرفي قال : حدثني ابن زائدة البندار قال : حدثني محمد بن علي ، عن شيخ من قريش ، قال : بينا أبان بن عثمان وعبد الله بن الزبير جالسان إذ وقف عليهما أعرابي فسألهما ، فلم يعطياه شيئا ، وقالا : اذهب إلى ذينك الفتيين ، وأشارا إلى الحسن ، والحسين رضوان الله عليهما وهما جالسان ، فجاء الأعرابي حتى وقف عليهما فسألهما ، فقالا : « إن كنت تسأل في دم موجع ، أو فقر مدقع (1) ، أو أمر مفظع ، فقد وجب حقك » ، فقال : أسأل وأخذني الثلاث ، فأعطاه كل واحد منهما خمسمائة خمسمائة ، فانصرف الأعرابي فمر على ابن الزبير وأبان وهما جالسان ، فقالا : ما أعطاك الفتيان ، فأنشأ (2) الأعرابي يقول : أعطياني وأقنياني جميعا إذ تواكلتما فلم تعطياني ، جعل الله من وجوهكما نعلين سبتا يطاهما الفتيان ، حسن والحسين خير بني حواء صيغا من الأغر الهجان فدعا سنة المكارم والمجد فما منكما لها من مداني
__________
(1) المدقع : الشديد الذي يفضي بصاحبه إلى الدعقاء، وهي اللصوق بالتراب من شدة الفقر
(2) أنشأ : بدأ
(1/458)
________________________________________
449 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثني كثير بن هشام ، قال : نا عيسى بن إبراهيم القرشي ، قال : أخبرني رجل من أهل البصرة ، قال : قدمت المدينة فنزلت على معاوية بن عبد الله بن جعفر ، فسألته عما كان يصنع أبوه من أخلاقه ، فقال : كان قد جبل على شيء لا يقدر على غيره ، قال : فأتاه أعرابي يسأله ، فقال : « تمن علي واجتهد في الأماني » ، فقال : بكرا يحمل رحلي (1) إلى أهلي ، وحلة ألبسها يوم قدومي على الحي ، وبردة (2) أمتهنها في سفري ، ونفقة تبلغني إليهم . قال : « لقد قصرت بك نفسك ، فهلا سألتني ما أملك فأخرج لك عينه » . قال : فأمر له بمائة حلة ، ومائة ناقة ، ومائة ألف درهم « ، فقال الأعرابي : أما الأحجار - يعني المال - فلا حاجة لي بها ، وأما الحلل فواحدة من ذلك تكفيني ، وأما الإبل فأسوقها والله إلى أهلي ، قال : فساق الإبل ، وترك المال والحلل ، فأمر به عبد الله فقسم على فقراء أهل المدينة
__________
(1) الرحل : كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع وغيره
(2) البرد : كساء مخطط يلتحف به
(1/459)
________________________________________
450 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثني جعفر بن عون ، عن خالد الزيات ، عن رجل ، من أهل البيت ، أن عبد الله بن جعفر كان له على رجل مال ، فتحمل عليه بابن عباس ليؤخره ، فقال عبد الله بن جعفر : « هي له يا ابن عم » ، قال : ما أردت هذا كله ، قال ابن جعفر : « لكني أنا أردته »
(1/460)
________________________________________
451 - حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني أبو عبد الرحمن الطائي ، قال : حدثني المجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، قال : دخل أمية بن أبي الصلت على عبد الله بن جدعان التيمي ، وقد أخذت الخمر من عبد الله ، فأنشأ يقول : أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك (1) الحياء ، وعلمك بالأمور وأنت فرع لك الحسب المهذب والسناء ، كريم لا يغيره صباح عن الخلق الكريم ولا مساء ، إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء قال : وعند ابن جدعان قينتان (2) له ، فقال : « انظر أعجبهما إليك فخذ بيدها » ، قال : وكانتا أحب ماله إليه ، فأخذ أمية إحداهما وخرج ، فلقيه فتية من قريش ، فقالوا له : ما صنعت ؟ دخلت إلى شيخنا وسيدنا وقد عمل فيه الشراب ، فأخذت إحدى حظيتيه وأحب ماله إليه ، ارجع فارددها عليه ، فإنه سيعوضك أضعافها ، قال : فرجع إليه ، فقال : « ما الذي ردك إلينا يا أمية ؟ » قال : أحبت أن تؤنس أختها ، قال : « لا ، ولكن قيل لك فرقت بين الشيخ وأحب ماله إليه ، والله لتأخذن بيد الأخرى » فأخذهما جميعا وخرج ، وهو يقول : عطاؤك زين لامرئ إن حبوته بفضل وما كل العطاء يزين ، وليس بشين لامرئ بذل وجهه إليك كما بعض السؤال يشين
__________
(1) الشيمة : الطبع والصفة والطبيعة
(2) القينة : الجارية المغنية
(1/461)
________________________________________
452 - حدثني أبو زيد النميري ، نا أبو عاصم ، قال : أخبرني أبو عمار ، رجل من بني زهرة ، قال : مر ابن الزبير بناس من قريش مجتمعين في مجلس ، فقال : « ما تذاكرون ؟ » ، قالوا : أمر الجاهلية ، قال : « دعوه فإن هذا شيء هدمه الله ، فإن كنتم لا بد فاعلين فعليكم بابن جدعان ، فوالله ما تقسم الشرف إلا من بعده »
(1/462)
________________________________________
453 - حدثني أبو زيد النميري ، قال : حدثني بدر بن سعيد ، قال : سمعت عيسى بن يزيد بن بكر ، قال : سأل الوليد بن عقبة مروان وهو على المدينة ، فاعتل عليه ، فقدم على المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة ، فأمر له بعشرين ألفا ، فأبى (1) أن يقبلها ، فأتى ابن عامر فشكا إليه دينه ، فقال : كم هو ؟ قال : مائة ألف ، « فقضاه عنه ، وأعطاه مائة ألف أخرى » ، فقال الوليد : ألا جعل الله المغيرة وابنه ومروان نعلي بذلة لابن عامر ، لكي تقياه الحر والقر (2) والأذى ولسع الأفاعي واحتدام الهواجر (3) ، يفيض الفرات للذين يلونه وسيبك يأتي كل باد وحاضر ، إذا عبد شمس قدموا رفد خيرهم سما فعلا بالمجد فخر المفاخر وإن دنست أحساب قوم وجدته إذا ما بلوه طاهرا وابن طاهر قال أبو زيد : « البيتان الأخيران ليس مما سمعت من بدر ، وقد قيل : صاحب هذا الشعر عبد الرحمن بن الحكم »
__________
(1) أبى : رفض وامتنع
(2) القر : البرد الشديد
(3) الهواجر : مفردها الهاجِرة وهي اشتدادُ الحَرِّ نصفَ النهار
(1/463)
________________________________________
454 - حدثني أبو زيد النميري قال : حدثني شهاب بن عباد ، قال : مدح ابن قيس الرقيات بشر بن مروان ، فقال : يا بشر يا ابن الجعفرية ما خلق الإله يديك للبخل ، جاءت به عجز مقابلة ما هن من جرم ولا عكل قال : فقال له بشر : « احتكم » . قال : عشرين ألفا ، قال : « قبحك الله لك عشرون وعشرون حتى بلغ مائة ألف »
(1/464)
________________________________________
455 - وحدثني أبو زيد قال : حدثني عبد الله بن محمد بن حكيم ، عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد ، عن أبيه ، قال : « قحط (1) الناس في زمن بشر بن مروان ، فخرجوا فاستسقوا وبشر معهم ، فرجعوا وقد مطروا . ووافق ذلك سيلا من الليل ، فغرقت ناحية بارق وبني سليم ، فخرج بشر من الغد ينظر إلى آثار المطر حتى انتهى إلى بارق ، فإذا الماء في دار سراقة بن مرداس البارقي وسراقة قائم في الماء ، فقال : أصلح الله الأمير ، إنك دعوت أمس ولم ترفع يديك ، فجاء ما ترى ، ولو كنت رفعت يديك لجاء الطوفان ، فضحك بشر ، فأنشأ سراقة يقول : دعا الرحمن بشر فاستجابا لدعوته فأسقانا السحابا ، وكان دعاء بشر صوب غيث (2) يعاش به ويحيي ما أصابا ، أغر بوجهه نسقى ونحيى ونستجلي بغرته (3) الضبابا »
__________
(1) القحط : الجدب والجفاف واحتباس المطر وعدم نزوله
(2) الغيث : المطر الخاص بالخير
(3) الغرة : بياض الوجه
(1/465)
________________________________________
456 - حدثنا عمر بن أبي معاذ ، قال : حدثني أبو الحسن الأرطباني ، شيخ من مزينة ، قال : حدثني أبو البيداء ، عمن رأى الفرزدق يسير في جنازة بشر بن مروان يقود فرسا كان بشر حمله عليه ، حتى إذا فرغ من دفنه عقر (1) الفرس وأنشأ يقول : « أقول لمحبوك السراة معاود سباق الجياد قد أمر على شزر ، ألست شحيحا إن ركبتك بعده ليوم رهان أو غدوت (2) معي تجري ، حلفت بأن لا تركب الدهر بعده صحيح الشوى حتى تكوس على القبر »
__________
(1) العقر : ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم
(2) الغُدُو : السير أول النهار
(1/466)
________________________________________
457 - حدثني محمد بن صالح القرشي قال : حدثني محمد بن الخطاب الأزدي ، قال : حدثني أبو مسكين محرر بن جعفر بن زياد مولى أبي هريرة : أنه رأى الفرزدق وقد عرض لطلحة الندى بن عبد الله بن عوف أخي عبد الرحمن بن عوف ، وكان جوادا ، وهو خارج من المسجد ، فقال : ولما رأت أن الفراتين نضبا فأصبح مكدرا عبابهما ضحلا ، رجت في لقائك النوار وأهلها ربيع فرات لا بكيا ولا وحلا ، يداك تفيضان السماحة والندى إذا ما يد كانت على مالها قفلا ، فأخذ طلحة بيد الفرزدق حتى أدخله داره ، فقال : « خذ بيد هذه الأمة ، خذ بيد هذا العبد زوجها ، خذ بيد هذه الوصيفة ابنتها ، ثلاثة أرؤس بثلاثة أبيات »
(1/467)
________________________________________
458 - حدثني محمد بن عباد بن موسى ، قال : حدثني موسى بن أخي ، عن علي بن المنذر ، عن الزبير بن موسى المخزومي قال : كان الوليد بن عبد الملك رجلا حسودا لقومه ، فدخلوا عليه ، فكان أول من بدر إليه عويف القوافي ، فقال : كما أنت وما بقيت لنا بعد ما قلت لأخي بني زهرة ؟ ألم تقم علينا الساعة يوم قامت عليه ؟ ألست الذي يقول : إذا ما جاء يومك يا ابن عوف فلا مطرت على الأرض السماء ، ولا سار البريد بغنم جيش ولا حملت على الطهر النساء ، تساقى الناس بعدك يا ابن عوف ذريع الموت ليس له شفاء ثم قال : اصرفه ، فانصرف ، فلقيه القرشيون والشاميون ، فقالوا : رجل من أهل الحجاز يلي صدقاتها ، ما الذي استخرج به منك هذا ؟ قال : « والله لقد أعطاني غيره أكثر مما أعطاني ، ولكن والله ما أعطاني أحد قط عطية أبقى عندي شكرا ، ولا أدوم في قلبي لذة من عطية أعطانيها ، وذلك أني قدمت المدينة أريد أن أبتاع (1) قعودا (2) من قعدان الصدقة ، ومعي بضاعة لا تبلغ العشرة الدنانير ، فإذا رجل بصحن السوق ، جالس على طنفسة (3) بين يديه إبل معطونة - أي محبوسة في العطن - فظننته حين رأيته عامل السوق ، فسلمت عليه ، فأثبتني وجهلته فقلت : » رحمك الله ، هل أنت معيني ببصرك على قعود من هذه القعدان تبتاعه لي ؟ « قال : نعم ، أمعك ثمنه ؟ قلت : نعم ، فأعطيته إياه وجلست طويلا ، ثم قمت إليه ، فقلت : » رحمك الله ، انظر في حاجتي « ، قال : ما منعني منك إلا النسيان أمعك حبل ؟ قلت : » نعم ، « قال : هكذا افرجوا ، فتوسع الناس له ، فقال : » اقترن هذه وهذه « ، فما نزع حتى » أمر لي بثلاثين فريضة أدنى فريضة منها خير من بضاعتي « ، فقلت : أي رحمك الله ، أتدري ما تقول ؟ فما بقي أحد إلا وهزني وشتمني ، ثم رفع طنفسته وقال : » شأنك ببضاعتك فاستعن بها على من ترجع إليه « ، والله لا أنساه ما كنت حيا أبدا ، وقال عويف القوافي يمدحه ، وهو طلحة بن عبد الله بن عوف : يا طلح أنت أخو الندى وعقيده إن الندى إن مات طلحة ماتا إن الفعال إليك أطلق رحله فبحيث بت من المنازل باتا
__________
(1) أبتاع : أشتري
(2) القعود : القوي والفتي من الإبل إلى أن يصير في السنة السادسة
(3) الطنفسة : بساط له خمل رقيق
(1/468)
________________________________________
459 - حدثني محمد بن صالح القرشي قال : حدثني أبو اليقظان ، عن جويرية ، قال : جاء نصيب الشاعر أبو محجن إلى عبد الله بن جعفر ، فحمله وكساه وأعطاه ، فقال قائل له : يا أبا جعفر أعطيت هذا الحبشي هذه العطايا ؟ قال : « وما ذاك ؟ إنما هي رواحل تنضى ، وثياب تبلى ، وثناء يبقى »
(1/469)
________________________________________
460 - حدثني محمد بن عباد بن موسى ، قال : حدثني هشام بن محمد ، عن خالد بن سعيد ، عن أبيه ، قال : لقيني إياس بن الحطيئة ، فقال : « » يا أبا عثمان ، مات والله الحطيئة وفي كسر البيت ثلاثون ألفا أعطاها أبوك سعيد بن العاص أبي فذهبت ، وبقي ما قلنا فيكم ، وذهب ما أعطيتمونا « »
(1/470)
________________________________________
461 - حدثني محمد بن صالح ، عن سحيم بن حفص ، قال : علق موسى شهوات جارية بالمدينة ، فطلب إليهم أن يبيعوها إياه فباعوها إياه بأربعة آلاف ، وأجلوه فيها أجلا ، فخرج إلى الشام ، وكان صديقه سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فأتاه فحدثه بقصة الجارية ، فقال : إنما خرجت إلى الشام ثقة بالله ثم بك ، فقال : يرزقنا الله وإياك ، فانطلق وقد انقطع ظهره ، فأتى سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، فأخبره ، فقال : « ثمنها علي ، وما يصلحك من النفقة والمئونة في السفر علي » ، فقال موسى : فدى للكريم العبشمي ابن خالد بني ومالي طارفي وتليدي أبا خالد أعني سعيد بن خالد أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد ولكنني أعني ابن عائشة الذي أبو أبويه خالد بن أسيد عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى فإن مات لم يرضى الندى بعقيد دعوه دعوه إنكم قد رقدتم وما هو عن أحسابكم برقود يعطي ولا يعطى ويغشى ويجتدى وما بابه للمجتدي بسديد فاستعدى عليه عند سليمان بن عبد الملك ، فقال : عبد من أهل المدينة هجاني ، فبعث إلى موسى ، فسأله فحدثه بقول العثماني وقوله : يرزقنا الله وإياك ، فقال سليمان : لا رزقك الله ولا إياه
(1/471)
________________________________________
462 - حدثني محمد بن صالح ، عن أبي عبيدة ، قال : حدثني الحارث بن سليم ، قال : حججت فمررت بالمدينة فوافقت بها سليمان بن عبد الملك ، فجاء سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان حتى جلس بين يديه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أعدني على موسى شهوات هجاني ، فقام سعيد بن خالد بن عبد الله حتى جلس معه مجلس الخصم ، فقال : إنه لم يهجه (1) ولكنه مدحني ، فقال سليمان : أنشدوني ما قال ، فأنشدوه ، فقال : ما أسمعه هجاك ، ثم قال لسعيد بن خالد بن عبد الله : « ارفع حوائجك » فرفع إليه فيها ألف ألف « فأمر له بها » فاستكثرها القهرمان ، فجاء يوامر سليمان ، فقال : أردت أن تبخلني ؟ أو أستكثرها لفتى من قريش
__________
(1) الهجاء : السَّبُّ وتعديد المعايب، ويكون بالشعر غالبا
(1/472)
________________________________________
463 - وأخبرني أبو زيد النميري قال : حدثني أبو غسان محمد بن يحيى الكناني قال : حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت ، عن الحكم بن القاسم الأويسي ، من بني عامر بن لؤي ، قال : أخبرني أبي ، قال : قدم على سليمان بن عبد الملك رجل من بني سهم ، وكان له صديقا ، فحياه ، ثم قدم عليه فحياه ، ثم قدم عليه الثالثة فحياه ، ثم قدم عليه الرابعة فتأذى به سليمان ، وقال : وشفاء من المعيشة كور فوق أصلاب بازل (1) خنشليل فاتحا فاك للمعيشة تلقى كل يوم على شراك سبيل قال السهمي : أما والله يا أمير المؤمنين ، إن أولى الناس بسد ذلك الفم ، وحل ذلك الرحل ، وكشف ذلك الغم لأنت . قال سليمان : « أما والله لأصلن رحمك ولأعودن لك إلى ما كنت عليه » قال عبد العزيز : وأخبرني الحكم ، أن أباه أخبره أن سليمان قال البيتين
__________
(1) البازل من الإبل : الذي تَمَّ ثمانِيَ سنين ودخل في التاسعة ، وحينئذ يطلعُ نابُه وتكمل قوّته ، ثم يقال له بعد ذلك : بازلُ عامٍ وبازِلُ عامَين
(1/473)
________________________________________
464 - حدثني محمد بن عباد بن موسى العكلي قال : نا محمد بن عبد الله الخزاعي قال : حدثني رجل من بني سليم ، قال : كان عمرو بن مسعود ، رجل من بني سليم ثم أحد بني ذكوان ، نزل الطائف وكان صديقا لأبي سفيان وأخا ، وكان له مال وولد ، فذهب ماله ، ودرج ولده ، وأتى للشيخ عمر ، حتى إذا استخلف معاوية أتاه بالخلة التي كانت بينه وبين أبي سفيان ، فقام ببابه سنة وبعض أخرى لا يصل إليه ، قال : ثم إن معاوية رحمه الله ظهر يوما للناس ، فكتب إليه في رقعة (1) : يا أيها الملك المبدي بنا ضجرا لو كان صخر بعرض الأرض ما ضجرا ما بال شيخك مخنوقا بجرته طال الطيال به دهرا وقد ضجرا ومر حول (2) ونصف ما يرى طمعا يدنيه منك وهذا الموت قد حضرا قد جاء ترعش كفاه بمحجنه لم يترك الدهر من أولاده ذكرا قد قسرته أمور فاقسأن لها وقد حنى ظهره دهر وقد كبرا نادى وكلكل هذا الدهر يعركه قد كنت بابن أبي سفيان معتصرا فاذكر أباك أبا سفيان إن لنا حقا عليه وقد ضيعتنا عصرا فلما قرأ كتابه دعا به ، فقال : كيف أنت وكيف عيالك وحالك ؟ فقال : ما يسأل أمير المؤمنين عمن ذبلت بشرته ، وقطعت ثمرته ، فابيض الشعر ، وانحنى الظهر ، فقد كثر مني ما كنت أحب أن يقل ، وصعب مني ما كنت أحب أن يذل ، فأجمت النساء وكن الشفاء ، وكرهت المطعم وكان المنعم ، وقصر خطوي ، وكثر سهوي ، فسحلت مريرتي بالنقض ، وثقلت على وجه الأرض ، وقرب بعضي من بعض ، فنحف وضعف ، وذل وكل ، فقل انحياشه ، وكثر ارتعاشه ، وقلي معاشه ، فنومه سبات ، وفهمه تارات ، وليله هفات ، كمثل قول عمك : أصبحت شيخا كبيرا هامة لغد تزقو لدى جدثي أو لا فبعد غد أردى الزمان حلوباتي وما جمعت كفاي من سبد الأموال واللبد حتى إذا صرت من مالي ومن ولدي مثل الخلية سبروتا بلا عدد أرسى يكد صفاتي حد معوله يا دهر قدني مما تبتغيه قدي والله لو كان يا خير الخلائف ما قاسيت في أحد دكت ذرا أحد أو كان بالفرد الحولي لانصدعت من دونه كبد المستعصم الوحد لما رأى يا أمير المؤمنين به تقلب الدهر من جمع إلى بدد وأبصر الشيخ في حيزومه نقعت منه الحشاشة بين الصدر والكبد رام الرحيل وفي كفيه محجنه (3) يؤامر النفس في ظعن (4) وفي قعد إما جوار إذا ما غاب ضيعها أو المقام بدار الهون والفند فأسمحت نفسه بالسير معتزما ولو تجرثم في ناموسه الأسد فقلبه فرق ومأقه شرق ودمعه غسق من شدة الكمد لنسوة عرب أولادها سغب كأفرخ زغب حلوا على ضمد رام الرحيل فداروا حول شيخهم يسترجعون له إن خاض في البلد ينعى أصيبية فقدان والدهم ووالها وضعت كفا على كبد قالوا : أبانا إذا ما غبت كيف لنا بمثل والدنا في القرب والبعد قد كنت ترضعنا إن درة بكؤت عنا وتكلؤنا بالروح والجسد فغرغر الشيخ في عينيه عبرته (5) أنفاسه من شجي الوجد (6) في صعد وقال يودع صبيانا ونسوته أوصيكم باتقاء الله يا ولدي فإن أعش فإياب من حلوبتكم أو مت فاعتصموا بالواحد الصمد فبكى معاوية بكاء شديدا ، « وأمر له بمائة ألف وكسى وعروض وحمله » ، فوافى الطائف بعشرة أيام من دمشق قال أبو بكر : « وأربعة أبيات من هذا الشعر أنشدنيها أبي رحمه الله »
__________
(1) الرقعة : القطعة من الورق أو الجلد يُكتب فيها
(2) الحول : العام أو السنة
(3) المحجن : العصا ذات الطرف المنحني
(4) الظعن : السفر الارتحال
(5) العبرة : الدمعة
(6) الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.
(1/474)
________________________________________
465 - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب الأصمعي ، قال : حدثني عمي قال : نا رجل من بني زهرة ، قال : دخل أعرابي على هشام بن عبد الملك في غمار الناس ، فشق على هشام حين دخل من غير إذن ، فقام الأعرابي فقال : أصابتنا ثلاثة أعوام : فعام أكل الشحم ، وعام أكل اللحم ، وعام انتقى العظم ، وعندكم فضول من أموال ، فإن كانت لله فاقسموها بين عباد الله ، وإن كانت لعباد الله فبما تحبسها عنهم ، وإن كانت لكم فتصدقوا ، ( إن الله يجزي المتصدقين (1) ) ، فقال له هشام : « ما حاجتك ؟ » قال : ليس لي حاجة ، فكتب هشام إلى عامله بالمدينة : « أنفق على مقحمي المدينة » فرفع مائة ألف دينار
__________
(1) سورة : يوسف آية رقم : 88
(1/475)
________________________________________
466 - وحدثنا أبو محمد الباهلي قال : نا عمي عبد الملك بن قريب الأصمعي ، قال : سمعت أصحابنا ، يتحدثون ، قالوا : سمعنا علي بن أصمع ، يقول : قال لي ابن عامر : « إذا طلبت إلي حاجة فاجعل بيني وبينك سترا ، فإن يكن منع لم يلقك ، وإن يكن نجح أتاك »
(1/476)
________________________________________
467 - وقال لي زياد : « لا تشرك في معروفي غيري ، فإني إن أعطيتك هنأتك ، وإن منعتك أحسنت المنع ، وأرصدت لك حاجة أخرى »
(1/477)
________________________________________
468 - وحدثني أبو محمد الباهلي ، عن عمه ، قال : دخل الفرزدق على عمرو بن عتبة وهو في داره بالزاوية ، فجعل يسلت (1) العرق عن وجهه ، وقال : « لولا ابن عتبة عمرو والرجاء له ما كانت البصرة الحمقاء لي وطنا أعطاني المال حتى قلت يودعني أو قلت أودع لي مالا رآه لنا فجوده مكسب شكرا ومنته وكلما ازددت شكرا زادني مننا يرمي بهمته أقصى مسافتها ولا يريد على معروفه ثمنا »
__________
(1) السلت : المسح والإزالة
(1/478)
________________________________________
469 - حدثني أبو القاسم السلمي هارون بن أبي الحسين ، عن محمد بن عبد الله القرشي ، قال : قيل لنصيب : هرم (1) شعرك ، قال : « لا والله ولكن هرم الجود ، لقد مدحت الحكم بن المطلب بقصيدة ، فأعطاني أربعمائة ناقة ، وأربعمائة شاة ، وأربعمائة دينار » قال : وسأل أعرابي الحكم بن المطلب فأعطاه مالا ، فبكى الأعرابي ، فقال الحكم : « ما يبكيك ؟ » قال : والله إني أنفس على الأرض أن تأكل مثلك إذا مت
__________
(1) هرم شعرك : قدم وبلي
(1/479)
________________________________________
470 - أخبرني أبو زيد النميري ، قال : حدثني أبو غسان محمد بن يحيى الكناني قال : أخبرني الحارث بن إسحاق ، قال : استعمل بعض ولاة المدينة الحكم بن المطلب بن حنطب على بعض المساعي فلم يرفع شيئا ، فقال له الوالي : أين الإبل والغنم ؟ قال : « أكلنا لحومها بالخبز » قال : فأين الدنانير والدراهم ؟ قال : « اعتقدنا بها الصنائع في رقاب الرجال » فحبسه ، فأتاه وهو في السجن بعض ولد نهيك بن يساف الأنصاري فمدحه ، فقال : خليلي ، إن الجود في السجن فابكيا على الجود إذ سدت علينا مرافقه ترى عارض المعروف كل عشية وكل ضحى يستن في السجن بارقه إذا صاح كبلاه طما فيض بحره لزواره حتى تحوم غرانقه « فأمر له بثلاثة آلاف درهم وهو محبوس »
(1/480)
________________________________________
471 - قال أبو بكر : قال مصعب بن عبد الله الزبيري : حدثني مصعب بن عثمان ، عن نوفل بن عمارة ، أن رجلا من قريش من بني أمية بن عبد شمس له قدر وخطر لحقه دين ، وكان له مال من نخل وزرع ، فخاف أن يباع عليه ، فشخص من المدينة يريد الكوفة ويعمد خالد بن عبد الله القسري ، وكان يلي لهشام بن عبد الملك العراق ، وكان يبر من قدم عليه من قريش ، فخرج الرجل يريده ، وأعد له هدايا من طرف المدينة ، حتى قدم فيد ، فأصبح بها ونظر إلى فسطاط (1) عنده جماعة ، فسأل عنه ، فقيل : الحكم بن المطلب ، فلبس نعليه ثم خرج حتى دخل عليه ، فلما رآه قام إليه فتلقاه ، فسلم عليه ، ثم أجلسه في صدر فراشه ، ثم سأله عن مخرجه ، فأخبره بدينه وما أراد من إتيان خالد بن عبد الله ، فقال له الحكم : « انطلق بنا إلى منزلك ، فلو علمت بمقدمك لسبقتك إلى إتيانك » ، فمضى معه حتى أتى منزله ، فرأى الهدايا التي أعد لخالد ، فتحدث معه ساعة ، ثم قال له : « إن منزلنا أحضر عدة ، وأنت مسافر ونحن مقيمون ، فأقسمت عليك إلا قمت معي إلى المنزل ، وجعلت لنا من هذه الهدايا نصيبا » ، فقام الرجل معه ، فقال : خذ منها ما أحببت ، فأمر بها فحملت كلها إلى منزله ، وجعل يستحيي أن يمنعه منها شيئا حتى إذا صار معه إلى المنزل ، فدعا بالغداء وأمر بالهدايا ففتحت ، فأكل منها ، وأكل منها من حضره ، ثم أمر ببقيتها ترفع إلى خزانته ، فقام وقام الناس ، ثم أقبل على الرجل ، فقال : « أنا أولى بك من خالد وأقرب منك رحما ومنزلا ، وها هنا مال للغارمين أنت أولى الناس به ، ليس لأحد عليك فيه منة إلا لله ، تقضي به دينك ، ثم دعا له بكيس فيه ثلاثة آلاف دينار فدفعه إليه » ، وقال : « لقد قرب الله عليك الخطوة فانصرف إلى أهلك مصاحبا محفوظا » فقام الرجل من عنده يدعو له ويتشكر ، فلم يكن له همة إلا الرجوع إلى أهله ، وانطلق الحكم يشيعه فسار معه شيئا ، ثم قال له : لكأني بزوجتك قد قالت لك : أين طرائف العراق ، بزها وخزها وعراضاتها ؟ أما كان لنا معك نصيب ؟ ثم أخرج صرة قد حملها معه فيها خمسمائة دينار ، فقال : أقسمت عليك إلا جعلت هذه لها عوضا من هدايا العراق وودعه وانصرف قال مصعب بن عثمان : جهدت بنوفل بن عمارة أن يخبرني بالرجل فأبى
__________
(1) الفسطاط : بيت من شعر ، وضرب من الأبنية ، والجماعة من الناس
(1/481)
________________________________________
472 - قال زبير بن أبي بكر فيما أجاز لنا : حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري ، عن عميه موسى وإسماعيل ابني عبد العزيز ، قالا : كان القرشي إذا انقطع شسعه (1) خلع النعل الأخرى ، فانقطع شسع الحكم بن المطلب فخلع النعل الأخرى ومضى ، فأخذ نعليه إنسان نوبي فسوى الشسع وجاءه بالنعلين في منزله ، فقال له : « سويت الشسع ؟ » قال : نعم ، « فدعا جاريته بثلاثين دينارا فدفعها إلى النوبي » ، وقال : « ارجع بالنعلين فهما لك »
__________
(1) الشسع : سير يمسك النعل بأصابع القدم
(1/482)
________________________________________
473 - قال : وفيما أجاز لنا زبير قال : وأخبرني نوفل بن ميمون ، قال : أنشدني أبو مالك محمد بن مالك بن علي بن هرمة لعمه إبراهيم بن علي بن هرمة يمدح الحكم بن المطلب : « تصبح أقوام عن المجد ، والعلى فأضحوا نياما وهو لم يتصبح إذا كدحت أعراض قوم بلؤمهم نجا سالما من لؤمهم لم يكدح ليمنك إن المجد أطلق رحله لديك على خصب خصيب ومسرح »
(1/483)
________________________________________
474 - وزعم محمد بن إسحاق المسيبي ، قال : حدثني إبراهيم بن أبي ضمرة ، قال : مر الحكم بن المطلب بسوق الغنم أيام العيد ، فعرض له حرس السوق فسلموا عليه ، فوقف عليهم فرد عليهم السلام وسألهم عن أثمان الضحايا ، فذكروا أنها غالية وأنها بثلاثين ثلاثين . فالتفت إلى مولى أبيه ، عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب فقال : « اشتر لكل رجل منهم شاتين مما يشيرون لك إليه » ثم حرك دابته فمضى
(1/484)
________________________________________
475 - وقال محمد بن إسحاق ، حدثني القاسم بن محمد بن المعتمر بن عياض بن حمنن بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف ، قال : حدثني حميد بن معيوف الحمصي ، عن أبيه ، قال : كنت فيمن حضر الحكم بن المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم وهو يجود (1) بنفسه بمنبج ، قال : ولقي من الموت شدة ، فقلت - أو قال رجل ممن حضر - وهو في غشيته : اللهم هون عليه فإنه كان ، يثني عليه ، فأفاق ، فقال : « من المتكلم ؟ » فقال المتكلم : أنا ، قال : « فإن ملك الموت يقول لك : إني بكل سخي رفيق » قال : فكأنما كانت فتيلة أطفئت قال القاسم : فلما بلغ موته ابن هرمة قال شعرا : سالا عن الجود والمعروف أين هما فقلت إنهما ماتا مع الحكم ماتا مع الرجل الموفي بذمته يوم الحفاظ إذا لم يوف بالذمم ماذا بمنبج لو تنبش مقابرها من التهدم بالمعروف والكرم
__________
(1) يَجُود بنفسه : أي يُخْرِجُها ويَدْفَعُها كما يَدْفَع الإنسان ماله يَجُودُ به يُرِيد أنه في النَّزْع وسِيَاق الموْت
(1/485)
________________________________________
476 - وأخبرني عمر بن أبي معاذ البصري قال : حدثني محمد بن يحيى بن علي الكناني ، قال : قدم ابن سلم الشاعر على حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية ، فقال يمدحه : فلما دفعت لأبوابهم ولاقيت حربا لقيت النجاحا وجدناه يخبطه السائلون ويأبى (1) على العسر إلا سماحا يزارون حتى ترى كلبهم يهاب الهرير وينسى النباحا قال ابن سلم : « فأرسل إلي برزمة ثياب وبكيس » ، فوضع رسوله الرزمة ، وعذره بقلة ما أرسل ، وقال : إني لأستحيي منك أن أعلمك ما بعث به ، فإذا نهضت فخذه من تحت فراشك ، ثم وضع تحت فراشي ألف دينار
__________
(1) يأبى : يمتنع ويرفض
(1/486)
________________________________________
477 - حدثني أبو جعفر المديني ، عن محمد بن حرب الهلالي ، قال : حج عتبة بن أبي سفيان سنة إحدى وأربعين ، فصعد المنبر ، فحمد الله ، ثم قال : « أيها الناس ، إنا قد ولينا هذا المقام الذي يضاعف للمحسن فيه الأجر وعلى المسيء الوزر ، ونحن على طريق ما قصدنا ، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا ، فإنها تقطع دوننا ، ورب متمن حتفه في أمنيته ، فاقبلوا العافية منا ما قبلناها منكم ، وإياكم وقول لو ، فإنها قد أتعبت من قبلكم ، ولن تريح من بعدكم ، نسأل الله أن يعين كلا على كل » ، فاعترضه أعرابي ، فقال : أيها الخليفة ، فقال : « لست به ولم تبعد » ، قال : فيا أخاه ، قال : « قد أسمعت فقل » ، قال : لعمري ، أن تحسنوا وقد أسأنا خير من أن تسيئوا وقد أحسنا ، فإن كان الإحسان منكم فما أحقكم باستتمامه ، وإن كان منا فما أحقنا بمكافأتكم ، قال له عتبة : « من أنت ؟ » قال : رجل من بني عامر بن صعصعة يلقاكم بالعمومة ، ويختص إليكم بالخؤولة ، كثره عيال ، ووطئه زمان ، وبه فقر ، وعنده شكر . فقال عتبة : « أستغفر الله منك ، وأستعين بالله عليك ، وقد أمرت لك بغناك ، فليت إسراعي إليك يقوم بإبطائي عنك »
(1/487)
________________________________________
478 - أخبرني العباس بن هشام بن محمد ، عن أبيه ، عن خالد بن سعيد بن عمرو الأموي ، قال : دخل كثير على عبد الملك بن مروان ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أرض لك يقال لها غرب ، ربما أتيتها وخرجت إليها بولدي وعيالي ، فأصبنا من رطبها ومن تمرها شراء مرة ، وطعمة مرة ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعرينيها فعل ، فقال له عبد الملك : « ذاك لك » ، فندمه الناس ، وقالوا : أنت شاعر الخليفة ولك منه منزلة عظيمة ، هلا كنت سألته الأرض قطيعة ؟ فأتى الوليد ، فقال : إن لي إلى أمير المؤمنين حاجة ، قال : إنك لا تستمكن منه ، إنما يؤتى برذونه (1) فيركبه إذا انصرف عن مكة ، وكان بمكة . قال : أجلسني قريبا من البرذون ، فأجلسه قريبا منه ، فلما استوى عبد الملك على البرذون قام ، فقال له عبد الملك : « إيه » ، وعرف أن له حاجة ، فقال : جزتك الجوازي عن صديقك نضرة وأدناك ربي في الرفيق المقرب فإنك لا تعطي عليك ظلامة عدوا ولا تأبى من المتقرب وإنك ما تمنع فإنك مانع بحق وما أعطيت لم يتعقب قال : « لعلك أردت غربا ؟ » قال : نعم ، يا أمير المؤمنين ، قال : « اكتبوا له بها كتابا » ، ففعلوا
__________
(1) البرذون : يطلق على غير العربي من الخيل والبغال وهو عظيم الخلقة غليظ الأعضاء قوي الأرجل عظيم الحوافر
(1/488)
________________________________________
479 - وأخبرني العباس بن هشام ، عن أبيه ، عن خالد بن سعيد ، قال : دخل كثير على عبد العزيز بن مروان ، فأنشده : إذا ابتدر الناس المكارم بذها عراضة أخلاق ابن ليلى وطولها حتى فرغ منها ، فأعجب بذلك عبد العزيز ، وقال : « حكمك يا أبا صخر » قال : أحتكم أن أكون مكان ابن رمانة ، وكان ابن رمانة كاتبه وصاحب أمره ، فقال عبد العزيز : « ترحا لك ، وما أردت إلى هذا ولا علم لك بخراجه ولا بكتابه ؟ اخرج عني » فندم كثير ثم لم يزل حتى دخل عليه ، فقال : عجبت لأخذي خطة الغي (1) بعدما بدا (2) لي من عبد العزيز قبولها وأمي صعبات الأمور أروضها وقد أمكنتني قبل ذاك ذلولها وأنت امرؤ من أهل بيت عمارة أمور بخيرات الأمور فعولها فلم أر ركبا جاءنا لك حاذيا ولا خلة يزري عليك دخيلها ذرا الله في أرض ابن ليلى بناتها فأمرع جوفاها وبورك نيلها فقال : « أما الحكم فلا ، وقد أمرنا لك بعشرين ألفا »
__________
(1) الغي : الضلال والانهماك في الشر
(2) بدا : وضح وظهر
(1/489)
________________________________________
480 - وأخبرني العباس بن هشام ، عن أبيه ، عن يحيى بن عليم ، عن أبيه ، قال : قدم الأخطل الشام على بعض بني أمية فامتدحه ، فأخبر بعبد الله بن سعيد بن العاص ، متبديا فيما بين المدينة والشام ، وكانت جدته - أم أمه - تغلبية ، وعبد الله يومئذ غلام ، فأتاه الأخطل فأنشده قصيدته التي يقول فيها : فمن يك سائلا ببني سعيد فعبد الله أكرمهم نصابا « » وأمر له بخمسة آلاف درهم وناقة برحلها « » ، فقيل له : أعطيت أعرابيا نصرانيا ما أعطيته ولم تستمدحه ، وإنما كان يرضيه اليسير ، فقال عبد الله : « » علي بالأخطل « » ، فجاء فقال : « » إني أعطيتك ولم آمرك بشيء ، فهي لك في كل سنة ، فإذا بدا (1) لك فتعال « »
__________
(1) بدا : وضح وظهر
(1/490)
________________________________________
481 - حدثني المفضل بن غسان ، قال : حدثني أبي قال : حدثني أبو عمر القرشي المكي ، قال : « خرج قوم من قريش يريدون بعض الخلفاء بالشام ، فمروا قريبا من أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فقالوا : لو ملنا إلى أبي بكر ، فمالوا إليه فحبسهم (1) » ثم أرسل إليهم بثوب فيه مال تحمله عدة (2) « وقال : » لو كان عندنا أكثر من هذا أرسلنا به إليكم « ، فلما رأوا ذلك قالوا : ما نحتاج إلى الذهاب في وجهنا ، في هذا ما نكتفي به ، فارتحلوا ، فلم يدن (3) منهم أحد من غلمانه وحشمه يعينهم على رحلتهم . فلما ودعوه قالوا : لقد رأينا من برك (4) وإكرامك وصنيعك ما أعجبنا ، ولكنا رأينا شيئا أنكرناه عند رحلتنا ، لم يدن منا أحد من غلمانك وحشمك فيعيننا على رحلتنا حتى تكلفنا نحن ذلك ، فضحك ، وقال : » إنهم لا يعينون أحدا على رحلتهم عنا «
__________
(1) الحبس : المنع والمراد منعهم من الرحيل
(2) العدة : عدَّة المرْأة المُطَلَّقة والمُتَوفّى عنها زَوجُها هي ما تَعُدّه من أيَّام أقْرائِها، أو أيام حَمْلِها، أو أرْبَعة أشْهُر وعشْر لَيال
(3) يدنو : يقترب
(4) البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
(1/491)
________________________________________