Tentang artikel

Penulis :

Hakam A. Zummo Al-Aqily

Tanggal :

Tue, Jan 28 2025

Kategori :

For New Muslim

Download

الرحيل لدار البقاء

الرحيل لدار البقاء

 

إخوتي وأخواتي، لو قيل لعامل أو موظف أو طالب مغترب أنك ستنال إجازتك السنوية في التاريخ الفلاني، يا ترى كم ستكون فرحته!!، وكيف سيقضي تلك الأيام التي تفصله عن تلك الإجازة، لا بد أنها ستكون أياماً سعيدةً بلا شك!!، فكل يوم تطلع شمسه فهو يقربه إلى موعد سفره وكل أسبوع ينقضي يقربه أكثر فأكثر وهكذا. وكذلك في أثناء ذلك فإنه يستعد للوازم السفر من ملابس وحاجيات وهدايا، فتجده بين الفينة والفينة يذهب للسوق ليشتري بعضاً من حاجياته ولوازمه وهداياه لأحبابه، وفي خضم ذلك فإن قلبه يكاد يطير فرحاً كلما أنجز شيئاً من لوازم السفر، وأيقن أنه يوشك أن يكون مستعداً له، فيتلهف قلبه شوقاً إليه وإلى من سيلقاهم من أحبه من أهل وأقارب وأصدقاء ومعارف، متيقناً أنه سيُمضي معهم أسعد أيامه وأوقاته، مستصغراً في ذلك أي عناءٍ، متناسياً ما لاقى في أيام الغربة من تعب ونصب ولوعة البعد عنهم وعن بلاده ووطنه.

وهكذا نحن بني آدم كمسافرين في هذه الدنيا([1])، لابد أن نغادرها يوماً ما، نغادر غربتها وتعبها ومشاقها، متطلعين إلى دار البقاء لنحط رحالنا فيها، حيث السعادة الدائمة، والراحة الأبدية والنعيم المقيم في جنات النعيم كما روى رسول الله ﷺ عن ربه قوله سبحانه: ( أعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولَا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ )، فَاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ ﴿ فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهمْ مِن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾([2]). فيها نلقى أحبابنا من الرسل وأصحابهم وأتباعهم([3])، نلقى من مضى من أبائنا وأمهاتنا قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ([4])، نلقى كافة أحبتنا في جنات الخلد ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ([5]).

 

 

وكما أن لسفر الدنيا استعداده، فكذلك السفر للآخرة استعداداته، وذلك يكون بفعل الطاعات من واجبات ومستحبات، وتجنب المنكرات من حرام ومكروهات، وحسن التعامل مع الخلق من أنس وغيرهم من المخلوقات التي أمرنا الشرع بالإحسان إليهم([6]). فيا شوق الموفق الصالح المصلح للقيا ربه ومولاه، فإن أيام الدنيا وإن طالت في نظره، ماهي إلى مطايا تقربه إلى دار الخلد يوماً بعد يوم، فكل عام ينقضي من عمره، فهو يقربه أكثر وأكثر ليوم المعاد، وكل طاعة ينجزها تطير به شوقاً إلى الله والدار الآخرة([7])، ويزداد فرحاً وسروراً كلما تقدم به العمر لأنه مدرك أشد الإدراك أن مابقي أقل بكثير مما مضى، فتتلهف نفسه ويجتهد في طاعة ربه ليكون جديراً بالعَوْدِ لدار البقاء، دار أبوينا آدم وحواء عليهما السلام، والتمتع بنعيمها الدائم المقيم، ولقيا الأحبة والأنس بهم، حيث لا فرقة بعدها ولاغربة. 

وليتم سفر الدنيا لابد من قطع المسافات وعبور الحدود والسفر إما بالسيارة أو القطار أو الطائرة أو السفينة، وفي كل هذه الأنواع من الأسفار يختلف الجهد والتعب والمدة باختلاف الوسيلة وطول السفر، ولكن يعقب ذلك لذة اللقاء وحلاوة الأنس بالأحبة والغائبين. وللسفر للدار الآخرة لابد من مرحلة وسيطة بينها وبين الدنيا ألا وهي الموت، فبالموت ينتقل العبد من دار الدنيا إلى دار الخلد مروراً بعدة مراحل زمانية ومكانية مؤقتة([8])، حيث تختلف ظروف الموت ومشقته باختلاف نوعه ومدة الاحتضار، فمن الناس من يباغته الموت فجأةً بسبب حادث سيارة أو سكتة قلبية أو غيرها من الأسباب، ومنهم من يمرض مرضاً طويلاً يقاسي خلاله أنواع الآلم والأوجاع إلى أن تحين ساعته ويقضي الله فيه أمره، ومنهم ما بين ذاك وذاك، فلله الحِكمُ البالغة في جميع ماقضى وأنفذ في عباده.

 

الله أسأل أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأن يرزقنا حسن الختام، وأن يجعلني وإياكم من ساكني جنات النعيم، وأن يكرمنا بجوار خير المرسلين سيدنا وشفيعنا محمد ﷺ في أعلى جنات الخلد...

آمــــــــــــــــــين.

 

السيد / حكم زَمُّو العَقِيلي    ( ١٤٤6 - ٢٠٢5 )

 

([1]) أوصى رسولُ اللهِ ﷺ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بقوله: ( كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو كعابرِ سبيلٍ )، رواه البخاري في الرقائق (6416) بنحوه، والترمذي في الزهد (2333)، وابن ماجه فيه (4114)، وأحمد (4764)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (3/301) واللفظ له. ومصداقه كذلك أن رسولَ اللهِ ﷺ نامَ على حَصيرٍ فقامَ وقد أثَّرَ في جنبِهِ، فقُلنا يا رسولَ اللَّهِ لوِ اتَّخَذنا لَك وِطاءً فقالَ : ( مالي ولِلدُّنيا ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكِبٍ استظلَّ تحتَ شجَرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها ) صحيح أخرجه الترمذي في الزهد (2377)، وابن ماجه في (4109)، وأحمد (3709)، والوطاء هو الفراش.

([2]) سورة السجدة أية 17، والحديث متفق عليه رواه البخاري في بدء الخلق (3244)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2824).

([3]) سُمع عمار بن ياسر رضي الله عنهما يُنادي يوم صِفِّينَ، اليوم الذي قُتِلَ فيه: ( أُزلِفَتِ الجَنَّةُ، وزُوِّجَتِ الحُورُ العِينُ، اليَومَ نَلْقى الأحِبَّةَ، مُحمدًا وحِزبَه )، السلسلة الصحيحة (662/7). 

(4) سورة القمر آية 55.

(5) سورة الطور آية 21، ويقول ابن كثير في تفسيره: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله في تفسير الآية: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ  قالهم ذرية المؤمن، يموتون على الإيمان، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم، ألحقوا بآبائهم، ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوا شيئاً.

([6]) هناك خمس من الحيوانات أمرنا الشرع بقتلها في الحرم لضررها وإفسادها، قال رسول الله ﷺ: ( خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهَا فَوَاسِقُ تُقْتَلُ في الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ العَقُورُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ )، متفق عليه رواه البخاري في بدء الخلق (3314)، ومسلم في الحج (1198).

([7]) قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: ( ابْنَ آدَمَ طَأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ، فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ تَكُونُ قَبْرَكَ، ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، فَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ. ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ يَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ) من كتاب الزهد لابن أبي الدنيا.

([8]) أولى تلك المراحل البرزخ وهو المدة الزمنية الفاصلة بين موت العبد والبعث، ثم يليه البعث والنشور، ثم الوقوف بأرض المحشر، ثم تطاير الصحف وعرض الحساب، ثم عبور الصراط وهو طريق بين ظَهْرَانَيْ جهنم لا ينجو منه إلا المؤمنون، وأما الكُفّْار والمنافقون وبعض عصاة المسلمين فيُلقَون في جهنم والعياذ بالله، ثم ( يحبس المؤمنون في قنطرة بينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، فيُقَصُّ لبَعضِهم من بَعضٍ مَظالِمُ كانت بينَهم في الدُّنيا، حَتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِنَ لهم في دُخولِ الجَنة )*. وفي كل مرحلة يمكث الخلق ما شاء الله لهم أن يمكثوا إلى أن يحين موعد المرحلة التالية، وهكذا تُسلم كل مرحلة المرحلة التي تليها إلى أن تحط رحال المؤمنين في جنات النعيم. * صححه الألباني، رواه البخاري في (الأدب المفرد) (486) واللفظ له، وأحمد (11110).