مسألة الحجاب يسأل عنها أهل العلم المتبعين للدليل
نشرت جريدة الرياض في يوم الاثنين 22 ربيع الآخر عام 1434هـ مقابلة مع بعض النساء حول حكم الحجاب بعنوان (كشف المرأة للوجه حق لا يثير فتنة) وقد طبقت النسوة هذا القول بالعمل بكشفهن لوجوههن في صورهن المنشورة في الصحيفة دون خجل أو حياء بل هو على حد قول القائل (الجواب ما ترى دون ما تسمع)، وأنا لا ألومهن أكثر مما ألوم الصحيفة التي نشرت تلك المقابلة مع ما تفوهن به من كلام مصادم للأدلة الشرعية في موضوع الحجاب، وكأن البلد ليس فيها مرجع علمي للمسائل العامة خصوصا ما يتعلق بالنساء وكأن الناس في فوضى في أمور دينهم وأخلاقهم، وقد بدأت المقابلة بكلام فيه جرأة على الفتوى بغير علم حيث جاء فيها ما نصه: (كشف المرأة لوجهها محل خلاف فقهي قديم بين المذاهب الأربعة، ولكن حتما لم يقل أحد بتحريمه، لأنه لا يستطيع أن يأتي بالدليل الصريح الذي هو مناط الحكم والتشريع، وإنما هو اجتهاد غلبت عليه مصالح ومقاصد شرعية أخرى إلى جانب تفاوت في تفسير النصوص، فمثلا من التبس عليهم تفسير آية الحجاب لم يفرقوا بين الجلباب والعباءة والنقاب والبرقع والخمار والزينة والملابس والوجه) انتهى.
وهذا كلام فيه تخليط وتناقض نتيجة لعدم تخصص من قاله في الأحكام الشرعية وأدلتها وذلك من وجوه:
فأولاً: القول بأن كشف المرأة لوجهها [فيه خلاف فقهي قديم بين المذاهب الأربعة] يجاب عنه بأنه لو فرضنا أن في أي مسألة خلافا فإن الواجب الرجوع إلى الدليل الذي يحسم ذلك الخلاف كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".
ثانيًا: وأما القول: [بأنه لم يقل أحد بتحريمه] يقال عنه: إذا لم يقل أحد بتحريمه فإباحته إذًا محل اجماع، وهذا يتناقض مع دعوى الخلاف المذكور في قولهم: [كشف المرأة لوجهها محل خلاف فقهي قديم بين المذاهب الأربعة].
ثالثًا: القول: [بأن المحرم لكشف الوجه لا يستطيع أن يأتي بالدليل الصريح الذي هو من مناط الحكم والتشريع]، أي لتحريم كشف الوجه نقول بل هناك أدلة من الكتاب والسنة صريحة في وجوب الحجاب وتحريم كشف الوجه منها قول الله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ)، والخمار هو غطاء الرأس فإذا سدل على النحر مر بالوجه فغطاه يوضح هذا قول عائشة رضي الله عنها: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه) رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه وكذلك قول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، والحجاب ما يستر المرأة من ثوب ونحوه والآية وإن كانت تعني نساء النبي صلى الله عليه وسلم فحكمها عام لنساء الأمة لأنهن قدوة لهن ولأن قوله تعالى: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، علة عامة وهي حصول الطهارة للقلوب فالطهارة مطلوبة لكل نساء الأمة، والحكم إذا كانت علته عامة فهو حكم عام كما قرر ذلك علماء الأصول، وأيضا إذا كان هذا في شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن أطهر نساء العالمين فغيرهن من باب أولى إذ هن القدوة لنساء الأمة، وكذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)، والجلباب هو اللباس الكبير الذي يضفي على جميع الجسم ويكون فوق الملابس وقد أمرن بإدنائه على الوجه ليغطيه كما فسره بذلك عبدالله بن عباس رضي الله عنهما كما في تفسير الأمام ابن كثير وغيره، وقد علل ذلك بقوله تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)، أي يعرفن بالحشمة والنزاهة فلا يتعرضن لهن من في قلبه مرض من الفساق والمنافقين وقد دل ذلك على أن عدم تغطية المرأة لوجهها مما يطمع فيها من به مرض الشهوة من الفساق فغطاء وجه المرأة فيه حماية لها من أطماع الفساق ففي الحجاب طهارة القلوب وفيه قطع أطماع الفساق بالنساء فكيف يقال: إن وجه المرأة لا يثير فتنة، وقد أجمع العلماء على أن كشف وجه المرأة إذا كان يثير فتنة فإنه لا يجوز كشفه.
رابعا: وأما قول سهيلة زين العابدين: [فكم من امرأة لبست النقاب وفتنت مئات الرجال، وكم من امرأة كشفت وجهها وتخطى بالاحترام والتقدير]، فهو قول يخالف قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)، حيث جعل سبحانه تغطية الوجه بطرف الجلباب مانعة للفتنة دالة على الحشمة والعفاف.
خامسًا: وقول هنادي حجازي: [إن هناك اختلافا بين الأئمة حول مسألة كشف الوجه واختلاف الأئمة رحمة بالأمة] فالجواب عنه أن الرحمة في الاتفاق والإجماع، وأما الفرقة فهي عذاب، قال الله تعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، فالذين رحمهم الله لم يختلفوا، والله خلقهم للاتفاق والاجتماع ولم يخلقهم للفرقة والخلاف.
سادسا: وقول سهام علي [إن المجتمع القديم لم يكن على هذا النحو من التشدد فكانت المرأة تخرج بزي محتشم دون غطاء الوجه في العديد من المناطق المملكة ثم تأثرت المناطق بعضها ببعض ورأينا الغطاء... إلخ].
والجواب عن ذلك أن الحجة ليست فيما عليه بعض الناس مما يخالف الدليل، وإنما الحجة والحق مع من وافق الدليل، وإذا كانت النساء في بعض مناطق المملكة يكشفن وجوههن عن جهل ولما تبين لهن الحق غطين وجوههن فهذه فضيلة تشكر لهن لأن الرجوع إلى الحق فضيلة والتمادي في الباطل رذيلة.
سابعاً: وقول هناء محمد [فالمواطنون ليسوا بمعزل عن المجتمع وتطور المجتمعات حوله، كما أن برامج تعزيز الحوار والثقافات والابتعاث وغيرها من البرامج ساعدت على تعزيز مبدأ الوسطية والاعتدال.. إلخ].
والجواب عن ذلك: أن المرأة المسلمة يجب عليها أن تتمسك بأوامر دينها في أي مكان ومن ذلك التزام الحجاب، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله أينما كنت"، والحجاب فيه كرامة لها وقطع لأطماع الذين في قلوبهم مرض وكف للأذى عنها فكشف الوجه من مخاطر الابتعاث التي تتعرض لها الفتاة المسلمة قال تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)، فالمحجبات يعرفن بالفقه فلا يؤذيهن الفاسق.
ثامنا: تمني عبير الشهراني أن تعيش حياتها دون أن يصادر أحد حريتها أو يلزمها بالحجاب إلى آخر ما قالت، نقول لها: هل الأمر بما أمر الله به ورسوله من الالتزام بالحجاب مصادرة للحرية أو محافظة على الحرية الحقة التي هي عبودية الله فالحرية الحقة فيما يصونها ويحميها بامتثال أوامر الشرع لتكون عبدة لله لا عبدة لغيره ففي الحجاب حفظ لحريتها وفي تركه ضياع لحريتها.
تاسعًا: وقول بدرية العمري: [لماذا لا يفرض على الرجل إعفاء لحيته وتقصير ثوبه كما يفرض النقاب على المرأة] والجواب عنه أن الله قد فرض على الرجل إعفاء لحيته وحرم عليه اسبال ثوبه كما فرض الله على المرأة تغطية وجهها (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً).
عاشرا: وقول سهيلة زين العابدين: للأسف الشديد الكثير اخضعوا للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية لموروث فكري وثقافي طبقا للعادات والتقاليد والأعراف التي توارثوها وعادات جاهلية لا تمت للإسلام بصلة كذا قالت وهي تزدرى بذلك العلماء الذين استدلوا بالآيات والأحاديث على وجوب الحجاب وجعلت ذلك موروثا جاهليا لا يمت للإسلام بصلة بزعمها، وهذا تجهيل لعلماء الأمة وأئمتها ونسيت أن الإرث الجاهلي هو العودة إلى تقاليد الغرب الذي ضيع نساءه فضاعت أخلاقه وكرامته.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وختاما أسأل الله التوفيق لمعرفة الحق والعمل به ومعرفة الباطل واجتنابه
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
1434-04-24هـ
© Copyright Islam land أرض الإسلام . All Rights Reserved 2017